قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثاني والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثاني والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثاني والأربعون

طوفان ما انجرف نحو ذلك الشخص الذي دفعها منذ لحظة واحدة يسحق معالم وجهه تحت قبضة يده الطاغية. ظهر امامها فجأة من العدم. لم يكن هو. لم يكن ذلك الشخص الهادئ الوقور في معظم اوقاته. لم يكن انفعاله او حديثه معقد ومبهم الفهم بالنسبة اليها. هو ثائر بوضوح. مزيج مندفع بين غضب وخوف، ردة فعله اعنف من المطلوب، لم يكن الخصم الآخر واهن القوى، هو ايضا في طور ثورة فقد من نوع آخر. حيث أخذ يرد لقصي ما كيله له من لكمات. وهي تنظر لما يحدث بعدم فهم وارتياع. كل تفكيرها يتمركز حول مرور اللحظة على تلك الطفلة التي تشاهد بانهيار عراك ابيها مع شخص ما ايقنت انه ابيها عندما نادى الصغيرة باسمها وقد اكدت تلك الدفعة العنيفة منه. اسرعت تحتضنها تدير وجهها إلى الخلف بعيدا عن تلك المشاجرة. ليراها والدها وللمرة الثانية يظن ان ابنته بصدد اختطاف. زعق بصراخ ينادي طفلته بحرقة.

: حيااااااة...
صراخه بأسمها كان بمثابة حقن المارد بجرعة اشتعال زائدة. مع تشتت انتباه الرجل نحو ابنته. اصابه قصي بضربة رأس اعلنت عن هزيمة اب. ترنح أثرها الرجل حتى سقط ارضا يشير بيديه نحو ابنته وكأنه سيلتقطها. عينيه من بين دماء وجهه النازفة معلقة بها يراها تترك احضان تلك الفتاة راكضة نحوه ببكاء تكيل ضربات كعدمها إلى قصي الذي يلهث ناظرا له بغضب.
والجرو المسكين بيكسي يختب بعواء خافت خائف خلف شجرة ما.

لم يعيرها قصي اي اهتمام، فقط مال اليه يخرج من جيب سترته حافظة نقوده. فظنت حياة انه سيضربه من جديد فأسرعت نحوه تشد ذراعه إليها تصرخ بحدة
: كفاية بقى حرام عليك كفاية.
قاطعها بنظرة لم تراها من قبل. حسب التصنيف. هي نظرة مرعبة. توقفت أثرها كل الكلمات بحلقها. ابتلعتها. ، نقل نظرته نحو يديها الممسكة به لتتركه سريعا ترجع بخطواتها إلى الوراء. وبدون ادراك مازال يهتف الرجل بهذيان
: حياة. حي، حياة.

والطفلة الصغيرة تبكي مزيلة بذيل فستانها القصير آثار الدماء على وجه ابيها.
اخرج قصي بطاقة هويته الخاصة من حافظة النقود، نظر بها للحظات ليلقي إليه الحافظة مرة أخرى آخذا بطاقته الشخصية. بخطوات من جحيم اتجه نحو تلك الواقفة خلفه بإرتياع. يجذبها نحو السيارة بعنف. عبرت الشارع تتعلق عينيها دامعة بالطفلة الباكية خلفهم. وفي عرفه هو عيونها معلقة بذلك الممدد أرضا.

فتح باب السيارة بنبرة تخالف ما حدث منذ دقائق قال
: اركبي.
ما ظهر منذ قليل كان فقط مارد الغضب. اما عن مارد العشق فبكل غباء أصرت هي على لقائه...
. مررت نظرها بينه وبين الناحية الأخرى بخوف شديد ولهفة قائلة باستنكار
: هنسيبه كده ازاي ده...
: بقولك اركبي...

صوت كالصاعقة. نبرة مغلفة بالجحيم. زعق بها امام وجهها مباشرة. اتسعت عينيها فزعا تنظر له برعب. تبتلع غصة بكاء حارقة لتركب السيارة سريعا تشتد خفقاتها بعنف. ضغطت على شفتيها بقوة في محاولة فاشلة منها لمنع تساقط دموعها. ركب جوارها بثبات كأن لم يكن شيئا. لم يظهر عليه ذلك الغضب منذ ثوان فقط. لكنها استشعرته عبر انطلاق السيارة بسرعة عنيفة و اصتكاك عجلاتها بالأرض مصدرة صوت مزعج. كريه بالنسبة اليها. يتجه نحو الاتجاه المعاكس للمنزل. وجه آخر تكتشفه به. وجه مظلم. قاتم لا يناسب ورديتها، لم تره من قبل. لا تدرك انه سَيحتم عليها اعتياده...

نزل من السيارة برفقتها يصفها بالجراج الخاص بأحد أفخر مجمع تجاري قائلا بسعادة
: انا كنت قلقان لترفضي.
ابتسمت سارة بهدوء ولايزال الحزن ساكنا نظرة عينيها
: بالعكس. من زمان وانا نفسي اسافر بره مصر.
اغلق السيارة يلف ذراعه حول كتفيها يخطو بجانبها إلى خارج الجراج قائلا
: طب بصي بقى. انا عاوزك تجيبي كل اللي نفسك فيه. اي حاجه تعجبك شاوري عليها بس كده.
باكتفاء تام بوجوده فقط ردت مبتسمة.

: ربنا يخليك ليا. بجد مش عايزة اي حاجه.
بادلها الابتسام قائلا يتبع كلامه بغمزة
: ويخليكي ليا يا حبيبتي. تعالي بقى و انا هختار لك على ذوقي
اتجها سويا إلى الداخل. وعلى بعد كافي منهما. توقفت سيارته بنفس الجراج. ترجل منها ليتفاجئ بصديق له لم يراه منذ مدة يناديه بحبور.
: حمزة. ازيك يا دوك.
تبادلا التحية والسلامات ليسأله صديقه قائلا.

: انت غيرت رقمك ولا ايه؟ انا بحاول اكلمك بقالي كام يوم رقمك مش بيجمع. شوف محاسن الصدف بقى اني قابلتك هنا.
ضحكا سويا ليرد حمزة باختصار
: الحقيقة التليفون تقريبا وقع مني وحاولت اتصل بيه كان مقفول. انا حتى جاي اشتري واحد جديد من هنا.
: طب كويس أوي هترجع نفس الخط أكيد.؟
لحظة شرود عابرة لم يلاحظها صديقه. تبعها بابتسامة مكلفة قائلا
: لاء هغيره.

لا يريد اية صلة له بالايام الماضية، او بماضية الخالي تماما من حدث مثير. سواها. وربما كان خائف.
اخرج صديقة ورقة صغيرة وقلم يخط له رقمه الخاص يناوله اياه قائلا
: طب خد رقمي اهو اول ما تشغل التليفون كلمني اسجل رقمك الجديد. ومبروك مقدما.
ودع صديقه مع وعده بمكالمته ثم اتجه بخطواته نحو احد متاجر الهواتف الخلوية. صدفة كانت ام تدابير قدر لايهم. الجدير بالذكر انه حظ عاثر لكليهما...

معركة بين هادئ يقدر ذعر تلك المرتجفة جواره. وبين ثائر لايرى امامه سوى جرئة دفعة ذلك الرجل لها، ولا يسمع سوى اسمها من بين شفتيه الذي أدماهما بعدة لكمات من قبضته. نزاع بين مهذب يحثه التريث. وبين عربيد. سيء الخلق يدفعه نحو الجنون. كل ذلك وأكثر بداخله. بينما هي تجلس جواره تربع يديها حول جسدها. تذدرد ريقها بخوف من وقت لآخر كلما إغتلست النظر إليه. تذرف دموعها تأثرا بحال تلك الصغيرة المسكينة. (حقا على احدهم اخبارها توفير تلك الدموع لمسكينة اخرى بصدد مواجهة عربيد )...

اوقف السيارة فجأة. فأجفلت. مكان نائي فوق جبل ما خالي من المارة. لكن لا يزال ضوء النهار يضفى بأشعة ما قبل الغروب. وقد طمئنها هذا بعض الشيء. ينظر أمامه بجمود تستطيع رؤية حركة فكيه العنيفة تأثرا بضغطه على اسنانه غضبا. اما عن المعركة والنزاع فهناك ثالث تولى ضفة الحوار. للمرة الثانية أجفلت. حيث سألها بجفاء. دون النظر اليها قائلا
: تعرفيه منين.؟
بارتجاف يحتمي خلف قوة فولاذية. مستعارة. ردت
: ما اعرفوش.

نظر إلى خارج السيارة عبر النافذة المجاورة له. وتزفر هي بارتياح لاختياره عدم النظر نحوها حيث نظرته توقف نبض قلبها ارتياعا. سرعان ما فرت انفاسها الى داخل صدرها هربا. عندما ادار وجهه نحوها ينظر اليها باشتعال ثائر اخف وطأة. يبدو ان المهذب الهادئ بداخله يؤثر به
: يعرفك هو منين؟
نبرته نفاذ صبر. ونبرتها نصل على وشك قطع آخر حبال الصبر لديه
: ما اعرفش.

علي صدره اثر استنشاق نفسا عميقا يحاول به اطفاء تلك النيران المشتعلة بداخله. بدا لها وكأنه سحب جميع الهواء المحاط بهما ليزفره دفعة واحدة. وبعرف مخيلتها الواسعة البريئة هو تنين. يزفر النار من فمه. التفت اليها التنين قائلا بآخر قطرة صبر
: تمام. مين البنت اللي كانت معاكي.؟
سريعا اجابت بتلقائة صادقة تخلو تماما من الكذب الذي تتهمها به نظرة عينيه.
: دي بنته.

إلى هنا وكفى. لكم العربيد الثائر ذلك المهذب يطرحه أرضا متحكما هو وبكل سرور به.
: انتي بتستهبلي. عارفه انها بنته وماتعرفيهوش ازاي؟
زعقة ضارية خرجت منه. اصابتها بخوف مهيب. دائما ما ترتبك افكارها تتشتت ردود افعالها المصحوبة بذلك الخوف المعيق. تلعثمت كالمذنب. كالمدان دون فعل اي شيء. ترتعش شفتيها السفلية في حالة بكاء دون بكاء.
: اس. أسسس. اسمه. المهندس ععع علاء...

رغم ثورته. اشتعال نيران غضبه. ذكرها لإسمه الاول الذي لاحظة في بطاقته الشخصية. وما زاده هذا سوى تأكدا من انها تكذب. الا انه وبدون ارادة منه في حركه انفعالية لرؤية تجمد نظراتها بذعر وذلك الخوف بنبرتها جذبها مهدئا اياها داخل أحضانه في عناق آمن ممتصا لذلك الرعب الذي تبدو عليه. فليتنحى العربيد الثائر جانبا ريثما تهدأ فقط. اما هي بمجرد ان وضع رأسها فوق صدره. حتى اخذت تبكي بصوت عال. تنتحب بين احضانه. بعد بعض الوقت هدأت قليلا لكنها مازالت على وتيرة بكائها دفعته برقة تخرج من بين أحضانه باعتراض.

قائلة باحتجاج على ما يفعل بصوت متهدج باكي
: انا عاوزة اروح. بعد اذنك روحني.
والاجابة، صدمة غير متوقعة. الاجابة هي نعي عن ولود رهاب جديد. ظلمة عليها اختبارها.
: مافيش مرواح.
نظرة صادمة. وشعور لاول مرة بالخوف في حضرته. والتتمة سقوط. سقوط نحو ابعد نقطة بقاع الصدمة. عندما اكمل يحرك سيارته نحو المجهول.
: مافيش مرواح قبل ما اعرف ايه هي علاقتك بيه.؟

امابعد. هي البرائة المدانة بتبديد ظلام قلبه. و سيكون هو إثمها، الإثم والعقاب...
اكتشف انه من بين ضحكاتها يزداد معدل ارتفاع سعادته. يحمل الكثير والكثير بين يديه من الحقائب والمشتروات العديدة لها هي و فقط. جلسا سويا في احد المقاهي الراقية بالمجمع التجاري يطلبا مشروبا باردا. ليتحدث آدم ناهضا قائلا
: هروح احط الشنط في العربية واجيلك نكمل.
اوقفته هي بزهول تجلسه قائلة.

: نكمل ايه.؟ اقعد يا آدم والله ما هشتري اي حاجة تاني. كفاية اوي كده.
ضحك آدم قائلا
: طب خلاص هشتري انا. هودي الشنط واجيلك تمام؟

اومأت له بابتسام. جلست تنتظر النادل ليحضر المشروب. فهي تشعر بالعطش الشديد. تتفقد المارة. المحلات التجارية المطلة على المقهى. ونظرة عابرة جمدت اوصالها. نظرة شرسة. نظرة حارقة مستعرة. لا تمتلك الجرئة الكافية للتأكد منهت. لإعادة النظر اليها. فقط تصلبت نظراتها إلى اللا شيء. رغم قوة شخصيتها الا انها لا تقوى على مجابهة نظرته لو كان هو. تحدثت افكارها. ليس هو. من المؤكد انه ليس هو استقامت ترجو افكارها عدم النظر والتأكد. اصتدمت بالنادل دون قصد اوقعت المشروب. لم تكترث اخذت تخطوا بخطوات متسارعة خارجه من المكان بأكمله. تتجه نحو الجراج. نحو آدم. أخيها. أمانها ومأمنها الوحيد. بانفاس متسارعة اخذت الخطوات المتسارعة تتسارع اكثر حتى بدت ركض روع. تلهث. انفاسها كالجليد والشمس بمقلتيها. اقترب من الجراج. توقفت يعلو صدرها بلهاث تحدد مكان السيارة. وفجأة تفاجئت بالحظ العاثر. يجذبها نحوه. يجرها خلفه دون النظر اليها. انفاسها تتسارع. قلبها يرتعد. خفقاته تنبض وكانها على وشك الموت. لا تقوى على الصراخ. احدهم سلب صوتها وانفاسها معا. وللعبث. أرادت رؤية وجهه وبشدة.

اختطف هو شعاع الشمس بعينيها العسليتين نحو بقعة مظلمة بداخل الجراج بضوء خافت. اتسعت عينيها بفزع ما ان واجهت نظراته القاتمة. لتتحول نظرتها ما ان لمحت دكنة عينيه امامها الى نظرات عشق متألمة. بينما هو، انثنى جانب فمه بقسوة يمرر اليها عبر مسامعها أنصال مسمومة على هيئة كلمات ساخرة قائلا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة