قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثامن والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثامن والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثامن والثلاثون

دخل منصور إلى المنزل. تسبقه حنان بلهفة مندفعه باتجاه قصي. تتسع عيونها محملة بسحابات من الدموع. تمرر يديها على وجهه وصدره وذراعيه تتفقده متحدثه بجنون.
: انت كويس.؟ انت كويس صح؟ صح.؟
نظر قصي إلى منصور مستغربا حالتها. ليلاحظ نظراته لها بألم. دائما ما كانت روحها حانيه هادئة لايشوبها ذلك الخلل كما هي الان. اومأ لها قصي يطمئنها قائلا وقد ادرك مصدر خوفها
: انا كويس ما تخافيش. مش هتقدر تعمل حاجه.

إلى هنا وقررت عينيها افراغ حمولتها. لتتساقط دموعها سريعا تحتضنه بقوة. بادلها هو الاحتضان لتتركه تنفي برأسها بعنف قائلة
: هتاخدك مني تاني.؟ مش هسيبها تاخدك مني تاني.
تبادل ومنصور نظرات قلقة ليقترب منصور منها يحيط كتفيها بذراعيه في احتواء يبتسم بهدوء قائلا
: حنان. ما تقلقيش مش هيحصل. مافيش حد هيقدر ياخده مننا تاني.

وضعت يديها على فمها تكتم شهقات بكائها ليحتضنها منصور يشير إلى حياة بعينيه ان تتقدم. لتمسح الأخيرة دموع عينيها سريعا بظهر يديها تقترب منه ليتحدث قائلا
: خديها تستريح فوق شوية. اومأت له تسندها من بين يديه تتجه بها نحو الدرج. تنهد منصور بحزن يتجه نحو مكتبه مشيرا لقصي باتباعه.
ولج كل منهما إلى المكتب، ليتحدث منصور قائلا وقد ظهر اشتعال جمرات الغضب بعينيه.

: في وسط مستشفى وحراسه وكاميرات وقدرت تهرب. قدرت تهرب من تحت ايدي تاني. و يا عالم هتقدر تعمل ايه تاني.
التفت الى ولده ينظر اليه بحزن مردفا
: انا اكتر واحد يعارف اسلوبها الحقير وطريقة تفكيرها القذر. بس مش قادر افكر ممكن تكون هربت فين.
اطلق قصي ضحكة ساخرة خافته يتحدث بمرارة. نظرته وكأنها تمتلك شهادة خبرة في الألم قائلا.

: بيتهيئلك. ما حدش يقدر يعرف هي بتفكر ازاي. بس اللي انا عارفه كويس انها بتعرف ازاي تستخدم اللي حواليها لصالحها. و انها مش هتقدر تأذيني ماتقلقش.
: انت مش هدفها، وعمرك ما كنت هدفها يا ابني. انت كنت وسيلة لتدمير الهدف.
قالها منصور بنبرة مدركة تماما لمدى مفعول السم بتفكيرها...
نظر اليه مطولا وقد بدت شارات الحرب بحدقتيه. ليكمل منصور قائلا بجد ويبدو انه ادرك نظرات ولده ملطقتا منه شارات الاستعداد.

: المهم. احنا مش هنستنا كده لحد ما تعمل مصيبة تانيه. لازم نعمل حاجه.
يعجز الجميع عن فهم سياستها. عن اختراق سواد افكارها. اختبار على اي درجة من الظلام هي. و هو استثناء. حيث رد قائلا بنظرة غامضة
: مافيش قدامنا غير حل واحد. لازم نستنى. لحد ما نمسك الخيط اللي هيوصلنا ليها. او الشخص اللي هتحركه.

حيث تلك المنافسه بينهم. ما هي إلا رقعة شطرنج. يجيد هو خوضها. و ليصل إلى تحقيق الفوز. سيتيح لها فرصة تحريك أول بيدق...
في وقت متأخر من الليل...

صعد الدرج وصولا امام منزله. فتح الباب ببطء قاتم. مظلم كما هي نظرة عينيه. فاقد الروح. محترق الانفاس. اما عن القلب. فقد تركه نازفا هناك. ترقص على دمائه تحت قدميها. وربما تستبدلها بحناء العروس. مرارة تجسدت بضحكة ساخرة جوار ثغره. كلماتها كانت كنصل حاد. مسموم. يحمل لعنة ما تبقيه على قيد الحياة فاقد القلب والروح. و يتوالى فقد الأشياء التي لا يمكن استعادتها. حيث اتسعت عينيه لآخرهما بقبضة بركانيه تقضي على ما بقى له من نور. عندما رأى عصا جدته ملقاه بعشوائية مخيفه وسط المنزل. وبعدها بعدة أمتار يهوي جسدها أرضا في استسلام تام لإرادة القدر.

: تيتا. تيتا.؟
صرخ بها حمزة بجنون وكأن نبرة صوته تستجدي نورها البقاء بين ظلامه. لم تستجيب له. اسرع بفزع يخرج هاتفه من جيبه فلم يجده بحوزته. نظر حوله يبحث بهيستريا ليجد هاتفها ملتقطا اياه بجنون لاهثا بأنفاس متقطعه واضعا اياه على اذنيه صارخا
: اسعاف بسرعه ارجوك.
تركته شمسه آبيه. غير راضية عن ترك شعاع نور واحد له. تتبعها النجوم تاركة سماء حياته معتمة. مظلمة تماما. تلائم ظلمتها فراغ روحه...

يقال ان الغاية تبرر الوسيلة. وغايته هو لا تبرر فقط. بل تتيح خداع الوسيلة. اغوائها. تضليلها. جذبها لتحقيق غايته، انثنى ثغره بابتسامة شيطانية تنبأ عن بلوغ مبتغاه قريبا. يجلس على كرسي مكتبه باسترخاء تام. يتحدث إلى أحده‍م هاتفيا. تلتمع عينيه وكأنه يراها امامه. وسيلته.
: متأكد من اللي بتقوله ده.؟
ليأتيه رد الطرف الآخر عبر الهاتف قائلا
: عيب ياباشا انت عارفني. متأكد ميه في الميه.

اتسعت عينيه بابتسامة ماكرة قائلا
: اسمعني كويس. عاوز كل حاجه عنها. اي معلومة حتى لو مالهاش لازمه. كل حاجه تخصها بالتفصيل. فهمت
: تمام ياباشا. طب والتانيه سعادتك.؟
اعتدل في جلسته يتنهد بظفر قائلا
: التانية انا عارف هجيبها ازاي. المهم تخلص اللي قولتلك عليه.
: أوامر معاليك يا مراد بيه.
انهى المكالمة ينظر امامه بشرود وابتسامة قاتمة. بضعة خطوات فقط ويحصل على ما يريد.

اخرج من درج مكتبه بطاقة ذاكرة ليوصلها بجهاز الحاسوب الخاص به. تحتوي على ملف واحد فقط بداخله فيديو صغير. بضع ثواني لا أكثر. سيصقل بها خطته الدنيئة. ابتسم بفخر وانتشاء.
يضحك بخفوت. ثم علت ضحكاته شيئا فشيئا حتى دوت من حوله بصخب و خلل هيستيري...
في صباح اليوم التالي...

جلس امامها وكأنه ينظر لعالمه. لعلة وجوده في الحياة. حتمية وجودها معه امر بديهي. مسلم به. هي له. جزء منه. و ان كل منهما للآخر فكر راسخ بداخله. كيف ومتى.؟ لا يعلم. يتلخص الجواب بسرمديه مبهمه، تفتح عينيها بتثاقل. ثم تغلقهما سريعا بقوة وتفتحهما شيئا فشيئا لإعتياد ضوء الغرفة. وابتسامه تنضح بالعشق الذي فرض سطوته على قلبه. وما ان التقت نظراتهم حتى تشوقت أذنيه لهفة لاستماع صوتها من جديد.
: سالم.

اختفت ابتسامته فجأه. باتساع طفيف بحدقتيه. نبرة صوتها. لم تكن نبرة تلك الطفلة كما كان يظن. بل نبرة ناعمه ذات دفئ خاص. أذابت مشاعره في انصهار تام. اذدرد ريقه متعطشا للمزيد من سالم تخرج من بين شفتيها. بينما اكتملت رؤيتها له بجوارها تلتهم عيونها ملامحه بخوف. تتفقده. لتتحدث سريعا بلهفة وكلمات مبعثرة.
: انت زين صح.؟ كان في واحد متخفي. ماسك سلاح. كان عايز يطخك وانت ما شايفهوش.

انهت كلماتها لاهثة وكأنها تركض خلف جواد ما. وغارق هو حد الثمالة بصوتها ونظرة عينيها. بلع ريقه متحدثا بإيمائة هادئة وابتسامة صغيرة
: ما تشغليش بالك. لمهم انتي دلوجت. حمدالله على سلامتك يا جمر. ليه عملتي اكده.؟

تسارعت خفقاته تنبض بعنف مع سؤاله الأخير. اراد اجابة معينه بذاتها. متلهفا لسماعها. وان لم يكن، فذلك لن يغير من معتقدات عشقه. اما هي. نظرت الى عينيه مباشرة للحظات. تتسائل. اتخبره بحقيقة عشقها له وانها على استعداد وبكامل الرضا ان تعيد الكرة اذا لزم الأمر.؟ اخفضت نظراتها عنه تجاوبة بما لم يروي لهفته قائلة
: اني. كنت واجفه في الشباك. شوفتك انت و...

صمتت بوجوم. تتحول نظراتها لنظرة اسى. متذكرة عرسه وعروسه وذلك اليوم الذي رأته فيه خارجا من غرفتها بهيئة مبعثرة. لتبتلع غصة قاتلة تشق داخلها مرورا بقلبها. تكمل بخزي لم يلاحظه هو
: انت وعروستك. ولمحت حد واجف بعيد. لافف حاجه على وشه. وماسك سلاح. ولما لجيته قاصدك. ناديت عليك بس ما سمعتش. ماسمعتنيش. ما دريتش بحالي غير وانا واجفه جدامك مافكراش حاجه واصل بعدها.

اتسعت عينيها لآخرهما تضع يديها على فمها. نظرت اليه تنقل يديها الى رقبتها مردفة بفرح وسعادة.
: اني ناديت عليك. ايوه. صوتي رجع. صوتي رجع تاني.
قابل سعادتها بابتسامة واسعة قائلا
: حمدالله على سلامته. وسلامتك يا جمري.
وعقب كلمته الأخيرة مباشرة تساقطت امطار دموعها. بين فرح وحسرة ولا يستطيع احد ان يفرق بينهم سواها. ليكمل هو على ما تبقى لها من ثبات امام دفئ لمسة يديه مزيلا بها دموع عينيها قائلا بحزن مصطنع.

: بكفايا خلاص ما تبكيش. ما هجولكيش يا صوت البجعة تاني ما تخافيش. ولو ان صوت البجعة ارحم.
ومن بين بكائها ضحكت بخفوت. لتتألم بعدها تضع يديها على صدرها مكان الرصاصة. و يشتعل الغضب بداخله متمنيا فقط رؤية من الحق بها ذلك الأذى امامه. فقط يراه ولن يترك له بقايا على قيد الحياة. لتسأله وكأنها خاطرت افكاره قائلة
: مين ده وكان عايز يطخك ليه.؟
تحولت عينيه ينظر امامه بنظرات شرسة. فاتكه. يتحدث متوعدا له بشر.

: تار ابوه اللي جتلته عشان اخد بتار عمي الله يرحمه. بس ورحمة ابوكي وابويا في تربته لهخليه يشوف نار جهنم على الارض. وما هيكفيني فيها دم عيلته كلاتها...
: لا. احب على يدك ياواد عمي. بكفايا دم. اني زينه اهه. ما تضيعش نفسك عشان خاطري.
قالتها بلهفة خائفة وعبرات متجمده داخل عينيها. تتشبث بأكمام ثوبه بهلع. ليقاطعهم دخول فاطمه. تطلق زغاريد فرحه لنجاة ابنتها الوحيدة. لتبتسم لها قمر تمد لها يديها قائلة.

: بكفايا يا اما احنا في المستشفى مش في الدار.
اندفعت فاطمة تحتضنها مفرقة اياها بوابل من القبلات تتحدث وتسبق دموعها حروفها قائلة
: حمدالله على سلامتك يا بتي. الف حمد وشكر ليك يارب.
استقام سالم منسحبا بهدوء عندما دخلت جدته إلى الغرفة تتجنب النظر إليه تتوجه بكرسيها نحو قمر قائلة
: كيفك دلوجتي يابتي.؟
: زينة يا جدتي.
قالتها قمر بفرحة ترفع صوتها عن قصد. لتتحدث جدتها تربت على كتفها قائلة.

: اتحوشت صوتك جوي يا بتي. سبحان الخالج. جمر وكيف الجمر صح.
جلسوا جميعهم بتبادلون الحمد والثناء لسلامتها لتتحدث قمر بتندر متسائلة
: اومال فينها بت عمي.؟ ما جاتش تطمن على صحتي يعني.؟ آه معلهش نسيت انها عروسة ما هتخرجش من الدار.
ومهما بلغت طيبة القلب فغيرة العشق تطغو. وفي قاموس العشق تعد هي غريمتها، . لتلاحظ تبادل نظرات الحزن بين جدتها و والدتها. مررت نظرها بينهم بتسائل قلق تردف بخفوت خائف.

: اوعى تجولي جرالها حاجه يا اما.؟
نفت فاطمة براسها تتساقط عبراتها قائلة
: لا يا بتي ما جراش حاجه هي، زينه. ده حتى كتر خيرها. لحجتك من الموت. لولاها ما كنتش شوفتك تاني يا نضري.
ضيقت قمر ما بين حاجبيها بتسائل لتقص على مسامعها ما حدث في الليلة الماضية.
: حاجة يابتي لو اختك بت امك وابوكي ما كانتش هتعمل اكده.
اطرأت قمر برأسها آسفة. تنهر نفسها. شاعرة تجاهها بالامتنان لترد قائلة.

: فينها يا اما.؟ ما جاتش معاكم ليه.؟
لتجيبها الجدة قائلة
: مشت مع اخوها يا بتي.
بعدم فهم نظرت لها قمر لتردف الجدة بما جعلها تشهق متسعة العينين باستنكار.
: بعد ما سالم واد عمك اخد ورثها، وهتك عرضها بالغصب.
واتبعت كلامها بنظرة حزن ساخرة
: و جرر يكفر عن غلطه ويتجوزها.

عاصفة ما. اقتلعت افكارها نحو دوامة لا نهاية لها. ظنت ان الامر تم بموافقتها. باغوائها له. عندما رأته خارجا من غرفتها ظنت هكذا. هتك عرضها قسرا. كيف له ان يفعل. أخذت افكارها تدور حول حديث جدتها البركاني. تتركز على فكرة واحدة. ليتها لم تنجو. ليتها كانت الرصاصة القاتلة وما بعدها موت...

جلس بمكتب صديقه الطبيب الذي أخبره بضرورة اللحاق به إلى مكتبه. ينتظر وصوله بالأشعة الخاصة بحالة جدته. استقام يسأله بلهفة. قائلا
: خير يا حازم. فيها ايه الاشاعة.
حاول صديقه الابتسام يتصنع عدم القلق قائلا
: اهدى يا حمزة واقعد ما تقلقش.

جلس كل منهما. ليتفحص الطبيب الاشعة امامه بتركيز. ينظر حمزة الى عينيه مباشرة بترقب قلق. نزع الطبيب نظارته واضعا ما بيده على سطح المكتب. يمسح على وجهه بعنف. ليزفر قائلا بأسف
: انا كنت شاكك من الاول. لكن الأشعة دي بتثبت ان شكوكي في محلها.
: حازم اخلص لو سمحت بدون مقدمات.
قالها بنفاذ صبر واندفاع. ليتحدث الطبيب قائلا.

: جدتك بتعاني من مرص خبيث في المخ. و للأسف في حالة متأخره جدا. العلاج معاها مضيعة وقت. مافيش امل غير انها تعمل عملية نسبة النجاح فيها ضعيفة جدا. انا اسف يا حمزة.
اخذ حديث صديقه يتردد صداه موازاة لخطواته بالرواق المؤدي الى غرفتها. فتح الباب ببطء. ينظر اليها بعبارات متساقطة وبكاء حار. تقدم يجلس امامها قائلا
: كده يا طوفي. عايزة تسيبيني انتي كمان. انا ماليش غيرك. عشان خاطري ماتسيبنيش.

وضع جبهته على حافة السرير باكيا. ومن بين غفوتها رفعت يديها تربت على رأسه بوهن شديد. ليرفع نظراته اليها بلهفة من بين عبراته المتساقطة. لتهديه بمشقة شبه ابتسامة ونظرة اخيرة قبل انسدار ستائرها في غفلة أخرى. ليلتقط يديها مقبلا اياها غارقا في بكاء مرير.

وقفت تعد اطيب واشهى الطعام على قدم وساق. فقد اخبرها منصور صباحا قبل ذهابه إلى العمل بحضوره على الغداء. تبرع وتفنن في الكثير من الأصناف. تقف هي جوارها. يبدو انها تساعدها. لكن في الحقيقة هي غارقة في ذلك الوعاء بين يديها. تتحدث بتذمر وارهاق تكاد تبكي قائلة
: يا ماما يعني لازم فطير. ايه لازمته على الغدا طيب. ده انتي عاملة وليمة مش غدا.
نظرت لها حنان نظرة جانبية قائلة بابتسامة حنون.

: انا بحبه وباباه بيحبه يبقى اكيد هو كمان بيحبه.
بنبرة شبه باكية تحدثت حياة قائلة
: انا مش بحبه. وايدي وجعتني اوي من العجينه دي. وشعري اتفك وبيدايقني بقى.
: يالا يا حياة بطلي دلع خلينا نخلص قبل الغدا. وادي شعرك اهو ياستي.
قالتها حنان وهي تهم بلملمة شعرها بعشوائية إلى أعلى. ليستمع كلاهما الى جرس المنزل فتتحدث حنان خارجه.

: دي اكيد الحاجه اللى انا طالباها وصلت. اعجني كويس عشان العجينة تلم معاكي بسرعة يا حياة.
نظرت حياة في اثرها بزهول لتتحدث قائلة
: حاجات من بره؟ كل العمايل دي وجايبة كمان بره.؟
بينما خارجا...
فتحت حنان الباب لتجده امامها. فتطل البهجة على قلبها باشراق. ينثني فمها بابتسامة وسع الكون سعادة. تحتضنه قائلة.
: اهلا يا حبيبي تعالى ادخل.
ولج قصي الى المنزل خلفها لتسئلة باستغراب قائلة.

: الله.؟ اومال فين منصور.؟ ده قال انكم هتيجو سوا على الغدا.
: انا لسه هروح الشركه. جيت اخد منك شوية اوراق محتاجها.
طلب منها بعض الأوراق اثبات شخصيته كإبناً لهم. لتتركه حنان بسعادة بالغة صاعدة نحو غرفتها تحضر كل ما يحتاجه، جلس ينتظر نزول والدته. اراد السؤال عنها لكنه ظن انها مازالت نائمة. لينتقل الى مسامعه صوتها الرقيق حانقا يأتي من خلفه.

: ياماما كل ده بتجيبي ايه.؟ تعالي شوفي خلاص كده ولا لسه.؟ انا تعبت.
نظرت إلى العجين بداخل الوعاء. تتحدث اليه بغيظ قائلة
: هي امه و بتحب الفطير و باباه بيحب الفطير يبقى لازم هو يكون بيحبه.؟ طب كانت تسأله طيب ما يمكن مش بيحبه.
وقف خلفها ينظر اليها كليا وابتسامة عاشقة ترتسم اعلى ثغره. وقد بدت بعفوية مهلكة. اقترب منها بخفة يهمس جوار اذنيها قائلا بخفوت.
: بحبه على فكرة.

تصلبت نظراتها فوق العجين بعدم فهم. لينظر هو بامتعاض إلى ما بين يديها قائلا باستنكار
: انتي بتزغزغي العجين يا حياة.؟
التفتت شاهقة تدفعه بيديها الممتلئة بالعجين في صدره تبتعد عدة خطوات إلى الخلف بعيون متسعة وقلب خفقاته تدوي كالطبول. تنظر اليه بصدمة.

بينما هو ينظر إلى كفي يديها من العجين ملتصقتان على صدر قميصه دون تعابير وجه مقرؤه. ظل هكذا للحظات حتى ظنت انه غاضب من تصرفها الغير مقصود. رفع وجهه نحوها ببطء. مازال على جموده. ليقترب منها بخطوات بطيئه. أكدت نظرته لها انه غاضب. الآن ستبكي. لا ليس الآن. لاحظت نظراته الموجهه نحو شعرها لترفع يديها عفويا تضعها على شعرها. فالتصق العجين بشعرها كليا. توقفت خطواته ينظر إلى ما تفعله يحاول كبح جماح ابتسامته. انزلت يديها ببطء تنظر اليها وقد اتسعت عينيها اكثر تلطم وجنتها بكفها الآخر قائلة بحسرة.

: شعري.
وقد كان لوجنتها حظا مما ناله شعرها وقميص قصي. نظرت الى كفيها معا تتجمع العبرات بعينيها قائلة بحسرة
: وشي.

لينفجر قصي ضاحكا مما تفعله. الآن حان وقت البكاء. بكت تمسح دموعها بإحراج فازداد الأمر سوءاً. حيث تمسح دموعها بكفيها الممتلئة بالعجين. صمتت. ولحظة استدراك لهيئتها التي تبدو عليها الآن. ثم انفجرت في البكاء. هدأ من ضحكاته بصعوبة. اقترب منها جاذبا كفيها نحو الحوض يفتح المياه مزيلا بقايا العجين من بين يديها. انتهى من غسل يديها ليلتقط منديل ورقي بجواره مزيلا به بقايا العجين بوجهها. مازالت تبكي ليتحدث قائلا يحاول منع ابتسامته.

: خلاص بتعيطي ليه بقى.؟
نظرت إلى وعاء العجين تتساقط دموعها اكثر قائلة
: الفطير باظ.
رفع حاجبيه بتعجب ولسان حاله يتسائل. (فطير.؟ ). لكنه تحدث بدفء وابتسامة صغيرة قائلا
: فداكي.
نظرت اليه ببرائة قاتلة. قائلة
: بس انت بتحبه.
مسح دموعها ينظر إلى وعاء العجين خلفه يخفى امتعاضه قائلا
: مش عارف ليه حاسس اني ممكن اغير رايي. جايز اطلع مابحبوش.
مسحت دموعها تبتسم بلهفة قائلة بعفوية تامة.

: بجد.؟ طب الحمد لله. اصل انا على طول ببوظه كل ما...
ادركت عفويتها لتنظر اليه تحاول اصلاح صورتها امامه مردفة بارتباك.
: مش على طول يعني. سعات وسعات.
اومأ إيجابا بثقة وكأنه على علم تام بما تقول.
انتفضت بفزع تذدرد ريقها بخوف تختبأ خلفه عندما آتاها صوت منصور زاعقا من خلفهما قائلا
: انت بتعمل ايه منك ليها هنا.؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة