قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع

خرجت تفيدة تجلس بجوار سارة مرة اخرى، تبتسم لها، يتقافز الفرح بعيونها حيث تأكدت من ان حفيدها يهتم بتلك الفتاة اهتمام خاص، سألتها تفيده بابتسامة حنون وهي تلتقط كأس العصير الذي قدمته لها سابقا
: اتفضلي يا، انتي اسمك ايه
أخذت منها الكأس تعاتب نفسها سرا على دخولها لمنزل ذالك الطيب قائلة
: سارة...
اتسعت ابتسامة تفيدة بلا سبب من وجهة نظرها فقالت تفيدة
: اهلا بيكي يابنتي
أومأت لها سارة تبتسم بتوتر قائلة.

: شكرا. تسلم ايد حضرتك
لا تعلم تفيدة لماذا لاحظت في عيون سارة لمحة حزن وكثير من الانكسار. يقال ان العيون هي نافذه ارواحنا تعكس دائما ما نشعر به. وهي كالطير الشريد يبحث عن مأوى. والمأوى بالنسبة لها روح تسكن اليها مطمئنة. آتاها صوت تفيدة تسألها ويبدو ان بجعبتها عدة اسئلة
: عايشه مع بابا وماما.؟

اغمضت سارة عينيها تحدث نفسها بسخرية، فمن الطبيعي ان تعيش بين والدها ووالدتها لكن اختار لها القدر الا ترى والدها مطلقا وان تفارقها والدتها، ان تعيش طوال حياتها تشعر بالغربة. فبعد وفاة والدتها. لا احد لها الان، تجمعت الدموع بعينيها عندما تذكرت والدتها لترد على تفيدة قائلة
: بابا وماما متوفين
نظرت لها تفيدة بتأثر وقد رق قلبها لها تقول في نفسها
ان اقدارهم متشابهة لتسألها باهتمام.

: اومال انتي عايشة مع مين.؟
توترت حركة حدقتيها تذدرد ريقها ببطء حدثت نفسها بسخرية مريرة. اذا علمت انها تعيش بمفردها فستنظر لها بإحدى النظرتين اما انها ستظن بها السوء. كما قال ابن عمها المبجل ذاك. او ستنظر لها بعين الشفقة وانها منكسرة ووحيدة وربما تعرض عليها ان تأتي لتعيش معها.
قبل ان ترد آتاها صوت حمزة قائلا
: صباح الخير.

حمدت الله ان الطبيب اتى في الوقت المناسب حيث عفى عنها الاجابة على ذالك السؤال، اسقامت تومأ للطبيب تنظر الى القفص بيده لتتسع عينيها تلمع بها نظرة الفرح تقدمت بخطوات متسرعة وابتسامة فرحه. مندفعة بعض الشيء نحو القفص بيده قائلة بسعادة من وجهة نظره مبالغ بها
: ده عايش.

نست بشأن ابن عمها. وبشأن الطبيب وجدته. ونظرت فقط الى ذالك الذي بين يديها في قفص يتحرك بخفة ونشاط. ، انتبهت فجأة لما فعلته، لترفع نظرها إلى الطبيب دون تحريك رأسها لتجده يحدق بها ببعض الاستغراب نقلت نظرها الى الجدة لتجدها ترفع حاجبيها وعلى وجهها ابتسامة مستغربة، لتتنحنح سارة وقد ادركت اندفاعها وقربها زيادة عن اللازم من ذالك الطبيب لترجع خطوة الى الوراء تبرر تسرعها تلك بابتسامة مرتعشة.

: اسفة بس اصلي. انا ماكنتش متوقعه انه يعيش
اومأت لها تفيدة ثم تنحنح حمزة يشير الى عيادته قائلا
: اتفضلى معايا اقولك على بعض التعليمات اللازمة والادوية اللي هيحتجها.

: اومأت له سارة وخرجت معه إلى خارج الشقة نحو العيادة دلف حمزة بيدة القفص، جلس على مكتبه ودعاها للجلوس امام المكتب، ارتبك بداخله لا يعلم بماذا يبدأ كلامه، سخر من نفسه يحدثها قائلا بداخله، . ماذا يحدث. انت طبيب يامغفل تحدث فقط وكأنك طبيب. الامر سهل. ، تحدث مندفعا قائلا بنبرة مغلفة ببعض الفضول الذي لا علاقة له بالطب ولا بكونه طبيب يسألها
: انتي اسمك ايه.؟

نظرت له بعسليتيها باستغراب لتتوتر هو حدقة عينيه يشعر بالاحراج يضيق ما بين حاجبيه بجدية مصتنعه قم اخرج ورقة الكشف المدون عليها اسمه واسم عيادته يبرر قائلا
: علشان البيانات.
آتاه سؤالها الغير متوقع. والذي يستبعد الاجابة عليه الان
: هو حضرتك بتسجل بيانات المريض ولا صاحبه.؟
توتر جدا ما هذه الفتاة اليس واضحا كفاية انه هو الطبيب لماذا اذا تسأل بتلك الطريقة الواثقة ليرد عليها قائلا باحراج
: الاتنين.

ردت سارة تعارضه
: انا اعرف ان المفروض تسجل بيانات الحيوان المريض نوعة فصيلته الحاجات دي. بس ماشي
صمتت قليلا ثم زفرت مردفة
: سارة. سارة فؤاد
سارة. اذا هذا هو اسمها. كم هو اسم رقيق. بل في غاية الرقة والهشاشة، وهذا ما كان يحدث به الطبيب نفسه وهو يدون اسمها، ثم نظر للعصفور بخبث نظرة خاطفة مفادها لقد علمت اسمها بدون الحاجة اليك
ثم سألها مباشرة
: ايه اللي عمل فيه كده.؟

تذكرت الموقف. لكن بصورة اخرى. تذكرت الوقت. الذي لم يتجاوز عدة ساعات. تذكرت مواجهتها لابن عمها الذي لم تعلم اسمه بعد. واثناء شرودها نظر حمزة االيها يتسائل ما سر تلك الفتاة. ولما يظهر على ملامح وجهها كل ذالك الحزن كلما سألها عما حدث للعصفور ولانه طبيب يقدر الخصوصية جيدا. وكم كره كونه طبيب ويود الان وبشدة اختراق تلك الخصوصية. لكن احتراما لصمتها اردف
: لو مش عايزة تقولي. تمام.

نظرت هي ارضا للحظات ثم تحدثت قائلة
: كان في صقر.
وصمتت، نظر لها متسع العينين لا يفهم. بداخله تهللت اساريره فقد عادت اخيرا المختلة مرة ثانية. اردفت وهي تنظر للعصفور الذي يتحرك بخفة ونشاط داخل القفص
: كان بيحاول يوصله. وهو استخبى ورا اصرية الورد على الشباك عندي
اصتنت اليها باهتمام. للمرة الثانية ينعتها بالمختلة وللمرة الثانية يسحب ذالك اللقب. ابتسم باعجاب وهو يتذكر حالتها امام العيادة صباح ذالك اليوم.

اردفت سارة
: زقيته بعيد عنه. واخدته وجيت هنا على طول
سألها باهتمام. والسؤال هنا ليس من حمزة الطبيب البيطري لا بل حمزة فقط مجرد من كل الالقاب
: زقيتي الصقر بأيه.؟
نظرت له بتعجب ثم زفرت بتعب قائلة
: بالمسترة بتاعتي.
ابتسم ملئ شدقيه. باعجاب تام قائلا وهو مزهولا من تصرفها
: برافو...
اطرقت هي برأسها تشعر بالحنق من ذالك الطبيب المتطفل. سألته وهي تنظر للعصفور قائلة
: ممكن اخده وامشي.

لا لا تذهبي اذدرد ريقه يحدث نفسه بها لكنه رد بعكس ما يفكر به قائلا
: اكيد طبعا. لكن هيحتاج زيارة تانية
وهنا الضمير لا يعود على العصفور وان بدا كذالك.
ثم اردف
: حصرتك ساكنه قريب من العيادة.؟
اجابته تلك المرة بتلقائيه دون تفكير
: اه في اول الشارع.
ابتسم بداخله بسعادة قائلا بعمليه وجديه ظاهريا فقط
: تمام. هحتاج اشوفه كمان 3 ايام.

اومأت له ثم استقامت تتجه نحو القفص اخذته بين يديها متجهة به الى الخارج، نظر هو لها بشرود يتسائل بداخله. هل ستأتي.؟ هل سيراها مرة اخرى. ، التفتت اليه بغتة، ارتبك. توتر. فأبعد نظره عنها حتى لا تلحظ شروده لترد قائلة بأسف
: انا متأسفة جدا. نسيت خالص تمن الكشف.
وضعت القفص على الارض تخرج من حقيبتها كيس النقود ليستقيم حمزة من مكانه يتجه اليها قائلا بابتسامة
: مش باخد فلوس قبل ما الحالة تخف خالص.

نظرت له ثم اومأت تشكره، اخذت القفص من على الارض مستديرة للخروج، وجدت تفيدة امامها تبتسم لها اومأت لها بدورها في ابتسامة قائلة
: بعد اذن حضرتك.
ربتت تفيدة على كتفها بحنو وهي تمر بجانبها قائلة
: مع السلامة يابنتي.
، ثم تركتهم سارة وذهبت، وحمزة ينظر في اثرها بشرود شبه مبتسم، انتشله من شروده ذالك صوت جدته متسائلة باستنكار
: من امته يادكتور وانت مش بتاخد فلوس قبل ما الحالة تخف.؟

نظر لها بقهر قائلا في نفسه. من اين تخرج لي هكذا.؟
اتسعت عينيها بزهول عندما رد قائلا باستنكار
: تيتا، انتي فصيلة!
ثم تركها وخرج بخطوات سريعة حتى لا تطاله عصاها الفولازية تلك، لتبتسم هي له عندما خرج تنظر في اثره تتمنى له السعادة بداخلها. ولاتدري هي ما سيلقاه وماذا سيكون مصيره مع تلك الفتاة.

يجلس قصي بمكتبه، طرقت السكرتيرة باب المكتب ودلفت تعطيه بعض الملفات التي طلب منها تحضيرها التقط منها الملفات، امرها قائلا
: مش عاوز ازعاج. وهاتيلي القهوة بتاعتي.
اومأت له السكرتيرة ثم خرجت من المكتب
جلس قصي يتفحص صفحات الملفات بتركيز تام، شخصت عينيه بزهول غير مصدقا عندما قرأ اسم منصور محمد المنياوي شريكا لهم اغلق الملف امامه شاردا غير مصدقا لتلك المصادفة العجيبة،.

جلس يفكر ما الذي عليه فعله من حيث ظرف منصور والحادثة فمن الصعب اتمام الصفقة بالنسبة له و لو علم والده بأمر حادثة شريكه وتعطيل الصفقة سيطبق عليه الشرط الجزائي وسيعتير ذالك انسحاب من الصفقة. وهو بمثابه الانتحار حيث سيخسر منصور جزءا كبيرا جدا من ثروته، ولا يدرك هو ان شراكة منصور مصادفة مدبرة ومخططة من والده.
قرر قصي ان يتحدث اولا الى منصور ليرى ماذا عليه فعله...

وصلت حنان الى المشفى وبخطوات سريعة وقلب متلهف لرؤية محبوبه وساكنه، تتعطش عيناها لرؤيا ابتسامته لها، تتحفز جميع جوارحها للإطمئنان عليه، اقتربت من الغرفة بينها وبينه بضع خطوات فتحت باب الغرفة بعيون دامعه تقترب منه بخطوات بطيئة لكن داخلها متلهفا لرؤيته بشدة، تتساقط دموعها واحدة تلو الاخرى، وهو ممدد امامها موصل به بعض الاسلاك والخراطيم، شعر هو بوجودها ابتسم بداخله فهو قادر على الشعور بها حتى لو بينه وبينها مسافات، عشقه الذي توغل بداخله حتى صار يجري بعروقه مجرى الدم، دنت منه تطبع قبلة اعلى جبهته تتساقط دموعها على وجهه ثم استقامت تنظر له، تمسح على شعره بيديها، جثت ارضا على ركبتيها تقبل يديه قائلة ببكاء تترجاه. تتحدث وكأنه امامها يراها.

: قوم يامنصور. قوم انا محتجالك ماتسبنيش
تشهق بانتحاب خائفة من فكرة فقدانه مجرد فكرة فقد احدهم تصيبها بالجنون وكأنها تعاني فوبيا الفقد، اردفت وهي تستند بجبهتها على يديه وشلالات الدموع تنهمر باستفاضة من مقلتيها
: حياة محتجالك يامنصور، مالهاش غيرك. قوم رجعها.

علت وتيرة بكائها لتتفاجئ بيد تربت على راسها فوق حجابها. صمتت عن البكاء لكن ما زالت شهقاتها مستمرة اتسعت عيونها ترفع نظرها نحو وجهه لتراه. ترى نظرة عينيه التي تفيض بعشقه لها. ترى ابتسامته التي طالما خففت عنها اوجاع سنوات العذاب. تلك الابتسامة التي تبعث في نفسها الأمل بعد الألم. تبتسم ودموعها مازالت تنهمر على وجنتيها. تبكي. تبتسم وتبكي في آن واحد.

لتتوهج الفرحة بداخلها تنير ظلمة وحشتها وتطرد شبح الفقد بداخلها خارجا عندما آتاها صوته قائلا من بين ابتسامته
: انتي بتعيطي ولا بتضحكي.؟
اتسعت ابتسامتها تمسح دموعها بظهر يدها قائلة من بين شهقات بكائها التي تحاول جاهدة اسكاته
: لا مش بعيط اهو.
ضحك بخفوت ليتأوه من مجرد ضحكة خافتة، اردفت قائلة بلهفة من بين بكائها
: سلامتك.
ثم نظرت له بتأثر مردفة
: حمدالله على سلامتك.
نظر لها يبتسم قائلا.

: ما تخافيش. انا كويس. طمنوني عليكم.

ليعود لها فيضان الدموع مرة اخرى تكتم شهقة بكاء بيديها، ليعلم هو ان سر بكائها حياة. يعلم تماما مكانتها عند زوجته وان لم تكن ابنتها لكنها تعتبرها كذالك فهي ربتها منذ الصغر فكانت عوضا لها لجبر كسور امومتها المسلوبة، لم تكن حياة قد بلغت سن السادسة بعد عندما اخذها من رشدي وعند تذكره. اشتعلت بداخله نار حارقة تتوعد لرشدي وباسم بالهلاك لتفكيرهم فقط بإيذاء صغيرته اذدرد ريقه بتعب يطمئن حنان قائلا.

: ما تخافيش عليها. هي في أمان
ابتسمت بلهفة ترد متسائلة
: ماسافرتش،؟
نفى لها برأسه لتعاود سؤاله مرة اخرى ويبدو انها لن تكف عن الاسئلة حتى تراها امامها سالمة
: اومال هي فين.؟ عاوزة اشوفها
ليرد عليها قائلا بحزم حتى تكف عن قلقها ذالك
: حنان. حياة بخير وهتشوفيها قريب. لما اقوم من هنا
وقلب الام يتآكل قلقا، يتولى التفكير. ويتنحى العقل جانبا مؤقتا وربما يتنحى للابد في سبيل رؤيتها امامها مرة اخرى.

: طب هي بتاكل كويس.؟ بتنام فين. وعند مين.؟
ابتسم منصور بيأس يبدو انها لن تكف عن اسألتها تلك فرد من بين شعوره بالألم قائلا
: ماتقلقيش يا حنان. حياة كويسة. مش عايز اي حركة تهور تكشف مكانها ليهم. لو وصلو لها وانا هنا. مش هقدر اعمل حاجه. ساعتها هموت بجد ياحنان
مالت للامام تربت على كتفه قائلة ببكاء
: بعد الشر عنك. ماتقولش كده تاني. ان شاء الله هتقوم بألف سلامة وترجعها في حضننا تاني.

قاطعها دخول الطبيب يطلب منها الخروج مراعاة لحالة المريض، همت بالخروج ولو خيروها لظلت ما تبقي من عمرها بجواره ليأتيها صوت منصور قبل خروجها قائلا
: ابعتيلي شاكر. عاوزه ضروري
اومأت له تودعه ثم خرجت، ليتفحص الطبيب جرحه واماكن اصابته...
جلست على الفراش بجوارها تتأوه بخفوت قائلة
: اه يالهوي. رجليا مش حاسه بيها يااختي
لترد عليها عليا متلهفة لمعرفه ماذا حدث قائلة
: الف سلامه عليكي. ها ريحيني وقليلي عملتي ايه.

تنهدت ام ورد بتعب تقص عليها ما حدث.
ليغيم الحزن على معالم عليا تتمنى لمنصور الشفاء العاجل لولا عجزها وعدم قدرتها على الوقوف لذهبت اليهم بنفسها تخبرهم عن ذالك الذنب الذي يؤرق مضجعها. ويأسر روحها. اردفت ام ورد تنهي كلامها
: هو ده كل اللي حصل انا قولت لو هو ما شفهوش يبقي مراته بقى اللي تشوفه. سامحيني يااختي ماعرفتش اعمل اكتر من كده.
اغمضت عليا عيونها تتنهد بتعب قائلة وهي تربت على قدم ام ورد.

: كتر خيرك يا حبيبتي. انتي عملتي اللي عليكي.
لتتركها ام ورد مع وعد لها ان تمر عليها مسائا
شردت عليا بحزن وندم تتذكر اليوم الذي دفعت ومازالت تدفع ثمنه من ندمها وحسرة روحها حين ما وافقت تلك الملعونة على خطتها...

Flash back
صعدت عليا درجات السلم، تحمل بين يديها الروقه التي القاها اليها احدهم وهو يمر بجوارها وهي عائدة من عملها، مدون عليها عنوان ما وبجوار العنوان جملة واحدة جعلتها تذهب إلى هناك بدون تفكير لو عاوزة ابنك يعيش وتعمليله العمليه تعالي على العنوان ده.

ذهبت عليا سريعا بقلب ام يرتجف خوفا من مجرد التفكير بفقدان ولدها. طرقت باب الشقة التي تحمل نفس الرقم المدون على الورقة لتفتح لها خادمة ما، دلفت في ترقب خائفة تتسائل من ياترى.؟، من سيفعل لها ذالك المعروف وستكون مخلصة له طوال العمر، حتى لو طلب منها روحها لن تتردد في منحه اياها في سبيل ان يشفى ابنها فقط ويمارس حياته كباقي الاطفال، وبعد عدة دقائق خرجت اليها بخطوات متمهلة. واثقة، وبجبروت امرأة وابتسامة كبرياء جانبية تقدمت تنظر لها بعلو قائلة.

: ازيك يا عليا.؟
انتفضت عليا واقفة من مكانها زعرا تتسع عينيها لآخرهما بزهول تبسمل قائلة
: بس الله الرحمن الرحيم. ست ناهد.؟
ابتسمت لها ناهد ثم جلست امامها تضع قدما فوق الاخرى قائلة
: ايه مستغربة.؟
ضحكت بخفوت ثم اردفت
: ماتستغربيش ياعليا، اقعدي.
لتنظر لها عليا بعدم تصديق تسألها
انتي عايشه؟ انتي لسه عايشه.؟
ردت ناهد ببطء وبعيون تلتمع بتصميم رهيب، وبنبرة تخرج من بين حروفها نار حارقة.

: انا عايشة. انما انتي لو عايزة ابنك يعيش تسمعي الكلام اللي هقولك عليه. وانا هتكفل بكل مليم لعملية ابنك...
نظرت لها عاليه وما زالت في زهولها
: انا مش فاهمة حاجه ابدا. انتي ازاي عايشه.؟! ازاي عايشه بعد الحادثة.؟
لترد عليها ناهد بلا مبالاة لسؤالها
: مش مهم دلوقتي ازاي عايشه بعد الحادثة. المهم ابنك. وانك تسمعي الكلام اللي هقولهولك بالحرف الواحد
ضيقت عليا ما بين حاجبيها في استغراب تسألها.

: كلام ايه.؟ انا مش فاهمة حاجه. لما انتي عايشة ليه ما عرفتيهمش.؟ دي حالتهم كانت صعبة اوي بعد الحادثة وخبر موتك. وبالخصوص ست حنان تعبت اوي بعد...
لتنتفض عليا خوفت تتسع عينيها وخفقات قلبها تدوي كالطبول تنكمش على نفسها زعرا
عندما قاطعتها ناهد زاعقة بصوت جهوري من يراها لايظن ابدا ان ذالك الصوت من تلك الفاتنه امامها،.

صوت يحمل بين نياط حروفه حمم بركانيه على ما يبدو تحبسها هي بداخلها. لو اطلق سراحها لأحرقت الاخضر واليابس. لأحرقت العالم حقدا وكرها. بدت كشيطان غاضبة.
: ما تجيبيش سيرتها قدامي...
ثم اخذت تلهث. تحترق انفاسها. وبنبرة كالموت اردفت
: اسمعي اللي هقولك عليه وتنفذيه بالحرف الواحد. وإلا مش هتلحقي تشوفي ابنك. وهو سايح في دمه.

انتفضت عليا خائفة تتوسلها ببكاء وقد استشعرت من منظرها ذالك انها تفعلها، تفعلها حقا وتاخذ منها صغيرها ان لم تفعل ما تريد...
: لاااء. لاء ابوس ايدك ياست ناهد ابني لاء، عاوزاني اعمل ايه وانا هعمله.؟
جلست ناهد مرة اخرى تتنهد بحقد، تبتسم بشر وقد نالت ما تريده. ، تحدثت بتمهل تحذرها قائلة
: اول حاجه لو حد شم خبر اني عايشه وانك شوفتيني واتكلمنا هيكون تمن ده ابنك...

اومأت لها عليا عدة مرات خوفا وزعرا، لتكمل ناهد بحرقة. بشر اسود تشبعت به روحها ويفيض من عينيها قائلة
: تاني حاجه. واللي عاوزاكي تسمعيني فيها كويس اوي
بعد اسبوع عيد ميلاد المحروس ابنها. انا هظبط كل حاجه كل اللي عليكي انك تجيبي الولد اول ما النور يقطع في الفيلا، من الباب الوراني للجنينة تسلميه للي هيبقى واقف هناك.

اتسعت عينا عليا بذهول غير مصدقة تتسائل لماذا تريد الصغير.؟ ما الذي ستفعله به؟!، لتلاحظ ناهد خوفها الذي بدى على ملامح وجهها، فاردفت قائلة
: بعدها انتى ماتعرفيش حاجة. ماشوفتيش اي حاجه، وابنك هيدخل احسن مستشفى. واحسن دكتور هيعمله العملية ويعيش معاكي. وكمان بعد العملية هيبقى معاكي قرشين حلوين. تقدري تعيشيه منهم كويس.

نظرت لها عليا شاردة بتفكير حائرة وصورة صغيرها وهو يلعب هنا. ويجري هناك. ويضحك بين اصدقائه امام نظرها. تتمنى رؤية هذه اللحظة. تتمناها بشدة، فاردفت ناهد كمت يقولون تطرق على الحديد وهو ساخن
: ماعندكيش خيار تاني يا عليا. يا تنفذي اللي قولت عليه يا هيكون تمن رفضك. ابنك
Back.

عادت عليا من شرودها بذكريات سوداء، الدموع تغرق وجهها ندما وحسرة على ما فعلت. لو فقط يرجع بها الزمن لما فعلت. لو كانت ستخسر حياتها. لما فعلت. لو كانت ستفقد ولدها الذي فقدته بالفعل منذ بلغ اشده وسلك طريق الهلاك. لما فعلت. ولدها الذي ولد بعيب خلقي بصمامات قلبه، وكان لا بد له من عملية جراحية خطيرة وعالية التكلفة، عجزت هي عن الحصول حتى على ربع تكلفتها, وأتتها فرصة لتعالج قلبه وتثلج صدرها برؤيته كاطفال جيله معافى مثلهم. وفعلت. كأنها رممت قلبه ليقسو عليها هي. وكأنهم نزعوه ووضعوا مكانه حجر، كان يعوقها دائما. حتى وصل به الامر الى ضربها. امه. التي ضحت بكل شيء لأجله. وكأن الله يخبرها بحكمته ان من اذنبتي لأجله كان اول العاقين بكِ. حتى لقى حتفه بجرعة زائدة من ذالك السم الذي يحرق به عروقه بين الفينة والاخرى. لتعلم عليا بعد فوات الاوان انها كانت تجني موافقتها على خطة تلك الأفعى. ترى هل تشفع لها زريعتها تلك عند الله انها ام تنقذ ولدها من موت محقق. ، لكن على حسابات قلب ام اخرى. ام مثلها. لايزال قلبها يحترق على ولدها الوحيد، استغفرت عليا ربها تناجيه غفران ذنب لم تكن تدرك عواقبه على روحها...

جلست حياة بحديقة المنزل على ارجوحة صغيرة تنظر للسماء شاردة في اللا شيء. حتى اتى الى ذاكرتها ومضات من ذكرى لا يروقها ابدا تذكرها. انزعجت ملامحها بشدة. عندما تذكرتها.

Flash back
كانت حياة طفلة في الخامسة من عمرها. استيقظت على صوت ضربات واحدهم يكتم بكائه، نهضت من فراشها تتجه نحو الخارج الى مكان صوت البكاء ليأتي الى مسامعها صوت والدتها تتوسل قائلة بشهقات بكاء متتالية
: ابوس ايدك يارشدي، كفاية. البنت هتسمع
لينظر لها رشدي بتقذذ يدفعها بإحدى قدمية وبيده حزام بنطاله يصفع به جسدها حتى تلون بزرقة قاتمة يمتزج بها حمرة حارقة، وبنبرة شيطان رد قائلا.

: كنتى بتجيبيها ليه.؟ انا مش عاوزها. وبردو نفذتى اللي في دماغك وحملتي وجيبتيها.
لتنهض واقفة على ركبتيها تربت سريعا على صدرها تترجاه بدموع كالجمر واشلاء روح معذبة. منهكة. تتوسلة من بين نحيبها
: علشان خاطري وطي صوتك. هتصحى. هتصحى و تسمعك.
تختف شعورها لسماع تلك الكلمات من والدها ولا تعلم ان الصغيرة تقف بعيدا منكمشة على نفسها تتساقط دموعها زعرا لما تراه.

ليدنو منها قليلا حتى قبض على شعرها يكاد ينزعه نزعا من جدوره، يرفع وجهها اليه يقترب من اذنيها بنبرة كهمس شيطان رجيم قائلا ببطء
: يبقى تسمعي الكلام. وتعرفي مصلحتك. والا هخليكي تبكي بدل الدموع دم على بنتك.
ثم تبتسم ابتسامة جانية يتصنع التفكير في شيء ما وكأنه وجدها قائلا
: ومش بعيد. ادربها على الشغل. وتطلع بتفهم عنك.

اغمضت عيونها بشدة تضع يديها على فمها. مجرد التفكير في تلك الفكرة. يشعرها بالغثيان. تكره. بمقدار حبها له كرهته. عندما علمت حقيقة عمله. ليتها استمعت الى نصيحة اخيها. ليتها ما كانت تزوجته وذهبت معه الى جحيم حياته وآخرته.
جثت على قدميه تتوسله. وبكل مهانة وذل تقبلها. تقبل قدميه باكية تترجاه قائلة
ابوس رجلك. ابوس رجلك يارشدي بنتي لاء بلاش حياة...

ثم ترفع نظرها اليه باكية عيونها بلون الدم تنتحب تتوسله بحرقة تلتهم روحها
: انا مش هقدر. صدقني انا مش هقدر.
نفت برأسها بهيستيريا تطمئنه مردفة
: مش هقول لحد. والله. والله ما هجيب سيرة لمنصور. بس سيبني في حالي انا وبنتي
قبض على شعرها ثانية بقبضة من نار جعلتها تصرخ رغما عنها بصوت عالي. ليرفعها واقفة يقبض على فكها بقوة يهز رأسها قائلا.

: ده بعدك. اودامك يومين. يومين بس تفكري ياتحطي عقلك في راسك وتعرفي مصلحتك فين، يا اما تكوني انتي الجانيه على نفسك. ، ولو حاولتي تعرفي حد او تفكري انك تهربي هيكون اخر يوم في عمرك.
اتت حياة تركض مسرعه نحو والدتها ببكاء تحتضنها من خصرها
لتتوسله من بين ببكائها ان يتركها لأجلها
: ارجوك يابابا. سيب ماما. علشان خاطري
، لم يرق قلبه لتوسلها. ولا لكون الصغيرة ابنته. وهل لقلب الشيطان ان رق يوما.؟

دفعها لتسقط ارضا تحتضن ابنتها وخرج ينظر لها بسخرية ثم صفع الباب بقوة خلفه، لتنظرالصغيرة لأمها. تبكي وتمسح دموع والدتها من على وجنتيها لتغمض والدتها عينيها بقهر وعجز لا تعلم كيف الخلاص من ذالك الشيطان، تناجي رب العالمين ان ينجيها وابنتها من شره و قذارته. لولا وجود حياة لما كانت تبالي بنفسها معه. لكن وجودها بمفردها يشكل لها رعبا. زعرا. من مجرد التفكير. بوجودها بمفردها في تلك الحياة
Back.

عادت حياة من شرودها تتذكر ان بعد تلك اللحظة بيوم واحد فقدت والدتها ولم تراها مرة اخرى، انتبهت على صوت عنايات، استدترت تمسح الدموع العالقة بعينيها حتى لا تلاحظها عنايات، تنحنحت الآخيرة بارتباك قائلة
: انا لازم امشي دلوقتي يا حياة. ابن بنتي تعبان جدا، حرارته عاليه وراحت بيه مستشفي، ولازم اروح اتطمن عليه
استقامت حياة تقترب منها قائلة في تأثر
: طيب روحي بسرعة مستنية ايه.؟
لتنظر لها عنايات بأسف قائلة.

: ما كنتش عايزة اسيبك لوحدك. لكن مش هتأخر عليكي هتطمن عليه واجي على طول
اومأت لها حياة بابتسامة قائلة
: ما تقلقيش عليا. والف سلامة عليه
نظرت لها عنايات بامتنان لتتركها مسرعه الى خارج المنزل. نظرت حياة حولها في خوف ثم توجهت نحو المنزل، دلفت وأغلقت الباب جيدا، ثم اتجهت نحو الاريكة تجلس عليها شاردة مرة اخرى...

بعد وقت طويل انهى به اعماله بالمكتب، رجع للوراء يستند بظهره الى ظهر كرسي المكتب لتأتيه صورتها بمخيلته ويبتسم ولا يعلم ما سر تلك الابتسامة عند ما يتذكرها كل مرة. بهجة يتوهج شعاعها بداخله، انتبه الى صوت رنين هاتفه التقطه من على سطح المكتب، وجده رقم غير مسجل ليرد سريعا، سرعان ما ضيق بين حاجبيه باستغراب ليرد قائلا
: ايوه. معاك قصي الزيني.
الطرف الآخر: ...
قصى وقد بدى عليه معرفته.

: ايوه ايوه. اهلا بيك يا فندم.
الطرف الآخر: ...
: اديني العنوان ومسافة السكة هبقى عند حضرتك.
تالطرف الاخر: ...
قصي ناهضا من مكانه يتوجه إلى خارج المكتب
: لا شكر على واجب. العفو
ثم اغلق الهاتف يوجه كلامه الى السكرتيرة الخاصة به
: اجلي اي مواعيد او اجتماعات لحد ما ابلغك
اومأت له السكرتيرة تلبي طلبه قائلة
: تحت امر حضرتك.

ثم تلقى رسالة من ذالك الرقم بالعنوان ليتوجه الى خارج الشركة يركب السيارة ذاهبا إلى العنوان الذي ارسله اليه محدثه بالهاتف.

وصلت الى المنزل صعدت الى غرفتها لتنفرد بذكرياتها. من يراها يظنها غاضبة. لكن يغفل. لا يعلم شيء. عن حرب شيدت بداخلها. لمجرد فقط قرائتها لاسمه اعادت لها ذكريات عشقها المنحور. بداخلها ثورة. تحثها على الانفجار. متعطشة للمزيد من الانتقام لتتشفى. متعطشة للثأر لكرامة انثى تحطمت على صخرة رفضه لها. وبرغم جميع حرائقها. لكنها ستستخدم استراتيجية اخرى. لطالما استخدمتها مسبقا. عليها اولا استجماع كل الخيوط. وقطعهم بلا تردد واحدا تلو الآخر. توجهت نحو خزانة ملاببسها تخرج من اسفل ملابسها مفتاح صغير. لتفتح به ذالك الدرج المغلق منذ سنة تقريبا. حيث هي تفتحه مرة كل عام في يوم محدد ذالك اليوم التي اضطرت فيه الأفعى خلع جلدها وتركه لتبدله بآخر في سبيل انتقام تنتشي به روحها. غافلة هي عن ان ذالك الانتشاء كلما زاد. كلما احترقت روحها. واحرقت ارواح اخرى.

اخرجت منه صندوق صغير. جلست على الفراش تفتحه. لتلطقت منه بعض الاوراق تتفحصهم لتخرج ورقة معينه دون عليها اسمها الحقيقي. الذي لم تنساه ابدا. اسمها الذي يندرج تحته ماضي اسود. كلما تذكرته كلما غضب وهاج ذالك البركان بداخلها. اسمها الذي يظنون هم انه تحت التراب الان.
ناهد عثمان...

اشتعلت عينيها تفيض حقدا. تحترق انفاسها شرا. تتذكر خيوطها. تخطط، عليها استجماع جميع الخيوط. وقطعهم بلا تردد واحدا تلو الآخر. وستبدأ بأول خيط. عليا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة