قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والأربعون

وحش هائج. يُسمى الغضب. يختبئ خلف باب ما. فولاذي الصنع. مفتاحه الخوف.

منذ ساعات فقط كانت متهمة باختطاف طفلة. اما الآن هي المُختَطَفة. في مكان مظلم بجانب الطريق الرئيسي. لا ينيره سوى إحسان القمر على خوفها بشيء من إضائته. تربع يديها بمثابرة داخلية تعزز قوى صمودها. ثورته اعادتها لظلمة قاعها. اعادت لها خوفا لم يزرها منذ وقت طويل. خوف تعجز معه عن التفكير بعقلانية. تنتج ردود افعال اكثر ميولا للحماقة. ترتبك. تخاف. امام ثورة اشتعاله. زعقته المخيفة. تلك الشرارات المنبعثة من عينيه. هي ببساطة. خائفة. تظهر قوة. يعلم تماما بأن لا وجود لها. جلس متصلبا. القائد الآن في حالة حرب بينه وبين نفسه. حرب يخوضها وحده. حرب هو فيها والخصم شيئ واحد. اعتقاد خاطئ، تحتاج منطقية افكاره تفسيرا كافيا لتصحيحه. وتحتاج هي قوة تفوق اضعاف قوتها لإقناعه. ، بمكالمة هاتفية مختصرة لوالده اخبره فقط كي يطمئن. ( حياة معايا ).

وأخرى ليمنى. تمهد له الطريق نحو ثغرة. ( انا هتأخر نامي ما تستنينيش ).
اتخذ وضعية الإستجواب. قائلا بنبرة عادية تتيح لها الاعتراف.
: انا سامعك.
تحمست بنفس عميق. وقد ساعدها هدوئه بعد بعض الوقت لاسترداد المساحة الآمنة للرد. نظرت اليه قائلة بانفعال منزعج.

: انت بتكلمني كده ليه؟، كأني عاملة جريمة، انا كنت ماشية ولاقيت البنت بتعيط واما سألتها عرفت انها تايهة. و قررت اساعدها وارجعها المكان اللي كانت فيه مع باباها ده اولا. ثانيا انت مش من حقك تعاملني بالطريقة دي انا مش عيلة صغيرة وعارفة انا بعمل ايه كويس.
بنبرة مرتجفة على وشك البكاء اردفت تنظر اليه باستنكار حزين.

: و بكل همجية ضربت الراجل قدام بنته بدون اي مبرر. انت ما شوفتش البنت كانت منهارة ازاي. بجد تصرفك بشع مالهوش اي مبرر غير...
: ثالثا شيء مايخصكيش، اضربه، اقتله، ابلعه، مالكيش فيه.
قالها مقاطعا اياها بهدوء و برود تام رغم حدية اسلوبه. نظرت اليه بزهول مستنكرة. غاضبة. تتعجب لتقلب حالاته. مزاجيته. كم يمتلك من الوجوه يمكنه اظهارها في آن واحد
: انا قصدي على البنت.

بصبر يحث به نفسه داخليا اردف يكمل مايشبه التحقيق.
: ولما البنت تايهة وانتي بتساعديها زي ما بتقولي كان بينادي عليكي ليه؟! يعرف اسمك منين؟

صمتت. هذا وان دل فيدل على غباء نثوي فطري لدي معظم النساء حمقاء هي بختم نصف دول العالم، ان لم يكن جميعهم. حيث ظنت ان في عدم اجابته والرد عليه. ردا كافي يطفئ غضبها تجاه ردود افعاله الغير لائقة والغير مبرره، التفتت برأسها جانبا تربع يديها بعناد. مرت دقائق من الصمت. لم يصدر هو اي ردة فعل تجاه امتناعها عن الرد وهذا يربكها. التفتت ببطء تنظر إليه. فاجفلت منتفضة عندما رأته مادا عنقه نحوها بغضب. ملامحه جامده. ناظرا اليها مضيقا عينيه بغموض. ثم ابتسامة قاسية كابوسية. شقت ثغره قائلا بنبرة جاحيميه.

: تمام. انا هعرف بطريقتي...
نظرت اليه بعدم فهم. تتسائل ( اي طريقة هذه.؟ وما الذي يقصده بتلك النبرة. ) لتحاول اصلاح الامر. فهو يبدو غاضبا وبشدة.
: بنته. كان بينادي على بنته. اسمها حياة على اسمي...
قالتها بنبرة خافتة بعض الشيء بإقتضاب. ادار محرك السيارة ذاهبا وكأنها لم تتفوه بكلمة. وكأنه لم يسمع منها شيئا قط. نظرت اليه بقلق. قائلة بخوف
: انت رايح فين.؟

لم يعير سؤالها اي اهتمام. وكأن لا وجود لها جواره فقط يحرك السيارة نحو الطريق بهدوء. بينما في حقيقة الأمر. يحترق خوفا. هو في غاية الغضب إلى الحد الذي لا يستطيع معه التعبير عن خوفه عليها...
لهدوء صمته وجه آخر. هو يواجه الوحش بداخله. حيث عليه ترويضه لا التغلب عليه...

نحدد الهدف. ثم نشد الوتر لآخره. و بإنتشاء تام. نطلق السهم. نراقب اقترابه من الهدف بلهفة. يخترق منتصفه تماما. و تسيل الدماء. و نتفاجئ أخيرا بالخسارة. بدمائنا المُراقة أرضا. حيث لم يكن الهدف سوى قلوبنا...

اختطف شعاع الشمس بعينيها العسليتين نحو بقعة مظلمة بداخل الجراج. فقط ضوء خافت. اتسعت عينيها بفزع ما ان واجهت نظراته القاتمة. لتتحول نظرتها ما ان لمحت دكنة عينيه امامها الى نظرات عشق متألمة. بينما هو. انثنى جانب فمه بقسوة يمرر اليها عبر مسامعها أنصال مسمومة على هيئة كلمات ساخرة قائلا.
: اهلا يا عروسة. ايه.؟ شرفتينا تاني يعني؟
نظر حوله مكملا باستهزاء.

: لا ولوحدك. ايه العريس ما عجبكيش فنزلتي تشوفي مزاجك هنا ولا ايه.؟
هو يشبع فقط تجويف طعنة ما أسدتها له سابقا، يسد خانة كرامته المهانة حتى ولو لم يعترف.

اما هي فاستقبلت نصل كلماته برحابة بائس لا يري في الموت سوى الشفاء. التوقف عن الألم. كانت تدرك اهتمامه بها. كانت تعلم انه ربما كان على اعتاب حب. لكنها لم تدرك انه وقع في الفخ الوردي. فاكتشف انه بقاع بئر ذو ظلمة محببة. بئر لا ينال الكثير رفاهية الخروج منه. يسمى العشق.

حاولت افلات يديها من قبضته. قلبها يخفق بسرعة صاروخية. اشتعال حدقتيه امامها لا يخيفها بقدر ما يؤلمها. تتألم لأجله و تكابر في الإعتراف. هي باتت لا تصلح حتى للألم. هي ذلك الثوب الثمين باهظ الثمن. الذي شوهه احدهم. اتلفه متعمدا. لا يمكن شرائه. ولا يتاح رميه بالمهملات. يترك هكذا وفقط.
: سيبني يا حمزه.

قالتها بإيبآء حيث هي لم تعتاد الخضوع. اشتعلت نيران غضبه اكثر. هي حتى لا تشعر بكارِثية فعلتها. تناظره و بكل تبجح. تحدث يضيف المزيد من السم حول كلماته قائلا بعدوانية
: هقصر عليكي المشوار. وانا اولى من الغريب. على الأقل اخد تمن تعبي في السفر وراكي رايح جاي.

يمرر فقط انفعال. ربما ارتجافة عشق أخيرة. المنطقية لا وجود لها بأفكاره. يفكر فقط من وحي ألمه. أغمضت عينيها تضغط عليهما بقوة. بقهر. وقد انتحر الإيبآء فوق حد جفنيها. وخضعت تلك الدموع اللعينة لرغبة البكاء المكبوتة، ابتلعت غصة قاتلة. تدفعه بعنف مديرة وجهها إلى الجهة الأخرى تحاول إخفاء دموعها. وقبل ان يفك حصار يديها من تحت قبضته همس قائلا بخفوت كان اشبه بالضربة القاتلة.

: انتي عارفة العنوان بقى مش محتاجة اقولك عليه.
خانتها نظراتها فأهدته التفاتة محملة بسحابات ممطرة من الدموع. سحابات تعوق رؤيته لقرص الشمس بعينيها.

تركها. تركها منتفضا وكأنها وباءً ما، تتسع عينيه باستنكار. تعلو وتيرة نبضاته بعنف. تركها عندما لاح الألم بداخله لرؤية دموعها. عندما شعر برغمة ملحة في ازالتها عن عينيها، تركض امامه ببكاء. و بشدة اراد اللحاق بها. ركضت هي دون حذر إلى ان اصتدمت بصدر صلب سرعان ما استشعرت هويته عبر احتواء ذراعيه لها وصوته القلق قائلا بلهفة
: مالك في ايه.؟ سارة؟
: عاوزة امشي. عاوزة امشي من هنا بسرعة.

نطقتها باختناق تام. اختناق لجميع مشاعرها بلا استثناء. ليجذبها آدم نحو سيارته بعدم فهم ونظرات قلقة عليها.
بينما خلف عمود ما تطل نظراته من الجحيم. ينظر اليها بين احضان اخيها مستغربا عدم وجود ذلك المسمى بابن عمها. اطال النظر إلى اثرها حتى رحلت السيارة من المكان بأكمله. بين النفور منها. وإرادة بقائها بشدة. يولد شعور ما يقتله دون هوادة...
كل ما عليه ادراكه. شيء واحد فقط، لقد غابت الشمس. غابت دون عودة...

في شقة ما بداخل بناية راقية. جلس على الأريكة بإرهاق. يحمل بين يديه كيسا من الثلج يمرره فوق تلك الكدمات بوجهه متأوها بخفوت. اسند رأسه إلى الوراء بإجهاد مغمض العينين. يحترق قلبه كلما تذكر تلك اللحظة التي اوشك بها على فقدان صغيرته. حياته كما يلقبها دائما، بخطوات لطيفة اتجهت اليه الصغيرة بنظرات آسفة ترتدي جلباب نوم قصير يرافقها بجوارها بيكسي. وقفت امامه قائلة بصوت باكي.
: بتوجعك صح.؟ انا اسفة.

اعتدل بتعب ينظر اليها بشرود. سرعان ما ابتسم جاذبا اياها يجلسها على قدميه قائلا
: لا مش بتوجعني. انا اللي اسف اني انشغلت عنك وعرضتك لموقف زي ده
أخذت تمسح بيديها على وجهه فوق كدماته بلطف. تنثني شفتيها إلى الأسفل بحزن. بينما يقفز بيكسي نابحا بمرح فنظرت إليه تلتقطه قائلة
: ماتزعلش يا بابي. بيكسي وعدني مش هيسبني ويجري تاني.
ثم نظرت إلى الجرو مردفة
: صح يابيكسي.؟

اصدر الجرو صوتا خافتا وكأنه يقر بالموافقة. لتتسع ابتسامة الاب يضمها إلى صدره يعانقها متنهدا بعمق. هي حياته التي لا حياة له بدونها.
: انا لو شوفت عمو الشرير ده تاني مرة هخلي بيكسي يعضه عضة كبيرة عشان ضربك كده.
نبح بيكسي بحماس أسد مزمجرا للثأر. ولو كان لتلك الشجرة لسان لأقرت باختبائه خلفها يرتجف خوفا.

اشتعلت عينيه بحرقة. اراد الفتك بذلك المجهول وتلك الفتاة برفقته، حتما هم تابعي لأحد تلك العصابات المخصصة لخطف الأطفال. لانت ملامحه يخرج الصغيرة من أحضانه ينظر اليها بعدم فهم عندما اردفت ببرائة تامة
: بس طنط حياة طيبة يا بيكسي مش تعضها. علشان هي اسمها على اسمي. وكمان مامتها صاحبة ماما في الجنة.
رد عليها والدها قائلا بعدم فهم
: طنط حياة مين يا حياة.؟
نظرت إليه الصغيرة تجيبه بحماس.

: طنط حياة اللى جاتلي وانا بعيط ومش لاقياك. وسألتني على اسمك وكانت هتوديني ليك عشان ما اعيطش تاني.
ثم انكمشت ملامحها بحزن مردفة
: اللي عمو الشرير أخدها معاه وهو ماشي بعد ما ضربك
نظر اليها والدها حانقا من كثرة ذكر ضرب ذلك الرجل له. ليتحدث بعدها قائلا وقد ادرك ان هناك لبث ما
: مش طنط حياة دي اللي اخدتك من الجنينة ومشيت.؟ مش دي اللي كانت هتخطفك؟

نفت الصغيرة برأسها تروي له ماحدث بالتفصيل ويقر بيكسي على حديثها نابحا. انتهت من قص ماحدث إلى والدها. ليشرد زَاهلا وقد ادرك مدى فداحة خطأه. زفر بإنزعاج. فبدلا عن شكرها لصنيع المعروف. اساء الفهم متصرفا بغباء. نظر إلى صغيرته قائلا.
: ماتعرفيش اسمها حياة ايه يا حياة.؟

لم ترد الصغيرة عليه. غفت غارقة في نوم عميق فوق قدميه تحتضن جروها الصغير بين يديها. ابتسم يرتب خصلات شعرها للوراء مقبلا جبينها. ثم حملها نحو غرفتها. يفكر في خيط ما يوصله إلى تلك ال طنط حياة الطيبة حيث أساء الفهم وعليه الاعتذار...

عرس آخر. طبول وانوار متراقصة. وكل متأهب على قدم وساق. حيث كبير البلدة بذاته بين الحضور في استثناء لهذا العرس خاصة. يجاوره كلا من سالم واسماعيل. وعوض وهو الجد للعروس. حيث عقد القران. ومرة أخرى. عرس بالإجبار. ومرة آخرى السبب رصاصة. يوقع اسماعيل فوق سطح الورقة بملامح جامدة. لا تدل على اي آثر للفرح. لم يرغب حتى في رؤية العروس. فقط وافق لحقن الدماء. ذاعناً لحكم كبيرهم. هلل الحضور وعلت الزغاريد. كناية عن اتمام الزواج. بينما في غرفة مغلقة. موصدة عمدا. في سبق لأول مرة من نوعه. لم تحضر العروس ليلة زفافها. دائما ما تتزين العروس بألوان الفرح. وهي تزينت بالوان قاتمة تلون جميع جسدها ولم تكن بريشة فنان. كانت الريشة سوط اجاد تشويه جسدها بجدارة، تضع يديها على أذنها في معارضة لكل ما يحدث. تنهار باكية. تنظر إلى السماء مناجية الخلاص. هي لا تريد الزواج وكفى. لا حق لهم في إجبارها. لكن لم يكن هذا سبب بكائها. هناك اجبار من نوع آخر. حيث هي حورية البحر. التي يجبرها احدهم على التحليق طائرة في السماء، هناك مبادئ بالفطرة. لا علاقة لها بالبيئة المحاطة. وهي حورية البحر. التي ستحلق تحت السماء. دون اجبار. ستحلق راغبة. تاركة ذلك العالم المسيء لفطرتها، انتفضت إثر فتح الباب حيث حان موعد تسليم العروس. عروس مغلفة بالموت.

دخل عوض يتجه إليها قائلا بجبروت ونبرة غامضة.
: قومي يالا عشان تروحي مع جوزك.
تتساقط عبراتها تتوسله رأفة لا وجود لها بقلوبهم. تنحني مقبلة يديه برجاء حار.
: ابوس ايدك يا جدي بلاش. ابوس ايدك مش هقدر والله مش ه...
صرخة قطعت بها حديثها. حيث قبض هو على خصلات شعرها بعنف يجذبها للأسفل رافعا وجهها إليه قائلا بهسيس مرعب.

: اسمعي يابت انتي اني خلاص صبري نفد منك. لو ما نفذتيش اللي بنقولك عليه قسما عظما، اكون متوايكي وماهخلي الدبان الازرق يعرفلك طريق جره. واياكي تفتحي بقك بكلمة. قدامي يالا...
قال كلمته الأخيرة دافعا اياها بقوة للأمام. استقامت حور تمسح عينيها بقهر. ليكمل هو قائلا
: مستنيكي بره. اعدلي خلقتك دي وحصليني...

خرج مغلقا الباب. خرت هي باكية بحرارة تنعي حظها العثر بوجودها وسط هؤلاء الذين لا يمتون للإنسانية بصلة. رفعت عينيها الممزوجتين بحمرة البكاء الى السماء قائلة.
: يارب. يارب خليك جانبي يارب.

بينما في الاسفل امام منزلهم وبعد انتهاء العرس. وقفوا جميعهم بانتظار العروس، سالم برفقة كبار البلدة يتبادلون التهاني والمباركات. بينما زفر اسماعيل حانقا بتذمر. متجها نحو سيارته غير عابئا بركوبه وعروسه معا. والجدة وفاطمة كلا منهما يجلسان بسيارة اخرى يسوقها احد رجال سالم. بينما هي خرجت بخيلاء تخطو على اوتار عشقه لها مرفرفة كفراشة ما. سرقت لب الجميع بالحفل. بينما واحد فقط. واحد فقط سرقت قلبه دون انذار. اتجهت إلى السيارة القابعة بها والدتها وجدتها للركوب جوارهم. بينما هو ترك الجمع مستأذنا يتجه إليها قبل ركوبها.

: قمر.
ناداها على بعد خطوات منها وكادت هي ان تفتح باب السيارة لتركب. التفتت له فخر قلبه صريعا لنظرة عينيها. ود فقط لو تخلو الدنيا. لو يخلو العالم من كل شيء. سواهما فقط. اطال النظر إليها. فردت بتبرم واقتضاب.
: خير في حاجه يا واد عمي.؟
حمم قائلا
: ااا. لا مافيش، هتركبي فين اومال.؟
رفعت حاجبيها باستغراب قائلة
: كنت هركب مع امي وجدتي.

وقبل ان يرد خرج عوض من باب المنزل بحور تمسك بيديه تخطو ببطء وكأنها تخطو من جحيم نحو جحيم آخر. لم تراه. لم توافق من الاساس على هذه الزيجة. او بالأحرى هذه الخطة المدبرة. اقترب بها من السيارة وقد لاحظ اسماعيل قدومهما نحوه. لم يكلف نفسه والنزول لاستقبالها فقط تنهد بثقل ينظر امامه غير عابئا بها. فتح عوض لها باب السيارة فركبت هي وكان الختام منه.
: خلي بالك منها يا ولدي.

جملة روتينية. لا معنى لها فقط تقال لمواكبة الموقف. فهو بعيد كل البعد عن القلق عليها. هي لا تعني له اي شيء من الاساس. بإيمائة مقتضبة رد اسماعيل عليه دون كلام. وأدار محرك السيارة منطلقا بها. اغمضت عينيها باستسلام وليتولى القدر امر خلاصها.
بينما سالم يقف جوار قمر، . طرق على السيارة بجواره قائلا.
: اطلع يامحروس واني هحصلك.
لتهتف فاطمة محدثة قمر.
: اركبي يابتي يالا.

: لا يامرات عمي اطلعوا انتوا قمر هتركب معايا.
هكذا قالها دون تفكير، اراد هذا وفقط.
نظرت اليه بتعجب وقبل ان تعارض انطلقت السيارة فأخذت تسب محروس سرا...
وضع يده خلف ظهرها دون لمس، يشير إلى سيارته باليد الأخرى. ليسيرا معا. ناداه أحدهم من الخلف. فأمرها بركوب السيارة وسيلحق بها، التفت بجميع جسده يحدث مناديه قائلا
: خير يا محسن بيه.؟
حمم محسن قائلا بابتسامة واسعة.

: كنت عايز اجي اشرب معاك الشاي ونتكلم في بيع المحصول، انت لازم تعمل لي خاطر دون عن الباقي.
اومأ سالم نصف ايمائة بطيئة قائلا دون ابتسام
: انت فوق راسنا يا محسن بيه. تاجي تنور في اي وقت.
التقط محسن يديه مسلما بحفاوة يشكره قائلا
: تسلم يا سالم بيه. هكون عندك بكره بعد الضهر.

انتهي سالم من الحديث معه متجها نحو سيارته. جلس جوارها. ينظر اليها وكأنها قطعة مغناطيسية ونظراته معدن ما. تجذبه كليا نحوها. نظرت اليه فجأة فنظر امامه سريعا يتصنع تحريك السيارة. ادار المحرك يحظى ببعض الوقت منفردا وقمره فقط...
بينما خلفهم مباشرة. احدهم يصفف شاربه بحالمية ناظرا في اثرهم. احدهم يمني نفسه بالقمر خاصته...

وصلت العروس إلى بيت الزوجية. في مهمة ما عليها اتقانها ببراعة ولا مجال للفشل. نزل اسماعيل من السيارة وقد وصل اولا. وهي غارقة في دوامة كابوسية تعج بالافكار والتوقعات المخذلة. لم تلاحظ وقوف السيارة ووصولهم. زفر بعنف يتجه ناحية الباب خاصتها. ليفتحه بتعصب قائلا باقتضاب.
: انزلي.

اجفلت. نظرت له بخوف من خلف وشاحها الابيض الذي يمرر وسامة ملامحه اليها ببشاعة وقبح. وربما كانت تراه من خلف حديث جدها لا وشاحها. أدلت بقدميها مترددة. ببطء وقفت قبالته وكم بدت صغيرة بقصر سنفوري الشكل. وصاحب الطول الشرشبيلي ينظر إلى السماء بضجر. زافرا بعنف. فإنكمشت على نفسها بخوف. اشار لها لتتقدمه نحو المنزل. فخطت برهبة متمهلة تذدرد ريقها ببطء. وهو يقلب عينيه خلفها بملل. اطلت ام السعد بالزغاريد العالية تشق الصمت بالمكان. ولحظة توقف بها الكون حولهم. رجفة. انتفاضة ما اصابت خافقه عندما انكمشت تلك الصغيرة تتحامى به داخل عبائته بخوف متشبثة بملابسه تغمض عينيها بقوة. اذدرد ريقه ينظر اليها بتعجب لثوان. ليزعق في ام السعد بعدها ينهرها قائلا.

: جرى ايه يا ولية،؟ كفايا اجفلي خشمك.
نفضة اخرى. نفضة ادراك. ابتعدت عنه تنظر إلى الأرض بخجل لما فعلت. لن ينكر ان ابتعادها ازعجه. نفض غبار عبائته الوهمي يشير اليها إلى الداخل وتلك المرة سبقها هو. ما ان دخل تحدث قائلا لام السعد.
: اطلعي عرفيها طريق الاوضة بتاعتها. وشوفي لو محتاجه اي حاجه.

تنفست الصعداء عندما خص الغرفة لها فقط. المسكينة ظنت انها تمتلك بجحيمها الجديد غرفة خاصة لها وحدها فقط. تبعت ام السعد بسعادة غامرة كونها لن تقابله هذه الليلة مجددا. لا تدرك ان من طقوس الجحيم المقدسة. لقائه في كل ليلة...
بارتعاش اخذت الهاتف تتصل بذلك الرقم المجهول الذي اخذت والدتها تحفظه لها عن ظهر قلب. فلا يمكن تسجيله بهاتفها. ضغطت على زر الاتصال. وما ان آتاها الرد حتى انخرطت في بكاء قائلة.

: ماما. ارجوكي تعالي خوديني انا خايفة اوي.
ومن الجانب الآخر تمط شفتيها بملل. تحدث نفسها. الحمقاؤ ستتلف الخطة. ستودي بكل شيء خططت له. جزت على اسنانها تحاول التحدث بترو. قائلة
: اجي اخدك ايه بس يا يمنى.؟ انتي مش عارفة اني هربانه. وان ممكن في اي لحظة يتقبض عليا.
ردت يمنى من بين بكائها
: ماما انا بخاف منه. انا مابنامش. خايفة انام ليموتني زي ما موت عمر، ارجوكي تعالي خوديني.

احترقت انفاسها. ما ان تذكرت مشهد موت ابنها. تعلم تماما انه لا يمكنه إلحاق سوء بيمنى. منذ ولادتها وهو مسئول عنها كأبيها وحتى بلوغها. يعاملها دائما كإبنته. يدللها دلالاً خاص ربما لأنها تشبهه. تشبه مبادئها مبادئ حنان كثيرا. زفرت بنفاذ صبر قائلة
: طيب يا يمنى إهدي. هو بيجي امته؟
هدأت يمنى تجيبها شاهقة
: اتصل بيا قاللي انه هيتأخر.؟

رمشت ناهد بتفكير على الجهة الأخرى من الهاتف. عليها تهدئة ابنتها كي لا يظهر عليها شيء. فأهداها تفكيرها. او شيطانها. إلى
: طيب يا يمنى. انا جايالك.
هو غائب!، إذا فهناك فرصة مواتية لشيطانها. فرصة يعزز بها خطته. يصقلها. يضمن كثرة ضحاياه...
إيمائات متتالية صدرت منها تمسح دموعها المتساقطة بغزارة. اغلقت الخط بانتظار والدتها. وشخص آخر.
وما يخبأه القدر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة