قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والعشرون

وقف مصدوما ينظر له بخذي. وكأن صخرة ما سقطت توا من مكان عال على رأسه مباشرة. تساقطت دموع ندم و حسرة من عينيه. فقد حدث ما يريد. قد علم قصي اخيرا الحقيقة. الحقيقة التي تمنى كثيرا ظهورها. لتدب الحياة بضمير يحتضر، ومع ذلك لم يشعر بتلك الراحة التي كان ينتظرها. بل زادت من ضيق داخله وكأن جبلا ما يجثم فوق صدره. تقدم منه قصي بمشاعر متداخلة. تصنيفها حرب. لا خاسر فيها سواه. ضيق عينيه ينظر اليه بتركيز. والآخر انفاسه على وشك التوقف. يبكي بنشيج يحرق روحه. ويستحق. وقف امامه مباشرة لا يفرق بينهما سوى سنتيمترات. شرد قصي فيه اثناء بكائه. ثم اردف بصوت هاديء هدوء نسمات الهواء في فصل الربيع. بينما عواصف تعصف و براكين تشتعل بين عقله و قلبه.

: صح.؟ مش هي دي الحقيقة اللي عاوزني اعرفها.؟
هم عبد السلام ان يرد. يبرر. يدافع. يقدم زريعة قوية لفعلته. قبل سقوط مقصلة الحق للقصاص منه. لكنه لم يستطيع. انفرجت شفتاه للتحدث ليتوقف الكلام بحلقه. لم يجد تبرير لما فعل. تخلت عنه الزريعة تاركه إياه في ذلك الموقف المؤسف ورحلت. فأردف قصي بدموع لا يعلم مهيتها. اهي حزن. ام فرح. ام أسفا على وجود هؤلاء الذين ينحني الشيطان تحية لهم.

: ليه.؟ هي وعرفت هي عملت كده ليه. لكن انت.؟
وقهرا. أرغم صوته على الخروج ونقل حروفه الى مسامع قصي. رد بنشيج باكي.
: سامحني. سامحني يا ابني.
ضحك قصي بخفوت. ينظر ارضا. فتحول الخفوت الى ضحكات صاخبة رافعا رأسه الى أعلى. وقد بدى الموقف وكأن احدهم القى له دعابه ما. سرعان ما كبح جماح اشتعال النيران بداخله بعد لحظات. ينظر له مرة أخرى قائلا
: اسامحك.؟

وحديث طويل يريد قوله. ومعاناة اختبرها يريد تذكيره بها. لكن يجب عليه الحصول على شيء ما فأومأ له مردفا
: هسامحك. بس حقي اني اعرف ايه اللي حصل بالظبط.
وبابتسامة ساخرة اردف
: احكيلي بالتفصيل الممل يا جوز خالتي.
نظر له تتجسد الحسرة بعينيه. يتمنى الرجوع بالزمن ولم يكن ليفعل ذلك ابدا.

وكزائر صحراء على وشك الموت عطشا. رأى في شرطه لقص ما حدث منبعا للحياة مرة أخرى. غافلا. لا يدرك ان ما رآه ليس سوى سراب. قص على مسامعه ما حدث بداية من حادثة موتها المزيفه. مرورا بخطة خطفه. حتى نزولها الى مصر و قتل عليا. يحكي له وكأنه يعدو راكضا. حتى وصل الى النهاية بانتظار مسامحته. نظر له قصي بمعالم وجه غير مقروءه. ونظرات تعدت حاجز العتاب. والآخر ينظر له بلهفة مترقبا يذدرد ريقه بصعوبة. حاز هو على اعتراف كاملا بصوت عبد السلام. له ولقوات الشرطة الذي تفاجأ بهم عبد السلام حوله. كان ينتظر المسامحة. فتفاجأ بالجزاء. تقدم الضابط شريف يقيد يديه بالأصفاد، برفقة منصور الذي تفاجأ بصدمة أخرى. صدمة جديدة. ان الماثل امامه هو نفسه ابن عم زوجته. يسري الخولي الذي من المفترض انه هاجر من سنين عدة. للإستقرار خارجا. اي مكيدة قد وقعوا بها. كم سيلقى من صدمات بعد. نظر عبد السلام الى افراد الشرطة بندم. ثم نقل نظراته الى قصي وكأنه يستجديه بالمسامحة. التي يعلم جيدا انه لا يستحقها. خرج برفقة الشرطة وعيونه معلقة به حتى اختفى عن انظاره. وقف كل من قصي وشريف ومنصور يتبادلان نظرات ذات مخذى فيما بينهم.

Flash back
وقف منصور خلفه مباشرة ينظر اليه بعيون تزرف دموع الفرح. ولده امامه. بينهم فقط خطوة واحدة وعناق. عناق اراده هو بشدة. وما إن التفت قصي اليه مزهولا إثر رؤيته لذلك التشابه بين تلك السيدة حنان وبين والدته. حتى تصاعد زهوله الى اعلى الدرجات عندما وجد منصور يحتضنه ببكاء شديد.

لا يفهم شيئا يكاد عقله ان يوشك على التوقف. وما إن لاحظ منصور تصلب جسده وعدم مبادلته العناق. كبح جماح مشاعره. ابتعد قليلا يحتضن وجهه بين كفي يده للحظات. ثم ذهب سريعا نحو باب المكتب يغلقه جيدا. عائدا يجذب إياه من يديه نحو المكتب يجلسه على الكرسي الخاص به. يجاهد في منع دموعه عن التساقط بشهقات بكاء مريرة. جلس قصي بعيون متسعة. ونبضات تتسابق بعضها بعضا في الخفق بشدة. لا يعي شيئا وفجأة وجد منصور يدنو قليلا ليفتح درج ما بالمكتب يخرج منه بعض الأوراق التي يبدو عليها القدم. اخرج الورقة الأولى. يناولها له. التقطها قصي من بين يديه ليجدها شهادة ميلاد. لطفل يسمى. مازن. الأب منصور محمد المنياوي.

الأم. حنان عثمان الخولي. مازن؟ و ومضات مرت امام مخيلته. لأطفال صغار يركضون برفقته. ينادونه بذلك الإسم. وسيده. لا بل أمه تناديه بنفس الإسم. نظر الى منصور بزهول وكأنه يتطلع على احدى عجائب الدنى. ليتحدث منصور بما جعل قلبه يتألم اثر قوة خفقاته.
: ابني مازن. اتخطف بطريقة مجهوله ليا لحد دلوقتي معرفش ازاي. من 25 سنة. واللي خطفته. خالته. اخت امه. التوأم.

توجه نظره بعيون متسعه الى باب المكتب المغلق حيث مكان خروج حنان. صراعات بداخل عقلة. بين صدق وكذب. ليناوله منصور الورقة الثانيه. اخذها يقرأ اياها. وجدها خطاب. خطاب كتب بروح شريرة سوداء. حاقدة. خطاب كتب بيد مدعية الأمومة. او اللتي لم تبذل ادنى مجهود لتدعيها. خطاب تعترف فيه بخطف ولدهم. و انتقاما لحبها المزعوم. وتتوالى الصدمات. يمد له منصور صورة له برفقته. صورته وهو صغير. يركب ضاحكا على اكتاف منصور الذي يضحك بدوره بكل الرضا. وصورة اخرى بدت كصاعقة. صاعقة توقف فيها الزمن للحظات. وربما لدهر. سيدتان تحملان نفس ملامح الشكل احداهما تبتسم ابتسامة عذبة كماء نهر صافي. تحمله بين يديها. واخرى مماثلة لها تماما. تبتسم ايضا لكن شتان ما بين ابتسامتها وابتسامة تلك التي تحمله. واخيرا صورة له بين والديه الحقيقيين. ومضات واشخاص ومواقف عدة. متداخله تعصف عصفا داخل مخيلته. استقام واقفا ينظر الى منصور كمن لا يفقه قول ولا إشارة. ليستقيم منصور بدوره ينظر له بلهفة يومأ له إيجابا ببكاء وكأنه يجيبه بما يتسائل به داخل رأسه. وانهارت آخر حصونه في الصمود. فنهال عليه بوابل قبلات وعناق ابوي حار. ودموع كشلالات لا آخرا لها. لينظر له قصي في حالة من الزهول. ويقطع تواصل نظراتهم هاتفه الذي ألح بالإتصال من احد ارقام الشركة يخبره احدهم بضرورة حضوره الآن لوجود الشرطة فيقرر منصور الذهاب معه وعدم تركه مرة أخرى. و عدم اخبار حنان مؤقتا. الى حين السيطرة على الوضع وتقديم الأمر بصورة تتحملها، ومن ثم إتصال عبد السلام الذي وجده كلا من منصور وقصي فرصة للإمساك بزهيرة. فتحدث منصور الى الشرطة يخبرهم بمكان القاتل الحقيقي.

Back.

وبعينين كشعلتين. بمعالم وجه غاضبه تتدفق دمائه بداخل رأسه كإندلاع النيران. ينظر إلى زهيرة ممددة امامه. و لو إتطلع احدهم على مخيلته لرآه الأن يمزقها إربا بأسنانه و أظافره. جميع حواسه تريد الإنتقام منها. غير مدركا لما حوله. ولا لما يوجهه شريف الى قصي من حديث
: انا حطيت حراسه على باب العناية.
ثم اشار برأسه الى زهيرة مردفا.

: الدكتور بيقول غيبوبة مؤقته. كده مدام حنان بريئة من التهمة المنسوبة اليها. لان القاتل الحقيقي ظهر.

عند ذكرها. تأهبت حواسه ينظر الى زهيرة. هناك جدار عازل يمنع شعورا جديدا. شعورا وليد يتقافز للخروج والظهور على جوارحه نحو والدته الحقيقية. جدار صنعته زهيرة بقسوتها. حقدها. كرهها. يحجب عنه رؤية عاطفة والدته اللتي بدورها هي نسخة منها. ركن ما اسود بداخل عقله يحثه على البعد وعدم الإقتراب. و قلب طفل صغير يتشبث بثوبه يتوسله. باكيا مشتاقا الى تذوق احضان والدته. ترى ايهما سينتصر...

توقف سالم بسيارته حسب معرفته، امام منزل سارة. فلا علم مسبق لديه بأنها تعيش مع عائلة صديقتها. ترددت سارة بين النزول واخباره بأن اشيائها في منزل آخر. لكنها فضلت عدم اخباره. لا طاقة لها لسماع قائمة المحظور والممنوع. وما يليق وما لا يليق.
التفت سالم اليها قائلا
: همي عشان نلحجو نوصل جبل الليل.

نزلت سارة من السيارة ترهب الفكرة السفر. وما زاد من خوفها انه سيصطحبها برفقته. هي تخاف رغما عنها. لكنها لا تظهر تلك المشاعر اللتي تمقتها بشده. بارعة جدا في اخفائها. توجهت الى المنزل مقررة أخذ ما ستحتاجه والمرور بعد ذلك على منزل منصور. دخلت مغلقة الباب خلفها جيدا. نزل سالم من السيارة ينظر الى المنزل ثم استند بظهره اليها ينتظر خروجها بعيون ذئب ماكر متعطشا للحظة ظفر. وعلى جانب الطريق الآخر. مرجل متقد. يراقبهم بعيون متربصه. بعد القليل من الوقت. خرجت سارة من المنزل تجر خلفها حقيبة ملابسها متجهة الى سيارة سالم. والعيون المتربصه ضاقت قليلا بعدم فهم سرعان ما تحولت نظرتها الى صدمة. ماذا تفعل بحقيبة سفر. هل ستذهب ام ماذا. ومن ذلك الشخص الذي ستذهب معه. اخذ عقله يعصف بتسائلات عدة. حتى تحركت سيارة سالم. وتحرك هو خلفهم وكأن هناك قوة مغناطيسية خفيه بين السيارتين تجذبه معها. تحدثت سارة داخل السيارة بإقتضاب قائلة.

: لو سمحت ارجع من الشارع ده تاني. عاوزة اسلم على واحدة صحبتي قبل ما اسافر.

وما يدور بخاطرها هو أخذ العصفور معها. برفقتها. ولاح بخاطرها ذلك الطبيب الذي بينها وبينه فقط بضعة امتار ولا تعلم. نظر لها سالم بإذدراء داخلي اخفاه ببراعة وصبر صياد يختبر نقاط ضعف فريسته. ينتظر اللحظة الحاسمة للهجوم. انعطف بالسيارة يرجع مرة ثانيه. تدله سارة على الطريق لمنزل منصور. تحت عيون مستغربة عودتهم ثانية. بعد دقائق وصلت السيارة امام المنزل. نزلت سارة تدخل اليه مودعة صديقتها. جلس ينتظرها بالسيارة. زفر بضيق يحث نفسه على التريث قليلا فقط. لم يبقى سوى خطوات قليلة للحصول على ما يريد.

بداخل المنزل. ما بين عناق ودموع ومشاعر حب و ود بدون مقابل ولا إنتظار منفعة. ودعت سارة حياة وحنان، آخذه ذلك القفص بين يديها وكأنه كل ما تملكه. لتتحدث حياة بقلق علها تردعها عن فكرة السفر معه قائلة
: بلاش يا سارة. هتسافري معاه لوحدك ازاي.؟
تنهدت بتعب تبتسم لصديقتها بحزن قائلة
: ما تخافيش عليا. انا بس آخد حقي منهم. ده كل اللي انا عاوزاه.

كاذبة. تعلم تماما انها كاذبة. ليس هذا فقط كل ما تحتاج اليه. بل تشتاق. تتعطش إلى الشعور بالدفئ بين عائلتها. ولو خيروها بعد اختباره بين الميراث والمكوث بينهم. لاختارت دفئ احضانهم. وربما لا تدرك ان ذلك الدفئ. ما هو إلا اشتعال قلوبهم طمعا. وان ما ستختبره هو دفئ برتبة إحتراق. رن جرس المنزل فتحدثت بضيق قائلة
: أكيد هو.
ردت حنان بدموع قائلة
: خلي بالك على نفسك.

عانقتهم مرة أخرى مودعه اياهم بإبتسامة حزينة قائلة
: ما تقلقيش. ابقي سلميلي على انكل.

. ومع فتح باب المنزل ومعالم وجهها المتيبسه لظنها انه سالم. لانت تلك الملامح بعيون مستغربة تنظر للواقف امامها غافلة عن ذلك الرذاذ الناتج من عينيه غضبا. ونسمة هواء تسللت الى داخلها محركة مشاعر ما اختلج لها قلبها بشدة لرؤيته. هل يمكنه المسافره معها. نهرت نفسها سريعا بداخلها على تلك الفكرة، اغلقت الباب خلفها تسئله قائلة بإستغراب
: دكتور حمزة.؟ حضرت.

وقاطعها بنبرة متملكه. وللغرابة لم تشعرها بالمهانة كما تشعر دائما.
: رايحه فين.؟
اذدردت ريقها تغمض عينيها بإستسلام متنهدة ببطء. تجيبه في لحظة غالبا لن تتكرر مرة ثانيه قائلة
: مسافرة. عند أهلي.
ليعاود سؤالها مرة ثانية والنبرة المتملكه يلفها بعض الغضب.
: مين اللي انتي ركبتي معاه من قدام الشركة ده.؟
همت بإجابته. سرعان ما تراجعت تنظر اليه تضيق ما بين حاجبيها بتسائل قائلة
: و انت عرفت ازاي.؟

ارتفع حاجباها غضبا مردفة
: انت بتراقبني يا دكتور.؟
: مين ده.؟
قالها متسع العينين بغضب اعمى ونبرة شبه زاعقة. و إذا قرأنا ما بين نياط حروفه. للمحنا في نبرته الغاضبة تلك اعتراف رسمي بالعشق والإمضاء. خفقات قلبه. همت بالخروج وتركه تراودها فكرة و ما شأنه هو. لكنها لم تستطيع نطقها. قوة ما ترجتها ان لا تنطق بها. وأذعنت لها. لينطق لسانها تتخطاه خارجه
: ابن عمي. عن إذنك.

خرجت مسرعة تتجه الى السيارة تركبها صافعة بابها بغضب استغرب له الجالس بجوارها. ينظر الى العصفور داخل القفص يإستنكار. محدثا نفسه بخفوت قائلا
: جلع ماسخ.

لم تفهم هي ما يقول. أو بالأحرى لم تسمعه. فعيونها معلقة بمرآة السيارة الجانيية حيث ذلك الذي يقف خلفهم يتابع اختفاء السيارة امام ناظريه شيئا فشيئا. و وحش مفترس ينهش جنابات قلبه غاضبا. وحش لم يستطيع كبح جماحه عندما رأى امامه صديقه. آدم. ينزل من سيارته بمظهر انيق وابتسامة سمجه. وباقة ورود. يتجه نحو منزل منصور. وهنا تنحى الطبيب المهذب و الخلوق جانبا تاركا الساحة لذلك الوحش الكاسر يفرغ كل ما بجعبته من غضب. في غريمه. من وجهة نظره...

خرجت من المطار بمظهر في غاية الفتنة. ترتدي فستانا بدون اكمام قصيرا يصل الى اعلى ركبتيها بشيء قليل. فستانا بلون آخر شعاعا للشمس قبل الغروب. والذي تناسب كثيرا مع لون بشرتها البرونزية. ينساب شعرها بتموجات مصتنعة يصل الى اسفل ظهرها بقليل. خطت بمشاعر محايدة. ما بين حب وإنتقام. الى ان تتأكد من صدق قول مراد لها. بأن قصي تعرف عليها فقط من أجل ان يبعدها عن طريق أخيه. وانها بالنسبة له اقل من ان يلتفت لها مجرد التفاتة فقط. وإذا كانت تريد التأكد من صدق قوله فعليها مواجهته. اوقفت سيارة أجرة. ركبتها متجهة بها الى مقر شركة الزيني.

وعيون تنتظر خروجها من المطار. ومكالمة هاتفيه من احد رجال مراد يخبره قائلا
: لسه خارجه حالا.
ليخبره مراد من الجانب الآخر
: خليك وراها. لو راحت شركة الزيني تكلمني فورا.

اغلق الهاتف ينظر الى تلك الغرفة المغلقة بغضب حيث يتمدد عمر بها ارضا كما تركه صباحا. بداخل الغرفة. يجثو ارضا. تتلطخ ملابسه وبشرته بالدماء. يفتح عينيه ببطء شديد. وبدأ شعور الألم ينتشر بجميع جسده. يتأوه بصوت خافت مع اول حركة له. وإصرار منه على النهوض رغم آلام جسده. استطاع الجلوس زاحفا يستند على احد جدران الغرفة. يتلمس بأنامله مواضع الألم بوجهه. ابتسم من بين آلامه. ابتسم بشعور فرح داخلي تغلب للحظات على شعور الألم الحارق بجميع جسده. عندما ايقن ان ما فعله مراد به. وما تلقاه من ضرب على يده. ما هو الا دليل على نجاة قصي من تلك الكارثة. أخيه الذي كان دائما له الدرع الواقي ضد هجمات الحياة. ابيه الصغير الذي يدفق عليه من الحنان ما لم يستطع والديه ابدائه له. رغم قسوة والدته عليه خاصة. وما عاناه بسببها. إلا انه لم يتغير تجاههم. دائما ما كان يخبره انه جزء منه. ويجب عليه حبه وحمايته. لم يستطيع هو الآخر ان يطمس على كل ذلك الحب والعطاء. ويبادلة بالخيانة والخزلان ولذلك القى بتلك اللفافة بصندوق القمامة بدلا من درج المكتب ظنا منه ان يرسي مقرها في نهاية اليوم بحاوية القمامة. بدأ جسده يتآكله تعطشا الى القليل فقط من ذلك السم. وبدأ سائل مخاطي خفيف يخرج مزولا من أنفه. ونوع آخر من الشعور بالألم يرصد إشارات فقد الإحساس بالألم الشديد أثر تلك الضربات الى عقله وينقل تركيزه الكلي طلبا لذلك المسحوق الأبيض. استقام واقفا بصعوبة وعدم اتزان. وقد وازى استقامته دخول مراد الى الغرفة. يبتسم بشر وقد تلبسه في ذلك الوقت احد شياطينه. اقترب منه بخطوات روتينيه بطيئة تبث في الزعر والخوف الشديد. ينظر الى حالته تلك بتشفي. وابتسامة جانبة. قائلا بنبرة ساخرة يتصنع القلق عليه.

: الف الف سلامة عليك. انا خلاص مش هضربك تاني كده.
وتحولت نبرته الى نبرة أشبه بالجحيم. نبرة بدت وكأنها تكاد تحرق الغرفة بما فيها مردفا
: انا هخليك تعمل في نفسك اقوى من كده.

وبخطوات سريعة اتجه الى خارج الغرفة مغلقا بابها جيدا. ثم وضع المفتاح بجيب سترته. وما إن رآه عمر خارجا يغلق الباب حتى اتسعت عينيه بهيستيريا راكضا بإتجاهه يتوسله ان يعطيه ذلك السم اللعين. بطرقات متتاليه على باب الغرفة. ونبرة متلهفة من خلف الباب قال عمر
: ابوس ايدك افتح. افتح الباب. انا مش قادر. افتح وهعمل كل اللي تقول عليه.

وقد تحولت اللهفة الى صراخ. صرخات متتالية. عندما شعر بتلك الرعشة االلتي توازي اشتعال جميع اطراف جسده. بينما بشرتة في برودة الثلج. وانصال حادة تجري في عروقه مجرى الدم.
: افتح الباب. مش قادر.
ظل يصرخ بها كثيرا. والجالس باستمتاع خارجا ينتشي لسماع تلك الصرخات. اللتي تطرب شياطين روحه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة