قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والثمانون

رواية أسطورة أبيس للكاتبة تسنيم مصطفى الفصل الثالث والثمانون

نظرت الى الرجل المذهول امامي في عدم فهم. كيسارا؟! ماذا يعني؟ اقترب مني فأفسح له الجنود فصرخت:
-لا! ابتعد!
توقف في مكانه عاقدا حاجبيه وقال: -ماذا بك؟
تمسكت بجسد ليام وصحت بصوت باكِ: -لقد اخبرتكم اني من تريدون فاتركوهم. ارجوكم
انخرطت في البكاء بينما اقترب الرجل الأخر مبتعدا عن إفرديين قائلا:
-كيسارا؟ اتعني حاضنة التنين كيسارا؟!
اومأ الشاب ذو الشعر الأسود ونظر لي ثم قال: -ماذا تفعلين هنا؟

حدقت فيه للحظة ثم قلت: -اتتحدث إلى انا؟ من انت؟
اتسعت عيناه وردد خلفي كالأبله: -من انا؟
واقترب خطوة من جسد ليام فضممته إلى اكثر عندها شعرت بيد ليام تتحرك لتقبض على معصمي وبوهن قال:
-الم تعديني؟
ازداد سيل الدموع وهمست: -اسفة. اسفة هذا بسببي. لقد كنت محقا. ما كان يجب ان ابقى معكم
بصوت لا يكاد يُسمع: -الم انهك عن. هذا؟
سمعت تأوهات فرفعت رأسي بسرعة الى إفرديين لأرى قدم الجندي لاتزال على عنقها فصحت:.

-ابتعد عنها. ابتعد عنها!
ثم حولت بصري الى الرجلين الواقفين امامي وهتفت: -سأفعل ما تريدون. اي شيء تريدون فقط دعوهم. ارجوكم اتركوهم
نظر صاحب الشعر الأسود الى الرجل الأخر في حيرة بينما اعطي الأخر اوامره بإشارة من يديه فابتعد الجندي عن إفرديين ثم اشار إلى قائلا:
-تلك اُريدها حية.

علي الفور هرع الجنود حولي يجذبني كل منهم دون مقاومة مني حاولة الإعتدال لكن قبضة ليام على معصمي اصبحت اقوى محاولا منعهم من اخذي وهو يقول بصوت مختتنق:
-ليس وانا حي
-لا توقف يا ليام!
ورغم تحذيري لم يتزحزح فركله الجندي ليتخلص من قبضته وحين سمعت أنين ليام صحت في الجندي بغل وحقد وانا لا ادري كيف اُقف الدموع:
-الم اقل اني سأفعل ما تريدون؟! في مقابل ان تتركوهم. الم افعل ايها الحقير؟

شعرت بالأرض تهتز من تحتي لكن غضبي منعني من ان اكترث او حتى ان الحظ نظرات الرعب من حولي:
-امثالك لا يستحقون سوى الموت.
وعندما رفعت يدي مشيرة إلى الجندي في اتهام رأيته يُنتزع من الأرض ثم يطير جسده ليصطدم بالركام والحطام من حولنا فشهقت وتراجعت في رعب ودهشة في حين تعالى صياح الناس من حولي، نظرت الى الأرض في خوف:
-ما الذي حدث؟
توقف كل هذا عندما قال احد الرجلين: -يكفي هذا. واتركوا الرجل ما اُريده هو الفتاة.

هذه المرة اقترب مني الجنود في حذر مُحكمين قبضتهم على ثم تحركوا بي يقودونني الى عربة الترحيلات. نظرت الى ليام الذي التف الناس حوله ليساعدوه حين هتف:
-البا!
فوجدت نفسي ترتاح وقد انزاح عني بعض الذنب الذي يُكبلني منذ افقت في بيت إفرديين. وشعرت بإبتسامة تشق طريقها الى شفتاي وانا اقول:
-لقد انقذت حياتي من قبل. واليوم ارد الدين ولو عاد بي الزمن لما غيرت شيء
((إفيين - ابيس.

إختبئ جراد خلف البناية مستترا بالظلام في انتظار مرور دورية التفتيش. اغمض عينيه وتوقف عن التنفس فلو تم إمساكه الأن ستكون نهايته خاصتا وانهم يعرفون كيف يبدو ومن هو وانه فُقد وسط الغارات على إفيين لكن مما قابله خلال الثلاثة اسابيع السابقة فالجنود مأمورين بقتله بمجرد رؤيته وهو لم يعد يستطيع المقاومة. ثلاثة اسابيع منذ دُمرت القاعدة التي كان يعمل منها في البداية حاول صد الجنود لكن مع التزايد المستمر في العدد والإرهاق الشديد الذي يشعر به لم يعد قادرا حتى على الدفاع عن نفسه واضطر الى الهروب والإختباء حتى تهدأ الأوضاع قليلا وخلال تلك الفترة علم ان ابيس اعلنت انه مفقود. لقد سمع ايضا ان شداد ارسل هيثم الى إفيين وهذا اوقف زحف العدو المستمر لكن ما لا يفهمه هو كيف لم يجده هيثم بعد؟

مرت الدورية وابتعد الجنود دون ان يلحظوا وجوده فتنفس الصعداء ثم اعتدل واقفا. ترنح قليلا لكنه تماسك. يجب ان يصل الى هيثم. يجب ان ينضم الى باقي القوات. تسلل جراد امام البناية ومنها امكنه رؤية القاعدة العسكرية التي يتمركز فيها هيثم. اقترب منها ببطء وحذر وهو يدعو ان يشعر به هيثم وإلا فإن جنود ابيس قد يقتلونه إذا شعروا بإقترابه وهو قد فقد كل ما قد يُثبت هويته.
-الوضع مستقر يا سيادة العميد (الكولونيل).

اومأ هيثم رأسه وقال بحزم: -احرص على ان يبقى هكذا إن حدث اي تغير اريد ان اعرف على الفور، اتسمعني على الفور، وابعث بهذا التقرير الى القاعدة الرئيسية في ابيس.

ادى الضابط التحية واسرع مغادرا المكتب. بالكاد اُغلق الباب قبل ان ينهار هيثم بجسده على الكرسي متنهدا في إرهاق. هو لم يحظى بقسط كاف من الراحة مؤخرا مما جعله مرهقا الى ابعد الحدود. شبك اصابعه امام وجهه واسند رأسه بين اصابعه متنهدا مرة اخرى فأخيرا وبعد ثلاثة اسابيع تقريبا استطاع السيطرة على الوضع في افيين وإن لم يستطيعوا قهقرة العدو من إفيين لكنهم استطاعوا ايقاف التقدم وهذا في ذاته تقدم. المشكلة هي الى متى يستطيعون الصمود على هذا الوضع. لقد وصلته الأخبار ان ابيس استطاعت السيطرة على جميع الحدود وشداد اخيرا اعطى الإذن بالهجوم المضاد فكان اول من استجاب هو شاهين. ابتسم هيثم وهو يتذكر التقرير الذي يفيد بإنهزام جيش العدو على حدود البنارا. شاهين لم يرحم منهم احد، يُقال ان الجيش مزق بعضه اربا اربا. اخيرا بعض الاخبار الجيدة. هو ايضا ينوي ان يبدأ الهجوم بعد يومين من الأن. إن سار كل شيء كما خطط له فهو متأكد من ربح هذه المعركة. لن يدري العدو ما دهاه إلا بعد فوات الأون وربما يسترجع إفيين من قبضة العدو.

اغمض عينيه محاولا الإسترخاء وعدم التفكير في الحرب لكن افكاره قادته الى كيسارا. كيف هي الأن؟ ان شداد اصر على عدم تواجده في البنارا حتى لا يستشعر وجودها. عاد اليه شعوره بالقلق مرة اخرى تجاه كيسارا. وهو بعيد كل البعد، لا يستطيع ان يستشعر قواها. ان. توقف تماما عن التفكير فجأه وعقد حاجبيه في تركيز شديد. انه طفيف جدا لكن بإمكانه استشعاره. اخذ نفسا عميقا ثم حاول مرة اخرى. اجل يمكنه الشعور به. هذه القوة. جراد!

هب من مقعده بحركة حادة وبسرعة خرج من المكتب متبعا قواه حتى خرج من القلعة التي اتخذوها قاعدة عسكرية ثم توقف عند الجناح الشرقي من القلعة وعلى مقربة من السور الفاصل بين القلعة وباقي إفيين هتف:
-جراد؟
في جنح الظلام ومن بين الظلال خرج جسد مترنح وحين سقط عليه الضوء سمع هيثم صوتا خافتا يقول:
-لقد تأخرت كثيرا. انتظرت طويلا.
اسرع هيثم يساند جراد على الوقوف قائلا: -انا لا اكاد اشعر بك.

رأى جراد يبتسم ابتسامة واهنة قبل ان يهمد جسده عن الحركة ملقيا بثقله على هيثم. تسارعت دقات قلب هيثم في خوف وهو يضغط على سماعته مستدعيا الفريق الطبي الذي تحرك بمجرد تلقيه المكالمة وتم نقل جراد الى الجناح الطبي وهناك اكتشفوا وجود اصابة اسفل معدته واخرى في قدمه لكن كلتاهما ليستا خطرتين. ما افزع شاهين هو يده اليمنى التي اتخذت هيئة السيف دون ان تعود لطبيعتها رغم فقدانه الوعي. ثم هو بالكاد يستطيع الشعور بقواى جراد إنها طفيفة لحتى انه لم يشعر بها إلا من هذا القرب وهو الذي عندما وصل الى إفيين لم يشعر بجراد مطلقا حتى انه هو من ان اعلن انه فُقد اثناء الحرب بل كان شبه متأكد من مقتله اثناء الغارات.

جاءه التقرير الطبي عن حالة جراد ولم يكن متفاجأ حين اخبره الطبيب ان جراد يموت:
-معدلاته الحيوية منخفضة جدا وتنخفض مع الوقت وهي ليست متعلقة بإصابته. هذا امر خارج عن سيطرتنا.

اومأ هيثم برأسه في صمت وهو يرمق جسد جراد الراقد على الفراش من خلف الزجاج. نعم هذا خارج عن إطار سيطرتهم وشاهين ليس هنا وكذلك سيد شداد ليساعده على التعافي فما يحدث لجراد الأن وعدم عودة يده اليُمنة الى طبيعتها لا يدل إلا على شيء واحد. جراد قد دفع قواه.

والدفع للفرسان مختلف عن حُمال الطفرات فحامل الطفرة إذا دفع قواه الى اقصى حدودها يُجهد جسده وينهار كرد فعل طبيعي للمجهود الزائد كما يحدث إذا مارس احدهم الرياضة حتى الإنهيار. اما الفرسان فهم يدفعون قواهم ولا يتوقفون عند لحظة الإنهيار بل عندها تبدأ القلوب بتغذيتهم ومدهم بالطاقة التي لم يعد جسدهم قادرا على تحملها او السيطرة عليها حتى يتحول الفارس الى الطفرة التي يحملها.

ضغطت بيدها على كتفه الصغير مواسية فالتفت لها هامسا: -سفريا؟ للحظة ظننت.
ابتسمت بمرارة وقالت: -ظننتني كيسارا اليس كذلك؟
اومأ بضعف فقالت حين رأت كيف ارتسمت المعاناة على وجهه الصغير: -لا يجب ان تكون هنا. لندخل فغدا.

ادار رأسه يرمق الجنود من عُلِ وهم يلتقطون قتلاهم ويحملون على اكتافهم ضحايا المعارك التي وقعت هنا. منهم من قُتل بسببه لعدم كفائته وقدرته على التحكم بالقلب. ربما ان كان اقوى لمنع هذه المجزرة من الوقوع ثم بعد فترة قال:
-اعلم ما الغد. اعلم.
غدا تتحرك جنود ابيس في هجوم مفاجئ بعد ان استطاعوا حل مشكلة السلاح. غدا اول يوم في الهجوم لا الدفاع. التف بجسده كله الى سفريا وهتف باكيا:.

-لكني لم اعد استطيع تحمل المزيد. لم اعد. قادرا على رؤية المزيد من الموت. لم اعد.
اعتصرها الحزن لرؤيته هكذا. طفل في الحادية عشر من عمره يتحمل مسؤولية كهذه. ويرى الجنود يُقتلون. ويشاهد الجثث تفترش الأرض الفضاء. وتغرق الثلج بالدماء. وتملئ الهواء بالعفن. اعتصرها الشجن. فضمته اليها وهمست والعبرات تسقط من عينها:
-كم تمنيت انا ايضا ان تكون هي هنا. كم تمنيت يا راي.

كيف سيتحمل تلك الأرواح على عاتقه؟ من سيغفر له؟
فؤاده في حانيا الصدر آنَ. فأن له بمن يشفيه أنَ. لقد ذهبت تلك التي كانت تنسيه. وما كان الأنين لفقد قلب ولا لدمار قد حل. بل لسلب ديار وانتزاع ارضِ كانت وما زالت جوهر وجوده.

سلطات الدول لقد فاقت في الظلم قوانين الزمن. فها هو مجبر يشاهد ابيس تُسلب من ابنائها. تُنهب ثرواتها وتغتصب اراضيها. مجبر، عاجز وهو الذي احبها حُبا كاد يفنيه. ابيس وما تعنيه ابيس في فؤاده. قد علت السحب سيطا والذرى كانت لها. قد جعلها بدرا نيرا. فيا لها. قد جعلت الكوكب الدري قصرا ساكنا. قد جاءت الأنجم سعيا تُقبل اقدامها. فأين هم وأين ابيس من مجدها وعظمتها. كم كافيا ان تخشع قلوب العُداة لمجرد ذكر اسمها. كم.

ها هي ابيس مفككة تنهار دفاعاتها الواحد تلو الأخر ويحمي حدودها جنود ليسوا من ابناءها. بل يدينون بالولاء له وليس لها. فكيف لفؤاده ألا يئن. ألا ينزف. ألا يبكي. وقد رحلت من كانت تهديه.
رفع يدا لم تعد تقوى على ما تحمل. لتغطي عينين قد كاد يدركهما العمى من الأسى. من الألم. لتحجب عن مرأه ما عرضته عليه الشرفات من كل جانب. في كل ارض يا ابيس جرح يسيل دم وقتام. يا ويحهم قد ملؤوها حقدا ودمارا. )).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة