قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

ذات يوم أرسل لها أحمد رسالة خاصة على الفيس بوك كتب فيها
(( لمار. أود أن أفاتحك في موضوع ما ))
إنقبض قلبها حينما قرأت رسالته، وتسارعت أنفاسها، وشحب لون وجهها، وظنت أنه على وشك إنهاء علاقتهما الإلكترونية معا.
لم تعرف لماذا إنتابتها أحاسيس منزعجة ومرتبكة زادت من توترها قبل أن تفيق من شرودها وتدرك أنها لم تجب على رسالته.
طبعت بأنامل ثقيلة على لوحة المفاتيح
(( ما الأمر أحمد؟ )).

ضغطت على زر الإرسال، ثم ضمت كفيها إلى صدرها، وحبست أنفاسها منتظرة رسالته التي تحمل مصيرها...
بأعصاب مشدودة، وأنفاس متوترة ترقبت أيقونة الرسائل.
وحينما أضاءت إزدادت ضربات قلبها، وبأصابع مرتعشة فتحت الرسالة وقرأتها.
إتسعت عينيها في ذهول، وفغرت شفتيها في إندهاش وقرأت كلماته بصوت شبه مصدوم ب:
-لمار لقد تعلقت بك!

عادت البسمة إلى ثغرها، وإبتلعت ريقها في عدم تصديق، وإندفعت دماء الفرحة إلى وجنتيها، ورمشت بعينيها عدة مرات لتتأكد أنها لا تتوهم ما تقرأه، ثم رددت على مسامعها:
-هل هذا حقيقي؟ هو. هو تعلق بي!
أرسل أحمد لها مجددا رسالة أخرى كتب فيها: -(( لماذا لا تجيبين؟ هل أنت لا تشعرين بما أشعر به نحوك؟ ))
هزت لمار رأسها لتفيق من حالة الصدمة الغير متوقعة، وبحماس حقيقي طبعت على لوحة المفاتيح:.

-(( بل أشعر بك منذ فترة، فأنا مثلك وربما أكثر منك، أحبك في صمت. نعم أنا أحبك ))
أرسلت هذه الرسالة وهي غير عابئة سوى بمشاعرها الجياشة، وإنتظرت بشغف رده عليها
-(( حقا؟ ))
تملكها الحماس والرغبة وهي تتابع بعاطفتها النقية إرسال: -(( نعم وأكثر من هذا، ولكني. ترددت في البوح بما في قلبي ))
سألها بإستفسار في كلمته المقتضبة ب: -(( لماذا؟ )).

عضت على شفتها السفلى، وأجابته برسالة مكتوبة ب: -(( لقد خوفت من خسارتك ))
ثم إنتظرت رده عليها بفارغ الصبر، فتفاجئت به يرسل لها: -(( لا تقولي هذا حبيبتي، فأنا أحبك ))
جحظت عينيها في فرح حينما قرأت ما كتبه، وأرسلت له مستفهمة: -(( حبيبتك! ))
-(( نعم. أنت حبيبتي لمار ))
لمست كلماته قلبها، وجعلتها تطير من السعادة. دارت حول نفسها في الغرفة وهي تمد ذراعيها في الهواء وتهتف بشغف:
-أنا حبيبته لمار، أنا حبيبته.

ثم صعدت على فراشها، وظلت تقفز لعدة مرات وهي ممسكة بالوسادة وتردد قائلة: -هو يحبني مثلما أحبه، أخيرا قالها. آآآ. أقصد كتبها، لا يهم الطريقة. فهو اعترف لي بحبه الكبير
ألقت بجسدها على الفراش، وإحتضنت وسادتها بين ذراعيها، وتنهدت بإرتياح قائلة:
-قريبا سأصبح عروس أحمد!

عاشت لمار أجواء الحبيبة لعدة أيام لاحقة، فكانت ترسل له الرسائل بكلمة (( حبيبي ))، وتنهيها بكلمات عاشقة. وبدأت تخبره عن أحلامها معه، وعن رغبتها في بناء ما يسمى ب عش الزوجية بأقل التكاليف الممكنة.
كانت تمهد له الصعاب، وتذلل له أي عقبة قد تحول دون تقدمه لخطبتها في أسرع وقت.
ولم يكف أحمد هو الأخر عن التعبير عن مشاعره لها، ولكن بحذر.
ورغم هذا لم تبد إعتراضها، وكانت راضية بكلماته المحدودة معها.

عاشت فترة – رغم قصرها – مليئة بالأحاسيس النقية التي أنعشت قلبها قبل روحها...
وبعد أن تأكد من عمق علاقتهما طلب منها: -(( هل يمكن أن ترسلي لي صورتك حتى تصبح معي، إنه أول طلب لي ))
توترت لمار من طلبه هذا، وخافت أن يحزن إن رفضته، لذا أسرعت بالبحث عن صورة لها محفوظة على جهازها وهي في إحدى المناسبات العائلية، وأرسلتها له. فبعث لها:
-(( أنت حقا جميلة، ولكني أريد صورة لك على طبيعتك )).

ضيقت هي عينيها في عدم فهم، وكتبت له: -(( لا أفهمك ))
-(( أريد صورة لك وأنت بملابسك الآن، فهل ستخجلين مني أنا حبيبك؟ ))
نجح أحمد في اللعب على أوتار قلبها، وإستمر في إرسال غزله وكلماته المعشوقة لها حتى ذابت تماما بين يديه كقطعة ثلج، ووافقت بإستسلام دون أي نقاش على طلبه حتى تنال رضائه التام...

عضت على شفتها في إرتباك، وإلتفتت برأسها للخلف لتتأكد من أن باب غرفتها مغلق، ثم سريعا توجهت نحو خزانة ملابسها، وبحثت عن الكاميرا الخاصة بها، وقامت بتشغيلها، ثم وضعت حجابها على رأسها، وأسندت الكاميرا في زاوية مناسبة للتصوير، وضبطت المؤقت الخاص بها.
ووقفت مستعدة في أحد أركان الغرفة وهي ترتدي منامتها، ومن فوقها حجابها لتلتقط تلك الصورة.

ثم أرسلتها له وهي متوترة للغاية من ردة فعله تجاهها، ولكن فاجئها رده الفاتر ب:
-(( هي جميلة، ولكني كنت أطمع في شيء أخر ))
خشيت لمار أن يتمادى في طلباته، ويسألها عن شيء تعجز عن فعله، لذا توسلت له في رسالة:
-(( يكفي هذا أحمد. أرجوك لا تضغط علي، أنا أحبك حقا، ولكني لن أغضب الله. وأخاف أن أفعل ذنب ما وأعصيه ))
أرسل لها بعد دقائق رده: -(( حسنا. كما تشائين )).

تنهدت في إرتياح لأنه إمتثل لطلبها، وشعرت بالفرحة لأنه لن يدفعها على إرتكاب حماقة تندم عليها لاحقا، ورغم هذا كان هناك شيء ما يجعل فرحتها تلك ناقصة...
ثم بعث لها مجددا ب: -(( هل تمانعين في طلب أخير؟ ))
إرتعد قلبها أن يكون قد عدل عن رأيه ويرغب في شيء تخشاه. فأجابته بنوع من الحيطة:
-(( على حسب نوعه ))
أرسل لها بعد دقيقة، فبتلهف قرأت ما كتبه: -(( لا تقلقي حبيبتي. أنا أود سماع صوتك، فقد مللت من الكتابة )).

رمشت بعينيها غير مصدقة ما أرسله، فسألته بإهتمام: -(( هل تقصد أنك تريد رقم هاتفي؟ ))
-(( نعم. وسأطلبك على الفور، كم أشتاق لصوت حبيبتي ))
إعتلى ثغرها إبتسامة خجلة، وكذلك توردت وجنتيها بحمرة شديدة، وطبعت دون تأخير رقمها الخاص وأرسلته له، وإنتظرت رده عليها.
ولكنها تفاجئت بهاتفها المحمول يرن بجوارها، فإنتفضت مذعورة في مكانها، وكاد يسقط الهاتف من يدها وهي تحاول إلتقاطه لترى إسم المتصل.

لم يكن الرقم مسجلا لديها، ولكن قلبها أكد لها أنه هو.
ضغطت دون تردد منها على زر الإيجاب، ثم بصوت شبه خافت ومليء بالخجل قالت: -السلام عليكم
-وعليكم السلام حبيبتي لمار
قالها أحمد بصوت رجولي آجش زاد من خجلها، وجعلها تجفل عينيها في حياء منه...
أخذ أحمد نفسا عميقا ثم تابع ب: -هكذا أفضل حلوتي
-أها.

إرتبكت لمار أكثر وهي تسمع غزله لها، وتلفتت حولها لتتأكد من أن باب الغرفة موصود، وصوتها خافت حتى لا تسمعها والدتها بالخارج.
أكمل أحمد مكالمتها معها بصوت رخيم ب: -صوتك ناعم حقا في الهاتف
أجابته بإرتباك يشوب كلماتها ب: -شكرا لك
تنهد أحمد بصوت مسموع قبل أن يتابع بصوت عادي ب: -أتعلمين لقد تعبت من كثرة الكتابة. لكن الوضع الآن مريح
-عندك حق
-لمار، أود أن أسمع من صوتك الرقيق هذا تلك الكلمة التي تأسر القلوب.

اضطربت هي كثيرا عقب عبارته الأخيرة، وإشتعلت وجنتيها بحمرة شديدة، وأجابته على إستحياء ب:
-ولكن. كتابتها أسهل من قولها
-أتحرميني منها، أرجوك حبيبتي، قوليها لي ولو مرة
ترددت هي في قولها، وإستمع هو لصوت إضطراب أنفاسها، فطلب منها بإصرار: -حبيبتي. مرة واحدة فقط
أخذت هي نفسا مطولا، وحبسته للحظة، وأغمضت عينيها، ثم بصوت أقرب للهمس قالت:
-أحبك.

هتف أحمد بحماس زائد: -يا الله! كم هي رائعة تلك الكلمة بصوتك، أعديها مرة أخرى
-لقد طلبت مني مرة واحدة
-لن أقبل بالرفض حبيبتي، مرة أخرى أرجوك
إبتسمت هي في خجل، ثم قالتها بخفوت: -أحبك يا حبيبي
أجابها دون تردد بثقة جلية في نبرة صوته ب: -وأنا أحبك أيضا
تحدث كلاهما لبعض الوقت في أمور عادية، ثم هتفت لمار بحماس: -سوف أسجل رقم هاتفك عندي
أجابها أحمد بجدية شديدة: -لا.

قطبت جبينها، وضيقت عينيها في قلق، ثم سألته بتوجس
-لماذا؟
تنحنح بصوت خشن، ثم أجابها بفتور: -لأن هذا ليس رقمي
إزداد إنعقاد ما بين حاجبيها، وقالت إهتمام: -ليس رقمك!
رد عليها بصوت جاد ب: -نعم، فأنا أغير رقمي بإستمرار بسبب مشاكل العمل
لم تنكر هي أن هناك شيء ما أزعجها بشأن تلك العبارة الأخيرة، وجعلها تحتار في أمره، لذا أضافت بجدية:
-ولكن. إن. إن أردت أن أهاتفك يوما ما وآآ...

قاطعها هو بصوت حاسم ب: -أنا من سأتصل بك لمار، والآن دعينا من تلك المسألة وقولي لي هل تحبين السفر
تعمد هو أن يغير من مسار الحوار حتى لا تجادله هي كثيرا في مسألة هاتفه المحمول...

كانت لمار في صراع حقيقي بين قلبها وعقلها، فالأول يجبرها على الإندفاع وراء مشاعرها والتمتع بالحب مهما كانت تبعاته، والأخير يطلب منها التريث، فهناك شيء ما غامض بالموضوع، شيء غير مريح بالمرة في تلك العلاقة.
حاولت هي أن تفكر بتأني، وتنهي هذا الصراع، لذا أصغت في النهاية لصوت قلبها، وتجاهلت تحذيرات عقلها منه.

وبررت هذا بأنها لن تخسر شيء، فهي تسعى للحب، ومعه إنتعش قلبها، ونبض من جديد، فلماذا تحرم نفسها من هذا الإحساس، وتعيش مأساة فقدان حبيب أخر...

ظل الوضع بينهما متأرجحا بين عاطفة جياشة من لمار، ومشاعر هادئة – نوعا ما - من أحمد. ومع ذلك كانت هي تعيش أجمل أوقاتها.
توقعت هي أن يستمر في مكالماته الهاتفية معها، ولكن حدث العكس تماما حيث قلت بصورة تدريجية، وكانت حجته بأنه أضاع هاتفه، وحينما يأتي برقم جديد سيعطيها إياه. فشعرت بإرتياح قليل رغم حالة الضجر التي تزعجها بين الحين والأخر.

بعد أيام قلائل، كانت المكالمات بينهما شبه معدومة، مما زاد من حزن لمار، فحينما كانت تطلب أن تسمع صوته، كان رده الدائم عليها:
-ليس الآن حلوتي. ليس الآن، فأنا لم أحد الهاتف المناسب بعد
شعرت هي بفتور واضح من جانبه في علاقتهما. ولكنها كافحت من أجل استمرار هذا الحب.
كذلك إنعكس الوضع على رسائلهما الإلكترونية، فأصبحت هي من ترسل له يوميا لتسأل عنه، وهو يجيبها بعدها بساعات بكلمات مقتضبة.

و لكن ذات مرة سألها بجدية في رسالة جديدة: -(( لمار، هل تمانعين إن سألتك عن أشياء خاصة؟ ))
لم تفهم لمار ما الذي يعنيه بكلماته تلك، فسألته بحيرة في رسالة أخرى ب:
-(( أي أشياء تقصد؟ ))
أرسل لها مجددا، فقرأت بحذر رسالته: -(( أنا لا أريدك أن تسيء الظن بي، ولكن لكي تكتمل الصورة بيننا ))
-(( أنا لا أفهمك يا أحمد )).

-(( حسنا. سأوضح لك، ولكن اعلمي جيدا أني أحترمك جدا، ونيتي نحوك لن تتغير مهما حدث، فأنا أعتبرك. زوجتي ))
ألهبت كلمته الأخيرة - حينما قرأتها - مشاعرها، وزادت من الشوق والرغبة لديها لتصبح زوجته بحق أمام الجميع. وتكمل معه حياتها القادمة خاصة بعد فترة البرود العاطفي التي كانت تعيشها.
إعتدلت هي في جلستها على المقعد، وكتبت له بحماس: -(( حقا، هل تعتبرني زوجتك؟ )).

أرسل لها على الفور: -(( طبعا، لذا لن تخجلي من زوجك؟ ))
-(( أكيد ))
-(( سوف أسألك في عدة أمور، وأؤكد لك أن هذا لن ينقص من قدرك عندي في شيء ))
-(( اتفقنا، سل ما تشاء ))
غاب أحمد لبضعة دقائق عن إرسال أي شيء، فإنتابها القلق والحيرة، وظلت تطالع شاشة الحاسوب بتوتر شديد. وحدثت نفسها بتوجس ب:
-ماذا يريد أن يعرف؟ لقد بت أخشى فقدانه، سترك يا الله.

بعد لحظات ليست بالقليلة أرسل هو لها: -(( معذرة لمار، كنت أتحدث مع أمي ))
تنهدت هي في إرتياح، وطبعت له دون تردد: -(( لا يهمك حبيبي ))
بعد دقيقة بعث لها برسالة، ولكن من نوع مختلف. صدمت حينما قرأت ما كتبه بجرأة:
-(( لمار، هل تحبين ممارسة الحب؟ ))
صعقت هي من كلماته، وإبتلعت ريقها في توجس مما هي مقبلة عليه. فركت أصابعها في خوف، وسألت نفسها بإنزعاج ب:.

-م، ما الذي يريده بالضبط؟ أنا لا أفهم مقصده؟ أي نوع من الحب الذي يتكلم عنه؟
أرسل أحمد لها مرة أخرى: -(( لمار من فضلك لا تنزعجي من سؤالي هذا، فنحن الآن أقرب من الزوجين، وطبيعي أن نتحدث عن تلك الأمور ))
-(( ولكن الأمر سابق لآوانه ))
-(( لا حبيبتي. لا حياء في العلم، وأنا أريد أن أتأكد من أن زوجتي قادرة على تلبية رغباتي ))
-(( حينما يأتي الميعاد، سوف نرى ))
-(( وأنا ليس لدي أي صبر لأنتظر، فأنا متيم بك )).

إبتسمت لمار وهي تقرأ إصراره على أن يستحوذ على كل ذرة في كيانها، على أن يشاركها حتى خيالاتها الخاصة بها. ولكن تلاشت إبتسامتها وهي تتذكر طلبه الأخير. هو يريد الحديث معها في أمور خاصة للغاية، أمور تتعلق بالأزواج وهي لا تحل له لكي تبوح له برغباتها.
لذلك تحججت بإصرار ب: -(( حبيبي، حينما نصبح زوجين سأقول لك ما أريد ))
-(( ولكني أريد أن أعرف الآن ))
-(( هل هذا حلال؟ أم فيه معصية لله؟ )).

-(( معصية! ليس بين الزوجين يا لمار، ونحن على أعتاب تلك الخطوة ))
-(( أحمد. أنت لم تتقدم لخطبتي بعد، فكيف نتحدث عن أمور سابقة لآوانها ))
-(( أتعلمين شيئا لمار، لقد أصبحت مملة ))
-(( مملة ))
-(( نعم، فكلما أطلب منك أي شيء ترفضين! وأنا لم أرغب سوى في إسعادك ))
-(( ولكن أحمد أنا أنفذ كل ما تطلبه مني، ولم أزعجك يوما ))
لم يجبها أحمد بل ظل يقرأ بفتور ما أرسلته له.

إنقبض قلبها لتجاهله إياها، فخشيت حقا من فقدانه، لذا أرسلت له: -(( أحمد أريد أن أهاتفك الآن، فمن فضلك أرسل لي رقمك ))
لم تجد منه أي رد فإزدادت حيرتها وخوفها. وشعرت أن هناك أمر ما خاطيء في تلك المسألة.
أضاءت أيقونة الرسائل مجددا برسالة منه، ولكنها كانت مختلفة. قرأتها بوجه شاحب، وبصوت حزين:
-(( لمار، أعتذر منك، سوف أنهي الحديث معك الآن، سلام )).

دبت قشعريرة قوية في جسدها وهي تقرأ عبارته الأخيرة، وخفق قلبها في ذعر، فأرسلت له
-(( أحمد، انتظر من فضلك ))
لم يجبها هو بل تعمد تجاهلها تماما. فقضت ليلتها وهي تحاول التوسل إليه أن يجيبها. ولكن دون جدوى.
شعرت لمار بحزن شديد يجتاحها، وبإنكسارة قوية في قلبها، وبأن روحها للمرة الثانية تسلب منها.
إنهمرت عبراتها بغزارة على وجنتيها، وتقطعت أنفاسها وهي تبكي بصوت مكتوم كي لا تسمع والدتها أنين قلبها.

لأيام لاحقة ظلت قابعة في غرفتها - بعد أن تعود من عملها - أمام شاشة الحاسوب تنتظر وتنتظر لساعات أن يجيب على رسائلها.
كانت الصدمة القوية بالنسبة لها حينما وجدته لم يعد صديقها بالفيس بوك. وأنه حظرها من أن تكون رفيقته.

فأنشأت حسابا وهميا محاولة الوصول به إليه، ولكن إعتلى الذهول المصحوب بالرعب وجهها، وإتسعت عينيها رغم العبرات المترقرقة بها في إندهاش. حيث تفاجئت به يضع صورته مع شابة يتأبط ذراعها، ويرتدي كلاهما خاتمي الخطبة.
لقد كانت المفاجأة صادمة للغاية، فقضت على ما تبقى من روحها المعذبة.

لامت نفسها كثيرا، وبكت بحرقة لليال طوال لأنها لم تكن واعية بالقدر الكافي لتدرك أنها مرت بأكذوبة جديدة، وإستسلمت بغباء لمشاعرها، وعاشت أكبر أوهامها، وأن أحلامها لم تكن بالنسبة له إلا سرابا.
كم آلمها هذا بحق، وجعلها تعاني من ويلات الفراق. وآلام الغدر والخيانة
لم تستطع البوح لوالدتها بحزنها، ولا بإنكسار قلبها. فكيف تخبرها وهي من وقعت في فخ الحب، وعانت من عذابه الدائم.

لذلك جاهدت في إخفاء آلام قلبها عنها، ورسمت إبتسامة زائفة على محياها حتى لا تثير إنزعاجها.
كان السبيل الوحيد للتنفيس عن أحزانها هو البكاء ليلا على وسادتها.
إسود أسفل عينيها، وأصبح يغلف جفونها هالات سوداء. وذبل وجهها، وإختفت ضحكتها تماما.
كذلك قلت شهيتها في تناول الطعام، ونحف جسدها.
قلقت سمية على حال إبنتها، وسألتها بتوجس: -ما الذي أصابك بنيتي؟

إبتسمت لها إبتسامة فاترة، وأجابتها بنبرة شبه حزينة: -لا شيء أمي، أنا حقا بخير
هزت سمية رأسها في عدم إقتناع، وهتفت بضيق وهي تشير بيدها: -أنت لست كذلك، أنظري إلى هيئتك.

ألقت لمار بنفسها في حضن والدتها، وأغمضت عينيها محاولة مقاومة تلك العبرات التي تتراقص في مقلتيها، ثم أخذت نفسا مطولا لتتمكن من السيطرة على إنفعالاتها، وزفرته على عجالة، وإنحنت برأسها لتقبلها من كتفها، ثم أرجعت رأسها للخلف، وأجابتها بصوت هامس:
-فقط إرهاق العمل
وضعت سمية يديها على ذراعي إبنتها، وهزتها قليلا وهي تسألها بجدية: -لا يمكن، أخبريني يا لمار، ماذا حدث؟

أمسكت هي بكف والدتها، ونظرت لها بإمتنان، وأجابتها بصوت رقيق: -لا تقلقي يا أمي، فقط إدعي لي بالصبر
مسحت والدتها على وجنتي إبنتها بكفيها، وردت عليها بحنو: -أنا أدعو الله لك في كل صلاة، ولكن لا يعجبني حالك
مالت لمار برأسها على راحتها، وتنهدت في حزن، ثم قالت: -والله أنا بخير.
-أسأل الله أن يريح بالك، ويهون عليك
أومأت لمار برأسها، ثم سارت مبتعدة عن والدتها، وإتجهت إلى غرفتها ثم حدثت نفسها بنبرة مريرة ب:.

-غدا سأصبح أفضل، فقط أمهليني الوقت لكي أتعافى. فما مررت به ليس بالأمر الهين، ولكني أعدك يا أمي أني لن أنهار أو أسقط، سوف أتجاوز تلك المسألة بإرادتي، فالأيام كافية لتداوي جراحي. حقا كان الدرس قاسيا تلك المرة، ولكني تعلمته،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة