قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الحادي والخمسون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الحادي والخمسون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الحادي والخمسون

جلست تنعي ما تبقى من حياتها ببكاء مرير، تتسائل، ماذا لو اخبر احدهم جدها بانها تعاونت مع الشرطة للقبض على عمها. لم تفعل. لم تفعل اي شيء من الاساس وعليها تحمل جميع العواقب. استمعت إلى خطوات اقدام يبدو على صاحبها الغضب. اسقامت تنظر خارج الغرفة. عله جدها فتحاول شرح الامر له.

بمجرد فتحها للباب. استلقت على وجهها صفعة عنيفة حجبت عنها الرؤية لعدة ثوان. لم ترى صافعها لكنها تعرفت على قبضة يديه فوق شعرها بقسوة. يهزها منه بعنف حتى كاد ينزعه من جذوره بين يديه. سال خط رفيع من الدماء المتدفقة بغزارة من انفها.
: دي اخرتها. ده جازتنا اخرة المتمة يابنت. بتبلغي عننا. ده هيبقى اخر يوم في عمرك.
اطلقت صرخات مستغيثة تحاول فكاك قبضته.

: ما عملتش حاجة والله ياعمي ما عملت حاجة. ابوس ايدك سيبني...
: عمى الدبب يابنت حافظ. صحيح يامربي في غير ولدك يازارع في غير ارضك.
لفظ كلماته بحقد اعمى يخرج من جيبه مسدس نظراته تشتعل بالكره. نظرت إليه بصدمة. تتصاب نظراتها فوق السلاح.
: اتشاهدي على روحك. بس قبل ما اطلح روحك بأيدي، لازم تعرفي انتي مين يابنت فاطمة.

وجهت نظرات الزهول نحو عينيه. ليقص على مسامعها حقيقة سطور الماضي الخفية. ما ان انتهى حتى اثمرت كلماته عن اجابة تسائلات عدة حول كرههم لها ليست ابنتهم. صوب السلاح نحوها وهي في حالة من العزلة. عزلة اجابات. تلك السيدة الحنونة فاطمة امها. زوجها الذي سكن بين ثنايا روحها قبل قلبها، ابن عمها، دفعها امامه وابتعد خطوة واحدة للوراء مصوبا السلاح نحو صدرها. انتبهت في تلك اللحظة. لحظة استيقاظ وتشبث بحياة لم تنعم بما تستحقه منها قبل. عفوا ياعمي المزعوم. هناك الكثير على اختباره. بحركة خفيفة ساعدتها عليها ضئالة جسدها رفعت عبائتها كاشفة عن رجليها لتركله ركلة قاتلة تحت الحزام. القى بالسلاح من بين يديه ارضا ممسكا بكلتا يديه اسفل بطنه يطلق سبابا مهين بصوت متألم مكتوم. بينما هي التقطت سريعا المسدس بارتجاف خفاقتها خوفا ثم اطلقت العنان لقدمها ركضا تنظر إليه بقلق. اصتدمت بشيئ ما فوقعت أرضا تنظر إلى ما اصتدمت من الاسفل. لتطل عليها عينيه تسكنها نظرات الخوف القلق يتبعها ثالث. نظرات العشق. انحنى يرفعها من ذراعيها لتقف امامه وما زالت رغم استقامتها تنظر له مم الاسفل. ليلاحظ طبع كف فوق وجهها باللون الاحمر الداكن. تبدلت نظراته بأخرى تشبه دكنة اللون الاحمر فوق وجهها.

: خليكي هنا.

دفعها جانبا برفق ليتجه نحو ذاك المتألم أرضا يرفعه قابضا على شعره وما ان وقف امامه حتى اخذ يكيل له الصفعات ترافقها بعض اللكمات القاسية. ولا ضير من افراغ غضبه ببعض ضربات الرأس. عيون أخرى ونظرة شيطانية تنظر إلى ما يحدث بجحيمية مظلمة. ولده يكاد يوشك على الموت بين يدي عدوهم. اخرج عوض سلاحة يطلق رصاصة واحدة. تصلبت لها جميع العيون. احدهم بنظرات صادمة بتفاجئ. وأخرى تتسع بجنون وعدم فهم. والثالثة تفقد حياتها ناظرة لقاتلها. ابيه. اما عن الاب، فقد اراد الاحتراق لأحدهم. فكان من نصيب قلبه. اتسعت عينيه يلقي سلاحه أرضا يخطو ببطء نحو ولده بزهول. بجنون. لايصدق. لايصدق انه انهى حياة ولده بيديه. حيث حركة مقاومة منه لضربات اسماعيل وازت اطلاق الرصاصة فاخترقت قلبه. او بالاحرى اخترقت قلب اب. انحنى نحو ولده الملقى أرضا تسيل من حوله الدماء فتصنع بركة صغيرة بلون الموت. همس جواره.

: ولدي.؟ ولدي.؟
وضع كلتا كفتيه أرضا لتغوض بدمائه، ثم رفعهما إليه ينظر إليهما بجنون.
: بيدي. قتلتك بيدي. قتلت ولدي بيدي. كلهم راحوا.
نظر إلى جثة ابنه يحدثه.
: قتلتك بيدي يا ولدي. قتلتك بيدي،؟
بكى بحرقة. بجنون. لتعلوا ضحكاته صاخبة. ثم ينخرط مجددا في بكاء حارق. اصاب عقله بالجنون. بينما صاعقة أصابت خافقه فاشعلت به نيران ستظل تضرم داخل قلبه مادام حيا. حيث هناك من يمهل ولا يهمل...

تظن الزهور انها بثبات النخيل. حتى تختبر عصف الرياح. شعور ما بالغربة يلف كيانها. اشتياق قاتل لدفء وجودهم من حولها. تنمام الصغيرة بجوارها بعمق بينما النوم يجافيها مبتعدا عن افكارها. كيف لها التصور انها بقوة تحمل سفر و بعد لمسافة قارات ومحيطات. مازالت هنا ويقتلها الاشتياق قتلا. ينحر قلبها بسكين تلم. كيف لها امها ان تفعل.؟ كيف تلفظها كما تلفظ الارحام اجنتها بقسوة نحو عالم آخر أكثر قساوة. هل أخطأت بطلب المساعدة.؟ بوجوها الان بشقة رجل عريب لا تعلم عنه سوى اسمه وابنته التي تنام بجوارها كالملائكة. هل اخطأت لانسحابها بقلب مهشم وروح مبعثرة مفتقدة لملاذ امانها. هل أخطأت لرفقها بقلب ام تشتهي عناق عبق ابنها في كل صباح،؟

: ازاي يا ماما تقولي كده.؟ ازاي تتخلوا عني بالطريقة دي. ازاي.؟

اخذت تذرف دموع لها الوان عدة. الفقد. الندم. الحسرة. الاشتياق، والخوف. تتمنى فقط، كل ما تتمناه ان تحدث معجزة. معجزة ما تعيدها مرة أخرى بين احضانها. فلتتولى المعجزة ذلك الأمر. اما هي فلن تفعل. غفت رغما عنها اثناء بكائها. لتتجسد الحقارة والنبل معا، بركم مظلم في الشقة المواجهة جلس خلف شاشة صغيرة ينفث دخان سيجارته بشراهة. شاشة متصلة بعدة كاميرات في جميع انحاء الغرفة و ذويها من بقية الغرف. يشاهدها. يرآها تبكي بحرقة من خلالها. من باب الحقارة هو تلميذ يؤدي أمر معلمه بجدارة. شيطانه، وصديقه الغير مقرب، فقط تجمع بينهم علاقة النتيجة والسبب المصلحة. ومن باب النبل. هر رجل يحمل نصف المبادئ والنصف الآخر في عطل ما مطويا بين ثنايا ماضية. متى شاء يستدعي القليل منه. حيث عطل الكاميرات الخاصة بغرفة النوم، الحمام، غرفة تبديل الملابس. يكفي نقل اهم مايحدث فقط، . لتكون آخر ما شاهدته عينيه ابنته. وتلك الفاتنة الباكية تغفو بجوارها، تحدث عبر الهاتف بنبرة مظلمة اكثر من كونها جافة.

: كله تمام. كل حاجة مشيت زي ما خططت ليها. انت عارف اني ماليش في السكة دي يا مراد. ياريت ما تطولش...
ليجيبه مراد عبر الهاتف بنبرة مختلة قد اعتادها منه
: مرسي مرسي مسيو علاء، ما تقلقش مش هطول هما يومين بس. واوعا سنانك تاكلك على الامانة.
ثم قهقه مراد بفظاظة. اغلق الهاتف بانزعاج. شعور يتسلل إليه بالاشفاق عليها من جنون مراد.
: ايه اللي وقعها في سكته انا مش فاهم.

حدث بها نفسه ليزفر بعنف جالسا فوق مكتب ما يترصص فوقه العديد من خطوط الهواتف الخلوية. سحب احدهم حيث آخر رسالة سيقوم بإرسالها بعد يومين. ولو ساهم الشق النبيل بدورة. فلن تكون الأخيرة...
: عايزة بنتي يا منصور. عايزة حياة.
هتفت بها حنان التي دفقتها بعاطفة الامومة الخالصة من بين بكائها خزفا وقلقا واشتياقا لها.
: دي قالتلي هغير هدومي ونازلة. ياريتني مت سبتها ياريتني.

شد منصور على قبضته غضبا. منها وعليها. صغيرته التي لم تكن يوما ابنة اخته فحسب. هي ابنته. زهرته التي ساقها من حنانه بسخاء واحتواها بين يديه كما يحتوي شعاع الشمس الزهرات. كانت احضانه ارضها التي شردت مبتعدة عنها. وكأن ما سقاها اياه كان جفاء. قسوة. لتشعره عمدا بكل ارادتها بالعجز. ذلك الشعور البشع الذي يسطو فوق جميع مشاعره بقسوة. فقط تأتي وسيغفر لها. فقط يراها امام عينيه سالمة ويعرف سبب هروبها. لم يجبرها على تقبل ابنه كزوجت لها. فقط لو تعلم حقيقة الامر...

يطوي نهارا مشرقا دكنة الليل بين صفحات اشعته. يمتد اشراقه نحو قلوب البعض. والبعض الآخر مازال معتما. البعض الآخر له شمسه الخاصة التي لم تشرق بعد. وقف امامه و ثالثهم الندم.
: انا قولت مش هتيجي. متشكر انك جيت. ومتشكر كمان انك حاولت تنقذ حياتي.
بامتعاض. حنق و اشمئزاز. واحتراق ينظر إليه حمزة.

: انا كنت جاي اقتلك اساسا. بس اعمل ايه. حالف القسم انقذ الحيوانات. واقتلهم لما يجيلهم سعار ويبتدوا ينهشوا في اللي حواليهم
غامت عينا سالم جوار آلام صدره الحارقة بالكثير من الندم. ليكمل حمزة بابتسامة متشفية
: او اولع فيهم وفي مخازنهم.

فقط وجه إليه نظرة عدم فهم. ليومأ له حمزة بتأكيد. لم تجرؤ نظراته على الصدمة. بل اغلق عينيه للحظات بألم. حيث كان هو البادئ باشعال الحرائق داخل قلوبهم. ليتحدث بتعب يبتلع لعابه الجاف
: مش هلومك. و عارف ان اللي هقوله ده تقيل عليك. بس لازم تعرفه. انا ما عملتش حاجة. سارة...
انقض عليه يمسكه من تلابيب الزي الخاص بالمرضى الذي يرتديه صارخا فيه بعنف ما ان لفظ اسمها من بين شفتيه.

: ما تنطقش اسمها على لسانك يا سارة دي اشرف منك ومن عيلتك ال
: يخربيت ابوك. الجرح يا بغل.
هتف بها سالم يغمض عينيه بقوة يطلق آهات متألمة. بينما دفعه حمزة فوق الفراش تشتعل حدقتيه ينظر إليه بغضب اعمى.
: ما غلطش اللي خلاك دكتور بهايم. انت ما ينفعش تتعامل مع بني آدمين.
: وانت بني آدمين.؟
اجابه بندم
: عارف اني كنت شيطان، وهي.
: ماتجيبش سيرتها يا حيوان.
هتف بها بحدة. ليرد سالم بصوت يائس.

: طب اقولهالك ازاي دي؟ اسمعني كويس يادكتور الله لا يسيئك جايز يكون ده اخر كلامي على الدنيا.
زفر حمزة بغضب ليكمل سالم.
: انا ما عملتش حاجة. مأذيتهاش. وهمتها اني لمستها لكن والله العظيم ايدي ما جات عليها حتى.
في بداية الامر كانت كلماته لها فعل الوقود فوق اشتعال نيران عاشق. لتتسع عينيه اتساع طفيف وخفقات متراقصة تتوارى اختبائا داخل صدره بهجة. بينما لايزال يحدجه باشتعال.

: قولها تسامحني. كل حاجة هترجع باسمها واسم اخوها. زي ما عمي الله يرحمه كتب في الوصية. انا ما بقيتش عايز اي حاجة غير انهم يسامحوني على اللي عملته.
: جاي تعترف وتوب بعد ما مشيوا ومش عارفلهم طريق.
: انا اعرف. هرجعهالك. بس وعد رجالة تبلغها مسامحتي لو ما لحقتش وقابلت وجه كريم. ومحتاج كمان مساعدتك عشان اعرف ارجعها.
نظر له بامتعاض حانق وفي صمته لمحة من القبول...
: عايز ايه.؟

هتف بها بانزعاج وضجر. ليتحدث سالم.
: اسمعني كويس...
هو رجل المواجهة. قائد الحرب ومنظمها ومفتعلها. حيث دور الجندي المجهول لا يناسبه.

يحترق قلبه برفقة الروح في اعماق اخاديد بركانية قاسية. شعور الموت اهون مما يشعر به الان. ينهش داخله الخوف والقلق عليها. التقط هاتفه يجري اتصالا ما معجزة، (فبعد يومين من عذاب مضني تلقى رسالة نصية تحمل فقط رقما ما. ليتصل بالرقم وعبر مكالمة جماعية يجريها احدهم يتلقى هو مهاتفته )
: حياة ترجع. قولي انت فين. هاجيلك اصفي حسابي معاك.

قالها عبر الهاتف بغضب مكبوت. حيث روحه بين يدي وغد. قهقه مراد عبر الهاتف باستفزاز
: مش عرض مغري ده! اللي بين ايديا مغري اكتر.
الان باتت شكوكه بانه الفاعل مأكده. كاد يسحق اسنانه والهاتف بين يديه ضاغطا عليهما بغضب. بينما قبضة يديه الاخرى تخدش الحائط امامه بعنف، ادرك مقصده.
: قسما بالله يا مراد. لو شعرة منها اتأذت لهوريك الجحيم في حياتك. هتتمنى الموت مش هتطوله.

: تؤ تؤ تؤ. مش كده يا قيصو. ولا اقولك يا ميزو...
يبدو انه يعلم الكثير. أطلق العنان لضحكاته مرة أخرى مردفا.
: كان ليك امانة عندي و دلوقت راحت خلاص. اعتبرها امانة لحد ما تشرف عندي هنا.
نظر إلى السقف يهتف بخفوت محدثا نفسه بخلل.
: بكل اسف هي لا تصلح طعاما للأسود. لكن ذلك لا ينفي انها قابلة للالتهام.
: حياة لسة في مصر. ابعتلي مكانك. ترجع البيت. بعدها جهز كفنك.

: اممم، اللعبة كده مملة. هضيفلك شوية إثارة. و هقولك معلومات كمان علشان تعرف اني fair. هي فعلا لسة في مصر. قاعدة عند واحد في شقته.
هز رأسه بتلذذ تتسع عينيه بخلل لم يراه قصي لكنه استشعره عبر الهاتف من خلال نبرته الهامسة
: هسيب الباقي لخيالك وهكلمك بعد يومين. Enjoy.

اغلق الخط على ضحكاته التي علت شيئا فشيئا يلقي بالهاتف أرضا بعنف. تحترق انفاسه جوار روحه يخلل شعره بهيستريا. تنتفخ اوداجه تكاد توشك على الانفجار. ليصرخ بجنون حارق كان لها هي فقط الفضل في ظهوره
: هقتلك يامراااد. هقتلك...

بكاء بمذاق الاشراق. وجدت الحورية بحرها المناسب بيئتها المناسبة. ذلك الدفئ الذي طالما افتقدته وجدته اخيرا بين احضان من تنتمي إليهم. تلصقها فاطمة فوق قلبها مباشرة. وكأن خفقاته تسألها هل تعرفتي على نبضاتي. ها هنا جواري عندما كانت اول رفيق لك. خفقات الام وكأن قلبها ينتفض مقبلا اياها شوقا. تخرجها فقط لتقبل شفتيها كل انشا بوجهها ثم تلصقها بأحضانها مجددا. وهي تتشبث بها كطفلة ضائعة...

: عارفة اول مرة خدتيني فيها في حضنك. اتمنيت انك تكوني امي اللي ماشوفتهاش طول عمري. امي اللي طول عمرهم بيقولولي انها ماتت بسببي وهي بتولدني.
: حرموكي مني وحرموني منك يا ضنايا. سامحيني يا بنتي. سامحيني يا حبيبتي والله ما كنت اعرف. ما كنتش اعرف.

انخرطا سويا في بكائهما. بينما الواقفة بزهول امامهما تمرر نظرها بينهم بعدم تصديق. لتترك حور احضان فاطمة تمسح دمعاتها بكلتا يديها مبتسمة باتساع تقف امام اختها الكبرى.
: كنت بحسدك اوي عليها. كنت بقول جوايا يا بختها بيها وبعيلتها لما اشوف حنيتهم عليكي.

انسالت دموع قمر فوج وجنتيها تتلقفها بين احضانها برحابة اخوية. يقف هو بجوار باب الغرفة يسترق النظرات اليها برغبه ملحة في اسكات شهقات بكائها في عناق بين ذراعيه، وفي خضم المشاعر المتلاطمة كأمواج البحر. لمحت عينيها رغبته. اختلج خافقهما باضطراب. و بلغة اخرى. شعاع اول شرارة حب.
فلنعتبرها كذلك...

خيوط الشمس تنسج انغام الصباح فوق الدنيا. وهي تجلس بشرفة واسعة مزينة بالورود والشجيرات اللطيفة. تحتسي كوب قهوة داكنة. تستأنس بمذاقها برفقة الصباح. تحسنت حالتها النفسية كثيرا بهذا المكان الرائع. هنا تغرد الطيور ناعمة بالحرية. لا تستغيث. حيث لا وجود للصقور بينهم. حتى تلك الذكريات الكسيرة لم تعد لها رغبة لاستعادتها. لا تستحق حتى ان تصفها بمرارة قهوتها الحبيبة. اخترق الهدوء من حولها صوته الحاني بمرح.

: فراشة ياناس. فراشة قاعدة وسط الورد.
ابتسم تلقي عليه تحية الصباح فبادلها اياها بقبلة فوق جبينها. جلس امامها ينظر اليها بتوتر رغم محاولاته في اخفائه. لاحظته.
: مالك يا آدم. في حاجة
: لا ابدا.
تنهدت بتأمل تنظر إلى السماء لتنقل نظراتها إليه مرة اخرى عندما تحدث بتردد قائلا
: المحامي بتاعنا كلمني انهارده. بيقول ان سالم ابن عمنا اتعرض للقتل. بين الحياة والموت دلوقت.

ورغما عنها تجبرها الذكريات على استعادة قتامتها. نظرت إليه بمعالم وجه جامدة غير مقرؤة. ليكمل هو.
: طالب يشوفك قبل ما يموت.
اتسعت عينيها باعتراض. بعصبيه. تمرر جوار حروفها سخرية بمذاق قهوتها...
: علشان ايه يشوفني. طبعا عايزني اسامحه. علشان اسامحه مش كده؟ عايز يستسمحني بعد اللي عمله فيا. ده دمرني. دمرني.
اخذت عبراتها تتناثر فوق وجنتاها قسرا. ليتحرك ادم من مقعده جالسا امامها ارضا يحتضن وجهها بين يديه.

: سارة يا حبيبتي اهدي. مش عايزة تنزلي ماحدش هيجبرك. انا بس حبيت اعرفك علشان ده موضوع يخصك مش اكتر، خصوصا. اا.
صمت. وفي صمته الغامض قلقت الشمس.
: في ايه يا ادم اتكلم.
: حمزة متهم بقتل سالم ومقبوض عليه يا سارة. مستعد يخرجه بس لو وافقتي على طلبه.
القلب العاشق يثور عبر اشتداد خفقاته بعنف. عينيها صدمة هائلة. صورتة بجوار اسمه يتقافزان سويا بداخل قلبها. وهنا تقبع الخطة السالمية في اعادة الشمس...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة