قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والعشرون

صعد الدرج الخاص بشركته غاضبا. تتدفق الدماء بعروقه وكأنها امواج بحر هائج تتلاطم ببعضها غضبا. تعصف نصف أفكاره. والنصف الآخر متوقف تماما عند نقطة ما. نقطة كانت بدايتها من مكتب منصور. نقطة فاصلة بين الحقيقة والخداع. بين الأصل والزيف. حيث قطع حديثه مع منصور مكالمة من احد موظفي الشركة يخبره بأن عليه الحضور فورا. لوجود الشرطة في الشركة لسبب ما لا يعلمه. فأصر منصور على الذهاب معه. برفقته. مقررا بداخله أنه لن يتركه مجددا بعدما وجده. بعدما عثر على روحه المفقودة منذ سنوات. توجه قصي بثبات رغم اشتعال غضبه نحو مكتبه يتبعه منصور. ونظرة العين واحدة. والخطوات واحدة. والعدو واحد. دخل قصي الى مكتبه حتى توقف ينظر حوله الى تلك الفوضى التي احدثها رجال الشرطة. ولا يعلم لما. وما السبب.؟، تحدث يوجه حديثه الى ضابط الشرطة، يضغط على قبضة يديه بشدة يكاد يدميها قائلا.

: في ايه.؟ ايه اللي بيحصل هنا.؟
نظر له الضابط بلا مبالاة يسأله بسخرية
: مين سيادتك.؟
نظر قصي الى منصور الذي يقف بجواره. ثم رد قائلا ومازالت نيران غضبه مشتعلة وربما ظلت حتى حين.
: قصي عبد السلام الزيني. مدير وصاحب الشركة.
تقدم منه الضابط ببطء ينظر الى عينيه مباشرة قائلا باعتذار ساخر مشيرا الى ما حوله
: آسفين يا باشمهندس. قلبنا لك المكتب.
رد قصي قائلا يسأله.

: في ايه بالظبط. وسيادتك موجود هنا في مكتبي بصفتك ايه.؟
و بإبتسامة جانبية ساخرة اجابه الضابط قائلا
: بصفتي ظابط مباحث في مكافحة المخدرات.
ضيق قصي ما بين حاجبيه بعدم فهم ينظر الى الضابط بصدمة قائلا
: مخدرات ايه.؟ انا مش فاهم حاجة. ايه علاقة المخدرات بوجود سيادتك في مكتبي.؟

وضع الضابط اصبعه الصغير بداخل اذنيه يحكها في حركة مفادها عدم الإهتمام ينظر الى رجال الشرطة من حوله وهم يحاولون البحث عن تلك المخدرات قائلا
: علاقة وجودي هنا ايه. بشوف شغلي. جالنا بلاغ بيقول ان في مخدرات في مكتبك يا باشمهندس.
ثم نظر اليه مردفا
: مش بس كده. وانك بتتاجر فيها كمان.

اتسعت عيني منصور ينظر الى ولده بزهول. ولده! اي تجارة. واي مخدرات تلك التي يتحدث عنها ضابط الشرطة. هل دست ناهد سمها بإنسانية وأخلاق ولده كفطرة فأتلفتها.؟ هل حقا يتاجر ولده بتلك السموم. هل صحيح ما يتفوه به ذلك الضابط.؟
اما قصي فقد تأججت براكين غضبه وأوشكت على الإنفجار وقبل ان يرد على الضابط آتي أحد رجال الشرطة يؤدي التحية قائلا يوجه كلامه الى الضابط
: تمام يا فندم. ما لقناش اي حاجه.

نظر له الضابط شذرا قائلا
: دورت كويس يا ابني.؟
: ايوه يا فندم. مافيش اي حاجه.
زفر الضابط ينظر بجواره قائلا يوجه كلامه الى أفراد الشرطة.
: يالا.
انسحبت قوات الشرطة وظل الضابط واقفا. نظر الى قصي قائلا
: احنا آسفين يا باشمهندس على الدربكة دي. انت عارف. احنا لازم نشوف شغلنا.
نظر له قصي تحاكي عينيه لهيب محترق. يسأله بإقتضاب قائلا
: مين اللى قدم البلاغ.؟
رد الضابط قائلا.

: للأسف شخص مجهول. آسف مرة تانية، بعد إذنك.
خرج من المكتب لينظر في أثره كل من قصي ومنصور ثم يتبادلون النظرات فيما بينهم. ولا يستطيع احد منهم معرفة ما يدور بمخيلة الآخر. فتفاجأوا. بأحد عمال النظافة الخاص بالشركة. يدخل بحذر ينظر يمينا ويسارا يتأكده من عدم وجود احد. أغلق الباب جيدا ثم تقدم بخطوات سريعه نحو قصي تحت نظراتهم المستغربة. يهمس له قائلا
: عاوزك لوحدك يا باشمهندس بعد إذنك.

نظر قصي الى منصور الذي بدوره قد علم ان خلف ذلك الرجل أمر ما. تحدث قصي قائلا
: قول يا عم مغاوري. عاوز ايه؟
نظر عم مغاوري الى منصور قليلا ثم اخرج من داخل ملابسه لفة سوداء. فنظر كل من قصي ومنصور اليه باستغراب
قائلا يحرص على خفوت نبرة صوته.

: وانا بنضف المكتب زي كل يوم الصبح. لقيت الكيس ده في سلة الزبالة. واما فتحته عرفت البلوة اللي فيه. وبعدين اتفاجأت بدخول البوليس الشركه. فخبيته في هدومي قبل ما يدخل المكتب وخرجت منه بسرعه.

استمع اليه قصي بعدم فهم. حتى أخذ منه ذلك الكيس يفتحه. تحولت نظرته الى صدمة. زهول تام. فعلى ما يبدو ان ذلك الكيس يحتوى على كمية كبيرة من الهيروين. تبادلا النظرات بعيون متسعة كل من منصور و قصي. ليردف مغاوري قائلا بابتسامة بسيطة
: انا عارف اخلاقك كويس يا باشمهندس. وعمري ما هنسى وقفتك جمبي في جواز بناتي.
اتسعت ابتسامته مردفا بتأثر.

: آه الموضوع فات عليه اكتر من سنة، وممكن ما تبقاش انت فاكره. لكن معلم في قلبي و يارب اقدر ارد لك الجميل ده في يوم من الأيام.
يا الله. لم تتدنس فطرة ولده بسم ناهد. بإبتسامة اعجاب داخليه. وفرحة عارمة تظهر من خلال نظرة عينيه حدث منصور بها نفسه. نظر قصي بإمتنان الى مغاوري قائلا
: ما تقلش كده يا عم مغاوري. انا زي ابنك. وانا اللي مش عارف ارد لك الجميل ده ازاي.؟ لولا تصرفك ده كان زمانهم واخدني معاهم.

حمد الله كل منهما. توجه قصي نحو مكتبه يضغط على زر ما. وبعد لحظات دخل السكرتير الخاص بمكتبه ليسأله قصي قائلا
: مين دخل مكتبي وانا مش موجود.؟
نظر له بتذكر. ثم رد قائلا
: مافيش غيري يا فندم. واستاذ عمر اخو حضرتك.

لا. لا يمكن. بعينين متسعتين حدث قصي نفسه مستنكرا بداخله ان يفعل اخيه ذلك به. وبتيه. وتشتت افكار. طلب منه احضار تسجيلات الكاميرا الخاصة بمكتبه. بعد بضع دقائق احضرها سكرتيره الخاص بعد ما افرغ الكاميرا. ليفتح قصي التسجيلات وتأتيه صورة اخيه وقد شك انه هو لما اصبحت عليه هيئته الآن. يتحرك بتردد داخل المكتب. يمسك بين يديه ذلك الكيس يضعه على المكتب. ثم يأخذه ثانية. يفتح درج المكتب يضعه بداخله مغلقا اياه. وبخطوات سريعه يتجه نحو باب المكتب للخروج. ثم يمسح على وجهه بعنف وقد لمح قصي دموع عينيه. وبخطوات اسرع توجه نحو المكتب مرة ثانية. آخذا ذلك الكيس يقف به يدور حائرا وسط المكتب حتى توجه الى سلة القمامة بخطوات بطيئة وقف امامها ينظر قليلا الى ذلك الكيس بين يديه ثم مسح دموع عينيه بظهر يده واضعا الكيس بداخل سلة القمامة. ثم خرج من الغرفة مسرعا. استقام قصي ببطء وقد سيطر الغضب متمكنا على جميع حواسه. نطق بإسم شخص مجهول بالنسبة الى مسامع منصور. شخص لم يتعرف بعد على آلام الفقد بين يديه. شخص سيختبر فقد آخر من تجاهه. مراد مختار...

بكل جبروت. وشيطانية. غير عابئا بهزلان جسده امام قوة جسمانه. وقف يكيل له اللكمات بوجهه. يضربه بركبته بصدره وبطنه. غير عابئا بتلك الدماء التي تتدفق من فمه وانفه بغزارة او كونه اصبح كقطعة القماش المهترئة بين يديه. افرغ به كل ما بجعبته من غضب. ثم دفعه ارضا ليستقر عمر مجثي على وجهه ارضا. تتدفق الدماء من معظم اجزاء جسده. يمسك ببطنه يتأوه بصوت عال. وقف مراد يلهث وكأنه كان يصارع احدهم فوق حلبة المصارعه الحره. تحترق انافسه ينظر اليه يغضب قائلا.

: انا هخليك تموت زي الكلب هنا بالبطيء.
ثم ضربه بقدمه بأحد جانبيه ضربة قوية صرخ لها عمر ألما. وأردف
: هعرفك. ازاي تلعب بمراد مختار.
وعلت نبرة صوته زاعقا بغضب أعمى.
: حتة حشرة زيك يلعب بيا انا.

وبكل جفاء. وعدم رحمة. وموت ضمير. وحقد شخص مختل. اخذ يضربه بقدميه بجنبه وظهره. حتى كف عمر عن الحركة. مستسلما لتلك الدوامة السوداء تبلعه بداخلها. أرفق به عقله من شده الضربات والشعور بالألم فأخذه في رحلة سبات. وعدم شعور بتلك الآلام.

دنا مراد يضع يديه على رقبته متفقدا نبضه عندما سكنت حركته. وعندما اطمئن الى انه مازال على قيد الحياة تركه خارجا يصفع الباب خلفه بقوة. يستعير شياطينه استعانة بهم لمخطته الجديد...
كان كل شيء عنها. كل تفصيلة تخصها، امامه قبل المساء.

اسمها. سنها. دراستها. مع من كانت تعيش. ومع من تعيش الآن. ابتسم بإتساع. فلم يكن يتوقع ان يعثر على ما يبحث عليه بتلك السرعه. ما اضطر من اجله ترك بلاده والعودة الى موطنه. و وطن والده. جلس متنهدا يستعيد ذكرى لم يفت عليها الكثير من الوقت. ذكرى لم يفت عليها تقريبا اكثر من شهرا ونصف. تحديدا بعد وفاة والدته بعدة اسابيع...

Flash back.

بمدينه ما تابعة لدولة اوربيه جلس آدم امام قبر والدته يبدو على معالمه الحزن الشديد. ينظر له بشرود. حيث توفى جده قبل بضعة اشهر. والآن. ومنذ ثلاثة ايام فقط توفت والدته. قد امسى وحيدا لا احد له. فتفاجأ بمن تقف خلفه تضع يديها على كتفه. نظر اليها بوجوم عندما وجدها صديقة والدته. تلك العجوز المرحة إيلين قصيرة القامة. بجسد ممتلئ قليلا وظهر منحنى. وشعر ابيض كبياض الثلج المتساقط في وقت شتائهم. وعيون بلون السماء. تبتسم له ابتسامة تبث الأمل كأسهم من نور في ظلام اليأس. استقام آدم واقفا ينظر الى قبر والدته قائلا بحزن.

: لقد توفت والدتي أيلين. لم يعد لي اي شخص آخر بالحياة. اولا جدي. ثم والدتي.
ربتت إيلين على كتفه ثم تقدمت تخطو بعكازها حتى وقفت امامه قائلة بمرح وهي تمسح دموع عينيها اللتي تتساقط على خطوط بشرتها بظهر يديها.
: وانا ايها الأحمق الصغير. هل احضر لك تابوت تضعني به الآن كي تستريح.
ابتسم آدم بحزن فتلك السيدة تمتلك روحا ايجابية. لو وزعت على العالم لملئته وفاض. فأردفت ايلين قائله بجد.
: استمع الى جيدا آدم.

ثم نظرت الى قبر والدته قائلة بحزن وقد عادت دموع عينيها بالتساقط ثانية
: سارة لم تكن فقط صديقتي المقربة. بل كانت أختا لي. واكثر.
ثم نظرت اليه مجددا مردفة
: قد تركت لك شيء معي. اعطته لي قبل وفاتها.
نظر لها آدم بتسائل. لتردف هي بابتسامة جميلة تخرج خطابا من جيب ردائها قائلة
: انت لست وحدك آدم. بل لك عائلة. وعائلة كبيرة جدا.
نظر ارضا وقد ظن أن ما تتفوه به مجرد مجازا. لتتحدث ايلين قائلة.

: هذه هي الحقيقة بني. لك عائلة. عائلة والدك.
نظر لها آدم بإستغراب قائلا
: ماذا.؟ ماذا تقولين ايلين.؟ اي عائلة. الا تعلمين ان والدي قد مات منذ كنت صغير.
ثم شرد للحظة مردفا
: حتى انني لا اتذكره مطلقا. ولم أراه بحياتي. كيف يصبح لي عائلة خاصة بوالدي.؟
وضعت الخطاب بين يديه وبإبتسامة محتوية ردت قائلة
: اقرأ هذا بني. وستعلم كل شيء.

ثم تركته ذاهبة تمشي بعكازها بخطوات قصيرة. نظر لها ثم فتح الخطاب الذي بين يديه. يقرأ سطوره المكتوبة بخط يد والدته...
« آدم. بني. اعلم انك تقرأ ذاك الخطاب الآن وانا لا وجود لي على وجه الأرض...
هل تتذكر عندما كنت طفلا صغير. دائما ما كنت تسألني عن اسم والدك الحقيقي. ولماذا اسم جدك يتبع اسمك. بينما بقية أصدقائك يتبع اسمهم اسم والدهم...

لم اكن ادري بماذا اجيبك، سامحني بني، سامحني لأنني اخفيت عنك حقيقة ان والدك على قيد الحياة...
سامحني لأنني لم اخبرك انه تخلى عنك وعني من اجل تقاليد عائلته الواهية...
احببته كثيرا بني، احببته وكأنني لم احب احدا غيره...
ولن انكر انه احبني، لكن لم يحبني بالقدر الكافي...
فعندما اصر عليه والده ان يترك تلك البلد ويعود الى وطنه أذعن لأمره...
تركني وترك لي بالسفارة ورقة تثبت تخليه عني وعنك...

لم اكن اعلم انك كنت تتكون بداخل احشائي وقتها...
وعندما علمت اصررت على بقائك، تمسكت بك بني...
ولعل هذا يغفر لي عندك ما أخطأت فيه بحقك.
وعند ولادتك قررت انني لن اخبره، كنوع من انواع الإنتقام...
قد تركني ولن اخبره بوجودك...
عارضني جدك كثيرا...
فأنت تعلم انه يحمل تلك الدماء الشرقية...
لم اكن ادرك وقتها انني انتقم منك انت بني...
كنت اتألم كلما كنت تذكره، كلما كنت تسألني عن صورة له...
حتى اصر على جدك بإخباره...

و بحثت عنه، ثم ارسلت له صورتك وخطاب اعلمه فيه ان له ولد، يريد رؤيته بشده، يحتاج الى أحضانه...
ولكنه لم يرد، لم يرد على خطابي له، وما زاد ذلك في قلبي سوى احتراقا...
اكتب لك الآن بدموع عيني بني، كل ما احتاجه منك هو مسامحتي، ان تغفر لي، ان تغفر لي عشقي، ان تغفر لي الثأر لكرامتي، ان تغفر لي عدم الإلتفات لك، والنظر فقط للإنتقام من والدك...
اود ان اقول لك انني احبك، احبك كثيرا بني...

اريد إخبارك الآن بإسم والدك الحقيقي...
علك تنجح انت في الحصول على رد منه، وربما رق قلبه لك عند رؤيتك...
قد تركت لك صورة له مع الخطاب...
وكما كنت تتمنى دائما سأكتب لك اسمه خلف اسمك مباشرة...
آدم فؤاد حافظ
والدتك، سارة محمود المصري...
وداعاً بني، »
Back.

لم يكن يعلم بأن له اخت. لم يكن يعلم بأن لها وجود من الأساس. عاد الى مصر للبحث عن والده. وقد أكد له ذلك الملف الخاص بكل شيء عنها. وأسمها أيضا. الذي ربما يكون والده قد اختاره لها. على اسم محبوبته. سارة. والدته. لا يعلم أتلك مصادفة. ام حكمة الاهية. وتدابير قدر، نهض يتجه إلى الخارج عازما على الذهاب اليها مرة ثانية...
آتاه اتصالا من عبد السلام. فالتقط هاتفه يرد ليأتيه صوته قائلا بحزن.

: انت فين يا ابني...
رد عليه قصي من الجهة الأخرى وقد استغرب لهجته الحزينة
: خير يا بابا مال صوتك
زفر عبد السلام بتعب قائلا
: يمنى نازلة مصر كمان يومين. عاوزك تجيبها علشان هبقى مشغول.
سأله قصي من الجهة الأخرى قائلا
: وده اللي مزعل حضرتك كده.؟
ابتلع عبد السلام غصته بصعوبة ليرد قائلا
: زهيرة عملت حادثة. وفي المستشفى...

انهت يوم عملها الشاق. بالنسبة اليها. لملمت أشيائها خارجه من الشركة. لتتسع عينيها فجأة. تنظر الى ذلك الذي يقف مبتسما لها على الجهة الأخرى من الطريق. يشير لها. جزت على على اسنانها غضبا. عبرت الطريق اليه. وقفت امامه تنظر له بإستنكار قائلة
: انت ايه اللي جابك هنا.؟
نظر لها يرفع حاجبه الأيسر بابتسامة. تصنفها هي تحت مسمى السماجة. قائلا
: به. وما جيش ليه.؟، مش بت عمي اياك.؟

اغمضت سارة عيونها بقوة تملئ رئتيها بالهواء ثم تزفره دفعه واحده غيظا. فأردف سالم قائلا
: يالا علشان اوصلك. وتلحجي تحضري شانطتك
نظرت سارة الى الطريق خلفها تزفر بضيق. ليبتسم هو ابتسامة ماكرة مردفا بما جعلها تثبت له عكس ما يقول
: اوعاكي تكوني خايفة تركبي معاي.

التمعت عينيها بشرارات التحدي اللتي تبهره هو شخصيا. فنظرت له بعدم اهتمام تتوجه الى السيارة تفتح بابها لتركب مغلقه الباب بقوة. ابتسم سالم بظفر. فقد تأكد من انه يسير على الطريق الصحيح. ركب سيارته يحركها متجها بها الى منزل منصور. وهناك. خلفهم مباشرة. تنضح عيونه بنيران مشتعلة غضبا. تفيض من مقلتيه براكين منصهره. لكن انصهارها ليس غضبا تلك المرة. بل شيء آخر. شعور ما يؤرق رجولته. يحتبس قلبه تحت قبضة من نار. نار لا تنطفئ ابدا. شعور الغيرة. ليتحرك خلف السيارة سريعا يتبعهم. واثناء تحركه لمح آدم يتوقف امام الشركة بسيارته لتتأجج نيران الغيره بداخله اكثر. هل يتوقف الآن وينزل من السيارة يبرح ذلك الذي ربما يكون من فصيلة البغال ضربا. وسيرفض علاجه بعدها. ام يذهب خلف تلك السيارة التي ركبت بها تلك الحمقاء بدون تردد. ليحسم تردده بالتحرك خلفهم بالسيارة. يتوعد لها بداخله. لكن عليه اولا معرفة من ذلك الشخص الذي ركبت سيارته بكل سرور...

صعد درجات سلم المشفى. وصل الى رواق العناية المركزة. وقف امام غرفتها يفتح بابها ببطء. حتى ظهرت له شيئا فشيئا. ممده على الفراش تغطيها اسلاك وخراطيم بعضها موصل برأسها. وآخر بأنفها. هل حالتها حرجة الى تلك الدرجة. ليتذكر موقف بكاء حياة على والدها. اين تلك الدموع. لما لا تنزل من عينيه. اين ذلك الفزع لمجرد تخيل فقدها. دخل يقف امامها شاردا بها. كيف لشخص ان يحمل ملامح شخص آخر بتلك الصورة. كيف لها ان تشبهها بتلك الدرجة الكبيرة. قطع افكاره دخول عبد السلام يمرر نظره بينهم بقلق. يحث نفسه هلى الإعتراف الآن. وفورا. اقترب منه قائلا.

: قصي. انت جيت.
التفت اليه قصي ببطء يضع يديه بجيب بنطاله يومأ له بهدوء. يرتب عبد السلام افكاره. يلملم تبعثر الكلمات بداخل عقله. ليخرج جملة اعتراف واحدة. يخرجها وكأن روحه هي التي على وشك الخروج. يقف بإرتباك يرمش بعينيه. يتصبب منه العرق. ليقرر أخيرا خروج الكلمات وكأنها انصال حادة تقطع لسانه اثناء خروجها
: قصي. اناااا. عاوز اقولك على حاجة. حقيقة. لازم تعرفها.

يبتلع ريقه بتوتر، ليرفض المرور فيرجع مرة اخرى غير قادرا على بلعه اثر توتر كل حواسه. ليتوقف قلبه عن الخفقان. تتسع عينيه ينظر إليه بزهول عندما اردف قصي بإبتسامة ساخرة ونظرات غامضة. ونبرة هادئه رغم براكين قلبه المحترق غضبا
: عارف. ولا انت ابويا.
ثم اشار برأسه نحو زهيرة الممددة على سريرها مردفا
: ولا هي أمي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة