قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

لم تتلق لمار أي رد منه على مدار الأيام التالية. كانت تحدق بشاشة الحاسوب لساعات وساعات دون أي كلل أو ملل على أمل أن يجيبها بعد أن تعود من عملها.
ولكن ظل الوضع كما هو. لا جديد يذكر بشأنه. وبرغم هذا فقط تعلقت بأمل زائف، حيث ظنت إهتمامه بالرد عليها هو الملهي لها خلال تلك الفترة المنصرمة. ولكن يبدو أن أحلامها تلاشت سريعا. فقد مرت فترة ليس بالقليلة على هذا الموضوع، وأيقنت أنها تطارد سرابا.

لاحظت والدتها شرودها الدائم حينما دلفت إلى غرفتها لتطمئن عليها، ولأكثر من مرة سألتها عن السبب، ولكنها كانت تجيبها بفتور ب:
-لا شيء أمي، فقط إرهاق العمل
نظرت سمية لها بحنو، وأجابتها بنبرة دافئة ب: -حسنا بنيتي، سأصدقك تلك المرة، ولكن إن كان هناك ما يضايقك فقد اخبريني
إبتسمت لمار لوالدتها إبتسامة مجاملة، وهتفت بحماس زائف وهي تحتضنها: -بالطبع، ومن لي سواك يا غالية لأشكيه همي.

مسحت والدتها على رأسها، وقالت بصوت خافت: -رزقك الله راحة البال
-اللهم أمين.!
ثم تركتها والدتها وإنصرفت لتتابع أعمال المنزل اليومية...
حمدت لمار الله في نفسها أنها تترك لها مساحة من الخصوصية رغم قلقها الدائم عليها...
تنهدت بيأس بائن، وأسندت طرف ذقنها على مرفقها وحدثت نفسها بإحباط ب: -يبدو أني تعيسة الحظ معه!
ثم أخرجت تنهيدات أكثر إحباطا من صدرها، وأضافت بيأس: -سأحاول نسيان ما حدث.

زفرت هي في إستسلام، وكانت على وشك غلق حاسوبها حينما لمحت إشعارا يأتيها ضمن ( أيقونة ) الرسائل، فجحظت بعينيها في ذهول، و إنتفض قلبها بطريقة فجائية، وتسارعت دقاته وتعالت حتى كادت تصم آذانها، وتملكها إحساس رهيب بأنه هو المرسل.
حاولت أن تتنفس بهدوء لتضبط أنفاسها المتلاحقة، ثم حدثت نفسها بهدوء حذر ب: -إهدئي لمار، لا داعي للإنفعال. فقط إفتحي الرسائل! غير المعقول أن يكون هو!

وبالفعل حركت سهم الفأرة على أيقونة الرسائل لتجد إسمه مضيئا أمامها برسالة خاصة منه.
هنا إنتفضت مرة أخرى وتركت فأرة الحاسوب الممسكة بها، وإنتصبت في جلستها، ثم وضعتي كلتا يديها على رأسها، ودفنت أصابعها في شعرها شبه المتمرد.

كذلك توردت وجنتيها بحمرة لا تعرف مصدرها، ربما هي الحماسة المفاجئة التي إنتشرت في ثنايا خلايا جسدها قد أعطتها جرعة أدرينالين زائدة لتحولها من حالة الخمول واليأس إلى شعلة من الحيوية والنشاط.
لم تعرف لما إنتابتها فجأة سعادة غامرة، فرح وقلق في الوقت ذاته، رغبة جامحة في معرفة رده، إرتباك بالغ من أن يعنفها على ما فعلت.

مشاعر كثيرة مضطربة إنتابتها في نفس الوقت. ولكن كونه قد قرأ رسالتها، أراحها إلى حد ما، فهو قد بات يعرف أنها تشعر بخطئها، ولكن ماذا عن رده عليها؟
ترددت في فتح الرسالة لتقرأ محتواها رغم اللهفة الكبيرة التي كانت متمكنة منها.
أخذت نفسا عميقا، وزفرته على مهل. فقد كانت تخشى أن يكون رده جافا أوحادا. فحاولت أن تستجمع شجاعتها لتعرف فحوى الرسالة.

ثم أخبرت نفسها بتوتر جلي ب: -استعيني بالله يا لمار، وإفتحي رسالته، لا يوجد بها ما يخيف
ضغطت لمار على الزر الخاص بفتح الرسائل الإلكترونية، ثم أغمضت عينيها، وحبست أنفاسها ريثما يتم تحميلها.
مرت الثواني عليها كأنها زمن. فإشارة الإنترنت كانت نوعا ما – ضعيفة – وبالتالي استغرقت الرسالة وقتا في التحميل.

أخذت هي نفسا مطولا وزفرته على عجالة، ثم سلطت أنظارها على تلك السطور الدقيقة المكتوبة بداخلها، وبدأت تقرأها ببطء
(( وعليكم السلام. نعم تذكرتك يا آنسة، بالفعل بحث كثيرا عن بطاقتي، وظننت أنها وقعت مني سهوا، فإستخرجت بديلا عنها. ولا داعي للإعتذار. شكرا على أمانتك، وتشرفت بمعرفتك ))
كلمات صغيرة ومقتضبة، ولكنها كانت كافية لتلمع عينيها ببريق ما، ويهدأ ضميرها الذي لم يكف عن لومها طوال لفترة الماضية.

تنهدت في إرتياح، وأرجعت ظهرها للخلف، ثم حدثت نفسها بخفوت ب: -يا الله! كم أنك أزحت عبئا ثقيلا عن كاهلي، الحمدلله أني لم أسبب له مشاكل أخرى!
مطت شفتيها المنمقتين للأمام قليلا، وعقدت كفي يدها خلف رأسها، وأخذت تفكر بصوت مسموع ب:
-ماذا أفعل الآن؟ هل أجيبه أم أنسى الأمر برمته وأكتفي عند هذا الحد؟
مالت لمار برأسها للأمام وأسندتها على طرف مكتبها، ووزفرت في حيرة، وتسائلت بتوتر ب:.

-على الأقل هل أشكره على اهتمامه و رده علي؟ أم سيعتبره تطفل مني؟
رفعت رأسها مجددا، وحدقت بشاشة الحاسوب، ثم بررت لنفسها: -ولكن هذا ليس تطفلا، إنه فقط شكر لا أكثر ولا أقل، لقد كان محترما لأخر وقت معي، ومن حقه أن أحييه على هذا
نفخت مجددا بضيق، وحدثت نفسها بتوجس ب: -إحذري لمار كي لا ترتكبي حماقة ما تندمين عليها لاحقا!

نهضت عن مقعدها، ودارت حول نفسها عدة مرات وهي تعقد يديها فوق رأسها، وتنهدت في إنهاك، ثم توقفت عن الحركة، وقالت بنبرة عازمة:
-حسنا، لا داعي لكل تلك الحيرة، فقط سأكتب له شكرا، وأنهي كل شيء!
ركضت لمار في إتجاه مقعدها، وسحبته للخلف لكي تجلس عليه، ثم مدت أصابع يدها لتطبع كلمات صغيرة على لوحة المفاتيح...
قرأت الكلمات بعناية بصوت خافت: -شكرا جزيلا على تفهمك للأمر.

ومن ثم ضغطت على زر إرسال، وراقبت الشاشة بحذر بعد أن عقدت إصبعيها معا، وكزت على أسنانها في توتر...
لم تمر إلا دقيقة واحدة حتى أتاها رده ليضيء عينيها أكثر من شاشة الحاسوب، فحبست أنفاسها، وقرأت بعجالة ما أرسله:
(( لا داعي لأن تشكريني. فأنا محظوظ بضياع البطاقة لأسمع منك مجددا ))
إرتسمت إبتسامة ناعمة على ثغرها، ولمعت عينيها ببريق غريب. ثم وضعت إصبعها على شفتيها، وسألت نفسها بتردد:.

-هل أرد عليه؟ ممممم. أنا حقا لا أعرف كيف أتصرف!
ثم رأت أيقونة الرسائل تضيء بإشعار أخر عنه، فإتسعت حدقتيها بإرتباك، وقرأت بتلهف ما كتبه:
(( أرجو ألا أكون قد تسببت لك بأي إحراج، فأنت شخصية مميزة، وقلما قابلت أمثالك ))
شعرت لمار بالإطراء من عبارته الأخيرة، وتوردت وجنتيها خجلا، وتنهدت بحرارة، وحدثت نفسها بغبطة ب:
-أهذا الكلام الجميل موجه لي؟ يا الله! أنا لا أصدق عيناي!

حركت أصابعها في الهواء بتردد، ثم سريعا ما وضعتهم على لوحة المفاتيح، وطبعت عليهم:
(( شكرا على ذوقك، أنا لا أستحق هذا ))
تنهدت وهي ترسل له ردها عليها، وإنتظرت لثوان قبل أن ترى وميض تلك الأيقونة التي ألهبت حماستها، وجعلتها متيقظة الحواس لما يخصه.

قرأت ما أرسله بصوت شبه مسموع ب: (( لا تقولي هذا، أنت إنسانة رقيقة ومخلصة، وفوق كل هذا أمينة. أود أن أطلب منك شيئا، وأرجو ألا تخذليني، وإذا رفضتي فسوف أتفهم الأمر ))
ضيقت لمار عينيها في فضول لمعرفة ما الذي يريده منها، وإنتابتها لمحة من القلق والخوف.
شعرت بإنقباضة خفيفة في قلبها. خشيت أن يطلب منها أن تكف عن إزعاجه.
شحب وجهها للحظة، وفغرت شفتيها للأسفل، وطبعت بأصابع مرتعشة كلمة: (( تفضل )).

دار في رأسها ألاف الأسئلة المخيفة والمتوجسة عن ماهية طلبه.
ومرت عليها الدقائق التالية كأنها دهر. أخذت تطرق بأصابع يدها اليسرى على سطح المكتب، وإستندت برأسها على كفها الأيمن، وظلت تنظر إلى الشاشة بنظرات زائغة.
أضاء وميض أيقونة الرسائل، فشهقت في فزع، وإزداد إنقباض قلبها، ومدت كف يدها المرتجفة لتضغط على الأيقونة.

فتحت رسالته الأخيرة، وبتوتر ملحوظ، ونظرات حادة قرأت ما أرسله بصوت خافت: (( أتمنى أن نصير رفاق، فأنا أود التعرف عليك أكثر، وأرجو ألا يكون في طلبي هذا رفض منك ))
إتسعت مقلتيها بإندهاش شديد، وفغرت ثغرها للأسفل في عدم تصديق، ووضعت كف يدها الأيسر على جبينها، ثم رمشت عدة مرات محاولة إتسعاب ما قرأته للتو، وسألت نفسها بحيرة جلية ب:
-هل هذا حقا ما يريد؟ هل يود صداقتي! أنا لا أصدق هذا؟!

ظلت على حالتها الشاردة تلك لوقت قصير. فأضاءت الأيقونة بإشعار رسالة أخرى، فضغطت عليها دون تردد، وقرأت ما كتبه بنظرات أكثر صدمة:
(( إذا رفضتي طلبي، رجاءا أخبريني، وسأحترم رغبتك تلك ))
هزت رأسها عدة مرات رافضة، وقالت لنفسها بإعتراض: -أنا لم أرفض طلبك، ولكني فقط مصدومة، ماذا أفعل؟
لم تمهل نفسها فرصة للتفكير أو حتى لإضاعة الوقت، حيث طبعت دون وعي منها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة