قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

نهض ماجد عن الأرضية الصلبة ونظر بإزدراء لهذا الرجل الذي كان يلوي فمه في إمتعاض واضح.
رمشت لمار بعينيها في توتر وفغرت شفتيها في إندهاش، فالوضع بالنسبة لها محرج، ولا يمكن لوم أي أحد إن وجه لها أي نوع من الأسئلة.
وقف ماجد قبالة هذا الرجل معتدا بنفسه، ووضع يديه في جيبي بنطاله، وسأله ببرود متناهي قائلا:
-ومن أنت لتسأل؟
رمقه العامل بنظرات ساخطة وهو يرد عليه بصوت محتد: -ليس من شأنك! أجب أنت علي أولا!

حدجه ماجد بنظرات مهينة من رأسه لأخمص قدميه، فإحتقن وجه العامل وأصبح أكثر تجهما. ثم أخذ نفسا عميقا، وزفره على مهل وهو يجيبه بغلظة:
-لن أجيبك يا هذا، فأنا لا أتحدث مع أمثالك!
استشاط العامل غضبا، واشتعلت عينيه، وهتف بصوت جهوري: -حسنا، سأستدعي لكما الأمن ليرى ما الذي تفعلانه هنا!
هنا انتفضت لمار فزعة من مكانها، وإستندت بكف يدها على الحائط، وصرخت بإنفعال في وجه العامل وهي تلوح بيدها قائلة:.

-هل جننت؟ أتدري ماذا تقول؟
تقوس فم العامل بطريقة مشمئزة وهو يرد عليها بقسوة: -لا يا. يا أستاذة، ولكني لست برجل آآ...
لم يكمل الأخير جملته وإكتفى برمقها بنظرات مهينة أشعلت غضبا جما في نفسها. فقد فهمت مقصده من تلك النظرات.
هو يسيء إلى شخصها ويتهمها في شرفها وكأنها ضبطت بالجرم المنشود.
إرتدت حذائها على عجالة، ثم هتفت بصراخ حاد والإنفعال جليا في قسمات وجهها ب:.

-سوف أبلغك عنك الأستاذ مصطفى ليحاسبك عن إتهامك الباطل هذا
أشار ماجد للمار بكف يده لكي تهدأ بعد أن رأى عروقها الغاضبة تبرز من جبينها، وتلون وجنتيها بحمرة الغيظ. فحاول أن يهون عليها الأمر. فأردف بصوت رخيم:
-إهدأي يا لمار
هزت رأسها معترضة وهي تجيبه بعصبية: -لا لن أهدأ، فأنا لن أقبل بالإهانة مطلقا أو الإساءة إلي تحت أي ظرف
-ولكن آآآ...

قاطعته بصوتها الحاد والغاضب قائلة: -من فضلك يا ماجد، أنا جئت هنا للعمل، وليس للتشهير بي
ضيق العامل عينيه في حيرة، ووضع يده على رأسه ليحكها، وهو يسألها بإستغراب: -هل. هل إنت المشرفة الجديدة؟
أجابته بصوت مهتاج وهي تنظر له بشراسة: -نعم أنا هي، ألا يبدو علي؟
مط العامل فمه، وأطرق رأسه للأسفل قليلا، وقال بصوت خافت: -أعتذر منك. فأنا. فأنا لم أكن أعرفك.

وضعت يدها في منتصف خصرها، ونظرت له شزرا وهي تسأله بنفس الصوت المهتاج: -حقا. ومن أنت لتستجوبني من الأساس؟
إبتلع ريقه، وأجابها بصوت متقطع يحمل الحرج: -آآ. لقد أرسلني الأستاذ مصطفى لمساعدتك
نظر له بأعين محتقنة وهي تسأله بغيظ: -حقا أنت العامل الذي من المفترض أن يساعدني في تنظيف تلك الغرفة؟
أجابها بإيجاز وكأنه لم يفعل شيء: -أينعم
سألته مجددا بصوت منفعل قائلة: -وأين كنت منذ ساعات وأنا أنتظرك هنا؟

-كنت بالخارج
-يا الله! كنت بالخارج وليس على بالك شيء.!
ثم أشارت إلى قدمها، وتابعت بصوت غاضب ومتهكم: -أنظر ماذا حدث لي. أنظر ألا ترى؟!
أضاف ماجد هو الأخر بصوت جاد: -لقد تعرضت الآنسة للإصابة وأنا ساعدتها
نظرت لمار إليه بإمتنان، ثم تابعت بصوت منزعج وهي تحدج العامل بنظراتها الغاضبة:
-سوف أشكو عليك الأستاذ مصطفى
-يا أستاذة أنا لم أخطيء، فأي شخص في مكاني قد يظن أنكما آآآ...

قاطعته بصوت مهتاج وهي تشير بإصبعها نحوه: -لا تكررها يا هذا، أنا أحذرك!
-لا أقصد ولكن آآآ...
تدخل ماجد في الحوار، وقال محذرا: -من الأفضل أن تصمت لأن الآنسة لن تقبل منك أي كلمة أخرى!
إزدادت الحمرة الغاضبة في وجهها. وتجمعت العبرات في عينيها، وحاولت جاهدة أن تقاوم إنسيابها. وحدثت نفسها بصوت مختنق قائلة:
-إنه أسوأ يوم في حياتي
نظر لها ماجد بحنو وهو يطلب منها بصوت هاديء: -إهدأي لم يحدث شيء.

هزت رأسها معترضة، وقالت بصوت شبه باكي: -لا بل حدث كل شيء. استغرقت ساعات في العمل بمفردي في تلك الغرفة الخربة، ولم أشتكي. تغبرت ملابسي، واختنقت لأكثر من مرة ولم أكف عن العمل، وفي النهاية أصيبت في قدمي، وأسيء إلى شخصي، ما الذي يمكن أن يحدث أسوأ من هذا!
نظر العامل إلى لمار بنوع من الإشفاق، وحاول أن يبرر موقفه قائلا: -أنا لم أقصد يا أستاذة، ولكن. ولكن كان الوضع مريبا.

وكأنه ألقى بعود ثقاب في دلو مليء بالبنزين، حيث إنفجرت فيه لمار بصوت صادح:
-مريبا؟ هل وجدتني عارية أمامك مثلا؟ أم كنت أفعل شيئا مخجلا دون اكتراث
-لقد ظننت حينما رأيتكما جالسين بأن آآآ...
نظرت له بشراسة وهتفت بصوت صارم ومحذر: -إياك أن تجرؤ على التفوه بكلمة أخرى!
تنحنح العامل بصوت متحشرج وقال بنبرة آسفة: -أعتذر لك عن سوء فهمي.

وعلى الرغم من إعتذار العامل لها إلا أن الثورة المهتاجة بداخلها لم تهدأ، بل على العكس إزدادت كثيرا لشعورها بالإهانة الشديدة وأنها كانت موضع شك. كذلك لأن الأمر يتعلق بسمعتها، وليس بعملها.
أجفلت عينيها في ضيق، وقالت بحزم: -يبدو أنه أول وأخر يوم لي في العمل، فأنا لن أقبل أن يساء إلي تحت أي ظرف
ثم تحركت في إتجاه غرفة الحاسوب، فلحق بها ماجد بعد أن حدج العامل بنظرات متقدة، وهتف متوسلا.

-لمار لقد كان مجرد سوء فهم، انتظري من فضلك!
-لا
جرجرت ساقيها إلى الداخل، وإنتشلت حقيبتها من على الطاولة، وإندفعت إلى الخارج كالثور الهائج وهي تغمغم بكلمات غاضبة...
وقف ماجد أمامها ليسد عليها الطريق، وأشار لها بكفي يده قائلا بنبرة راجية:
-انتظري من فضلك
أشاحت بوجهها للجانب، وزفرت في ضيق، ثم قالت بنفاذ صبر: -لا. لن أنتظر هنا للحظة أخرى!
إبتسم لها ماجد إبتسامة هادئة، وأردف بصوت عذب: -ليس قبل أن آآآ...

قاطعته بصوت صارم وجاد وهي تنظر أمامها: -من فضلك دعني أرحل
أسبل عينيه وتوسل لها قائلا: -رجاءا لمار أنت منفعلة للغاية
أجابته بصوت منفعل وهي تلوح بكف يدها: -من حقي أن أغضب، فما حدث ليس مزحة سخيفة
زم ثغره، وأجفل عينيه قليلا، فما قالته صحيح. فالمرء لا يقبل أن يتهم بالباطل دون أن يدافع عن نفسه.

أخرجت لمار مفتاح الغرفة من حقيبتها، ومدت يدها به نحو العامل، ثم إلتفتت برأسها للجانب لتنظر إلى ماجد بنظرة أخيرة مطولة، وتنهدت في حزن قائلة:
-أظن أن هذه هي النهاية. تشرفت بمعرفتك
ثم تحركت بخطوات أقرب للركض - رغم شعورها بالآلم يجتاح قدمها - فقط لتمنع نفسها من البكاء مجددا أمامه...
وضعت يدها على أنفها، وإنتحبت بخفوت وهي تدلف عبر الرواق لتتجه إلى بوابة النادي.

تابعها ماجد بعينيه إلى أن تورات عن أنظاره، فضرب بقبضته الحائط، وحدث نفسه قائلا:
-يا الله، هي خسارة حقا!
عادت لمار إلى منزلها ووجهها عابس للغاية، أما عينيها متورمتين، وأنفها منتفخ من البكاء.
رأتها والدتها على تلك الحالة فشهقت في ذعر، وصاحت قائلة بخوف: -ما الذي حدث بنيتي؟
أجهشت لمار بالبكاء الحار، وتعالت شهقاتها.

إحتضنتها سمية، وضمتها بحنو إلى صدرها، ومسدت على رأسها، ومسحت على ظهرها بعاطفة أموية جياشة، وسألتها بتوجس واضح في نبرة صوتها ونظرات عينيها:
-هل. هل تعرض لك أحدهم؟
إنتظرت أن تجيبها إبنتها، ولكنها اكتفت بالإنتحاب المصحوب بالعبرات الساخنة.
إزداد قلق سمية، وظنت أن الخطب جلي، فهزت إبنتها من كتفيها وهي تسألها بحدة: -لا تظلي صامتة هكذا! أخبريني لمار!

سردت لمار لوالدتها ما حدث معها وهي تبكي بحرقة، فأصغت لها الأخبرة بإنصات تام.
تنهدت هي لعدة مرات وحاولت أن تضبط أنفاسها اللاحقة وهي تضيف بصوت باكي: -لم أخطيء يا أمي، ولكني لم أحتمل أن أتهم بشيء لم أفعله، فتركت العمل على الفور
زمت سمية شفتيها، ونظرت إلى ابنتها بلوم، وأردفت بعتاب: -بل أنت أخطأت حينما وضعت نفسك في موضع الشبهة.

نظرت هي إليها بنوع من الإستغراب، وهتفت معترضة: -ولكن يا أمي، لقد كانت قدمي تؤلمني للغاية، وهو من عرض علي المساعدة
قطبت سمية جبينها وهي ترد عليها بجدية: -كنت أصري على الرفض أو أطلبي منه أن يأتي بمن تساعدك
احتقن وجه لمار بالضيق، وصاحت منفعلة: -أنت تظنين بي السوء يا أمي
نظرت لها والدتها بإنزعاج، وقالت بهدوء يشوبه التحذير: -أخفضي صوتك وأنت تتحدثين معي
لوت هي شفتيها، وأردفت بصوت خافت: -معذرة يا أمي.

مسحت سمية على وجنتة إبنتها بلطف، وقالت بنبرة حانية: -أنا لا أظن بك السوء يا غاليتي، ولكن أي شخص أخر مكان هذا العامل كان ليظن مثله أو يفعل الأسوأ ويتسبب في فضيحة لك
عبست لمار بوجهها، وردت عليها بصوت جاد: -وأنا لم أكن لأصمت عن أي تطاول
تنهدت سمية في إرهاق، وقالت بنبرة متعبة: -ليس الأمر هكذا، أنت لا تفهمين مقصدي!
ردت عليها لمار بحزم: -أمي، أنا نيتي كانت حسنة.

أومأت سمية برأسها وهي تجيبها بنبرة متريثة: -وكذلك كان العامل
تجهم وجهها وهي تسألها بحنق: -أتقفين معه ضدي؟
أردفت والدتها نافية بصوت دافيء: -لا بل أحذرك من الوقوع في الخطأ مجددا
لامت لمار نفسها لأنها قصت على والدتها ما حدث، فلو كانت إحتفظت بالأمر لنفسها ما كانت ستتعرض لكل هذا التوبيخ والعتاب، فهي من وجهة نظرها المجني عليها وليست الجانية.

هي من قضت اليوم كله وهي تعمل دون أن تتذمر، وظنت أن ماجد هو العامل ولم يطرأ ببالها أن يكون شخصا أخرا.
مطت شفتيها وهي تتذكر كيف كانت فظة معه، وكيف تعامل معها بحنكة وصبر وساعدها دون تردد.
لاحظت والدتها صمتها، فإعتقدت أن حديثها الجاد والحازم معها ربما أتى بثماره، لذا لم ترد أن تطيل في العتاب، فقالت بصوت ناعم:
-اذهبي لتبدلي ملابسك، وأنا سأعد العشاء.

تحركت لمار في إتجاه غرفتها وهي تجيبها بإحباط: -ليس لي رغبة بالطعام
صاحت والدتها بنبرة عالية نسبيا تحمل الجدية في طياتها: -هذا ليس طلبا، بل أمر يا لمار، فلا تجادليني كثيرا
زفرت في ضيق وهي تجيبها بإستسلام: -أوف. حسنا يا أمي
تابعتها والدتها بنظراتها الدافئة، وحدثت نفسها بخفوت قائلة: -هداك الله يا بنيتي.

تمددت لمار على الفراش بعد أن تناولت طعام العشاء، ثم إستدارت لتنام على جانبها، ووضعت راحة يدها أسفل وجنتها، وتنهدت في إنهاك. ثم حاولت أن تغمض عينيها لتغفو. لكن رفض عقلها الإنصات، وبدأ دوره في تذكيرها بما حدث طوال اليوم.
إبتسمت لنفسها بخجل وهي تتذكر لحظاتها القليلة مع ماجد.

وضعت وسادتها على رأسها لتدفنها فيها وهي تحدث نفسها ب: -رغم كونه من أسوأ الأيام في حياتي، إلا أني استمتعت بتلك المغامرة القصيرة...
وجاهدت لتغمض عينيها، ولكن ظل عقلها مشغولا بالتفكير فيما حدث...
أمسكت سمية بالهاتف، وتحدثت مع رفيقتها حول وضع ابنتها في العمل، وسألتها بتوجس قائلة:
-هل هي مفصولة؟
مطت شفتيها وأصغت بتوتر لرفيقتها وهي ترد عليها بجدية: -لا. بل هي باقية في عملها، وزوجي مستغرب من ردة فعلها تلك.

تهللت أسارير سمية في فرح حينما علمت أن إبنتها لم تطرد، وأنها مستمرة في عملها، فقالت بسعادة:
-انت تعلمين إبنتي، هي حساسة تجاه من يتعرض لسمعتها
ردت عليها بنبرة هادئة ب: -إنه سوء تفاهم ليس أكثر، ومصطفى ينتظرها غدا في النادي!
أردفت سمية بنبرة ممتنة وهي تفرك عينيها: -لا أعرف كيف أشكرك على تعبك معي
-هي مثل ابنتي، فلا داعي للشكر
هزت سمية رأسها وهي تختم قائلة: -جزاكي الله خيرا، أراك غدا إن شاء الله.

ثم وضعت سماعة الهاتف في مكانها، وحانت منها إلتفاتة نحو باب غرفة إبنتها، وأردفت قائلة بحماس:
-غدا سأبشرك بعودتك للعمل، ولكن سأترك الليلة لعتاب ضميرك حتى لا تكرري مثل هذا الخطأ مرة أخرى،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة