قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

صرت رشا على أسنانها في حنق، ثم سارت في اتجاه نادر، ووقفت قبالته، و...
-رشا متسائلة بنبرة مغتاظة: ما الذي يحدث هنا؟
-نادر ببرود وهو يحدجها بنظراته الحادة: لا يخصك
-رشا بإنفعال واضح: ماذا!
-نادر بنفس الهدوء المستفز: ألم تسمعي ما أقوله؟
حاولت لمار أن تسيطر على سعالها، وانسحبت في هدوء من الشرفة بعد أن تملكها الحرج كليا، بينما استمر الجدال بين نادر ورشا، و...

-رشا متسائلة بغضب: ماذا تفعل مع ابنة خالتي؟ من المفترض أنك تقضي وقتك معي!
-نادر بنبرة غير مبالية: وهل أنا ملكك وحدك؟ أنا حر فيما أفعله
-رشا بنبرة متعصبة: ولكني أريدك معي، أريد أن أكون بصحبتك، فماذا عنك؟
-نادر ببرود مستفز: لا شأن لك بما أريده، والآن دعيني أنهي طعامي في هدوء
ثم تركها ومد يده ليمسك بصحن لمار - الذي أسنده على الحافة – مع صحنه، ودلف إلى خارج الشرفة.

ضربت رشا الأرضية بقدمها في عصبية جلية، وحدقت أمامها بنظرات شرسة ومحتقنة و...
-رشا بنبرة متوعدة: قسما بالله لن أدع هذا الأمر يمر على خير، سترين يا لمار.!

قضت لمار معظم وقتها مختبئة في غرفة الفتيات، وبالرغم من إلحاح خالتها عليها لكي تخرج مع البقية في النزهة البحرية، إلا أنها إدعت أنها مرهقة وتريد النوم.
تركتها الخالة إيمان على حريتها، وإنصرفت مع بناتها.
لحق بهن باقي أفراد العائلة، وبقيت لمار بمفردها في غرفتها بالسكن الموجود بالمصيف.

حاولت هي أن تغفو قليلا، ولكنها لم تستطع بسبب تفكيرها المستمر في تلك اللحظات القليلة التي جمعتها بمن خفق له قلبها، لم تغيب ابتسامته عن عينيها، ولا صوته الرخيم عن أذنها. لقد تملكها حقا وسيطر عليها كليا.
ظل عقلها يعيد تكرار تلك المشاهد، ومع كل مرة تتذكر فيها ما حدث تزداد ابتسامتها الخجلة.

شعرت لمار بالضجر بعد مرور فترة من الوقت، وقررت أن تنهض عن الفراش وتذهب للخارج لتجلس بالشرفة ريثما يعود الجميع من الخارج، فربما تكون تلك هي فرصتها لكي تحظى ببعض الخصوصية.
بدلت لمار ملابسها، وارتدت بنطالا من القماش ذي لون أبيض، ومن الأعلى ارتدت كنزة فضفاضة من اللون الزهري، ووضعت على رأسها حجابا يجمع بين اللونين، وعقدته بطريقة بسيطة زادتها رقة. ثم دلفت إلى خارج الغرفة...

تفاجئت لمار بوجود نادر في الصالة، فأطلقت شهقة خافتة جعلته ينتبه لها، و...
-نادر مبتسما بمزاح: إطمئني، أنا لست بشبح
-لمار وهي تبتلع ريقها في حرج: معذرة. أنا. أنا لم أقصد آآ...
-نادر مقاطعا بصوت رخيم: لا يهمك، أنا أعلم أنك تجهلين وجودي، فلا داعي للإعتذار
حاولت لمار أن تبتسم له، ولكنها كانت متوجسة خيفة من أن يظن بها أي أحد السوء، خاصة بعد ذلك الموقف المحرج في الشرفة.

لاحظ نادر شرود لمار، فتنحنح في خشونة ليجذب انتباهها، و...
-نادر بجدية: لا تقلقي لمار، فأنا أبلغت خالتك إني سأظل باقيا هنا، فساقي تؤلمني قليلا
-لمار بخفوت: لا بأس عليك
-نادر بإيجاز: شكرا
ترددت لمار فيما تفعله، فوجودهما بمفردهما في السكن يثير الريبة والحرج، لذا فضلت هي أن تتركه بمفرده، وتنضم للبقية، أو حتى تذهب للتجول على الشاطيء.

-لمار بنبرة رقيقة: أنا سأخرج لألحق بخالتي وبناتها، هل تريد شيئا من الخارج؟
-نادر بإستغراب: كنت اظن أنك باقية معي
توردت وجنتيها من كلمته الأخيرة، وبدأ الشعور بالارتباك يسيطر عليها مجددا، و.
-لمار بنبرة خجلة: آآ. أنا. أنا أريد أن أقضي بعض الوقت على الشاطيء، وهذا هو الوقت المناسب.
-نادر بنبرة متحمسة: أظن أنها فكرة رائعة. هل تمانعين أن أنضم إليك؟
-لمار فاغرة شفتيها، وبنظرات مصدومة: م. ماذا؟

نهض نادر عن الأريكة المريحة، و...
-نادر بنبرة واثقة: لحظة واحدة أبدل ثيابي، وأعود إليك. من فضلك لا تذهبي
تركها نادر على حالتها المذهولة تلك، ودلف سريعا إلى غرفة جانبية.
لم تصدق لمار أذنيها، هل هي حقا تتوهم ما تسمعه، أم أنها الحقيقة؟ نعم هو يريد أن يكون بصحبتها هي، أثار هذا الأمر المزيد والمزيد من التساؤلات في عقلها، و.
-لمار لنفسها بحيرة: هل هو حقا يهتم لأمري؟ يا الله، لا أصدق هذا، أنا ونادر سويا.!

دلف نادر خارج الغرفة بعد أن ارتدى بنطالا قصيرا من اللون الزيتي، ومن فوقه تي شيرتا من اللون الأبيض. وحذائا رياضيا في قدميه.
ثم ابتسم لها، و...
-نادر بنبرة رجولية: لقد انتهيت، هيا بنا
أومأت هي برأسها إيماءة خفيفة، واتجهت ناحية الباب، وسار نادر خلفها، ثم اتجه كلاهما إلى الشاطيء...

لو قيل للمار أنها سوف تكون بصحبة من تحب قبل عدة أيام، فإنها بالطبع لم تكن لتصدق هذا الهراء. لقد إجتاحتها مشاعر غريبة جعلتها تشعر أنها مميزة، أنها لم تعد كما كانت. فقلبها أصبح أكثر حيوية وينبض بالحياة، وروحها صارت أكثر عذوبة وحساسية تجاه مشاعر الحب البريئة.
قررت لمار أن تستسلم لما تشعر به، فالفرصة لا تأتي مرتين. ووجودها مع من أحبته منذ النظرة الأولى هو حلم صعب المنال بالنسبة لها...

كان صوته الرخيم يآسر كل حواسها، يجعلها تحلق في السماء، تعيش أحلاما وردية، وتبني قصورا وهمية، وتتخيل كلاهما متأبطان في أذرع بعضهما البعض، وطيور الحب ترفرف من حولهما.
تعجب نادر من حالة لمار الغريبة، فهي غالبية الوقت صامتة، أو إما شاردة، وهذا الأمر أثار فضوله للغاية، لذا استدار برأسه ناحيتها، ورمقها بنظرات ثابتة و...
-نادر متسائلا بصوت آجش: بماذا تفكرين؟
-لمار بخجل وتلعثم: آآ. لا شيء.

-نادر بنبرة حائرة: ولكنك شاردة معظم الوقت
فركت هي أصابع كفي يدها في توتر، وأحنت رأسها للأسفل، و...
-لمار بإرتباك واضح وهي مجفلة العينين: آآ. أنا. انا فقط أحاول الاستمتاع بالبحر وهوائه المنعش
ابتسم هو لها ابتسامة عذبة جعلت وجنتيها تشتعل بحمرة الخجل، فأشاحت بوجهها بعيدا عنه لتنظر إلى أمواج البحر المتلاطمة، ثم إستنشقت هوائه المنعش الذي أثلج صدرها، وهدأ قليلا من ثورتها الداخلية.

شعر نادر بالضجر بعد برهة من الوقت، ولوى فمه في امتعاض، ورغم هذا تحامل على نفسه من أجل لمار.
رن هاتفه المحمول برقم أحد رفاقه، فأجاب على اتصاله، و.
-نادر هاتفيا بنبرة شبه معاتبة: أهلا بك، الآن تذكرتني يا نذل، أم لأنك آآآ...
ثم صمت للحظة ليستمع إلى ما يقال، و...
-نادر بنبرة متحمسة: حسنا، لن أتأخر. فقط سأنتهي مما عندي، وسألحق بك.

أصغت لمار إلى مكالمته الهاتفية بإنصات تام، وأدركت من الكلمات المقتضبة التي سمعتها بأنه يود قضاء بعض الوقت بصحبة رفاقه، لذا حسمت أمرها بأن تنهي تلك الجولة فقط من أجله. فراحته وسعادته هي كل ما تنشده.
أنهى نادر المكالمة مع رفيقه، ثم التفت إليها، و...
-نادر متسائلا بجدية: هل تودين العودة للسكن؟
-لمار بخفوت: إذا كنت تريد هذا، فأنا لا أمانع، فقد تعبت
-نادر بإقتضاب: حسنا، هيا بنا.

أسرع نادر في خطاه، وحاولت لمار أن تسير على نفس سرعته لكي تلحق به.
كانت تتنهد بين الحين والأخر مطلقة هواءا ساخنا عبر عن مدى شوقها وعشقها له.
لقد كان شاغلها الأكبر طوال تلك اللحظات الممتعة التي قضوها سويا أن تعرف الإجابة على أسئلتها البسيطة، هل هو حقا يشعر بما تشعر؟ أم أنها مجرد أحاسيس ومشاعر من جانبها فقط؟
فالإجابة على تلك التساؤلات سيريح قلبها قبل عقلها.

فهي لن تجرؤ على البوح بمشاعرها له إذا لم يكن يبادلها نفس الشعور.
لاحقا، أوصلها نادر إلى السكن، ثم استأذن بالذهاب لكي يلحق برفاقه، فابتسمت له، و.
-لمار بنبرة ممتنة: شكرا لك على هذا الوقت الممتع، لقد قضيت وقتا طيبا بصحبتك
ابتسم هو لها ابتسامة زائفة، ثم أطرق رأسه لينظر إلى شاشة هاتفه المحمول و...
-نادر بإبتسامة مجاملة: وأنا كذلك. أراك لاحقا.
-لمار بخفوت: بأمر الله.

ثم أولاها ظهره، وسار مبتعدا عنها، في حين لم تحيد هي بعينيها عنه، وتنهدت مجددا بأشواق حارة، و...
-لمار لنفسها بنبرة عاشقة: أنا أحبك حقا، لا أعرف كيف حدث هذا، ولكني أحبك أكثر من نفسي،!

بالنسبة للمار كانت أجمل أيام في حياتها، استمتعت فيها بكل لحظة كانت متواجدة بالقرب من نادر، ورغم أن الحديث بينهما كان موجزا إلا أنه كان كافيا بالنسبة لها لتشعر أنها معه مميزة، وأنها حقا تعيش...
وفي اليوم الأخير قبل تحديد موعد الرحيل، أرادت العمة وفاء أن تقضي بعض الوقت بصحبة لمار فقط.
لذا طلبت منها أن تسير معها على الشاطيء، فامتثلت لمار لطلبها، واتجهت الاثنتين إلى هناك.

كانت لمار تركل الرمال بقدمها حينما أردفت العمة وفاء ب...
-وفاء بنبرة دافئة: ما رأيك في الزواج حبيبتي؟
كان وقع تلك الكلمات كالصاعقة عليها، حيث ألجمتها، وعقدت لسانها، وجعلتها تتوقف عما تفعل.
-وفاء بنبرة هادئة: ألا ترغبين في الزواج يا صغيرتي؟
توردت وجنتيها قليلا، وتجنبت النظر في عيني العمة وفاء، وفضلت أن تحدق في أمواج البحر، و...

-لمار بخفوت خجل: بالطبع أرغب. فليس هناك فتاة لا تحلم بالزواج، أو حتى تلتقي بشريك حياتها.
ابتسمت لها العمة وفاء، وحدجتها بنظرات أكثر تفرسا، و...
-وفاء متسائلة بإهتمام: وماذا عن شريك حياتك؟ هل له مواصفات معينة؟
شردت لمار في صورة نادر المحفورة في ذاكرتها، وبدأت توصف مشاعرها الفياضة بأريحية تامة، مما جعل العمة وفاء تبتسم أكثر، وتتيقن أنها ستكون الزوجة الملائمة لنادر الذي تبحث له عن عروس جميلة وذات خلق.

عادت الاثنتين إلى السكن مرة أخرى بعد قضاء وقت طيب على الشاطيء، رأت لمار حبيبها جالسا وسط باقي أفراد العائلة، فدلفت إلى الغرفة لشعورها بالخجل الشديد منه.
جلست العمة وفاء إلى جواره، ومالت على أذنه وهمست له ببضع كلمات، فهز رأسه قليلا وابتسم ابتسامة مجاملة لها.
تابعت رشا ما يحدث بأعين كالصقر وشعرت أن هناك أمرا مريبا يحدث من ورائها. لذا استأذنت بالإنصراف، وتوجهت هي الأخرى إلى غرفة الفتيات.

أغلقت رشا الباب خلفها، ثم حدجت لمار بنظرات نارية قبل أن تتشدق ب...
-رشا بجدية وهي عاقدة لحاجبيها: لمار
-لمار بهدوء: ما الأمر رشا؟
-رشا بنزق: ما الذي يحدث بينك وبين نادر؟
ارتسمت علامات الدهشة الممزوجة بالصدمة على وجه لمار، واتسعت مقلتيها في ذهول، و...
-لمار بصدمة، وهي جاحظة العينين: نعم؟ ماذا تقولين؟

-رشا بنبرة أقرب للتشنج: لا تتحاذقي علي، فأنا أعلم أنك توطدين صلتك بالعمة وفاء وعائلتها فقط لكي تتقربي من نادر وتتواصلي معه
نهضت لمار من على الفراش ووقفت قبالة رشا ووجها محتقن بالدماء، ورمقتها بنظرات ثابتة، و...
-لمار بحنق: هذا إفتراء، أنا لم أفعل هذا، كفاك سخفا
-رشا بغضب: أنت كاذبة، فأنا طوال اليوم أراك ملاصقة لهم جميعا.

-لمار بنبرة محذرة وهي تشير بإصبعها: إن لم تكفي عن هذا الهراء سأبلغ خالتي ومن قبلها أمي بتلك الأقاويل، أنا لا ألاصق أي أحد، ولا أهتم بأحد
شعرت رشا بنوع من الإرتياح بعد ما قالته لمار، فقد اعتقدت أن شكوكها وظنونها بشأن وجود علاقة خفية بين لمار ونادر غير صحيحة بالمرة، لذا بادرت ب...
-رشا بهدوء مصطنع: غاليتي لمار، أنا كنت فقط أمازحك ليس أكثر، أرجوك لا تنزعجي مني.

-لمار بنبرة محتقنة: ماذا؟ أتسمين ما قولتيه للتو مزاحا؟!
-رشا بنبرة عادية: بالطبع.
ثم تنحنحت قليلا، واستدارت بجسدها ناحية الباب، و.
-رشا متسائلة بخفوت: أتحبين أن أحضر لك مشروبا رطبا؟
-لمار بإقتضاب: لا شكرا
تعجبت لمار كثيرا مما فعلته رشا معها، وأيقنت أن هناك منافسة لها في حب نادر، ولذا وجب عليها ألا تترك الفرصة لها لكي تظفر به. ولكنها عاودت التفكير بعقلانية أكثر، و...

-لمار لنفسها بجدية: كيف أنافس من لم يصرح بحبه لي بعد؟ كيف أضع نفسي في موقف كهذا؟ علي أن أنتظر ريثما يتقدم لخطبتي، وبعدها سأعترف له بحبي الجارف له
فضلت لمار أن تقضي الساعات المتبقية لها في المصيف بالغرفة مدعية أنها ترتب متعلقاتها الخاصة بالإضافة إلى شعورها بالإرهاق والتعب.

ونجحت هي في إقناع الجميع بهذا، ورغم أنها كانت تتحرق شوقا لرؤية حبيبها، إلا أنها أثرت أن تحافظ على كبريائها، وألا تدع الفرصة لإبنة خالتها أو غيرها بأن يتقول عليها بالأقاويل...

أعد الجميع حقائبهم من أجل العودة لمنازلهم، ووقفوا بجوار السيارات، فاستغلت لمار الفرصة من أجل اختلاس النظرات لحبيبها الغالي، ولكنه للأسف لم يكن من ضمن الموجودين، فتبدلت ملامحها للضيق والحزن، وظلت عابسة معظم الوقت...

مرت الأيام على لمار وكأنها دهر من الزمن، فكل يوم تزداد لهفتها واشتياقها إلى حبيبها نادر، وتنتظر بشغف أن تسمع أي شيء عنه، ولكن لا جديد يذكر. لم يفاتح أي أحد عائلتها في موضوع الخطبة، أو حتى يلمح بمسألة زيجة مرتقبة.
وفي يوم ما، وبينما كانت لمار عائدة من زيارة لأحد أقاربها، تفاجئت بوالدتها تطلب منها أن...
-سمية بنبرة سعيدة: حبيبتي، لدي أخبار سعيدة من أجلك.

-لمار بنبرة حائرة وهي تعقد حاجبيها: أخبار! ما هي؟
تنهدت سمية في سعادة، ثم رمقت ابنتها بنظرات دافئة، و...
-سمية بخفوت: لقد تقدم شخص ما لخطبتك
هنا خفق قلب لمار بقوة شديدة، وإزداد بريق عينيها، فإحساسها الداخلي يؤكد لها أنه هو نادر – حبيبها الذي أحبته من أول نظرة عين – الذي جاء مشتاقا إليها، ولكنها تتلهف لسماع اسمه من والدتها.

حاولت لمار أن تبدو هادئة ومتزنة أمام والدتها حتى لا تلاحظ تلك التغيرات التي طرأت على ملامح وجهها، و...
-لمار بهدء زائف: ومن هو؟
-سمية بنبرة رقيقة: إنه ابن أخت زوج العمة وفاء – نادر، لقد رأك من قبل، وأعجب بك، ويريد هو وعائلته التقدم لخطبتك، فما رأيك؟
رقص قلبها طربا حينما تيقنت من صدق إحساسها، وبدت الفرحة جلية على ثنايا وجهها، وشردت في خيالات مستقبلية رومانسية حالمة.

ولكنها أفاقت سريعا على صوت والدتها وهي تتشدق ب...
-سمية بنبرة شبه جادة: ما رأيك؟ هل أنت معي يا لمار؟
-لمار وهي تتنحنح في خجل: نعم، أمي. أنا معك
-سمية متسائلة بهدوء: إذن ما رأيك؟ هل أنت موافقة؟
-لمار بنبرة خجلة للغاية: افعلي ما تريه مناسبا يا أمي
-سمية متسائلة بخبث وهي ترفع أحد حاجبيها: إنن سأرفض
-لمار بتلهف وهي تشير بكلتا يديها: لا يا أمي، أنا موافقة.

هنا تعالت ضحكات سمية عاليا في أرجاء الغرفة، فقد رأت في عيني ابنتها لمعان الحب، وتأكدت أن هناك شرارة ما قد انطلقت في المصيف.
استأذنت لمار بالانصراف وذلك بسبب شعورها بالحرج من والدتها، كما أنها أرادت أن تهرب من أي أسئلة قد تكشف مدى حبها العذري لنادر.

انتظرت لمار أن يأتي اليوم الموعود الذي يحضر فيه نادر وعائلته إلى منزلها المتواضع من أجل التقدم رسميا لخطبتها، هي لا تريد أي شيء سوى أن تكون برفقته، هي لا تطمع في أن تقتني أغلى المشغولات الذهبية، أو أن تحوذ على مهر طائل، فغايتها الأسمى هي أن تعيش معه حبا لا يوصف.

مرت الأيام ولا جديد يذكر منذ أن فاتحتها والدتها في مسألته، فبدأت تشعر بالقلق، وحاولت أن تختلق له الأعذار، وتوجد له التبريرات. ورغم تقدم عريس أخر لخطبتها إلا أنها رفضت وتعللت ب...
-لمار بنبرة حادة: أنا أسفة يا أمي، ولكني ملتزمة بإتفاقي مع نادر وعائلته
-سمية بإعتراض: ولكنه لم يتحدث بشأن، هو فقط لمح بأنه يريد خطبتك، لكني لم أرى منه أي جدية.

-لمار بنبرة شبه منفعلة: لعل المانع خير، أو الظروف غير مهيأة له، ولكني سأظل على عهدي، لن أقبل بأي خطيب أو زوج كبديل عنه.
اضطرت سمية أن ترضخ لرغبة ابنتها، ورفضت ذلك العريس الأخر، وانتظرت هي الأخرى أن يتم فتح الحديث في مسألة تلك الخطبة - ( الميؤوس ) منها - من وجهة نظرها...
وذات يوم. كانت لمار ووالدتها قد قررتا الذهاب لزيارة الخالة إيمان والإطمئنان على صحتها، خاصة بعد تلك الوعكة الصحية التي أصابتها.

جلست لمار كالعادة مع بنات خالتها، وابتسمت هي لهن ابتسامة مجاملة.
تبادلت الفتيات الثلاث نظرات ذات مغزى، ثم أشارت رنا بعينيها إلى رشا التي أومأت برأسها موافقة، ومن ثم تشدقت الأخيرة ب...
-رشا بنبرة شبه جادة: لمار، أريد الحديث معك في مسألة هامة
اعتدلت لمار في جلستها، وأصغت بإهتمام شديد لما ستقوله ابنة خالتها، و...
-لمار بنبرة هادئة، ونظرات ضيقة: ما الأمر؟

أخذت رشا نفسا مطولا بعد أن انصرفت أختيها، ثم زفرته على مهل، وحدقت بعينيها في عيني لمار، و...
-رشا بنبرة جادة للغاية: انسي مسألة الزواج من نادر
-لمار بصدمة: م، ماذا!
اتسعت عينيها في ذهول ممزوج بالصدمة، وشحب لون وجهها سريعا، واختفت الدموية من عروقها...
لقد شعرت لمار أن هناك قبضة حادة وقوية تعتصر قلبها بشدة، وأن روحها فجأة قد سلبت رغما عنها منها.

عجزت عن الرد، فهي لم تجد ما ستجيب به عليها، فاكتفت بالصمت المرير والمشحون بالآسى، بينما تابعت رشا حديثها ب...
-رشا ببرود قاتل، ونظرات شامتة: لقد تسببتي في إحراجه هو وعائلته، حقا إنك إنسانة غير مسئولة، يكفينا ما فعلتيه هناك، هو لم يحبك مطلقا، لم يرغب في لقاؤك، لم يتحمل أن يبقى إلى جوارك
-لمار بتلعثم واضح: أنا. آآ.

-رشا مقاطعة بقسوة وبوجه خال من التعابير: نصيحة مني لا تعاودي تكرار ما حدث، وإنس أنك قد قابلتيه يوما في حياتك، فهو لم يكن لك منذ البداية.!
ابتلعت لمار غصة مريرة في حلقها الذي كان قد جف تماما وأصبح به العلقم فقط.
حاولت أن تجمع شتات نفسها وتبدو أكثر تماسكا رغم أنها كانت على وشك الإنهيار، ثم.
-لمار بهدوء زائف، ونظرات منكسرة: صدقت يا رشا، فأنا قد كنت ساذجة، وقد كان هذا مجرد حلم لا معنى له.

ثم نهضت من مكانها شامخة الرأس، ونظرت أمامها دون أن ترمش بعينيها، و...
-لمار بنفس الهدوء الحذر: وشكرا لك على النصيحة
أفاقت لمار من تلك الذكريات المريرة على صوت ضحكاته العالية، فتنهدت في ضيق، ثم استدارت بجسدها للخلف لتتجنب اللقاء به أو حتى النظر إليه، و...
-لمار لنفسها بحزن: يكفيني ما حدث. لقد كان حلما، ولكنه بعيد المنال، واليوم تجدد معه اللقاء، وأنا. كما كنت وسأكون. ليس لي في حياته مكان.!

ثم أسرعت هي في خطاها تاركة المكان برمته وهي تحاول مكافحة تلك العبرات التي تتراقص في عينيها لكي تنهمر على وجنتيها مذكرة إياها بمعاناة أشهر لاقت فيها أقسى أنواع الحزن والمرارة إلى أن وقفت مجددا على قدميها، وتعلمت كيف تنساه رغما عنها، ولكن أوقفها صوت رشا التي ما إن رأت في عينيها ذلك الحزن العميق، حتى أرادت أن تزيد من عمق الجرح، و...
-رشا بنبرة شامتة: أترحلين لأنك رأيته؟

-لمار مدعية الغباء: ماذا تقصدين؟
-رشا بجدية، ونظرات قوية: لا تتحاذقي علي، فأنت تفهمين تماما عمن أتحدث
-لمار بغضب: لا داعي لفتح مواضيع قد انتهت
-رشا بنبرة تحمل الاستخفاف: أوافقك الرأي، فأنت قد انتهيت بالنسبة له حينما أخبرته أنك تحبين زميلك، وأنك إتفقت معه على الزواج
وكأن صاعقة من السماء قد أصابت لمار بصدمة كهربائية شديدة للتو. حيث تبدلت ملامحها سريعا للشحوب، واتسعت عينيها في ذهول، و...

-لمار بصدمة: ماذا؟
-رشا متابعة ببرود قاسي: أكنت تظنين أني سأتركك تظفرين به وحدك، وأخرج أنا خالية الوفاض، أنت حقا ساذجة
-لمار بعدم تصديق: هل. هل أنت من أفسد الخطبة؟
لوت رشا فمها في ثقة، ورمقت ابنة خالتها بنظرات متعالية تحمل التشفي، و...
-رشا بنبرة واثقة تحمل الغرور: بالطبع، فإن لم يكن لي، لن يكون لغيري.!
-لمار بنبرة محتقنة: أنت. أنت. كيف تجرؤين!

-رشا بنبرة متغطرسة: هكذا هي الحياة ملائكة وشياطين، فتعلمي الدرس جيدا يا ابنة خالتي، يمكنك الذهاب الآن!

عادت لمار تلك الليلة إلى منزلها وعقلها هائج ثائر بسبب ما عرفته، فهي لم تكن تتخيل أن أقرب الأقرباء يفعل بها هذا. لقد جعلتها تعاني الأمرين، وتقاسي من ويلات الفراق بعد أن أحبت بصدق.
إنهارت لمار باكية على الأرضية في داخل غرفتها، و...
-لمار لنفسها بنبرة متشنجة: لماذا فعلت بي هذا؟ لقد قضيت على أول وأهم أحلامي، لقد حرمتني من الحب يا رشا؟!

ثم رفعت عينيها الباكيتين إلى السماء، وكذلك كفي يدها، وتضرعت إلى المولى و...
-لمار بصوت باكي مختنق: يا الله! كم أنها قاسية القلب، فطرت قلبي وحطمت آمالي ببرود، فعوضني خير يا الله، ألهمني الصبر على مصابي، وأخلف علي بالأحسن...

ثم سجدت للمولى، وبكت مجددا، ودعت الله كثيرا أن يهون عليها. ونهضت بعد ذلك عن الأرضية، وتوجهت للمرحاض لتغسل وجهها، ثم إرتمت على الفراش وتدثرت، وعقدت العزم على نسيان ما مضى، والبدء من جديد. فلا داعي للوقوف على أطلال ذلك الماضي الآليم...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة