قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والعشرون

عميل هام. واجتماع لم يستطيع قصي تأجيله فاضطر الذهاب الى شركته. ويحتاج هو دهرا للعودة من عصف المشاعر بعد ذلك الموقف. واثناء خروجه من المشفى برفقة منصور. تحدث منصور اليه قائلا بفرح
: امك هتفرح اوي لما تشوفك. انت ما تعرفش اتعذبت اد ايه.

وهنا قاطع قصي حديثه وقد حمد الله بداخله للموافقته على ذلك الإجتماع. فإستخدمه كذريعة للتخلص من مقابلتها. شيئا ما داخله يرفض تلك المقابلة. وشيء آخر يريدها. وبشده. ليتحدث قائلا بحزن ومازال التحفظ بينه وبين منصور باقيا.
: انا آسف مضطر امشي دلوقتي. عندي اجتماع مهم في الشركه لازم احضره بعد دقايق...

نظر له منصور وقد تلاشت ابتسامته يومأ له بقلب منكسر. تركه قصي معتذرا ثم ركب سيارته آخذا معه قلب وروح ونظرات ابيه اللتي تعلقت بالسيارة حتى اختفت من امامه. وقف حائرا. لن يترك الوضع هكذا. عليه ان يلملم ذلك الشتات. سيجمع شمل أسرته. سيصلح ما افسدته هي. سيضم ذلك النسيج الممزق ببعضه بعضا و من ثم يحاول إصلاحه. تنهد بابتسامة واسعة. عندما لاحت بداخل رأسه فكرة ما. سيبدأ بضم النسيج. و سيعلم خبايا وأسرار ومتاهات ولده. عن طريق قلبه. وخطة صغيرة. خطة إيجابية. ومكالمة هاتفيه لحياة اللتي قد لاحظ هو ان قلب ابنه بين يديها قائلا.

: حياة. عاوزك تروحي الشركة تاخدي عقود الشراكه من سناء وتروحي بيها شركة الزيني. هنمضي الشراكه معاهم.
واغلق الخط متنهدا ببهجة داخليه وبصيص امل.
تلقى مكالمة اخرى تلك المره من شريف يخبره بما جعل قلبه ينتفض من بين ضلوعه خوفا عليها قائلا
: منصور بيه. مدام حنان في المستشفى عاوزة تدخل لناهد. انا خايف تفقد السيطرة او تتهور
صك على اسنانه غضبا و عيونه تحولت الى ظلام فجأة متحدثا من الجهة الآخرى.

: دخلها يا شريف. سيبها ما تخافش. حنان مش هتأذبها
وانا جاي حالا.
اغلق الهاتف يركب سيارته سريعا يتجه بها نحو ذلك المشفى الذي بصدد صدمه. صدمه كمواجهة فيضان نهر ما مقابل انفجار بركان...

صراخات متأوهة يخرجها آدم من حنجرته. ونظرات عتاب صامته توجهها تفيده الى حمزه. الذي بدوره احضر حقيبة الإسعافات لمداواة صديقه. او بالأحرى لإصلاح ما اتلفه بصديقه. توجه حمزة ناحية آدم الجالس على كرسي ما. يجذب رأسه اليه بعنف مما جعل آدم يتألم صارخا. نظر حمزه له بإزدراء يضمد له جروح وجهه يضح له دهان ما على جرحه قائلا بتهكم
: تعالى كده. بحطلك أغلى نوع مرهم عندي. ما بطلعهوش غير للبهايم.

لكزته تفيده بعصاها تنهره قائله
: ولد. عيب كده.
ليرد عليها حمزة وهو مازال يداوي جراح رأس آدم
: بس يا تيتا. انا عارف الأشكال دي كويس.
نظرت تفيده الى آدم بزهول قائلة بحنق
: انا عاوزة اعرف دلوقت انت ساكتله ليه.؟
نظر لها آدم يمسك بفكه من شدة الألم قائلا بتأوه يمرر نظره بينها وبين حمزة
: سيبيه. سيبيه يا طوفي بكره يندم على اللي عمله ده.

ضغط حمزه على جرحه أكثر، عن قصد. فثرخ آدم، لتزفر تفيده بإعتراض تترك لهم المكان خارجه تسب حمزه بصوت عال
ترك حمزة آدم بعدما انقذ ما يمكن انقاذه من وجهه. ثم التقط باقة الورود من جواره يلقيها بوجهه قائلا باستنكار
: وايه ده؟ ورد؟ رايح تخطب.؟

ثم تركه ذاهبا يتجه إلى الشرفه. اخذ آدم ينظف وجهه وشعره من اوراق الورود العالقة بهم يبتسم بخبث وقد أيقن ان صديقه غارقا في دوامة ما. لا نجاة منها. تسمى العشق. ذهب خلفه وجده يربع يديه مستندا بها الى سور الشرفة. ليكبح ابتسامته بصعوبة. متحدثا ينظر اليه بخبث
: وفيها ايه لما أخطب يعني. انت تكره؟
عض حمزه على شفاه السفلى بغيظ. ينظر له بغضب. يكور يديه في وضع اللكمة قائلا.

: ما انت لو فيك حته تتضرب كنت عرفتك احب ولا اكره
نظر له صديقه بإبتسامه. فزفر حمزة يغضب ينظر من خلال الشرفه مرة اخرى. فتخدث آدم قائلا بنبرة هادئه
: بتحبها.؟
شرد حمزه للحظات ثم نظر له بجانب عينيه قائلا
: ما لكش دعوة.
وقف آدم يصطنع تعديل ملابسه بفخر وقد وصلت له الإجابة منذ وقت قصير. وصلت له بطريقة عنيفه سيتذكره بها دائما.
: ماشي. تبقى تختار مابيننا بقى. وعلى فكره هاتخترني انا.

وقبل ان يكمل كلمته. باغته حمزة بضربة قاضية. ضربة جعلت صرخات آدم تدوي كلحن عذب على مسامع حمزه. حيث هي ضربة حره مباشره من قدم حمزه الى مكان محظور. مابين قدمي آدم. لينظر له الأخير يجثو ارضا يتلوى ألما. تواجهه نظرات حمزه المتشفيه قائلا بإبتسامة منتصره
: وريني بقى هتختارك كده إزاي...
ثم تركه غير قادرا على تحريك نفسه او الوقوف على قدميه خارجا من الغرفه...

وصلت سيارة الأجرة امام باب الشركة لتنزل منها تلك الفتاة الفاتنة. ديما. بخطوات مدلله صعدت الدرج تسأل على مكتب المدير. وصلت الى المكتب تحدث السكرتير قائلة بلهجة مصرية تتقنها جيدا.
: عايزة اقابل قصي الزيني.
نظر لها السكرتير بدهشة لمظهرها العير لائق ثم رد قائلا بروتينيه تناسب عمله
: في معاد يا فندم.
: لاء. بس قول له ديما و هو هيعرف
اخبرها بالإنتظار للحظات ليخبر قصي...
بداخل المكتب.

جلس كمن يلتقط انفاسه. يعيد شريط تلك الصدمات بداخل رأسه. له أب آخر. وأم اخرى. امه الحقيقية. لكنها تشبهها. وكثيرا. أخذت افكاره تركض بداخل رأسه ذهابا وإيابا. هل تحمل نفس طباعها. ام تختلف؟ هل تتسم بنفس سواد روحها. ام تختلف؟ يخاف بشده الإقبال على اختبار هذا بنفسه. يرهب وبشده مواجهتها. فلو كانت مماثلة لها ما فائدة معرفته بحقيقة انها ليست امه. قاطع افكاره دخول السكرتير قائلا بما جعل افكاره تتخبط بداخل رأسه.

: في واحده بره طالبه تقابل حضرتك يا فندم اسمها ديما
ضيق ما بين حاجبيه بتعجب. سرعان ما تذكر مراد وعمر وتسجيلات الكاميرا و الفيديو الخاص بأخيه. وبلهفة داخليه وخوف أخوي اخبره قائلا
: خمس دقايق ودخلها. وبعدين روح الحسابات هاتلي الاوراق اللي طلبتها منهم.

أومأ له السكرتير خارجا. لينهض قصي يتجه نحو المرآة بجوار مكتبه يعدل من مظهره. يرسم على وجهه تلك الابتسامة المزيفة اللتي يختبأ خلفها حزن وجهه الحقيقي وروحه المتألمة. ثم رجع الى مكتبه مرة أخرى يجلس عليه بشموخ يليق به. فدخلت هي بترقب تنتظر ان تطابق أقوال مراد لها بمعالم وجهه الآن. و وجدته يبتسم. فابتسمت باتساع تركض ناحيته تلف يديها حول رقبته في عناق. شعر وكأنه يختنق. يريد دفعها. وكأن احدهم يجثم على صدره يمنعه من التنفس. لكنه سيتقن دور الحببب من أجل أخيه. وبنبرة جامده خاليه من اي أنواع المشاعر لم تلحظ هي جمودها قال.

: وحشتيني. ايه المفاجأة الحلوة دي؟
و بدلال فطري. وتنهيدة حاره منها نفرت منها مشاعره.
: بجد وحشتك.؟
اومأ لها على نفس ابتسامته فأردفت وهي تنظر الى عيونه مباشرة تسبل له عيونها قائلة
: مش أكتر مني. انت وحشتني اوي اوي
ثم اردفت بابتسامه عاشقة بما جعله يدفق عليها من جرعه الحب والمشاعر المزيفه
: انا بردو قولت قيصو حبيب قلبي ما يعملش كده. وان مراد كداب. وبيعمل كده علشان يفرقنا عن بعض.

شدد من احتضانه لها بحنان بعيون تلتمع للمزيد من المعلومات قائلا بنبرة هادئة
: ومراد كداب ليه. قال لك ايه؟
وضعت رأسها على كتفه ترد قائلة
: قاللي انك عرفتني تسليه مش أكتر.
وهنا تخبره نصف الحقيقة. اخفت عنه معرفتها بحقيقة انه تعرف عليها ليبعدها عن أخيه. ظنا منها انه غافل عنها لا يعلمها. ثم اتسعت عينيها تهتف له قائلة
: صحيح. ده قاللي كلام غريب اوي.
نظر لها بترقب ينتظر خروج الكلام من فمها لتردف قائلة بتعجب.

: قاللي هتنزلي تلاقي حبيب القلب مشرف في السجن. واني مش هيبقالي في الآخر غيره.

التمعت عينه يربط الخيوط ببعضها بعضا. ايقن الآن انه لا أحد سواه من خطط لدفعه إلى السجن. وقد اتخذ اخيه وسيله لذلك. لكن لماذا يصغي عمر اليه؟ ما الذي يدفعه لفعل ذلك به؟ يعرفه جيدا. من المستحيل ان يسعى لأذيته. حتما هناك كارثة تدفعه لفعل ذلك قسرا. عليه التصرف سريعا. نظر لها يسبل عينيه يبتسم بحب زائف يرفع شعرها خلف اذنيها قائلا
: وقالك ايه كمان.؟

ابتسمت ابتسامة واسعه تضع رأسها على صدره متنهدة بحب قائلة بدلال
: قاللي اني بحبك مووووت.

ضحك باصطناع سرعان ما اتسعت نظرة عينيه بصدمة. يتصلب جميع جسده. يخفق قلبه صارخا وكأنه على وشك الموت. عندما اتجه نظره الى باب المكتب وجدها. تقف في حالة زهول تتسع عينيها بعدم تصديق. وقد اخذت الدموع تكيل لها الوخذات بداخلل عينيها. تنظر لتلك اللتي تستقر بأريحية تامة داخل أحضانه بزهول. اهي حبيبته. ام زوجته.؟ ليدفع قصي ديما وكأنها وباء يريد التخلص منه. نظرت له الأخيرة باستغراب لردة فعله تلك. اقترب قصي بخطوات سريعه باتجاه حياة. اللتي جاهدت كمن يحاول دفع جبلا ما إلى الأمام. بصعوبة بالغة أخفت ذلك الشعور بتلك النيران بداخلها. او هكذا ظنت. تريد البكاء والصراخ معا. قلبها يخفق بشدة وكأنه ينهرها على تحرك مشاعرها تجاهه. نظرت ارضا كي تخفي عنه تلك الدموع اللتي ابت ان تصغي الى توسلاتها بعدم الظهور. وبصوت خافت جاهدت في خروجه قالت بتلعثم.

: آسفة اني. اصل. ما لقيتش حد بره.
هم بالرد عليها بلهفة. ونظراته تتوسلها. ارجوكي لا تصدقي. سأشرح لكي حقيقة الأمر. لكن قاطعه صوت ديما الآتي من خلفه وقد ظنتها إحدى موظفي الشركه. تنهرها بنبرة متعاليه
: ما لقتيش حد بره يبقى تقفي مكانك. مش تدخلي كده من غير استأذان.
لم تستطيع كبح جماح دموعها بعدما قالته لها تلك الفتاة المجهولة من وجهة نظرها. فالتفت قصي الى ديما زاعقا ينظر لها بحدة قابضا على يديه بشده غضبا.

: ديما، انتي ازاي تكلميها كده؟
وبنظرات متعجبة لغضبه نظرت له تلك الديما. سرعان ما تورات خلف عيون مستعطفة ونظرات حمل وديع تقترب منه برقة مصطنعة وخطوات مدللة.
: آسفه يا بيبي.
وما ان همت بالإقتراب اكثر من اللازم و وضع يديها على وجنته حتى ابتعد عنها خطوة الى الوراء ينظر لها بنظرات حادة كالسيف قائلا
: اعتذري لها فورا
ابتسمت بسخرية تمرر نظرها بينه وبين باب المكتب قائلة
: اعتذر.؟ اعتذر لمين؟، دي مشيت من بدري.

التفت ينظر الى باب المكتب فلم يجدها ليوجه نظراته الغاضبة بحنق تجاه الواقفة امامه ثم تركها راكضا خلف حياة يتبع أوامر ذلك النابض بداخله صارخا يحثه على اللحاق بها وتوضيح الأمر لها...

جلست بالسيارة جواره. تغط في نوم عميق. قد غلبها بعد صراع كاد ان يكون حربا معه. فهي تقريبا لا تنام سوى ساعات قليلة جدا في اليوم كله. رأسها يتدلى ناحية اليمين تستند به إلى باب السيارة تحتضن بين يديها ذلك القفص الذي يبدو انه يعني لها الكثير. مرر سالم نظره بينها وبين الطريق. كم بدت ضعيفة للغاية. هشة كقطعة قطن ناصعة البياض. وللحظة. شعر فيها بتأنيب الضمير. مجرد شعور عابر توارى خلف طمعه وإصراره على الحفاظ على ميراث اجداده. شعور اتقن دفنه جيدا. التقط هاتفه يحدث أخيه قائلا.

: ايوه يا اسماعيل، لع جدامي ساعتين بالكتير.
هم الصمت قليلا ينظر الى النائمة بجواره مردفا
: كل حاجه جاهزة.
ليأتيه صوت اسماعيل من الجهة الأخرى قائلا بفرحه
: ايوه كله تمام. وجدتك عتملى الدنيا زغاريط
ليصل الى مسامعه صوت جدته بزغاريد الفرحه. ابتسم بفرحه لسعاده جدته. فهو يحمل لها مقدارا كبير من الحب والإحترام بقلبه. وبمناسبة ذكر قلبه سأله لا إراديا قائلا
: وجمر كيفها. هتعمل ايه كمان.؟

فرد عليه أخيه بتلقائية من الجهة الأخرى
: جمر حابسه نفسها في أوضتها. مرات عمي بتجول محمومه.
ضيق ما بين حاجبيه لا يدرك ذلك الشعور الذي يقرب الى الزلزال بالمشابهة. غافلا عن فهم خفقات قلبه الصارخه. وكأنها تناديه ان يلتفت لها. تنعته بالحماقة لعدم إدراكه. ان يشعر بها. ان يصنف تلك النبضات. يضعها بالمكانة اللتي تليق بها. مكانة العشق. فتحدث قائلا
: محمومه كيف يعني.؟ وكيف ما بعتوش للحكيم ياجي يكشف عليها.

رد عليه أخيه قائلا
: مرات عمي جالت هتعملها حاجه تشربها. وهتبجى كيف الحصان. ما تجلجش انت. وما تعوجش.
ثم اغلق الهاتف يزفر بضيق جاهلا مصدره. ينظر مرة أخرى الى سارة يراوده ذلك الشعور بالحقارة لما سيفعله. لكنه مضطر لذلك. ظنا منه انه هكذا سيحافظ عليها وعلى ميراثها...

بخطوات بطيئة. وقلب يحثها على عدم المضي. وعقل تراوده الأفكار بأن كل ما يحدث حولها مجرد كذبة. او كابوس مزعج. لكنه طويل. طال لمدة سنوات. كانت تتمنى ان تفيق منه. اما الآن عندما فاقت على صفعة حقيقة اسوء منه. ادركت الآن انه كم كان الكابوس رحيما بها. دلفت الى غرفة العناية وقوة ما تدفها الى الخارج. ابتلعت غصتها تقترب من ذلك الجسد الضئيل. وذلك الوجه اللذي يختفي تحت عدة اسلاك وخراطيم. وزلزال. وخطوات مترنحه. وكأن تحت قدميها فقط زلزال يفقدها السيطرة على جميع جسدها. عندما رأت اختها امامها. بعد كل تلك السنوات. كانت تظنها ميته. كانت تتصدق رحمة على روحها. شقها الآخر. اللتي كانت تظنها غادرت الدنيا وأخذت معها كل ما هو جميل. لتكتشف انها غادرت. لكنها لم تغادر الحياة. و لم تأخذ معها فقط كل جميل. بل أخذت روحها. بقبضة من نار انتزعت قلبها من جوف صدرها عنوة. وضعت يدها على فمها تنظر لها بزهول. لم تستطيع الوقوف على قدميها فجثت ارضا جالسه على ركبتيها وشلالات دموع تكاد تغرقها. وقلب يدمى. ينزف نارا. نارا تؤلم. تؤلم كثيرا ما بداخلها. وما إن استطاعت الوقوف حتى تقدمت من ذلك السرير الراقده فوقه هي. تغلق عينيها بقوة ثم تفتحها لآخرهما مزيلة تلك الدموع اللتي تشوش رؤيتها حتى تتأكد من انها تراها. اقتربت تتلمس بأطراف يديها الفراش امامها. تبكي بنحيب. كالأطفال. هي. توأمها. كيف فعلت؟ كيف فعلت هذا بها.؟ ببكاء حارق. اخذت تردد بحروف من ألم.

: ليه.؟، ليه يا ناهد. ليه عملتي كده.؟
جلست ارضا مرة ثانية تتحدث وكانها تراها وتسمعها
: انا عمري ما عملت فيكي حاجه وحشه. عمري ما آذينك
. طول عمري بحبك وبفضلك على نفسي.
تحركت عيونها في كل الإتجاهات تتسع لآخرهما. تحولت نبرتها إلى صراخ. ينبع من روحها الممزقة. من قلبها المكتوي بنار فراق ام لولدها الوحيد
: ليييه. ليه ابني. بتاخديه مني ليييه.؟

وببكاء حار. و تهدج نبرة صوتها، بصوت منخفض مرة آخرى تحدثت تطرا برأسها ارضا
: ليه يا ناهد. ليه ده انا ما عنديش غيره. ما كانش عندي غيره. بتاخديه ليه.؟ بتحرقي قلبي عليه السنين دي كلها ليه. عملت لك ايه.؟

والممدده امامها. غافلة عن نيران قلبها المحترق. غارقه بعالم آخر. يوازي لونه سواد قلبها، اندفع الى الداخل يركض نحوها يرفعها عن الأرض. لتطيعه دون النظر اليه. ثم ترفع نظراتها اليه بتيه وما إن رأته حتى غرقت بدوامه بكائها تطلق آهات حارقة. علها تعبر عن ما بداخلها من ألم. ضمها منصور الى صدره بشدة يبكي بدوره. يربت على ظهرها يهدأ من روعها. ثم نطق بما جعلها تكف عن البكاء وتنظر اليه بعيون متسعه تمسح دموعها بعنف و شهقات متتاليه تخرج من جوفها تكاد ان تتوقف انفاسها لها.

: ابننا عايش. مش عايزة تشوفيه.؟
نظرت اليه بزهول تبتسم وتضحك وتبكي في آن واحد تومأ له عدة مرات متتاليه بلهفة وشوق. ليردف بابتسامه شقت مجرى الدموع قائلا ببكاء حار
: انتي شوفتيه فعلا.
ثم صمت. وسكنت هي عن الحركه. عكس قلبها الذي يخفق بعنف شديد. تنظر اليه بزهول مترقب. أرأيته؟ اين. ومتي.؟
ليردف قائلا
: فاكرة اللى قدمتيله القهوة اصبح.

اخذ صدرها يعلو ويهبط تتنفس بصعوبة وكأنها تركض خلف احد ما. وضعت يديها على فمها تكتم شهقة يتعدد تصنيفها. شهقة فرح. وصدمة. شهقة جعلت من خفقات قلبها ان تتوقف تماما. ثم اعادت له الحياة بخفقات متراقصة. عندما اردف منصور ببكاء لم يستطيع إخفائه
: ابننا اللي انتي قدمتيله القهوة الصبح يا حنان.
ازداد نشيج بكائها. ثم رفعت رأسها إليه تسأله بقلب يرتجف. يتعطش لرؤيته. وعيون تتلهف لإحتضان ملامحه.

: راح فين. هو فين يامنصور. كفاية بقى. كفاية عاوزة اشوفه. المسه. نفسي احضنه يامنصور. نفسي احضنه.
أومأ لها منصور يمسح عينيه بابتسامه يجذبها معه خارجا من الغرفة. وما إن خرجا حتى أتت جميع شياطين الأرض. أكثرهم فسادا. وأبرعهم شرا. جميعهم يتجسدون في مكان واحد. نظرة عينيها. عندما فتحتهما مرة واحدة بعد خروجهما من الغرفه واستماع آخر حديثهما...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة