قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل السابع

امام غرفة العمليات تجلس ارضا وما زالت بقايا الدموع على بشرتها تغمض عينيها وكأن الحزن قد قرر ابتلاعها حتى لفظ آخر انفاسها، شبح الفقد يلوح لها في الافق ينتظر اقتناص احبائها، لا تقوى على الفقد مرة آخرى فتحت عينيها تناجي ربها بصمت وينبوع دموع قد فاض، دموع لم تجف رغم مرور السنوات وقد زادها ما يمر به منصور وحياة. ابنتها التي لم تنجبها، ابنة قلبها، احدى عطايا الرحمن لها كي تصمد في حياتها بعد ما فقدت روحها، وعند تلك الفكرة، لاح بذاكرتها ذكرى يوم مشئوم، حادث مازالت تتذكره وكأنه امس يوم فقدت فيه روحها، حادث ترك بقلبها ندبة. ، ندبة مازالت تنزف براكين من نار وكأنها اقسمت ان لا تطيب ابدا.

Flash back
زينة وشموع واطفال يمرحون فرحين. وكعكة عيد ميلاد كبيرة يتوسطها صورة لطفل صغير حولها 5 شمعات.

وصغير متذمر. لا يريد إطفاء الشمع إلا بوجود والده حيث هو على عهد معه ان لا يطفيء الشموع بدونه، هي الابتسامة مليء شدقيها ترحب بهذا وتمازح تلك. تتفقد الاطفال الصغار من منهم لم يأخذ حلوى بعد. نظرت إلى صغيرها لتجده يشوب فرحته بعض الحزن توجهت اليه تدنو على ركبتيها حتى تصل إلى مستواه تضمه في عناق امومي وكأنها بتلك الضمة قد امتلكت الدنيا والعالم بين يديها، قطعة منها. من روحها ولدها وصغيرها الوحيد الذي اراد الله الا يكون لها ولد غيره بعد اختبارها لإحدى عمليات استئصال الرحم وهي راضية كل الرضى بقضائه، تركت له مساحه التحرك بين يديها، تلاعب ارنبة انفه بأنفها قائلة.

: حبيب قلب ماما زعلان ليه. حد يزعل يوم عيد ميلاده كده
رد عليها الصغير بحزن يقلب شفتيه للأسفل
: بابا وعدني انه هيطفي معايا السمع
ليرفع كف يده امام وجهها مردفا
: الخمسه كلهم. وما جاس وسكله كده هيتأخل واصحابي هيزهقو ويمسو
اطلقت والدته ضحكة عاليه تضمه اليها بحنان قائلة
: ياروحي. مش تزعل خلاص بابي على وصول وانا مش هخلي حد يمشي الا لما بابي يجي.
ثم رفعت كفها امام وجهه قائلة في مرح وهي تغمز له بعينيها تردف.

: وكمان يطفي معاك الخمس شمعات
عانقها الصغير وقد ابدلت حزنه الى ابتسامة واسعة، وهذا كل ما تريده هي في الحياة ان ترى فقط ابتسامته ان تراه سعيدا دائما، عانقته بدورها قائلة
: يالا بقي روح لصحابك العب معاهم على بال ما اشوفلك الحلويات اللي بتحبها استوت ولا لاء
ترك الصغير احضانها واتجه نحو اصدقائه يلهو معهم،.

ولو تعلم هي انه آخر ما ستناله منه هي تلك الضمة لما تركته ابدا من بين يديها ولواحترق العالم بأكمله من حولها، توجهت هي إلى المطبخ تتفقد بعض انواع الحلوى التي اعدتها بنفسها خصيصا لأجله، دلفت إلى الداخل لتسأل الخادمة
: طفيتي على الصواني يا عليا
ارتبكت الخادمة وسقط ما بين يديها لتسرع بلهفة تلملمه من على ارض المطبخ، دنت منها حنان تساعدها قائلة بحنانها المعهود مع الجميع
: خلي بالك...

تعثرت عليا، توترت كلص خائف بل مزعور من ان تكتشف جريمته
لتنظر لها حنان مردفه
: مالك يا عليا في حاجه تعباكي.
نهضت بارتباك تنظر لها بصمت وعينيها تلتمع بالدمع لا تقوى على النطق وكأن احدهم اقتلع لسانها عنوة، اسرعت حنان اليها تربت على كتفها قائلة
: في ايه بس، مالك. لو تعبانه روحي وابقي تعالي بكره بدري ساعديني
لتلتفت لها عليا سريعا قائلة بلهفة
: لا...

نظرت لها حنان باستغراب فاردفت عليا تمسح دموعها وقد استدركت نفسها
: ااا قصدي لا مش تعبانه انا بس قلقانه شوية على مصطفى
اومأت لها حنان تربت على كتفيها وعلى وجهها علامات التأثر قائلة
: ما تقلقيش باذن الله ربنا قادر يشفيه، انا بلغت منصور قبل سفره هو ليه معارف دكاتره كتير، هيسأل ويطمنك بامر الله
ثم اردفت بابتسامتها الحنون
: باذن الله ربنا يشفيه وتشوفيه عريس اد الدنيا.

اومأت لها عليا تشكرها ثم ذهبت إلى عملها في شرود، خرجت حنان تتفقد الصغير، علت همهمات الكبار و صراخ الصغار زعرا حين قطع التيار الكهربائي لتنادي حنان بأعلى صوتها على صغيرها بقلب ام يرتجف خوفا
: مازن. مازن
فهي تعلم انه يخاف الظلام يهابه حد الكره، تمشي بحذر بين الأطفال كى لا يتأذي احدهم، تطمئنهم تارة وتنادي الصغير تارة
: ماتخافوش ياحبايبي. مازن. مازن.

ليأتي التيار فجأة وياليته ما اتي ليته ظل الظلام و عاشت مابعد ذالك فاقدة للنور والحياة، على صياح الصغاار فرحا، انقبض قلب حنان وهي تمشط الاطفال بعينيها باحثة عن ولدها بينهم ولا تراه اشتدت خفقات قلبها تزلزل صدرها، ارتجف جسدها خوفا وقلقا.

بحثت عنه فلم تجد له اثر وكأنه قطرة مطر تبخرت مع طلوع شمس حارقة. شمس غربت عن حياتها منذ ذالك اليوم لكنها تركت حرقتها بقلبها، ظلت تبحث وتبحث، بحث استمر لاكثر من 25 عام ومنذ ذالك اليوم وهي فقدت الروح، حادث اختفاء صغيرها يوم عيد مولده لا يزال يدمي قلبها. يشطره بين الحينة والاخرى الى نصفين.
Back.

عادت من ذكرياتها على صوت فتح باب غرفه العمليات وخروج احدى الممرضات مسرعه شبه مهروله لتنهض حنان من الارض تتعلق بسراب امل، تناديها بلهفة
: لو سمحتي. الحالة اللي جوه...
قاطعتها الممرضة قائلة وهي تتخطاها سريعا
: ادعوله ياجماعه. الحاله محتاجه دم وفصلية دمه مش موجودة في المستشفي.

صرخت حنان باكية تضع يديها على فمها تكتم صرخات قلبها الملتاع، ترنحت في عدم اتزان. تشعر وكان احدهم يسحب الهواء من حولها، يضيق عليها الدائرة فتختنق شيئا فشيئا
نهضت سارة تسندها حتى تجلس وتبكي هي الاخرى بدورها قائلة
اهدي ياطنط. ان شاء الله هيبقي كويس. انا هنزل وراها اشوف
تركتها ترثي رماد قلبها وذهبت خلف اللمرضة.
وصل قصي بسيارة يوسف امام المشفى ترجل منها نحو باب الاستقبال يسئل موظف الاسقبال باهتمام قائلا.

: بعد اذنك. في واحد جه من شوية في حادثة هنا
نظر الرجل بلا مبالاه روتينيه الى الدفتر الكبير امامه ثم رد قائلا
: ايوه منصور محمد المنياوي
سأله قصي عن مكانه تحديدا فأجابه الموظف
: هو تقريبا في العمليات دلوقت، الدور التالت الممر اللي على اليمين
شكره قصي يتوجه بخطواته سريعة نحو الدرج صاعدا إلى الطابق الثالث يتبعه يوسف ليستوقفه صوت فتاة تزعق باحدهم في غرفة ما، على بابها يافطة بنك الدم قائلة.

: يعني ايه فصيلته مش موجودة ده بيموت.
علي ما يبدو ان المريض احد اقربائها
رد عليها الماثل امامها ببرود تام
: يعني فصيلة دمه مش موجودة. اعملك ايه انا.؟
نظر قصي إلى يوسف قائلا وهو يتوجه نحو الجلبة في تلك الغرفة
: تعالى.
نظر له يوسف باعجاب داخلي فذالك هو صديقه، لا يتوارى عن مساعدة أحدهم ابدا
دلف قصي يتدخل في تلك المشادة بينهم قائلا
: اناااا ممكن اتبرع لو فصيلة دمي مطابقة ليه. ثم نظر إلى يوسف مردفا.

: ولو اانا مش مطابق. هنشوف يوسف
نظر له يوسف بقهر ليومأ له قائلا
: ااا. اه طبعا
لتنظر لهم سارة بامتنان تشكرهم ببكاء
: متشكرة جدا.
دخل يوسف وقصي لأخذ عينه الدماء ومطابقتها بعينة
المصاب اسرعت الممرضة تعطي العينات للمعمل
لتظهر ان احدي العينتين ملائمة للمريض
ابتسمت سارة من بين دموعها خارجه تصعد إلى حنان تخبرها بالبشرى، وصلت عندها لتسرع قائلة بلهفة تبعث لها بعض ومضات من الامل.

سارة: واحد اتبرع بالدم لانكل ياطنط الحمد لله
لتنتبه لها حنان من بين دموعها وقد انتفض قلبها وكأنه عاد إلى الحياة عند ما لاح اماما شبه امل في نجاة منصور
: الحمد لله. ياما انت كريم يارب. ياما انت كريم يارب
لتظهر الممرضه بعد دقائق تحمل اكياس الدم مسرعه نحو غرفة العمليات
نظرت حنان بعيون دامعه ممتنة بداخلها لذالك المتبرع إلى سارة قائلة
: هو فين ياسارة. عاوزة اشكره.

اومأت لها ساره ثم اخذت بيديها إلى مكان المتبرع
انتهت الممرضة الخاصة بسحب العينه من سحب الكميه الكافيه لتنظر إلى قصى بهيام تسبل له عينيها وما تتراوده افكارها الوردية انها ببستان هي وهو فقط وحولهم الورود وفراشات ترفرف في الانحاء، ابتسمت تناوله عبوة عصير كرتونيه قائلة بدلال مصتنع
: خد اشرب ده. بالهنا...
لينظر لها قصي باستنكار قائلا
: شكرا مش عايز.

لتطلق الممرضة تنهيدة هيام، بينما يوسف يحاول جاهدا كبت ضحكاته
استقام قصي يعدل اكمام قميصه، لتبتسم الممرضة ابتسامه بلهاء تنظر بإنبهار إلى ذراعيه، فابتعد قصي خطوة للوراء خارجا من الغرفة تاركا اكمام قميصه غير مهندمة يتبعه يوسف ضاحكا
بينما القت له الممرضة قبلة في الهواء متنهدة بهيام قائلة
: سلام ياقمر. هو في كده يا اخواتي.؟

صعد قصي الدرج خلفه يوسف متوجهين الى الطابق الثالث حيث غرفة العمليات ليطمئن على الذي من المفترض خال، انتبه إلى انه لم يعرف اسمها حتى تقدم بخطواته يفكر عازما ان اول ما سيعرفة عند لقائها التالي هو اسمها، وصل إلى غرفة العمليات لم يجد احد، انتظر قليلا، فإذا بأحدهم يفتح باب الغرفة ليسأله قصي
: لو سمحت المصاب في الحادثة حالته ايه،؟
رد عليه الآخر قائلا بعملية.

: حالته استقرت نوعا ما. ان شاء الله يقوم بالسلامه
اومأ له قصي شاكرا، نظر اليه يوسف قائلا
: الحمد لله كويس انه ما ماتش.
اومأ له قصي وبداخله مشاعر عدة مختلفة احداهما ضيق والاخرى فرح وثالثة لم يستطيع تميزها او معرفة هويتها، اشار إلى يوسف ليلحقه قائلا
: يالا بينا...
وفي تلك الاثناء كانت حنان وسارة امام بنك الدم يسألون على المتبرع فأخبرتهم الممرضة بأنه ذهب لتسألها حنان
: طيب ما تعرفيش اسمه ايه.

ردت عليها الممرضة
: لا. لكن ممكن تلاقي دكتور التحاليل اخد اسمه مش عارفة
شكرتها حنان وعادت إلى المصعد لتنتظر خروج منصور امام غرفة العمليات، بينما قصي ويوسف ينزلان الدرج
، بعد وقت لا بأس به خرج منصور ممدد على السرير ذو العجلات ساكن الحركات فاقدا للوعي، كتفه بزراعه مجبر وموصل به اسلاك عدة، تألم قلب حنان وكأنها هي الممددة فاقدة للروح انتفضت بلهفة تسأل الطبيب باكية
: ارجوك يادكتور طمني عليه.

طمئنها الطبيب قائلا
: الحمد لله بصعوبة وبفضل ربنا انقذنا حياته، لولا لقينا فصيلة دمه في الوقت المناسب. كان هيبقى في خطورة شديدة على حياته،
حنان وهي تحمد الله وشلال دموعها لا ينقطع نزوله من عينيها
: الحمد لله يارب. الحمد لله
لتسأل سارة الطبيب بلهفة
: هو هيفوق امته يادكتور
رد الطبيب عليها بروتينيه معتادة
: هيبقى في العنايه المركزة وتحت الملاحظة حوالي 48 ساعة لحد ما نتطئن وباذن الله هيفوق على بكره الصبح.

شكرت الطبيب وذهب، لتحتضن سارة حنان تحمد الله باكية، التفت حنان ترفع يديها إلى نافذة الممر تدعو للمتبرع دعوات صادقة بقلب صادق
: ربنا ينجيه ويحفظه ويبعد عنه ولاد الحرام
لتقبض على قلبها تبكي، وقد اختلطت دموع الفرح بدموع الفقد والحزن...

فتحت عيونها بتثاقل تشعر وكأن رأسها يكاد ينفجر، وكأن الألم ينهش بخلايا رأسها نهشا، ببطء شديد فتحت عينيها ترمش بها عدة مرات تتشوش امامها الرؤيه وكأنها تنظر من خلف نافذة زجاجية اثناء ليلة ممطرة، وضعت يديها على رأسها تتأوه بخفوت ثم اتسعت عينيها تنتفض فجأة ناهضة عن الاريكة متذكرة حديث ذالك الغريب عن خالها والحادثة، تألمت وكأن احدهم قبض على قلبها بقبضة من حديد نظرت بجانبها لتري سيدة بجوارها تبتسم لها بارتياح قائلة.

: كل ده نوم.
لتنظر حياة حولها في استغراب قائلة
: انا فين. وانتي مين.؟!
اقتربت منها عنايات تربت هلي كتفها لترجه حياة إلى الخلف قليلا منكمشة على نفسها في خوف شديد.
هدأتها عنايات تنظر لها في شفقة قائلة
: ماتخافيش ياحبيبتي.
همت حياة ان تنهض واقفة فشعرت فجأة ببعض الدوار وكأنها بدوامة لا نهاية لها، جلست مرة اخري واضعه يديها على عينيها قائلة وهي على وشك البكاء
: انا فين؟، انا لازم امشي من هنا.

اسرعت عنايات و التقطت هاتفها تحادث يوسف ليخبر قصي كما امرها...
بينما على الجانب الاخر يجلس يوسف بسيارته حيث طلب منه قصي التوقف امام احدى محلات الملابس
جلس مستغربا يستنكر تصرف صديقه، لتأتيه مكالمة عنايات تخبره ان حياة قد افاقت من فقدان وعيها
: يوسف بيه، ااا حضرتك فين
توترت عنايات امام حياة لا تعلم ماذا تقول
ليأتيها صوت يوسف بالجانب الاخر متسائلا
: هي فاقت.؟
ردت عنايات
: ايوة. ياريت تيجو بسرعه.

رد عليها يوسف قائلا
: تمام. دقايق ونبقى عندك
اغلقت معه الهاتف، فاستقامت حياة غاضبة تستند على الاثاث بتعب، وما يدور ببالها انها مختطفة مرة اخرى
: انتو مين.؟، وانا فين بالظبط؟
رفعت عنايات كفيها تهدأ حياة قائلة
: اهدي يابنتي.
لتقاطعها حياة عندما استدارت تركض نحو باب الفيلا.

بينما انتهي قصي خارجا من محل الملابس متوجها إلى سيارة يوسف بيده عدة حقائب، ركب السيارة فاسرع يوسف يخبره بمكالمة عنايات ليرد عليه قصي بلهفة قائلا
: اطلع بسرعه...
اومأ له يوسف واسرع ينطلق بسيارته إلى الفيلا...
حاولت حياة فتح الباب بلا جدوى فعلى ما يبدو انه موصد من الخارج لتلتفت لعنايات تبكي بكاء مريرا تتوسلها كمن على حافة الموت قائلة
: ارجوكي. ارجوكي خرجيني من هنا...

نظرت لها عنايات في تأثر لا تعلم ماذا تفعل، لا تعلم ما هي قصة تلك المسكينة وما خلفها، جثت حياة ارضا باكية قلبها يتمزق قلقا بل يحترق على خالها بعد ما اخبرها ذالك الغريب بأمر الحادثة، لا تمتلك حيلة ولا قوة لمواجهة كل تلك الأزمات، غزالة صغيرة شاردة في غابة ذئاب لاتعرف قلوبها الرحمة. لم تختبرها مطلقا، تتمني فقط لو تراه. تطمئن عليه، تحتضنه، ان تنعم بدفئ يديه وهو يربت بها على شعرها بحنان.

ان تسمع فقط صوته ولو لمرة واحدة يناديها حياتي لتنظر إلى عنايات تستعطفها ببكاء، وقد اغرورقت وجنتيها بالدموع كالغريق الذي يتعلق بقشة ما
: طيب ممكن مكالمة تليفون. صدقيني مش هتكلم، انا بس هسمع صوت حد واقفل على طول.

نظرت لها عنايات ثم وجهت نظرها الى الهاتف بين يديها في تردد، لتستقيم حياة من الارض تمسح دموعها بظهر يديها عندما لمحت ترددها، اقتربت منها تربت بيديها عدة مرات متتاليه على صدرها في توسل ورجاء، تستعطفها، ولا يزال الدمع يتساقط من عينيها قائلة من بين شهقات بكائها
: والله العظيم ما هتكلم. ماتخافيش. هسمع صوته واقفل.

انخفض صوتها بيأس، ثم مالت للأمام تنحني ارضا منهارة غير قادرة على الوقوف، بخفوت مرهق من يين بكائها اردفت
: هسمع صوته بس وهقفل، اوعدك والله...
ضغطت عنايات على شفتيها واضعة يديها على فمها تلتمع عينيها بالدموع تأثرا بحالها، وقد رق قلبها لذالك الملاك الباكي، تفكر، ماذا لو اعتطها الهاتف تجري المكالمة.؟ هل سيكون ذالك تصرف صائبا ام خاطئ.

واثناء تفكيرها فتح باب الفيلا ودلف منه قصي كشعاع امل بالنسبة اليها، انطباع بداخلها يخبرها انه الخلاص من كل مأزق، تقدمت نحوه تشعر بارتياح غريب، ربما لانه من الممكن ان يكون علم خبرا ما عن خالها تريح به قلبها، او ربما لانه الوحيد الذي ساعدها في ورتطتها تلك، نظر قصي لها مباشرة وقد اختلجت خفقات قلبه لرؤيتها باكية بتلك الصورة، وقفت امامه منهكة القوى والدموع تنهمر كالشلال من عينيها ترجوه قائله.

: ارجوك خليني امشي من هنا. انا عاوزة امشي
شهقت مطرأه برأسها للأرض تتساقط دموعها امامه
انتفض قلبه، هم ان يقترب، لكنه انتبه لنفسه سريعا بداخله تجاهها شعور مريب يحثه على حمايتها، رابط خفي يربط بينهما لا يدركه هو ليتحدث وعيونه متسعه شبه متلهفا، ومنزعجا من روئيتها على تلك الحالة
: طيب اهدى. ممكن تهدي ونتكلم.؟

اومأت له في طاعة تضع يديها على فمها تكتم شهقات بكائها، انزعج، يتألم قلبه لرؤيتها هكذا، فرد قائلا ليهدأها
: لو عاوزة تمشي اناا مش مانعك...
نظرت إلى عينيه بغته تتأكد من صدق كلامه وبريق الدموع يلتمع بعينيها كلؤلؤ ابيض، ارتعش شيئا ما بداخله عندما التقت نظراتهم، نظر لها للحظات يذدرد ريقه ببطء
لترد حياة من بين شهقاتها تومأ عدة مرات قائلة
: ايوة. ايوة عاوزة امشي ارجوك.

اذدرد قصي ريقه ثانيه وقد ضاق صدره بعض الشيء لفكرة ذهابها ليرد قائلا
: حاضر. بس ممكن نتكلم الاول
اومأت له لتدور حائرة تائهة، تجلس على احدي المقاعد، جلس قصي امامها، مال إلى الامام يشبك اصابعه مستندا بساعديه إلى ركبتيه قائلا بنبرة هادئة
: ممكن تهدي. عشان نعرف نتكلم؟
امأت له تنظر ارضا تمسح دموعها كطفلة مطيعة، كم بدت بريئه ولا حيلة لها في ذالك الوقت تماما كالأطفال
ليتحدث قصي متسائلا
: انتي مين.؟

ردت وهي ما زالت تمسح تلك اللآلئ التساقطة من عينيها تحاول ان توقف بكائها قائلة
: انا حياة.
ياإلهي. ما تلك البهجة التي انتشرت بداخله لمجرد سماع اسمها.! حياة. شعر بنسمة هواء هبت على حين غفلة لتنعش انحاء روحه المتعبة، ابتسم بشرود لم تلحظه حياة ثم تنحنح قائلا بجد
: مين اللي كان معاكي في المطار. جوزك؟
اشتدت وتيرة بكائها اكثر تنفي برأسها تلك الصلة المزعومة
: لاء، لاء.
ضيق قصي ما بين حاجبيه بتفكير ليسألها.

: اومال ازاي كنتو هتسافرو. كان هيخرج ازاي بره البلد بيكي لو مش جوزك.؟
تنهدت حياة بتعب قائلة
: كان معاه عقد مزور. سمعته بيقول كده وهو بيكلم...
ومضات من الفرح اشتعلت بداخله، لماذا شعر بذالك الشعور لعلمه انها ليست زوجته.

لتصمت حياة متذكرة تلك اللحظات المخزية، لم تشأ ان تذكر والدها، ليس لعدم تشويه صورته او ما شابه لا. لكنها لا تريد استذكار تلك اللحظات يكفي انها اختبرتها مرة واحده لا تريد الشعور بذالك الاحتراق ثانيه،
انتبهت اليه في لهفة وقد عادت عينيها بإنتاج الآلئ مرة اخرى عندما قال
: منصور محمد المنياوي.؟

تساقطت دموعها سريعا. عندما ذكر اسمه وصورته امام عينيها تراه وتري نفسها بأحضانه، نظرت اليه متسعه العينين تترجاه بعيونها الا يخبرها ما تخشاه
لترد عليه بصوت كالموتى جاهدت كي تنطق به
: جراله حاجه.؟
رد عليها قصي يطمئنها قائلا
: اتطمني. هو كويس. انا كنت لسه عنده
تنهدت بارتياح تغمض عينيها ليفيض الدمع منها مسرعا على وجنتيها كحبات الندي على اوراق وردة بيضاء
ليعيد قصي سؤاله بصيغة اخرى
: خالك.؟ ولا باباكي.؟

قاطعته مسرعه تنفي بحده وكأن نعته بأبيها اهانة له وكأنه وصف مشين لخالها.
: لاء خالي.
نظر لها يستغرب حدتها تلك لتردف بهدوء وقد استدركت نفسها
: ممكن تسيبني امشي بقى.؟
ليسألها قصي باهتمام غير مبالي بسؤالها
: ليكي قرايب غير خالك.؟
نظرت له بنظرات حائرة ثم شردت تنظر للا شيء تنفي برأسها ببطء فهي حقا ليس لها غيره
ليعاود سؤالها مرة اخرى
: مش ممكن. باسم ده يستغل ظرف تعب خالك ويحاول يخطفك تاني.؟

لتنظر له في فزع وخوف من مجرد التفكير في الامر. هو محق كل ما يخشاه باسم وابيها كان معرفة خالها بالامر فهم يخشوه، وعلى سبيل اللا منطقية في حالتها تلك تتذكر الضباع وموفاسا، استغلو فرصة موته ليستولو على ارضة وخيراتها، بريئة هي حد الطفولة.

والان خالها في موضع ضعف حتما سيعيدون الكرة ولن يفوتو تلك الفرصة، نظرت له بنظرات تائهة لا تعلم ماذا ستفعل، اين ستذهب، الى من ستلجأ، هل تستسلم للامر، ماذا عساها ان تفعل وهي وحيدة كورقة شجر رقيقة في مهب تلك الحياة، لينتشلها من تفكيرها وحيرتها تلك، صوته الذي يشبه قارب نجاة حين قال
: ممكن تفضلي هنا.!

نظرت له بنظرات تائه حائرة بترقب، بدا على ملامحها معالم الرفض ليسرع قائلا يشير الى عنايات يمحي اي فكرة مخطئة قد تورد بعقلها.
: هتقعدي هنا انتي وعنايات لحد ما خالك يقوم بالسلامة
اطرأت برأسها تفكر فهي ليس لديها اي حل آخر اما المجازفة بحياتها والرفض، او القبول الى ان يتم شفاء خالها ويتصدى لهم، نظرت له بإمتنان ثم اعترضت برقة قائلة بإحراج
: وانت. اااحضرتك يعني ذنبك ايه.؟
ابتسم قصي بارتياح قائلا.

: انا مافيش بالنسبالي مشكلة. هقعد في اوتيل. او اروح عند يوسف. ماتشغليش بالك
ثم اردف بجدية
: المهم. موافقة.؟
نظرت ارضا للحظات ثم اومأت له برقة بالغة
استقام من مكانه يلتقط الحقائب التي ابتاعها ليضعها بجوارها قائلا
: انا اسف بقى لمنظر الفيلا مالحقتش اجيب حد يوضبها.
نظرت إلى الحقائب بتسائل ليتنحنح قصي مردفا
: احم. اا هدوم علشان. لو حبيتي تغيري!

نظرت ارضا بإحراج وقد نال هو للمرة الثانية رؤية احمرار وجنتيها لكن تلك المرة نال رؤيتها كاملة،
ردت حياة بإمتنان.
: متشكرة اوي. متشكرة على كل اللي عملته معايا.
اما هو فغارق بين حروفها ونظرة عينيها، استدرك نفسه قائلا
: انا ما عملتش حاجه ياآنسة حياة. ده واجبي
اومأت له تبتسم كم بدت في رقة الزهور اثناء ابتسامتها تلك، او كفراشة تحمل اللوان عدة تجذب عينيك للنظر لجمالها رغما عنك.

ليقطع تلك اللحظة صوت يوسف عندما دلف باستهجان يوجه كلامه لقصي
: انت قولتلي استناني في العربية عشان تبات هنا.؟
شعرت حياة بالأحراج الشديد نظرت ارضا بينما قصي نظر له بغضب يتمني ان يلكمه في تلك اللحظة قائلا وهو يضغط على اسنانه غيظا
: لاء. عنايات هي اللي هتبات.
اشار له برأسه الى الخارج مردفا
: روح استناني في العربية
تنحنح يوسف. ، أومأ له بحرج يحك اسفل رأسه خارجا من باب الفيلا مرة اخرى.

وجه قصي نظره الى عنايات قائلا
خلي بالك منها. وهاتي رقمك
املته عنايات رقمها ليسجله بهاتفه ثم استدار خارجا من باب الفيلا يغتلس بعض النظرات لها قبل اغلاق الباب.
اقتربت عنايات تحتضن حياة بيديها حول كتفها قائلة في حنان مطمئن بابتسامة تبعث الراحه بالنفوس
: تعالي بقى كده خدي دش وفوقى على ما اجهزلك اوضة تنامي فيها للصبح وابقى اجيب حد يوضب بقيت الفيلا وبعدين تحكيلى حكايتك ايه.

نظرت لها حياة تبتسم بحزن لتصعد معها تتوجه إلى اعلى
اثناء صعودهم رن هاتف عنايات فتحت الخط فآتاها صوت قصي من الجهة الآخرى
: بعتلكم اكل. على وصول دلوقتي افتحي خديه، واقفلي تاني كويس.
اطاعته عنايات واخبرته الا يقلق ثم اغلقت الخط متوجهة الى اعى هي وحياة...
جثى على ركبتيه يصف ذالك المسحوق بانتظام، يستنشقه.

حد الغرق. بنشوة خاصة. لا يدرك انها متعة لحظية، وندم عمر. ، الامر أشبه بجسر. آخره فوهة سوداء تأخذك للجحيم، كلما خطوت للمضي اكثر سقطت قطعة الخشب التي خطوت فوقها. حيث لا ما مجال للرجوع. اما الهلاك. وإما السقوط، انتهى من استنشاق الكمية المطلوبة لمد جسده بذالك السم القاتل. عالق بأنفه بعض من ذالك المسحوق الابيض، ليرجع إلى الوراء يجلس ارضا ساندا رأسه على الاريكه خلفه في انتشاء، وشبه ابتسامة مغيبة على شفتيه، بينما خلف باب غرفة ما تقف عيون تنتشي برؤيته انتشاء من نوع آخر. انتشاء الإنتقام. ينظر الى عمر بنظرات قاتمة. يبتسم ابتسامة سوداء. ابتسامة الاقتراب من مراده. توجه بنظره الى تلك الجالسه بجواره ليشير اليها ان تأتي اليه، استقامت بخطوات مدللة نحو الغرفة لتدخل وتغلق الباب قائلة.

: تمام هيك.؟
اومأ لها كشيطان يحي رعاياه، اخرج من جيب سترته رزمة من النقود يلوح بها اما عينيها قائلا
: تمام. ودي مكافئتك.
التمعت عينيها بفرح تبتسم بلهفة لتأخذها من يده تبدأ يعدها،
نظر اليها يبتسم بسخرية لم تلحظها هي، فكلٌ له ثغرة،
واحدى ثغرات بني آدم. المال.
ثم اردف بجد وهو يخرج من جيبه احدي الاوراق ملفوفه على شكل مربع قائلا
: هيجيلك مرة تانيه. تديله دي. والتالته. تكلميني اجيله بنفسي.

اومأت له، فأشار لها بأن تخرج اليه، خرجت واغلقت الباب، ليضيق هو عينيه بشر يتوعد بداخله لإمرأة عشقها ولا يزال عشقها يجري بأوردته مجرى الدم، خرج من باب الغرفة الآخر الموصل إلى الدرج الخلفي للمنزل ركب سيارته وبعد عدة دقائق صفها اما احدى البنايات صعد بعض الدرجات ثم توقف امام شقة ما يطرق باباها ببطء لتفتح له الباب. حوريه سمراء، شعرها مموج يصل الى منتصف ظهرها، عيونها واسعه تحددها بكحل اسود قاتم، تنظر له بعينين متسعتين زعرا تذدرد ريقها ببطء، اما هو اخفى سريعا نظرات عشقه لها تحت ابتسامه ساخرة ليدلف دافعا اياها الى الداخل تقدم بخطوات متمهله يضع يديه بجيوب بنطاله، تنظر الى ظهره بترقب مرتعب، إلتفت لها فجأة، ينظر لها نظرات حادة، لتنتفض خوفا من مجرد نظراته فقط. ، تقدم نحوها ببطء شديد يزيد من توترها.

لتقول هي بنبرة مرتعشه تجاهد كى تخفي خوفها منه
: ايش تبي.؟
ليبتسم بسخريه مريرة قائلا
: جديد السؤال ده. ثم تحولت تعابير وجهه إلى غضب كامل، ليردف وكأنه يقص عليها امر ما
: الاول لفيتي على العيل الصغير تقلبي منه قرشين.
ثم تقدم بخطواته اكثر من اللازم واردف
: اخوه ياعيني حب ينقذه منك فقال يشغلك بعيد عنه انتي ما صدقتي طبعا. قصي الزيني بذات نفسه بشركاته وفلوسه. ، رمالك الطعم. وانتي خدتيه.

رمشت عدة مرات وانفاسه الغاضبة تكاد تحرق بشرتها، ثم اردف مراد
: وبعدين رماكي زي الكلبه.
شدد من حروف اهانتها لتلتمع عيونها بدموع قائلة
: ياللي بينا انا وقصي خلاف. راح ينحل مع الوقت.

اتسعت عينيها تلتقط انفاسها بصعوبة يتحشرج صوتها عندما دفعها مراد الى الحائط قابضا بقبضة يده على رقبتها ينظر لها بحدة تكاد تفتك بها نظراته وكأنها بذكر اسمه على لسانها قد اشعلت نيران حارقة بقلبه. براكين تأكل اوردته. ، وبنبره كالسم من بين انفاسه الحارقة قال
: إلى بينك وبينه. مراد مختار.

نظرت له وعينها على وشك الخروج من محجرهما. تختنق. تلونت شفتيها باللون الزرق بينما وجهها شديد الاحمرار تكاد تلفظ نفسها الأخير. فأردف مراد يضغط على اسنانه
: واللي يفكر يبص لحاجه بتاعتي. يبقى جنى على حياته
ثم تركها لتسقط ارضا تشهق شهقات متتاليه، تلتقط انفاسها سريعا واضعة يديها على رقبتها، تسعل بشدة.

فأردف هو وقد آلمه قلبه لمرآها هكذا لكن احتراق نيران غضبه قد طغى على تأثره بآلامها، ليتركها ويخرج صافعا الباب خلفه بقوة
لتصرخ وهي ما زالت على وضعها ارضا تنتحب ببكاء، فهي كانت على وشك الموت، قائله
: بكرهك. بكرهك.

وصلت حنان برفقة سارة الى المنزل حيث اخبرهم الطبيب ان منصور لن يفيق قبل صباح الغد، فوجدوا ان لا جدوى من الجلوس بالمشفى، دلفا الى الداخل وكأن المنزل اصبح كهفا مظلما فارقته الحياة. بلا روح. بلا بهجة نزلت دموع حنان قائلة
: ياترى انتي فين يابنتي.
يتملكها حزن عتيق يعيد لها زكريات سوداء
ربتت سارة على كتفها تهدئ من روعها
تبكي هي الاخرى صديقتها وتوأم روحها...

ما اروع ان يكون لك رفيق يساندك في احلك اوقاتك سوادا، يؤازرك ويقف جوارك كظلك.
جلس قصي متعبا مغمضا عينيه يستند برأسه على الكرسي المجاور ليوسف بينما يتولى الأخير القيادة، نظر له في شفقة قائلا
: بتجيب لنفسك وجع القلب.
فتح قصي عيونه ناظرا الى سقف السيارة يتذكر وجهها المزعور، احمرار وجنتيها، ابتسامتها، رقتها، اسمها.
ردده بداخله وكأنه يتذوقه حياة،
التفت إلى يوسف بعينيه قائلا
: تعبان. وديني اي اوتيل.

نظر له يوسف باستنكار قائلا
: بعد المرمتة دي كلها من صابحية ربنا. وعاوز تقعد في اوتيل. لا بتحس ياواد
ابتسم قصي بتعب يغمض عينيه قائلا بصوت متحشرج متعبا
: انا في الاحساس ما عنديش يااما ارحميني.
علت ضحكات يوسف تدوي في سكون الليل، ليصل إلى منزله بعد عدة دقائق بصحبة صديقه.

جلس يستند بإبهامه وسبابته إلى ذقنه يفكر بشرود في تلك الجنية التي ظهرت فجأة لتقلب حياته رأسا على عقب، واختفت فجأة كما ظهرت. افكاره غير مرتبه. صورتها امامه دائما، يتذكر تلك الجلبة التي اصدرتها صباح ذالك اليوم. شراستها ووقاحتها في الرد عليه. ثم عيونها الدامعة تترجاه كي ينقذ عصفورها، ابتسم عند تلك الفكرة، ليلتفت بنظره نحو العصفور ينظر له بشرود تام لولا وجوده لظن انها حقا جنية. او كان يهيأ له وجودها.

ليتفاجأ بصوت جدته ينتشله من ذالك الشرود قائلة
: ايه يا دكتور. هتفضل فاتح العيادة للصبح.؟
اعتدل حمزة يفرك وجهه بتعب قائلا
: لاء. هقفل اهو يا تيتا.

ثم استقام ناهضا يتوجه نحو قفص العصفور يحمله بين يديه ليخرج به من العيادة تحت نظرات جدته المزهوله لما يفعل لتبتسم بداخلها ترفض فكرة انه من الممكن ان يكون قد وقع في حب تلك التي ينعتها بالمجنونة، ضيقت ما بين حاجبيها بتفكير. ولماذا ترفض تلك الفكرة من الاساس لتتسع ابتسامتها تلحق به وتنوي في نفسها على ان تتحقق من ذالك الأمر...

اسدل الليل ستائره. البعض يناجي ربه باكيا يرجوه من عطفه ورحمته ان يحفظ احبابه...
والبعض قد غلبه النوم بعد يوم طويل اشبه بالحرب.
والبعض الآخر يجلس غاضبا كمن يجلس على جمر مشتعل، عينيه تكاد تنطق بالشر. الغيظ. الغضب.

كانت بين يديه، تحت مخالبه، خطوة واحدة فقط و وستكون ملكه وتحت إمرته، لكنها تبخرت كالدخان من بيت يديه، لا يجد تفسيرا واحده لأختفائها في المطار، سيجن، حقا سيجن لم تخرج ابدا منه ولم تكن بالداخل. لقد بحث وفتش شبرا شبرا بالمطار لم يكن لها اثر، اذا اين يمكن ان تكون قد ذهبت. انتبه إلى انه لم يلقى اي ردة فعل من منصور بعد، ترى ايمكن ان يكون هو من انقذها لكن كيف واذا كان هو فحتما سيواجهه. فمنصور ليس من النوع الذي يضرب احدهم بظهره، بل كان سيقف بمواجهته، اذا لماذا لم يصدر اي ردة فعل، لماذا ذالك الصمت المربك. الهدوء المريب، يخشى هو ان يكون هدوء ما قبل الإعصار،.

فكر قليلا ثم التقط هاتفه يحادث احد رجاله قائلا
: تراقبلي منصور المنياوي 24 ساعة ما يغفلش عن عينك. تنقلي كل تحركاته
ثم اغلق الهاتف وما زال الشرر يتطاير من عينيه يتوعد لها سرا...
اشرقت شمس اليوم التالي تنشر نورها في الاجواء بشعاع امل يتوهج داخل القلوب، استيقظت من غفلتها فهي لم تنم سوى ساعات قليله نهضت تحضر نفسها للذهاب إلى منصور. هو لا يمثل لها زوجها فقط. لا. هو عالمها. هو عمر مضى. وكل لحظة آتيه.

ادت صلاتها وارتدت ملابسها ثم نزلت لتجد سارة تستعد للذهاب معها
: صباح الخير ياطنط
حنان بصوت متعب ردت
: صباح الخير ياحبيبتي
استأذنتها سارة بأحراج مرتبكة
: بعد اذنك بس هروح اجيب شوية حاجات من البيت واجي اقعد معاكي هنا.؟
اقتربت منها حنان، تربت على ظهرها بعاطفة ام قائلة
: ده بيتك ياحبيبتي. وانا ياما اتحايلت عليكي تيجي تعيشي معانا هنا وانتي اللي ماكنتيش بترضي.

التمعت الدموع بعيون حنان فقد فرغ عليها المنزل من احبائها
لتنظر لها سارة وقد فهمت دموعها لتقول بتأثر
: هيرجعو. باذن الله هيرجعو
اومأت حنان تغمض عينيها قائله
: ياارب. يارب
مسحت دموعها بيديها ثم تردفت
: يالا روحي وماتتأخريش هستناكي علشان نروح المستشفى سوا
امأت لها سارة وخرجت متوجهة إلى منزلها.

وصلت امام المنزل فالمسافة بينها ما يقارب عشر دقائق سيرا فتحت الباب ودلفت، ارتمت على الاريكة متنهدة بتعب تخلع حجابها، بعد لحظات نهضت تلملم كل ما ستحتاجه اثناء فترة الجلوس مع حنان، اخذت اشيائها وهمت بالخروج ليأتيها صوت جرس الباب.
ظنت انها حنان وقد اتت اليها لإختصار الوقت
فتحت الباب لتجد شخص ما يرتدي جلباب وعبائة ينظر لها كليا في نظرة واحدة، اسرعت ترفع حجابها تلفه على شعرها قائلة بغضب
: انت مين.؟

اما هو يقف مشدوها بجمالها لم يكن يتوقع انها بتلك الجمال. قد رأى الكثير لكنها تتمتع بجمال خاص. مميز، عيون واسعة بلون العسل الصافي، على ما يبدو ورثتهم عن عمه، بشرة قمحية، وقوام ممشوق.
غضبت سارة من تحديقه بها بهذه الطريقة لتزعق قائلة
: ايييه.؟ عاوز مين انت.؟
ابتسم سالم باتساع وقد راقته شراستها تلك.
لتقف هي كالصنم خفقات قلبها تدوي كالطبول خوفا عندما تحدث الماثل امامها قائلا.

: جرا ايه يابت عمي. ما هتجوليش لواد عمك اتفضل ولا ايه
لم تتخيل ابدا في اسوء كوابيسها ان المواجهة ستكون يذالك الزعر، وستصاب بتلك الرهبة والخوف، كم تحتاج الآن الى امها. منصور. حياة، او ايا كان ينجدها من تلك المواجهة التي سيلقى قلبها حتفة صريعا اثر الخوف، لا تعلم لماذا تذكرت الان العصفور و ذالك الصقر. حين انقذته لكن. هل لها من منقذ الان...
استيقظ على رنين هاتفه برقم احد رجاله ليرد بصوت ناعس
: ايه.؟

اتسعت عينيه يبتسم بشر. بشيطانية. عندما اتاه الصوت على الجهة الأخرى
: منصور المنياوي عمل حادثة امبارح. وبين الحياة والموت
ليرد عليه قائلا خليك عنده وعينك على اللي داخل واللي طالع لو لمحتها تعمل اللي قولتلك عليه
ثم اغلق الخط وتتسع ابتسامته فصفقته المربحة ستعود له مرة اخرى ولكنه لن يفلتها تلك المرة فلم يعد لها احد وابيها لا يبالي بها. بل يمتلكه هو بين قبضة يديه.

اختفت ابتسامته فجأة عندما راوده هاجس ان يتعافى منصور ويظل على قيد الحياة، فسيكون عائقا في طريقه،
التمعت عينيه بشيطانيه يفكر ليبتسم فجأه يطلب رقما ما ينتظر الرد ليأتيه على الجهة الاخري رشدي قائلا بلهفة
: باسم. عرفت اللي حصل.؟
باسم بنبرة كالموت
: عرفت.
رشدي وهو يسأله بترقب
: طب هتعمل ايه.؟
ليأتيه صوت باسم من الجهة الآخرى قائلا بغموض
: تؤ تؤ. انت اللي هتعمل.

ضيق رشدي عينيه ليفهم مخذى كلامه ثم اتسعت عينيه فجأة وعلى ما يبدو انه فهم مقصد كلماته
: تقصد ايه.؟ لا انا معاك اساعدك في شغلك اه. انما كده. لاء.
رد باسم ساخرا
: جرى ايه يا رشدي. انت اول مرة تعملها.؟
اتسعت عيني رشدي لآخرهما تتوتر حركتها يذدرد ريقه ببطء
ليردف باسم بنبرة شر أسود قائلا
: اتنين مليون جنيه، وتبعته لأخته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة