قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السادس والأربعون

بين مد وجزر اخذت افكاره تأرجحه. يزفر حانقا لما فعله بندم. وبعد لحظات كلما تذكر. تذكرها. يتنهد كالبركان يشتهي المزيد من الحرائق. الضمير مايزال مستيقظا. يؤنبه. والقلب مازال عاشقا. يؤلمه. والعقل توقف تماما، عند رنين هاتف واجابة منه. مكالمة من الطبيب الخاص بحالة جدته.
: دكتور حمزة. الحالة جالها نزيف مفاجئ في المخ ولازم تدخل العمليات فورا.

لفظها الطبيب بنبرة صوت اخبارية متسارعة. ليتلقاها هو بصدى بطئ. متكرر وكأن اشخاص عدة تخبره به من جميع الجهات. كانت تجري افكاره مندفعة في اتجاه واحد. الآن تشتت. تبعثرت. تناثرت يكتسحها الندم. وسؤال يطرح نفسه داخله. ( هل هذا هو العقاب؟ هل هي عقاب فعلته؟ ). ضيق عينيه بانزعاج وغضب ليس من احد سواه. ضيق ما يجثم فوق صدره. وخوف.
: انا جاي حالا. دخلوها.

بانحناء مخزي. وقهر يقسم ظهره دخل المنزل بخطوات كسيحة. يملئ الرماد ما بين يديه ووجهه. حالته يرثى لها. استقامت فاطمة من حديقة المنزل تتجه اليه متحدثة بلهفة و حزن تتبعها حور.
: ايه اللي حصل يا ولدي؟ حد جراله حاجه.؟
جلس على مقعد خشبي ما يطلق آه متعبه. ذاب لها قلب الواقفة خلفهم تنظر له بألم وصمت. استند برأسه إلى الوراء يتحدث بانهاك مغمض العينين.

: لا ماحدش جراله حاجه. بس هيجرى. هيفتحوا بوقهم لما يجوعوا وما يلاقوش اللي يسد جوعهم.
بحزن وحسرة نظرت إليه فاطمة تندب حظهم
: انت اللي عملت كده.
اعتدل برأسه ينظر إلى المتحدث بتعجب. ليكمل اسماعيل بلوم قاسي
: انت اللي جلبت لينا المصايب دي بسبب طمعك في وليه واكل مال يتيم. كنا مستنين ايه. ربنا يسيبنا نتمادى في الظلم ونتمرمغوا في حق مش حقنا؟

استقام من مكانه كمن لدغه عقرب يصرخ ماسكا بتلابيب عبائة اخيه يهزه بعنف قائلا
: انا ما اكلتش مال حد. انا كنت بحافظ على ورث اجدادنا. كنت عايزني اسيبهولها تضيعوا هي واخوها الخواجة. انا ما عملتش حاجه غير اني حافظت على املاكنا ما عملتش حاجه.

: لاء عملت ياسالم. مش اكلاكنا انت اخدت حقها منها بالغصب واتجوزتها بالغصب بعد ما هددتها بالفيديو اللي صورتهولها وانت معاها عشان تمضيلك التنازل عن الورث، يا اخي ملعون ابو الورث والقرابة والدم اللي يخلينا نفكر كده.
بحدة رد عليه اسماعيل. على مرأى ومسمع من قلب مازال يخفق حلاوة روح. وأخرى تضع يديها على فمها شاهقة تقف بشرفة غرفتها تشاهدهم بعيون مصدومة. وفاطمة تلطم خديها مما تتلقاه على مسامعها كالرصاصات.

دفعه سالم بعنف يلكزه بصدره بقسوة متحدثا بسخرية وغضب.
: بقيت دلوقت انا الشيطان وانت الملاك البرئ الطاهر اللي ما عملش حاجه ها؟ ايش حال ماكنا طبخينها سوا يا اخوي وبموافقتك على كل حاجه.
غامت عيني اسماعيل بحزن وندم. يذدرد ريقه بغصة مؤلمه وبنبرة اخف غضبا رد بحدة.

: معاك حق. انا خططت معاك ايوة. بس عند التنفيذ مااقدرتش. ما قدرتش اجي على لحمي وعرضي وانفذ. وما قدرتش كمان امنعك عنها ياسالم. انا مابقدرش ابص لنفسي في المراية يا اخوي ياكبير. ياللي خلعت توب رجولتك وعريت عرضك عشان الفلوس.
ثلاث شهقات خرجت من صدورهن في آن واحد. عندما صفعه سالم صفعة قاسية. انكس اسماعيل رأسه بغضب فمهما فعل اخيه لن يجرء على رفع يده مثل ما فعل. زعق سالم بغضب يتجه نحو مكتبه مناديا.

: محرووووس. انت يا زفت يا محروس...
ليهرول احد الغفر يدخل راكضا باتجاهه
: ايوة يا سالم بيه. تحت امرك ياسالم بيه.
امره سالم بغلق باب المكتب ليفعل محروس سريعا، ليشرع سالم في فتح خزنة مكتبه قائلا
: هديك الفلوس دي تروح طاوالي تديها للعمدة تقوله ان دي بقيت حق الفلاحين ويومين وهجيب فلوس التجار اللي دفعوها في المحصول اللي اتحرق.

بينما خارجا اندفع بطوفان غضبه نحو غرفته. وتلك الواقفة اللتي كانت تشاهد ما يحدث من الشرفة ارتعدت اوصالها تتجه إلى الداخل بارتجاف. وما ان دخلت حتى استمعت إلى صوت فتح الباب وعاصفة تعصف شرا تدخل عليها فتنحت واقفة في ركن بعيد من الغرفة تراقب حركاته العنيفة بترقب مرتاع ولا تفقه ماذا يفعل...
: هتمد يدك عليا ياسالم. انا مش قاعد وياك في بيت واحد.

اخذ يهتف بها من بين اسنانه يفتح جميع ابواب الخزانة معا بعنف وغضب يحضر من فوق ظهرها حقيبة كبيرة يعبئ بداخلها ملابسه بعشوائية. وفي لمحة منه لتلك الواقفة بارتجاف تكاد تلتصق بالحائط خلفها خوفا. حتى وجه جام غضبه إليها في نظرة. غيرت العاصفة وجهتها تجاهها. كادت تموت خوفا. بينما هو معالم وجهه مخيفة بشكل مبالغ. بخطوات سريعة اتجه إليها واشتعال حدقتيه موجه نحو عينيها اللتي امتلئت بسحابات دموع ماطرة تهطل فوق وجنتيها. اقترب منها فسريعا رفعت كلتا يديها امام وجهها بصراخ مكبوت في شبه حماية واستعداد لضرب مبرح. نظر اليهاوقد توقف فجأة وتر الغضب ماوال مشدود لكن يوازيه نظرة استغراب. لم يكن ابدا ليضربها لتكون ردة فعلها بتلك الحالة. احتضانها وطمئنتها فكرة تلوح بخاطره لكن نحاها جانبا...

لتتفاجئ به يحضر حقيبة أخرى من فوق ظهر قطعة آثاث بجوارها ثم القاها بوجهها بغضب قائلا.
: خدي. حطي هدومك في دي. هنمشي من هنا.
سريعا بلهفة مسحت دموعها. تومأ له ايجابا، تتنفس الصعداء بداخلها، تسرع بلملمة ملابسها واطاعة اوامره...

اعطى لمحروس النقود لياخذها خارجا يلبي أوامر رب عمله. تنهد سالم بثقل. ليفتح ذلك الباب الصغير بداخل الخزانة يطلع على وصية عمه الراحل اللتي يخفيها بإحكام، وورقة الزواج العرفي قسرا بينه وبين ابنة عمه سارة. ودلو ماء بارد يصبه احدهم فوق رأسه المستشيط غضبا. لا وجود للأوراق. بجنون اخذ يبحث. يخرج كل محتويات الخزنة. يفتش جيدا. لا وجود لهما. ليشرد لحظة. فقط لحظة همس فيها الشيطان له بإسم اخيه. سالم.

: بتخوني يا سالم. بتخوني.
همس بها حقدا من بين اسنانه ليخرج بخطوات تكاد تزلزل الأرض من تحتها.

تتوالى السهام المسمومة مصوبة نحو قلبها. والمميت ان من يصوبها هو ذاته من يسكنه. ان لم يفنى من السهم. سيفنى من السم. وان لم يفنى من كلاهما سيموت حتما من مالكه. في كل الحالات خافقها يحتضر. استقامت تدخل وامها مهرولة إلى داخل المنزل عندما استمعا إلى صراخ سالم زاعقا.
: اسماعيييل. اسماعيييل...

نزل اسماعيل الدرج يحمل حقيبته بين يديه. التي لم يلخظها سالم قط. هو فقط ينظر اليه ببركانية موحشة لا يرى من خلالها سوى شياطين غضبه. نزل يقف امامه مباشرة ليتحدث سالم.
: فين الوصية؟ وعقد الجواز...
رفع اسماعيل رأسه بتحدي يجيبه ببرود.
: مع صحابهم.

لكمة تتبعها اخرى واخرى، وجهها سالم لأخيه الصغير. والتوقيت رجفة قلب وهعقة متألمة. حيث كان خروجها من الغرفة تحمل حقيبة ملابسها موازيا للكمة. فاطمة تصرخ تنهيه عن التمادي. قمر تنظر إليه وكأنه من عالم آخر عالم غريبوا الاطوار.
استقام يمسح تلك الدماء المتفجرة من انفه وفمه بظهر يديه.
: بتسرقني يا اسماعيل، بتخوني. بتستعماني وتغفلني يا اخويا.؟
قالها سالم بعتاب لا يوضع موضع المعاتبة. نظر إليه ساخرا يرد.

: عشان مايبقاش حد فينا احسن من التاني. انت سرقت وخونت. وانا كمان.
دفعه ولم يلاحظ بعد الحقيبة بجواره قائلا يزعق بعنف.
: اطلع بره مالكش قعاد هنا تاني. بره.
: لو كنت بصيت للصورة كاملة. كنت هتلاقيني ماشي من غير ما تقول.
ثم أشار إلى حور التي تتعلق عينيها بعينيه في تيه تام دون وعي منها، إلى هنا وقد لاحظ سالم مع نزولها الحقائب بين يديهم. هرعت فاطمة تتوسل اسماعيل باكية.

: لا يا اسماعيل. اخوك الكبير ما يقصدش يا ولدي. ارجع ياولدي ده دارك هتروح فين.؟
: مرات عمي.
صرخ بها سالم زاعقا باعتراض. لتتجه إليه فاطمة ترجوه استبقاء اخيه.
: اخوك يا ولدي احب على يدك ماتخليه يمشي ياسالم.
: فاطمه
النداء صارم رغم تهالك الجسد. نظر الجميع إلى تلك العجوز المتحدثة ببأس يناسب نظراتها. اكملت تنظر إلى سالم بغضب.

: اطلعي حضري خلجاتنا. انتي و جمر كمان هنمشي كلنا من هنا. ماعدش في الدار راجل. نتسند عليه. هنشي كلنا مع اسماعيل...
همت فاطمة بالاعتراض لتنهرها قائلة.
: اعملي اللي قولتلك عليه يابتي. يالا.
ثم نظرت إلى إسماعيل وقد ضاقت عينيها باختناق.
: خدني بره ياولدي. ماعوزاش اجعد دجيجة واحدة في البيت ده. حساه بيضيج عليا كيف الجبر.

تقدم اسماعيل يدفع جدته بذلك الكرسي المتحرك تتبعه حور إلى الخارج. ليلتفت إلى سالم قائلا بغموض.
: انت اعمى القلب ياسالم.
ثم مرر نظراته بينه وبين قمر مردفا.
: اعمى القلب. داوي قلبك ياسالم.
بعيون متسعة تستعب الفضاء من حوله نظر إليه بتيه.

خرج الجميع. فاض به المكان. وعليه. ووقفت هي تنظر إليه وصورته تبتعد شيئا فشيئا عن نظرها. يصغر حد الاختفاء. لو كان بيديها لشقت صدرها مخرجة ذلك القلب الخائن ببقاء عشقه داخلها إلى الآن. اذدردت ريقها وهو في ينظر إليها نظرته تحاكي توسل. تفيض بإقرار عشقه لها. ( الجميع. إلا انتِ) نزلت فاطمة بصمت تام خرجت تسحب قمر من ذراعها. نظر حوله في جميع اتجاهات المنزل. فقد الجميع. كل شيء. الفراغ يلوح له من كل النواحي كالاشباح الضاله. و وميض من الحق يجاهد للإناره بداخله. حرب ما بينه وبين نفسه.

حرب عليه خسارتها كي يفوز...
حياتك بين ايديا...
هو الآن بظلمة مشابهة لتلك الغرفة المغلقة ببيت خالته امه سابقا. الان لا يمكنه اعتياد مخاوفه. لا يمكنه اظهار انه لا يبالي بفقدها. لاول مرة يقف عاجزا امام ظلمة يصعب ترويضها، المواقف تتشابه وكلها لها وجه واحد. تحكمه بها والأصل. فرط خوف. او فرط عشق لا يهم. باختناق دموع عينيها وقد سطى ايضا على نبرة صوتها.
: قصي انت ليه بتعمل كده. ليه اتغيرت.؟

الاجابة صمت يطبق فوق صدره. الاجابه جاثوم يسمى الفقد. الاجابة ايجاد حل ومجددا اقصائها عن الواجهة وتهميش محور وجودها بينهم.
: انا هحدد معاد انهارده مع والدي لكتب الكتاب. هيكون في اقرب وقت.
يحكى ان مرة من الحب ما قتل هو وهي في وضع مشابه. نبرتها تائه. حروفها تائهة. هي نفسها تائهة بين دهاليز عشقه.
: طب وانا.؟ انا ماليش رأي.؟ انت ليه بتعمل معايا كده.؟

الحنون بالفطرة يقسو. مبادئ والدته الحانية يسطو عليها آداء سودوي مظلم. ربما هو بصمة ناهد. باستخفاف اجابها.
: انا وانتي عارفين انك موافقة يا حياة. مالوش لزوم يعني اخد موافقتك تاني.
تساقطت دموعها. تريد المعنى الكامن. وهو رجل الحقائق الواضحة. رجل الظلام لم يفهم. وهي لم تتفهم. ببساطة. معادلة بسيطة جدا. يهمشها! لا يعترف بوجودها! لا يكترث لمجرد اهتمام بموافقة تطلق من بين شفتيها! ببساطة ستثبت وجودها...

: انا مش موافقة.
نظرته في تلك الحالة كانت مدمجه بالظلام. رغم اشتعال حدقتيه كانت مظلمة بوحشة.
: يعني ايه مش موافقة انت بتستهبلي.؟
زعقته وازت استقامته اللتي اصابتها برعب رجعت أثره إلى الوراء خطوتين. وهو في أهبة الاندفاع نحو الجنون. اذدردت ريقها تلتمع الدموع بليل عينيها كالنجوم. ورجفة جسدها ترافق حروفها.
: مش وافقة ياقصي ومش بستهبل. عن إذنك.
انتفض يقبض على مرفقها يلفها إليه بقسوة لازمت نبرة صوته.

: مابقاش بمزاجك. كتب الكتاب هيتحدد وهتوافقي عليه ياحياة...
نفضت يديها راكضه تتناثر دموعها حولها...
تهرب. وهو لن يدع لها حرية الفرار من بين يديه. معاملته معها تتناسب طرديا مع نص تلك الرسالة من مخيلته. يثبت لنفسه فقط ان حياته مازالت بين يديه هو، ليس لأحد آخر يجهل هويته. بينما هي تتسرب منه كالماء...
عاشق الشمس اضحى حبيس الظلام.

امام غرفة العناية وقف ينظر إلى جدته بشرود. وجمود. يتنفس الصعداء حيث مرت العملية بسلام. لكن ما زالت الحالة حرجة. حيث النتائج الفعلية ستظهر بعد مرور 24 ساعة. كفيلة بتغير مدار الكون من ليل لشروق 24 ساعة فقط. يد صديقه ربتت على كتفه قائلا بأمل.
: روح يا حمزة ارتاح. وقفتك دي مالهاش لازمة هي مش هتفوق دلوقتي. اتعشم في ربنا خير يفرحنا بكره بقومنها بالسلامة.

تنهد بثقل، بتعب، ينفذ كلام صديقه مغادرا. نظرته ضبابية. وكذلك افكاره. وصل امام المنزل لا يعلم كيف وكم استغرق من الوقت. فقط وصل بانهاك جسدي لم يفلح كبح جماح مشاعره نحو غرفة جدته لتفقد عبقها بها. متمنيا عودة صوتها بالمنزل مرة اخري. دخل إلى الغرفة. تدور عينيه بحزن في جميع ارجائها. تقدم نحو فراشها متمددا فوق سطحه. بعد وقت لابأس به من التفكير في اللا شيء. استقام يفتح خزانة الملابس الخاصة به في حالة استرجاع لذكريات ماضية عبر صندوق الصور العتيق خاصتها. لمح تحت احد ملابسها المطوية هاتفه القديم. تذكر فورا ذلك اليوم القاتمة سمائه، الذي اتت فيه سارة فاقدة للوعي امام منزله. ذلك اليوم الذي فقدها فيه. تذكر حينها انه ترك هاتفه بالمنزل راكضا ورائها كالبهائم اللتي يعالجها. ابتسم ساخرا. عند ذلك التشبيه بفكره. ارجح ان جدته وضعته سهوا بالخزانة. يبدو ان الهاتف يحتاج لشحن طاقته. وضعه على مزود البطارية الخاص به. ثم فتحه. ومدار الكون يدور بسرعة ضوئية تفوق ال24 ساعة. مع فتح الهاتف تلقى اشعار خاص برسالة صوتية مسجلة. احدهم حاول الاتصال به وكان هاتفه مغلق. احدهم حاول الاستغاثة به. كان هو بذلك الوقت يبحث عن احدهم. وكان هاتفه مغلق. احدهم تراجع في اللحظة الأخيرة قبل الضغط على زر الاتصال حيث ابت الكرامة. وقد خان احدهم ارتعاش يديه ضاغطا على زر الاتصال. فنتج عن ذلك رسالة مسجلة. فتح الرسالة واستمع إلى المكالمة الصوتية اللتي نصها كالتالي...

سالم
: كيفك يا عروسة.؟ بجى تمشي لحالك اكده من غير ما تخبري جوزك.؟
صمت لثوان ثم
: اني هعديهالك المرة دي. عشان كانت بمزاجي. حاجة كنت عاوز اوصلها. و وصلت. همي جدامي عشان نلحجوا نوصل. البلد كلاتها مستنيانا. همي يا عروسة.
دام الصمت لدقيقة تقريبا ليستمع إلى صوته مرة اخرى عبر الرسالة.

: بصي يا بت الناس، اني ما جورتش عليكي. حجك و نصيبك من ريع الأرض والتجارة هتاخديهم على داير مليم، مالياش صالح بيهم. أكتر من إكده ما تحلميش. وهتبجي مرتي جدام الناس و جدام ربنا.
: ربنا.؟
ثم سريعا اتسعت عيني حمزة ما ان استمع لصراخها الحارق. صوتها باكي. هي. نبرتها سارة.

: وانت ما عملتش حساب ربنا ده ليه. ما افتكرتوش ليه قبل ما تضيعني وتضيع حياتي. ليه.؟ عشان الفلوس.؟، الورث.؟ كنت خدتهم. كنت خدت كل حاجة وسبتني.
يستمع إلى المكالمة جاحظ العينين. خفقاته تكاد تلفظ قلبه من جوف صدره. ليستمع إلى صوت سالم البغيض.
: يلا عشان ما نتأخروش ع...
وفجأه صرختها اللتي زلزلت كيانه عبر المكالمة
: أوعي إيدك ما تلمسنيش.

بعدها استمع إلى صوت سالم يتاوه وصوت ارتطام معدن ما بالأرض، ربط الصوت بصرخة سالم ورؤيته للدماء بمنزلها برفقة السكين. وصوت سالم مرة اخرى
: هتعملي إيه يا بت المركوب. عاوزة تجتليني.؟
سكن تماما في زهول. في ظلام آخر أحلك سوادا مما شعرت به تلك المسكية في حينها. استمع إلى صوت سالم
: اسمعيني زين يا بت عمي، لو لوعتي معايا وركبتي راسك الجزمة دي. ديتها رصاصة. وهلبسك اسود على دكتور البهايم حبيب الجلب.

لحظة توقف النبض. دكتور البهايم، هو. ماذا عن حبيب القلب؟ هو ايضا، صمت تام ثم صوت سالم مجددا
: عجلك في راسك. تعرفي خلاصك. جدامي يلا.
وانتهت المكالمة. والمحكمة تبدل الآن الادوار. بريئة شمسة من التهمة المدانة بها. رضخت لذلك اللعين فقط من اجله هو. حبيب القلب. وخلف قضبان العشق بات قلبه مدان بظلم حبيبته. اخذ الهاتف بين يديه سريعا يعود ادراجه نحو سيارته. يشق سكون الليل بحثا عنها. سيحاول اعادة الشمس...

الشيطان يريد شربة ماء. للمرة الأخيرة...
من قال ان العبرة بالخواتيم. العبرة بالبدايات. العبرة بالوسط. والخواتيم. العبرة هي الرحلة. ممدة على فراش ركيك بخيمية طبية امام المشفى المحترق. لم تسعف الاماكن الشاغرة بالمشاف الأخرى كم المصابين في ذلك الحريق الهائل، جميع جسدها بالجحيم. حدقتاها فقط تنظران الحياة الدنيا. ولسانها لم يزل مسموعا صوته. بكلمة واحدة خافتة لها من الثقل حمل الجبال
: م. مما. مايه. مايه.

اما عن العبرة. فتتجول بهلع بين المصابين منهم والموتى التمفحمين تبحث بدموع عينيها عنها. وترى نفسها بعين خيالها بمكان احد منهم. كانت ستشوه بريئة ما مقابل مبلغا بخس امام وقوفها بين يد الله مذنبة جانية وجائرة. تبحث بعينيها عنها لتعتبر بالبداية والنهاية. وجدتها. تعرفت عليها من خلال نظرتها لها وكأنها تخبرها ( نعم هي انا ) وقفت تدمع عينيها باكية تنظر إليها بزهول. سرعان ما اخذت تنهار بكائا ظن الجميع من حولها ان المصابة احد اقربائها. بينما هي تذرف دموع الندم والتوبة. العبرة. توقفت حدقتيها عن التجول في الحياة الدنيا ذاهبة برفقة جسدها لمكان ما. وآخر امنياتها لم تتحقق. فالشياطين لا تشرب الماء، الشياطين تُحرق...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة