قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والثلاثون

قد تعني الهزيمة موت. اما الاستسلام فسقوط
الموت في الأولى عزة. علو. مجد
اما السقوط في الثانية عار. ذل. مهانة
توقفت السيارة في وسط الطريق حيث أحد كمائن الشرطة. دنا الضابط ناظرا داخل السيارة يحدث السائق بإقتضاب.
: رخصك وبطاقتك.؟
ناوله الرجل اياهما. ليتحقق منهما ناظرا مرة أخرى داخل السيارة قائلا بإيمائة صغيرة دون ابتسام
: الف مبروك.
ليرد سالم بحفاوة مصطنعة
: الله يبارك فيك يابيه ربنا يحفظك.

ثم انطلقت السيارة مرة أخرى.
(الف مبروك )
انتقلت تتسرب إلى مسامعها بثقل كابوسي.
(الف مبروك )
تسللت عبر ذلك الضباب الذي يلف أفكارها.
(الف مبروك )
يتردد صداها داخل فراغ روحها ساخرا. حيث الصورة عروس تطرأ برأسها خجلا في سكون. بينما لم يكن الإطراء سوى كسرا. اما السكون فسقوط. وبين هزيمة واستسلام نالت هي الأنصاف. هزيمة دون موت وسقوط بلا استسلام، نظر إليها نظرة جانبية يتحسس ذلك الجرح أعلى ذراعه قرب كتفه...

Flash back.

تمددت على جنبها أرضا في سكون كورقة خريف جافة. تنظر الى الفراغ أمامها بعيون متورمة. مازالت دموعها تتساقط بصمت لا يقطعة سوى تلك الشهقات المتتالية. انتفضت بفزع ما ان استمعت إلى رنين جرس المنزل. استقامت بانهاك وعيون شبه متسعة تنظر من خلال ثقب الباب. قبضت على ملابسها بذعر ترجع خطوات عدة إلى الوراء تعثرت في شيئا ما فسقطت ثم قامت سريعا وعيونها معلقة بباب المنزل. حيث تجسد ظلامها واقفا خلف الباب. التقطت هاتفها سريعا تحاول الإستغاثة بأحدهم. بيد مرتعشة. وجسد يرتجف. وانفاس كالجليد. حاولت الإتصال بمنصور. بصديقتها. لم تلقى إجابة فهواتفهم مغلقة. مازال جرس الباب يرن كناقوص بداية حرب. أو موت.

لا يوجد أمامها سوى شخص واحد. رقمه مدون بشاشة الهاتف أمامها. شخص تأبى كرامتها او ما تبقى منها الإستغاثة به مرة ثانية بعد إستماعها لحديث جدته. وبين ضعف وخوف و كرامة أبت الخضوع. انبعثت قوة ما تحثها على الإنتقام. ركضت سريعا بارتجاف نحو المطبخ. و فكرة الخلاص تتهيأ امامها في سكين حاد بين يديها. باتت الأنفاس حارقة. اشتعلت نيران داخلها تدفعها لرؤية دمائه بين يديها. فتحت له باب المنزل. تخبئ يديها خلف ظهرها بالسكين. دخل سالم ببطء وابتسامة جانبية ساخرة تؤكد لها هزيمتها أمامه. توقف يوليها ظهره. أغلقت هي باب المنزل. تنظر إليه صدرها يعلو ويهبط في تأجج غافل هو عن صرخات نيرانه تعطشا لرؤية لدمائه. التفت لها قائلا باستهزاء.

: كيفك يا عروسة.؟ بجى تمشي لحالك اكده من غير ما تخبري جوزك.؟
اقترب منها خطوتين يضيق عينيه مردفا بنبرة مهددة
: اني هعديهالك المرة دي. عشان كانت بمزاجي. حاجة كنت عاوز اوصلها.
ثم ابتسم بانتصار مردفا
: و وصلت. همي جدامي عشان نلحجوا نوصل. البلد كلاتها مستنيانا. همي يا عروسة.

لم تبدي أي ردة فعل، فقط تتظر إلى عينيه بغضب، تحترق أنفاسها. إقترب منها خطوة أخرى، هيئتها امامه أصابته بوخذة داخل ضميره. إذا كان يحمل بقاياه. ليتحدث بنبرة جافة رغم هدوئها
: بصي يا بت الناس، اني ما جورتش عليكي. حجك و نصيبك من ريع الأرض والتجارة هتاخديهم على داير مليم، مالياش صالح بيهم. أكتر من إكده ما تحلميش. وهتبجي مرتي جدام الناس و جدام ربنا.

: ربنا.؟، وانت ما عملتش حساب ربنا ده ليه. ما افتكرتوش ليه قبل ما تضيعني وتضيع حياتي.
قالتها بصراخ حارق. تتناثر دموعها حول وجهها بعيون متسعة جاحظه غضبا تلهث كمن تعدو في سباق ما. ولمحة من الألم مرت بنظرة عينيه. قبضة ندم وحزن تعتصر داخله. أردفت بانهيار و دموع حارقة توجه اليه نظرات حسرة وكره قائلة.
: ليه.؟ عشان الفلوس.؟، الورث.؟ كنت خدتهم. كنت خدت كل حاجة وسبتني.

شرد للحظات ثم تنهد بثقل يمد يديه نحو مرفقها قائلا بلا مبالاة
: يلا عشان ما نتأخروش ع...
: أوعي إيدك ما تلمسنيش.
قاطعت حديثه وامتداد يديه صارخة تطعنه بذلك السكين بين يديها بصدره. وفي حركة سريعة منه تفاداها ممسكا بيديها والسكين معا. لتصيبه بجرح غائر أعلى ذراعه قرب كتفه. ليتحدث بغضب متألما.
: هتعملي إيه يا بت المركوب. عاوزة تجتليني.؟

تتحرك بعنف بين يديه تدفعه بكل قوتها تحاول الفكاك منه. ليتحدث قرب أذنيها بما جعلها تسكن تماما في زهول. في ظلام آخر أحلك سوادا، بنبرة حارقة ضاغطا على أسنانه يكاد يسحقها غضبا
: اسمعيني زين يا بت عمي، لو لوعتي معايا وركبتي راسك الجزمة دي. ديتها رصاصة. وهلبسك اسود على دكتور البهايم حبيب الجلب.

قال ما قاله ثم تركها تشرد بخوف امامها. تعيد كلماته بثقل. ببطء داخل رأسها. التفتت إليه تنظر له بخوف. وقد حصل هو على ما يريد. تلك النظرة التي ستنصاع بها تحت أوامره. ليردف بتوعد قائلا
: عجلك في راسك. تعرفي خلاصك. جدامي يلا.
جذبها من مرفقها كالمغيبة خارجا بها نحو تلك السيارة اللتي كانت تتبعها منذ خروجها من البلدة...
: يعني ايه. إزاي هربت يا شريف.؟

هتف بها بمنصور بصوت جهوري غاضب امام باب غرفة العناية بالمشفى. ليحاول شريف تهدئته قائلا
: اهدى يا منصور بيه. أرجوك اهدى واحنا هنتصرف ما تقلقش.
نظرة جنون وابتسامة ساخرة وصوت هادئ وجهه منصور إليه
: أهدى.؟
ثم تحولت نبرته إلى نبرة حادة زاعقة مردفا
: واحدة خطفت ابني وحرمتني منه 25 سنة. و متهمة في جريمة قتل. عيلتي في خطر بسببها. وتقولي اهدى؟
رد شريف بتروي مازال يحافظ على هدوئه.

: ارجوك يا منصور بيه العصبية دي مش هتساعدنا في شيء.
تركه منصور تتزايد نيران غضبه. و وقودها الخوف. زاعقا في رواق المشفى
: انا عاوز مدير المستشفى. إزاي مريضة في غيبوبة متهمة بجريمة قتل تهرب كده بكل سهولة. إزاي.؟
وفي آخر الرواق يتقدم إليه طبيب ما بخطوات سريعة يعدل من نظارته بارتباك، وقف امامه قائلا.
: انا المدير، أرجوك يا فندم حافظ على هدوئك. انت في مستشفى م...

ليقبض منصور على تلابيب معطفه الطبي يهزه بعنف قائلا بغضب
: انا عاوز أعرف حاجة واحده بس. ازاي كان عندها غيبوبة وتهرب.؟
اتسعت عيني الطبيب بخوف مما يواجهه من شرارات تنبعث من عين منصور فحاول شريف تخليص الطبيب من بين يديه ليردف الطبيب قائلا بنبرة تقريرية سريعة.

: يا فندم ما يصحش كده. المريضة جات هنا في حادث كسر مضاعف في الذراع والكتف ونتيجة اصتدام تضرر الرأس فدخلت في غيبوبة مؤقتة ودي ممكن تفوق منها في اي وقت.

انهى كلامه ينظر إلى منصور بفزع. ليتركه منصور بنظرات حائرة ثم ترك المشفى بأكمله خارجا منه يحاول الاتصال بقصي. فكانت الإجابة انه مغلق. تفاقم الخوف بداخله حتى استطاع تذوق مرارته بحلقه. ليحاول التماسك والاتصال مرة أخرى ولا مجيب. ليتصل بحنان وما ان ردت حتى سارع قائلا بلهفة وقد تسلل لها الخوف من خلال نبرته بالهاتف
: حنان انتو كويسين.؟ قصي فين.؟
اذدردت ريقها ترد بترقب مستمع.

: قصي بيوصل حياة البيت. في ايه يا منصور.؟
أغمض عينيه بقوة متنهدا بتعب قائلا
: ناهد هربت.
جملة واحدة كانت كفيلة بحبس أنفاسها. تهاوت على المقعد خلقها بزعر يخرج صوتها خفيض جدا تكاد تتحدث بلا صوت
: هه. هربت إزاي.؟
زفر منصور يجيب عبر الهاتف
: هربت من المستشفى. المهم اقفلي عشان اتصل بحياة قصي تليفونه مقفول.
اتسعت عينيها تتسارع خفقاتها بعنف تغلق الهاتف وصوت خاقت هامس يخرج منها بإسمه،
: ابني. مازن.

بداخل منزل يبدو عليه القدم، مجلس عائلة يترأسه شيخ كبير. دخل حفيده في تبجل واحترام ينحني مقبلا يديه ثم جلس جواره قائلا بحنق
: كنا خلصنا عليه على الطريج يا جدي. ما جادرش اصبر لآخر اليوم لاجل اشفي غليلي واخد بتار ابوي.
نظر اليه الجد بفخر وابتسامة صغيرة قائلا بصوت متحشرج رخيم.
: كله بآوانه يا ولدي. كله بآوانه.
تنهد بنفاذ صبر ليردف الجد.

: لولا وصية ابوك الله يرحمه وهو بيموت بين ايديه انك انت اللي تاخد بتاره. كنت خليت حد من اعمامك يشفي غليلي وفجعتي في ابوك من زمان. لاجل يرتاح في تربته صبرت، واستنيت لما عودك شد وجه آوان رد الدم.
نظر اليه حفيده تشتعل عينيه بنار الثأر، تلك النيران التي لن تخمدها سوى إراقة الدماء. ليكمل الجد بحقد.

: هتنفذ الليلة في عز فرحته. هتاخد تار ابوك وتريحه في تربته. هترفع راسنا وسط البلد بعد ما كسرها حزننا على ابوك يا ولدي.
التمعت عينيه بابتسامة جانبية يرى مراده على وشك التحقق. تنهد بحماس يستأذن جده خارجا استعدادا للأخذ بالثأر...

فتحت عينيها بتثاقل. وألم حاد يدور داخل رأسها. رفعت يديها تمسك رأسها بتأوه. سرعان ما اكتملت الرؤية لديها لتجد امامها مجرد ظلام راكض عبر نافذة السيارة. انتفضت بعنف تنظر حولها فوجدته يسوق السيارة بهدوء. لتتحدث بعدم فهم.
: ايه اللي حصل.؟
نظر اليها. إلى عينيها مباشرة لعدة لحظات. ثم تحدث بنبرة مستنكرة.
: مش فاكرة ايه اللي حصل.؟
ضيقت ما بين حاجبيها تحاول التذكر، تنفي برأسها قائلة.

: انت. كنت بتحكي انك اتحبست في اوضة ضلمة وااا.
صمتت تتنهد متذكرة حديثه بالكامل. و تلك الذكرى العابرة دون موعد. لكنها حقا لا تذكر شيء آخر. لتسأله بعدم فهم مستغربة.
: افتكرت افتكرت. بس انا نمت ازاي.؟
وتذكرت انه كلما مرت تلك الذكرى بمخيلتها تفقد الوعي مباشرة. تذكرت بعد فوات الأوان
: في حضني. اول ما خدتك في حضني نمتي.

اجابها بابتسامة مراوغة وصدق تام. لتلتفت إليه سريعا حتى كادت رقبتها ان تكسر. نظرت اليه بعيون متسعة قائلة بحدة
: ايه اللي انت بتقوله ده.؟ انت اتجننت.؟
رد عليها بهدوء
: مش مصدقاني.؟
لترد ومازالت الحدة بصوتها
: لا طبعا مش مصدقاك، انت كذاب.
: جايز.
والرد غير عابئا منه بتهمة الكذب. لتنظر هي أمامها غاضبة من ادعائه نومها بأحضانه. لتلاحظ سير السيارة بسرعة وسلاسة. اتسأله مرة أخرى
: انت لقيت ميكانيكي فين.؟

لم يلتفت لها بل رد ناظرا امامه
: ما لقيتش.
: اومال العربية مشيت ازاي.؟، مين صلحها.؟
: انا.
يبدو ان صدقه هذا سيلازمه طويلا. ضيقت عينيها لما مر بخاطرها. لتسأله بشك
: و مين عطلها.؟
نظر اليها يحاول كبح جماح ابتسامته بصعوبة ثم نظر امامه بدون رد. وتنظر هي اليه بترقب. لتتسع عينيها بصدمة عندما آتاها رده قائلا بأريحية
: أنا اللي عطلت العربية.

ثم اخرج هاتفه يضعه امامه بدون نطق. وهي في حالة زهول وغضب. ذلك الخوف وتلك الحالة التي تكره دائما ان تكون عليها. ذلك الظلام الذي تمقت مروره بذاكرتها. كان هو المتسبب فيه عن قصد. بنبرة هادئة تعاكس ذلك الاشتعال بداخلها رغم حدتها
: انت اللي عطلت العربية. وما نسيتش تليفونك زي ما قولت. وقفت بينا في مكان مقطوع وضلمه. تقدر تقولي ليه.؟
والإجابة لم تكن تتوقعها تماما. رد بتأكيد وكأنه يطمئنها.

: على فكرة انا خدتك في حضني بس. ما تخافيش. تقريبا في منوم في الجاكيت. اول ما حضنتك نمتي على طول.
تلون وجهها بحمرة قانية. مابين خجلا وغضبا تجيب مبررة بعيون تلتمع بها الدموع. ترد سريعا دون توقف
: على فكرة بقى انا ما نمتش انا فقدت الوعي ودي حالة بتجيلي لما بفتكر حاجة معينة بيبقى غصب عني ما بحسش بعدها بأي حاجة. وانا مش فاكرة اساسا اللي انت بتقول عليه ده.

اذدردت ريقها تتنفس سريعا و نظرة ندم لاحت بعينيها لما افشت به من سريرتها. تلك النظرة يدركها جيدا. ليمرر الأمر بهوان يتصنع عدم الاهتمام بما قالته يسألها بمشاكسة
: طب انتي متضايقة دلوقتي عشان مش فاكرة الحضن ولا عشان نمتي.؟
نظرت له بصدمة و مجددا إجاباته غريبة الأطوار تثير بداخلها غيظ شديد. لم يجد غضبها بدا من ذلك لترد بتهور وصوت حاد
: انت قليل الأدب. وقف العربية دي ونزلني.

لم يعيرها اي اهتمام فاكمل طريقه ناظرا امامه
لتردف بنبرة زاعقة
: بقولك وقف العربية، انت ما بتفهمش.؟
ضغط فجأة بقوة على مكابح السيارة لتتشبث هي جيدا بالكرسي تنظر إليه بفزع لترى امامها نظرة ارعبتها لاول مرة ترى تلك النظرة بعينيه. ليتحدث قصي بهدوء رغم اشتعال نظراته.
: وقفت العربية. هتنزلي فين بقى.؟

اتسعت عيونها ما ان لاحظت خلو المكان من حولهم يوجد انارة خفيفة بعكس ذلك المكان المظلم تماما من قبل. لكنه خالي تماما من البشر. انتفضت بفزع ما ان زعق بها قائلا
: ردي هتنزلي فين.؟

تسارعت انفاسها يعلو صدرها ويهبط. يخفق قلبها بعنف. يتجسد هلاكها خلف باب تلك السيارة بمجرد الخروج. لتبتلع غصة ما بحلقها. تمد يديها ببطء مرتعش نحو الباب، بهت وجهها يتصبب منه العرق تشعر ببرودة كالجليد تحيط بجسدها. فتحت باب السيارة تنزل منه بخوف شديد.
: ها ااا. هنزل هنا.

ليفتح هو الباب ناحيته بعنف يتوجه إليها بخطوات غاضبة. تعاند رغم انها تكاد تموت رعبا وهذا يبدو بشدة على هيئتها. وقف قبالها يتحدث بحنق قائلا
: ايوه وبعدين.؟
نظرت حولها ثم نظرت اليه لتلاحظ ذلك الفارق المتفاوت في نسبة حجم الكتلة بينها وبينه. اذدردت ريقها بخوف قائلة
: مش هركب معاك تاني. بعد إذنك اتفضل امشي. انا اللي غلطت من الأول اني وافقت وخليتك توصلني.

نظرت جوارها تربع يديها امام صدرها باعتراض. ليضيق هو عينيه قليلا. سرعان ما فتحها متحدثا بهدوء. و يبدو انه ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة.
: حياة. اطلعي العربية حالا.
همت ان تتحدث باعتراض لتتفاجأ بنبرته الزاعقة ونظرات عينيه معلقة خلفها تتناثر منها شرارات الغضب
: قولتلك اطلعي واقفلي عليكي يلا.

وما ان تحركت خطوة واحدة حتى توقفت امامهم سيارة ضخمه ينزل منها 3 اشخاص. ليجذبها قصي خلف ظهره هامسا لها دون ملاحظتهم.
: اركبي واقفلي عليكي. لو حصل ايه ما تفتحيش الباب. دوري العربية وامشي...

تتسابق افكارهم. الوقت يشكل لهم الآن عدو. عليهم التغلب عليه. تقطع السيارة الطريق امامهم كالشهب. يحاول آدم الاتصال بها ولا مجيب. رغم ما يتجسد بعينيه من خوف، يمني نفسه انها بخير. اما فاقد الروح جواره. يتأمل صورتها الأخيرة في ظلام الطريق. والمارد بداخله يثور. يتوعد لمن أطفأ شمسه بالهلاك. يضغط على اسنانه غضبا يكاد يسحقها. هناك ألم ينهش داخله بنهم. يريد الصراخ. تهشيم رأس أحدهم. ضمها بقوة داخل أحضانه. شيء من هذا القبيل او ما شابه. ليتنهد باحتراق يسأل آدم.

: فاضل كتير.؟
ليرد آدم يذدرد ريقه بقلق
: لاء قربنا خلاص.
زفر بنفاذ صبر عائدا مرة اخرى لصورتها وشروده وظلمة الطريق...

وققت كالصنم تتشبث بملابسه من الخلف بقوة. تتسع عيونها بخوف ناظره اليهم. جذبها سريعا يلقي بها إلى داخل السيارة مغلقا الباب جيدا. نظرت اليه بلهفة خائفة تستند بكفيها على زجاج النافذة. و من ثم لم ينظر اقترابهم أكثر، بل توجه اليهم بثبات يلكم أحدهم لكمة قاسية، والآخر أسدى له ركلة عنيفة. بينما يقف الثالث بتروي وهدوء مستندا إلى سيارته وكأنه ينتظر انتهاء العرض امامه. استقام أحدهم من الأرض يباغت قصي بضربة رأس قوية. ترنح آثرها لكن سرعان ما استعاد توازنه. اصدر زمجرة بصوت عال لم تنكر نظراتهم انها دبت الرعب بداخلهم. ليمسك كل منهم بذراعي قصي مقيدين حركته. والثالث يتقدم ناحيته بخطوات ثابتة. ينظر اليه قصي بغضب يحاول دفعهم عنه والتحرر من قبضتهم. وهي تشاهد ما يحدث بدموع كالشلال تطرق الزجاج امامها بعجز وخوف. أخرج الرجل من جيب سترته هاتف ما يتحدث إلى شاشته قائلا.

: تمام ياباشا مع سيادتك اهو.
ثم وجه شاشة الهاتف نحو قصي. اتسعت عينيه للحظة سرعان ما صرخ بغضب امام الهاتف تحترق انفاسه. عندما رأى مراد يبتسم له بتشفى وما ان صرخ حتى دوت ضحكاته خارجة من الهاتف باستمتاع متحدثا بسخرية
: والله و وحشتني يا ابن الزيني. اوعا تفكر انى شيلتك من دماغي. مش هسيبك غير لما اخد اللي ليا عندك. آه بالمناسبة، في حاجه تخصك معايا. هستناك تيجي تاخدها
رد قصي بصوت كالجحيم ونبرة متوعده.

: مش هسيبك. مش هسيبك يا مراد لو روحت آخر الدنيا.
: مستنيك. مستنيك يا ابن الزيني
قالها مراد بنبرة متمنيه كمن يعد فخا ما للهدف ثم يثير إستفزازه للتقدم.
هكذا فقط وانتهى الاتصال. ليأخذ الرجل هاتفه يتجه نحو السيارة مشيرا لهم باتباعه. دفع كل منهما قصي راكضين نحو سيارتهم لتنطلق كما لم يكن لها وجود.

وقف ناظرا إلى أثرهم بشرود غاضب. عينيه فوهة بركان. انفاسه لهيب محترق. نزلت من السيارة تتجه إليه باكية تمسك بين يديها علبة المناديل الورقية الخاصة بسيارته. تنظر إلى تلك الدماء المتدفقة بغزارة من أنفه بأسف. رفعت يديها بورقة منديل تسد بها نافورة الدماء تلك. تتساقط دموعها قائلة بجزع
: مين دول. و كانوا عايزين ايه منك.؟

صوتها الباكي اعاده من شروده المحترق. وقد حازت هي على نظرة بركانية لم يكن يريد لها رؤيتها. أجفلت مبتعدة إلى الوراء تذدرد ريقها بخوف. ليتركها متجها إلى السيارة وقبل ركوبه اهداها زعقة واحدة كانت كفيلة بجلوسها جواره في جزء من الثانية.
: اركبي.

يخفق قلبها بشدة لرؤيته هكذا. لأول مرة تشعر بذلك الخوف تجاهه. انطلق بالسيارة غير عابئا بتلك الدماء، ليرى يديها ممتدة في الهواء بتردد تناوله عدة مناديل تشير نحو أنفه قائلة بصوت مختنق. وربما خائف.
: في دم كتير.

التقط ما بين يديها يسد انفه متنهدا بإنزعاج لذلك الخوف البادي في عيونها، ظنت هي انه منزعج لتصرفها او لوجودها وربما كان غير راغبا فيها بالمرة. ويبدو ان حواء تلك اسنثناء. حيث في جميع اوقاتها يفرض غبائها سطوته...

انوار متراقصة. مزامير و طبول. زغاريد تشق مسامع البعيد والقريب. عصر تتراقص بأيدي الرجال. وأخرى تتبارز. احصنه مزركشة تتراقص على انغام الفرح. بينما بالداخل مجلس النساء. بين ضحكات ومباركات وتهليل ورقص. تقف فاطمة تصب ذلك المشروب الاحمر الخاص بالافراح في اكواب توزعهم على الحضور بكل فرح وحب. بينما إحدى الجيران تسألها بفضول
: اومال فينها بتك جمر يااختي. ما شايفهاش واصل.؟

لترد فاطمة بابتسامة حزن لم تستطيع اخفائها
: بعافية حبتين. دلوجتي تلاقيها نازلة؟
: عجبالها لما ربنا يعدلها ويفرحك بيها وتشوفيها في بيت العدل.

قالتها السيدة منصرفة تاركة فاطمة في شرود حالم وشبه ابتسامة. تتمنى رؤية ابنتها يوم زفاقها في ذلك الفستان الابيض كما تتمنى كل ام. فاقت من شرودها على صوت إطلاق النيران يصدح خارجا معلنا عن وصول العروسين. طلقات كان لصداها اثر وقوع صخور ما فوق رأس تلك الأميرة النائمة. التي فقدت أمل الرجوع إلى الحياة بقبلة الحبيب. او بالأحرى فقدت الحبيب نفسه. استقامت بفزع ودموع ملئ عينيها تنظر من شرفة غرفتها المطلة على جميع انحاء الحديقة. وبين قسوة الشعور وفقد القدرة على التعبير هي غارقة حد الإختناق. لا وسيلة لإفراغ الألم سوى تلك الدموع النازفة. ولا تجدي نفعا. تراه ينزل امامها بشموخ يلتف حول السيارة ليخرج العروس من الناحية الأخرى. ابتسمت بشرود. حيث العروس تتقافز فرحا تتشيث برقبته غير عابئة بالحضور من حولها. تهمس له قرب أذنيه احبك كثيرا. اتسعت ابتسامتها اكثر. حيث بادلها العريس بقوله وانا ايضا أحبك كثيرا ترى العروس هي. ومع صفعة واقع هي بصدد قتله. تغازرت دموع عينيها. حيث العروس لم تكن سوى سارة. مطرأه الرأس تنظر إلى اللا شيء بوجوم. معالم وجهها غير مقرؤه. يخطو بجانبها يحي من حوله في شبه ابتسامة مصطنعة. جمع غفير يبتسم فرحا. بينما قلوب تحترق من حولهم ولا يبالي. جمع غفير وقف سالم وسارة بينهم حيث وصلة رقص ألأحصنة على انغام المزامير أمامهم.

جمع غفير. و زاوية فارغة احدهم يختبأ بها يمسك بين يديه سلاح ناري.
جمع غفير ومن بينهم لم يكن السلاح موجه لاحد سواه.
يخطو فتتحرك فوهة السلاح نحوه وتتوقف حيث يقف.
لا يراه غيرها. تسارعت نبضاتها تخفق بعنف. تتسع عيونها تشير بهلع. لم تلفت انتباه احد. تلهث بجنون وكأن شيئا ما بداخلها ينازع للخروج. تردد اسمه بصمت. توقف عن الحركة وتوقف السلاح باتجاهه يقترب حامله بتركيز للتصويب.
: ساااااالم.

وعاد صوت العصفور يغرد. او يستغيث. لا يهم. تتنفس بصعوبة ودون ادراك منها لرجوع صوتها مرة أخرى إلى الحياة. ركضت كمن تصارع الموت. تنادي باسمه. ركضت بلهفة. فزع. خوف. انهيار. تنزل درجات السلم امام الجميع صارخة
: سالم.
تنظر اليها والدتها بفرحة عارمة لاستماع صوتها ودهشة مستغربة لركضها بفزع هكذا.

خرجت من بوابة المنزل مهرولة تدفع الجميع امامها. تحارب للوصول إليه. تراه على مقربة منها. تناديه فلا يستمع. ومع دفعتها للشخص الأخير بينها وبينه كان انطلاق رصاصة من بين باقي الرصاصات. لكنها تختلف.
رصاصة توقف كل شيء بعدها.
رصاصة حلت عقدة لسانها و قلبه...
نظر امامه وحوله بعيون متسعة هلعا. وهي بين يديه تغرق دمائها ملابسه. تنظر اليه وتبتسم. تناديه بخفوت.
: سا. س. سالم.

تكاد عينيه تخرج عن محجرهما. يصرخ قلبه وقد تحطمت اسوار حصنه. ذلك الحاجز الذي كان يمنعه عن رؤية ساكنه. ونبرته هو عدم تصديق. إنكار. انها بين يديه تلفظ آخر انفاسها. يمر امامها الآن شريط حياتها. وأمامه. تفقد هي الحياة وهو يفقدها. وكلاهما موت. أتت والدتها مهرولة تجثو ارضا صارخة
: بتي. حبيبتي. بتي.

ابتسمت بشحوب تنظر إلى عينيه ترفع يديها تتحسس وجنته. اغمضت عينيها باسترخاء. سقطت يديها أرضا وسقط معها قلبه نحو هاوية الجحيم بلا رجوع. ومازالت افكاره. نظرته. انفاسه. وكل حواسه تنكر ما يراه امامه. تنكر فقدها. نظر حوله بتيه. سارة تقف بعيون متسعة فاقدة للشعور بمن حولها وكانها تمثال من الشمع. والدتها تصرخ باكية تلطم وجهها حاملة تراب الأرض إلى رأسها. وعى اخيرا كونه يغرق الآن بدمائها. نظر اليها ودموع متتالية تتساقط من عينيه لاول مرة بحياته. ضمها بقوة نحو قلبه. وصرخة ذبيحه مدوية شقت سكون الكون من حوله.

: جمر...
صرخة بدت كلحن موت ايقظ الطيور النائمة بأعشاشها في سلام. صرخة بكت لها نجوم السماء. حيث غاب القمر. تاركا جفاء الارض. وظلمة السماء. إلى مكان طالما كان يستحقه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة