قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والثلاثون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل الثالث والثلاثون

: كده ياماما تسيبيني من غير حتى ماتقولي انك مسافرة.
اتسعت عينيها بزهول تضع يديها على فمها. ابنة أختها.! أدركت الآن من هو الشخص الذي لن يستطيع ولدها الرجوع من أجله. ادركت ان قطعة مِن روح مَن سلبت روحها تقف بين يديها. تمر جميع آلامها الآن على مر سنوات ماضية امام عينيها. كشريط سينمائي اسود. رتيب حد الموت.
بين فطرة سلام. وانتقام. هي في صراع الآن. حبست انفاس قصي. ينظر إلى امه باستجداء.

احدهم نزع الفتيل وهما الآن بانتظار الإنفجار. تصلب جسد كل منهم. فقط ردة فعل واحدة وينتهي الأمر. اما عن الفطرة. فسلامها قد غلب، رفعت حنان ذراعيها تمسك بمرفقي يمنى تبعدها عن أحضانها. تنظر مباشرة الى عينيها. ذلك الجرم بكونها والدتها لم يكن لها يد فيه. لم تمتلك رفاهية اختيارها كأم. هكذا كانت تحدث نفسها. تناظرها يمنى بعدم فهم. حتى دنت على ركبتيها تحتضن وجه الصغيرة بين يديها بإبتسامة تمتزج بدموع عينيها قائلة.

: ماتزعليش.
وهناك في زاوية ما يقف شيطان الإنتقام باكيا متحسرا.
دفعت الفتاة بنفسها إلى احضان امها كما تظن. لتستقبلها حنان بود تغلق عينيها بقوة تضغط على شفتيها بألم.
اطلق قصي انفاسه. ينظر إلى امه بامتنان وقد حازت علوا كبيرا بداخله. حمدت حياه الله سرا لمرور الأمر. لحظات وأتى فتى توصيل الطعام. نظرت يمنى إلى حياة باستغراب توجه سؤالها إلى حنان قائلة
: مين دي يا ماما.؟

و مأزق آخر. مررت حنان نظرها بارتباك بين كل من حياة وقصي الذي انتهى من أخذ الطعام مغلقا الباب. نظر اليها يفكر سريعا في اجابة ما.
: انا حياة خطيبة قصي.
بابتسامة واسعة ونبرة حيوية قالتها حياة منتشله اياهم من ذلك المأزق. تعلقت نظرات ثلاثتهم بحياة. نظرات زهول. وشبه ابتسامة غامضة من حنان. ثم شهقة تفاجأ من يمنى قائلة بفرحة
: بجد.؟ انت خطبت يا أبى.؟

وهو بعالم آخر. عالم فاقد للنهار. عالم ليلي، حيث نظرته المعلقة بليل عينيها مباشرة. اذدرد ريقه يومأ لها إيجابا، لتتقدم يمنى بمرح تقف امام حياة قائلة بسرور
: انا يمنى اخت أبى قصي الصغيرة.
اسرعت حياة تحتضنها مرحبة بها. لتتحدث يمنى توجه حديثها إلى قصي تتصنع التذمر قائلة
: امتى. وازاي بقى تخطب من غيري.؟ كل ده حصل وانا مش موجوده.؟
نظرت حياة إلى كل من حنان وقصي نظرات ذات مغذي. لتتحدث الى يمنى قائلة بمرح.

: هو المطبخ فين. تعالي نحضر الأكل سوا واحكيلك انا على كل حاجة عايزة تعرفيها.
صفقت يمنى بيديها بحماس. لتلتفت حياة تتناول اكياس الطعام من بين يدي قصي. تومأ له بعينيها تبتسم باطمئنان. في نظرة مفادها لا تقلق سأتولى الأمر. اتجه الفتاتين نحو المطبخ لتحضير الطعام. جلس كل من حنان وقصي. يسود الصمت بينهم لتقطعه حنان تنظر إليه بشفقة قائلة
: هتعمل ايه.؟

زفر قصي بتعب. ينظر اليها بحيرة. لا يمتلك من الحيلة حتى قليلها. الأمر بات معقد. لتتحدث حنان مردفة بابتسامة تصنف جنة. وكأنها تزيل جبالا وتلال من الهموم يثقل بها ظهره
: انا ما عنديش مشكلة يبقى عندي 3 ولاد. انت وحياة و،؟

صمتت والصمت هنا يتسائل عن اسم الثالثة. لينظر لها ولدها بصمت والصمت ايضا يتسائل. كيف لها ان تكون بمثل تلك السعة من رحابة الصدر. كيف لروحها ان تغفر سنوات من العذاب والألم. فاجابها بنظرات اعتزاز. فخر بكونها امه.
: يمنى.
نظرت ارضا ثم رفعت نظراتها اليه مرة ثانية على نفس ابتسامتها قائلة
: انت وحياة و يمنى.
ثم اردفت بنبرة جادة بعض الشيء
: بس هي لازم تعرف. سواء دلوقت او بعدين ضروري هتعرف اني مش امها.

اغمض عيونه بتعب. لا مفر من اخبارها بحقيقة والدتها. هو يخشى فقط عواقب الأمر عليها. لن يستطيع خسارتها. تنهد بثقل قائلا
: عارف. بفكر أقولهالها ازاي بس خايف عليها.
ثم نظر اليها بأسف مردفا بحزن
: يمنى ما بقاش ليها حد غيري. انا اللي مربيها. ايا كانت الحقيقة ايه مش هقدر اتخلى عنها.
التمعت في رأسها فكرة. لن تسمح لتركه ولو بمجرد المرور كفكرة بخاطرها. اتسعت عينيها قليلا قائلة بلهفة.

: ايه رأيك لو اقعد معاكم هنا.؟، هي دلوقتي بتعاملني على اني امها. يمكن لما نقرب من بعض تتقبل الحقيقة بعد كده بصدمة اخف.؟

شرد بتفكير فيما تحدثت به والدته. بدت له فكرة جيدة. او على الأقل حل مؤقت. تنظر هي إليه بلهفة مترقبة تتمنى موافقته. ستفعل كل ما بوسعها فقط لتكون بالقرب منه. بابتسامة صغيرة ونصف ايمائة حصلت موافقته. لينتبه كلا منهما إلى صوت ضحكات حياة ويمنى بمرح يخرجان بين يديهما صنيتين من الطعام. وضعوا الطعام على الطاولة امامهم. لتتحدث يمنى جالسة بجوار قصي تغمز له بعينها هامسة قرب أذنيه.

: مش كنت تقولي ان انت غيرت مهنتك ل منقذ يا haro.
قطب جبينه يحاول كبت ابتسامته يحك ذقنه بيده هامسا لها بدوره
: هي اللي قالتلك كده.؟
بثقة تامة جهل سببها أومأت له يمنى تميل إلى اذنيه مرة أخرى قائلة
: بس بصراحة هي قمر و تستاهل.
نظر إلى حياة اللتي سرعان ما احمرت وجنتاها خجلا. قائلا بابتسامة صافية لم تزر وجهه منذ ايام
: انا بقول كده بردو.؟

علت ضحكات يمنى قليلا. لتدعوهم حنان إلى الطعام0 تشاركهم اياه وحياة. التي اخذت تسب حمشاقتها وتسب يمنى وتسب تلك الساعة اللتي قررت بها المجيء اليه والتحدث لأول مرة في أول نبضة نطقت بحبه داخلها...
اتسعت عينيه باستنكار ما ان لبى نداء جدته المستغيث. تقدم منهما راكضا و رجفة داخله لم يستطيع تفسيرها. تضاربت افكاره عند رؤيتها امامه فاقدة للوعي. بين كيف ومتى اتت.؟ وما الذي حدث لها.؟،.

تختلج خفقاته بعنف. للمرة الثانية التي يرى فيها دموع عينيها. الأولى كانت اغاثة عصفور. والثانية اغاثتها هي. حملها إلى غرفته باعتبارها الغرفة الاقرب. عندما فشل في محاولة ايفاقها. وضعها على الفراش. تبعته جدته تبسمل وتحوقل تلتمع عينيها بالدموع. فأخذ هو يحاول إفاقتها مرة أخرى بلهفة يتحدث إلى جدته
: ايه اللي حصل.؟
: ما عرفش انا اول ما فتحت لقيتها بتعيط ووقعت من طولها فجأه.

افكاره مشتته. مرتبك. كاد ينسى انه طبيب. يمكنه إسعافها. بعد عدة محاولات. بين قلق وخوف وتوجس، ببطء شديد فتحت سارة عينيها شيئا فشيئا. اذدرد ريقه يزفر بارتياح. ها هي شمسه اشرقت من جديد. لكن لحظة. ذلك البريق العسلي لم يظهر بعد. ما بال شمسه منطفئة.؟ ، لبضع ثوان فقط فتحت عينيها غير مبدية اي ردة فعل. وكأنها مخدرة الحواس.
: مالك يا بنتي سلامتك الف سلامة.

اجفلت على صوت تفيدة فنهضت جالسة تستند بكلتا يديها على الفراش. وهو يحدق بها. بقسمات وجهها المرهقة. ينتظر ردا منها يطفأ نيران قلقه عليها. نظرت الى تفيدة. ثم نقلت نظراتها نحو أرجاء الغرفة. وأخيرا استقرت عسليتيها امام نظرة عينيه. وقد آتاه الرد بإطراء رأسها تشهق باكية. ردا لم يفي تسائلاته. لم يطفأ نيرانه بل زادها اشتعالا. ردا لم يفقهه. لكن يبدو ان تفيدة قد أتقنت فهم الرد. اشارت له برأسها بالخروج. فلم يتحرك من جوارها وكأن أحدهم ألصقه بالأرض جوار الفراش. اقتربت منه تلكزه بذراعه هامسة له.

: استناني بره انت دلوقت.

بصعوبة خرج من الغرفة ونظراته معلقة بها. اغلق الباب خلفه تاركا شيئا منه بالداخل. متى وكيف تعلق بها لا يعلم.؟، اخذ يخطوا صالة المنزل ذهابا وإيابا بقلق. ماذا جرى لها.؟ لما تبكي بتلك الحرقة. عقله يطرح جميع الاحتمالات الواردة، بينما بداخل الغرفة. قصت لها سارة عناوين ما حدث لها. منذ وفاة والدتها. وكانت العناوين فقط كافية. تشهق. تنتحب. تتأوه بخفوت بينما صراخ يشق الكون اذا ما أتاحت له فرصة الخروج. والماثلة امامها تبكي لما حل بتلك المسكينة. اما بما سيحل بقلب حفيدها فكان له النصيب الأكبر من البكاء. ضمتها إلى صدرها. ارهقها البكاء حتى استسلمت لسلام احضانها بوهن. شاردة بعالم آخر. لم تدرك انها لن تسلم من ردة فعلها. استقامت تفيدة ببطء. تريح رأسها على الوسادة برقق تدثرها بالغطاء جيدا. تفاجأت بها تمسك بيديها قائلة بصوت خافت تتوسلها نظرة عينيها.

: ارجوكي ما تقوليلوش.
علمت على الفور من تقصده. يبدو انها كانت تحمل له من المشاعر ما ترفض من اجلها علمه بالأمر. ربتت تفيدة على كتفها بإيمائه صغيرة. تلقى عليها نظرة حسرة. تكفكف دموعها خارجة من الغرفة. انتفض قلبه يحثه على النهوض متلهفا يقترب من جدته بعيون متسائلة. قابلت نظراته بنظرات مشفقه. لم تروقه قط نظرات جدته. بنبرة لا جدال بعدها. أو مماطلة. تحدث وقد ايقن بعيون جدته انها تخفي أمرا ما
: مالها.

بتلعثم ردت
: اا. تعبانة بس شوية اصل. ااا.
: اتكلمي على طول يا تيتا.
قالها بنبرة حادة بعض الشيء
اذدردت ريقها تنظر جانبا تتخطاه بتذمر غاضب. يعلمها تماما. هكذا تفعل دائما عندما تريد اخفاء شيء ما سيحزنه.
: يوووه يا حمزة. ما قولتلك تعبانة شوية. سيبني دلوقتي انا مش قادرة اقف من الخضة اللي خدتها.

تركته ذاهبة تتجه إلى غرفتها. تركت قلبا ينبش القلق بجناباته. تركت عقلا يطوف به سرب من التسائلات. وغضبا كغضب مارد يحبسه صاحبه قسرا داخل مصباح صدأ. يكاد يثور محطما المصباح. وربما يفتك بصاحبه. وهذا ما تخشاه هي. ربما كان الصدأ وبرودة المصباح. اهون من نيران فقده للأبد...

تناظره صورته بالمرآة بشموخ فارس همام. خاض حرب وحده. ببسالة ونبل تغلب على المنافس منتصرا بفخر وعزة. وشرف. بينما بداخل عينيه. تكمن الحقيقة كاملة دون نقصان. الحرب لم تكن عادلة. كان المنافس اعزل. بينما يسن فارسنا جميع أسلحته صوبه. انتصر حتما. لكن من يقترب قليلا من عينيه. سيرى حقيقة الأمر. سيرى العزة تواسي الفخر وكلاهما ينتحب. حيث اضحى الشرف شهيد الحرب. اما عن الفارس. فكان ورق...

وقف يعدل من عمامته البيضاء فوق رأسه. يرتدي ذلك الجلباب الأبيض. الخاص بالعرس في عاداتهم. يهندم شاربه. ثم ينتهي بارتداء عبائته بنية اللون. حيث عرسه سيقام الليلة. خرج من غرفته بشموخ كما تبدي عادته دائما. لكن بداخله يدرك جيدا مدى حقارته. يدرك إلى اي مدى قد انحدرت انسانيته، الجميع بانتظاره بالأسفل. أمر بجمعهم لخبر سار. ينزل درجات السلم واحدة تلو الأخرى. ينظر له الجميع بابتسامة متلهفة لسماع ذلك الخبر عدا هي. هيئته وحدها كفيلة بتنبأ الخبر. و قلبها بانتظار مقصلة. وقف امامهم قائلا.

: الليلية كتب كتابي على سارة بت عمي.
زغاريد وصياح. ابتسامات. مباركات.
. صراخ ونواح. جنون. والهيئة صمت تام. وجوم. كم تمنت الآن ان تكون فاقدة للسمع كما هي فاقدة للنطق.
أردف سالم ينحي نظره عنها جاهلا السبب.
: العروسة ادلت مصر تجهز حالها. على ما نوصلوا تكون كل حاجة جاهزة.

والخبر السار. تبدلت رائه ميم. كان له وجه آخر. وجه لم يراه أحد. لم يشعر به غيرها. وجه مدبب حاد. مسموم. قذفه شيطان ما يبتسم لها بتشفي. والهدف منتصف قلبها تماما. وقد اصاب. ومن بين سرورهم وفرحتهم وأوامر عديدة لانهاء المطلوب قبل حلول الليل. لم يلاحظ أحدا منهم ارتطامها بالأرض فاقدة للوعي...

يجلس بمكتبه يبتسم بارتياح. أوشك على ان يلملم شمل عائلته. هو كرجل يدرك ذلك البريق بعيون ولده جيدا كلما ظهرت حياة. وكأب يعرف تماما مشاعر ودواخل ابنته. ادرك انها تحبه. ما فعله الآن أشبه بجزيرة ومنفى وقارب نجاة. عليهما فقط ركوبه والتجديف معا للعودة. قطع خيالاته المتفائلة. استماعه إلى رنين هاتفه برقم شريف. التقطه ليرد. سرعان ما اندثرت ابتسامته ما ان رد حيث صوت شريف و نبرته المتخاذله عبر الهاتف.

: منصور بيه. ناهد هربت!
اتسعت عينيه هلعا. القارب على وشك ألتهشم. عاصفة ما ستثير غضب البحر دافعه امواجه لالتهام الجزيرة. خيلاته الآن تنحصر. بسلامة ولده و صد العاصفة. والبحث عن شاطئ الأمان...
سكون تام لا يقطعه سوى صوت مرور السيارات سريعا. على ذلك الطريق. وترصد. نتيجة إصرار دام تحضيره لسنوات. حيث كبر الولد على فكرة الثأر. ولن يثأر لأبيه غيره. يرى سيارة سالم على مشارف الطريق.
: جاهز ؟

قالها بنبرة رتيبة والسؤال هنا غير قابل للأجابة. السؤال هنا بمثابة أمر.
: واخيرا بعد السنين دي كلاتها. هنول مرادي. هاخد تار ابوي.
قالها بنبرة كالجحيم. حقد اسود قد تربى عليه منذ الصغر.
تقترب السيارة. ويتضح الهدف أكثر. يقرب سلاحه مصوبا اياه بمنتصف رأسه تماما. يرى روح ابيه حبيسة وسينفك حصارها بضغطة واحدة.
: وجف وجف يا واد عمي. وجف.

صوت زاعق مهرولا يأتيه من خلفه. التفت ليجد أحدهم يشير إليه راكضا بالتوقف عن ضرب النار. السيارة تقترب. والفرصة لن تعوض. والشيطان يحثه دافعا إياه نحو تحقيق الخلاص. بينما هناك أوامر لشيطان آخر.
فتوقف على مضض ينظر لذلك اللاهث امامه منحنيا يلتقط أنفاسه بغضب
: ايه يا ولد المحروج انت عاوز ايه.؟
من بين انفاسه المتقطعة تحدث
: الكبير. عيجولك. وجف. ما تنفذش دلوجتي.

نظر له بعدم فهم تشتعل النيران بعينيه غضبا. ومرت من امامه سيارة سالم وكأنها تخرج له لسانها في غيظ. ليكمل الرجل بما أخمد تلك النيران المشتعلة بداخله قائلا.
: عرسه الليلة. الكبير عيجولك لازمن نعملوا الواجب في فرحه. التنفيذ هيبجى الليلة. وسط ناسه في جلب داره.

بشوق ولهفة. جمع اغراضه بداخل إحدى الحقائب يستعد للسفر. لإستعادة شقيقته. لاستعادتها و إسعادها. لأخذها تحت جناحه ورعايته. ليكون لها درعا واقيا ضد مساوئ الحياة. كلما مرت بخاطره فكرة كونها تواجه العالم وحيدة. بمفردها. تألمه. هي عوض له عن أبيه الذي لم يراه قط. و سيعوضها هو عن كل شيء. ابتسم عندما لاح بخاطره صديقه الذي يبدو عليه غارقا في حب أخته. التقط هاتفه ولا ضير من التسلية قليلا. ضغط طالبا رقمه ينتظر الرد. بعد لحظات آتاه الرد صراخ. واستغاثة من تفيدة باكية.

: ادم يا ابني. الحق حمزه هيضيع نفسه.
: طوفي في ايه فهميني. ماله حمزه.؟
قالها يستقيم بلهفة متسع العينين يتجه نحو باب المنزل
. لتجيبه تفيدة صارخة
: الحقني يا آدم مافيش وقت تعالى بسرعه ياابني.
قبل بعض الوقت...
اتجه يتبع جدته بخطوات تكاد تطوي الأرض تحت قدمه. حتى وقف امامها يحل الغضب محل قسمات وجهه قائلا.

: في ايه بالظبط.؟ يعني ايه تعبانه.؟ انا لسه مكلمها امبارح باليل ماكانش فيها حاجه. كانت مسافرة عند أهلها وقالت يومين وراجعه. الاقيها مغمى عليها تاني يوم بالمنظر ده في بيتي وتقوليلي تعبانه.؟
المارد حطم المصباح.
اذدردت ريقها بتوتر. تبتلع غصة مريرة لما ستلقيه بوجهه الآن. اقتربت منه تربت على صدره دامعة
: مش من نصيبك يا ابني. ربنا مش رايد تبقى من نصيبك يا حبيبي
الفتك كان من نصيب قلبه.

حل الوجوم والصدمة على ملامح وجهه. لما تقول جدته ذلك.؟ ما الذي حدث.؟
: ليه بتقولي كده.؟ ايه اللي حصل.؟
تحدثت زاعقة بحدة تنبع في الأصل من خوف فقده
: اللي حصل ما يخصناش يا حمزة. دول اهل في بعض. وابن عمها هيصلح غلطته و يتجوزها. احنا ناس في حالنا يا ابني مالناش دخل بحد.

توقف عقله عند جملة واحدة. يترجمها بجميع اللغات. والمعنى واحد. اتسعت عينيه فجأة. وقد تحول الغضب بداخله إلى غول أخرق. ينهش دواخله. يعيد عقله صورة هيئتها منذ قليل. دموع الإنكسار عندما تلاقت نظراتهم. هيصلح غلطته ويتجوزها. غلطته. أخذت تتردد تلك الكلمة بداخل عقله. حتى تحرك من أمامها كبركان على وشك الإنفجار يتجه إلى غرفته. تتبعه هي مهرولة وقد أدركت عواقب ما تفوهت به.
: حمزة.؟، استنى يا ابني.؟

اظلمت عيناه وكأن شيطانا ما قد سكنها. جميع حواسه في نوبة من الغضب. الجنون. الإحتراق. عندما فتح باب غرفته فلم يجدها. بدون لحظة واحدة للتفكير ركض خارجا باحثا عن شمسه اللتي بدلت نور نهاره بظلمة القبور...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة