قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع والأربعون

رواية أحيت قلب الجبل للكاتبة ياسمين محمد الفصل التاسع والأربعون

بين اتهام وانكار اخذت الاقاويل تتكاثر. تتبدل بحسب شهادة بعضهم. بينما هو يقف متأهبا بارتياع لكل اتهام يوجه له من الشهود، تحدث رجلا ما يشير نحو حمزة بخوف
: ايوة يا بيه. الراجل ده وقفني على الطريق وسألني على بيت سالم بيه والله يابيه ما كنت اعرف انه هيقتله.
: اقتل مين يا عم انت , انت مجنون، انا ما قتلتهوش.

صرخ بها حمزة مستنكرا ليضرب المحقق بكفه فوق سطح المكتب صارخا بأن يلتزم الصمت. ثم وجه حديثه إلى احد العساكر.
: هاتلي الشاهد التاني.
خرج الرجل ليدخل آخر الرجل الذي كان يتبع حور بارتجافة متوترة طفيفة بعينيه لم تخفى على المحقق ومع ذلك تحدث بثبات.

: انا ياباشا كنت مع الست حور مرات اسماعيل بيه رايحين على البيت تجيب بقيت حاجاتها ونرجع زي ما اسماعيل بيه امرني، و أول ما دخلنا لقينا سالم بيه مرمي على الارض سايح في دمه والقاتل ده جنبه.
مشيرا إلى حمزة.
: انتوا مجانين.؟ بقولكم ما قتلتوش ما قتلتوش
هتف بها حمزة بحدة غاضبا ثم وجه حديثه إلى المحقق.

: يا فندم انا دخلت لقيته مطعون في صدره، حاولت اساعده وفي لحظة لقيت الراجل ده وواحدة ما اعرفهاش بيصرخوا وانا مقبوض عليا.
نظر إليه الضابط ببرود ليتحدث.
: ايه سبب وجودك في موقع الجريمة.؟
صمت ينظر إلى عينيه مباشرة بتفكير. لن يترك سمعة شمسه مضغة بين افواه المتحدثين.
: كنت بازور صديق ليا.
ابتسم الضابط بجفاء.
: وسؤالك على بيت المجني عليه. وبعدها على طول تم وقوع الجريمة.؟
تنهد حمزة بنفاذ صبر قائلا.

: دكتور آدم محمود المصري يافندم يبقى ابن عم سالم، لما سألت عليه البواب في القاهرة قاللي انه سافر هنا، حتى ممكن تجيبه تسأله.
استقام الضابط غاضبا يصفع سطح مكتبه زاعقا.
: جرى ايه يا دكتور، ما تخلنيش استعمل معاك اسلوب مش هتحبه. ادم محمود المصري مين اللي ابن عم سالم حافظ انت هتستهبل.
مسح على وجهه بيأس هو لا يعلم اي شيء عن امر علاقة آدم بعائلته تلك. كل ما يعلمه انه اخ لسارة فؤاد حافظ.

: دخل يا ابني اخر شاهد.
هتف بها الضابط غاضبا.
لتدخل حور ترتعش جميع قسمات وجهها. ذبلت عينيها بفعل بكائها الحار، تشبك يديها مقلبة ايهما بحركات مرتبكة بخطوات شبه واهية. جلست تمسح عينيها عندما اشار لها الضابط بالجلوس مقدما لها كوبا من الماء. نظرت إلى حمزة بإشفاق خفي لتتحدث.

: ا. ا. انا كنت رايحة البيت اجيب حاجات تخصني. و. و. و بعدين شوفت الاستاذ ده بيدوس بإيده على صدر سالم بحتة قماشة والسكينة مدبوبة في صدره. ده كل اللي شوفته.
اطلق حمزة زفرة ارتياح يحمد الله
: سمعت يافندم والله العظيم ما انا اللي قتلته.
اكمل الضابط حديثه وكأن حمزة لم يتفوه بشيء.
: ايه سبب ترككم للبيت كلكم من غير المجني عليه.
اذدردت ريقها بارتباك. تتسائل. هل في اخبارة بأمر مشاجرة زوجها وأخيه الصواب.

: ك. ك. كان فيه خلاف بسيط بين سالم و اسماعيل اخوه.
: ايه نوع الخلاف البسيط اللي يخليكوا كلكم تسيبوله البيت وتمشوا. ده مش خلاف بسيط بقى.؟
جلدها يحترق. وكذلك ضميرها. تتعرق يشدة.
: مش عارفة. انا ما كنتش معاهم في الوقت ده.
دخل احد العساكر يخبر الضابط بوجود اسماعيل.
: خليه يدخل.

بركان له فوهتين مشتعلتين كانت عيناه. ينظر بها نحو زوجته. ارتعدت تخفض أنظارها تشعر بغيمة ثلجية تمر من خلالها بينما جسدها يتعرق ساخنا خوفا.
: كنت فين وقت وقوع الجريمة.؟
سأل الضابط اسماعيل.
بصعوبة فرق فكيه عن بعضهما اثر الغضب للتحدث
: كنت في المخازن بتابع العمال.
واجهه الضابط باقول زوجته ورجله ثم اضاف
: وفي اقوال بتقول انها كانت في بيت اهلها قبل ما تروح مكان الجريمة.

صوب تجاهها نظرة غامضة لكنها استطاعت رؤية الغضب بحدقتيه.
: حصل يا حضرة الظابط. كان اتفاقنا انها تروح لاهلها.
ضمر بقية حديثه ناظرا إليها ثم اكمل بنبرة ذات مغذى.
: و بعدها تطلع على البيت وترجع تاني. مرتي ما بتخطيش خطوة الا وانا عندي علم بيها ياحضرة الظابط.
ضغطت على شفتيها باكية بصمت. رسائل خفية تتوعد لها من بين كلماته.

عن امر ادم الذي تحدث عنه حمزة سأله الضابط. فقص عليه اسماعيل نصف الحقيقة. عن وصية عمه وظهور آدم المفاجئ بإسم آخر. ولم يذكر اخفائهم للوصية. اذن فحديث الطبيب المتهم به شيء من المصداقية. انتهى التحقيق مؤقتا معهم.
: اتفضلوا. تقدروا تمشوا دلوقتي لحين استكمال التحقيق.
استقام اسماعيل يشير لحور بالخروج. بينما تحرك حمزة يتبعهم.
: رايح في يا دكتور.؟

هتف بها الضابط ساخرا. لينظر اليه حمزة متوقفا. ترك الضابط مكتبه يقف امامه يكمل.
: هما يمشوا. انما انت لسه هتنورنا شوية. خده ياعسكري على الحجز.
خرج سالم برفقتها. خفقاتها تكاد تسمعها اذنيها خوفا. فتح لها السيارة لتركب دون التفوه بحرف واحد. بينما حركاته. نظرته. ارتعاش اسفل فكه غضبا. جميعهم يتحدثون. ركب متذكرا لحظة توقف قلبه عن النبض ووصول خبر مقتل اخيه.

Flash back
كان يتابع العمال في اعادة ترميم المخازن المحترقة. ليتفاجئ برجل يركض نحوه يناديه مهرولا
: يا اسماعيل بيه. يا اسماعيل بيه الحق سالم بيه اتقتل.

غص قلبه بشعور يشبه شعور الموت. تزلزلت الارض من تحت قدميه. قتل اخيه. بدون استفسار او تردد ركض نحو سيارته استقلها بعيون متسعة وايدي مرتعشة تتحرك بعشوائية وارتباك. اتجه إلى المنزل. الخبر صحيح. اتجه بدموع تتساقط رغما عنه وبركان مشتعل داخل صدره نحو المشفى. بخطوات متعثرة شبه راكضة اخذ يتسائل عنه حتى وصل اما غرفة الطوارئ اللتي يتمدد على سرير حديدي بداخلها. حوله مجموعة من الاطباء يسعفوه بحركات سريعة. انفاسه مازالت حاضره. عيونه بين تيه وحضور. الآن هو عالق بحافة البرزخ. خلفه الارض التي بنا عليها حياته وامامه بحور الموت الهائجة. تناديه كفوف امواجها. ومن بين تيهه وحضوره لمح أخيه يقف وسط اشباح لا يفقه هويتها. من البرزخ خرج صوته بثقل ثم غاب تماما عن الوعي...

: الدكتور بريء يا اسماعيل. الدكتور بريء
جميعنا لا نحمل الشر المطلق. او الخير المطلق. نحن مزيج نسبي من كلاهما. خرج الاطباء بصحبته يركضون في صراع مع الموت لانقاذ حياته. لهذا السبب افصح اسماعيل عن ذكر الجزء الخاص بآدم والوصية. تاركا ما تختص به سارة من الحكاية...

تورمت عينيها أثر البكاء المتواصل وحتى خروجه من غرفة العمليات. توقفت تتحس الزجاج المطل على جسده الممدد تخترقه اسلاك وخراطيم عده. وكأنها تتحسس وجهه باكية. استقرت حالته بينما خافقها لم تستقر نبضاته بعد...
: الحمد لله يابتي الدكتور بيقول عدى مرحلة الخطر. روحي يابنتي غيري هدومك وارتاحي وانا هفضل جنبه.
: مش هسيبه. مش هسيبه تاني.

قالتها قمر بخفوت هامس تشرد بقسمات وجهه عبر الزجاج الشفاف ودموعها مازالت تتساقط تحرق وجنتيها. كانت على وشك فقده للأبد. لن تتحمل فكرة تركه مرة اخرى. لن تسمح لها المرور من الاساس. دمعت عينا فاطمة حزنا وقرر الذهاب إلى المنزل لإحضار ملابس لها...
: ابن المركوب بسبع اراوح. ده انا غارز السكينه في قلبه لاخرها وبردوا ما ماتش.
هتف بها القاتل الحقيقي ابن عوض من بين اسنانه غيظا وحقدا. بينما تحدث اخيه الاضغر.

: انت لازم تختفي اليومين دول يا اخوي عن العين اهنا خالص.
: لاء.
خرجت صارمة من الاب عوض. التفتت نحوه عيون ابنائه ليكمل.
: لازمن يظهر للعين اكتر. عدم وجوده شبهة يا ولدي. وهياجي معايا كمان نتطمن على سالم. دول جيرانا وبينا نسب كمان.
نبرته تحمل الجد والهزل. نبرته رماد محترق اسفل بركان فارغ.

: ياما جولتلك يا ابوي بنت ال اللي اسمها حور دي لازمن نخلص عليها. كانت رايحه هناك عشان تنبهه. جولتلك يا ابوي دي زي قلتها واهي جات على دماغنا وبقى صباعنا تحت ضرسها. حتت بت مفعوصة رقبينا في يدها دلوقت لو اتكلمت وقالت على اللي سمعته.
وبخبرة مصقله بالخطايا. ابتسم عوض تبتسامة جانبيه زاد من عدد التشققات الجافة بوجهه.

: حور هتخاف على جوزها يا ولدي. مش هتتكلم. اللي يخليها تروح تنبه سالم عشان ما نموتوش. مش هيخليها تنطق بحرف عشان اسماعيل ما يروحش في قتل اللي قتل اخوه. باينها وقعت في حبه.
ليرد الابن بامتعاض حاقد.
: ياكش يولعوا ببعض ما جمع الا ما وفق دم واحد. بس يا ابوي لازم ناخده حذرنا منها. البت دي مش لازمن تعيش...
استقام عوض يستند على عصاه الابنوسية يحيك بداخل رأسه العديد من الكوارث.

: تعالى معايا ياولدي وسيبلي موضوع حور ده. ده حساب قديم اوي لازمن اصفيه بيني وبين اللي حرق قلبي على ابني...
فروع من الاضائات الرقيقة المزينة بالورد تلتف حول ساحة المنزل. حفل عقد قرانه وحياته. اقتصر الحضور عليهم فقط في جلسة عائلية ويوسف صديقه. المأذون على وشك الوصول. خرج منصور يتكأ على عكاز حديدي يجلس جوار ولده بابتسامة فرحه يملئ ناظره برؤيته. بينما تنزل حنان درجات السلم بتوتر وقلق.

: منصور. حياة مقطعة نفسها من العياط فوق.
التفت الجميع إليها في صدمة. ليتحدث منصور
: ليه، في ايه.؟
اذدردت حنان ريقها بصعوبة تتعلق نظراتها بولدها.
: مش موافقة على الجواز.
اتسعت عيني يوسف بينما بنظرات ثابته نظر إليها قصي بشرد. ليتحدث منصور بحدة.
: يعني ايه مش موافقة. ايه لعب العيال ده.؟
استقام قصي بهدوء. ينظر إلى والده.
: بابا بعد إذنك ممكن اطلعلها.
زفر منصور بنفاذ صبر يومأ له.

ليصعد قصي الدرج يتجه نحو الرواق المؤدي لغرفتها.

هم بطرق الباب ليستمع إلى صوت شهقاتها الحارة. فتحه مباشرة داخلا. لتستقيم هي تنظر إليه بترقب خائف. غصة حارقة آلم قلبه العاشق لها عند رؤيته لدموعها المنسابة بسلاسة فوق صفحة وجهها. ابتسم بحنو يقترب منها رويدا. حتى بات لا يقصل بينهما سوى انفاسه وشهقاتها. احتوى ذراعيها بين يديه يشد عليهما برفق. مسحت دموعها المتجددة ذاتيا. ليرفه هو يده نحو عينيها مزيلا بها تلك الدموع. ثم وضع اصبعيه تسفل ذقنها يرفع وجهها إليه قائلا.

: بتعيطي ليه كده.؟
بكت مجددا تنفي برأسها باعتراض. تحبه كثيرا. لكنها لا تريد الزواج منه بتلك الطريقة. فكرة اضطرارها للزواج فقط لتبقى بجوارهم تقتلها. وان ترفض ويبقى بعيدا عن والديه بسبب وجودها موت آخر. احجية مشاعرها صعبة الفهم. والحل.
: حياة.
همس بها بكل حبه لها، رفعت نظرها إليه. لتتبدل نظراته بأخرى غامضة. رغم نبرته الحانية.

: لو مش عايزانا نتجوز قوليلي. ما تخافيش ما فيش حد هيقدر يجبرك على حاجة طول ما انا عايش. لو مش موافقة قوليلي دلوقت مش موافقة وانا هتحمل المسؤولية كاملة قدامهم تحت. ولو على السفر والدراسه، هتسافري تكمليها وهفضل حمايتك حتى لو من غير جواز...

كلماته أذابت هالة الجليد فوق مشاعرها نحوه. التهبت خفقاتها تنبض بعشقه. لتشتد في البكاء أكثر. اختلقت فكرة استكمال دراستها فقط لتبتعد. محض ذريعة. والذريعة تشترط وجوده معها. معضلة عليها حلها بكل المقاييس. لن تستطيع اكمال درب العشق مع شعور انها عبئ ما فوق كاهلهم. ولن تستطيع الزواج منه بجوار ذاك الشعور المؤلم الجارح لكرامتها.

: انا طلبت اكمل دراستي بره علشان انا عايزة كده. مش عايزة اتجوز. لازم بقى ادفع ضريبة رغبتي دي بالموافقة على جوازي منك،؟
قالتها باندفاع مقصود. ارادت جرحه فقط ليطلق سراح روحها العذبة. لم تكن هي. انسلخت عن جلدها واخلاقها وطبيعتها المراعية لشعور الاخرين. انسلخت عن عشقه او هكذا ظنت. احتدت نظرة عينيه فوق ليل عينيها المعتم.
: انتي مش عايزة تسافري يا حياة.

نظرت له بزهول. وكانه اخترق افكارها. روحها. اختلج خافقها عند فكرة اختراقه لقلبها ورؤية ما تكنه له من العشق.
: انا اديتك الحل وانتي مش عايزة تشوفيه اساسا.
هو محق. وسؤاله لها وضعها بين نياط الجبل وخوفه. وربما عشقه.
: انتي عايزة تبعدي من غير سبب. وانا مش منقول من هنا الا لما اعرف ليه.؟ والا الجوازة هتتم برضاكي او غصب عنك
ثم اقترب من أذنيها يكمل بهسيس مرعب
: وساعتها هعرف السبب. بس بطريقتي.

يمرر لها اهانه مغلفة من بين كلماته وهذا ما فهمته. لكن في حقيقة الامر وهو يبني ساحة حرب. هي وهو فقط. تحمل كلماته بداية لتحدى ما. وبمعنى اخر يستفزها. صمتت وفي صمتها السماح له بالبدأ أولا. طرقت حنان الباب ثم دخلت قائلة بارتباك.
: المأزون جه تحت وبابا عايزك يا مازن.
خرج تاركا اياها في حالة من الزهول. لتتقدم منها حنان مربتة فوق وجنتها برفق. تحدثت حياة بتيه لم يرتاح له قلب حنان البته.

: بعد إذنك يا ماما. هغير واجهز عشان انزل.
ابتسمت حنان بنظرات قلقة لكن بالنهاية خرجت واغلقت الباب خلفها. نزلت اليهم بالاسفل لتجد كل من الاب و ولده يمسك كل منهما بيد الآخر يرددون خلف المأزون ما يلقنهم اياه...
: بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير...
وصوت رسالة. فارقت الدماء وجهه مصفرا من الفزع. فحواها كارثة كونية.
( الف الف الف مبرووووووك. العروسه وصلت ).

نظر إلى والدته التي تبتسم له بحب وسعادة يسألها
: حياة فين...
: بتجهز ونازلة حالا يا حبيبي. الف مب...
بترت عبارتها المهنئة حيث تركهم راكضا محو غرفتها. في اقل من الثانية تقريبا وصل يفتح باب غرفتها بعنف. ليصتدم بما جعل النيران تشتعل بنظرة عينه. الجحيم ذاته يجري بين اوردته الان. حيث حياته لا وجود لها. فارقته...

وقف امامه معصوب العينين. مقيد اليدين. ومن جانبيه رجلين يرتدي كل منهما حلة سوداء. سأل بصوت ثابت لا مبالي فاقدا للحياة. للهوية.
: انا فين. و انتوا مين.؟
اشار ديفيد لرجاله. ففك احدهم عصبة عينيه والآخر قيد يديه. رمش بعينيه أثر شدة الاضائة حتى اعتاد على الرؤية ينظر حوله في استكشاف ونظرته غابة مظلمة مخيفة. نظر امامه إلى الجالس فوق مكتب عريق يحمل من الفخامة والرقي ما لم يراه من قبل. تحدث مرة أخرى.

: انا فين.؟

آخر ما كان يتذكره هو وجود مجموعة من الاسود يفصل بينه وبينهم قضبان حديدية تبيت حوافها المدببة بتجويف في الارض. فجأة فتحت القضيان وزئير الاسود الجائعة وصل إلى مسامعه مع روئية لعابها يسيل من فمها. وهو مقيد اليدين والقدمين. ظل ساكنا يحدق فيهما بلا ارتياع او خوف. مرحبا بالموت. او يستنكر حقيقة وجود ذلك الكم من الاسود وهو بمفرده بينهم؟ هو نفسه لم يعد يعلم. فتحت القضبان. بينه وبينهم فقط الموت ممزقا بفعل اسنانهم. ظل على ثباته تستنكر نظراته ما يحدث. اول من التفت اليه من الاسود بخطوات متروية تقدم اليه ببطء تام. وكأنه يريد الاستمتاع باثارة الخوف به كي ينقض عليه ملتهما اياه. هو ثابت بلا حراك كالصنم. ركض الاسد نحوه وفي لحظة واحدة نزلت القضبان فوق رقبته. مات الاسد. عصبت عينيه ثانية و فك احدهم وثاق قدمه ثم وجد نفسه يقف هنا امام ذلك الرجل الذي لا يعرفه.

: انت في حضرة السيد ديفيد.
هتف بها ديفيد ينظر اليه بإعجاب. فلأول مرة لايخاف طعام اسوده امام الموت. ذلك الفتى ثروة عليه استثمارها...
: ما اسمك.؟
لم يرد. ليس لأنه لا يتحدث اللغة الاجنبيه. بلى هو يتقنها بطلاقة. لكنه لم يرد.
استقام ديفيد يقف امامه يحدث نفسه.
: ممم لا تتحدث الانجليزية.
: بلى، اتحدثها باتقان.
التمعت عينيه ديفيد اعجابا به وكأنه كنز ما.
: إذً ما اسمك.؟
: و من انت.؟
: صديق الاسود.

: انت مالك الاسود التي كانت على وشك التهامي إذً.؟
اطلق ديفيد ضحكة خافتة يرجع واقفا خلف مكتبه.
: خطأ. قلت لك انني صديقها. فالأسود لا تُمتلك.
: ولما انا هنا.؟
: لأن الاسود لا تأكل بعضها بعضا يا صديقي.
لم يفهم مقصده. لا يعرف انه رآه. حيث يفضل مشاهدة اسوده الجائعة عند افتراس وليمتها الحية. ثم امرهم بقفل القضبان فورا عندما لاحت له ندورة شجعاته اللتي لم يجدها سوى بالاسود فقط. اكمل ديفيد.

: هل تعلم انني ضحيت بأسد من اسودي مقابل حياتك.؟ انت مدين لي.
سأله بتعجب.
: بأسد.؟
اجابه ديفيد بغموض
: ربما. هذا ما ستحدده اجابتك.
نظر إليه باستفهام ليباغته ديفيد بالسؤال.
: قل لي. ما الفرق بين الاسود والضباع. والكلاب.

اختلفت شخصيته. تبدل تماما عن ما مضى. لمح سلاح ناري فوق سطح مكتب ذلك الرجل. التقطه بخفة في حركة واحدة صار خلف ديفيد يقبض بمرفقه حول رقبته مصوبا السلاح نحو رأسه باليد الاخرى. تأهبوا الرجال للمهاجمة ليشير لهم ديفيد بالرجول. يحدثه.
: ماذا تفعل.؟
: اعطيك الاجابة، الكلاب لا تجرؤ على إظهار انيابها بوجه سيدها. والضباع تلتهم اسيادها ما ان اتاحت لها الفرصة. اما الاسود. فلا تفعل.

ثم تركه فجأة يمد يديه إليه بالسلاح. اخذه منه ديفيد مشدوها به. يخاطره سؤالا واحدا. من اين لمراد بمثل هذا الفتى.؟ ابتسم بفخر قائلا
: حسنا يا صديقي. هيا اذهب معهم.
: إلى أين.؟
رد ديفيد يلتقط كأس النبيذ الخاص به فاردا ذراعيه بالهواء
: إلى مملكة السيد ديفيد. حيث لا مكان سوى للأسود.
هم بالخروج برفقة رجاله ليهتف ديفيد
: انتظر. ما اسمك.؟

ان تختبر الشر، القسوة. شيء. وان تعيشها. تتجرعها. تختلط بانفاسك. بدمائك. و بالمحيطين حولك. شيء آخر
: عمر. عمر الزيني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة