قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع والأربعون

احيانا نحتاج للخروج من حيز الصورة. ان نقف خارج الاطار. نتأملها من جميع الجهات. حتى ندركها كاملة...
خارج نطاق العقل افكاره. مشاعره ثورة. فوضى. كلمات قلائل من حارس البناية اللتي يقطن بها صديقه آدم. كانت كفيلة بتلك العاصفة داخل افكاره.
( سافر هو واخته من اسبوع يا بيه ).

صورتها امامه ولا شيء سواها. مهلا. إلى اين.؟ مازال هناك الكثير، وآخر تحليلات عقله. انها سافرت إلى البلدة التي كان زائرا لها امس برفقة الحرائق، الان هو مقيد. مشتت. تنهد تنهيدة عميقة ثم عزم النية على الذهاب لها بعد الاطمئنان على جدته مباشرة...
رنين اشعار ينبه عن استلام رسالة جديدة. رنين يشبه ناقوس الخطر بالنسبة إليه. يصيبه بالخوف وفحواها تصيبه بالجنون.

( الف الف مبروك النجاح لحياتك، بتتنطط من الفرحة )...
باعث تلك الرسائل يلعب على اوتار عشقه. و خوفه. كل رسالة من رقم مختلف. لا يمكنه الوصول إليه. قاده جنونه نحو السيارة يقودها سريعا، الهاتف بين يديه يحاول الاتصال بها ولا تجيب. فعاود الاتصال بأمه يسأل عنها لترد
: راحت تشوف النتيجة يا حبيبي علشان كان لازم تجيبها من بدري...

لحظة تجمدت فيها نظراته بينما قلبه يشتعل. رد بنبرة هادئة تعاكس حرائقه. نبره يلفها التوعد
: انا مش قولت مافيش خروج ليها غير معايا.
لم ينتظر ردها اغلق الهاتف يتجه إلى جامعتها كالبرق. كالعاصفة. التي يسبقها الهدوء...

في غضون دقائق كان قد وصل امام باب كليتها. دخل باحثا عنها يحاول الاتصال بها والان فقط ردت.
: انتي فين.؟
اجابته بصوت فرح
: انا في الجامعة ياقصي كنت ب...
ليعاود سؤالها مرة اخرى قاطعا حديثها
: فين بالظبط في الجامعة.؟
عن المكان بالتدقيق أجابته. ثم اغلق الخط متجها إليها.

بينما هي تقف مع زملائها يتبادلون التهاني والضحكات بسعادة. من بعيد لمحت طيف عشقه يشير اليها بوجوده. هدتها وردية افكارها ان سبب قدومه نجاحها.
استأذنت من زملائها تتقدم نحوه وبعد خطوات قلائل تقابلا، وطيف العشق كان غاضبا. بابتسامة وفرحة تتقافز بقلبها قابلته قائلة بسعادة طفلة صغيرة
: قصي مش هتصدق انا...

قبض على مرفقها يجرها خلفه بعنف. انطفأت شعلة الفرح بداخلها يحل محلها الظلام. نظرت نحو زملائها لتجد بعضهم ينظرون إلى ما حدث باستنكار والبعض الآخر بانزعاج والبعض منهم مزهول، ابتلعت غصة مريرة تتبعه بخطوات تكاد تكون ركضا. وصل الى السيارة ليفتح لها الباب دافعا اياها إلى الداخل، دار حولها راكبا خلف مقود السيارة منطلقا بها يسارع الريح. نظرت امامها بحزن لتنقل نظرتها إليه تسأله بنبرة مثقلة بالعتاب.

: انا عملت ايه.؟
مشاعره قمم بركانيه غاضبة مختنقه تريد الانفجار. هي لن تتحمل ذاك الانفجار. التفت لها. ولا داعي للهسيس لترتعب. فقط نظراته فعلت.
: انا مش قولتلك ما فيش خروج غير معايا.؟
بنبرة غامضة اجابها. ردت بعقلانية تجهل ما يحدث ده.
: مش خلاص.؟ ناهد دي ماتت ومابقاش في حاجة تقلقك عليا. وبعدين يعني ايه ما اخرجش غير معاك هو انا طفلة ياقصي؟

زفر حانقا بغضب. لتنتفض بمكانها عندما. زعق بصوت جهوري. يضرب سطح المقود بعنف.
: انت ما بتسمعيش الكلام ليه. قولت مافيش خروج لوحدك. بتخرجي ليه.؟
عينيها متسعة بخوف واستنكار لكل ذاك الغضب، عقلها ينهر ذلك الذي يخفق لأجل حبه. لا يمكن ان يكون ذلك المنقذ الحنون هو ذاته من يجلس امامها زاعقا بغضب. ملجئ امانها بكل اصرار يخيفها. رنين.
وصوت رسالة أخرى في توقيت غير مناسب بالمرة من رقم جديد.

( تؤ تؤ تؤ، ما تزعقلهاش عشان بتخاف ). اصاب قلبه العشق واصاب هقله الجنون. وتلك التي جواره سيفنى فقط من أجلها. بصمت اكلم سيره حتى وصل إلى المنزل. اندفعت تخرج من السيارة عينيها على وشك البكاء. خطت باتجاه غرفة خالها. مصدر الامان والحماية لها. القت بنفسها داخل احضانه باكية. ليشد على احتضتنها بيديه دون تفاجئ. يوجه نظرات لوم وعتاب لذلك الواقف على باب غرفته.

: خالوا انا مش هقدر اكمل بالطريقة دي معاه. علشان خاطري مش عايزة اكمل...
ارتجف قلبه. جف ريقه. عندما استمع لما
تتفوه به. مسح على وجهه بحنق وغضب صامت. هو بين خوفه وعشقه لها في حيرة قاتلة. والاب يتصنع عدم المعرفة. حيث ان بجعبة صغيرته ما يجب عليها اخراجه.
: اهدي يا حياة وقوليلي في ايه. ايه اللي حصل.؟

استقامت تجلس جواره تمسح عيونها بظهر يديها لتروي له ما تتلقاه منه من معاملة سيئة. وتهميش شخصها في اي شيء وكل شيء. انتهت بافراغ ما يعج بقلبها من انزعاج. ليتحدث منصور بهوادة.
: خلاص يا حياة اللي انتي عاوزاه انا هعملهولك.
إلى هنا وتدخل قلب العاشق حيث محبوبته على وشك البعد عنه. تحدث بانزعاج معترض
: يعني ايه.؟ والمأذون اللي جاي كمان كام يوم ده.؟ نرجعه.؟

استقامت واقفة تمرر نظرها بينهم بزهول. بينما منصور ينظر إلى ولده شزرا.
: مأذون ايه.؟ مأذون جاي هيجوزني انا.؟ من غير ما اعرف.؟
قالتها بنبرة مستنكرة بينما تنظر إلى خالها بعتاب.
: انتي فاهمة غلط يا حبيبتي. انا بس كنت حابب اعملهالم مفاجئة. عشان كده رتبنا انا وقصي كل حاجه. لكن مافيش حاجة هتتم من غير موافقتك طبعا.
: هي موافقة.
نطق بها باقرار وثقة. بينما الأخرى تنظر إليه بعينين متسعتين. الامر يزداد سوء.

: لاء انا مش موفقة ومش هتجوز.
القتها دفعة واحدة لتخرج راكضة نحو غرفتها. التفت منصور ينظر إليه بغضب ونبرة معاتبة
: قولتلك اتعامل مع الموضوع ده بهداوة وعقل يا قصي. مش تكره البنت فيك...
زفر بحزن هو حقا يفقد صوابه. كلما شعر بالخوف تجاهها يفقد عقله.

: عاوزني اعمل ايه. متراقبة بكل تحركاتها من شخص ما اعرفوش. موضوع ناهد اتقفل ولسه الرسايل بتجيلي. وهي مش بتسمع الكلام. ومش راضية توافق عشان قال ايه. ما خدتش رأيها. بزمتك كل ده وعايز عقل وهداوة.؟
لفظ كلماته بحنق غاضب.
: انا حاسس بيك يا ابني.
: انا خايف عليها.!
قاطع بها منصور. قالها بصوت خافت ونبرة عاشقة. ثم اردف.

: اللي بيبعت الرسايل شخص مش سهل. كون انه مجهول بالنسبالي مش عارفه ده شيء بيموتني من الخوف عليها.
تنهد منصور بثقل متعب، لاول مرة بحياته يقف امام امر ما دون ايجاد حلول، اكمل قصي حديثه.
: حضرتك مش عايز تسيبني اتصرف بطريقتي.
: حياة ما بتتعملش كده يا قصي. لو وافقتك على طريقتك دي هتكرهك وتكرهني ومش بعيد نخسرها. سيبهالي بس يومين انا هحاول اقنعها...

قالها منصور ببعض اليأس. ان تحارب شبحا ما غير ملموس. ترى نتائج افعاله. تأثيره. ولا تراه. تلك هي المعاناة...

هنا يقطن الشر المطلق. حيث جميع الوسائل متاحة. حيث التحول من محض وسيلة إلى هدف، صدحت موسيقى حماسية صاخبة من جميع الجهات. يتمايل عليها ضاحكا بصخب موازي للموسيقى بين حين وآخر. كانت احدى وسائله لتحقيق انتقام ما. الآن باتت هدف. سيحقق بها هزيمة وانتصار وغنيمة وآخرا هي. اخذ يدور ويدور على انغام تلك المعزوفة الصاخبة. ليدخل عليه احد رجاله متحدثا.

: سيدي. لقد ارسل السيد ديفيد مندوب يطلب طعما آخر لأسوده الجائعة...
ابتسم مراد بتلذذ يميل برأسه مع انخفاض الموسيقى. ثم يتحرك فجأه مع علوها. قائلا بنفس لغة الرجل.
: ارسل إلى ديفيد احدث ما لدينا. نحن تحت إمرة اسود السيد ديفيد.
وما هو إلا شيطان حديث الشر تحت إمرة ابليس السيد ديفيد. حمم الرجل قائلا
: احم. سيدي انه لايزال على قيد الحياة. هل اااا؟
ضحك مراد بخفوت قائلا.

: وما فائدة التهام شيئا ما فاقدا للحياة. اين المتعة في ذلك يا صديقي.؟ اسود السيد ديفيد لا يجوز لها ملئ معدتها فقط. يجب إشباع غريزتها. متعة الافتراس ان ترى عذاب الفريسه ولحمها بين اسنانك. ان تلفظ النفس الأخير امام عينيك بينما جزء منها تنعم به معدتك.
ثم تبسم ضاحكا.
: ان تكون اسدا من اسود السيد ديفيد هو متعة خاصة. هيا خذه إليه وبلغ سلامي لأسوده.

انحنى الرجل باحترام تام له خارجا. بينما هو جلس يراجع آخر مكالماته. رسائله. هدفه الآن هي. والوسيلة بعيدة كل البعد عن الشك بها، الوسيلة احد تلاميذه...
تجلس بتجهم. لم يعد لها احد. الاب تخلى. والاخوة تبخرت اخوتهم واحدا تحت التراب والآخر سبب وجوده تحت ذاك التراب. لم تكن له اخت من الاساس. اما عن الام فلاقت ما تستحق. وصلها الخبر بطريق غير مباشر، الغريب انها لم تدمع.
: يمنى ممكن اتكلم معاكي.؟

ولت مرحلة الانهيار. هي الان بمرحلة الجمود. عدم الاكتراث بأي شيء وكل شيء.
نظرت إليه بنظرات جامدة ليردف.
: انا مش عارف ايه اللي غيرك من نحيتي كده. لو عملت حاجة زعلتك وانا مش عارف قوليلي.؟

سخرية مريرة. بمرارة الفقد مرت بأفكارها. صمتها دفعه للمضي قدما في حديثه معها. كان يتحدث بتردد يمسك بمقبض الباب. كيث امره الطبيب بالخروج فورا ما ان يلقى الرفض وعدم الرغبة في وجوده منها. جلس قصي قبالهها ينظر إليها بحنو وشوق لتلك المشاكسة بينهم.
: يمنى انتي هتفضلي اختي وبنتي وحبيبتي. انا ماليش غيرك. مستعد اسيب الدنيا كلها علشانك. نعيش لوحدنا لو عايزة.

هم برفع يديه ليلامس وجنتها لتبتعد مزعورة تنظر إلى يديه برعب. ليقابل نظراتها بنظرات متعجبة. حتما هناك امر ما.
: مالك يا يمنى. انا ابى قصي. صاحبك.
نفت برأسها تهطل دموع عينيها سريعا. تتحدث بارتعاش.
: انت عايز تموتني. زي ما موتت عمر.

اتسعت عينيه فجأة. يربط بين ما هتفت به وبين ما قالته ناهد سابقا ( مش هسيب حق عمر. هقتلك زي ما قتلته ). الخيوط الآن تتلاحم. حتما هناك خطأ. بتروي وهدوء اقترب منها يرفع يديه في وضع مسالم. يستدرجها بشكل غير مباشر.
: انا مستحيل افكر ائذيكي. او أئذي عمر الله يرحمه. ليه بتقولي كده.
بكاء حار. ودموع تشعل نيران شوقه لاحتضانها بين يديه يزيل ذلك الخوف بعينيها.

: انت قتلته يا ابيه. كان بيموت قدامك وانت ما اتحركتش. ما ساعدتهوش. كنت بتتفرج عليه وهو بيموت. انا شوفتك.
: شوفتيني فين وامته. انا مظلوم يا يمنى مستحيل أئذي شعرة واحدة منك انتي وعمر
شهقت تبتلع ريقها بتفكير. تنظر إليه بشك. بينما هو يوما لها بلهفة في صدق كلامه.
: شوفتك في الفيديو. ماما ورتهولي عشان انقلها اخبار عنك تساعدها تنتقم منك.

اتسعت عينيه. الخيوط الآن لا تتلاحم. جميع الخيوط ترابطت في عقدة ما كان حلها كلمة واحدة. مراد. الرسائل. ذلك الفيديو الذي تتحدث عنه يمنى، معرفتها من الاساس بموت عمر، والأكبر معرفة ناهد وتلفيق تهمة قتل عمر له. والجميع اجابته. مراد مختار. الآن بات شيطانه واضح. وبوضوح الشمس.
اقترب منها يضم كلتا يديها داخل قبضته بحنو ينظر خلال عينيه مباشرة.

: مش انا يا يمنى. اقسم بالله ما انا. ازاي تصدقي فيا كده. اكيد الفيديو متفبرك. وسهل جدا الحاجات دي تتعمل دلوقت.
هي غارقة وهو قارب نجاة تخاف ان يكون سراب ما قبل الموت. فليكن. ستتعلق به ولا خيار آخر لديها. بتيه نظرت إليه. ترتجف حدقتيها بتفكر ما. ليتلقف تيهها داخل احضانه في عناق حار مربتا فوق رأسها.
: انا ماليش غيرك يا يمنى. ثقي فيا يا حبيبتي. مستحيل أئذيكي. مستحيل.

والحقيقة انها هي التي لم يعد لها احدا سواه. لكنه يشعرها بالعكس لكي لا تتأذى مشاعرها بالاحتياج والمن. نظرته ثاقبة. تشبه رصاصة محترقة برأس أحدهم. حيث افكاره تتجمع حول فكرة واحدة. العثور على مراد...
بعد مرور عدة ايام...

خرج من المشفى بفرحة عارمة تملئ روحه. حالة جدته تتحسن تفتح عينيها بين حين وآخر تبتسم له من بين غفوتها ثم تغيب مرة أخرى. اخبره الطبيب بأن الحالة تتحسن والتأثير الجانبي للجراحه اقل من المتوقع حدوثه. الآن فقط يمكنه الذهاب نحو الشمس. ذهب إلى منزله يعد نفسه للسفر. كان نادما لافتعال الحرائق قبلا. الآن يتمنى لو فقط يرى ذلك ال سالم امامه وسيحرقه شخصيا. ركب سيارته متجها بها نحو قدر مجهول...

لم يكن يدرك ان وجودهم قربه هو بتلك الأهمية. حالته مزرية. ياكل فقط بضع لقيمات لكي يبقى على قيد الحياة. عائلته تشتتت، او بالأحرى نبذوه من حياتهم. يختلي بنفسه ليلا في بكاء يريح قلبه. لا احد يراه. لا احد يسمعه. يراجع حسابات عقله. وقلبه. والاهم حساباته و ربه. التي غفل عنها منجرفا في تلاهي تلك الدنيا. اغتصب حق مسكينة لا احد لها. لكن وحده الله يعلم انه لم يمسسها بسوء.

يذرف الان دموع الندم. دموع تثلج صدره وخو واقفا بين يدي الله. استيقظ القلب من غفلته. داواه كما قالها اسماعيل. اخيه الحبيب...

علي الجانب الآخر ببيت ليس بكبير. فاطمة والجدة بغرفة. سالم وحور بغرفة أخرى. والثالثة لقمر برفقة احزانها. على استحياء تقدمت منه حور تفرك بين يديها بارتباك تقدم خطوة وترجع الأخرى بتردد. يجلس هو على الفراش مستندا بمرفقيه إلى ركبتيه. يرى انعكاس حالتها في المرآة امامه. و الحمقاء لا تلاحظ.
انتفضت شاهقة تضع يديها فوق صدرها بفزع عندما تحدث بنبرة مفاجاة.
: عايزة ايه. واقفة كده ليه.؟

زفر بحنق لخوفها. وداخله سبب الحنق ربما كان رغبة ملحة في عناق ما لم يتاح له. تحدثت بتوتر.
: اااا انا بس كنت عاوزة. يعني. كنت بقول...
استقام يقف امامها لتبتلع ريقها بصمت تنظر فقط إلى هيبته امامها وذلك الفارق الجسدي الهائل.
: اتكلمي على طول عايزة ايه.؟
نظرت أرضا تتحدث بارتياك.
: كك كنت بقول يعني لو ينفع تروح ازور جدي واعمامي. بس لو مش عايز خلاص يعني مش مهم.
قالت جملتها الأخيرة بلهفة وكأنها تتقي شر ما.

صمت شاردا بها. يننابه شعورا ما بالراحه جوارها. شعور غريب لا يعلم له ماهية. رفعت نظرتها إلى عينيه مباشرة. ليغوض فيهما وابتسامة جانبية حالمة كانت على وشك الارتسام فوق ثغره. اذردر ريقه يستفيق قائلا.
: ماشي. حضري نفسك. هاخدك في طريقي وارجع اخدك وانا راجع.

كان ينتظر ظهور فرحة ما لهفة وربما شوق لهم. لكن ما رآه على وجهها آثار حفيظته. اظلمت ملامحها ببؤس، وجوم تام احتل وجهها. وكأنها كانت تتمنى رفضه لطلبها. تركها خارجا من المنزل ينتظرها بالسيارة. غافلا عن تلك الرسالة التي ارسلها لها احد اعمامها بضرورة الحضور. لتغير الخطة...

نزلت درجات السلم بيأس. لم تخرج من المنزل منذ ايام. غالبا هي في فترة تقلب مشاعري. وربما هي على مشارف اكتئاب. لا تعلم انها على مشارف فراق.
اتجهت نحو غرفة خالها التي استبدلها بالغرفة العلوية خاصته لظروف قدمه وحتى يشفى. قبل ان تطرق الباب انتقل إلى مسامعها ما جعل دمائها تتجمد. نظراتها تصلبت. قلبها اخذ يخفق بشدة واذنيها تستنكر ما تستمع إليه. صوت والدتها. حنان باكيا باعتراض حاد.

: اتصرف يا منصور. ما حدش غيرك هيعرف يتصرف. اعمل حاجة. كلمها. اقنعها انه لازم يبقى معانا. وسطنا. انا اتعذبت كتير في بعده عني ومش هستحمل بعده تاني بسببها. يا تروح تشوف حياتها بعيد عننا يا تبقى معانا هي وهو وسطنا. انا مثلت دور الام ومستعدة اكمل بيه ليها كمان بقيت حياتي. لكن مش مستعدة اتحمل بعد ابني عني تاني بسببها، مش هقدر.

سهام من نار تنفذ الآن نحو قلبها. اهي بذلك الثقل على كاهلهم، مخالب وحش مفترس نهشت قلبها عندما نفذ إلى مسامعها قول خالها، منصور بحنق وضيق.
: يعني عايزاني اعمل ايه يا حنان. دي مالهاش حد غيرنا دلوقت. تخيلي لو بعدت. هتروح فين بس.
حنان ببكاء.
: اتصرف بقى. تبعد ما تبعدش انا عايزة ابني جنبي وخلاص...

اسرعت بخطوات راكضة نحو غرفتها. تكتم شهقات بكائها حتى لا ينتقل إلى مسامعهما. امها. حنان التي كان لها نصيب من اسمها دائما. كيف تقسو لهذه الدرجة. خالها المسكين في حيرة من امره بين ولده وابنة اخته. ربيبته. انفطرت في بكاء حارق. قبضة من نار تعتصر قلبها. وروحها تدمي جراحا نازفة. لا احد لها كما قال خالها. لكنها ستنزع تلك الشوكة اللتي تمرر عليهم مذاق احضان ولدهم العائد من الفقد. بينما لو كانت فقط انتظرت لبضع ثوان. لعلمت انها لم تكن المقصودة.

حنان ببكاء.
: اتصرف بقى. تبعد ما تبعدش انا عايزة ابني جنبي وخلاص...
ربت منصور فوق يديها لتردف قائلة
: مش كفاية اللي عملته فيا امها. اخدته مني السنين دي كلها ودلوقتي بنتها بتبعده عني.

: اهدي يا حنان. يمنى لسة طفلة. اتحملي شوية معلش. قصي كمان متعلق بيها ما ينفعش نطلب منه يتخلى عنها في الوقت اللي هي محتاجة فيه لدعمه وحنيته. دي يتيمه ياحنان وانتي قلبك كبير انا عارف. اصبري بس شوية المسئلة مسئلة وقت...
لبث طفيف. سينتج عنه حرائق لقلب عاشق. وحياته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة