قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

بعد وقت الظهيرة بقليل، وضعت لمار يدها على كتفها لتضع ذلك المشبك الفضي الخاص بحجابها ذي اللونين الوردي والأزرق الداكن عليه وثبتته بكتفها، ثم أغلقت الزر الخاص بكنزتها الوردية الواسعة، وأسندت على الجانب الأخر من كتفها شالا حريريا ذي ألوان صيفية مبهجة.
جلست هي على طرف الفراش بعد أن سارت بخطوات متعرجة لتكمل إرتداء حذائها ذي الكعب العالي.

ثم تأكدت من غلق السحاب الخاص ببنطالها الجينز، ولفت حول خصرها حزاما رفيعا من الجلد، ومن ثم نهضت عن الفراش.
نظرت لمار مجددا لهيئتها في المرآة بعد أن وقفت أمامها، وتأكدت من تناسق كل شيء. ثم وضعت هاتفها النقال وكذلك بعض النقود في حقيبة يدها الكبيرة، ووضعت بعض الفكة في جيب بنطالها الجينز الأزرق. ومسحت بإصبعها على شعيرات حاجبها، وإبتسمت لنفسها بتفاخر قائلة:.

-اليوم سأثبت للأستاذ مصطفى أني أستحق تلك الوظيفة!
تغنجت بجسدها أمام المرآة في زهو، ثم إستدارت لتسير في اتجاه باب الغرفة بعد أن علقت حقيبتها الجلدية ذات اللون الوردي الفاتح على ذراعها.

كانت والدتها في نفس التوقيت قد إنتهت من إعداد طاولة الطعام بالغذاء الشهي، ثم صاحت عاليا ب:
-هيا يا لمار، الغذاء جاهز
ولجت لمار من غرفتها وهي واثقة من حالها، فإبتسمت لها سمية بإعجاب وأردفت وهي تفرقع بأصابعها:
-يا الله! وجهك ولا القمر في ليلة التمام
إحتضنت لمار والدتها، وقبلتها من جبينها وهي تهتف بحماس: -شكرا يا أمي، ما رأيك في ثيابي؟

مسحت والدتها على وجنتها برقة وهي تجيبها بصوت دافيء: -رائعة كعادتك، هيا تناولي الطعام قبل أن يبرد!
أومأت لمار برأسها وهي تشير بعينيها قائلة: -حسنا، سأتناول فقط بضعة لقيمات
عبست سمية بوجهها، وقالت معترضة: -لا، هذا لن يكفي، فأنت ستظلي حتى أخر النهار بدون طعام
إبتلعت لمار قطعة من اللحم المطهي، ومضغتها على عجالة، ثم أردفت بفم ممتليء بالطعام:
-إن شعرت بالجوع، سأبتاع أي شيء.

دفعتها والدتها من ظهرها للأمام وهي تنهرها ب: -لا. اجلسي وتناولي طعامك، أتريدين أن أحزن؟
تذمرت لمار من إصرارها قائلة: -سأتأخر يا أمي
نظرت لها سمية بحنو من عينيها الدافئتين، وهي تتوسل لها راجية: -فقط بضعة دقائق بنيتي.!
تنهدت لمار بحرارة وهي ترى نظرات والدتها الحانية لها، ثم أردفت بإستسلام، وهي تسحب المقعد للخلف لتجلس عليه:
-حسنا.!

إتسعت إبتسامة سمية وهي ترى الروح الحماسية قد عادت من جديد إلى إبنتها التي ظلت حبيسة الأحزان لفترة ليست بالقليلة.
حمدت الله في نفسها كثيرا على وجود تلك الوظيفة حتى تستأنف حياتها، وتمضي للأمام.
أكملت لمار تناول الطعام الموجود بصحنها على عجالة، ثم نهضت عن المائدة وهي تلوك ما تبقى منه داخل جوفها، ومسحت فمها بمحرمة الطعام المجاورة، ونفضت يديها، وهتفت بجدية:
-سأذهب الآن يا أمي، إدعي لي بالتوفيق.

رفعت سمية كفي يدها إلى السماء، ثم أردفت بنبرة متفائلة: -أسأل الله أن يكتب لك النجاح في كل خطوة، ويكفيكي شر الناس
-اللهم امين
قالتها لمار وهي تتجه صوب باب المنزل، ثم إستدارت بظهرها لتواجه والدتها، وأرسلت لها قبلة في الهواء. وإنطلقت بعدها إلى الخارج...

لاحقا أوقفت لمار سيارة الأجرة أمام بوابة النادي الرئيسية، ثم ترجلت من السيارة، ونظرت بتفاؤل إلى لافتة النادي العريضة.
تحركت بخطى واثقة في اتجاه الحارس الذي إبتسم لها وهو ينهض عن مقعده قائلا: -مرحبا آنستي!
بادلته لمار إبتسامة خجلة، وهي تعبث بطرف شالها الحريري، وردت عليه بخفوت: -أهلا بك
أشار لها بكف يده وهو يتجه صوب الكابينة الخاصة به وهو يهتف بنبرة جادة: -لحظة من فضلك.

قطبت لمار جبينها في إستغراب، وإنقبض قلبها لوهلة. وتبدلت تعبيرات وجهها للعبوس.
لقد ظنت أنه ربما يريد منعها من الدخول بسبب عدم قبولها في الوظيفة، ولكن كيف حدث هذا وقد عهد لها بالمسؤلية.
أيعقل أن يكون مدير النادي قد غير رأيه بين ليلة وضحاها؟ هل شعر بالحرج من إبلاغها بعدم جدارتها بالأمس، وأثر أن تعرف اليوم عن طريق الحارس؟

بضعة أسئلة على تلك الشاكلة دارت في رأسها إلى أن قطع تفكيرها المتوتر صوت الحارس المتحشرج ب:
-تفضلي آنستي، هذا تصريح الدخول الخاص بك!
رمشت لمار بعينيها وهي ترى الحارس يمد يده لها ببطاقة بلاستيكية صغيرة مدون عليها إسمها، ومطبوع عليها صورتها الشخصية، وشعار النادي.
تنحنحت بصوت خافت وهي تسأله مستفهمة: -متى فعل هذا؟
-صباح اليوم.

عادت الإبتسامة مجددا إلى شفتيها، وأخذت منه البطاقة، وعلقتها في طرف كنزتها الوردية، ودلفت إلى داخل النادي وهي عازمة على إحداث تغيير جذري في وظيفتها.

كان الأستاذ مصطفى يتجول بداخل النادي ليتابع المدربين وهم يجتهدون في تلقين الأطفال الصغار الأساسيات الهامة في ألعاب التنس، وكرة القدم، وكرة اليد، والسباحة.
وما إن لمح لمار وهي تمر في الرواق حتى غير وجهته، وسار نحوها ملوحا بيده عاليا وهو يصيح بصوته الجهوري ب:
-آنسة لمار، بنيتي!
إلتفتت هي إلى مصدر الصوت فرأته، فتوقفت عن السير، وتوردت وجنتيها في خجل وهي تجيبه بصوت رقيق:.

-مرحبا أستاذ مصطفى، كيف حالك اليوم؟
-أنا بخير
أمسكت لمار بإصبعها بالبطاقة البلاستيكية، ونظرت بإمتنان له وهي تردف ب: -شكرا لك على التصريح، لم أتوقع أن. آآآ...
قاطعها بصوت رجولي جاد وهو ينظر إليها: -أنا لا أضيع الوقت أبدا، تعالي معي لأريك مكان عملك
أومأت برأسها موافقة وهي تسير خلفه قائلة: -حسنا.

سار الأستاذ مصطفى في إتجاه ردهة النادي الجانبية، وظل يتحدث بحماس عن إنجازاته في النادي خلال الفترة التي تولى فيها العمل.
أنصت له لمار بإهتمام مبدية إعجابها الزائف بمجهوداته، فقد بدى ثرثارا مغرورا أكثر من رجلا وقورا ذي مسؤليات ومهام جادة.

بعد عدة دقائق من الشرح المبسط لنوعية الأنشطة الترفيهية الخاصة بالأطفال صغار السن، كان كلاهما متوقفا أمام باب غرفة ما مغلق.
أشار مصطفى بإصبعه على اللافتة وهي يهتف بحماس جلي في نبرة صوته المتحشرجة:
-هذه هي غرفتك
ضيقت لمار عينيها وهي تقرأ بتمعن إسم الغرفة المدون على اللافتة بصوت هامس ب:
- أنشطة الحاسوب الآلي !
وضع مصطفى يده في جيب بنطاله، وأخرج منه مفتاحا صغيرا، ثم مد كفه نحوها قائلا بجدية:.

-تفضلي، هذا مفتاح الغرفة، من اليوم صارت تخصك، وإنت المسئولة عن محتوياتها
تناولت منه المفتاح وأجابته بثقة: -أشكرك، وبإذن الله سوف أثبت لك مهارتي
هز رأسه في إقتناع، وتابع بتفاؤل: -أنا واثق من هذا! وسأرسل لك من يساعدك في تنظيف وترتيب الغرفة لتصبح جاهزة خلال يومين لإستقبال الأطفال
إبتسمت له على إستحياء، وردت عليه بإمتنان: -عظيم.

سعل مصطفى بصوت مزعج، ثم تركها وإنصرف في الإتجاه العكسي، بينما تابعته هي إلى أن توارى تماما عن أنظارها...
أخذت لمار نفسا عميقا، وزفرته على مهل، و وضعت المفتاح في الباب، وأدارته بصعوبة حتى إنفتح على مصرعيه.
كان الظلام دامسا بالداخل على الرغم من أن الوقت مازال بالنهار.
تحسست هي طرف الحائط بأصابعها محاولة إيجاد مصباح الإنارة، وبالفعل وجدته في الأعلى.

ضغطت عليه بحذر شديد، فأضيئت الغرفة، وكانت المفاجأة بالنسبة لها،!
إعتدلت سمية على المصلية الخاصة بها، بعد أن سجدت للمولى، ورفعت بصرها وكفيها إلى الأعلى قائلة بصوت شبه باكي:
-يا الله! أسألك أن تكتب التوفيق لإبنتي الوحيدة في حياتها، لا تجعلها تتذوق مرارة الحزن من جديد، وارزقها راحة البال.

مسحت وجهها بكفيها، وتنهدت في تعب وهي تتابع بصوت حزين: -أنا أشعر بك إبنتي حتى لو أثرت الصمت، ولكني يؤلمني حقا أن أقف مكتوفة الأيدي عاجزة عن مساعدتك حتى لو بالدعاء!
ثم نهضت عن الأرضية، وطوت المصلية، وأسندتها على طرف الأريكة، وتوجهت ناحية الهاتف الأرضي، وحدثت نفسها ب:
-سأهاتف رفيقتي لأشكرها على معروف زوجها مع إبنتي، فهي تستحق هذا، فلولاها لم أكن لأرى الفرحة في عيني إبنتي من جديد!

إتسعت مقلتي لمار في ذهول تام، وفغرت شفتيها في صدمة وهي ترى منظر الغرفة من الداخل.
كانت الغرفة مليئة بالطاولات الغير مرتبة، والموضوع عليها شاشات مختلفة مغطاة بالأتربة الكثيفة. بالإضافة إلى عدة مقاعد متناثرة، وموضوعة رأسا على عقب في أحد أركانها.
شعرت بخيبة الأمل وهي ترى الفوضى العارمة لمحتويات الغرفة. فقد إعتقدت أنها غرفة منظمة مرتبة، كل شيء فيها على أحسن مستوى.

ولكن صدمتها بكم التراب والأغراض المبعثرة أصابها بالإحباط.
حدثت نفسها بضجر قائلة وهي تنظر بيأس للغرفة: -ماذا سأفعل الآن؟
زمت شفتيها في تذمر وهي تخطو داخل الغرفة بخطوات حذرة خيفة أن تتسخ ثيابها. فقد كان كل شيء مليء بالأتربة الداكنة. وكأن تلك الغرفة لم تفتح لسنوات...
أسندت لمار حقيبتها على إحدى الطاولات القريبة وهي تلوى ثغرها في تأفف.

ثم وضعت كلتا يديها في منتصف خصرها، وجابت بعينيها المكان متفحصة إياه بتمعن شديد. ووقفت حائرة تفكر في حل لتلك المعضلة.
أمسكت لمار بطرف ذقنها، وطرقت عليه بإصبعها وهي تفكر عاليا ب: -من أين سأبدأ العمل إذن؟
ثم هزت رأسها وهي تتابع بجدية، وعينيها مسلطتين على شاشات الحاسوب ب: -حسنا، سأبدأ من هنا!
شمرت لمار عن ساعديها، وأزاحت بمنشفة ورقية - أخرجتها من حقيبة يدها - الأتربة الملتصقة بإحدى الطاولات الشاغرة.

تناثرت الأتربة في الجو، فأصيبت بالإختناق، وسعلت لعدة مرات.
إندفعت إلى خارج الغرفة وهي تهتف بصوت مختنق ب: -يا الله! ما هذه الأتربة؟!
عاودت النظر إلى الغرفة، وأكملت بتهكم: -ألم ينظفها أحد من قبل؟!
إستنشقت لمار هواءا نقيا خارج الغرفة إلى أن هدأ السعال الذي أصابها تماما، ثم دلفت إلى الغرفة، وإتجهت تلك المرة صوب النافذات المغلقة، وقامت بفتحها وهي تحدث نفسها بجدية:
-هذا أفضل لي.

إلتفتت بجسدها نحو الطاولات، وقامت بحمل شاشات الحاسوب واحدة تلو الأخرى وأسندتها على الطاولة النظيفة.
بعد برهة شعرت بالإنهاك وبالعرق الغزيز يتصبب من أنحاء متفرقة من جسدها، فمسحت بساعدها على جبينها، وقالت ساخطة:
-متى سيأتي العامل لمساعدتي، حينما أموت مثلا؟!
نفخت في ضيق، وعقدت حاجبيها في إنزعاج وهي ترى كم العمل المطلوب منها بذله لتعود الغرفة كما كانت في السابق.

شعرت بقدميها تؤلماها بسبب حذائها العالي الذي تعثرت به لأكثر من مرة وهي تحاول تحريك الطاولات، ونقل المقاعد.
بالطبع فهو غير ملائم للأعمال الشاقة.
إنحنت بجسدها للأمام بعد أن أسندت كفها على الطاولة النظيفة، ثم ثنيت ساقها، وقامت بفرك كعبها وهي تتأوه قائلة:
-آوه، كم هذا مؤلم، قدماي تقتلاني، ومازال أمامي الكثير. لو كنت أعلم هذا كنت إرتديت حذائا مريحا بدلا من أداة التعذيب تلك!

قررت لمار أن تنزع حذائها عن قدميها ريثما تكمل باقي ( الأشغال الشاقة ) التي مازالت تنتظرها.
وبالفعل تنهدت في راحة وهي تقف حافية القدمين.
-كم هذا مريح!
حركت أصابع قدميها الصغيرتين لعدة مرات حتى تخف وطأة الآلم بهم، ثم بدأت في تنظيف الركن التالي من الغرفة...

في ردهة النادي الواسعة، عدل شاب ما - ذو ذقن رفيعة تبرز أعلى بشرته الخمرية، وشعر أسود كثيف، وأهداب ثقيلة، وعينين بنيتين واسعتين – من وضعية ياقة قميصه الأسود وهو يتجه صوب الرواق.
بحث بعينيه عن شخص ما ليسأله عن أمر محدد، ولكنه لم يقابل أي أحد في طريقه.

يأس ذلك الشاب ذو ملامح الوجه الجادة من الحصول عن إجابة لسؤاله، وأوشك على العودة من حيث أتى. خاصة أنه ظل يدور في حلقة مفرغة بداخل أروقة النادي لوقت ليس بالقليل.
ولكنه سمع صوت تحريك أشياء يأتي من غرفة جانبية، فنفخ في إرتياح وهو يحدث نفسه بصوته الآجش قائلا:
-أخيرا، أحد ما هنا!
تنحنح الشاب بصوت خشن، ثم سار في إتجاه مصدر الصوت و،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة