قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الخامس والأربعون

الشر. الظلام. الزيف، لا تفزع. فلكل منهم ما يجابهه.
الخير. النور. الحقيقة. تلك هي المعادلة. فقط تخشى عندما لا تملك القدرة على التفرقة بين النقيضين...

دخلت تخطو ببطء في الحديقة إلى باب المنزل. وجدته مفتوح إلى نصفه تقريبا. الغبية يمنى لقد أخبرتها ان تفتح فقط جزء صغيرا منه. دخلت تنظر بحذر تبحث عن ابنتها. لتتفاجئ بمن تقف قبالتها مستديرة. توليها ظهرها. سريعا عرفتها دون ان تلتفت. تحفظ تفاصيلها كاملة. وكيف لا وهي نسخة منسخة منها. تحسست جيبها بابتسامة جانبية. ابتسامة جحيميه. تخرج سلاح ما اعدته قبل خروجها. تخرجه ببطء وازى التفاتة الأخرى. شهقة ملائكية. عينين متسعتين. واجهت ضحكة شيطانية خافته. صوبت السلاح إلى منتصف صدرها. تماما نحو قلبها. تتحدث بنبرة بركانية. تشتعل عينيها بشرارات حقد قاتمة. وحروف تقطر سُما.

: اهلا اهلا. اختي العزيزة...
صوت هامس وعيون على وشك البكاء وافكار عدة. خائفة. كلها تصرخ باسم ولدها. مازن.
: ناهد.؟
: بيتهيألي مش محتاجة تتأكدي. الشبه واضح.

قالتها بسوداوية قاتمة. بينما الأخرى قبضة بركانية تعتصر قلبها. بين جزء منها اشتاقت له. ونفس الجزء هو سبب شقائها. صمتت فقط تنظر لها وكون شيطان يقف امامها فلا مجال لتفسير الصمت على انه عتاب العتاب نمط آدمي لا يناسب الشياطين. الصمت صمت وفقط. بسخرية لاذعة ونبرة مستنكرة.
: لاء ما تقوليش اني واحشتك. لسه عايشة دور الملاك يا حنان.؟ لسة بتاخدي كل حاجة من الدنيا.

الأولى تحتاج لجواب. اما الاخيرة خرجت بحقد. بإقرار. بعقيدة راسخة. لا تستلزم وضوح...
: ليه.؟ ليه ناهد عملتي كده.؟ لو انا باخد كل حاجة من الدنيا. انتي خدتي مني الدنيا كلها. خدتي حياتي حياتي. سرقتيها مني وانا مش دارية. انا كنت بموت في كل يوم ابني فيها مش جنبي، ومش عارفة هو فين. عايش ولا ميت. لسة فاكرني، فاكر امه ولا نسيني. ليه. قوليلي.

القت بكلماتها باكية تذرف دموع الألم الخذل. مازالت تتحدث من مبدأها. تدفعها الانسانية البالية من وجهة نظر الأخرى. لمعرفة السبب. عيون صغيرة. حائرة بألم تمرر نظرها بينهم، تقف أعلى الدرج تشاهد ما يحدث بعدم فهم. بتخبط. ايهما الحق وايهما الباطل. ايهما والدتها. ومن هي ناهد تلك. اختلط عليها الامر. الوضع مهزلة. بينما هي تأهبت جميع حواسها بانتشاء تبتسم. اعترافها بالقمر لما فعلته كان بمثابة فوز. مكافئة. ضيقت عينيها ببأس قائلة.

: عايزة تعرفي ليه.؟ اقولك ليه.
بفحيح اكملت.
: عشان طول عمرك احسن مني. طول عمرك والكل بيفضلك عليا.
يوازي كلماتها اقتراب خطواتها منها.
: عشان انتي الاحسن باقرار الجميع. وانا. ولا حاجة.
اذدردت حنان ريقها بقهر. لم تكن تدرك ان نصفها الآخر بتلك البشاعة. لم تكن تتخيل بأسوء كوابيسها انها تكن لها كل ذلك الكره.
: حتى الراجل الوحيد اللي حبيته. رفضني عشانك.

تحولت نظراتها إلى نظرات مظلمة. تخرج الكلمات معبأة بنيران الضغينة
: انا كمان كنت بموت في كل مرة يرميني فيها بره اوضتك، عشانك. كل مرة بيتمسك بيكي فيها كنت بموت.

سكين. احدهم رشق سكينا ما بمنتصف قلبها. كانت لأول مرة تستمع إلى ما تتفوه به الآن. منصور نفسه لم يخبرها من قبل. نظرت اليها بزهول. عينيها مازالت تفيض بالدمع في صمت. والصغيرة تتسع عينيها اعلى الدرج بصدمة. تتمنى الا تكون تلك اللتي تتحدث هي والدتها. ولا يدرك المرأ كل ما يتمنى. اكملت ناهد بكلمات تنضح بالكره.

: وانتي كنتي ساذجة. عايشة دور ملاك الرحمة اللي نازل من السما. عملتي عملية ومابقتيش تخلفي وده بردو ماخلهوش يسيبك و يجيلي.
بابتسامة هستيرية وعيون تلتمع بشرارات بركانية باتساع طفيف. اردفت
: اتنازلتلك عن نصيبي في الورث. وهمتكم اني مت في حادثة. واخدت منك اللي هيدمر حياتك وحياته. مازن. يايعيش معاكي من غير ولاد يضحي بحقه انه يبقى اب تاني. يا يتجوز عليكي ويقهرك.
بأسف وحسرة. بقهر اردفت.

: وبردو اختارك انتي. وفي الآخر اتجوزت انا راجل ما بحبوش. خلفت منه وانا بكرهه. وابنك اللي ربيته وسط ولادي قتل ابني.
إلى هنا وتبخر ضباب الكذب. كاشفا عن ظلمة الحقيقة. الصغيرة سقطت بفوهة الظلام. تصلبت تعابير وجهها. والدتها هي من فعلت. هي القائلة. تصلب جميع جسدها الضئيل. عينهيا متسعة بزهول. بجمود. بظلمة حقيقة والدتها. وقتل اخيها لأخيها الآخر، شهقت حنان تنفي برأسها باستنكار.

: لاء. مستحيل. مستحيل. ابني ما قتلش حد.
اتسعت عينيها باختلال. نيران تتأجج داخل حدقتيها تحترق حروفها جوار نبرتها قائلة
: مش هسيبه. هقتله. زي ما قتل ابني هقتله.

توقف قلبها عن النبض. نظراتها فزع. روع. ابنها الوحيد تتوالى صدمات الفقد فوق رأسها والفاعل شخص واحد. نفس الشخص. قلب الام يثور. العاطفة تكتسح جميع مشاعرها. وجسد صغير يسقط من الأعلى مرورا بدرجات سلم المنزل. ارتباك طفيف غير منفعل صدر من شيطانها. تشتت انتباهه. الصغيرة فقدت الوعي غارقة بالظلام. وضربة قوية بمزهرية كانت بجوارها سددتها حنان إلى رأس ناهد مباشرة. ترنحت الأخبرة بعدم توازن. اما عن الأخرى صرخت ببكاء هيستيري تلقي المزهرية من بين يديها ولتوها تقترب بتردد لتتفقدها. فطرتها نور لا يبدده ظلام. خيوط رفيعة من الدماء تسيل منسابة على وجهها. تستقيم بتأوه. تدور بها جميع الاشياء من حولها. وفجأة. يستعيد الشيطان تماسكة. انتباهه. مع ادراك صوت صافرة الشرطة عن قرب. وصوت احتكاك عجلات سيارة بالخارج تماما. سيارة يبدو ان سائقها يعلم بوجودها. انتفضت تركض هاربة من باب المطبخ الصغير المؤدي إلى الحديقة. ركضت بهلع. السيارة بانتظارها، فقط ستركب وتفر من المكان بأكملة. تتوعد بداخلها للعودة مرة أخرى. خرجت من الباب الخلفي للحديقة. ولحظة استدراك اخرى اشد قتامة. السيارة. لا وجود لها. الشيطان متبسما يلوح لها من بعيد تاركا اياها بمنتصف الطريق. مراد. تخلى عنها. افكارها لا تسعفها. الشرطة تقترب. لاتملك هي شيء قط. سوى قدميها. و سلاح ناري. ركضت. ركضت بلا وجهة محددة. تتوعد بداخلها للجميع. بلا استثناء. صوت هادر اوقفها. نبضاتها اخذت تتسارع عن معدلها الطبيعي. صوت لم يزور مسامعها منذ زمن. صوت طالاما كانت تعشق نبرته. اللتي يلفها الآن الكثير من رباطة الجأش. الثبات. الانتقام.

: نااااااااهد...
صوت غاضب. كانهيار جبل جليدي. انفجار بركاني. هي لا تكترث. التفتت لتراه في لحظة. كما هو بل ازداد الجبل شموخا وهيبة. تتناثر شرارات غضبه تسبقه. وكان ردها هو المتوقع دائما. الخيانة. رفعت السلاح بين يديها. تصوبه نحوه. حيث هو لم يعد وجهتها الآن هو يعوق الطريق نحو وجهتها الحقيقية. اطلقت رصاصة واحدة انطلقت من سلاحها نحو قدمه مباشرة. وفرت هاربة...

المكان أشبه بصحراء خالية. ففط كوخ صغير. لا وجود لأي شيء حوله. سوى الظلام. يتطرف إلى مسامعها صوت امواج بحر هادرة. لكنها لا تراها. بارتعاش ونبرة مرتجفة تسائلت.
: احنا فين.؟
وهو يجيبها بصمت. توقف بالسيارة ينزع المفتاح نازلا منها وسريعا هي تلحقه بالنزول. خائفة. تتجه إليه بخطواتها ويقابل هو خوفها بقبضته القاسية هول معصمها يجرها خلفه نحو ذلك الكوخ. خائف. وهي لن تفهم. تناثرت عبراتها ترجوه باسمه فقط.
: قصي.

لم يعبأ بخوفها. حيث خوفه اكبر. خوف يفتح لغضبه الأبواب على مصرعيها. فتح باب الكوخ، ولجا سويا. استمعت إلى صوت إغلاق الباب فانتفضت بذعر. لا ترى شيئا امامها الظلام يغطي المكان بأكمله. تسارعت نبضاتها. او تباطئت لا تعلم. شعور ما يشبه الموت سرى بجميع جسدها. عندما ترك يديها فجأة. اغمضت عينيها بقوة واضعة يديها عليهما رغم الظلام حولها. لما يفعل هكذا هي لا تفهم. وللعبث لن تفهم. لحظات مرت عليها وكأنها دهرا. ارتجافة نبرتها بإسمه وازت انارة الضوء بالمكان.

: قصي اجوك. انا خايفة.
مازالت تغمض عينيها باكية، نظر إليها ومع نبرة توسلها لم يستطيع تمالك مشاعرة. اختطفها في عناق. واحة مشرقة تحتل مساحتها اشجار و ورود. كانت أحضانه بالنسبة إليها. تشبثت به بقوة. والهلاك له بنظرة عينيها تلتمع بالدموع. حيث رفعت رأسها تنظر لعينيه مباشرة. تتساقط دموعها على جانبي وجنتيها. تشهق قائلة.
: انت ليه بتعمل كده.؟

عواصف بداخله تحمل جميع الفصول في آن واحد. فقدها كفكرة يخيفه. والخوف يغضبه. يقوده باندفاع نحو حمايتها دون الالتفات لها. حمايتها وامانها وفقط.
: خايف.!
شرد بليل عينيها يجيبها دون تفكير. وهي تستفسر عن السبب ويتلخص في كونها هي.
: ايه السبب.؟
ودون تفكير يجيبها مرة اخرى على عكس طبيعته.
: انتي.
معها فقط يكون مختلف. عكس طبيعته. وربما معها فقط تغلب عليه طبيعته. غامت عينيها بحزن عميق تسأله
: من ايه.؟ مني؟

ومرهفة المشاعر يغزو مشاعرها ألم من نوع خاص. هي عبئ يثقل ظهره هما. هكذا ظنت.
: عليكي. خايف عليكي يا حياة، انتي بذات مش هينفع اخسرك
كانت تلك المرة الأخيرة التي يجيبها دون تفكير. وببساطة هي لا تعي اي شيء. وهو لا يضمن العواقب. استعاد جموده سريعا يردف بحكم قاطع. لا تمتلك بعده رفاهية الاعتراض حتى لو كانت حياتها
: هتفضلي هنا. لحد ما انا اللي اقرر امته ترجعي.

نظرة استنكار منها وجهتها له. ليستدير موليها ظهره. تمسح هي وجنتيها سريعا تخطو نحوه تتوقف امامه مباشرة تنظر نحو عينيه بتسائل ورجاء. تحمل نظراتها الاثنين معا.
: قصي انت مش هتسيبني هنا صح.؟ مش هتسيبني وتمشي.
عينيها ترجوه بقول لن اتركك. عينيها تعتم. تغيم بقتامة. حيث رده كان بمثابة ظلام.
: لازم تفضلي هنا. عنايات هتيجي تقعد معاكي.

ان كان يتمادا فيما له حق به. لن تسمح له بالتمادي أكثر. اعتراضها كان على هيئة خطوات متسارعة وكلمات مبعثرة ترافق تبعثر عبراتها حول وجهها نحو الباب تحاول فتحه.
: انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة.
يبدو انه اغلق الباب والمفتاح بحوزته. التفتت له وقد جلس على مقعد ما بأريحية غير عابئا بما تفعله. فقط ظاهريا.
: افتح الباب انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة. انا عاوزة اروح.

رفع الهاتف إلى اذنيه يضغط على زاوية عينيه بابهامه وسبابته في تعب.
: ايوة. انت فين.؟ تمام.
اغلق الهاتف يستقيم متقدما منها وهي تنظر اليه في ترقب باكية. وقف امامها يسحق اسنانه غضبا من رؤيتها باكية. بينما نبرته لا مبالية كاذبة.
: اسمعي الكلام يا حياة. انتي هنا في امان اكتر.
يعلم انه مستهدف من الكثير. وهي نقطة ضعفه. بل النقطة الفاصلة بين الحياة والموت.

: امان من ايه.؟ وديني البيت وانا مش هخرج منه والله بس ماتسبنيش هنا.
قالتها بلهفة تتشبث باكمام قميصة برجاء.
بينما هو ضمها كليا إلى صدره يغمض عينيه بألم. رن هاتفه برقم والده. ليفتح متحدثا.
لحظات من الصمت وهي ترفع نظراتها نحو الهاتف بتسائل. ملامحه جامده لا تقبل القرائة. التفت يمسح على وجهه بعنف. في رده فعل ارعبتها. تحدث قائلا.
: انت كويس. فيك حاجة.؟

تصلب جسده بنظرة مصدومة. سرعان ما اظلمت بدكنة غابات مظلمة. عندما تحدث منصور من الجهة الأخرى قائلا بتردد.
: انا كويس ما تقلقش. بس ااا. يمنى
: مالها.؟
قالها وقد اخذت خفقات قلبه تنبض بعنف.
: . جالها انهيار عصبي. حنان بتقول انها تقريبا كانت واقفة على السلم وسمعت كلام ناهد.

صغيرته. واجهت ما يفوق قدرة تحملها. زهرته لم تستطيع الصمود تحت غيمة رعدية سوداء تمطر جحيما هي ابسط من تحمل احتراقه. رد بجملة مقتضبة لا تعكس اشتعال النيران بداخله.
: انا جاي حالا.
اغلق الخط يلتفت إلى المرتجفة خلفه تسأله
: في إيه. خالو ماله.؟
ثبتت تلك المكالمة قراره اكثر. هو على حق فليحترق العالم بأكمله. فليعارضه الجميع. و لتبقى هي فقط بأمان.

طرق الباب الهادئ اجفلها. توجه ليفتحه ناظرا اليها متحدثا بسرعة وتحذير قائلا
: ما تخافيش هو كويس. وجودك هنا حماية ليكي وعنايات هتبقى معاكي مش هتبقى لوحدك. عندك هنا كل حاجة ممكن تحتاجيها.
هل يمزح. هي لا تحتاج شيئا سوى وجوده بقربها. وجوده فقط يشكل لها امانا من نوع خاص. امان هي على وشك فقده.

فتح الباب فاندفعت نحوه تشده في توسل ان لا يتركها. سريعا دخلت عنايات التي احضرها يوسف للتو بنائا على رغبة صديقة. تتلقفها مهدئة إياها. بينما هو دفعها برفق حازم مغلقا الباب خلفه. ندائها له وطرقها على الباب من الداخل يقتله. توجه إلى صديقه االذي ينظر إليه بلوم آسف قائلا
: اللي بتعمله ده مش صح على فكره. البت كده هتكرهك.
التفت يدور حول سيارته راكبا اياها قائلا
: مش مهم. تكرهني بس تبقى بخير. اطلع ورايا.

قالها بجمود يشرع في تحريك سيارته. يتجه متلهفا للإطمئنان على قطعة من روحه باتت بلا روح...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة