قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والخمسون والأخير

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والخمسون والأخير

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والخمسون والأخير

في حكايا الاميرات بعد البؤس تنعم الاميرة مع الحبيب فوق نسمات العشق.
اما هي فتختلف.
هي اميرة ذاقت من البؤس مايكفي. ومع الحبيب لا تجد سوى المزيد منه.
تستلقي على جانبها الايمن، فقط تحدق في اللا شيء امامها،
منذ خروجه من الكوخ وهي مستيقظة.
ابتسمت ابتسامة مزيج من الحزن والسخرية.
فلم تعد تخاف الوحدة. تخلصت منها وربما تركتها في ذلك الركن القاعي بذاكرتها الذي تركت به جميع ما مضى.

تخلصت من مخاوفها. كفاقد بصر ركض بهلع نحو مجهول فاصتدم بصخرة.
صخرة مخاوفه.
الصخرة تهشمت وهو ابصر...
الان مخاوفها جبل. إبصاره لعنة.
فكرة فقده. تجثم كالجبل فوق قلبها...
افكارها تجوب جدران رأسها بصراع، بين الافصاح عن سبب هروبها و تشويه علاقته بوالدته التي لم تنعم بوجوده بعد.
ام كتم الامر داخل صدرها بأرق والمضي.
في كل مرة تهرب منه إليه.
تجيد الهروب و تناوشها فكرة البوح بما يعج الما بصدرها.

تتذكر ذاك يوم رجوعها، اول هروب.
تسللت حمرة طفيفة نحو وجنتها.
اضطربت خفقاتها كرفرفة عصفور يحلق تحت نور الشمس.

Flash back
العشق ادراك. والادراك لعنة...
وقف امامها لاهثا قلبه.
يرتوي بادراك جميع حواسه لوجودها...
تنعكس صورتها بعينيه. فتدرك مرآها.
يحتضن وجهها بين يديه. فيدرك ملمس وجنتيها بأطراف أنامله.
تنصت اذنيه متلهفة لخفقاتها فتدرك وجودها.
احتلت القسوة نظرة عينيه. حاوطت انعكاس صورتها بحدقتيه. عندما لمح رفضها لاقترابه. دفعها الواهي له ليبتعد عنها
: انتي مراتي.
سخرية قاتمة احتلت نبرته.

: والمرة دي بموافقتك يا حياة.
اغمضت عينيها بحزن احرق قلبه. لتتساقط من كلتاهما دمعة.
خربطة مشاعر. بين نبضة فرح وشعور خزي وانكسار سيلازمها بعقد زواج.
تذوقت مرارة العيش لما هو آت. كيف ستتحمل وجودها برفقة من لا يرغبون بها من الاساسا. بحجة رباط مقدس. قيود تنحر شراينها حتى الهلاك. عقد زواج.
تركها فجأة بقسوة ادركتها.
جذب كرسي بجوار الفراش، وضعه امامها جالسا عليه مشيرا نحو الفراش.
: اقعدي.

نبرته لا تبيح شيئا بعدها سوى الانصات لآوامرة.
جلست تمسح عينيها بظهر يديها استعدادا لوابل نظراته التي تكاد تخترقها كالرصاص. تحاصرها فلا تستطيع الفكاك.
: مشيتي ليه.؟
اهدته نظرة كالوقود. حدقت قليلا بعينه ثم تصلبت نظرتها فوق الارض.
: كنتي متفقة معاه.
اتسعت عينيها وسؤاله يمرر ما هو اعمق.
نفت سريعا.
: لاء.
: ايه اللي حصل؟
سردت له تفاصيل هروبها منذ ان خرجت حنان من الغرفة وحتى موافقتها بعرض علاء لها بالمساعدة.

ملامحه تتوحش. يتبخر الامان شيئا فشيئا. الان تخافه بشدة.
: وايه اللي اضطرك تمشي.
هدوء نبرته لا يبشر سوى بالعاصفة.
وهي ايقونة الغباء. بحسن نية ارادت تضليله عن حقيقة سبب هروبها. بصوت مرتعش. وأيديها في شبه قتال مرتبك
: انت كنت ااا، ما كنتش بتاخد رأيي في أي شيء يخصني. كنت بتهمشني دايما كأني ماليش وجود.
بدأت العاصفة. عاصفة بلا زعابيب ولا اعاصير. عاصفة كالهواء السام. تخنق. تحبس انفاسك خوفا دون عنف.

ابتسم بانفعال موحش. و في عرف الابتسام لا وجود لابتسامته. عينيه اصبحت رمادية النظرة. صمته دب بأوصالها الرعب. صمته مرر لها انه لم يصدق ذريعتها الواهية. ثم تحدث بهدوء. بكلمات تضيق عليها القيد حول رقبتها. تخنقها.
: يعني مشيتي من البيت، روحتي عند واحد غريب في شقته علشان ما بخدش رأيك.
حسنا. لم تستطيع خنق عبراتها كما يفعل هو بها فأطلقت لها العنان. تشهق بآسف باكية.

: ماكنتش أعرف انه كده والله يا قصي، ماكنت اعرف ان كل ده هيحصل.
وانخرطت في البكاء.
بسيناريو رومانسي لا يجوز في تلك اللحظة سوى عناق وقبلة عاشق يبث بها الامان لحبيبته.
اما هو فمزق السيناريو. وقتل المخرج وجميع فريق العمل. و يبث هو ملحمة عشق بطلتها الوحيدة هي.
بكل جنون. غضب. انفعال. زعق يخرج بعضا مما يؤلمه حد القتل.
: ولو ماكانش كده كنتي كملتي.! المبدأ نفسه غلط.

هو يحترق. ولا مانع من بعض الشظايا تنالها هي كي تشعر بما يشعر به. يجلدها بسوط كلماته ولا طاقة لها حتى في ابداء الالم.
انكمشت على نفسها خوفا
: انا مالقيتش قدامي غيره. ماكنش عندي حل تاني. ماكانش ليا مكان تاني اروحه. كنت خايفة.
احاطت جسدها بذراعيها ببكاء وبرودة اللحظة تجتاحها.
اما هو تجتاحه نيران حارقة تشتعل بأوردته.
كانت خائفة ولم يكن جوارها. كانت خائفة ولجأت لغيره. بركان يبتلعه. او هو يتجرعه لا فارق.

احكم مراد اللعبة بشكل صحيح. القى الطعم وبكل سذاجة كان هي.
مارد الغضب التحم ومارد العشق ليكونا اسوء وحشا على الاطلاق.
استقام يفرق بعضا من غضبه، دافعا الكرسي بقدمه نحو الحائط فتهشم.
لفها الدوار فبدت في امس الحاجة لذلك السيناريو الممزق.
فقط عناق و قبلة. و تغفو في هدنة. او بالأحرى هروب.
: انا تعبانة. عايزة انام
ليستكمل سوطه وصله العقاب فيما بعد.

نبرة احتياجها لتوقف النقاش بينهم اخترقت قلبه. اذابت قشرة القسوة من حوله كما تذيب اشعة الشمس الجليد.
استقام مبتعدا عدة خطوات والعاشق بداخله ينهره بانها لن تتحمل قسوته. اما الغاضب فيحاول اسكاته.
نزع ساعته ومتعلقاته الشخصية عن سترته.
ثم خلعها يحل ازرار قميصه حيث استطاعت هي التنبؤ بما سيحدث.
فاستقامت في محاولة فاشلة للتفكير. شل عقلها وجميع افكارها سوى فكرة واحدة فقط. وسؤال.

هل سيسن عقابه لها تحت عقد زواج.؟!
اقترب منها ببطء يصك اسنانه غضبا حيث قرأ افكارها من خلال خطواتها الخائفة المبتعدة للخلف.
وفي لحظة جذبها نحو الفراش يحيطها بذراعيه في ذعر كامل استوطن بها ككل.
جسدها يرتعش وعينيها تتصلب فوق اللا شيء.
كادت ان تفقد الوعي.
: ماتخافيش. كلامي لسه ما خلصش معاكي.
نبرته الهامسة باطمئنان اخترقت خوفها فبددته.
: نامي يا حياة وماتخافيش.

اعاد السيناريو بطريقته الخاصة. حيث شدد من ضمها بإحكام نحو صدره يقبلها بعمق فوق جبهتها، ثم دفن انفه بين خصلاتها مستنشقا عبق وجودها معه. قطعة روحه ونبض قلبه. الذي عاد اليه بعد الموت
اطبقت جفنيها فوق صورته بحدقتيها وقلبها.
ثم غطت في نوم عميق...
Back.

منذ ذاك اليوم وكل ليلة لا تنام سوى بين ذراعيه.
انتبهت إلى صوت ولوج المفتاح بالباب فتصنعت النوم.
دخل يحمل اكياس الطعام بين يديه، لاحظ ارتعاشة جفنيها فعلم انها مستيقظة. وضع ما بين يديه. وفي لحظة ترددت بفتح عينيها عندما عم الصمت المكان.
لتشهق فجأة عندما استشعرت دفء انفاسه قرب وجهها
: بتعملي نايمة ليه.؟
قالها بنبرة هامسة دافئة.
استقامت نصف جالسة فحاصرها بين يديه.

خفقاتها تضرب بجنون. تصل إلى مسامعه كمعزوفة عشق.
اقترب هامسا حتى ثقلت انفاسها.
: انتي فاشلة في التمثيل على فكرة.
رمشت بأهدابها ثم رفعت الستار عن حدقتيها تنظر إلى عينيه مباشرة.
ضيق ما بين حاجبيه بغموض.
عشقها بحر غايته فيه الغرق. فتباً لجميع السفن.
: عارفة لو فكرتي تسيبيني تاني ياحياة.
وما بعد لو لا يجوز الافصاح عنه.
ما بعد لو. الجحيم ذاته.
انتبهت. ترقبت. وجلت.

معها فقط يبيح ظهور ذلك الطفل الذي كان يخاف الظلام بداخله.
معها فقط يمكنه اظهار نقاط ضعفه.
التي تتلخص جميعها في كونها هي.
غامت عينيه بدكنة احتياج. لمستها هي.
رفعت اناملها بخجل تحيط وجنته تمتزج نظراتهما معا بين عشق وندم وخوف.
خوف الفقد الذي مازال شبحه يحول بينهم.
: مش هسيبك تاني. اوعدني انت ما تسيبنيش.
تحولت نظرته لنظرة قاتمة حيث احتل افكاره مراد.

فقد استمعت هي حديث علاء له في ذلك اليوم اثناء قتالهم عن ذهابه اليه او ما شابه
استقام مبتعدا بجفاء معاكس لما كان عليه. وبنبرة احتلها الغضب رغما عنه حاول اخفائه.
: يلا قومي علشان تاكلي.
استقامت تنفض عنها الغطاء تتمسك بذراعه تتوسله برجاء
: علشان خاطري ما تسبنيش. انا مش هقدر اعيش من غيرك.
نظر اليها دون تردد جذبها نحوه يحتضنها بين ذراعيه.
ومذاق الجنة بين ذراعيه.
تود لو تبقى فقط هكذا للابد، لا تفارقه.

بأرقى لغات العشق يخبرها بأنها باتت نبض قلبه.
ليمارس القدر دوره في صوت اشعار لاستقبال رسالة.
رسالة تدعم بقاء العشق للأبد. تماما كما ودت هي.
رساله لن يعرف باعثها الحقيقي.
احاط وجهها بين كفيه مبتسما، يطبع قبلة رقيقة فوق تلك الشامة التي تعلو شفتيها ثم تركها خارجا.
: لحظة واحدة هشوف حاجة وجاي.
اندثرت ابتسامته ما ان خرج يتطلع بالهاتف.
سرعان ما لانت ملامحه تتسع عينيه لما يشاهده...

برغم من كونه اراد وبشدة تمزيق مراد باسنانة، وربما جمع رصاص العالم وافراغه فيه دفعة واحدة، الا انه شعور انساني تسلل من بين مشاعره بالرفض.
بالنفور. عندما شاهد ذلك الفيديو الذي تلقاه صباح اليوم.
مراد مقيد اليدين والقدمين. تقوم بتمزيق اطرافه باستمتاع مجموعة من الاسود المفترسة. تطلق حنجرته خوار وليس صراخ. امتزج صوته بزئير الاسود التي تسيل دمائه من بين انيابها ليكونا سيمفونية مرعبة.

شكر فعلته بخروجه عندما استلقى الرسالة المدمجة بذلك المقطع البشع.
مقطع ذو جودة عالية لا تبيح التلفيق،
رغم ذلك شاهد بعينين غامضتين بتمعن. نظرات لا تخلو من الشك.
وما ان انتهى المشهد بجسد مراد يرتعش باحتضار تنكب عليه الاسود متلذذة بالتهامه.
تلقى رسالة.
قلبت موازين عقله.
( انتهى امر مراد، رافقته شياطينه إلى الجحيم. عش بسلام حياة طيبة )
حالة من التخبط تمكنت من افكاره،.

بين ذلك المجهول الذي يهمه امره لتلك الدرجة. وبين احتمالية خديعة أخرى من مراد...
ذلك المجهول الذي كان في يوم من الايام والده
تأتي فرص النجاة من حيث لا ندري. فقط لمن يتقي الله...
تكالبت عليه الديون التي ربما تنتهي به في السجن.
لا سبيل له للسداد.
ورغم ذلك نفذ وصية عمه المؤجلة. كان يأمل بمسامحة سارة له لكنها ابت.
اعطى لكل من سارة وآدم نصيبهما.
وتصدى للديانة من كل الجهات.
ليفاجأه القدر. بالخلاص. المخرج.

جلس مشدوها ينظر إلى حقيبة النقود امامه فوق سطح المكتب. لا يصدق. يتمتم من بين شفتيه بالحمد.
يتنهد براحة مبتسما يتذكر حديث حمزة معه منذ قليل.
( الفلوس دي مش علشانك. دي علشان الناس الغلابة اللي بيوتهم هتتخرب بسبب حريق المخازن )
الطبيب النبيل ذو الضمير الحي.
دخل اسماعيل على ملامحه غم وهم.
: وبعدين يا اخوي هنعمل ايه مع الفلاحين والتجار.؟
ابتسم سالم يدير حقيبة النقود نحو اخيه الذي حدق بها بعيون متسعة فرحا.

: بلغهم ان فلوسهم هتوصلهم على داير مليم يا اسماعيل.
منذ نشأة القمر والليل يحاوطه. لا ينفك عنه.
غارقا تماما بقلبه.
نففضت عن عشقها له غبار ذنب لم يقترف. منذ ذلك اليوم بالمشفى، عندما وقفت برفقة دموعها وخفقاتها المتراقصة تبكي تارة وتبتسم تارة اخرى، تستمع الى حديثه مع ابنة عمهم سارة.
لم يفعل. لم يقترف ذلك الذنب الذي كان يقف بينهما كالجدار المقيت.
لم يفعل.
رفعت يديها فوق موضع قلبها وكأنها تخبره.

فالتخفق الان دون ألم. ساكنك الوحيد لم يرتكب تلك الفاحشة
عادت جميع الحقوق لاصحابها، سارة وآدم وصلهما ارثهما كاملا.
جلست تنظر إليهم بكل الحب. عائلتها تجمعت من جديد بافراد جدد.
ابتمست حيث من حين لآخر يُكتشف لهم ابناء عمومة.
واخوة.
توقفت نظرتها بدفء فوق وجه حور. اختها.
صغيرتها التي توغلت محبتها بداخلها وكأنها رافقتها منذ الصغر.
بدى لها العشق يقوم بدوره بجدارة حين لمحت تواصل نظرات حور واسماعيل.

تجلس جدتها جوار سالم بابتسامة دافئة تربت فوق كتفه بحب.
اماهو فنظراته. خفقاته. جميع خلاياه. موجهة اليها. تجري بدمائه هي مجرى الدم.
غمز لها خلسة فنهرته بعينها قبل ان تبتسم تطرأ رأسها ارضا بخجل.
ارتفعت رأسها بإجفال. حين دخلت امها مهللة
التفتت جميع العيون والاذان نحو فاطمة التي تطلق زغاريد يبدو انها ستتحول لصراخ بعد قليل.
كان اسماعيل اول من تحدث بابتسامة مترقبة.
: خير يا مرات عمي، في ايه؟

لهثت فاطمة بعد توقفها تلتقط انفاسها قائلة
: قمر ياولدي.
تيقنت قمر بما ستتفوه به فسريعا توجهت نظراتها اليه.
وليتها ما فعلت.
عينيه فوهتي بركان تندلع منهما النيران
: قمر جالها عريس انما ايه، من اعيان البلد.
نظر اسماعيل نحو سالم الذي يجلس فوق جمر مشتعل.
كم اراد حدج فاطمة به الان.
وحور بكل برائة خطت نحو اختها الكبرى تقبلها مباركة ببلاهة وابتسام. على حد تعبير سالم المشتعل
: مبروك يا اختي مبروك يا حبيبتي.

انفجر البركان.
انفجر ينثر قطرات بركانية فوق الجميع واولهم تلك المسكينة حور، التي زعق بها متهكما.
: هو ايه اللي مبروك يا اختي مبروك ياحبيبتي؟
سريعا عادت ادراجها نحو اسماعيل تختبئ خلف ظهره. ليتمكن منه الغضب لرؤية خوفها.
: بتزعقلها ليه يا سالم. ما تزعقلهاش كده. حور ما تعرفش.
انطلق الغضب بلا حد. وجه حديثه إلى فاطمة.
: وانتي يامرات عمي داخلة ويك ويك ويك. خلاص جوزتيها واحنا قاعدين.

نظرت اليه فاطمة باستغراب تتحدث مبررة.
: ما قصديش حاجة ولدي، انا الفرحة مش سايعاني بس.
: ما تسعكيش. قمر مش هتتجوز.
شهقت فاطمة بفزع مبالغ فيه تصفع صدرها بصدمة.
ليكمل جاذبا قمر من ذراعها نحو مكتبه بخطوات سريعة غاضبة.
: قمر مش هتتجوز حد غيري، كتب كتابنا هيكون الاسبوع الجاي.
حدقت به جميع العيون حين اخذها داخل المكتب مغلقا الباب خلفه.

وبعد لحظات من الاستدراك. انطلقت زغاريد الجميع. حتى الجدة اقسمت ان تطلق زغاريد الفرح رغم وهن حنجرتها...

داخل المكتب.
اطبق قبضته فوق ذراعها بقوة. يتحدث من بين اسنانه غاضبا من ذلك الشرط الذي وضعته امام زواجه منها كالعقدة.
: شوفي بقى كل واحد رجعله حقه. سارة تسامحني ماتسامحنيش هتجوزك يعني هتجوزك ياقمر. حتى لو اضطريت اتجوزك بالغصب هتجوزك.
تحدثت بألم
: ايدي يا سالم. بتوجعني.
فك حصار ذراعها من قبضته. لتلومه نظرتها معاتبة اياه تدلك ذراعها بيدها الاخرى.
زفر بغضب لألمها.
رفعت رأسها بشموخ يدرك هو مدى جديته.

: وانا ما بجيش بالغصب يا ابن عمي.
تبدلت حالته مائة وثمانين درجة. من غضب قاسي لابتسامة واسعة وغمزة واقتراب.
: طب بإيه.؟
علمت ما تبيته نية اقترابه. ليكمل
: بالرضا.؟
رمت قلبه بسهام نظراتها نحو عينيه. اقترب منها حتى بات لا يفصلهما سوى انفاسهما. لم يلاحظ التماعة المكر بعينيها وهو يقترب من شفتيها يخمن مذاقهما بأفكاره. لتدفعه دفعة عنيفة بصدره جوار جرحه الشبه ملتئم، فتأوه مبتعدا عنها.

ابتسمت بخبث تخرج من المكتب وقبل ان تغلق الباب تحدثت بدلال بما جعل خفقاتة تتراقص على انغام عشقها.
: بعد كتب الكتاب الاول.
انتهى مما كان يؤرق ضميره تجاه سالم وما فعله بمخازنه.
يحاول الان ان ينتهي مما يؤرق قلبه.
تأكل عجلات سيارته الطريق من تحتها. حيث لديه موعد عليه اللحاق به.
رفع سماعة الهاتف فوق اذنيه متحدثا.
: آدم. انا قدامي ساعة و اوصل حاول تعمل حاجة عطلها بأي طريقة كل حاجة هتبوظ لو سارة وصلت قبلي.

ليرد آدم على الجهة الاخرى من الهاتف بحنق يحاول عدم ابداء ان من معه على الهاتف حمزة. حيث سارة تجلس جواره بالسيارة في طريقهم إلى عملها.
: حبكت ياعم عبده مشوارك ده دلوقت. طيب طيب ما تقلقش هتصرف لحد ما تيجي.
تحدث حمزة باستنكار.
: عم عبده. ماشي عم عبده عم عبده، على الله نعجب اختك بس وترضى علينا.
انهى المكالمة معه يحاول ان يصل للاجتماع قبل المعاد المتفق عليه...
هناك خطأ يمكن اصلاحه. وهناك خطأ كالوصمة.

لا نستطيع التكفير عنه للأبد.
في بقعة من الظلام وقف ينتظر صديق له.
صديق كان بالماضي غريب إلى ان انقذ حياته من الموت في يوم ما.
فحفظ له ذلك المعروف ليأتي يوم رد الجميل بالأجمل منه.
عبد السلام. او يسري كما هي حقيقته. وقف بمكان نائي بتلك المدينة الهادئة.
ليلاحظ ظل ملثم من بعيد قترب تجاهه فاقترب منه بدوره متلهفا.
وقف كل منه في ظلام الليل قبالة الاخر.
لينزع الظل اللثام فيظهر وجهه المبتسم قائلا.
: مرحبا صديقي.

عانقه عبد السلام فبادله الاخر بالعناق مربتا فوق ظهره.
ليتحدث عبد السلام بلهفة اب.
: ارح قلبي ديفيد. ماذا فعلت.؟
ابتسم ديفيد باطمئنان يربت فوق كتفه.
: اطمأن كل شيء تم بحسب ما اردت، انتهى امر مراد للأب. لم يعد هناك ما يهدد حياة عمر او قصي. كن مرتاح البال يا صديقي.
نظر له عبد السلام بامتنان تتجمع سحابات الدمع بعينيه.
: اشكرك ديفيد. الان فقط يمكن ان اقول انني سددت بعضا من دَيني لقصي. شكرا لك صديقي.

: لا تقل ذلك. لقد انقذت حياتي سابقا ومهما فعلت فلن اسدي لك ذلك المعروف.
ثم مشي يجذبه خلفه قائلا بحماس.
: تعال. تعال معي.
ذهب عبد السلام خلفه بعدم فهم ليقف متصلبا. متسع العينين ينظر إلى عمر الجالس بالسيارة على الجانب الاخر من الطريق.
خر جالسا على ركبتيه يبكي بكاء حار. يضم قبضته بألم حتى ابيضت عروقه. كم اشتاق لعناقه، كم اشتاق لعناقهم جميعهم. قصي، يمنى، عمر.
تمتم من بين بكائه بمعاتبة.

: لما ديفيد. لما فعلت هذا. لما آتيت به.؟
دنا منه ديفيد مربتا فوق كتفه
: هون عليك يا صديقي. انهض، قم واذهب إليه. وان اردت ابنتك آتيك بها، فقط وافق و سأنفذ.
هز عبد السلام رأسه نافيا.
: لا. ان اكون ميت بمعتقدهم. خير لي من ان اموت بنظرهم وانا على قيد الحياة.
نهض يمسح عينيه يملي نظره بعمر مكملا بابتسام
: يمنى بأمان برفقة قصي. انا واثق.
تساقطت دموعه مرة اخرى مردفا.

: هي عد إليه فهو ملول الانتظار. وشكرا لك مجددا ديفيد.
التفت مغادرا فهتف ديفيد بحزن.
: إلى اين.؟
نظر ديفيد إليه ثم رفع مظره نحو السماء قائلا.
: إلى دين اكبر لم اسدده بعد. ليت الدائن يقبل اعتذاري. وداعا صديقي.
واختفى داخل ظلام الليل من جديد.
زفرت براحة تدخل إلى مكتبها الصغير، حيث لم تقابل ثرثرة علا الصباحية.
توقفت تنظر فوق سطح مكتبها بزهول.

اقتربت بشبه ابتسامة مستغربة. نحو ذلك العصفور الصغير بداخل قفص ذهبي اللون
فوق سطح مكتبها.
داعبت العصفور باطراف اناملها تبتسم له بمرح.
مر حمزة بخاطرها في تلك اللحظة. لماذا.؟ لا تعلم
فقط مرت بخاطرها لحظة اللقاء الاول معه برفقة عصفورها الجريح.
ابتسمت حين تذكرت مشاجرتهم بذلك اليوم.
: ساراااااااة.
ومجددا علا.
حيث اجفلت سارة اثر صوتها المهلل خلفها.
زفرت بنفاذ صبر لتكمل علا.

: اتأخرتي ليه ده الاجتماع خلص، كان نفسي تشوفي المدير ابن صاحب الشركة.
ثم اطلقت تنهيدة حالمة، تكمل بحزن
: فاتك نص عمرك على فكرة هو مش جاي تاني خلاص صفى الشركة، باعها.
داعبت سارة العصفور فجلست جاذبة اياه امامها فوق سطح المكتب، غير منتبهة لحديث علا.
: العصفور ده بتاع مين ياعلا.؟
مررت علا نظرها بينها وبين العصفور باستنكار.
: عصفور.؟ بقولك الشركة اتباعت تقوليلي عصفور.
نظرت لها بنافذ صبر تتحدث بحنق.

: خلاص ياعلا يعني اترفدنا.
: لاء، ما انتي لو كنتي حضرتي الاجتماع كنتي عرفتي حصل ايه،
وضعت يديها فوق جبهتها تدلكها بألم.
: عربية اخويا عطلت في الطريق علشان كده اتأخرت.
(والعطل لم يكن صدفه، بل حلت المشكلة ما ان حدثه عم عبده او حمزة يخبره انه وصل )
ببلاهة ابتسمت تتحدث بدلال.
: هو اخوكي جه هنا.؟
حدجتها سارة بنظرة استنكار من رأسها وحتى قدميها.
لتستدرك علا نفسها سريعا قائلة وهي تخرج من غرفة المكتب بإحراج.

: ااا. المدير الجديد عايز يقابل المهندسة اللي اتأخرت على الاجتماع. واه صحيح قال مش هيمشي حد من الموظفين هو اشترى الشركة بموظفينها هو وشريكه قصدي شريكته.
عاصفة ثرثرة تسمى علا.
وضعت كلتا يديها على جانبي رأسها تغمض عينيها بألم حيث اجتاحتها آلام الرأس.
استقامت تلقي على العصفور نظرة وابتسامة ثم اتجهت نحو مكتب المدير الجديد.
حيث مفاجأة تنتظرها...

بداخل المكتب وقف امام النافذة بشموخ يضع يديه داخل بنطاله يتمتم لنفسه بخفوت متفاخرا.
: حلو دور المدير ده. لايق عليا والله.
وفجأة استمع إلى طرق الباب، اخذ نفسا عميقا يرد بصوت عال
: ادخل.
ولجت سارة ولم تنتبه إلى نبرة صوته اغلقت الباب خلفها تلقي تحية الصباح باحراج معتذرة.
: اسفة يافندم حصل ظرف طارئ عطلني عن الاجتماع.
ضيقت مابين حاجبيها بتعجب تتسع عينيها بصدمة.
حين التفت لها حمزة.

لم تنتبه إلى صوت المفتاح الذي تغلق به علا الباب بحذر من الخارج.
بزهول وعدم فهم تحدثت.
: حمزة.؟ انت هنا بتعمل ايه.؟
: سيادة المدير يا باشمهندسة.
صحح لها لقبه يحاول مداراة لهفة نظراته اليها.
: مدير ايه. انا مش فاهمة حاجة. انت مش دكتور.؟
ليرد مبتسما بكل ثقة.
: دكتور. ومدير الشركة.
الجمت الصدمة لسانها. ليكمل وهو يجلس فوق مكتبه.
: المرة دي بس هقبل اعتذارك عن التأخير علشان اول يوم ليا في الشركة.

تذكرت حديث علا عن بيع الشركة الذي اعلن عنه في اجتماع اليوم. لا تصدق انه بات مديرها
ولا تدرك هي ان ما خفي كان اعظم...
تملك منها الغضب لتتحدث ساخرة
: لاء وعلى ايه يافندم مافيش ولا مرة جاية ولا رايحة. انا مستقيلة
والتفتت تغادر المكتب تحاول فتح الباب لتجده موصدا من الخارج
: لاء منا عامل حسابي لكل حاجة.
قالها بابتسامه متسعة ينهض من مكانه متقدما اليها.

يحمل بين يديه ورقة ما يفردها امام وجهها. فأزاحتها بغضب حتى كادت تمزقها قائلة
: افتح الباب ده حالا ياحمزة
عدل من الورقة قائلا
: الحمد لله اني عملت حسابي في دي كمان وماجبتش الاصل.
نظر اليها ليعطيها الورقة مرة اخرى بابتسامة سمجة.
: اتفضلي اقري.
: قارية حاجة افتح الباب بدل ما اصوت واعملك فضيحة في شركتك اللي انت فرحان بيها.
تبدلت نظرته يتنهد بحالمية قائلا
: ياريييت.
اتسعت عينيها بزهول. لينظر اليها مكملا.

: تخيلي بقى لما تبقى سيرتنا على كل لسان في الشركة، مدير الشركة وشريكته.
: ايييييه
صرخت بها باستنكار
: شريكة ايه؟ انا مش شريكة حد
ليهتف ببرائة
: منا بقولك خدي اقري الورقة مش راضية.
تناولت منه الورقة بعنف تقرأ محتواها لتتسع عينيها تنظر إلى مكان توقيعها فوق عقد شراكة صحيح. تذكرت يوم امس عندما طلبت منها علا توقيعها. لتهتف من بين اسنانها.
: علا.!
ليباغتها بنبرة مستمتعة.

: بالظبط. واول صفقة لينا هي مستشفى اخوكي اللي بتتبني على ارضي، انا خلاص لغيت التعاقد مع شركة المنياوي ومضيت انا وآدم.
: آدم.؟
هتفت بها مشدوهة بصدمة.
اذدرد ريقه بارتياك حيث كان الاتفاق ان لا يخبرها بتعاونه معه.
همت تفتح الباب بعنف ليقترب منها تلين نبرته برجاء وبحب خالص
: سارة ارجوكي كفاية، اعملك ايه تاني علشان تسامحيني
ابتعدت خطوة إلى الوراء بغضب. بينما يجثو خافقها مشبكا يديه باكيا يتوسلها مسامحته.

امتزجت لمعة الدموع بدفئ شعاع جرتي العسل خاصتها. الغارق هو فيهما حد الثمالة.
حد الانطفاء.
فقط نور شمسه وكفى.
دمعة عذبة صافية ولدت على اعتاب مقلتيها مرورا بوجنتها وكأنها تعاتبه تركها الموت على شفتيها. تلاها الكثير منتحرا فوق حافتي شفتيها في لحظة شرخ لكرامتها ودون تحكيم عقل من وجهة نظرها.
تحدثت معاتبة قلبه كيف جَرء. نبرتها معاناة. مهزلة بين قلب عاشق وعقل مشتت بافكار يسكنها هو وافكار معارضة.

: عاوزني ازاي اسامحك.؟ انت دبحتني بكلامك ياحمزة.؟ جايز اكون جرحتك بالكلام اللي قولته
قطعت حديثها غصة قاتلة تنهار امامه باكية تردف بقهر.
: بس كنت خايفة عليك. كنت خايفة سالم ينفذ تهديده ويقتلك. علشان كده جرحتك. كلامك دبحني وبدون اي عذر ليك.

اشتعلت عينيه يشد على قبضة يديه بغضب. يسب نفسه. يلعنها. اقترب يحتويها بين ذراعيه لتشير إليه فاردة كفها امام وجهه تمسح دموعها المتساقطة. لترفع رأسها بشموخ في لحظة ادراك وما زالت انتفاضة قلبها بالعشق. والألم يخرج على هيئة كلمات.
مش مسمحاك وعمري ما هسامحك.
: سارة انا بحبك.
لن تنكر ان كلمته زلزلت قلبها. اصابته بزيادة في معدل الخفق. لتحاول اخفاء تأثرها
: افتح الباب ياحمزة خرجني.

زفر بتعب بإرهاق عاشق في صحراء جافة تحت شعاع شمس قاسية. فتح الباب لتخطو هي سريعا خارج المكتب، وقبل خروجها قبض فوق معصمها يهمس بخفوت قرب اذنيها
: هسيبك تمشي. بس مش هسيبك غير لما توافقي تتجوزيني.
نفضت يديه تخطو خارجا ومن بين دمعاتها تسللت ابتسامة تناوش وجنتيها في الظهور.
: اوعي تنسي العصفور. خلي بالك منه.
هتف بها ينظر في أثرها بإصرار عاشق مثابر.
لينال الشمس بجدارة...

انتهى الكابوس يجر خلفه ابواب الماضي المفعمة بالسواد.
تأكد من حقيقة الفيدو تحت يد خبير فأكد له صحته.
ينتابه شعور الان باختطافها في رحلة عشق لا نهاية لها.
تسلل بخفة من خلفها حيث كانت تقف بشرفة الكوخ القريبة من الارض.
اجفلها بعناقه لها من الخلف يستند بذقنه فوق كتفها. يهمس بخفوت قرب اذنيها بنبرة عشق تسمعها لأول مرة
: وحشتيني.
سريعة ازاحت بيديها دمعة كانت تسيل فوق وجنتها ليديرها اليه بتسائل.

: بتعيطي ليه. لسة بتخافي تقعدي لوحدك.؟
نفت برأسها ليحتضن وجهها بين يديه
: اومال في ايه.؟
: انا هفضل هنا لحد امتى. خالو وماما وحشوني اوي.
ضم رأسها نحو صدره ينظر نحو البحر بغموض. لتهدأ هي مش شهقات بكائها عندما استمعت اليه يقول.
: لما نصفي حسابنا الاول.
نظرت اليه تمتزج دموع عينيها بنظرة البرائة فيهما.
: حساب ايه.؟

بدت فكرة كونها زوجته تبيح له تخيلات لا تجوز مع وعد قطعه مسبقا. حيث ظهر له شبح والده فوق رأسها محذرا اياه. يتردد صداه داخل مسامعه ( امنية حياتي اسلمها لعريسها بالفستان الابيض. ده كتب كتاب بس ياقصي. انا واثق فيك )
اخذ يسب بداخله. تبا لذلك الوعد. وتبا لبرائتها المهلكة.
وتبا لتلك الشامة فوق شفتيها.
ليتمتم بحنق.
: ما كانش لازم اوعده.
: بتقول ايه.؟
تنهد يبعد تلك الافكار عن رأسه مؤقتا.

: بقول اني لسة ما عرفتش السبب اللي خلاكي تمشي يوم كتب الكتاب. ومش عايز اعرفه غير منك.
رمشت بأهدابها في تردد لتحسم الامر بأخباره. بنبرة يملئها الحزن تحدثت
: هقولك. انا مشيت علشان ما قدرتش افضل بس لمجرد اني مراتك. مشيت لما سمعت خالوا وماما بيقولوا.
واخذت تقص فوق مسامعه ما حدث.
وصدفة، لم تكن مسامعه هو فقط. لتنتفض بإجفال بين ذراعيه عندما استمعت لصوت منصور من خلفهم
: احنا فعلا قولنا كده.

تصلبت. سهم ما اصابها بمقتل عندما آتاها صوت منصور الصارم من خلفهم. لم تمتلك الجرأة على النظر والتأكد من وجوده رغم اشتياقها له. هي الان تحاول ايقاف نزيف روحها بما استمعت اليه الان. بكل اصرار يخبرها انه فعل.
لم ينكر حتى كذبا لمراعاة مشاعرها.
نظر قصي اليهم داخله صدمة تامة لم تظهر على ملامحه.
فقط شدد من عناقه لها عندما لاحظ تصلبها بين يديه.
ضمها اكثر نحو صدره وكأنها جزء منه.

زقف منصور بهيبته عند باب الكوخ تجاوره حنان بدموع باكية تنظر الى يمنى التي لا تعي شيئا مما يحدث.
يمنى العائدة من نكبة نفسية لا يليق معها اظهار حقيقة الامر امامها.
استدرك منصور الموقف لينظر إلى قصي بغموض
: سيبنا لوحدنا. خد يمنى على العربية.
فهم نظرة ابيه. علم سريعا ان المقصود بذلك الحديث. يمنى.
تقدم منصور منها بعدما خرجا كلا من قصي ويمنى.

حنان مازالت واقفة تنظر إلى حياة ببكاء. تجلد ذاتها بتفوهها في لحظة انفلات مشاعرها بتلك الكلمات التي آذت مشاعر صغيرتها.
وقف منصور امام حياة التي تنظر اليه باكية كطفلة. بنظرات حزن مغلفة بعتاب اب وابتسامة حزينة ترسم فوق وجهه يشرد بوجهها متحدثا.

: حاربت زمان و خدتك من رشدي بالغصب وانتي صغيرة علشان احميكي منه، كنتي عوض ليا عن امك الله يرحمها. وعن ابني اللي ماكنتش عارف هو عايش ولا ميت. ماكنتيش بنت اختي وبس.
نظر إلى عينيها مباشرة وقد تلاشت ابتسامته لتحل محلها دمعة لعينة تأسرها عينيه بداخلها. اكمل وهو يراها تلك الطفلة الصغيرة التي كان يلاعبها ويطعمها بيديه ويغدقها بحنان اب خالص.
: بنتي. حتة مني.

وقررت عينيه فك اسر العديد من الدموع. تهدج صوته مكملا.
: روحي اللي عايش بيها. واللي لو سابتني اموت. وانتي موتيني يا حياة.
تكاد حنان تنهار من شدة البكاء. اما حياة فتستمع إليه وشلالات من الدموع تجد سبيلها فوق وجنتاها. لتتوقف الشلالات فجأة. ربما ستبدل الدموع بدموع اشد مرارة. تصلبت نظرة عينيها تتسع بإدراك عندما اردف منصور.

: حنان فعلا قالت كده، كل اللي سمعتيه مني ومنها صحيح. لكن المقصودة بيه مش انتي. كانت يمنى. والظاهر انك ما وقفتيش تسمعي بقيت الحوار اللي دار مابينا.
واجتاحه غضب عاصف. غضب اب. عاصفته ذات زوبعة حانية. رغم قسوتها محتوية لاتلقي بما تحتوي خارج نسماتها.
وقفت هي متصلبه تستعيد ما استمعت اليه مرة اخرى. كيف لم تنتبه. كيف ظنت ان بامكانهم ابعادها عن احضانهم.

القت بنفسها داخل احضانه ليتبخر غضبه منها في لحظة يضمها نحو صدره باكيا. وتتمتم هي من بين بكائها
: انا اسفة. اسفة.
تركها لتصتدم بنظرات حنان الباكية. فركض كلاهما نحو الاخرى في عناق. تعاتبها حنان بضمها نحو صدرها بقوة. تغدقها بالقبلات
: وحشتيني أوي. وحشتيني اوي يا حبيبتي. كده ياحياة عايزة تسيبيني. تسيبي حضن امك.
تبكي بين ذراعيها بندم. ادركت انها كانت ستخسر الكثير بفراقهم. الكثير جدا...

وقفت تكشف عن ساقيها تلاعب امواج البحر بين مد وجزر.
نظر اليها بحزن.
صغيرة هي على ان يلفظها الجميع بذلك الرفض.
فكرة التخلي عنها لا وجود لها بأفكاره.
اهدته ابتسامة مرحة تركض اليه ليتلقفها هو باحضانه.
ضحكت تقفز قفزات متتالية. تتحدث بما اثلج صدره ورسم ابتسامة عريضة على شفتيه.
: انا بحب ماما حنان اوي يا ابى. ماكنتش فاكراها حنينة واني هحبها كده.
بتعجب سألها
: بجد يا يمنى.؟
لتومأ له تجيبه بحماس.

: و وافقت كمان اقولها ياماما. قالتلي انتي بنتي التالتة. انا بحبها اوي.
احتضنها وقد ارتاح قلبه بداخل صدره.
كم هي سيدة عظيمه امه.
غمز لها قائلا بمرح
: تعالي نشوفهم خلصوا عياط ولا لسة.
ضحكت تتجه معه نحو الكوخ. ليدخل كلاهما.
فتفتح حنان ذراعها ليمنى بينما حياة تحت الاخر. لتركض يمنى داخل احضانها.
: واضح ان ما فيش مكان ليا.

لفظها بمرح. لتنهض تخطو نحوه حتى وقفت امامه ومع فارق الطول رفحت يديها نحو وجنته تخرج كلماتها برفقة الدموع
: ده انت نور عيني. نبض قلبي اللي عايشة بيه.
التقط رأسها يقبله يحتضنها في ارتواء لكلا منهما من الآخر.
ومن بين الدموع تتناثر الابتسامات.
لينتهي اللقاء بتحديد موعد زفاف...
الخاتمة...
ارسل له القدر نسمة هواء تحمل له زهرة, استوطنت بقلبه, فدبت فيه الحياة...

تنزل فوق درجات السلم الذهبي ذات الدرجات الحمراء. بطلة خطفت لبّه و انفاسة.
القت عليه تعويذة بسحر خاص.
سعادتها تكاد تتفاقم حتى تبلغ نجوم السماء وهي تنظر اليه متألقا بحلته السوداء.
علي يمينها منصور يطوق يديها بذراعه نازلا معها.
خلفها سارة تتألق برونق خاص ذات جاذبية اسرت عيني حمزة الذي يقف بدوره اسفل الدرج وسط المدعوين بفستانها الذي يحمل مزيجا بين فون النبيذ والذهب.
وصل منصور بكل الحب يسلمها إليه.

وحنان تقف تنظر اليهما ابتسامة سعادة تلقي فوقهما الورود تتساقط من عينيها دموع الفرح.
التقط يديها مقبلا اياها يغرق فقط بعينيها وابتسامتها المشرقة. وكأنهما بمنعزل عما حولهم. تعزف خلفهم موسيقى هادئة فطوق يديها بذراعه يتقدما سويا داخل قاعة الاحتفال.
اميرته وملكته التي توجها على عرش قلبه.

بعد وقت ليس بكثير...
: هما الحلوين علشان حلوين يعملوا كدهو.
همس بها حمزة بجوار اذن سارة عندما تجاهلت وجوده من بين الحضور.
لتكبح جماح ابتسامتها بصعوبة. تهديه نظرة استنكار وتتركه ذاهبة
ليهتف بصوت مرح غير عابئا بالحضور من حوله.
: هخطفك على فكرة.
تلألأت ابتسامتها توله ظهرها تتجه نحو قاعة الاحتفال.
تحرك هو خلسة نحو منظم الحفلات يطلب منه مكبر الصوت وتوقف انغام الموسيقى قليلا.
ثم أخذه متجها إليها ببطء.

و يبدأ جميع الحضور يالانتباه اليه ما ان تحدث.
: مساء الخير. والف مبروك للعروسين.
انتبهت اليه تتسع عينيها بزهول لما يفعل. ليكمل
: حابب اقول لواحدة معانا هنا. ملكت قلبي من اول ما شوفتها.
عينيه معلقة بعينيها وبدأ بعض الفتيات بالبحث عما يقع نظره عليها بحماس.
: حابب اقولها.
صمت الجميع. اخذ قلبها يهدر خافقا بعنف.
: حبيبتي.
فلتغفري لقلب عاشق ذاب عشقا في هواكي متيمُ.

اضحى رمادا بعدما ذاق الفراق بنار فقدك في جحيم غير محجَّمُ.
رحماكِ شمسي من ظلام دام دهرا بالفؤاد فأعتمُ.
بكى لهيبك راغبا محو الظلام بداخلي و أبيتِ انتِ فكان لهيبك بي أرحمُ.
ومع انتهاء كلماته كانت عينيها تغرورقت بالدموع.
وابتسامتها ترتسم فوق شفتيها بعشق.
ليتحدث هو بحب ونظرات استجداء.
: كتبتلك شعر اهو. سامحيني بقى.
اومأت له عدة مرات ليختطفها داخل احضانه يدور بها بين صغير و تسفيق حاد من جميع المدعوين.

لتشرق شمس قلبه من جديد.

في تلك الاثناء احدهم اخبر قصي بالحضور إلى حديقة الفندق الخلفية حيث امر طارئ وهام لا يحتمل الانتظار.
وفي نفس الوقت فتاة من المدعوين تقترب من يمنى التي تقف جوار حنان بفرح تخبرها بصوت عال اثر صخب الموسيقى من حولهم.
: انتي اخت العريس.
فأومأت لها يمنى لتكمل.
: هو عايزك بره في الجنينة ضروري.

نظرت يمنى نحو مقاعد العروسين بتجد حياة بمفردها اعادت نظراتها نحو الفتاة بعدم فهم فلم تجدها لتقرر الذهاب إلى قصي كما اخبرتها تلك الفتاة.
بخطوات متهادية خرجت من الفندق نحو الحديقة.
لتجد قصي يوليها ظهرها وشهص ما يقف امامه يحجب قصي رؤيته ويبدو انه يسلم عليه بحفاوة.
وبلحظة اتسعت عينيها بزهول.
بصدمة.
حين عانق قصي ذلك الشخص فظهر وجهه من فوق كتف قصي.
لتصرخ باسمه جوار خطواتها الراكضة بفرح.
: عمررررر...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة