قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

عقدت لمار العزم على أن تتجنب الجلوس في كافيتريا النادي حتى لا تلتقي بماجد ولو مصادفة.
فأسلم شيء حاليا هو البعد عنه وذلك لتمنع نفسها من التفكير فيه، أو الحديث معه. وبالفعل نفذت ما قالته، وامتنعت تماما عن الظهور في العلن، واكتفت بقضاء وقت فراغها في غرفة الحاسوب.
استغربت مريم من تصرفات رفيقتها، وعاتبتها قائلة حينما أتت لرؤيتها في مقر عملها:
-أنت حقا سخيفة، كل يوم تتحججين بشيء ولا تجلسين معنا.

تجنبت لمار النظر في عينيها، وردت عليها بجمود: -أنا. أنا حقا مشغولة
رفعت مريم حاجبها في إندهاش، وتسائلت بفضول: -كيف؟ وأنا لا أرى أطفال حولك؟!
تنهدت لمار في تعب، وأضافت بخفوت: -مريم، أرجوك أنا سعيدة بما أفعله
-حسنا، كما تريدين، وأنا سأخبرك بما جد معي
ضيقت لمار عينيها، وقطبت جبينها وهي تسألها بإهتمام؟
-ما الجديد؟
مطت شفتيها في سعادة، وأردفت بحماس: -لقد تعرفت إلى ماجد كثيرا وصرنا مقربين إلى حد كبير.

شعرت بغصة مريرة في حلقها. وجاهدت لتحافظ على ثابتها الإنفعالي، ثم أردفت بصوت شبه مختنق:
-حقا؟

أومأت مريم برأسها وهي تجيبها بفرح: -نعم، فلو كنت تأتين معي للكافيتريا لرأيت تصرفاته معي، كم تحسدني الفتيات على قربه مني، لم أتخيل أن يحدث هذا معي، أتدرين هو شخصية مرحة وأنا لا أتوقف عن الثرثرة معه، هو أيضا لم يشتك مني. هههههه. حقا أنا متعجبة من ردة فعله، أول رجل لا يمل من ثرثرة النساء. ولكني حقا في قمة سعادتي، أوشك على تحقيق حلمي معه!

ابتلعت لمار ريقها بصعوبة، ورسمت إبتسامة زائفة على محياها، هي لا تعلم لماذا شعرت بالضيق رغم أنها من أثرت الإبتعاد أولا، ولكن ربما شعور الإهتمام من الجنس الأخر –وخاصة منه - جعلها تشعر بالإنزعاج لأنها إفتقدته حقا. فلو كانت مكان مريم الآن لحظيت مثلها بالإهتمام.
كما رأت في عيني صديقتها المقربة بريقا من نوع مختلف. حماسة زائدة وهي تتحدث عنه، وتنهيدات غريبة حينما تذكر مواقفه المضحكة.

استمرت لمار في تصنع الإبتسام وهي تقول بجدية: -أنا سعيدة من أجلك يا مريم
بادلتها مريم إبتسامة فرحة وهي تقول بنزق: -أتعلمين أن معظم حديثنا عنك
إرتسمت علامات الصدمة على تعبيرات وجهها، وتسائلت بتلهف: -ماذا؟ عني أنا؟

أومأت برأسها إيجابيا وهي تتابع بهدوء: -نعم، لقد سألني عن أشياء تخصك، وأنا كنت أجيبه بما أعرفه، أتمنى ألا تنزعجي مني، أو تسيء الظن بي، فأنا كنت أجدها فرصة لتبادل الحديث، ولكن لا تقلقي أنا لم أخبره إلا بكل خير
ابتلعت لمار ريقها بتوتر، وحاولت أن تبدو هادئة رغم تسارع دقات قلبها، وهتفت بصوت شبه هاديء:
-لا يهمك.

لم تنكر أنها شعرت بنوع من الغبطة عقب تلك العبارات الأخيرة، فهو إلى حد ما يفكر بها مثلما كانت تفكر به. ويهتم لأمرها.
إرتسمت إبتسامة تلقائية على وجهها، ولمعت عينيها نوعا ما.
قاطع تفكيرها الفرح صوت مريم وهي تكمل بجدية: -اطمئني لقد تغير مجرى الحديث الآن وأصبح عني
تبدلت ملامح وجهها للجمود، وإختفت إبتسامتها، وشحبت وجنتيها قليلا، وشعرت أن فرحتها المؤقتة تلاشت سريعا.

ردت عليها قائلة بصوت فاتر حتى لا تثير شكوكها: -حقا، هذا جيد!
تنهدت مريم بعشق وهي تكمل حديثها ب: -بالطبع فأنا في آآ...
لم تنتبه لمار لما تقوله مريم، ففضولها يدفعها لمعرفة سبب أسئلة ماجد عنها، وحديثه مع رفيقتها ليتحرى أكثر عما يخصها. ولكنها نفضت تلك الأسئلة عن رأسها، فمازال صدى عبارة مريم الأخيرة يتردد في أذنيها، وأنها لم تعد محور الإهتمام.

أمعنت النظر في طريقة مريم وهي تتحدث بشغف عنه، ورأت تنهيداتها العاشقة وهي تصف مواقفه وأقل التفاصيل التي تخصه، فشعرت بالإشفاق على حالها البائس، كم تود أن تخوض هذه المشاعر البريئة من جديد. فشعور الإهمال والتجاهل قد أضناها.
لامت نفسها، فربما لو أتاحت له الفرصة لكانت هي من تعيش تلك اللحظات الجميلة.
أفاقت سريعا من تفكيرها هذا، فلا يحق لها الآن أن تشغل بالها به، فقد صار محظورا عليها حتى ذكر اسمه.

مرت عدة أيام على لمار وهي في حالة فتور عاطفي، لا ترغب في الحديث مع أحد، ولا في فعل شيء جديد.
هي ارتضت لنفسها بتلك الحالة حتى لا تعاني مجددا.
كذلك أصبح يومها روتينيا للغاية، تذهب للعمل، تلقن الطفال ما تريد تعليمهم إياه، ثم تعود للمنزل، لتلقي بجسدها على الفراش، فتنام وتعيد الكرة من جديد...
ولكن كسر ذلك الروتين مرور ماجد عليها في غرفة الحاسوب.

وقف يتأمل إياها وهي تلمع إحدى الشاشات، ورسم على وجهه إبتسامة عذبة قائلا: -مرحبا لمار
رفعت عينيها لتنظر إلى صاحب الصوت المألوف، فتفاجئت به يقترب منها وهو عاقد ساعديه أمام صدره. فإرتبكت على الفور، وتوردت وجنتيها قليلا. فهي لم تتوقع مجيئه إليها بعد كل هذه المدة
إعتدلت في وقفتها، وأجابته بصوت خجل قائلة: -أهلا بك أستاذ ماجد
ضيق عينيه وهو يرد عليها بإستغراب: -استاذ!

عضت شفتها السفلى بتوتر، وتحاشت النظر إليه وظلت صامتة، فتابع هو بمزاح: -حسنا، سأمرر تلك الكلمة دون محاسبة، فأنا لم أعتد منك هذه الجدية
حاولت لمار أن تبدو أمامه جادة، وجاهدت لتخفي توترها وخفقان قلبها.
لذا أولته ظهرها وهي تتجه صوب مكتبها، وسألته بجدية: -ما الأمر؟
وضع يديه في جيبي بنطاله، وأجابها بهدوء: -لا شيء، أنا أريد فقط أن أطمئن عليك
إبتسمت إبتسامة خفيفة وهي تجيبه بإقتضاب: -أنا بخير.

أخرج يده من جيبه، ومررها على فروة رأسه، ثم أردف بصوت رخيم: -أتعلمين شيئا؟
نظرت له بحيرة وهي تسأله قائلة: -ما هو؟
أخذ نفسا عميقا، وزفره على مهل، ثم اقترب منها، ونظر مباشرة في عينيها مما جعلها ترتبك من نظراته المطولة، فأجفلت عينيها في إستحياء.
سمعت صوت تنهيداته وهو يتابع بنبرة آسرة: -لقد افتقدتك لمار
رفعت عينيها فجأة في إتجاهه لتنظر له بذهول شديد، وفغرت شفتيها في عدم تصديق وهي تقول:.

-هاه. ماذا، آآ. إفتقدتني؟
رد عليها دون تردد: -نعم، أدركت هذا حقا، وجودك شكل فارقا معي
-ولكن. ولكن أنت رفيق مريم
-من قال هذا؟
-هي أخبرتني عن. عن وجود شيء مشترك بينكما
-لن أنكر أني أحب ثرثرتها، ولكني أفتقد إبتسامتك
-أنت. ماذا تقول؟
-أقول لك ما أشعر به
-ماجد، أنت لا تفهم، مريم هي الشخص المناسب لك، إنها. إنها لا تكف عن الحديث عنك، ولا عن ذكر أدق تفاصيلك، إنها حقا تهتم لأمرك، أتعلم هي تحبك!
-تحبني؟

-نعم. أنت لا ترى هذا في عينيها ولا في تصرفاتها معك
-ولكنها مجرد رفيقة
-لا. أنت بالنسبة لها أكثر من رفيق
-لا أظن هذا
-أنا متأكدة مما أقول، صدقيني هي تحبك بحق
-أنا حقا مصدوم.

أردفت لمار حديثها بنزق وكأنها تصف حالها قائلة: -هذه هي الحقيقة، مريم تعشقك بكيانها، ربما أنت لا تلاحظ هذا، ولكنها مغرمة بك، متيمة بما تفعله، متعلقة بأصغر أمورك، لا يتوقف عقلها عن التفكير عنك للحظة، حاولت أن تقاوم شعورها هذا، ولكنها ملت من المقاومة، هي تحبك، لا تدري كيف بدأ هذا، ولكنك لامست شيئا في قلبها، فأحبتك كما أنت
-ممم. كل هذا
-بل وأكثر من هذا بكثير، فقط اصغ لها، وسترى أني. أقصد أنها على حق!

-حسنا
-وأنا. وأنا موجودة هنا كرفيقة تحتاج لنصيحتها
-شكرا لك
حاولت لمار أن تقتضب في حديثها معه حتى لا ينفضح أمرها، خاصة وأنها أفضت بما يجيش في صدرها على أنه يخص رفيقتها. فهتفت بجدية:
-أظن أن الوقت حان لكي أنصرف
حك رأسه مجددا وهو يجيبها مبتسما: -معذرة، لن أعطلك أكثر من هذا
بادلته إبتسامة رقيقة وهي تجيبه قائلة: -لا يهمك، وأراك لاحقا!
-بأمر الله، ولكن هذا لا يعني ألا أستعين بمشورتك في أي مسألة.

-بالطبع لا تتردد
وعلى الرغم من عدم شعورها بالإرتياح مما فعلته، إلا أنها لم تستطع أن تخون رفيقتها، وتفصح عن مشاعرها الحقيقية ل ماجد، فإكتفت بالإشارة لإحساسها وكأن مريم هي المقصودة.
فيكفيها أن تراه سعيدا لتسعد لها هي الأخرى.

كان ماجد بين الحين والأخر يمر على لمار ليتحدث معها عن أمور عامة، وهي تتعمد الحديث عن مريم وصفاتها حتى لا تعطيه الفرصة للتفكير سوى بها هي، كذلك كانت تخبره برغبة رفيقتها في الزواج بمن تحب، وإخلاصها له.
أحيانا كان يهاجمها شعور الغيرة حينما يمدح في مريم، ولكنها من إرتضت لنفسها أن تحبه في الخفاء، فعليها أن تتحمل.

أسعد أوقاتها أن يبادلها الحديث وهو على سجيته، ويجلس بصحبتها في غرفة الحاسوب ويساعدها في ترتيب الأجهزة وتنظيم الغرفة.
كانت تهتم حقا بكل ما يخصه، تعشق تفاصيله الدقيقة. صوته الرخيم، حركة فمه الجانبية، إرتفاع حاجبه وهو منفعل. إبتسامته العذبة.
كانت تنتظر بشغف الوقت الذي يأتي فيه لتعيش معه أجمل أوقاتها.
هي تحتفظ بمشاعرها لنفسها، ولكنها رغم كل شيء مغرمة به.

كافحت كثيرا حتى لا تطفو أحاسيسها البريئة على السطح لينكشف كل شيء أمامه.
هي تحبذ أن تكون مشاعرها خاصة بها في تلك المرحلة.
وتدريجيا بدأت تخفف من حديثها عن مريم، وإنتقلت لمواضيع تخصها.
وترقبت بحذر ردة فعله، والذي لم يختلف عن إهتمامه برفيقتها.
ومع الوقت نمى حبه في قلبها، وتأججت مشاعرها نحوه، وتحاملت كثيرا حتى تبدو طبيعية أمامه رغم حالة الهياج العاطفي التي تصيبها فور جلوسها معه.

شعرت لمار أنها تصالحت مع نفسها بترك قلبها يختبر مشاعر الحب من جديد، فإرتوت روحها إلى حد ما
إهتمام ماجد الزائد بها دفعها للتعمق أكثر في مشاعرها نحوه. حتى أنها تناست ما عاهدت نفسها عليه، وتمادت في هذا الإحساس الممتع.
كم تمنت أن يطول الوقت معه، وتصبح للأبد شريكة حياته.
كما كان ضيفا مميزا في أحلامها، تغدو وتصبح على رؤيته.
وهو كان دائم الزيارة لها. مستمتعا برفقتها.

لاحظت والدتها التغيير الجذري على حالتها، فتعجبت مما أصابها.
وسألتها بفضول: -أراك سعيدة على غير العادة
لم ترد لمار أن تخبر والدتها عن حبها الجديد، فهو فقط من جانبها، وهي لا تريد إفساد الأمر بإطلاعها على شيء غير واثقة منه. لذا كعادتها إختلقت عذرا واهيا، وأجابتها بثقة رغم إضطراب عينيها:
-أنا أحب عملي كثيرا
حدقت بها سمية، ولم تقتنع بردها، فأردفت بتنهيدة: -أتمنى أن يكون الأمر هكذا.

إبتسمت لوالدتها وهي تجيبها: -لا تقلقي أمي
-حسنا، إعتني بنفسك، ولا تتهوري
إنحنت لتقبل والدتها، وأردفت بمزاح: -سمعا وطاعة يا أمي
واستمر الوضع على تلك الوتيرة لأسابيع تالية.
هي تزداد شغفا بماجد وتنجرف بعمق نحو مشاعرها، وهو يداوم على السؤال عنها.
أرادت أن تصارحه بحبها، وترقبت اليوم المنشود الذي ستبوح له بسرها الخطير.

فكرت في كيفية بدء الحوار معه، وخطر ببالها أن تمهد حديثها من خلال التطرق لمخططات الفتيات عن مشاريع الزواج المستقبلية، ومنه تجد السبيل للتصريح عن عشقها له...
وبالفعل بدأت تنفذ خطتها البسيطة، وتحدثت بأريحية عن رغبة كل فتاة في الزواج وتكوين أسرة، وكيف لمشاعر بريئة أن تنمو من لا شيء. ولكنها تفاجئت بماجد ينفعل عليها قائلا:
-لمار كفى، لقد سئمت.

إبتلعت ريقها بتوتر، فقد باغتها رده الصارم عليها، وإنقبض قلبها على إثره. رمشت بعينيها لعدة مرات وهي تجيبه بصوت متلعثم:
-أنا فقط آآ...
قاطعها بحدة وهو يشير بيده: -لا تبرري، أنا أحب الحديث معك، وأتحمل فقط هذا الحديث التافه لأجلك، ولكني حقا مللت!
عبست بوجهها، وشحب لونه، وأعتصر قلبها أكثر بعد جملته الأخيرة.
تنفست بصعوبة وهي سألته بخوف: -ماذا تقول؟

زفر في ضيق، ثم أجابها بجموح غير مسبوق: -أنا لا أحب هذا الحديث، ولا أطيقه
سألته بترقب وهي تحاول تكذيب شعورها بالخسارة القريبة: -ألا تشعر بالحب؟
دون أن تهتز عضلة واحدة من وجهه، أجابها بثقة: -بالطبع لا
لقد أرادت أن تعرف مشاعره نحوها، ولكنها خافت أن يصدمها، فتنهار أمامه، فحاولت أن تعرف طبيعة إحساسه من خلال السؤال عن حب رفيقتها، لذا دون وعي منها هتفت بصدمة:
-وماذا عن مريم وحبها لك؟

زفر بإنزعاج وهو يجيبها بجمود: -هي مجرد رفيقة
تفاجئت لمار من حديثه الصادم، وحاولت أن تدافع عن مشاعرها المتمثلة في إدعائها الدفاع عن حب رفيقتها. ربما هو لا يدرك حبها، ولكنها أدرى الناس بحالها.
لذا هتفت محتجة: -ماجد، أنت مخطيء، مريم تحبك حقا!

رد عليها بقسوة قائلا وبدون أن تطرف عيناه للحظة: -وأنا لا أحبها، ولا أحب أي أحد. لقد تعبت من ذلك الحديث الفارغ عن الحب و الزواج والإنجاب. أريد أن أستمتع بصحبتي معك كرفاق لا أكثر، نجلس سويا، نخرج معا، نتجول، وليس الحديث المزعج عن الزواج وتبعاته
مازال يصدمها بعباراته اللاذعة، وهي تحاول الصمود. ولكن ما بيدها حيلة، فقلبها من يتلقى الصدمات، وهي وحدها من ستعاني.

لمعت عينيها بشدة، وهتفت بصوت شبه مختنق: -ولكن أنت تعلم أني لا أخرج مع أحد، ولا أصاحب شخص
تنهد بإحباط وهو يرد بفتور: -نعم، وقد سئمت من الإنتظار!
-ماذا؟!
فرك وجهه براحتيه، ثم نظر إليها بثبات وهو يتابع بصوت بارد: -لمار ربما لا تفهمين شخصيتي، ولكني أرفض مسألة الإرتباط بأي فتاة، وأحب أن أكون دائما على حريتي، غير مقيد أو ملتزم بشيء!

تعمد ماجد أن يضغط على جرحها أكثر دون أن يدري، فتآلم قلبها أكثر، وأردفت بصوت حزين وهي تقاوم تلك الرغبة العارمة في الصراخ والبكاء:
-كنت أعتقد أنك تبحث عن عروس مناسبة، وظننت أنك وجدتها في إحدانا
رمقها بنظرات إستخفاف وهو يسألها ساخرا: -ومن أوهمك هذا؟
أجابته قائلة بصوت خافت ومتقطع: -إهتمامك بمريم، وآآ، وبي.

ضحك مستهزءا، ثم أجابها بقسوة: -أنت مخطئة. أنا أبحث عن أصدقاء ليملأوا وقت فراغي، فأنا أقطن بمفردي، وليس لي أقارب، ولكن يبدو أني كعادتي أمل بسرعة من الروتين!
-أنا. آآآ.
لم تستطع أن تكمل جملتها، فصوتها إزداد إختناقا. وهي تحاول ألا تذرف الدمع أمامه.

لاحظ هو حالة الحزن والعبوس المسيطرة عليها، فشعر بتأنيب الضمير، ولكن تلك هي حقيقته، هو يمل سريعا. لا يحبذ العلاقات الرسمية، ولا القيود الأسرية. فهو يرى حاله كالطائر الحر. فلماذا يقيد حريته فيما يسمى ب قفص الزوجية.
أخذ نفسا مطولا، وزفره على مهل، وأجابها بهدوء: -أنت جيدة، ومريم كذلك، لكن العيب بي، أنا لا أحب القيود
هزت رأسها يائسة وهي تجيبه بإقتضاب: -أها.

تابع بنفس النبرة الهادئة وهو يوليها ظهره: -وربما لن أتزوج يوما، فمن فضلك كفي عن الحديث عن تلك الأمور لأني لن أفعلها أبدا!
أغمضت عينيها قهرا، وأخذت نفسا عميقا وحبسته في صدرها حتى تسيطر على رغبتها في البكاء. وأكملت بصوت خافت للغاية:
-حسنا، كما تريد!
إلتفت برأسه لينظر لها، وأردف بصوت صارم وهو يشير بإصبعه: -ومن فضلك أخبري رفيقتك مريم أن تفوق من أحلامها، فأنا لا أريد الإستمرار على نفس الشاكلة.

بغصة مريرة أجابته بصوت خافت: -سأبلغها
مط فمه للجانب قليلا، ثم تابع بجدية واضحة وهو متجهم الوجه: -وعامة حتى لا أسبب لكما الإحراج سأتجنب الجلوس معكما خلال الفترة القادمة
وكأنه طعنها طعنة أخيرة نافذة في قلبها، أودت على ما تبقى من مشاعرها المخبئة، فوضع النهاية بيده لحبها الذي لم ير النور، ومحى بقسوة ما ظنت يوما أنه سيسعدها.
-أراك على خير
قالها ماجد وهو يسير إلى خارج الغرفة دون أن ينظر في إتجاهها.

لم تجبه لمار، بل تركت العنان لعبراتها المريرة لكي تنهمر أسفا على حالها، هي إرتضت أن تحبه سرا، وستعاني من مرارة فراقه أيضا سرا وبمفردها. ما زاد من آلمها هو أنه اليوم الذي قررت أن تفصح فيه عن حبها، كان يوم إعلان نهايته. يا لقسوة الحياة معها. دائما تجعلها تعاني بسبب رغبتها في الحب الصادق...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة