قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل العاشر

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل العاشر

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل العاشر

دلف من باب المنزل يصدر صوت حشرجه عاليه بحنجرته، يشبه سعال مقصود، فتلك عاداتهم لتنبيه من بالمنزل من سيدات لوجودهم، حتى ولو كان منزله، صادف دخوله نزولها من الدرج الداخلي للمنزل ترتدي عبائة بأكمام من اللون السكري. تلف حول رأسها حجاب بني بإهمال تسترسل من خلاله خصلات شعرها الحريري، تصل الى اسفل ظهرها. عيونها كالون اوراق الشجر في بداية الربيع، اقتربت منه بابتسامة واسعة وعيون تنطق بالعشق. عشق ربما لا يفقهه هو. لا يدرك مداه. والى اي حد قد وصل. ، نزع عنه عبائته يلقيها على ظهر الأريكة بجواره يبتسم لها قائلا.

: كيفك ياجمر.؟

معذبة. معذبة انا بعشقك يا مالك فؤادي. نطقت بها عيونها. عاجزة كل العجز عن قولها مسموعة، اشارت له بيديها إشارات مفاداها انها بخير، ليظهر على ملامحها الحزن تطرأ برأسها ارضا، حينما تذكرت كلامه الغير مباشر عن ابنة عمهم الآخر، التي ظهرت من العدم. تتسائل في نفسها. هل من الممكن ان يتزوجها، ولا يشعر بما تشعر به هي.؟، هل له ان يرى ما بداخلها، ما يكنه له قلبها افصح من النطق بألف كلمة تقال. ، اقترب منها ينظر لها باستغراب مهتم يتسائل ما سبب حزنها ذالك.

: به. ليه حزينة.؟
ثم ابتسم بحنو مردفا
: مين زعل جمرنا.؟
مهلا. مهلا فأنا لا اتحمل. ، نظرت له وقد اشتدت خفقات قلبها حبا وعشقا له ربما يكاد يسمعها هو
. نبرته. ابتسامته. نظرته. تصيب قلبها بصعقات تزلزله. يكاد يخرج عن محجره صارخا بعشقه.
اللعنة على ذالك العجز، الذي يقيد قلبها بسلاسل من نار عن البوح بذالك العشق. ، نفت له برأسها
ليرد هو عليها يشاكسها بابتسامة محببة لها.

: جولي ما تخبيش، مين اللي مستغني عن عمره، وزعل جمرنا. انتي ماعرفاش غلاوتك عيندينا ولا ايه،؟

نظرت له ارادت ان تسأله حينها. بل اريد معرفة مكانتي عندك. داخلك. بقلبك، . تعلم تماما انه لا يراها سوى اخته. ابنة عمه الذي وصاه عليها وهو يلفظ انفاسه الاخيرة منذ ان كانت طفلة، ليتولى هو رعايتها منذ ذالك اليوم، وتكبر تحت ظله في احضان رعايته لها ويكبر عشقها له يوما بعد يوم. تموت. تموت حرفيا بمجرد التفكير انه من الممكن ان يتزوج غيرها، ومن الطبيعي ان يعيش هنا بمنزله، بيته الذي ولد وتربى به، كم مقتت تلك الفكرة. كرهتها. لا، وتراها امامها تتدلل عليه. ، لا بمجرد التفكير بذالك يتألم قلبها، يوشك على التوقف حزنا، لا تعلم ماذا ستفعل حينها، كيف ستقضي ايامها. او بالأحرى كيف ستقضي حياتها،.

اطرأت برأسها تنظر ارضا بحزن يفتك بروحها فتكا، غافل عنه كل من حولها. لا يشعر به غيرها، لتنتبه الى صوت والدتها يأتي من خلفها قائلة
: حمدالله على سلامتك يا سالم يا ولدي.
رد سالم عليها وهو يلتقط عبائته مرة اخرى، يتخطى قمر
: الله يسلمك يا مرات عمي.
لترد امها قائلة وهي تنظر لها بعتاب
: كنت عاوزاك في موضوع اكده يا ولدي.
اتسعت عينا قمر تشير لها بالنفي سريعا برأسها ويديها.

، لاحظ سالم نظرة زوجة عمه الى قمر، التفت فجأة، لتنتفض قمر فزعا من التفاتته المفاجأة تبتسم له بتوتر، نظر لها بشك، كان على وشك ان يرد على زوجة عمه بأنه متعب من السفر وانه سيحدثها في وقت لاحق لكنه وجد نفسه يرد عليها ونظره موجه إلى قمر قائلا
: خير يامرات عمي.؟
ردت فاطمة قائلة
: لحالنا. ، نتكلمو لحالنا يا ولدي.

نقل نظره من قمر إلى زوجة عمه ثم أومأ لها يتخطاها متجها نحو مكتبه، لتهم هي بأن تتبعه حتى وجدت قمر تمسكها من ذراعها تترجاها وهي تربت عدة مرات على صدرها بمعالم وجه تستعطف امها ألا تخبره، دفعتها والدتها برفق ثم توجهت خلفه نحو مكتبه.
دلفت واغلقت باب المكتب خلفها، اسرعت قمر تلصق اذنيها بالباب لتستمع الى حديثهم، وقلبها يكاد يتوقف من شدة الخوف لا تدري ما ردة فعله على ما ستقوله والدتها.

داخل المكتب ارتسمت على ملامح فاطمة الجد لتجلس على الكرسي امام المكتب، نظر لها سالم قائلا
: خير يامرات عمي. كنتي عايزاني في ايه.؟
لتتحدث فاطمة قائلة
: شوف يا ولدي، انا ما هيعجبنيش الحال ده، لازمن تشوفلك صرفه ويا جمر
زفر سالم بتعب ثم رد عليها قائلا
: حُصل ايه يا مرات عمي؟
تنهدت فاطمة بنفاذ صبر قائلة
: جايلها عريس.

انزعج. ولا يعلم لماذا. يعلم انها لابد لها من الزواج. لكنه انزعج كثيرا من تلك الفكرة، ربما لأنه يريد لها شخصا افضل. رجلا حقيقي كما يقولون، يقدرها ويدرك قيمتها جيدا. ، ثم اردفت فاطمة بحزن
: ورفضته. واهي على الحال ده، كل ما ياجي عريس ترفضه
ليتحدث سالم اليها قائلا بااستنكار
: جرى ايه يا مرات عمي. وانتي عاوزاني اجوزها غصب اياك.؟

تنهدت قمر براحة من خلف باب المكتب المغلق عندما استمعت لرده على والدتها. لكن سرعان ما ظهر على ملامحها الأسى والإنكسار عندما وصل الى مسامعها صوت والدتها قائلة،
فاطمة وهي تلتمع الدموع بعيونها حسرة على حال ابنتها الوحيدة
: لا يا ولدي، انا ما جولتش اكده، بس اجعد معاها وعيها. البنتة اللي في سنها دلوجتي معاهم 3 و4 عيال بيجرو حواليهم. واني نفسي اشوفها في بيت عدالها قبل ما اموت.

صمتت للحظات ثم اردفت بانكسار وحزن وهي تنظر ارضا
: وانت خابر زين عجزها. ، وفين وفين لما...
ليقاطعها صوت سالم زاعقا بحدة ينهض من مكانه يصفع سطح مكتبه بيده حتى انتفضت جميع الاشياء المستكينة فوقه
شعر بالغضب الشديد لمجرد التفكير في الإنقاص من قدرها. ربما لأنه يعلم جوهرها وقيمتها جيدا فهو من رباها على يده منذ صغرها ليقول بصوت زلزل جدران المكان.

: ما عايزش الكلام الماسخ ده ينعاد مرة تانيه. جمر ما هياش معيوبة يامرات عمى. وان ما كانش اللي هاياجي يعرف جيمتها، ويقدرها زين، يبجى ما يستهلهاش
لتتحدث فاطمة مسرعة تهدأ من غضبه و تبرر له مقصدها
: اني ما اجصدش ياولدي اني بس.
ليقاطعها سالم مرة اخرى قائلا بنفاذ صبر ينهي الحديث بينهم.
: خلاص يا مرات عمي. بزيادة حديث في الموضوع ده،.

اطرأت فاطمة برأسها تتجمع الدموع بعينها، كأي ام هي، تريد رؤيه ابنتها سعيدة ببيت زوجها، هنئية يتشاكسون اطفالها حولها. فقمر وحيدتها. لكنها غاقلة عن ما بداخلها. لا تشعر بها.
زفر سالم ينظر جانبا، يستغفر الله بخفوت، لا يعلم لماذا تألم عند ذكر والدتها لعجزها عن النطق على انه عيب ينقص من قدرها، انزعج كثيرا من تلك الفكرة. أردف بنبرة اهدأ قليلا قائلا.

: جمر ما هتتجوزش غير اللي توافج عليه برضاها. انا مهجبرهاش على حاجه واصل.
اومأت له فاطمة قائلة وقد فرت دمعة من عينيها
: اللي تشوفه ياولدي
ليستدرك نفسه حينما لاحظ دموعها، اقترب منها ثم مال قليلا للأمام يقبل رأسها، فهي في حكم والدته
: حجك على راسي ما تزعليش. جمر ما هياش ناقصة ولا معيوبة يا مرات عمي
صمت قليلا ثم اومأ باقتناع تام ينبع من معرفته لها مردفا
: جمر غالية.
ربتت فاطمة على ظهره قائلة.

: تسلم ياولدي. ربنا يخليك لينا ومانتحرمش منك واصل.

بينما بالخارج لملمت هي أشلاء روحها المنثورة. بدموع انكسار تملئ عينيها. صعدت الدرج متوجهة نحو غرفتها تبث فيها حزنها وأوجاعها بمفردها، لا يعلم احد عن ما بداخلها. تتذكر ذالك اليوم الذي فقدت فيه عزيزها والدها ومسكن روحها، مدللها الوحيد الذي فارق هو الحياة وفارقتها هي الفرحة والسعادة. ، منذ ذالك اليوم وبعد ان وقع والدها صريعا ضحية ثأر. كانت طفلة لم تتجاوز بعد 5 سنوات،.

فقدت النطق عندما تلقى رصاصة بصميم قلبه وهي طفلة تتشبث بيده ويدها الأخرى بيد سالم، الذي لم يهنأ له بال الا وكان بعد ثلاثة ايام من مقتل والدها وقد اخذ بثأره واثلج صدر جدته ووالدتها. ، رصاصة واحده. غيرت مجرى حياتها نحو الجحيم. رصاصة. لا يزال صداها يتردد بقلبها. بروحها حتى اليوم، ومنذ ذالك اليوم وهي تفتقد كل جميل. حتى صوتها الذي كان يخبرها والدها انه اجمل من صوت العصفور عندما يشاكسها سالم بان صوتها يشبه صوت البجعة الجائعة فتتذمر. ليحتضنها والدها وينهر سالم يأمره ان لا يقول لها ذالك مرة ثانيه، ابتسمت لتلك الذكرى، مسحت دموعها. تتنهد بحزن، تحمد الله بداخلها على ما اعطى وعلى ما اخذ، لا تتمنى في تلك الحياة سوى شيء واحد فقط، ان يشعر بها سالم وبما تخصه له فقط وحده بقلبها، نهضت بيأس تمسح دموعها. فلا احد يمكنه تبديل اقداره.

غفت حياة اثناء شرودها بتلك الذكريات القاتمة، استيقظت على صوت جرس باب المنزل، . استقامت ناهضة تتجه نحو الباب لتفتحه، تظن انها عنايات، فتحته تفرك عينيها بتثائب، لتتسع عينيها فجأه على آخرهما شاهقة عندما وجدت من بالباب قصى.

دخلت مسرعة تهرول نحو الاريكة تلتقط حجابها تلفه سريعا حول رأسها، وقف هو بالخارج يبتسم بداخله. كم بدت رائعة. بدون الحجاب كلوحة جميلة، ابدع الله تعالي في صنعها، دلف خلفها الى داخل المنزل، فكانت قد لفت حجابها بإحكام. نظر لها باعجاب بداخله
لتتحدث سريعا بتلقائية عندما وجدته امامها
: عنايات مش هنا.

استدركت ما تفوهت به، فوضعت يدها على فمها تنظر ارضا بحرج شديد، . انه منزله ياحمقاء. وبكل تبجح تطردينه منه. ، ابتسم قصي ابتسامة غامضة يرد عليها
: انا عارف.
إذدردت ريقها تنظر له بعينين متسعتين، . لماذا اتى اذا. ماذا يريد. لا. لايمكن ان يفعل ماتفكر به. ، بل ما لا تريد ان تفكر به، خفق قلبها بشده خفقات تدوي كطبول حرب شيدت ويبدو انها ستخسرها، فهي بمفردها. وحدها عندما آتاها صوته قائلا.

: انا جيت علشان عنايات مش هنا.

ارعبتها تلك الجملة، حسنا.!، مرة اخرى نحن بصدد. قلة ادب. ، تحدث نفسها بفكرة واحدة. واحدة فقط الركض. نعم، ستركض، نظر لها قصي وبداخله شعور لأول مرة يختبره، ليتفاجئوا بجرس الباب. حققت هي مبتغاها وركضت باتجاه الباب، تظن مرة اخرى انها عنايات، نظرت لمن بالباب يخفق قلبها بشدة عندما وجدت امامها عدة اشخاص، رجال و نساء، لا تعرفهم. ، اذدردت ريقها تنظر لهم بترقب رجعت خطوة الى الوراء. سيقيدوها. نعم سيقيدها كي يفعل بها ما يشاء. ، هكذا كانت تفكر وهي تنظر اليهم، تجمعت الدموع بعيونها، استغرب قصي وقوفها امامهم فتقدم يقترب منهم، اما هي تشاهد سيناريو ما في خيالها لأشخاص لا تعرفهم يقرأون ربما بجريدة الغد، حادث اغتصاب فتاة وقتلها بمنزل ما من شخص لا تعرفه، بمساعدة عدة اشخاص لا تعرفهم. تكاد تموت رعبا، وبخطوة اخرى للوراء كان ارتطامها بصدر قصي. انتفضت تبتعد عنه تنظر له بترقب متسعة العينين، نظر لها يستغرب حالتها فأردف قائلا.

: بعد اذنك. ممكن تعديهم يدخلو.

، ابتعدت الى الخلف وهي ما زالت على حالتها تلك لتتفاجأ بهؤلاء الاشخاص يدلفون الى المنزل كل منهم يذهب الى مكان معين ليبدأوا على ما يبدو رحلة تنظيف المنزل، رمشت بأهدابها عدة مرات تمرر نظرها بينهم، تنهدت بارتياح تجلس على اقرب مقعد، لا تسطتيع الوقوف اكثر على قدميها. شعرت بإحراج شديد تنهر نفسها على خوفها ذالك، هي تشعر بالإطمئنان في وجوده. تشعر بالأمان نوعا ما. لكنها لا تثق به فهو يعد غريبا بالنسبة لها، حتى الان لا تعلم اسمه، تخضبت وجنتيها بالحمار عندما لاح بخاطرها ان تسأله عن اسمه، ليأتيها صوته يبرر لها مجيئه قائلا.

: عنايات كلمتني. قالت انها اضطرت تسيبك لوحدك. ، وانا كنت كلمت مكتب تنضيف علشان يوضبوا الفيلا.
تنحنح مردفا بإحراج
: قولت اسبقهم علشان ماتبقيش لوحدك
يا الله. اتى من اجلها حتى لا تبقى بمفردها. كم انتي غبية يا حياة كيف لا يمكنكي الوثوق به. فهو من انقذكي من هلاك محقق بين يدي باسم. هكذا كانت تحدث نفسها. اومأت تذدرد ريقها ببطء. ممتنة هي له بالكثير. فاردفت قائلة وهي تنظر اليه بامتنان.

: انااا. متشكرة جدا. على كل اللي عملته معايا، بجد لولا حضرتك انا مش عارفة كنت هعمل ايه.؟
غارق هو بليل عينيها الواسعتين، هناك بداخله شيء ما لا يستطيع التحكم به، اضطرابات عدة تحدث بداخله لا يعلم مصدرها، لأول مرة تتحرك مشاعره. متي.؟ وكيف.؟ لا يعلم
رد عليها قائلا وهو مازال ينظر الى عينيها
: قصي.
نظرت اليه بتسائل ليردف هو بابتسامة
: اسمي قصي. بلاش حضرتك دي.

اطرأت برأسها وقد علمت اسمه اخيرا، قصي رددته بداخلها، تسللت حمرة الورود سريعا الى وجنتيها البيضاء بمجرد ترديد اسمه سرا.
نظر لها ولتلك الحمرة التي تزداد بها جمالا، لا يعلم ما سر ظهورها كلما تحدث اليها، ثم اردف يبتسم قائلا
: انا ما عملتش حاجه. اي حد في مكاني كان عمل كده واكتر.
زادت خفقات قلبها بشدة، توترت. ارتبكت. عندما اتاها صوته مردفا يسألها بحنو
: كلتي.؟

اذدردت ريقها تومأ له ايجابا، لكنهافي الحقيقة جائعة لم تأكل شيئا منذ الصباح، ليرد قصي قائلا
: انا ما كلتش من الصبح. هطلب اكل وناكل سوا
نظرت ارضا ولم تصدر اي استجابة، ليرفع قصي الهاتف الى اذنيه يطلب لهما الطعام، اتسعت عيني حياة عندما وجدته يطلب طعاما بكميات مبالغ بها، وبمجرد ان اغلق الخط اندفعت قائلة بتلقائية مستغربة
: انت هتاكل كل ده.؟
رد بابتسامة قائلا
: لاء طبعا. بس اكيد مش هناكل لوحدنا يعني.

واشار الى فريق التنظيف
لتنظر هي اليه بداخلها اعجاب شديد به، كم ذكرها بخالها الان. وبتواضعة ورفقه بالغير، يا الله كم تفتقده، تتمنى رؤيته بشدة، ولو فقط من بعيد.
انتشلها من شرودها صوت رنين هاتف قصي، التقط الاخير هاتفه ليجدها عنايات، رد ليأتيه صوتها،
عنايات بحزن من الجهة الاخري بالهاتف
: انا اسفة جدا يا قصي بيه. مش هقدر آجي دلوقتي، الولد حالتة سائت ومش هينفع اسيبهم.

اذدرد قصي ريقه بتوتر. ما ذالك المأزق ماذا سيفعل، رد عليها قائلا
: تمام. ، خليكي جمبهم ولو احتاجتي اي حاجه كلميني
شكرته عنايات واغلقت الخط
نظر الى حياة، يتسائل بداخله. هل ستبقى وحدها بالمنزل. ماذا عليه ان يفعل.
جلست سارة بحديقة منزل منصور تضع امامها العصفور تلاعبه بلطافة، لكنه لا يستجيب لها تشعر وكأنه حزين.

يتنقل هنا وهناك بداخل القفص ينظر الى السماء وكأنه يخبرها كم اشتاق اليها، و إلى التحليق بها، يريد الخروج فهو غير معتاد على القيود. الحريه فطرته، ترددت كثيرا ان تطلق سراحه الان فهو يبدو نشطا و بصحة جيدة، لكنها فضلت ان يتم شفائه اولا، تفاجأت بحنان امامها تسألها بابتسامة وهي تشير الى العصفور
: ايه ده.؟
ردت سارة عليها وهي تنقل نظرها الى العصفور مبتسمة
: عصفور.
لتضحك حنان قائلة وهي تجلس جوارها.

: منا عارفة انه عصفور لكن بتاع مين. ، بتاعك؟
نظرت اليها سارة تبتسم قائلة
: بعدين احكيلك حكايته.
ثم اردفت بتأثر قائلة
: طمنيني على انكل منصور. اخباره ايه دلوقت.؟
لتبتسم حنان ابتسامة واسعة قائلة
: الحمد لله ياحبيبتي. فاق وكلمني.
ابتسمت سارة بدورها تحمد الله قائلة
: الحمد لله. ربنا يقومه بالسلامه يارب
ثم اردفت بحزن شديد
: و يطمننا على حياة.
لتبتسم حنان تطمئنها قائلة
: حياة بخير. ما سافرتش.

انتفضت سارة بلهفة تسأل حنان غير مصدقة
: بجد يا طنط. ، هي فين.؟
ردت حنان تتنهد براحه
: منصور طمني عليها وقال انها في امان، لكن ما قالش مكانها.
ثم اردفت بانزعاج لمجرد التفكير بهم
: علشان رشدي وباسم. خايف لا يوصلولها عن طريقنا وهو في الحالة دي. وما يقدرش يعمل حاجه
شردت سارة للحظات تفكر ثم ردت قائلة
: معاه حق ياطنط. باذن الله يقوم بألف سلامة، وترجع حياة وسطنا تاني.

تجمعت الدموع بعيون حنان، دموع تنبع من من اعماق روحها، فقد اشتاقتها بشدة. تفتقدها. تفتقد مشاكستها لها. تفتقد رؤية ابتسامتها كل صباح. تفتقد الى حنون من بين شفتيها. تفتقد ضمتها لها وهي بين احضانها وكأنها بتلك الضمة. تربت على شظايا روحها المحترقة، لتقول من بين دموعها
: وحشتني اوي.
نظرت لها سارة بتأثر تربت على يديها وقد التمعت عينيها ايضا بالدموع، فأردفت حنان وهي تنظر للسماء وترفع يديها تدعو الله قائلة.

: يارب تحفظها. وترجعها بالسلامة يارب...
استيقظ من نومه يتصبب عرقا، يحك جميع انحاء جسده، وسائل خفيف لايتوقف عن النزول من انفه، يشعر وكأنه ينصهر بداخله، وفي نفس الوقت بشرته باردة كالثلج، فقد انتهى تأثير المخدر بجسده ويحتاج الى جرعة اخرى كي يهدأ. وأخرى تجر أخرى، حتى يسقط في جحيم لن يستطيع الفرار منه.

نهض سريعا بحركة مرتبكة يرتدي ملابسه على عجالة غير عابئا بترتيبها، خرج من غرفته متوجها نحو الدرج، نزله سريعا، وقف كالصنم يذدرد ريقه بصعوبة، عندما آتاه صوت والده يناديه من خلفه، قد صادف نزول عمر خروجه من غرفة مكتبه، عبد السلام باستغراب لحالة عمر
: عمر.؟
اغمض عينيه. ليس وقتك الان ابي. التفت له بابتسامة متوترة يحاول جاهدا ان يبدو هادئا
: نعم يابابا.

عبد السلام وهو يقترب منه ينظر الى ملابسه، يحدق بوجهه قائلا
: مالك. ورايح فين بدري كده
عمر وهو في اصعب اوقات تمالك اعصابه، جسده يتآكل، يشعر ببركان يكاد ان ينفجر برأسه من شدة الالم، تتعطش كل ذرة بجسده الى ذالك السم مرة اخرى، ليرد على والده بارتباك واضح
: ااا. واحد صاحبي كلمني. اه واحد صاحبي، عاوزني ضروري، ااا. معاه مشكلة.

هم عبد السلام ان يسأله من هو صديقه ولماذا يريده وما هي تلك المشكلة، لكن اردف عمر قائلا وهو يخطو نحو باب المنزل
: سلام دلوقتي. علشان مستعجل
هتف عبد السلام يناديه
: عمر.
لكنه لم يستمع اليه كان قد اغلق الباب خلفه وذهب،
تنهد عبد السلام بيأس والتفت يعود ادراجه إلى مكتبه
ليأتيه صوت زهيرة الذي فاجأه، من اعلى الدرج تبتسم له ابتسامة غامضة قائلة بسخرية تتوارى خلف نبرة صوتها الهادئة
: اخبار الصفقة الجديدة ايه.؟

وبابتسامة جانبية تخفي خلفها براكين مشتعلة تكاد تنفجر به. نزلت درجات السلم بهدوء واحدة تلو الأخرى حتى وقفت امامه تنظر له بعينيه وكأنها تخبره. انه من قطع عهده اولا فلا يلومها ما ستفعله. ، رد عبد السلام عليها بمعالم وجه جادة ونظراته تتحدي شرارات عينيها المستترة
: تمام. كل تمام
رفعت زهيرة حاجبيها تبتسم بسخريه، ولكن بداخلها تشتعل غضبا، تكاد تسحق اسنانها من شدة الغضب قائلة بمكر لمحه عبد السلام بنبرتها.

: طب كويس.
ثم ربتت بكفها مرتين على صدره مردفة و قد لمح بعينيها شرارات اشتعالها
: يارب تكون ماشية زي ما انت ما مخططلها بالظبط.

ثم تركته وذهبت، نظر عبد السلام في اثرها بشك يتسائل في نفسه. هل علمت ما خطط له خلف ستار تلك الصفقة. بالتأكيد لا فهي يبدو عليها الهدوء، فلو علمت لكانت انقلبت الدنيا على عقبها. غافل هو. لا يعلم انه هدوء ما قبل العاصفة. السكون ما قبل الموت ولفظ النفس الاخير، و ان الأفعى تتخفى بين الغصون حتى تنقض على فريستها تلتهمها بالوقت المناسب. وكل ما بحوذتها الان هو. الوقت.

وصل عمر امام منزل صديقته يطرق الباب بلهفة ويده الاخري على جرس المنزل، لتفتح له صديقته الباب تصرخ بوجهه قائله بانزعاج
: ايش فيك. راح تكسر الباب.
ليدلف عمر الى الداخل سريعا يجلس على الاريكة بتعب قائلا بلهفة
: الحقيني. مش قادر
اغلقت الباب تخطو اليه ببطء جلست جواره قائلة
: ايش تبي.
رد عليها عمر وهو يحك انفه سريعا قائلا بنفاذ صبر
: ابوس ايدك مش وقتك. الحقيني بيها بسرعه وهديكي اللي انتي عاوزاه.

لترد عليه بحزن مصتنع
: ما أجدر حبيبي. هالأشياء مو حجي من شان اتصرف بيها. اذا تصرفت بشي منها بدون مقابل. بتعرف شو بيسوا في
ليفرك عمر فروة رأسه يومأ لها عدة مرات يخرج من جيب بنطاله رزمة من النقود يضعها بين يديها قائلا
: خدي. قومي بقى هاتيها. هموت.
لتبتسم له تنظر الى النقود بين يديها بفرحة قائلة
: من عيوني. لحظات وبجيلك.

لتتجه نحو غرفتها تفتح درج الكومود تخرج منه الورقة المطويه وتخرج سريعا تعطيه اياها، ليأخذها منها بلهفه يفتحها برفق مزيحا بذراعه الاشياء على سطع الطاوله امامه يفرغ ذالك المسحوق من الورقة على زجاج الطاوله ثم يصفه بشكل مستقيم، ويبدأ باستنشاقه مستلذا به ويبدأ جسده بالإستكانة والهدوء تدريجيا حيث ارتوى مرة اخرى بذالك السم، نظرت له ثم تسللت إلى غرفتها تلتقط هاتفها لتطلب مراد قائلة.

: اجى عندي. واخذ الجرعه ياللي تركتها إلي.
ليأتيها صوت مراد قائلا من الجهة الاخرى بالهاتف
: تمام اوي. هعدي عليكي باليل. اديكي اللي اتفاقنا عليه. وأقولك تعملي ايه المرة الجايه
ردت عليه قائله بابتسامة تتلهف للمزيد من النقود
: تأمرني. بنترك الليلة
لتغلق الهاتف وتخرج الى عمر تجده قد تمدد بمكانه ارضا يضع ذراعه على عينيه، لتنظر له بابتسامة ظفر فقد حققت ما يريده منها مراد، وستنعم الان بجمع النقود...

يجلس على كرسي مكتبه يحدث الجالس امامه وعيونه تلتمع بمكر قائلا
: انت تربط في المستشفى تشوف مين من هناك ممكن ينفذ من غير شوشرة. ، طبعا انت ليك نظرة فيهم.
نظر له رشدي يومأ له يبتسم بثقة، ليردف باسم قائلا بابتسامة جانبية وكأنه يدرس له قواعد واصول. عالم الشياطين.
: اللي عنيه تلمع، ويريل على الجنيه اول ما يشوفه. يبقى هو ده
رد عليه رشدي يسأله قائلا.

: وافرض طلع جبان. وخاف ينفذ. او ينيل الدنيا على دماغنا بعد التنفيذ
نظر له باسم وقد سكن الشيطان بعينيه يبتسم بسخريه قائلا بثقة
: الفلوس هتقوي قلبه. وهينفذ. وبعد التنفيذ ولا شافك ولا شوفته
تنهد رشدي يبتسم بشر يومأ له، اردف باسم يشتعل غضبا
: اموت واعرف. بنتك بنت الابلسه دي اختفت راحت فين.؟ لما منصور في المستشفى. وملحقش يوصل المطار.
ثم اردف يصك اسنانه ببعضها غيظا قائلا
: يبقى هي راحت فين.؟

اذدرد رشدي ريقه، ينظر اليه وكل ما يفكر به ان يطالبه باسم باسترداد النقود التي اخذها مقابل تخطيطه لأختطاف حياة، التي بالمناسبة هي ابنته.
التقط باسم هاتفه طلب احد رجاله ليرد قائلا بنبرة ثقيلة تنبع من داخل اعماق شره
: عاوزك تقف ددبان قدام بيت منصور المنياوي. لو نملة دخلت او خرجت. تبلغني
ثم اغلق الخط يزفر بإحتراق يفكر. يتوعد لها. صفقة. هي مجرد صفقة رابحه، وهو اعتاد على الفوز بصفقاته.
بمنزل قصي.

انتهوا من الطعام، و أوشك الخدم على الانتهاء من التنظيف، نظر قصي الى حياة مترددا، زفر بتوتر يتنحنح قائلا
: عاوز اقولك على حاجه.
نظرت له بتسائل تأسر نظراته مجددا بليل عينيها، ليذدرد هو ريقه قائلا
: عنايات. احتمال ما تقدرش ترجع الليلة دي.

نظرت له بنظرات حائرة، وكأنها تسأله. ثم ماذا؟ ماذا ستفعل. اشتدت خفقات قلبها سريعا، كيف ستخبره انها تعاني رهاب الوحده، تخاف كثيرا بل ترتعب من فكرة المكوث بمفردها، منذ وفاة والدتها كان يتركها والدها بالمنزل لأيام وحدها بمفردها. طفلة لم تتجاوز ال6 سنوات تختبر ذالك الرعب، تجلس ليل نهارا بمنزل كبير بمفردها، تموت خوفا من مجرد الفكرة وخصوصا اذا كان المكان جديد عليها، لمح قصي حيرتها تلك ونظرة الخوف بعينيها، حائرا بدوره لا يدري ماذا عليه فعله، اذا سأله احدهم. فهو لا مانع لديه من البقاء جوارها. لا مانع اطلاقا.

لكنها على ما يبدو سترفض تلك الفكرة، التي وبالمناسبة تروقه كثيرا.
تساقطت دموعها فورا متسعة العينين تنفي برأسها، ثم وضعت يديها على عينيها تبكي بنشيج، قائلة
: انا مش هقعد لوحدي، انا عاوزة اروح.
ارتبك. تفاجأ بحالة بكائها الذي يرى انه مبالغ به بعض الشيء. لا يجد داعي لذالك الخوف الشديد الواضح تماما بعيونها، ليرد عليها قائلا سريعا
: تمام تمام. حاضر هروحك.

هدأت قليلا لكنها ما زالت تضع يديها على عينيها. تشعر بإحراج شديد. ماذا سيظنها الان. سيظن انها طفلة. لكنها رغما عنها يتملكها ذالك الشعور بالخوف الشديد عند فكرة وجودها وحدها. رعبا لا تسطيع السيطرة عليه، انزلت يديها عن عينيها تنظر ارضا منزعجة كثيرا من تفكيره بها على انها طفلة تبكي من اجل الذهاب إلى المنزل.

مقت كثيرا رؤيه دموعها. يريد الان وبشدة ان يمسح تلك الدموع ويطمس على مصدرها للأبد ليري ليل عيناها بلا شوائب تمنعه عن رؤيته، حسنا سيذهب بها الى منزلها يتمنى ان يفي بوعد قد قطعه صباح اليوم مع خالها، . ووعد آخر قد قطعه قبل عدة ساعات. حتما سيضطر الى خلافه الان، انتبه الى صوتها قائلة بنبرة منكسرة يملئها الحزن من يين شهقات بكائها
: شكرا.
لا تشكريني، لكن دعيني فقط ارى ابتسامتك.
يمكنكِ شكري بتلك الطريقة.

اومأ يرد عليها قائلا
: اول ما يخلصوا. هنتحرك على طول
اومأت له وهي مازالت على وضعها تنظر أرضا. تشعر بشعاع من السعادة يتسلل الى ظلمة احزانها لفكرة عودتها ورؤيه اسرتها.
جلست بعد صلاتها تدعو الله، تضرع اليه، بدموع عينيها. تشتكى له ما يؤلمها. تترجاه بأن يريح قلبها
: يارب. رضيت بما يرضيك يارب. يارب تم شفا منصور على خير ورجعه لينا بألف سلامة
ثم تتذكر حياة قائلة.

: احفظها واحميها يارب بعينك التي لا تنام، يارب ريح قلبي برؤيتها
لتردف وقد اشتد بكائها الى الله وتضاعفت الدموع بعينيها
: انا قلبي ماعادش مستحمل فراق تاني يارب. ردها ليا يارب.
اغمضت عيونها بشدة بكل يقين بالله رب العالمين
يقين ينبع من قلبها، واثقة به كل الثقة بأنه سيستجيب.

جلست على الأريكة مازالت بقايا دموعها بعيونها، بعضها جف، آثاره على وجنتيها. نظر اليها نظرة جانبية وهو يتابع العاملين بالمنزل، و قد اوشكوا على الانتهاء ليري الوجوم يتجسد بمعالم وجهها، لا يعلم ما الداعي لكل ذالك الحزن بعيونها، ذهب ناحيتها بتردد قائلا
: ممكن اعرف انتي بتعيطي ليه.

لتتبدل ملامح وجهها الى الاسف، تبكي. تتساقط دموعها برقة، زفر قصي ينظر لها بانزعاج لتلك الحالة، لينتبه الى العمال بانهم انتهوا من تنظيف وتنظيم المنزل، فأردف ينظر اليها قائلا
: يالا. هوصلك
ثم تركها بخطوات متمهلة يتجه الى خارج المنزل.

مسحت دموعها ناهضة تتبعه حتى وصلا الى السيارة فتح لها باب السيارة لتخبره برقة انها ستجلس بالخلف فأغلق الباب الأمامي ليفتح لها الباب الخلفي، وتصرفاتها تجعله يزداد اعجابا بها، جلس امام المقود وبدأ في تحريك السيارة فتحت هي زجاج السيارة ليلفح الهواء البارد بشرة وجهها، اغمضت عيونها تستمتع بنفحاته تشعر وكأن نسمات الهواء تواسيها، نظر لها هو من خلال زجاج مرآة السيارة تنهد بضيق، لا يريد رحيلها. لكن ما يصبره قليلا. انه لابد من اللقاء مرة اخرى. وربما مرات. خيم الصمت على تلك اللحظات. ، بعد بعض الوقت وصلوا امام المنزل، تجسد اللهف بعيونها تريد النزول واقتحام احضان حنان بسرعة البرق، كم تفتقدها الآن وبشدة، ابتسم قصي لمرآى تلك اللهفة على معالم وجهها والفرحه تلتمع بعيونها كما النجوم في ليل السماء الأن.

همت ان تفتح الباب وتنزل، لتنتبه له تذدرد ريقها تنطفئ تلك النجوم سريعا بعينيها يحل محلها نظرة حزن، فقالت تبرر حالتها المذرية كالأطفال اثناء بكائها بمنزله
: انا عندي فوبيا. بخاف اقعد في مكان لوحدي
ثم اردفت وهي تنزل من السيارة باقتضاب لا يدري سببه
: شكرا ليك.

نظر لها متسع العينين داخل السيارة قد علم اذا لما سر ذالك البكاء الذي استغربه ليزفر بضيق وهو يراها تطرق باب المنزل وتضع يديها على فمها على ما يبدو انها تبكي
وقد غرقت بحزنها غافله ان تسأله كيف اوصلها الى هنا وهي لم تخبره بعنوان منزلها.
وعلى الجانب الآخر امام المنزل التقط الجالس بسيارته هاتفه. يجري اتصالا ما قائلا
: باشا. وصلت بيتها دلوقتي حالا. ومعاها واحد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة