قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والعشرون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والعشرون

وقف امام غرفة العمليات منذ ليلة امس. حيث الحالة حرجة. الحالة حرجة منذ زمن بعيد. كان عليه علاجها. وقف يبكي دموع الخوف والقلق عليها. رغم كل ما فعلته. مازال ذلك اللعين النابض بداخله يعشقها. يتألم لفقدها. يحبها وهي لم تلتفت مجرد التفاتة اهتمام لذلك الحب. ابتسم بسخرية. حب اعمى. اعماه هو عن كل شيء سوى رغبتها. وحب آخر. حب اسود. أو ربما حب لا مسمى له. اعماها هي عن رؤية قلوب تفني لها روحها فداء. قلوب محبة. كنز لم تستطيع استعادته مرة اخرى. حيث ألقت به بكل رضى في محيط عميق. محيط حقد ابتلعه حتى القاع. انتبه الى خروج الطبيب. نظر اليه يصم اذنيه عن ما يقال. يخفق قلبه بشدة. وكأنه على وشك اصدار حكم انتزاع روحه. توقفت نبضاته. عندما تحدث الطبيب قائلا بأسف.

: احنا عملنا كل اللي علينا. لكن للأسف الحالة دخلت في غيبوبة. نتيجة تضرر جزء من الدماغ بشكل مؤقت.
نظر الى الطبيب بتيه. حتى تركه ذاهبا فظل ينظر في أثره بشرود حزين. قطعه خروجها ممددة على سرير نقال. غارقة في سبات طويل. عالم موازي لا ترى فيه سوى سواد. فاقدة القدرة على اليقظة. التجاوب. التفكير. ، فرصة. وربما هدنة. لإصلاح ما افسدته...

خرج من الشركة برفقة حمزة. او بالأحرى برفقة غضب حمزة. توجه كل منهم الى سيارته. وقف حمزة يشير له بالسير أولا. ابتسم آدم باستغراب. ثم تحرك بسيارته ليتبعه حمزة متحركا بالسيارة خلفه. يعلم صديقه جيدا. وعلى ماذا تربى وسط اجواء وبيئة غربية. لكن عند ذلك الحد فلتنهار غربيته. زفر حمزة بغضب منزعج مما صدر فعله من آدم...
التقط آدم هاتفه يتحدث قائلا بغموض.

: سارة فؤاد حافظ. عاوز كل حاجه عنها. كل معلومة كبيرة او صغيره. تبقى عندي بالليل.
ثم اغلق الخط. يتنهد براحه. وابتسامة بدأت تظهر على محياه. حيث صورتها امامه في مخيلته...
نهضت من الفراش تتجه نحو حمام غرفتها. توضأت واخذت تحمد الله في صلاتها. تدعوه ان يقرب بينها وبين ولدها. ان تقر عينيها برؤيته بعد كل تلك السنوات.

. استقامت من الصلاة. يملئها عزم رهيب. قوة غريبة. عليها استعادة حقها المسلوب. عليها استرداد روحها. عليها استرجاع ولدها. كان قلبها على يقين من انه على قيد الحياة. وقد صدق. خرجت من غرفتها تنزل الدرج متجهة الى مكتب منصور. فتحت الباب بمعالم وجه ساكنة تماما. استقام منصور يتجه اليها ما إن رآها. تقدمت منه تنظر الى عينيه مباشرة. وهو ينظر لها بحزن.
: عاوزة اقابلها.

نبرتها استعدادا لحرب. وكأنها جندي تأهب لإستعادة وطنه. اقترب منصور يضع. كلتا يديه على ذراعيها بإحتواء قائلا بهدوء محتوي
: كل اللى انتي عاوزاه هنفذه.
ومع احتوائه تنحى الجندي. وظهرت الأم. تساقطت الدموع من عينيها. تتحدث ببكاء. ونبرتها تلك على قلبه كالسيف.
: عاوزة اسألها. ليه. ليه عملت فيا كده؟

احتضنها منصور سريعا بين ذراعيه. لتطلق هي آه خافته. من بين بكائها. وعيون حاضنها تشتعل. يتوعد لمن كان سببا في آلامهم...
وقف في بالمطار امام نافذة المرور الى الطائرة. يبتسم بسعادة. آخذا الباسبور الخاص به متجها الى صالة المسافرين لإنتظار موعد الطائرة. اتسعت عينيه. وتلاشت ابتسامته. عندما آتاه صوت شريف من خلفه. يمسك بيديه جيدا. يقيده بأغلال حديديه قائلا بابتسامة مصطنعه.

: على فين ياراجل. سايبنا كده وماشي من غير ما تعزي في صاحبك.
نظر له باسم وقد اتسعت عينيه اكثر يذدرد ريقه بصعوبة يمرر نظره بين قوات الشرطه. تحدث شريف قائلا يحثه على الخروج ساخرا
: يالا. يالا بسوم. البوكس مستنيك بره ياحبيبي
ثم تحولت معالم وجهه الى الغضب الشديد زاعقا يدفع باسم الى الخروج من المطار
: قدامي.

تحرك باسم برعب شديد الى الخارج. حيث لم تكن سيارة الشرطة فقط بإنتظاره. بل كان بإنتظاره شخص ما. على عجلة نارية. يرتدي سترة جلدية من اللون الأسود. وخوذة. كل معالمه مختفية تماما. وسلاح ناري كاتم للصوت. ورصاصة.

رصاصة اخذت امر التنفيذ اذا رأت باسم مرة ثانية بعد دخوله الى المطار. ومن بين الحشود وباسم مقيد اليدين خارجا من باب المطار يمسك كل شرطي بإحدى ذراعيه. فجأة. سقط باسم من بين يديهم. برصاصة في منتصف جبهته. نظر شريف اليه متسع العينين لينظر حوله سريعا يلمح تلك العجلة النارية. تتحرك كالصاروخ على الجانب الآخر المعاكس للطريق. ركض شريف وصولا الى المكان الذي اطلق منه. لكن بعد فوات الأوان. وقف غاضبا يشد شعره بيده الى الخلف. حيث اختفت العجلة النارية على حد بصره. ولم تستطيع سيارة الشرطة اللحاق بها لوجودها في الجهة المعاكسة. عاد الى باسم مرة أخرى. يركض المارة من بشاعة المنظر. حيث جثة جاحظة العينين. و نافورة دماء صغير تتدفق من رأسه...

دخل قصي من البوابة الرئيسية للمنزل. يرتدي حلة رمادية وقميص باللون الأسود. تقدم نحو الباب الداخلي للمنزل حيث موعده مع منصور. وقبل ان تلمس انامله الجرس. توقفت يديه في الهواء، تتجه نظراته و جميع حواسه الى جواره. لمحها. تجلس على ارجوحة صغيرة بحديقة المنزل، ترتدي فستانا ازرق و حجابا بلون السماء تلفه بإهمال حول وجهها. تستند برأسها على ركبتيها. تلف ذراعيها حول قدميها. شارد بحزن في اللا شيء امامها. تقدم نحوها لا إراديا. كم هي جميلة. لا يشوب جمالها سوى تلك النظرة الحزينة بعينيها. لا يعلم كيف ومتى استحوذت على كل مشاعره. تفاجأت به فأنزلت قدميها جالسة. وتلك الهالة من الإطمئنان والأمان تحيط بها بمجرد وجوده. جلس جوارها يبتسم تلك الابتسامة الصافية التي يختصها بها فقط. سرعان ما تلاشت عندما لمح بعينيها بقايا دموع قد علم فورا مصدرها، فسألها قائلا.

: زعلانه عليه.؟
وقبل ان تجيبه. نظرت امامها بشرود وبدأت الدموع تتساقط من عينيها واحدة تلو الأخرى. ود وبشدة. جذبها والآن الى داخل احضانه واستنشاق عبيرها. بين ذراعيه. مزيلا عنها ذلك الحزن. رفعت يديها في محاولة منها لإيقاف تلك اللآلئ المتناثرة من مقلتيها بظهر يدها. هل يمكنه ان يتولى هو عنها تلك المهمة.؟ ود وبشده. ساد صمت قصير بينهما قطعته هي عندما تحدثت قائلة بهدوء شارد من بين دموعها.

: حاجه صعبة لما تبقى غصب عنك جزء من حد كارهك. كاره وجودك.
تساقطت الدموع اكثر نزولا من عينيها. ابتلعت غصتها مردفة
: غصب عنك بتلاقي نفسك زعلان على الحد ده.

شرد هو الآخر للحظات متذكرا والدته. ترى اذا حدث لها مكروه ما. هل سيحزن. هل سيذرف الدموع من اجلها.؟، نفض تلك الأفكار عن رأسه منتبها اليها. تراوده تلك الفكرة بإحتضانها مجددا. مسحت عينيها بقوة وكأنها تجبرها على التوقف عن ذرف تلك الدموع. ثم نظرت الى ذراعه المصاب. تسأله بإهتمام
: عامل ايه دلوقت.؟
وعادت تلك الابتسامة تتراقص على محياه. رد مشيرا الى ذراعه يسألها ذلك السؤال الذي كان يلح عليه منذ افاقته.

: مين اللي خرج الرصاصة. انتي؟
نفت برأسها تذدرد ريقها بإحراج قائلة
: لاء. ده دكتور.
اوما لها بإبتسامة سرعان ما اختفت ليحل محلها نظرة تفاجأ صادمة. عندما اردفت
: بيطري.
اختفت ابتسامته ينظر الى ذراعه. ثم سألها بإستنكار
: دكتور بيطري هو اللي عالجني.؟
أومأت له ثم قالت تسأله بإهتمام واضح وضوح الشمس
: اخدت الدوا.؟
ابتسم بمعالم وجه غير مقروءه قائلا بسخرية
: هو كمان كتبلي على دوا.؟

ومن بين دموعها. ضحكت. وابتهج داخله لمرآها ضاحكة. كم يتمنى ان تظل هكذا دائما. وبينما هي في موجه ضحكها اقترب منها قليلا. ينعم باستنشاق عييرها ولو من بعيد. لم تلاحظ هي اقترابه.
فردت من بين ضحكاتها قائلة
: آسفة. بس ماكنش فيه غيره في الوقت ده.
وبعفوية تامة. وربما بحقيقة ما بداخلها اردفت
: كنت خايفة جدا عليك ومالقتش غيره قدامي.

شهقت تضع يديها على فمها بإحراج لما تفوهت به. اما هو فلمعت عينيه ببريق غامض. يبتسم بإتساع. وكأنه فاز في مسابقة ما بالمركز الأول. يتسائل بداخله هل يمكنها حقا ان تبادله ما يشعر به تجاهها.؟
استقامت سريعا تستأذن منه قائلة بإرتباك
: ااا بعد اذنك. هجيب الدوا؟
وفرت من امامه بخطوات شبه راكضة. تسب غبائها لما تفوهت به.

نظر اليها و كأنه اخذ لتوه جرعة سعادة. تحولت الى جرعة شجاعة عندما التمعت برأسه فكرة. سيباغت بها منصور اولا. تقدم يتوجه الى داخل المنزل لمقابلته. مقابلة منصور. الذي كانت عيونه تراقبهم بنظرات غامضة. دون ادراك منهم من خلف زجاج نافذة مكتبه...

جلس امامها. ينظر اليها. ممدده امامه بلا حراك. فاقدة للوعي. تاركة تلك الروح الشريرة اللتي تتلبسها ما ان تستيقظ. و سيستغل هو غيابها. نظر اليها بندم شديد. يحدثها وكأنها تسمعه وتراه
: انا السبب. انا اللي وافقتك على الغلط. لو كنت إعترضت. لو كنت رفضت. ما كناش وصلنا لكده.

استقام واقفا ينظر اليها بحزن. ثم خرج من الغرفة يجري اتصالا بهاتفه. يحاول الإتصال بعمر منذ وصوله الى مصر. ولا يستجيب للإتصال. فعاود الكرة لكن تلك المرة بيمنى. تلك المسكينة التي لا أحد يعدها في الحسبان. تبادلا التحية. فرد عبد السلام عليها قائلا عندما تحدثت اليه بدموع.
: خلاص يا حبيبتي. ما تعيطيش. كلها يومين وتبقى معانا.
ثم اردف بحزن
: هكلم قصي يستناكي، لأني هبقى مشغول اليومين دول شوية.

أذعنت الصغيرة على الجانب الآخر من الهاتف. فرد هو بتذكر قائلا
: اه صحيح. ما تعرفيش عمر ليه مش بيرد عليا.؟ مش بتشوفيه.؟
ردت الصغيرة قائلة من الجهة الأخري
: هو حضرتك ما تعرفش.؟
ضيق ما بين عينيه بترقب لما تقول. سرعان ما تحولت نظرته الى زهول عندما اردفت الصغيرة قائلة
: عمر سافر مصر من يومين. و مش رضي يستنى لما اخلص آخر امتحان وانزل معاه.

انهى المكالمة مع ابنته. يتسائل. ما الذي أتى به الى مصر. ماذا يفعل.؟ ولما لم يتحدث اليه ليخبره بمجيئه. نظر الى غرفة العناية بصدمة. ترى هل ورطته امه في انتقامها، وقف حائرا بإنزعاج وقلق على ولده. كم ناحية عليه التوجه اليها. كم شيء عليه اصلاحه. لا يعلم انه عليه اصلاح الكثير مما خربته هي...

جلس مراد بابتسامة منتصرة. امامه عمر يجلس بنظرات زائغة. يلفها بعض القلق. لم يكن يتخيل في اسوء كوابيسه ان يلقي بأخيه في ورطة كهذه. ان يهدم احلامه وطموحاته بفعلته المشينه تلك. التقط مراد هاتفه. يجري اتصالا ما. قائلا يإنسانية مصطنعه
: الو. لو سمحت عاوز ابلغ عن تاجر مخدرات. واخد شركته ستار للتجارة في السموم دي.

ليأتيه الرد من الطرف الآخر مستفسرا عن هويته وهوية ذلك التاجر. ليتجاهل هو الإجابة على هويته ويجيبه قائلا
: لو روحت شركة الزيني. هتلاقي في مكتب مدير الشركة عينة من البضاعة اللي بيشتغل فيها.
ثم اغلق الخط يضحك ضحكات هيستيرية صاخبة.
والجالس امامه ارضا يحك جسده بإضطرتب. يشبه الموتى. ينظر اليه بخوف شديد، وندم ينهش ما بداخله...

جلس قصي بمكتب منصور بعدما تبادلا التحية. وبإعجاز استطاع منصور اخفاء عاطفته تجاهه. إخفاء ارتباكه.
: انا سعيد جدا اني اتعرفت عليك يا ابني. وممتن ليك على كل اللي عملته. ومهما عملت مش هقدر اوفيك حقك
هل يمكنك ان توفي ذلك الحق بإعلان زواج فقط.
تحدث بها قصي بداخله بينما رد قائلا
: انا ما عملتش حاجه اكتر من اللي ممكن اي حد مكاني يعملها.
نظر له منصور بإبتسامة إعجاب. يلقي له بأول طعم قائلا.

: انا معنديش غير حياة. هي بنتي وكل حاجه حلوة في حياتي. هي وحنان مراتي.
وضع الطعم. وما عليه الآن سوى ان يلقيه.
: انت عايش مع والدك ووالدتك.؟
وابتهج قصي. قد ظن انه يريد معرفته اكثر لغرض آخر وبكل سرور اجابه قائلا
: عايش مع والدي ووالدتي واخواتي. عمر و يمنى.

واظلم داخله. اخواته؟ وتراجعت الخفقات الصاخبة في الهدوء تدريجيا. رسم ابتسامة متكلفة بمجهود كبير. ابتسامة متضاده مع ما بداخله. ومع طرق باب المكتب ودخول حنان بقهوة الضيف التي طلبها منها منصور عن قصد، مع تأكيده عليها بضرورة تقديمها بنفسها. كتقدير لما ورد من الضيف من شجاعة و شهامة لإنقاذه حياة. والتفاتة منه اليها يعرفها قائلا لقصي
: حنان مراتي.

عيونه كالصقر. عادت نبضات قلبه تخفق بعنف. اللحظة الفاصلة. التفت قصي يلتقط فنجان القهوة من بين يديها بابتسامة يرفع نظره اليها. والصورة امام منصور تتحرك ببطء شديد. ومع ملاقاة الوجوه. تلاشت ابتسامته. والصدمة زهول تام. واستقامة بطيئة. وتحديق. ونقطة تحتسب. و دموع فرحة تلتمع بعيون صقر قد اقتنص ما يريد. وقف امامها. توقف عقله عن التفكير. عن ابداء اي ردة فعل. ومع ابتسامتها وترحيبها به وسؤاله عن صحته الآن. هو لا يسمعها. وربما يسمعها وكأنها تتحدث من بعيد وليس بينها وبينه بضعة سنتيمترات. تشبه والدته كثيرا. بل نسخة منها. رمش عدة مرات مستعيدا تركيزه. يومأ لها بدون ان يفقه ما تقول. ومع تربيتة خفيفة على ذراعه تركته خارجه. هل يهيء له ما يحدث الآن. ظل واقفا ينظر في اثرها بشرود. يمسك بين يديه فنجان قهوته. غير مدركا انه سكب نصفه. اثر ارتباك اعصابة. والجالس خلفه بصعوبة شديدة اخفى بها دموع عينيه. وقد تأكد من كونه ولده. استقام ببطء يتجه نحوه يحاول السيطره على اعصار مشاعره. مشاعر ابوة مكبوتة لسنوات. وقف خلفه تماما. لم يستطيع ايقاف فيضان دموعه أكثر. ساد الصمت للحظات. ومع التفاتة قصي ورؤية دموعه. ونظراته المتسائلة.

رد منصور يجيب تسائلاته قائلا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة