قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

لم تصدق لمار أذنيها حينما أخبرتها والدتها عن تلك الوظيفة الشاغرة في ذاك النادي الرياضي.
نظرت إليها بإندهاش، وسألتها بجدية: -حقا يا أمي
إرتسمت السعادة على محياها وهي تجيبها بثقة: -نعم بنيتي، ومدير النادي في إنتظارك
توترت تعابير وجهها، وبدت قلقة وهي تنطق قائلة: -ولكني أخشى آآ...
قاطعتها والدتها بحماس واضح في نبرة صوتها ب: -لا تقلقي غاليتي، فالوظيفة ملائمة لتخصصك، وأنا أثق في قدراتك.

ظلت سمية تنظر إلى إبنتها بنظرات واثقة مما دفعها للاستسلام لطلبها، فأجابتها بخفوت:
-حسنا أمي. سوف أذهب للمقابلة، ولكن لا أعدك بشيء
تنهدت والدتها في إرتياح، وردت عليها بهدوء: -لا توجد مشكلة، فما يهمني حقا هو خروجك من المنزل، وعودتك لحياتك الطبيعية
نظرت لمار لوالدتها بإمتنان وهي تجيبها ب: -إن شاء الله خير.

وبالفعل في صباح اليوم التالي، كانت لمار تستقل سيارة الأجرة في طريقها إلى النادي الرياضي حيث ميعاد المقابلة مع مديره الأستاذ مصطفى .
كانت تضع في إعتبارها إحتمالية عدم قبولها بدرجة كبيرة، وبالتالي لم تبد متحمسة كعادتها.
ترجلت من سيارة الأجرة، وعدلت من وضعية الكنزة الوردية التي ترتديها من الأعلى، وتأكدت من تناسق حجابها، ثم دست في جيب بنطالها القماشي باقي الأجرة التي أعطتها للسائق.

سارت لمار بخطوات متهادية في إتجاه بوابة النادي الرئيسية. ونظرت حولها بإمعان لتتأكد من صحة وجهتها.
وقفت لمار مترددة أمام حارس البوابة، وسألته على إستحياء قائلة: -هل الأستاذ مصطفى مدير النادي موجود بالداخل؟
نظر له الحارس بتفحص، وأجابها سائلا إياها ب: -من أنت؟
إبتلعت لمار ريقها من فرط التوتر، وأجابته بنبرة خجلة وهي مطرقة الرأس ب: -أنا لمار الحسيني، ولدي موعد مقابلة معه.

مط فمه للأمام، ثم نهض عن مقعده الخشبي، وأشار لها بكف يده وهو يهتف بجدية:
-حسنا، إنتظري هنا، وأنا سأبلغه بالهاتف عن وجودك
ردت عليه بخفوت واضح وهي تعبث بطرف حجابها: -تفضل
غاب الحارس بضعة دقائق داخل كابينة صغيرة ملاصقة للمدخل الرئيسي، فشعرت هي بالتوتر يسيطر أكثر عليها.

نظرت حولها بتمعن متأملة هذا المكان. كان المدخل راقي إلى حد كبير، فأرضياته رخامية لامعة، وحوائطه مطلية حديثا بألوان مبهجة تسر الناظرين، وهناك بعض الإعلانات عن الأنشطة الرياضية والترفيهية للأعضاء في أحد الأركان. وإلى جوارها لافتات عريضة مدون عليها تهنئات حارة لبعض أبطال النادي الحاصلين على ميداليات تفوق رياضي.

مطت لمار شفتيها في إعجاب وهي تقرأ أسماء الأطفال الصغار الحاصلين على تلك الميداليات المنوعة، ونظرت بإنبهار لصور الفتيات اللاتي يقاربنها في العمر أو أصغر وهن يرفعن كؤوس التفوق.
عاتبت هي نفسها قائلة: -كيف تهاونت في حق نفسي، وأثرت البقاء حبيسة أربعة جدران على أن أخرج للحياة وأكن مثل هؤلاء. حمدلله أني تداركت نفسي أخيرا، ومرت تلك الأزمة بسلام!

إنتبهت هي لصوت الحارس وهو يناديها بصوت مرتفع ب: -أستاذة لمار، السيد مصطفي في إنتظارك في مكتبه
هزت رأسها شاكرة، ثم تنحنحت في خجل، وسألته بحيرة قائلة: -معذرة، هل يمكنك أن تدلني على مكان مكتبه، فأنا جديدة هنا
-حسنا، إتبعيني من فضلك
-شكرا لك
سارت لمار خلف الحارس الذي أوصلها إلى أول الرواق، ثم لوح لها بيده وهو يتابع بجدية ب:.

-اتجهي من هنا لليسار، ستجدين رواق جانبي، سيري فيه للأمام، مكتب الأستاذ مصطفى في نهايته
شكرته لمار مجددا، وسارت على حسب إرشاداته إلى أن وصلت لضالتها المنشودة، حيث وجدت لافتة معدنية صغيرة معلقة بجوار باب خشبي عريض – من اللون الماهوجني – مدون عليها ( مدير النادي ).
دقت برقة على الباب عدة طرقات خافتة، فسمعت صوتا رجوليا خشنا يأتيها من الداخل قائلا:
-تفضل!

أمسكت بالمقبض وأدارته، ودلفت إلى الداخل.
خشيت أن ترفع رأسها، فأثرت أن تجفل عينيها، وتنظر إلى الأسفل حيث تخطو.
سارت هي تقدم قدما وتؤخر الأخرى حتى وصلت إلى منتصف الغرفة، فتصنعت السعال، وأردفت قائلة بصوت هامس وهي محدقة بموضع قدميها:
-السلام عليكم
-تفضلي هنا.

رفعت لمار رأسها للأعلى قليلا لتنظر إلى الشخص الذي يخاطبها، كان رجلا كبيرا في السن في أوائل الخمسينات من عمره. يرسم على وجهه إبتسامة بلهاء تبرز من خلفها أسنانه الصفراء.
كما يبدو الشيب جليا على أول فروة رأسه، والتجاعيد بارزة أسفل عينيه، أما فمه فهو غليظ، وأنفه عريض. ويرتدي قميصا ضيقا - من اللون الأزرق - بسبب حجم جسده الممتليء.

رمشت هي بعينيها، ثم أخفضتهما وهي تتجه نحو المقعد المقابل لمكتبه لتجلس عليه.
أسندت لمار حقيبة يدها على ساقيها ثم أخرجت من الحقيبة ملفا به سيرتها الذاتية، ومدت يدها ووضعته على سطح المكتب، ثم عقدت يديها معا، وفركتهما في حقيبتها.
تناول مصطفى الملف، وبدأ يقرأه بروية، في حين حدقت هي في المزهرية الصغيرة الموضوعة على الطاولة القصيرة الملاصقة لقدميها. وحاولت أن تخفي توترها الملحوظ.

كانت تشعر بإرتجافة ساقيها، وبحلقها الذي يزداد جفافا.
ساد صمت ملحوظ لبرهة قاطعه رنين الهاتف الأرضي.
رفع الأستاذ مصطفى سماعة الهاتف، وأجاب على المتصل بصوت جاف وخشن بكلمات مقتضبة وحادة قائلا:
-لا، أنا غير موافق على تلك المهزلة، للنادي قواعد وأصول تتبع، سوف نتناقش لاحقا في هذا.!

إزداد إضطرابها فهي لا تعرف من أين تبدأ الحديث معه، فقد مر وقت طويل منذ أن كانت تتقدم للمقابلات الخاصة بالعمل. فهل ستحسن التصرف، وتجيب بلباقة وإتقان عن أسئلته؟ أم أنها ستخفق في إثبات نفسها أمامه.
عشرات من الأسئلة دارت في رأسها جعلتها صامتة لبرهة.
قطع تفكيرها الصامت صوته الخشن سائلا إياها بجدية: -مممم. وأين كنت تعملين قبل هنا؟

إكتست وجنتيها بحمرة شديدة وهي تجيبه بتلعثم ب: -في الحقيقة أنا. أنا عملت لفترة في مكتب لتصوير المستندات، كنت. كنت أطبع على الحاسوب الأوراق وآآ.
قاطعها بجدية وهو يهز رأسه متسائلا ب: -أها. وأين أيضا؟
أجابته على إستحياء وهي تختلس النظرات إليه: -في معمل للتحاليل الطبية!
صمت مصطفى للحظة قبل أن يكمل حديثه بجفاء ب: -أرى أن خبرتك محدودة للغاية.

شعرت لمار من عبارته الأخيرة أنه يراها غير مؤهلة لتلك الوظيفة، فقالت بنبرة تحمل الكبرياء:
-أنا أعلم أني لم أخض تجارب كثيرة في العمل، وربما تكون خبرتي محدودة، ولكني أجتهد في عملي قدر المستطاع، وألتزم به!

أخذ مصطفى نفسا عميقا، وزفره على مهل، ثم تشدق قائلا: -حسنا، لقد رشحتك زوجتي لتلك الوظيفة، رغم أني لا أقبل بالوساطة في العمل، فربما تكوني أقل من المستوى المطلوب، ولكني وافقت على مضض على لقائك، لعلك تكوني مناسبة!
إزدادت حمرة وجنتيها من الإحراج، وإشتعلت عينيها غضبا، وأوشكت على البكاء، ولكنها قاومت تلك الرغبة. فكلماته إلى حد كبير تحمل تلميحات مسيئة إليها، فأجابته بصوت مختنق قائلة:.

-ربما أكون غير كفؤ بالنسبة لك، ولكني أبذل قصارى جهدي ليخرج العمل بالشكل المطلوب، وربما أفضل!
ثم نهضت عن مقعدها، وعلقت حقيبتها على كتفها، وتابعت بتهكم: -عامة، أشكرك أستاذ مصطفى على وقتك الثمين، عن إذنك!
ثم أولته ظهرها وتحركت في إتجاه باب الغرفة وهي تبذل مجهودا مضنيا عبراتها من الإنهمار أمام ذلك الفظ.

كانت تستغرب حالها بشدة، فهي كانت تتوقع الرفض وألا تلتحق بتلك الوظيفة، ولكن لم يطرأ ببالها أن يصاحب هذا الرفض إهانة متعمدة لشخصها.
-إنتظري من فضلك!
قالها مصطفى بعد أن نهض هو الأخر من على مقعده.
التفتت هي له، ورمقته بعينيها اللامعتين بنظرات حادة، وسألته بنبرة متشنجة: -ما الأمر؟
رسم هو إبتسامة مستفزة على وجهه، وخطى نحوها بثبات، ثم أردف قائلا بهدوء حذر:.

-أعلم أنك ذات خبرة محدودة في مجال عملنا، ولكن بحكم خبرتي الطويلة في التعامل مع البشر، فأنا أرى وهج الشباب وحماستهم في عينيكي، وأتوقع أن تنجحي في وظيفتك الجديدة
فغرت لمار شفتيها من الصدمة غير مستوعبة لما قاله توا، وإتسعت عينيها في إندهاش جلي، وتسائلت مع نفسها، هل هي تتوهم ما سمعته، أم أنه يمدح فيها حقا؟

وقف مصطفى قبالتها، وحدق فيها بنظرات أبوية، وتابع بجدية: -ربما أنا لا أقبل الوساطات، ولكني لا أرفض حماسة الشباب مطلقا في العمل!
رمشت لمار لعدة مرات بعينيها، وعادت البسمة إلى ثغرها، وسألته بإهتمام واضح:
-ومتى يمكنني البدء في العمل؟
أشار بإصبعه وهو يرد عليها بنبرة هادئة: -إن شئت من الآن، ولكني أقترح أن تبدأي غدا منذ أول الفترة المسائية
عقدت لمار حاجبيها في فضول، وسألته مستفهمة: -هل سأعمل ليلا؟

أومأ برأسه وهو يجيبها بهدوء قائلا: -ليس إلى وقت متأخر! فالأنشطة تبدأ هنا من بعد الظهيرة وحتى التاسعة مساءا
فكرت لثوان في مواعيد العمل. وإحتارت في ردة فعل والدتها، فهل ستوافق هي على هذا أم ستعترض، ولكنها لن تضيع تلك الفرصة. فإيجاد وظيفة شاغرة تلك الأيام بات متعذرا على الجميع.
تنحنحت بخفوت قبل أن تجيبه بصوت جاد: -ليس لدي مشكلة، سألتزم إن شاء الله!

مد مصطفى يده ليصافحها قائلا بنبرة متفائلة: -أرجو أن تظلي على تلك الحماسة حينما تبدأين
إبتسمت له بثقة وهي تصافحه قائلة: -سأظل، لا تقلق أستاذ مصطفى
عقد هو ساعديه أمام صدره، وأردف بإبتسامة: -بالتوفيق يا لمار
-إن شاء الله
تهللت أساريرها وهي تلج خارج غرفة المكتب بعد أن ظفرت بتلك الوظيفة.
سارت متحمسة في إتجاه البوابة، ولم تغب الإبتسامة عن وجهها، ولمعت عينيها بتفاؤل عجيب.

فاليوم هو نهاية مرحلة أخرى من حياتها، وغدا بالنسبة لها هو البداية لفترة جديدة ستستعد فيها للخوض في معترك الحياة، وإثبات جدارتها في العمل، وربما في الحب،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة