قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والخمسون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والخمسون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الرابع والخمسون

تحدث مراد عبر الهاتف بأريحية تامة. بانتشاء. بشيطانية تجاور مخارج حروفه.
: قدامك مهلة 3 ايام. تكون اخدت فيهم عزاها و تيجيلي عشان ابعتك ليها. اصلها بتخاف تبقى لوحدها.
كلماته كان لها واقع الرصاص.
رصاصات مصوبة نحو خافقه مباشرة في إطار مكالمة هاتفية.
كالصخور التي تسقط نحو منحدر جبلي وبالنهاية رأسه.
ارتجافة لا وعي، انكار، لازمت حدقة عينيه.
سقطت افكاره في فوهة قاتمة بقاع بئر سحيق مظلم. تصرخ بصمت.

اما عن قلبه؟
في شق اخدود بركاني العمق يحترق.
صرخة ذبيحه لا صوت لها شقت اوج نيران صدره تخرج متخفية في هيئة هسيس مهلك من بين اسنانه التي كاد يسحقها
: حياة لاء يامراد. حياة لاء
اختنقت انفاسه. تراكمت الاحرف بحنجرته تخرج بصعوبة.
: خرجها من حسابتنا وانا ليك. هجيلك زي ما انت عايز و...
قطعت المكالمة. بعيون جاحظة ظل يناديه والهاتف ملتصق بأذنيه.
وفي لحظة ادراك موت محقق لا محالة.

لحظة لها السبق الناري الخاص بها هي فقط.
دمعة حارقة ألهبت وجنته دفعت بها صورتها بعينيه.
عجز تام تمكن منه حد تقيد نبضات قلبه عن الخفق...
احدهم فعل نمط اللا شعور لديه،
قلبه يصرخ ب لا تفعل.
بينما العقل ينص اعتراضه غاضبا فوق ورقة بيضاء بحبر قاتم.
حقيقة داكنة تلائم قتامة الحبر يضعها نصب عينه.
فق. انت قاتل مأجور
بكلتا يديه صفع جانبي رأسه عدة مرات منحنيا بصراع قاتل، اصابه من الحيرة ما يبيح الانتحار.

تثاقلت حبات العرق فوق جبهته،
بكل وضوح شمس. بل وضوح حريق في ليلة حالكة السواد.
امر نافذ. و عليه الإصغاء.
قتلها!
فقط ضغطة واحدة فوق الزناد. وينتهي الامر.
قتلها وقتل احلامه التي استضافتها ليال عدة.
قتل نظراته. افكاره. التي تعلقت بليل عينيها.
بقمر منير يعكس ملامح وجهها الرقيق.
قتل خفقاته التي تهدهد حبا وليد لا ينطق سوى بإسمها.
حياة
وفي لحظة انتصار. او هزيمة لافارق.

سحب مسدسه بانفاس لاهثة يندفع خارجا يرافقه شيطانه كالظل.
فتح باب غرفتها بحسم، دون سابق انذار.
استقامت ترتجف واقفة بخوف. فزع العالم كله تجسد بنظرة عينيها. اذدردت ريقها بجفاء، . امر واقع لا محالة.
موت. نهاية حياة!
حيث نظرات عينيه المرعبة التي يغلب سوادها على اللون الابيض بها. انفاسه المحترقة تنبأ عن رمادا ما.
لا تعي هي عنه شيئا.

تصلبت نظرتها فوق فوهة سلاحه التي اشهرها امام رأسها مباشرة. توقفت خفقاتها عن النبض.
لحظة النهاية.
اغمضت عينيها باستسلام، صورته تكتمل خلف ستائر جفنيها المغلقة. ساكن القلب والروح. لترسم ابتسامة فوق شفتيها ترافقها دمعة ندم.
باستسلام تام لفظت الشهادة من بين شفتيها بخفوت.
بينما هناك معركة بداخل الواقف امامها
عقل ثائر. وقلب صارخ يتحاربان في ساحة عشق.
والمنتصر رصاصة!
انطلقت من سلاحه.
أمر نافذ.

اتسعت عينيها بصدمه للحظة، وما بعدها سواد حالك. ارتطمت بالارض، سقطت بجسد رخوي.
رصاصة.! وامر نافذ وجب عليه تنفيذه
سقطت.
رافق سقوطها صوت تهشيم زجاج النافذة من خلفها.
اثر رصاصة.!
وامر نافذ. لم يستطيع تنفيذه.
نظر إلى جسدها الضئيل المتهاوي أرضا بضعف.
ليحملها بين يديه وفكرة الفرار بها تتلاحم بأفكاره.
تواطئ العاشق مع النبيل لانضمام الحقير لهم.
و ثلاثتهم يريدونها...

مشاعرها احجية. ينقصها الكثير من القطع. وهو رمم جميع نواقصها.
دخل إلى الغرفة يزفه الشوق لها
جميح جوارحه هائمة في استعداد تام للفناء من اجلها. ، اشتاقت نظرات عينيه للنهم من قسمات وجهها الرقيقة.
توغل عشقها بقلبه دون روية.
حوريته التي اهداها جناحين، لتحلق برفقته تحت سماء عشقه.
اما هي. في عزلة فقاعية كانت تبكي.
استقامت تمسح عينيها ما ان رأته امامها
ليقطب جبينه بقلق متقدما منها ينظر إلى عينيها مباشرة بلهفة.

: مالك.؟
بعشق خالص لفظها، وبكل الحب بادلته بنظرة مطولة نحو عينيه ودمعات تتوالى في التساقط.
ثارت النزعة الرجولية بداخلة مفسرا بكائها بشكل خاطئ.
اشتعلت عينيه بالغضب، لم يكن من احد سواه. سب نفسه بصمت. آثر غضبه بداخله لكي لا تخاف. اخذت افكاره تنتج عدة أسئلة. هل تسرع بدمغ برائتها بعشقه لها قولا وفعلا.؟ هل ارغمها على ما لم تكن تريد.؟
تهدج انفاسها ونبرة الخوف بصوتها الخافت محى تلك الافكار وكأنها لم تكن.

: خايفة.
: من ايه.؟
قالها بلهفة عاشق يتأهب لقتل أحدهم وافكاره تنسج اسبابا عدة لخوفها
: خايفة كل ده يطلع حلم. والاقي نفسي في وسطيهم تاني
شملها في عناق آمن.
: ماتخافيش، انتي في وسطينا احنا خلاص. وسط اهلك وناسك.
قالها بنبرة حانيه كانت بردا وسلاما على مسامعها وقلبها، لتتحول نبرته لتوعد خالص يختص به عوض وأتباعه
: قسما بالله لو كان فيهم حد سليم ماكنت خليتله نفس على وش الدنيا
بنظرات متلهفة دامعة رفعت رأسها إليه.

: لاء، بالله عليك يا اسماعيل ما تعمل كده، انا خلاص مش عايزة حاجة منهم، بس خليك جانبي انا خايفة عليك ماتسيبنيش.
ابتسم بعشق ينظر إلى عينيها مباشرة. قائلا وهو يمسح حبات الؤلؤ الدافئة المتساقطة من عينيها.
: تعرفي.؟ من اول مرة شوفتك فيها وانا حاسس انك مني. حاجة غريبة بتربطني بيكي ماكنتش عارف ايه هي.
رفع خصلات شعرها المتناثرة بانسيابية حول رقة وجهها. تقبل عينيه كل تفصيلة فيه.

: هلى طول كنت بحاول اخبي احساسي ده وما ظهروش لحد.
ابتسمت بخجل تتحدث بنبرة خافتة.
: لا، كان بيظهر.
ضيق عينيه مبتسما يتصنع الشك.
: كنتي صاحية؟
اومأت بخجل تطلق ضحكة ناعمة بخفوت.
: آه. ده احنا مش ساهلين بقى.؟
دفنت وجهها بصدره تضحك بخجل ليضمها هو إليه بذراعيه تدوي ضحكاته بسعاده.
عناقها جنة حوريتها الوحيدة هي.
حورية جنته...
احكم لجام جموحه نحو ما يريد.

ولو اطلق له العنان لاخذها من الجميع راحلا حيث هو وهي وحياة الصغيرة فقط
. في صحراء قاحلة تشبه جفاء روحه، جلس في سيارته وهي ممددة فوق الأريكة الخلفية. في حكاية ما هي الاميرة النائمة بانتظار قبلة الحبيب. الذي لن يكون هو.
والذي لن تجدي قبلته نفعا في إحيائها،
لكن لإحيائه هو قد تفعل.
تنهد بغضب يلتقط الهاتف وتلك المرة لم ينص رسالة. بل مكالمة نبيلة بكل وضوح.

: تعالى عند (، )، حياة معايا. تبقى عندي في خلال 30 دقيقة والا مش هتشوفها تاني. ومش محتاج اقولك ما تبلغش البوليس.
بكلمات مقتضبة اخبره عن المكان ثم اغلق. نص شروطه وتمنى ان يخل بها.
نظر إليها وشعور ما يؤلمه. فكرة اخذها وليحترق كلا من مراد وذاك الاخر الذي تحبه، تلح عليه بشدة. وفكرة اخرى تهاجمه بكل جبروت طاغي، تمنعه.
انها تحب ذلك الاخر.
وفي خضم معارك مشاعره استيقظت.
فارقت بجهد بين جفنيها المتعانقان.

ظلت دون واعي بما حدث وما يحدث للحظات، فقط تنظر امامها بلا ردة فعل تذكر. سرعان ما واجهت عينيه المحدقة بها لتنتفض جالسة بفزع تتسائل، لم تمت؟ لقد اطلق النار. رأته يطلق الرصاصة نحو رأسها مباشرة!
نظرت حولها قبل ان تثبت عينيها فوق عينيه بتسائل.
: انا فين.؟
نزل من السيارة بغموض يفتح الباب ناحيتها
: انزلي.
اذدردت ريقها بخوف تذعن لامره ناظرة حولها.

لتقابل وخذات رقيقة من رمال الصحراء لها فوق وجنتاها نتيجة الرياح.
وكأنها تهديها قبلات سرية مرحبة.
وربما موَدعة.
نظرت إليه تلف ذراعيها حول نفسها في محاولة فاشلة بالشعور بالامان.
: احنا فين.؟
اجابها بالصمت فقط يحدق بها بغموض لم تفقهه. استكشفت نظراتها بخوف فضى المكان من حولها.
رأته بعين خيالها يحفر هناك بتلك الرمال الصفراء حفرة تناسب ضئالة جسدها
حفرة مناسبة تماما للدفن.

استنشقت رائحة جفاء حبيبات الرمال تتكدس داخل انفها وفمها.
استشعرت ملمسها الخشن حين تغمرها كليا.
دمعت عينيها بقهر مردفة وهي تنظر الى المكان من حولها.
: انا هموت هنا.؟ هتموتني هنا خلاص!
اتسعت عينيها بصدمة، بعدم تصديق. عندما آتاها صوته الجاد.
: لاء. مش هتموتي هنا. هترجعي ياحياة.
قلبه مفقود.
خفقاته تسابق الريح وكأنها باحثة عن القلب لتخفق الحياة بداخله. تاكل عجلات سيارته الطريق من تحتها بينما جسده متصلب،.

عينيه غابات مظلمة متشابكة الاغصان، جارحة، بل قاتلة لمن يحاول الاقتراب.
مكالمة كانت لها عدة وجوه اخرى.
سكين حاد نُحر بها عجزه.
صاعق انعاش لأمل كان على وشك الفناء بداخلة.
انتفاضة عاشق لم تذق عينيه طعما للدموع منذ زمن.
هشم قوانين الوقت حيثت وصل في وقت قياسي.
لحظة حياة...
يراها امامه على بعد أمتار.
لحظة احتراق.
تقف بين يدي رجل آخر.
لحظة انتباه. صفعة.
رجل يعرفه. رجل نال شكه. ونال هو منه الخديعة.

( الباش مهندس علاء ).
ماهو الا احد اذرع مراد الممتدة في كل مكان.
اما عنها. فلم تتمهل. امتلئت عينيها بالدموع موازاة لرؤيته. امانها ومأمنها ونصف عالمها. منقذها.
نفضت يديها من قبضة علاء وفقط سلمت لقلبها مفاتيح العقل واستسلمت لرغبة اللجوء.
ركضت كمن يركض نحو اوطانه.
نشيج قارب للانتحاب. وارتطام.
كان عناقها له اشبه بارتطام قطبي مغناطيس نزع توا حاجز العزل بينهما. هنا ملجئها رغم انف حدود المعقول والا معقول.

تتعلق ذراعيها برقبته في تشبث
، تبكي.
هو دفنها بصدره وكفى شعورا انها بين ذراعيه ليهدأ من نيران عشقه المتقدة.
نفذت رائحتها نحو قلبه فهدأت خفقاته في سلام.
شعلة الغضب مازالت تشتعل بعينيه الزيتونية موجهة نحو الماثل امامه الذي يشعل سيجار ما بمعالم وجه تبدو جامدة، بينما باطنها احتراق لا يدركه سواه.

بذراع واحدة شدد من ضمها لصدره. والأخرى تلمس بها سلاحه الذي اخفاه داخل سترته من الخلف. انطلقت حروفه بجفاء معاكس لدفء ضمة يديه لها.
: اركبي العربية
لم تترك أحضانه حتى مع اعادة الامر عليها. نزعها كالروح من بين احضانه.
يمرر لمحة فقط فوق هزيع عينيها. ثم وضعها داخل السيارة مغلقا الباب بعدما همس لها بأذنيها قابضا فوق يديها بسلسلة مفاتيحه.
: دوري العربية واطلعي.

تجمدت داخل السيارة بعد همسه الصارم. تنظر إليه عبر النافذة وهو يبتعد عنها نحو علاء.
انتفضت تشهق بفزع عندما رفع كلا منهم سلاحه بوجه الآخر في ذات اللحظة...
غضب ضاري يطل من عينيه. بينمت يواجهه علاء بابتسامة مستهينة.
رصاصتين على وشك الالتقاء، بداخل مسدس كل منها.
: نزل سلاحك. انا لو عايز اقتلك ماكنتش سبتك تيجي لحد هنا.
قالها بسخرية واقعية. اما هو تجاور حروفه شظايا حرب برزت حواد سيوفها.

: كنت عارف. كنت عارف ان مراد له كلاب في كل حتة.
احتدت نظرته باعتراض. لم ولن يكن احد كلاب مراد.
. لكن قوانين اللعبة تتبع.
وبتعبير آخر المصلحة تحكم
: لو انا زي ما بتقول ماكانتش فضلت عايشة.
لفظ كلماته مشيرا نحو حياة في اشارة منه لبداية حرب.
بحركة مدروسة اثارت اعجابه قبل ان تثير غضبه، باغته بها قصي حين انتزع سلاحه من بين يديه يهاجمه
بضربة رأس فولازية ترنح أثرها خطوة واحدة منحنيا بابتسامة قاتمة.

في قانون ما. سالب وسالب لا ينجذبان.
وبقانون موازي.
عاشق وعاشق. يتعاركان.
هو مدفوع بطاقة غضب تفوق حد السماء. لم يكن التهور من سمات افعاله. لكنه معها وبها يكتشف كل جديد.
كان له الغلبة. وكان صوتها بمثابة خدش فوهة البركان
: قصي حرام عليك هتموته.
صرخت بخوف حقيقي.
خرجت من السيارة تصرخ لانقاذ حياة حقير من بين يديه. على حد تعبيره.
دفعه قصي ليسقط أرضا.

بخطوات غاضبة سحق الرمال تحت قدميه وصولا لها. فوهة البركان تخرج باطنها المنصهر جوار حروفه الزاعقة بوجهها.
: انتي ايه اللي خرجك. على العربية ماتخرجيش.
عينيه كالجمر المشتعل. انفاسه المحترقة لسعت بشرتها الرطبة بفعل دمعاتها المتساقطة.
تصلبت امامه متسعة العينين. اذدردت ريقها بجفاء كما جفت الدماء بعروقها.
بنظرات مرتعشة تكاد تخرج عن محجرها حركت رأسها نافية ببطء.

التفت قصي خلفه نحو نظراتها ليرى علاء ممسكا بسلاحه لاهثا تتدفق الدماء من انفه بغزارة، تخالط حبيبات الرمال الدماء فوق وجهه كالقناع. ومن بين انفاسه اللاهثة تحدث.
: قولتلك لو عايز اقتلك ماكنتش وصلت هنا...
صمت يلتقط انفاسه بينما اخفى قصي حياة خلف ظهره.
اكمل.
: مراد مفكر اني خلاص قتلتها. دلوقت مستنيك تروحله علشان يخلص عليك.
شهقت باكية تتمسك بملابسه من الخلف.
اصغى قصي بتعقل إلى ما يقول. ليردف علاء.

: انا دوري خلاص خلص.
أضاف بابتسامة يشوبها السخرية
: دلوقت دورك انت. مش لازم يعرف انها لسة عايشة.
من المفترض ان يهدأ. ان يتنفس الصعداء شاكرا لوجود من يحاول مساعدته. لكنه لم يفعل. فقط اخذ يتسائل بجحيمية. لماذا يفعل شخص بمثله ذلك.؟ لماذا يقدم المساعدة ومن أجل من؟
والاجابة حرب وبروز سيوف عاشق تتعطش للارتواء بدماء احدهم
وقد لمح احدهم سهام التسائل المشتعلة بعينيه.
لن يقتله امامها. فقط في فرصة أخرى سيفعل.

هكذا حدث نفسه بما املاه عليه عقله
التفت يجذبها من يديها بقسوة نحو سيارته. قسوة لم تعهدها عليه من قبل. دفعها لتركب ثم بصمت تام اهدى له نظرة داكنة كالرماد،
جلس فوق المقود يحرك سيارته للذهاب بها نحو زجهة مجهولة.
وفي حركة عفوية منها نظرت خلفها. نحوه.
: بصي قدامك.

زعقة بمثابة صفعة. جعلت نظراتها تتصلب إلى الامام برعب. اذدردت ريقها تندفه خفقاتها تشتد بسرعة صاروخية. ، لم ينظر إليها. شظايا نارية تتناثر من عينيه. قسوة لم تعهده بها من قبل.
قسوة عاشق لا تستحق سواها كما يمليه عقله...
وخلفهم نظرات داكنة كالرماد. و صفحة تطوى. تطوى للأبد.
هي بتلة في مهب ريح عاصفة تصبُ بقلب الجبل. حيث بركان بانتظارها.

تبكي والسبب انه لم يحدثها بكلمة منذ ان زعق بها اثناء ذهابهم. لم تعبأ بكونها كانت على وشك موت،
هي معه وكفى.
برفقته الان وهو لم يحدثها وتلك هي مآساتها الآن.
اما عنه فالشيطان يحول نياط العشق وغضبه، يغزل له افكارا من نار.
توقف بالسيارة امام ذلك الكوخ الذي يطل على بحر ازرق ثائر.
كوخ خشبي بمكان نائي يحتضنه من الخلف جبل ومن الامام ذلك البحر وكأنه طفلهما الصغير.

تخطو اقدامها الكوخ للمرة الثانية. في الاولى كانت تجهل ذريعة بقائها به برفقة عنايات.
اما الان تدرك تماما ما تقبل عليه.
اغمضت عينيها بيأس. باستسلام. وقد لفظت آخر دموعها. تساقطت فوق وجنتها ببطء.
وكأن الدموع تدرك ايضا النهاية.
عينيه هلاك. لذلك لم ينظر إليها، ف3ط فتح الباب في امر صامت منه بالنزول.
وبكل ترحاب اذعنت بخطوات تعلم مسارها جيدا نحو الكوخ.

صراع بين اعصار غضبه الذي يحاول كبح جماحه نحوها. وبين جميع حواسه التي تلح عليه باعتصارها في عناق ابدي كنمط جديد للعقاب.
انتفضت تنظر إليه عندما اغلق الباب بعنف. كم تمنت لو لم تلتفت. حيث واجه هزيع الليل بعينيها وهج شهاب النار بعينيه.
نبرته ضربة مطرقة فوق طاولة العدالة قبل نص الحكم
: حد قربلك.؟
واجابتها نافية
: لاء
نصب عقله قاضيا. اما عن القلب فجوارها في قفص الاتهام.

: ايه اللي حصل بعد ما سيبتك في اوضتك ونزلت للمأذون.؟
بؤس العالم امتصته حروفها كالإسفنجة ليخرج صوتها منكسرا تسرد له ماحدث بالتفصيل.
انتهت. ولم تنتهي عينيها من غزل خيوط الدموع الحارة فوق وجنتها.
انتهت ولم يجد هو في اجابتها ما يطفأ نيرانه المشتعلة بداخله.
يخطو كليث غاضب يمنة ويسارا يزئر غضبه للخروج.
: قولتلك لو مش موافقة على الجواز قوليلي وانا المسؤل قدام ابويا.

خرجت حروفه هادئة. هادئة تماما كهدوء ما قبل العاصفة. فمرحبا بها.
اهتزت حبات الحصى فوق الجبال من حوله أثر صوته.
: بتعذبينا لييييه.؟
لم تنطفض. بل انصهرت خوفا. شعرت وكأن قلبها تضخم اثر احتباس نبضاتها بداخله.
: بتمشي وتعرضي نفسك للخطر ليه.
اقترب منها بقسوة يعتصر ذراعها تحت قبضته. يتحدث من
: مافكرتيش فينا. في خالك اللي العجز في عيونه كل يوم بيقتله وهو مش قادر يعمل حاجة.

تبكي بكاء حار. تنتحب بصوت عال، اهتزت حدقتيه بتراجع لثوان ثم عادت للاشتعال مرة اخرى.
: مافكرتيش في الست اللي اعتبرتك بنتها قلبها بيتقطع عليكي كل يوم.
والمقصلة. القشة التي قسمت ظهر البعير، شرارة اشتعال صاروخ البؤس بداخلها.
: مافكرتيش فيا.؟
خرجت منه بخفوت. بعتاب مرير. لتنفجر هي نافضة يديها بعنف. صارخة
: انا مافكرتش غير فيكم. مافكرتش غير في خالي وفي عجزة في انه يخلص مني.

نظر اليها بجمود لم تهتز خلجة واحدة منه امام انهيارها.
: و شاف في جوازي منك الحل المناسب لوجودي الغير مرغوب فيه وسطكم. مافكرتش غير فيك وفي الست اللي ربتني زي ما بتقول.
تتذوق ملوحة دموعها في محاولة فاشلة منها لاسكاتها. بينما هو ينظر اليها وكانه يخبرها بان ما تتحدث به هراء. كل ما تدعية الان ذرائع مهترأة لا معنى لها. من وجهة نظره. حقيقة الامر لم تعلمها بعد.

وهي لن تبوح بتفاصيل ما استمعت اليه. لن تكون سما يدس في علاقة ابن بوالدته. خصوصا انها علاقة لها نوعها الخاص. مرارتها الخاصة وألمها الخاص. قطع الصمت الذي عم المكان حولهم سوى من شهقاتها الحارة صوت هاتفه. انتبهت هي بعينيها الدامعة نحو الهاتف. اختلجت خفقاتها شوقا عندما تحدث قصي.
: ايوة يابابا. معايا. هي كويسة ما تقلقش.

وعندما همت لطلب محادثته شاهدت خطوط باطن كفه الممدود اما امام عينيها كحاجزا منيع. منعا صارما قاسيا ظالما كما تنعته نظرة عينيها. اشارة مفادها لن يحدث.
ما ان انتهت المكالمة تحدثت بنبرة قتلته اصابته في صميم قلبه لكن عفوا. فالقلب جوارها في قفص الاتهام.
: ليه ما سبتنيش اكلمهم؟ وحشوني اوي.
القاضي لم يكن عادلا لكلاهما. القاضي اخذ دور الجلاد.
: انتي مش هتشوفيهم تاني ياحياة.

جحوظ عينيها أفصح عن صدمة حكمه الطاغي فوق رأسها
: دي كانت رغبتك. وانا بنفذهالك.
: انا ماليش دعوة بحسابتكم دي انا عايزة اشوف بنتي دلوقت حالا.
هتفت بها حنان باكية امام منصور الذي تنفس الصعدتء بعد مكالمته لقصي. بلغ منه الخوف والقلق مبلغا عندما أخبره قصي انه ذاهب لستعادتها ولو كلفه الامر حياته.
: اهدي ياحنان هي بخير، وجودها هنا دلوقت هيضرها
: طب اكلمها. اسمع صوتها بس. ريح قلبي يامنصور من القلق.

هو يثق بولده ثقة عمياء. عندما كان غريبا وضع ثقته به ولم يخذله. ما بال الثقة عندما اصبح ولده. وزوجها
: هي مع قصي ماتقلقيش.
وقصي يعني الامان لها والاطمئنان لهم. زفر عندما تذكر نقاشه معه انا سمعت كلام حضرتك في الاول ماجابش معاها نتيجة. بعد اذنك سيبني اتعامل معاها بطريقتي.
وعندما لاحظ القلق بحدقتيه اكمل
: ماتخافش عليها وانا معايا. ثق فيا
نظر إلى حنان التي لم تكف عن البكاء جواره.

: قالي هيكلمنا في اقرب فرصة علشان نتطمن عليها.
الحياة صدف ام اقدار. حقيقة. ام مجرد خيال.
هو لا يملك الاجابة. لكن على الاقل يملك حقيقة صغيرة ستذكره بها مادام حيا.
حياة. حياتة الصغيرة
: يعني كدخ خلاص انا مش هشوف حياة تاني.
قالتها الصغيرة التي تجلس جوار والدها بحزن، على متن طائرة لا تعي وجهتها. وربما هو أيضا.
تحمل جروها ذو الفراء الابيض الزغبي فوق قدميها تملس فوقه بيدها الصغيرة الرقيقة بحزن.

امسك ابيها بيديها. هي الصدفة التي جلبت القدر. او العكس، لا يهم.
: هبقى اخليكي تكلميها.
اتسعت ابتسامتها ولو امكن ان يتخلى عن كل شيء ويحظى بمخزون ابتساماتها ككل ثروته لفعل.
: بجد يابابي. انا بحبك اوي.
قالتخا بسعادة بالغة فالتقط يديها الصغيرة الناعمة يقبلها بحب حيث يمنعه حذام الامان بالطائرة عن احتضانها
: وانتي حياتي.
لفظها وهو يرى امام ناظره حياته السابقة قبل الولوج الى عالم الشياطين.

ودعت عجلات الطائرة رائحة الاوطان تعلو شيئا فشيئا حتى حلقت في سماء الغروب راحلة. ربما تعود مرة اخرى لكن الجدير بالذكر ان احد راكبيها لن يعود ابدا...
مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع
وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع
مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار
فبرغم جميع حرائقه، وبرغم جميع سوابقه
وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار
وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر و الإعصار.

الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار
استمع إلى كلمات تلك القصيدة التي باتت ترتبط بها بشكل ما. تسكن قلبه. ويغذوه دخيل جوارها يسمى الكآبة. كل محاولاته بائت بالفشل الذريع في طلب مسامحتها. الان يلتزم بنصيحة اخيها الذي بدوره يتخذ صفها ضده متذكرا ما قاله له.
اصبر عليها ياحمزة ماهو مش زرار هتدوس عليه وتسامحك. سارة لازم تاخد فترة تصالح مع نفسها الاول تستعيد فيها سلامها النفسي
امتعضت ملامحه يتحدث بخفوت حانق.

: عاملي فيها الدكتور النفسي اللي مافيش منه.
زفر بحنق متذكرا حديث سالم عنها دماغها جزمة قديمة
: والله كان معاه حق.
: انت بتكلم نفسك ياحمزة.؟
قالتها تفيدة باستنكار. تنهد بتعب تبوح عينيه بالكثير مما يعج بداخله.
: لسة بردوا مش عايزة تسامحك.؟
منحها نظرة معذبة. وبنظرتها الثاقبة ذات الخبرة المثقلة بسنوات عمرها تعلم انها تبادله الحب والعذاب معا.
: سيبها يا حمزة.

انطفأت عينيه بلون قاتم. ينظر اليها مستنكرا وكانها لفظت بما يعاكس طبيعة الكون.
: سيبها ياابني لو في نصيب ربنا هيوصله من تاني. لكن بالشكل ده انت بتضغط على نفسك وعليها، صدقني انا بقول كده لمصلحتك.
جميعهم برأي واحد. نصيحة واحده. تركها. والفكرة ليست من ضمن مقترحات اختياراته. هي هدف نصب قلبه وعقله وعينيه وكيانه. كيف له تركها
: تيتا انا مش هسيبها. انا بحبها.
ابتسمت بيقين.

: عارفة. وعارفة انها كمان بتحبك. سيبها تاخد وقتها زي ما آدم قالك. انت وجهتلها اهانة مش بسيطة ياحمزة. جرحتها. وده حقها.
الاخيرة خرجت مغلفة بالعتاب.
استقام خارجا ويبدو انه لا يحبز الأحاديث حول تركها وما شابه. تنسج افكاره عدة محاولات اخرى لا تنتهي.
كانت البداية شجار حاد وعصفور جريح ودموعها هما اول لقاء.
لما لا يختلق لقاء جديد. عصفور ورسالة ما،
ولا ضير من وجود دموع هي بداية لرحلة ابحار فوق بحر العشق.

تشعر وكأنها ولدت من جديد.
قدر جديد.
بداية جديدة. تطمس خلفها الكثير من النهايات السيئة.
ودعت طرقات البؤس العسرة.
تخطو نحو درب الرغد.
لتتمثل أولى خطواتها في وظيفة بإحدى شركات الهندسة...
ها هي الان تجلس بابتسامة مشرقة كنور الصباح الذي يناوش فنجان قهوتها فوق سطح ذاك المكتب الصغير بإحدى غرف الموظفين. تتذكر حديث آدم لها.

انتي محتاجة تغيري روتينك يا سارة، لازم تخرجي من دايرة الملل دي. لازم تشتغلي. الشغل ابتكار والابتكار هيفرق معاكي جدا.

ثم رشح لها شركة صغيرة يمتلكها والد احد اصدقائه. وفي حديث مطول ادى إلى تناول حبة من دواء آلام الرأس مع احدى الموظفات شديدة الثرثرة علمت ان ابن صاحب الشركة يباشر اعمال والده الكترونيا من الخارج و لا يأتي سوى للضرورة القصوى. وكم هو وسيم الطلة مفتول العضلات خفيف الظل وثرثرة أخرى حول لون شعره ودرجة لون عينيه النادره مما اضطرها إلى اخذ حبة دواء أخرى.

اندثرت ابتسامتها عندما تذكرت كم المحاولات التي خاضها حمزة لينال مسامحتها بعد ذلك اليوم بالمشفى. وهي تزداد اصرارا في كل مرة على عدم مسامحته. تتأثر بمحاولاته وينهار جدار صمودها وريما كانت تبتسم عندما تتذكرها بمفردها. بكنها سرعان ما تهيد ترميم جدارها مرة اخرى بالرفض.
قطع حبل افكارها دخول تلك الموظفة الثرثارة تحمل بين يديها ملفات عدة قائلة في ارتباك وهي تعدل بسبايتها عويناتها السميكة.

: انسة سارة لو سمحتي. هعطلك معلش امضي هنا.
ثم مدت لها ورقة ما، لتنظر لها سارة بعدم فهم تتحدث بضيق.
: امضي على ايه يا علا. ايه الورقة دي.؟
ونالت هي جلسة ثرثرة اخرى حيث وضعت علا ما بين يديها فوق المكتب تجلس بأريحية تقص عليها قصة حياة صناعة الورقة حتى مفاد المنصوص فوقها تكمل قائلة
: ودي عقود جديدة بقى غير القديمة بمعظم البنود ومرتب اكبر و...
: بس يا علا خلاص. مش انتي عايزة امضتي؟ اهي.

قاطعتها بها سارة توقع فوق الورقة. خرجت علا بعدما اخذت ما تريد.
نظرت إلى اثرها بامتعاض تتناول كوب القهوة ترتشف منه القليل.
: هتطير فنجان القهوة من دماغي ع الصبح.
رجعت مرة اخرى توصل حبال افكارها لتتلتحم صورته بمخيلتها وغيوم الحزن السوداء تحجب بريق العسل بعينيها.
انسكبت القهوة فوق المكتب عندما اجفلت على صوت علا المهلل فرحا تدخل الغرفة على حين غفلة قائلة.

: ساراااة. ابن صاحب الشركة جاي بكره في ميتينج مفاجئ.
رفعت يديها تقبض على شيئا وهميا بالهواء غيظا وغضبا. تشير لها باليد الأخرى بالخروج
: اطلعي بره ياعلا. بره.
حمحمت علا بإحراج تخرج من الغرفة مغلقة الباب خلفها، نهضت تنقذ ما يمكن انقاذه من اروارق اتلفتها قهوتها كما اتلفت علا مزاجيتها الصباحية...
الشياطين فخاخ بعضهم بعضا. و لكل شيطان نهاية يستحقها.

اقتحموا مجموعة من الرجال مكتبه يمسكون برجاله بشكل مريب. استقام ينظر اليهم بتفاجئ. وقد شكلوا حلقة دائرة باجسادهم الضخمة حوله. تحدث بنبرة من الجحيم الذي ربما يناديه الان متعطشا لدمائه.
: من انتم. ماذا تريدون.؟
ابتسم احدهم ابتسامة جانبية مستعرة.
: مبعوثوا السيد ديفيد. واسوده
تنفس مراد الصعداء يتسائل
: ولما تلك الضجة في الدخول. الا تعلمون من انا.
: نعلم جيدا سيدي. لكنها اوامر.
بعدم فهم نظر لهم. قائلا بغضب.

: اي اوامر تلك التي تدعي اقتحامكم منزلي بتلك الطريقة.؟
في حركة مباغته. كان جميع رجاله يطرحون ارضا اثر رصاصات قاتله.
حدق بجثث رجاله بغموض اقرب للخلل. تحدث بخفوت.
: طعام الاسود اذا.؟
لتأتيه الاجابة بنبرة شيطانية متقنة. نبرة كالفحيح.
: الاسود تريد طعما حي.

كان المتحدث ابعد شخصا عن خياله الان. كان المتحدث عمر. اتسعت عيني مراد بصدمة. صدمة تعادل حجم الكون، يرتجف جفن عينيه اليسرى بعنف. اقترب منه عددا كافيا من الرجال لتقيده عندما اشار لهم عمر بابتسامة شيطانية. وكاميرا صغيرة تبث ذلك الحدث اللطيف. والشهي على حد تعبير الاسود...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة