قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

كانت من أصعب الفترات على لمار أن تعاني من لوعة الفراق مجددا بمفردها، نعم لقد إعتادت مذاقه المرير، وحبست في صدرها آلامه، وتحملت وحدها معاناته. والأصعب من هذا كله أنها كافحت لتبقى صامدة أمام والدتها وتجرعت الآلم بصمت.
وما زاد من شقائها هو رؤيتها لمعاناة رفيقتها مريم من رحيله عنها.
فكلتاهما تشاركتا في حبه، وكلتاهما خسرتا معا.
لقد كانت لمار تواسي نفسها قبل أن تواسيها.

رأت سمية في عيني إبنتها لمحة من الحزن رغم الإبتسامة العريضة التي تسمها بإستمرار على محياها، فسألتها بتوجس:
-ما الذي حدث بنيتي؟
تنهدت بآسى وهي تجيبها: -لا شيء أمي
أمعنت والدتها النظر إليها وهي تتابع بإهتمام: -ولكني أرى الحزن في عينيكي
هي تعلم أن والدتها لن تكف عن سؤالها، لذا أجابتها بصوت أسف: -هذا. هذا لأني خسرت صحبة رفيقتي
سألتها بإستفسار وهي تدقق في تعابير وجهها: -ها، لماذا؟

أخفضت لمار عينيها، وقالت بصوت حزين: -لقد. لقد ملت وجودي بصحبتها
ربتت والدتها على كتفها، ووضعت يدها على طرف ذقنها، وتابعت بهدوء: -هي الخاسرة حبيبتي، فلا يمكن لأحد أن يعوض طيبة قلبك
إختنق صوت لمار وهي تضيف قائلة: -ولكني. ك. كنت أحبها.

أدركت سمية أن إبنتها تخفي مسألة ما عنها، وأن الأمر لا يتعلق برفيقتها، وأنها تحتفظ بأحزانها لنفسها. لذا أرادت أن تهون عليا الموضوع، وتخبرها أنها تشاركها إحساسها حتى وإن ظلت صامتة.

لذا بصوت أموي دافيء تابعت هي قائلة: -صغيرتي، الحب الحقيقي لا يعرف الملل أو الضجر، لا يعرف المصلحة أو الإستغلال، من يحب رفيقه لا يمل وجوده، ولكن هذا حب زائف، مبني فقط على مصلحة شخصية، وصديقتك هذه قد خسرت رفيقة حقيقية، فلا تبكي عليها كثيرا!
ردت عليها بصوت منكسر: -سأحاول يا أمي.

أضافت سمية بصوت جاد وهي تمسح على وجه إبنتها: -صدقيني لمار، الحب الحقيقي لا يموت، ربما يصاب بالفتور في مرحلة ما، ولكنه يعاود النهوض مجددا وبقوة!
نظرت لها لمار بإنكسار، وأجابتها بصوت محبط: -أنا لم أعد أؤمن بوجوده، نعم هو أكبر أكذوبة يقوم بها البشر
هزت والدتها رأسها بالنفي، وقالت بجدية: -أنا أختلف معك، فهو موجود، ولكن يسيء الإنسان إليه، وأنتي لم تقابلي الرفيقة الحقيقية بعد.

تنهدت هي بحرارة، ثم أردفت بصوت يائس: -لقد تعب قلبي، وأرهقه البحث عنه
ردت عليها والدتها بهدوء عاقل: -هذا لأنك تحبين من لا يستحق
سألتها لمار بإهتمام وهي تنظر في عيني والدتها: -وماذا أفعل لأعرف أني أحب من يستحق؟
إبتسمت لها والدتها إبتسامة عذبة، وردت عليها بنبرة دافئة: -لا شيء. فقط ستجدين سعادتك في أبسط الأشياء، وهو يسعى لإضحاكك وليس لإبكائك!

رمشت لمار بعينيها بعد عبارة والدتها الأخيرة لأنها كانت تحمل دلالات خفية.
هل تمكنت من فضح أمرها، وكشفت من حزنها مسألة حبها الأخير.
توترت كثيرا أمامها، وحكت طرف ذقنها بإصبعيها، ثم تنحنحت بصوت خافت، وسألتها بإرتباك:
-احم، عمن تتكلمين أمي؟
إبتسمت لها والدتها، وغمزت لها وهي تقول بجدية: -عن الشخص الحقيقي الذي سيحبك ابنتي، لا تتعجلي فقط، وإصبري!
ردت عليها بإيجاز وهي تتحاشى النظر إليها: -حسنا.

أضافت والدتها بصوت حماسي: -إبدأي من جديد لمار، ولا تقف عند الماضي كثيرا
-سأحاول
-لا تحاولي، بل إفعلي.
-إن شاء الله
أخذت والدتها نفسا عميقا، ثم زفرته على مهل، وظلت تنظر إلى ابنتها محاولة سبر أغوار عقلها.
كانت الأخيرة شاردة في ذكرياتها. فمع كل لحظة تمنت فيها أن تحب بصدق، تقع فريسة لأكذوبة كبيرة، وتخرج من تجربتها خاسرة مقهورة.
هي تؤثر الكتمان، ولكن تعاني روحها من آلم الإشتياق.

ومهما أخفت عن والدتها، تفضحها عينيها، وتعبيرات وجهها.
فسمية متيقنة أن إبنتها تتعجل الوقوع في الحب، وتسلم قلبها لمن لا يؤتمن. ولا تتعلم من أخطائها.
ففكرت في بديل يلهيها عما تعانيه. لذا أردفت بصوت متفائل: -عندي لك اقتراح، لمذا لا تعاودين إكمال دراستك العليا؟
عقدت لمار حاجبيها، ونظرت لوالدتها بإندهاش، وهتفت متسائلة بصدمة: -ماذا؟
أومأت برأسها إيجابيا وهي تتابع بهدوء: -نعم، أظن أن هذه بداية مناسبة لك.

تذمرت لمار وهي ترد عليها قائلة: -ولكن. أنا. أنا كبرت على الإستذكار!
هزت سمية رأسها معترضة، وقالت بجدية: -بل أنت في عنفوان الشباب، وسترين أن حظك سيتغير للأفضل
مطت شفتيها للأمام، ثم نطقت بخفوت: -سأفكر في المسألة
وبعد فترة من التفكير، ومن محاولات والدتها لإقناعها بالعودة إلى الدراسة مجددا، إمتثلت لمار لطلبها، وقررت أن تتوجه إلى كليتها، وتسأل عن إمكانية إلتحاقها بالدراسات العليا.

وبالفعل دونت هي كل المعلومات المطلوبة لكي تنضم إلى الكلية مجددا، ووجدت حافزا حقيقيا للبدء من جديد بعيدا عن ركام الماضي. وبتشجيع والدتها كانت قد إنتهت تماما من إعداد كل شيء، وإلتحقت بقسم الدراسات العليا.
عاهدت لمار نفسها بأن تضع قفلا غليظا على قلبها حتى لا تتعرض لخديعة الحب. فلا مكان له الآن في حياتها الجديدة.

دلفت لمار إلى داخل الحرم الجامعي، وتلفتت حولها بإستغراب، فالمكان قد تبدل للأفضل، وبحثت عن جدول المحاضرات الخاص بها، ولكن وجدت أسماء قاعات الدراسة قد تبدل، فإزدادت حيرتها، وبحثت بعينيها عمن يساعدها، فوجدت أحد الأشخاص يرتدي بدلة رمادية اللون، ويتحدث مع حارس الأمن. فقررت أن تستفسر من الأخير عن مكان القاعة المنشودة. وحدثت نفسها بثقة قائلة:
-ربما هو أدرى مني بمكانها!

وقفت هي خلفهما، وتسائلت بصوت رقيق يحمل الخجل: -معذرة، هل يمكن أن تدلني على مكان قاعة ، ؟
إلتفت ناحيتها الرجل ذو الحلة الرمادية، ورمقها بنظرات متفحصة، وأجاب هو عليها بدلا من حارس الأمن قائلا بصوت هاديء ورخيم:
-أنا متجه إلى هناك، تعالي معي.

رفعت لمار عينيها لتنظر إليه بإندهاش، فرأت ملامح وجهه الهادئة والمميزة لبشرته البيضاء، وعينين متسعتين – من اللون العسلي - يغلفهما نظارة طبية بدون إطار، وأهداب سوداء كثيفة تتماشى مع سواد شعر رأسه الكث.
تورد وجنتيها سريعا بحمرة الخجل، وأجفلت عينيها، وردت عليه بإعتراض خافت: -أنا أريد أن أعرف مكانها فقط، ولست بحاجة لمرشد يصطحبني!

ضيق الرجل عينيه بإستغراب، وقال مستنكرا: -أنا لا أعاكس يا آنسة إن كنت تظنين هذا، أنا أيضا متجه إلى هناك
إزداد وجود اللون الأحمر على بشرتها فغطى معظم وجهها بسبب الإحراج.
فعضت على شفتها السفلى، وقال بإرتباك
-لم أقصد هذا، ولكني آآآ...
قاطعها بصوت جاد وهو يشير بكف يده: -لا داعي للتبرير، يمكنك مرافقتي!
مطت شفتيها للأمام، وتحاشت النظر إليه، وقالت بإمتنان: -شكرا لك.

سبقها هو عدة خطوات للأمام، ولحقت هي به، وسألها بصوت ثابت دون أن ينظر إليها:
-هل أنت طالبة جديدة هنا؟
أجابته بإيجاز وهي مطرقة الرأس: -لا. بل تخرجت من هنا قبل عدة أعوام
-ممم. حسنا
بعد دقيقة، وصل كلاهما إلى القاعة المنشودة، فتوقف هو فجأة وإلتفت بجسدها نحوها ليرمقها بنظرات متفحصة لهيئتها الخجلة والمرتبة، ثم أردف قائلا بهدوء:
-هذه هي القاعة، تفضلي
-شكرا لك، و. وأعتذر عن آآ.
-لا حاجة بي للإعتذار!

أطرقت رأسها في حرج، وسارت بخطوات متعثرة للداخل، وبحثت بعينيها على عجالة عن أبعد نقطة لتتوارى فيها عن الأنظار.
بعد لحظات عدة، كانت القاعة قد إمتلئت تماما بالطلاب، وتبعهم دخول المعيد المسئول عن تدريس تلك المادة.
رفعت لمار رأسها لتنظر إلى هذا المعيد، ففغرت شفتيها في ذهول، واتسعت عينيها مصدومة حينما رأته.
إنه نفس الشخص الذي ساعدها. إنه المسئول عن تدريسها
أخفضت سريعا رأسها، وتحاشت النظر نحوه.

وحدثت نفسها بلوم قائلة: -يا لغبائك يا لمار، أتفتعلين مشاجرة مع أستاذك، كم أنت ذكية حقا؟
تنحنح المعيد بصوت مرتفع بعد أن أمسك بالميكروفون في يده، ثم قال بصوت هاديء ورزين:
-السلام عليكم، أنا الأستاذ عبد الرحمن وحيد، وأتشرف بالتدريس لكم في تلك المادة، وأتمنى لكم عاما دراسيا موفقا.

رحب به غالبية الطلاب المتواجدين بالقاعة، ثم تابع هو بنبرة شبه مازحة: -ومن منكم لا يعرفني، فأنا انتقلت للعمل هنا قبل عامين، وأتعامل بالحسنى مع الجميع، ولست فظا أو وقحا كما يظن البعض
تعالت بعض الضحكات بين الطلاب. بينما إزداد عبوس وجه لمار، فقد فهمت أنها المقصودة بحديثه هذا. وأدمعت عينيها قليلا.

أضاف عبد الرحمن قائلا بجدية: -لا أريد أن يفهمني أحد بالخطأ، ولكني لا أقبل الإستهانة بشخصي، أنا أحب مساعدة الغير، ولكن هذا ليس معناه أن أتهاون في حقي حتى لو كان الأمر بحسن النية
إختلست لمار النظرات إليه، فوجدته يبحث بعينيه عنها. وبالفعل إلتقطته عينيه الحادتين، وأمسك بها تنظر إليه، فسلط أنظاره عليها، فأسرعت هي بإحناء رأسها للأسفل ودفنتها في ساعديها المسنودين على سطح المدرج.

سمعت هي صوته يصدح في الميكروفون قائلا: -أريد أن أرى الجالسين في الخلف بوضوح، فأنا لا أحب أن ينام أي أحد في محاضرتي. وخاصة إن كانت آنسة هي من تفعل هذا
شعرت لمار أن مصباحا ضوئيا قد سلط عليها فجأة، وأصبحت أعين الجميع تنظر نحوها.

فرفعت رأسها للأعلى، وتلفتت حولها فوجدت بالفعل أن غالبية الموجودين حولها ينظرون لها بفضول ويضحكون عليها، فشعرت بالحرج الشديد، وترقرقت العبرات في عينيها، وأدركت أن وجودها الآن لا يجوز. فجمعت أشيائها على الفور، ونهضت من مكانها، ولم تنظر في أوجه المحيطين، وأسرعت بالركض نحو باب القاعة.
نظر لها المعيد عبد الرحمن بإندهاش.
ونادى عليها، ولكنها لم تجيبه، بل أغلقت الباب خلفها.

فشعر بالحنق من تصرفها هذا، ورغم هذا حاول أن يبدو هادئا أمام بقية الطلاب.
ثم طلب بصوت جاد: -أريد أن يسجل جميع الحاضرين أسمائهم، فأنا لا أقبل بالتغيب عن محاضرتي!
وحدث نفسه قائلا بإصرار: -والآن سأعرف من أنت بعدما أقارن أسماء الحاضرين بالمتغيبين،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة