قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

مرت الأيام على لمار دون أي تغيير يذكر في حياتها. فمعظم رفيقاتها في الكلية قد تزوجن أو خطبن، والبعض الأخر قد إلتحقن بالعمل، بينما ظلت هي قابعة في منزلها تنتظر قدوم الفرصة المناسبة لتستغلها سواء في العمل أو حتى الزواج.
كانت تتولى المهام المنزلية البسيطة إلى أن إلتحقت بالعمل في مكتب لتصوير المستندات بالقرب من البناية التي تقطن بها...

لم يكن العمل شيقا بالنسبة لها، ولكنه كان كافيا للقضاء على جو الملل والروتين اليومي الذي أصاب حياتها. فعلى الأقل هي تلتقي بأناس لا تعرفهم ما بين طلبة وأساتذة وأشخاص عاديين. فتستمع إلى حواراتهم عن المشاكل الخاصة بهم، فتبتسم في رضا أنها قد تخطت مرحلة الدراسة وما بها دون المرور بمثل تلك العقبات...

وذات يوم، وبينما كانت هي مندمجة في كتابة إحدى ( مذكرات ) معلم ما يدرس مادة الفلسفة، وقف خلف مكتبها شاب ما، ذو ملامح وجه عادية، وعينين متسعتين، وبشرة خمرية، وذقن حليقة، وشعر غير أملس، وجسد غير رياضي ولكنه كان فاره الطول.
تنحنح ذلك الشاب بعد أن وضع يده على فمه، وقال بهدوء: -معذرة آنستي
إلتفت لمار برأسها نصف إستدارة، ورمقته بنظراتها الضيقة قبل أن تسألها بجدية ب:
-ما الأمر؟

مد ذلك الشاب يده ببطاقة هويته، ونظر لها بتفرس وهو يجيبها ب: -من فضلك، أريد نسخ تلك البطاقة فورا
-أسفة، ولكن لم يأت بعد ال آآ...
قاطعها ذلك الشاب برجاء شديد ب: -من فضلك، ليس لدي الوقت الكافي للبحث عن مكتبة أخرى، ولكني أريد نسخها فورا، فهل يمكنك مساعدتي في هذا؟ من فضلك! لن أعطلك كثيرا
نهضت لمار عن مقعدها، وتناولت البطاقة من يده، وإبتسمت لها إبتسامة مجاملة، ثم أردفت بنعومة ب:
-حسنا. انتظر لحظة.

-شكرا لك، سأتعبك معي
-هذا واجبي
-أنا ممنون لك آنستي، حمدلله أن هناك من ينسخ البطاقات في تلك المنطقة
-هناك مكاتب عدة للتصوير، ولكنهم عادة ما يفتحون أبوابهم في وقت متأخر
-أعلم هذا، ولكني غيرت محل إقامتي للتو، وميعاد سفري قد حان، ومضطر أن أنتهي من كل شيء الآن، ولم أجد من يساعدني في هذا إلا أنت
إبتسمت هي له إبتسامة مجاملة، قبل أن تهتف بخفوت: -أعانك الله.

نظر هو لها بإمتنان، ثم أضاف: -شكرا لك، معروفك هذا لن أنساه
نظرت بخجل له وهي تجيبه بنبرة ناعمة: -هذا أمر بسيط
أخذ هو نفسا عميقا، وزفره على عجالة وهو ينطق بثقة ب: -ربما كذلك بالنسبة لك، ولكنه هام لي، فحياتي القادمة تتوقف على تلك الأوراق.!
-كتب الله لك التوفيق في حياتك
-أمين. ولك أيضا
مرت لمار من أمامه، وتنحى هو جانبا ليفسح لها المجال لكي تقف أمام ماكينة التصوير.

نظرت هي للبيانات المدونة على البطاقة قبل أن تضعها في المكان المخصص للتصوير، وحدثت نفسها بخفوت شديد وهي تمط شفتيها ب:
-مممممم، أحمد مجاهد رسلان
إنتهت هي من تصوير البطاقة، وأحضرت النسخ الضوئية له، ولكنها نسيت أن تأتي بالبطاقة ذاتها إليه...
-كم تريدين؟
سألها بصوت رخيم وهو يضع يده في جيبه ليخرج حفنة من النقود.
أجابته هي بالمبلغ المطلوب، فأعطاها إياه وهو يبتسم لها بإمتنان، ثم قال بنبرة رخيمة:.

-لا أعرف كيف أشكرك، فقد أرحتني من عناء يوم طويل
-لم أفعل أي شيء
-يكفي أنك قدمت لي يد العون في هذا الوقت الحرج
ابتسمت هي من كلماته بخجل، وأضافت برقة: -لا شكر على واجب
نظر هو إلى ساعة يده، ثم عاود النظر إليها، وقال بنبرة هادئة: -أستأذنك، سوف أذهب الآن، وأتمنى أن أراك مجددا لو سنحت الظروف لي
أجابته هي بإندفاع غير مسبوق ب: -أنا متواجدة بإستمرار هنا ن فلا تقلق.

ثم أدركت مدى تلهفها في الرد علي، فشعرت بالغباء، وأخفضت عينيها للأسفل، وتوردت وجنتيها قليلا، فإبتسم هو لخجلها، ورد عليها بنبرة عميقة ب:
-إذن. إذا قدر لي رؤيتك، فسأتي إلى هنا دون تردد
ثم شكرها مجددا، وإنصرف مسرعا إلى وجهته...
عادت لمار للجلوس على مقعدها، وجذبته من ذراعيه نحو المكتب، وعلى وجهها علامات رضا ممزوجة بالسعادة. وقالت بخفوت لنفسها:
-يا له من شاب خلوق.

ولكنها إنتفضت سريعا من مكانها – كمن لدغه عقرب للتو – وذلك لتذكرها مسألة بطاقة الهوية الخاصة بذلك الشاب...
لذا ركضت في اتجاه ماكينة التصوير لتحضرها، ومن ثم أسرعت خارج المكتب لتعطيه إياها، ولكن للأسف لم تجده بالخارج، فزمت شفتيها في ضيق، وحدثت نفسها بعتاب ب:
-يا الله! كم أنا خرقاء، لقد نسيت تماما إعادة بطاقته، أرجو أن يتذكر أنه نسيها هنا.!

ثم عادت أدراجها للداخل ورأسها محني للأسفل في حزن، وظلت معظم الوقت تتابع الوافدين للمكتب على أمل أن يعود ليأخذ بطاقته. ولكن مر اليوم ولم يعود. فتجهمت تعابيرها أكثر، وبدى اليأس جليا على قسمات وجهها البسيطة.
خشيت لمار أن تكون السبب في أذية ذلك الشاب دون أن تقصد خاصة أنها تعلم أهمية وجودها معه، فظلت لنهاية اليوم عابسة الوجه ومقطبة الجبين.

لاحقا عادت هي إلى منزلها والاستسلام مسيطرا عليها...
نزعت حذائها على ( عتبة ) منزلها وهي تلج للداخل. ثم ألقت بثقل جسدها على أقرب أريكة، وظلت تغمغم مع نفسها بكلمات مبهمة.
نظرت إليها والدتها سمية بإندهاش، ثم سألتها بفضول ب: -ما الذي حدث حبيبتي؟
-لا شيء
أجابتها لمار بضيق واضح في نبرة صوتها، ثم جرجرت ساقيها المرهقتين إلى داخل غرفتها.

إرتمت هي بجسدها على جانب الفراش، وأغمضت عينيها المتعبتين، ثم تذكرت مسألة البطاقة، ففتحت عينيها على عجالة، ونظرت نحو حقيبتها، وقامت بفتحها وإخراج البطاقة منها.
تأملت هي الإسم وقرأتها برقة وهي تسأل نفسها ب: -أحمد مجاهد رسلان. ممممم. متى ستعود لتأخذ هويتك؟
فتحت والدتها الباب فجأة، فأسرعت لمار بإخفاء البطاقة خلف الوسادة، ونظرت إليها بإرتباك، وسألتها بتوتر ب:
-ماذا تريدين يا أمي؟

-الطعام جاهز، إنهضي لتتناوليه قبل أن يبرد
-حسنا، ولكني سأبدل ثيابي أولا
-كما تريدين
ثم أغلقت الباب خلفها بعد أن إنصرفت.
تنهدت لمار في إرتياح لعدم كشف أمرها، ونهضت عن الفراش بعد أن تمطت بذراعيها في الهواء، وحدثت نفسها ب:
-يا الله، كم كان اليوم مرهق بالنسبة لي.!
تثاءبت قليلا، ووضعت كف يدها على فمها، ثم تابعت ب: -أتمنى أن أراك مجددا!

توالت الأيام على لمار بطيئة وثقيلة جدا، ولم يأت صاحب بطاقة الهوية للسؤال عنها، وشعورها بالذنب يزداد يوما بعد اليوم.
فهي لم تعرف كيف توصلها إلى العنوان المذكور به، فهي تعلم حديثه عن تبديله لمحل إقامته وسفره.
شردت هي لأكثر من مرة وهي تنسخ ما هو مكتوب في الأوراق الموضوعة أمامها. فتركت ما بيدها، وفركت أصابعها في إنهاك، وحاولت أن تضبط حالها، وتستعيد نشاطها، ولكن كل محاولاتها تنتهي بالشعور بالإحباط.

توقفت لمار عن طباعة الأحرف على لوحة المفاتيح، وحدثت نفسها بيأس ب: - يا لحماقتي، لم أعد أستطيع التركيز في شيء، متى تظهر وتنهي شعوري بتأنيب الضمير هذا!
كانت أنظارها ( دائما ) مسلطة على الباب لعلها تراه يقبل عليها بإبتسامته الهادئة. ولكن خابت آمالها. فلم يعد يوما.
وذات ليلة، فكرت لمار في أن تستغل موقع التواصل الإجتماعي في البحث عنه.
وتحمست كثيرا لتلك الفكرة. واستعدت لتنفيذ فكرتها لعلها تأتي بنتيجة.

وبالفعل في خانة البحث الموجودة بموقع ( الفيس بوك ) دونت هي إسمه الذي حفر في ذاكرتها << أحمد مجاهد رسلان >>، وضغطت على زر البحث
وإنتظرت النتائج للحظات لكي تقرأ المعروض على شاشة حاسوبها.
وكانت المفاجأة بالنسبة لها حينما رأت صورة مقاربة للصورة الكربونية المطبوعة على بطاقة الهوية، فتهللت أساريرها، وإنفرج ثغرها فرحا وقالت بسعادة:
-لا أصدق عيناي، إنها حقا صورته. حمدلله أني توصلت إليه.

ضغطت لمار على صفحته الشخصية، وبدأت تتفحصها عن كثب، وتقرأ المعلومات القليلة المكتوبة عنه.
حركت هي سهم ( الفأرة ) للأسفل لتقرأ بخفوت: -أحمد مجاهد رسلان، يعمل بشركة الكهرباء، خريج كلية الحاسبات والمعلومات، أعذب، غير مهتم بالسياسة، مممم. معلومات شيقة!
رفعت عينيها عن شاشة الحاسوب، وحدقت أمامها في الفراغ، وتسائلت بجدية ب: -ولكن كيف سأخبره أن بطاقته معي؟ كيف سأجري حوارا معه؟

وضعت كلتا يديها على رأسها، لتدفنهما في خصلات شعرها الكث، وحدثت نفسها بحيرة ب:
-يا الله! كم أن الأمر مزعج بحق!
نفخت لمار في الهواء بعد أن أخذت نفسا مطولا، ثم هتفت لنفسها بعزم: -حسنا، لا داعي للحيرة لمار، أنا سأرسل له رسالة مكتوبة هنا أذكره فيها بنفسي، ثم أخبره بوجود بطاقته معي، وأعتذر له عن خطئي، وأنتظر رده، نعم، هكذا سأفعل.!
وبالفعل نفذت ما عقدت العزم عليه، وأرسلت له رسالة مختصرة. كتبت فيها ما يلي:.

(( السلام عليكم، ربما لا تذكر من أنا، ولكني سأذكرك بنفسي، لقد أتيت إلى مكتب التصوير الذي أعمل به من فترة لتنسخ بطاقة هويتك، ولكني للأسف نسيت أن أعيدها لك، وأنت كنت قد إنصرفت بالفعل، وخرجت بعدها للبحث ولكني لم أجدك، وإنتظرتك أن تأتي لتأخذها، ولكنك لم تعود ربما لسفرك، واحترت في كيفية التصرف بشأنها، وألهمني الله أن أبحث عنك على الفيس بوك، والحمدلله قد وجدتك، وها أنا أبلغك أولا بإعتذاري عن الخطأ الغير مقصود، وأنتظر قدومك في أي يوم لكي تأخذها. أتمنى لك يوما طيبا. )).

وانتظرت لبرهة من الوقت أمام الشاشة بعد أن أرسلتها له. وعشمت نفسها بأن رده سيأتيها فورا.
أسندت لمار ذقنها على مرفقها، وراقبت الإشعارات بين الحين والأخر، ولكن لا جديد يذكر. فشعرت بالملل من كثرة الإنتظار، وفي النهاية قررت أن تغلق حاسوبها، وتتمدد على الفراش.
جفاها النوم – طوال الليل – فهي لم تتوقف لحظة عن التفكير في ذلك الغريب. وفي قرائته لرسالتها.

انتبهت هي لصوت آذان الفجر، فنهضت بتكاسل عن فراشها، وتوجهت للمرحاض لتتوضأ، وتصلي بعدها.
جلست لمار على المصلية الخاصة بها، وأخذت تناجي ربها بتضرع ب: -يا الله، أغدق علي برحماتك، وأرزقني الزوج الصالح الذي يكون لي سندا في الدنيا، وعونا على متاعب الحياة، وعوضني عما فات، ولا تشمت بي الأعداء.

ثم فرت عبرة من مقلتيها، فتنهدت في حزن، وتابعت بتوسل ب: -يا الله، أنت وحدك من يعلم ما في صدري. ربي لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. رب اغفر لي ذنبي. وتجاوز عن سيئاتي
ثم سجدت لله، وبكت رغبة وتضرعا. ثم اعتدلت في صلاتها، وتنهدت في إرتياح، ثم نهضت عن مصليتها، وطوتها، وأسندتها على طرف المقعد، ثم تمددت على الفراش، وأغمضت عينيها، وإبتسمت ابتسامة خفيفة وهي تحدث نفسها ب:
-يا رب، إجعله يقرأ رسالتي،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة