قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

وقف ذلك الشاب الوسيم على مدخل الغرفة حائرا. فهو لم يجد أي أحد. المكان شبه خالي. فقط أجهزة وأدوات مبعثرة على الطاولات.
ظن في البداية أنه توهم سماعه لأصوات حركة، فزفر في ضيق، وإستدار بظهره للخلف ليرحل، ولكن حينما أوشك على الإنصراف، سمع صوتا أنثويا هامسا يصدر من الداخل.
فعقد العزم على الدخول. وإكتشاف الأمر.

خطى خطوتين للداخل وجاب بعينيه المكان بحثا عن صاحبة هذا الصوت، فوجدها تقف حافية القدمين أعلى الطاولة الموضوعة بالزاوية وتحاول تعليق لوحة ما على الحائط.
تابعها في صمت. ولكنه شعر بالحرج من وجوده وعدم شعورها به، فأجفل عينيه بعد أن أطرق رأسه قليلا للأسفل، وتنحنح بصوت خشن قائلا:
-إحم. آآ. من فضلك!
إنتبهت له لمار، وإلتفتت برأسها نصف إلتفاتة، ثم حدجته بنظرات حادة قبل أن تصيح فيه بإنفعال:
-لماذا تأخرت علي؟

ضيق عينيه البنيتين في إستغراب سائلا إياها ب: -ماذا؟
زفرت في إنزعاج وهي تعيد وضع اللوحة على الطاولة بعد أن إنحنت بجسدها للأمام، ثم إستندت بكف يدها على الطاولة لتتمكن من النزول والوقوف على قدميها العارتين لتسأله مجددا بصرامة:
-ألم تسمع جيدا؟ لماذا تأخرت علي؟
ثم نفضت يدها في ضيق، ونظرت لهذا الشاب بعينين محتقنتين وهي عاقدة لساعديها أمام صدرها.

رفع الشاب أحد حاجبيه في إندهاش، وأجابها بتساؤل: -ولماذا أتأخر عليك؟
أمعنت النظر إليه وهي متعجبة من أسئلته اللامنطقية.
كان مظهره المنمق لا يليق بعامل على الإطلاق. حتى طريقة تعليقه للنظارة الشمسية على قميصه المفتوح حتى صدره غير ملائمة لشخصية عاملي هذا النادي. أما شعره الكثيف فقط مشطه بطريقة دقيقة للغاية. ورائحة العطر الذي يضعه تثير الحواس حقا. لذا هناك شيء خاطيء به كعامل.

أدركت لمار أنها شردت لبرهة ولم تجب عليه حينما فرقع بأصابعه أمام وجهها.
تنحنحت هي تلك المرة في خجل. وحركت أصابع قدميها العاريتين في توتر. ثم أردفت بنبرة جادة:
-ألم تعلم أن تأخيرك هذا قد تسبب في إضاعة وقتي
قطب جبينه في إندهاش مما تقول، وحاول أن يجيبها ب: -هاه. إضاعة وقتك! ولكن آآ...
قاطعته بصوت شبه أمر بعد أن أولته ظهرها قائلة: -لا تنظر إلي هكذا، إحمل هذا عني!

ثم أشارت بيدها نحو شاشة حاسوب شبه ثقيلة. وتنحت جانبا لكي يتفسح له المجال.
هز ذاك الشاب رأسه في عدم فهم، وامتثل لطلبها، وحمل الشاشة ووضعها حيث أشارت. ولكنه سأل نفسه بحيرة ب:
-من تلك البلهاء التي لا تكف عن إعطائي الأوامر؟
تعاون الإثنين معا طوال الدقائق التالية في نقل الطاولات وأجهزة الحاسوب.

شعر هو بحرارة الجو تجتاحه وتؤثر عليه، وبالعرق يصيبه في أنحاء مختلفة من جسده. فبدأ يزفر بصوت مسموع. ويبادلها النظرات المحتجة
نظرت له لمار بعدم إكتراث، وأردفت قائلة ببرود: -لا داعي للتذمر، فمن المفترض أن يكون كل هذا العمل الشاق من نصيبك أنت
ضيق عينيه بشدة، وأردف بإحتجاج: -ماذا تقولين؟
نظرت له بصرامة، وظلت تلوح بيدها في الهواء، وهي تهتف قائلة: -أخبرك بالحقيقة، فأنا وحدي من أنجز الكثير بسبب كسلك!

نفخ مجددا في إنزعاج، وقال بنفاذ صبر: -مدام. أنت مخطئة، فأنا آآ...
قاطعته بصوت جاد وهي تشير بإصبعها أمام وجهه: -معذرة، آنسة من فضلك!
لوى فمه في عدم مبالاة، ورد عليها بفتور: -لا فرق لدي، ولكن هناك سوء فهم!
إغتاظت هي من رده، فحدجته بصرامة وهي تهتف بصوت أمر ومحتد ب: -لا يهمني، لكن إدفع تلك الطاولة، فأنا لن أدفعها بمفردي!
ثم عقدت ساعديها مجددا أمام صدرها، وأشاحت بوجهها للجانب، وهزت ساقها في عصبية.

رمقها هو بنظرات منزعجة قبل أن يجيبها بجدية: -حسنا، ولكن هذا أخر ما سأقوم به!
أرخت ساعديها عن صدرها، ووضعت يدها في منتصف خصرها لتتابع بإندهاش: -شيء غريب. أتملي علي مهام عملك؟
لم يجبها هو، بل إتجه للطاولة التي أشارت له عليها، وقام بدفعها في صمت في الإتجاه المعاكس.
زمت لمار شفتيها في ضيق، ثم أكملت حديثها بنوع من التحدي قائلة: -سأشكو عليك الأستاذ مصطفى، وصدقني هو لن يدع الأمر يمر هكذا!

نفذ صبر هذا الشاب، فصاح قائلا بحدة: -ألا تكفين عن إلقاء الأوامر؟
رمقته بنظرات مشتعلة من الغضب وهي تصيح بتذمر ب: -ماذا؟ أتصرخ في وجهي؟!
أجابها بنفس النبرة الإنفعالية دون أن تطرف عيناه ب: -نعم! فأنت لا تدعين الفرصة لأحد لكي يتكلم!
إبتلعت ريقها بتوتر. وشعرت بالإرتباك من إجابته. فهي حقا لم تمهله الفرصة لكي تعرف سبب تأخره عنها. ولكنها على العكس إدنفعت فيه غاضبة، وبدأت بأعطائه الأوامر فورا.

حاولت لمار أن تبرر موقفها فأردفت بنبرة شبه متلعثمة: -ولكنك آآ. المخطيء، فأنت من تأخر علي منذ البداية، و. و. تركتني أعمل بمفردي لفترة طويلة!
أخذ هذا الشاب نفسا عميقا، وزفره على عجالة، ثم أجابها بهدوء مصطنع: -حسنا، هناك سوء فهم كما أخبرتك من قبل، في البداية أنا لا أعمل هنا
فغرت شفتيها في صدمة وهي تجيبه بتردد: -هاه. لا. ت، تعمل هنا!
أومأ برأسه وهو يجيبها بجدية: -نعم. ربما أنت تخلطين بيني وبين شخص أخر.

قطبت جبينها في حيرة، وسألته بإهتمام: -ماذا تقول؟
هز رأسه وهو يرد عليها بنبرة هادئة: -هذا هو التفسير المنطقي للأمر، فأنا لا أعرف من هو الأستاذ مصطفى هذا، كما أني لست عضوا بالنادي!
إتسعت مقلتيها في ذهول، وردت عليه متسائلة بتوتر: -إحم. م، ماذا؟
تابع حديثه بنبرة تحمل العتاب وهو ينظر مباشرة في عينيها قائلا: -لو كنت من البداية تركت الفرصة لي لأتحدث لم يكن ليحدث هذا كله!

هنا شعرت بالحرج الشديد من رده، وتوردت وجنتيها بحمرة رهيبة.
هي لا تعرف من أين جاءتها كل تلك الدماء لتساهم في إبراز حرجها أمامه.
لكنها أدركت فداحة خطئها، وسوء تصرفها.
وما زاد من الطين بلة أنها رأت الحالة المزرية التي كانت عليها.
لقد كانت حافية القدمين. كنزتها الوردية شبه متسخة بالأتربة، يديها متعرقتين. بنطالها عليه غبار كثيف.
ناهيك عن العرق والغبار الملتصق بوجهها.

ودت لمار لو إنشقت بها الأرض توا لتبتلعها لتتجنب هذا الموقف المخزي أمام هذا الغريب.
أطرقت رأسها للأسفل في حرج واضح، ثم أولته ظهرها، وسارت بخطوات متعثرة في إتجاه حذائها، وهمست بخفوت:
-أنا. أنا أسفة
شعر الشاب بحرجها، فظهر طيف إبتسامة خفيفة على ثغره، ومرر أصابعه في شعره الكثيف ليعيد تنسيقه، ثم رد عليها بهدوء:
-حسنا. لا توجد مشكلة، حصل خير!
إرتدت هي حذائها على عجالة، وحاولت قدر الإمكان أن تتجنب النظر إليه.

فشعورها بالخجل من تصرفها الطائش هذا قد أربكها حقا.
لامت نفسها لعدم تدقيقها في هوية هذا الشخص رغم الشكوك التي كانت تساورها منذ البداية بسبب مظهره الذي لا يليق بعامل مكافح.
إبتلعت ريقها في توتر. وقالت بخفوت: -هل يمكنني أن أساعدك كتعويض عما حدث؟
رسم على وجهه قناع الجدية، وأشار لها بكف يده قائلا بإقتضاب: -لا يهم. أنا سأتصرف
تحركت خطوة للأمام وهي تهتف ب: -ولكني آآ.

إنتزع هو نظارته الشمسية من قميصه، ثم وضعها على عينيه، وقاطعها بصوت حاسم ب:
-شكرا لك، سأبحث بنفسي عما أريد!
رمشت بعينيها لعدة مرات في عدم تصديق من تصرفه الجاد هذا.
هو لديه الحق ليفعل ما يريد، فقد كانت فظة للغاية معه، فحاولت أن تعوضه، فهتفت قائلة:
-إنتظر فقط!
ولج خارج الغرفة بخطوات أقرب إلى الركض ولم يمهل نفسه الفرصة ليستمع إلى كلمة مما تقول، فحاولت لمار اللحاق به.

ركضت هي خلفه، ولكن إلتفت ساقها حول الأخرى، فتعثرت في مشيتها، وسقطت على وجهها، وصرخت متأوهة من الآلم:
-آوه.!
إستدار الشاب ناحيتها، فوجدتها قد فقدت توازنها، وملاقاة على الأرضية الصلبة.
أسرع هو نحوها. وجثى على ركبته بالقرب منها، ونظر لها بقلق قائلا: -هل أنت بخير؟
عضت على شفتها السفلى من الآلم، وظلت مجفلة لعينيها وأجابته بصوت مكتوم: -أظن هذا.

مد كف يده نحوها، ونظر لها بقلق محاولا إكتشاف أين تتآلم، وسألها بجدية: -هل تريدين مساعدة؟
هزت رأسها نافية، وأشارت له بكفها، ثم أجابته بتلعثم وهي تحاول مقاومة الآلم:
-ش. شكرا لك. سأنهض بمفردي!
إستندت لمار بكفيها على الأرضية، وبتمهل شديد نهضت عن الأرضية بحذر.
راقبها هو بترقب متأملا إياها. فمازلت تلك الحمرة الخجلة تكسو وجنتيها. والتوتر باديا عليها.

كذلك لاحظ أنها بعد ما أدركت خطئها معه تجنبت النظر إليه تماما.
وكانت تحدق بأي شيء أخر عداه.
فرغم البداية الخاطئة التي حدثت معهما، وسوء الفهم الذي نشب بينهما. إلا أنها تظل في النهاية شابة صغيرة تحتاج للمساعدة.
وقفت لمار على قدميها، وإزداد إرتباكها حينما رأت كم الأتربة التي لطخت بنطالها وكنزتها، فشوهت هيئتها أكثر.
سألها هذا الشاب بهمس قائلا: -هل هناك ما يؤلمك؟

لم تستمع هي إلى سؤاله، فعقلها كان مشغولا في كيفية التصرف في منظرها العام.
لقد إزدادت حرجا على حرج، ألا يكفيها أسلوبها الحاد معه، والشعور بالندم لإساءتها لشخصه دون أن يبادلها هو نفس الطريقة.
والآن تتعرض للإحراج مرة أخرى
ظنت أن هذا عقابها. فهي تستحق ما فعلته.
حاولت لمار أن تنفض ثيابها وهي تكافح للحفاظ على إتزانها.

رمقها الشاب بنظراته المتفحصة منتظرا ردها عليه. ولكن حينما طال صمتها إنحنى بجذعه للأمام سائلا إياها ب:
-هل كل شيء على ما يرام؟
تنحنحت بخفوت وهي توميء برأسها موافقة.
ولكنها صرخت متأوهة من الآلم حينما حركت ساقها للأمام. فقد هاجمها ذلك الوجع الشديد الذي جعلها عاجزة عن تحريك قدمها تماما.
سألها بتوجس وهو ينظر لقدمها: -ماذا؟
-لا أستطيع تحريك قدمي اليسرى. هي. هي تؤلمني للغاية
-أين تحديدا؟

أشارت لكعبها بإصبعها وهي تعض على شفتيها من الآلم: -هنا. أوه
مد يده نحو قدمها ليمسك بها وهو يحدثها بعزم: -دعيني أراها
توهجت وجنتيها بحمرة أشد، وإتسعيت عينيها في صدمة من طلبه هذا. فسألته بذهول:
-م، ماذا؟
ربما هي تتألم بشدة، ولكنها لن تدع الفرصة لأي أحد لكي يلمس جسدها. أو حتى جزء منه
رد عليها بجدية قائلا: -سوف أتفحصها، لعله إلتواء
هزت رأسها عدة مرات في إعتراض، وصاحت محتدة: -لا. لا يمكن.

ثم إستندت على الحائط بكف يدها، وحاولت السير مبتعدة عنه.
نظر لها بإندهاش متعجبا من ردة فعلها، وهتف بنبرة عالية: -إنتظري من فضلك!
لم تنظر نحوه، بل إستمرت في السير بحذر قائلة بصوت مختنق: -أوه. شكرا لك، سأتصرف. أوه. لا داعي لأن أعطلك أكثر من هذا. أوه!
لاحظ هو التشنجات البادية على قسمات وجهها، وتجمع العبرات في عينيها، فقال متوجسا:
-يا آنسة من فضلك، ربما تتعرضين لخطر التمزق أو أسوأ.

لم تنظر نحوه، وظلت مطرقة لرأسها وهي تتحرك ببطء للأمام، واجابته بإيجاز: -شكرا، سأتدبر أمري
وقف هو أمامها ليسد عليها الطريق، ثم ضيق عينيه وهو يجيبها بجدية قائلا: -لا يمكن. أنا معالج رياضي، وأعرف نتائج أي حركة خاطئة
رفعت عينيها في إتجاهه لتنظر إليه بإنزعاج. ومطت شفتيها وأردفت متذمرة: -يا أستاذ آآآ، معذرة لا أعرف اسمك، ولكن لا يمكنني أن آآآ...

قاطعها بصوت رخيم وهو يرسم إبتسامة عذبة على ثغره ب: -أنا ماجد فاروق!
ثم صمت للحظة قبل أن يكمل بنبرة شبه راجية وهو مسبل لعينيه: -ومن فضلك لا تعارضيني
زفرت في نفاذ صبر، وردت عليه بإقتضاب: -ولكني آآ...
قاطعها مجددا بإصرار وهو يشير بيده: -لقد ساعدتك بالداخل دون أن أعترض، فمن حقي الآن أن تصغي إلى ما أطلبه منك
مطت شفتيها أكثر، وأخفضت رأسها للأسفل، وقالت هامسة: -من فضلك!

نظر لها متصنعا الجدية وهو يقول: -لن أقبل بأي أعذار يا آنسة آآ...
ثم ضيق عينيه ليتابع بإبتسامة مشرقة: -أتعلمين أنا أيضا لم أعرف أسمك بعد!
نظرت له بخجل، ورأت ذلك البريق اللامع في عينيه الداكنتين. والإبتسامة الجذابة على محياه. ففركت أصابع كفها من التوتر.
ثم أجابته بهمس: -أنا. أنا لمار،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة