قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والعشرون

ركض قصي الى خارج المكتب تحت عيون ديما المتعجبة.
وما إن وطأت قدمه خارج المكتب لمحها تقف بجوار مكتب السكرتير. بعيون عالق بها بقايا دموع اجادت اخفائها. لكنها لم تخفى عليه. وقفت بثبات تتحدث بعملية تامه. تمد يديها بالأوراق الخاصة بالشراكة قائلة
: انا جيت بخصوص عقود الشراكه اللي حضرتك طلبتها من خالو.
ابتلعت لعابها بإحراج ثم أردفت
: قصدي منصور بيه. ياريت حضرتك تراجعها قبل ما تمضي.

ابتسم ابتسامة هادئة يلتقط منها الأوراق يدنو مستندا الى المكتب بجواره يمضي على كل منها دون النظر إلى محتواها. تحت نظراتها المستغربة. انتهى من جميع الأوراق ثم استقام يناولها اياهم بإبتسامة صافية
: أنا موافق على كل الشروط من غير ما اعرفها.

والنبرة تحمل معنى آخر غير الشراكه. هو غير قادرا على فهم تلك الأحجية. تلك الصدف اللتي أوقعت بها امامه ليكتشف كل تلك الحقائق. اي حياة هي. فاق من شروده بها عندما حمحمت بإحراج تأخذ الأوراق من بين يديه قائلة
: متشكره يا باش مهندس. حضرتك تقدر تشرفنا في الشركة في أي وقت. عن إذنك.

وهمت بالذهاب. لتتفاجأ بمن يمسك بمرفقها ينظر إليها بمعالم وجه غير مقرؤه. لكن عيناه. تحمل اطنانا من الحزن وشيء آخر لم تستطيع هي تفسيره. التفتت له تجذب مرفقها برفق. فتنهد بثقل يعتذر لها قائلا وهو يشير إلى غرفة مكتبه
: انا آسف. هي ما كانتش تعرف انتي مين.
هناك شيء ما بداخل صدرها يؤلمها. شعور غريب يسيطر عليها لا تستطيع تصنيفه. حزن. غضب. ألم. ابتلعت غصتها ترد قائلة.

: انا اللي آسفه. المدام معاها حق. انا كنت مفكره ان حضرتك لوحدك.
وبإحراج تام تمنت به ان تختفي الآن من امام عينيه. تنعت نفسها بالحماقة لما تفوهت به. ماذا سيظن بها الآن؟ فأردفت تبتلع ريقها بتلعثم إثر توترها وإحراجها
: اا قصدي. مش لوحدك يعني. ااا
ابتسمةبداخله لينتشلها تبعثرها ذاك. قائلا بتفهم يرفع كف يده امامها
: فاهم فاهم.
ثم اشار الى مكتبه كمن يسرع لإسقاط تهمة ما عنه مردفا
: بس دي مش المدام.

وتساوا في الحماقة الآن. حيث نظرت اليه متسعة العينين. ما كنيتها إذا.؟ وقد ولد داخلها توا شعوران. احداهما الفرح. والآخر غضب. وفي قاموس حواء ربما كان له مسمى آخر. نظر إليها حائرا. أراد اسقاط تهمة انها زوجته عنه فزداد الأمر سوءا. بنظرات مزهولة تنتظر تفسيرا لما رأت نظرت حياة اليه. سرعان ما استدركت نفسها سريعا لتنظر أرضا. وقد طغى شعور الغضب على جميع حواسها. فردت قائلة باقتضاب وهي تتجه الى الخارج.

: انا لازم امشي. عن إذنك
لم تنتظر ردا منه. تركته ذاهبة بخطوات تكاد تكون ركضا الى خارج الشركه. مسح قصي على وجهه بعنف. جميع جوارحه تريد اللحاق بها. أخذها و الهروب معها وفقط الى مكان خالى من هؤلاء البشر. لكن جزء ما صغير بقلبه يحتم عليه البقاء وارتداء ثوب العاشق المزيف. جزء لن يستطيع التخلى عنه. ومن أجله فقط سيترك الفرار ورائها. ويعود الى مكتبه إلى تلك اللتي بمثابة مفتاح وجود أخيه...

استيقظت من غفلة لا بأس بها. اتسعت عينيها للحظات لإدراك الأمر سرعان ما تذكرت السفر وذلك الذي بجوارها يبث بداخلها خوف تجهل مصدره. يعاملها بلطف. لكنها لا تدري لما تلك الريبة اللتي تنتابها ما إن تراه. تأففت بضيق تسب نفسها بداخلها على ذلك الوضع المحرج. فهي لم تنم جيدا ليله أمس. لذا قد غلبها النوم ولم يجد مكانا و وقتا افضل من ذلك. تفاجأت به يوقف السيارة. وينظر لها بإبتسامة غريبة. وكأنه حصل على شيء ما بعد طول انتظار. نظرت حولها باستغراب وقلبها يكاد يتوقف إثر شدة خفقاته بعنف. ثم التفتت له قائلة.

: في ايه. وقفت ليه؟
اخرج مفتاح السيارة يرد عليها نازلا منها قائلا
: حمدالله على السلامه يابت عمي. وصلنا.

اشتدت خفقاتها أكثر. وخوف شديد سيطر على جميع أطرافها حتى أنها باتت لا تقوى على النزول. ابتلعت غصة ما بصعوبة. تتنهد ببطء شديد. تحدث نفسها. انها على مشارف مشاعر تمنتها كثيرا. لما الآن لا تريدها. تريد فقط الرجوع الآن الى منزل منصور وحنان وصديقتها. بل تريد شيئا آخر. تريد البكاء. نعم. تريد البكاء الآن كطفل تائه فقد امه. وبأطراف مرتعشة. نزلت من السيارة. يعلو صدرها ويهبط اثر تلك الرهبة مما هي مقبلة عليه. تذدرد ريقها من حين لآخر بتوتر. تحتضن ذلك القفص بين يديها وكأنها تحتمي به. تتقدم بخطوات ثابته. وانهيار داخلي تحاول السيطرة عليه بكل قوتها. هل سيحدث شيئا إذا ركضت الآن الى اللا مكان. فقط بعيدا عن تلك الطاقة السوداء اللتي تشعر بها. لا تريد الدخول. وأثناء تضارب افكارها وجدت نفسها داخل المنزل. امام اشخاص تجهل هويتهم بالنسبة لها. تمسكت بالقفص تحتضنه بقوة وكأنها تستمد منه الأمان. سيدة عجوز تجلس على كرسي متحرك تومأ لها بلهفة لتتقدم إليها. تنظر لها بحنان بالغ. ورجل يحاول ألا تصتدم عيونه بعيونها. وكأنه يخفي بها شيء ما لا يريدها معرفته. وسيده أخري تبتسم لها بود. وفتاة جميلة. تنظر لها بوجوم. و شيئا آخر لم تستطيع تفسيره. انتبهت من تحديقها بهم على صوت تلك السيده العجوز تمد ذراعيها في الهواء تشير لها بالإقتراب قائلة بدموع تتساقط وكأنها تتسابق مع بعضها بعضا.

: تعالي. تعالي يا بنت الغالي. تعالي في حضن جدتك.

وضعت سارة العصفور بجوارها أرضا برفق. لا ترى سوى يدي جدتها اللتي تفتحهما لآخرهما ترحيبا بها. تقدمت ببطء نحوها حتى وقفت امامه. دنت جالسه على ركبتيها وعيونها قد بدأت تفيض بالدمع بدورها. معلقة بعيون تلك العجوز. و إحتضان أشبه بتضارب موجه ما الى صخرة قاسية فتفتت ذائبة من فرط الحنان. وبكاء هيستيري مع أول تربيته من الجده لها وأول شعور بالحنان والدفء الذي من حقها. تجهش في البكاء بآهات تألم لها جميع الواقفين حولهم. حتى تلك اللتي تحترق بداخلها عشقا نظرت لها بشفقة وقد دمعت عينيها. وهناك ما لم يستطيع الوقوف أكثر فخطى خارج المنزل متحججا بإحضار الحقائب. انتهت وصلة العناق والقبلات. من الجده. وما زالت سارة تجلس أمامها تشهق شهقات متتاليه تمسح عيونها اللتي لاتزال معلقة بها. لتتحرك فاطمة اليها قائلة بمرح توجه حديثها الى الجده.

: جرى ايه يا امه كفاية بكى عاد. ده اليوم فرح ما هيسعناش كلنا.
ثم رفعت يديها أعلى فمها تطلق صيحات من الزغاريد تعبيرا عن سعادتها بوجود سارة. نظرت اليها سارة بابتسامة صغيرة. تمسح دموع عينيها. بظهر يديها. وما ان انتهت فاطمه حتى جذبتها الى داخل احضانها مرحبة بها
: نورتي بيتك يا حبة عيني. حمدالله بالسلامه
شكرتها سارة لتنتقل بنظرها الى اسماعيل بتسائل. فردت فاطمة تخبرها قائلة.

: ده واد عمك اسماعيل. واخو سالم. اصغر منه بهبابه
أومأت له سارة مبتسمة من بين دموعها. ليقابل ابتسامتها بآخرى واسعه. مرحبا بها قائلا
: نورتي بيتك يا بت عمي. حمدالله بالسلامه
لتنظر أخيرا الى قمر اللتي تغوص في تفاصيلها. وجهها. عيونها. فمها. قوامها. وهيئتها كليا. مقارنة بها. غافلة عن حديثها اللتي توجهه إليها عندما إخبرتها فاطمة انها قمر ابنة عمها وابنتها.
: إذيك يا قمر.

قالتها سارة بترحيب. تمد يديها لها. والأخرى شاردة بتفاصيلها. لتنتبه عندما لكزتها والدتها برفق توجه حديثها الى سارة قائلة
: وه. سلمى على بت عمك يا جمر يا بتي. معلهش يابتي اصلها كانت تعبانه جوي من الصبح
نظرت لها سارة قائلة
: الف سلامة عليكي.
لتبتسم لها قمر بارتعاش. تمد لها يديها. فمدت سارة يديها مستغربة عدم الرد عليها. وقد صنفته قلة زوق
لتتجاهلها تماما. وتغرق الأخرى مرة ثانية بتفاصيلها.

دخل سالم من باب المنزل بشموخ ينادي الخادمة
: يا ام السعد. يا ام السعد
فأتت الخادمة سريعا تهرول الى سيد عملها فأردف
: خدي سارة عرفيها أوضتها ترتاح من السفر وتغير خلجاتها.
أومأت له الخادمة تلتقط الحقائب من الأرض تصعد الى الدرج وخلفها سارة. اللتي توقفت فجأة لتعود مرة أخرى متذكره عصفورها. تنظر إليهم بإحراج شديد. ملتقطة اياه تستأذن منهم بخطوات سريعة للحاق بالخادمه.

ليتبادل كل من سالم وإسماعيل نظرات ذات مغذي. غافلين عن تلك العيون اللتي تمرر نظرها بينهم تقرأ حبل نظراتهم وما يحمله من معان...

جلس على مقعد مكتبه يستند برأسه على ظهر المقعد ناظرا الى سقف الغرفة بإنهاك. لم يكن انهاك جسدي. أكثر من كونه نفسي. هل يمكن في لحظة واحدة ان تتغير الأشخاص بهذه الطريقة. ان تتبدل الأدوار بهذا الشكل. هل يعقل كل ما يحدث له منذ ان وطأت قدميه ارض تلك البلد. ماذا سيكون مصيره بعد الآن. هل سيعود. سيظل. ماذا سيكون مصير أخويه. ابتسم بسخرية عندما ذكرهم بأخويه. ماذا ستفعل يمنى الصغيرة اللتي هي بمثابة ابنته. امها على أعتاب موت محقق. و والدها ربما يسجن لا يعلم. لكن ما يعلمه ويدركه جيدا. انه من المستحيل ان يتركها بمفردها في تلك الحياة. وعمر ترى ماذا ستكون ردة فعله بعدما يعلم انه ليس بأخيه. لا يهم. ما يشغله الآن هو إيجاده وتخليصه من مراد. وستكون ديما هي الطعم الذي سيصطاده به. رن هاتفه فجأة فالتقطه وهو مازال على وضع جلوسه يرد. ليأتيه الصوت من الجهة الأخرى قائلا.

: ايوه يا باشا. وصلت الفندق دلوقتي. وفي واحد دخل وراها على طول.
ايقن تماما انه مراد. فقد صدق ظنه. هو من بعثها إليه. تحت مراقبته. فحتما سيظهر لمقابلتها. فرد قائلا للذي معه على الجهة الأخرى
: خليك وراه. زي ضله. شوف هيروح فين وبلغني فورا.

أغلق الخط متنهدا بثقل ينظر الى سقف الغرفة شاردا مرة أخرى ليتفاجأ بصوت باكي. ونبرة جلبت له العديد من الومضات امام عينيه. وانتفاضة من على مقعد مكتبه. وعيون نظرتها زهول ينظر بها إلى تلك النسخة الشيطانية اللتي عاش معها كل عمره. عندما تحدثت حنان قائلة بعيون تنهمر منها الدموع كشلالات لا أول لها ولا آخر
: مازن.

وهي بصدد لقاء تأخر سنوات، سنوات وهي تدعو الله ان يرده اليها سالما، ان يقر عينيها برؤيته مرة أخرى، ولدها الوحيد تنظر إليه مباشرة تضع يديها على صدرها يهيأ لها انها بهذه الحركه ستهدأ من خفقات قلبها فقد المها من شدة خفقاته لا تستطيع الانتظار اكثر، تتسع عينيها وتتشوش الرؤيا بغيمة من الدموع لتغمض عينيها بقوة وتفتحهما مرة اخرى. فلذة كبدها على مرئى من عينيها. يقودها قلبها قبل قدميها تتقدم لا اراديا نحوه خطوة فتحقق النظر اكثر لاتصدق انه هو. والثانيه تتاكد من ملامحه. اللتي لاحظت الآن انه يشبه كثيرا منصور. والده. نظرته ووجهه وطلته التي اثلجت قلبها المحترق بفراقه والخطوة الثالثة كانت ركض. ركضت ناحيته والملهوف قلبها. تتعطش أحضانها للإرتواء من ضمته إليها. وفجأة وقفت أمامه. كالطفل الصغير عندما اشار لها بالوقوف. لهفة وشوق أوقفهما هو ببرود وقسوة. لتقترب منه و روحها تنزف. عيونها تدمع. قلبها يصرخ طالبا لمسة واحده منه. اقتربت ببطء أكثر. وقد لاحظت ذلك الجفاف من ولدها ناحيتها. وقفت امامه مباشرة تنظر له كليا. والى كل تفصيلة به. لترفع يديها قرب وجهه. بشلالات دموع تنهمر من عينيها. تتلمس بأطراف أصابعها وجنته وما إن لمسته حتى اجهشت في بكاء مرير. تنتحب تشهق شهقات حارقة تزيد من شروخ روحها قائلة.

: مش أنا. أنا مش هي يا مازن. أنا امك يا حبيبي.
شيئا ما يدفعه مكيلا له وخذات آلمه بداخله يجبره على الإقتراب منها وإلقاء نفسه بين يديها ببحور حنانها. و صوت يتضائل. ينهاه عنها وكأنها ستأخذ روحه إذا احتضنها. صوت يتضائل شيئا فشيئا مع لمستها له. لتردف من بين بكائها
: كنت حاسه. كنت عارفه انك عايش. وبدعي ربنا دايما يردك ليا تاني.
وابتسمت من بين دموعها مردفة
: و استجاب لدعايا. كنت متأكده انه هيستجاب ليا.

سينهار باكيا. يحاول بل يجاهد بكل قوته على التماسك. ربما تكون مثلها. بل ربما كانت هي. وباليد الثانية احتضنت وجنته الأخرى وكأنها قرأت افكاره قائلة وهي تفقد توازنها امام عينيه.
: والله العظيم انا مش هي. انا امك. مش هي.

وانهارت وانهار معها آخر حصن لديه. سقطت أرضا شبه فاقدة للوعي. ليتلقفها هو بين يديه مانعا إرتطامها بالأرض. وهنا حضرت اللهفة. وبدأت عيونه بذرف دموع يجهل مصدرها. لم يبكي امام احدا يوما قط. لكن الآن وامامها يبكي. اسرعت تجذبه الى داخل أحضانها ببكاء حار.

انثنت شفتيه للاسفل كطفل صغير ضل امه ووجدها اخيرا ضل امانه ووجده في ضمة منها ليطلق آه ارتياح وهي. هي تبكي تنتحب وتبا لتلك الدموع التي تعوق مرئى وجه صفيرها. آهات وبكاء ودموع يذرفها كليهما
. تضمه اكثر واكثر تكاد تريد ادخاله لقلبها كي يصدق ويطمئن انه امامها الآن بين احضانها. والواقف امام باب المكتب يبكي بدوره. وقد أصر على عدم التدخل.

بعد بعض الوقت. استقام ناهضا أخذا يديها لتنهض بدورها. تتشبث به بقوة. لا تريده ان ينفك عنها. ان يبتعد إنشا واحدا عن أحضانها. تتمنى ان تسمع منه تلك الكلمة اللتي هي بمثابة رد روحها الى جسدها. تتلهف آذانها للاستماع اليها بعذوبة صوته. ليهدأ خافقها. يستكين بداخل صدرها بأمان تلك الكلمة اللتي هي بمثابة حياة أمي، تحدثت وعيونها معلقة به بحبل من نور. لا ينطفأ أبدا. والنبرة. لهفة.

شوق. تمسح دموعه عن عينيه بيديها. تبتسم له تارة وتدمع باكية تارة أخرى.
: فاكر يا مازن. فاكر لما كنا بنلعب سوا وانت صغير.
و تتلعثم ثم تعود للحديث بابتسامة مردفه
: طيب فاكر كنت بدلعك بقولك ايه.؟
تومأ له بتلهف عدة مرات تسأله
: فاكر.؟
نظر لها من بين دموعه. غير مبديا أي ردة فعل لتردف هي
: ميزو. ميزو حبيب ماما.
: فاكر يا أمي.

قالها بنبرة متهدجه. نبرة اعادت لها الحياة. وهدأ القلب. واستكانت الروح. فضمته في عناق حار. تطفئ به نيران شوقها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة