قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس

تنهدت لمار في خوف، وباتت مرتبكة وهي تقرأ ما كتبه أحمد لها على رسائل الفيس بوك. و دون أدنى تفكير منها، إندفعت تطبع على لوحة المفاتيح كلمة
(( لا مانع لدي أن نصبح رفاق ))
ثم ضغطت على زر إرسال، وترقبت الشاشة بحرص شديد.
وضعت أظافرها على طرف شفتيها، ثم بدأت تقطمهم بتوتر، وحدثت نفسها بحيرة ب: -ماذا سيحدث الآن؟ أخشى أن يظن بي السوء.

أضاءت أيقونة الرسائل لتعلن عن وصول رسالة جديدة، ففتحتها على عجل، ورأت تعبير رمزي يشير إلى وجه سعيد وضاحك، فتنهدت في إرتياح، ثم إتسعت عينيها في فرح حينما قرأت العبارة التي كتبها من أسفل الرمز:
-(( أرجو أن تديم صداقتنا للأبد، فأنا لم أعهد فتاة رقيقة مثلك ))
إبتسمت لمار لنفسها في خجل، وتوردت وجنتيها قليلا، وشعرت بحرارة حماسية تجتاح جسدها.
هزت هي كتفيها، ثم طبعت على لوحة المفاتيح
-(( شكرا لك. )).

أرسل هو لها رسالة تالية يبدأ فيها بالتعارف شبه الرسمي ب: (( أنا أحمد رسلان، أنت تعلمين هذا من بطاقتي، ولكني أثرت أن أبدأ من البداية معك، سعيد أني أتحدث معك ))
إبتسمت في حياء من كلماته، ثم ردت عليه ب: -(( وأنا كذلك ))
أرسل مرة أخرى لها: -(( أنا خريج كلية الخدمة الإجتماعية، وأنت؟ ))
أجابته دون تردد ب: -(( كلية التربية النوعية، قسم حاسب آلي )).

ثم توالت الرسائل بينهما على النحو التالي: -(( جميل، ومازلت تعملين حيث رأيتك؟ ))
-(( نعم، وأنت أين تعمل؟ ))
-(( حسنا. أنا تقدمت للعديد من الوظائف بشهادة تخرجي، ولكني للأسف لم أقبل بأي منها ))
-(( وماذا فعلت؟ ))
-(( إقترح أبي أن أتقدم لوظيفة شاغرة بشركة الكهرباء، ولكن بالشهادة الثانوية، ففعلت هذا، وحصلت عليها، هل تتصورين هذا! ))
رفعت حاجبيها في إندهاش، ثم أرسلت له: -(( يا الله، شيء عجيب! )).

أكمل هو متهكما ب: -(( لا أعين بشهادتي العليا، ولكن أوظف بشهادة الثانوية ))
-(( هذه هي مصر، وهل وظيفتك هنا بالإسكندرية؟ ))
-(( لا، بالجيزة ))
عبس وجهها بعد أن قرأت جملته الأخيرة، وتنهدت بإحباط، ثم سألته بحذر ب: -(( هذا معناه أنك إنتقلت للعيش هناك؟ ))
-(( ليس بالضبط، أنا أحاول أن أقضي العطلات في الإسكندرية ))
-(( شيء جيد ))
-(( واليوم أنا أفكر في قضاء وقت أطول بالإسكندرية. لأجلك )).

إشتعلت وجنتيها بحمرة خجلة بعدما قرأت جملته الأخيرة، وشعرت بحرارة تنبعث من جسدها. فإبتسمت بحياء لنفسها. ولم تعقب عليه. وققالت لنفسها بصوت خافت:
-لا داعي للإنفعال لمار! إهدئي، إنها مجرد كلمة رقيقة ومجاملة ليس أكثر!
أخذت نفسا مطولا، وزفرته على مهل، ثم طبعت بتأني على لوحة المفاتيح
-(( وهل تعمل محصل للكهرباء؟ ))
قهقه أحمد عاليا حينما قرأ رسالتها، ثم أجابها ب.

-(( بالطبع لا. ليس لتلك الدرجة، أنا وظيفتي إدارية بحتة ))
ضربت لمار جبينها بكف يدها، وشعرت بالغباء لأنها قد سألته مثل هذا السؤال التافه، وحاولت أن تبرر سؤالها ب:
-(( جيد. هذا أفضل من لا شيء ))
-(( أكيد. المهم أخبريني، هل لديك أصدقاء؟ ))
-(( نعم. زملاء الدراسة والعمل، وأصدقاء الطفولة ))
-(( عظيم، إنهم نعمة بالحياة، وأنا كذلك لدي أصدقاء كثر، في كل مكان أذهب إليه، أصنع صداقات ))
-(( جيد )).

أدركت لمار أن الوقت قد بات متأخرا، وأن عليها أن تنام الآن حتى تستيقظ مبكرا لعملها.
عضت على شفتها السفلى في حرج، ثم حكت فروة رأسها، وسألت نفسها بحيرة ب: -ماذا سأخبره؟ هل سيعتبرني فظة إن تركته ونمت؟
مطت شفتيها للأمام، وزفرت في إنزعاج، ثم فرقعت أصابعها، وطبعت على لوحة المفاتيح:
(( أعتذر منك، ولكن حان موعد نومي ))
أضاءت أيقونة الرسائل مرة أخرى، فبلا تردد فتحتها، وقرأت ما أرسله.

(( أوه. لقد تأخر الوقت حقا ولم أدرك هذا. أنا الذي أعتذر منك، كان وقتا طيبا بحق، أرجو أن أسمع منك مجددا ))
تبسمت بدلال من رسالته، وأرسلت له: -(( بأمر الله. تصبح على خير ))
انتظرت حتى أتاها رده الأخير، ومن ثم أغلقت حاسوبها، وتمطعت بكسل بذراعيها. ونهضت عن مقعدها، ودارت حول نفسها في سعادة، ثم إرتمت بجسدها المرهق على الفراش، وعقدت كفيها خلف رأسها، وحدقت بسقف غرفتها. وحدثت نفسها ب:.

-شعور جميل أن يكون لدي رفيق جديد
تنهدت في حرارة، وحاولت أن تغفو، ولكن جفاها النوم بسبب حماسها الزائد من صداقتهما الجديدة.
تمنت لو أطالت أكثر في الحديث معه، ولكنها خافت من أن تثير ضجره، ففضلت ألا تزعجه كثيرا وتتحجج برغبتها في النوم.
خطر في بالها عشرات الأسئلة التي ودت لو سألتها إياه، وعرفت عنه الكثير.
تكرر حوارهما المكتوب في رأسها عدة مرات، وفي كل مرة كانت تتخيل أنها تجيبه بشكل أفضل عن المرة السابقة.

نفخت لأكثر مرة في ضيق وهي تتقلب على جانبيها محاولة قهر الأرق الذي كان رفيقها الحقيقي طوال الليل...
سمعت هي آذان الفجر، فنهضت بتثاقل عن الفراش، ثم ذهبت إلى المرحاض، وتوضأت، وأدت فرضها، ودعت الله في سجودها بكل تضرع ب:
-اللهم اجعل القادم هو الأفضل لي! فمن لي سواك أدعوه.!
طوت سجادة الصلاة بعد أن نزعت عنها ( إسدالها ) ثم توجهت للفراش وهي مطمئة القلب أن الغد سيحمل لها الكثير من الأمور السارة.

وعلى مدار الأيام التالية توطدت العلاقة الإلكترونية بينهما. ففي البداية كانت مجرد إرسال رسالة واحدة يومية، ثم تدريجيا تطور الأمر إلى الحديث بينهما لساعات وساعات دون كلل أو ملل، فعرف كلاهما عن الأخر أمورا شخصية للغاية.
كذلك تابعت بكثب كل ما يكتبه على صفحته الشخصية، وأظهرت إعجابها الدائم بصوره الخاصة، وبكتاباته المضحكة – حتى لو كانت غير هذا.

فأصبح جزءا أساسيا من يومها، يبدأ به، وينتهي معه...
حتى ساعات العمل باتت بالنسبة لها طويلة لا تنتهي، فهي لا تستطيع أن تستخدم الإنترنت بأريحية دون أن ينعكس هذا على أداء عملها.
فكانت تكافح لأن تنجز كل شيء قبل الوقت المطلوب، ويوما بعد يوم تتعذر بأي حجة لكي تعود إلى منزلها مبكرا وتتحدث معه...

لم تنكر لمار أنها شعرت بمشاعر ما تنمو بداخلها، ولكنها حاولت أن تبرر هذا بإعتيادها على وجوده في حياتها المملة، وملئه للفراغ العاطفي الذي كانت تعاني منه.
تمكن أحمد من الإستحواذ على تفكيرها بالكامل حتى باتت تتخيله سيتقدم لخطبتها يوما ما. فقد كان يشاركها أحلامه، تطلعاته، طموحاته، حتى تذمره وشكواه من الأوضاع المادية والإجتماعية وكأنه يمهد لها الطريق في حال تأكدها من ظنونها.

ولذا رسمت أحلاما وردية في خيالها عن حياتهما القادمة معا، وباتت تتخيل ليلة عرسها، وتأسيس منزلها المتواضع. ورغم هذا إحتفظت بتلك المشاعر البريئة، والأحلام البسيطة داخل نفسها، ورفضت البوح له بها، وتفننت في إسعاده بكلمات عذباء رقيقة من خلال رسائلها اليومية التي تبث فيها جزءا من عاطفتها الجياشة.

لاحظت سمية حالة العزلة التي فرضتها ابنتها على نفسها، وقضاؤها لوقت طويل بداخل غرفتها أمام الحاسوب، فشعرت بالقلق عليها، وقررت أن تفاتحها فيما يزعجها، لذا طلبت منها أن تساعدها في إعداد طعام الغذاء، وسألتها بصوت حاني ب:
-حبيبتي لمار، ما الذي يشغل بالك؟
ضيقت لمار عينيها، ونظرت إلى والدتها بإستغراب، وأجابتها بسؤال أخر ب: -لماذا تقولين هذا يا أمي؟

غسلت والدتها الخضار في الحوض، ثم نظرت إلى ابنتها بعاطفة أم حنون، وردت عليها ب:
-لأني أراك جالسة لساعات في غرفتك، ولا تتحدثين مع أحد
تنحنحت هي بخفوت، ثم أخفضت رأسها للأسفل، وتجنبت النظر إلى والدتها، وإدعت إنشغالها بتنظيف الصحون، وأجابتها بهدوء مصطنع ب:
-أنا فقط أتابع الأخبار
-الأخبار!
-نعم
لم تقتنع سمية بما قالته إبنتها، فسألتها بجدية: -ألا تملين منها؟

رسمت لمار على ثغرها إبتسامة زائفة، وأجابتها دون تردد ب: -لا يا أمي
رمشت والدتها بعينيها، ثم وضعت يدها على كتف إبنتها وربتت عليه، وبصوت دافيء تابعت ب:
-لا تضيعي وقتك، وتصبحي أسيرة ذلك الجهاز، استمتعي بحياتك الحقيقية مع أصدقائك، واخرجي، جددي نشاطك وإستعيدي حيويتك
أمسكت لمار بكف والدتها، وإحتضنته بين كفيها، ونظرت لها بعاطفة، وهتفت بدبلوماسية:
-لا تقلقي علي، أنا حقا بخير.

ثم تركت والدتها، وإنصرفت خارج المطبخ وهي منزعجة من حالها، فقد كذبت عليها، ولم تصارحها بالأمر. وكيف تفعل هذا وهي فقط من تشعر بتلك المشاعر، وإزداد تعلقها به. و ربما هو لم يبادلها تلك العاطفة. لذلك لن تخبر أي أحد بما يكنه صدرها حتى تتأكد من مشاعره نحوها.

أغلقت لمار باب غرفتها عليها، وألقت بجسدها على الفراش، ثم أمسكت بخصلات شعرها، ولفتها حول إصبعيها، وتنهدت بخفوت وهي تحدثت نفسها ب:
-هل يحبني مثلما أحبه؟ أم أنها مجرد أوهام، لا أريد أن أعاني من عذاب الحب، يكفيني ما مررت به من قبل!
تنهدت مجددا، وإستلقت على جانبها الأيمن، وتابعت ب: -لا أريد أن أخسره، أنا تعلقت به كثيرا.

أدمعت عينيها وهي تتذكر ما حدث من قبل مع نادر، وكيف أسيء إليها من قبل أقرب الأشخاص إليها، فإنهمرت العبرات مغرقة وجهها، وإنتحبت بأنين مكتوم، ثم مسحت عبراتها من على وجنتيها بأطراف أناملها، وأكملت بصوت مختنق ب:
-كفاني ما عانيته من آلم الفراق والظلم، لن أغرق في أحزان الماضي، سأكمل حياتي بإختياري أنا
وبالفعل استمرت لمار في تبادل الرسائل الإلكترونية مع أحمد حتى أخذ الحديث معهما منحنى أخر، و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة