قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس عشر

ظل الشباب جواره لأكثر من ساعتين، وبعد إصرار عدي، اتجهوا للمغادرة وأخبروه بأنهم سيعودون بعد وقت راحة قصير، ولم يتبقى بصحبته سوى عمر بعد أن فشل عدي بالسيطرة على عناده، اتجهوا معًا لمرآب المشفى، فتفاجئ أحمد بصندوق سيارته المفتوح على مصرعيه، فأتاه صوت مازن المستنكر: حازم فطس ولا أيه؟
بسخريةٍ أجابه أحمد: ولا يفرق معانا. الفارق دلوقتي شنطة عربيتي اللي سابها الحيوان بالشكل ده!

كبت ياسين ضحكة كادت بالانفلات منه، وسأله بجدية: هو راح فين طيب؟

مقاطعة معتز لحديثهم كانت بمثابة اجابة صريحة، اتجهوا اليه فوجدوه يشير لنهاية المرآب، وحينما اقتربوا وجدوه يجلس جوار أفراد الآمن وأخبرهما وهو يرتشف كوب الشاي الساخن: بس يا سيدي ومن وقتها وهما بيعاملوني أسوء معاملة، وكانوا عايزين يتخلصوا مني عشان الورث اللي سابهولي أبويا اللي يرحمه فحبسوني بشنطة العربية عشان الاكسجين ينقص ونفسي ينجلط وأموت بعد عنكم وعن السامعين.

بدت علامات الشفقة والتأثر على الشابين، فارتشف حازم من الشاي بتلذذ وهو يستمع لاحداهما يخبره بضيقٍ: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، معقولة الفلوس تعمل كده بين الاخوة.
رد عليه حازم بتأكيدٍ: وأكتر من كده كمان. بس أنا عشان ربنا بيحبني بعتكم ليا في الوقت ده بالذات عشان تنجدوني!
أجابه الاخر بدهشةٍ: ده مطرحنا يا بيه هنرحوا فين يعني!

ورسم ابتسامة صغيرة وهو يسترسل: المهم انك بخير يا واد عمي. وربنا يرحمك من خواتك الظالمة دول.
رفع حازم كلتا يديه وهو يؤمن: آمين يا رب.
شُلت أطرافه حينما كمشه أحدٌ من تلباب قميصه، وكأنه يتنشله من وسط مياه البحر التي تغرق جسده، حانت منه نظرة جانبية لمن يقف جواره، فابتلع ريقه بصعوبةٍ بالغة، ثم رفع يده وهو يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه: هما اللي فهموا غلط!

وقف رجال الأمن من جواره، فتساءل احدهم بدهشةٍ: مين دول؟
لف جاسم ذراعه حول رقبته وهو يجيبه بحدةٍ: احنا اخواته اللي بنحاول نتخلص منه ليك شوق في سؤال تاني!
ارتعب الشاب وهو يوزع نظراته بينهم بخوفٍ لحق حديثه المرتجف: لا تأذونا ولا نأذيكم يا باشا. خدوا أخوكم وتوكلوا على الله.
أجابه رائد ساخرًا: يا عم احنا لا عايزينه ولا طايقين نشوف خلقته أساسًا. ده كارثة منتقلة لو اتساب على العالم هينقرض!

أضاف ياسين بمزحٍ وهو يلف كتف الشاب: سيبك منهم يا أخينا وقولي أنت تحب تأخد كام وتتبنى المرحوم!
اتسعت حدقتيه رعبًا، فدفع حازم بسخطٍ: هو ده يندفع فيه كُمان!
رفع أحمد يده بتسليةٍ وهو يشير لاخيه: شوفت جبنا حاجة من عندنا؟
جذبه معتز بالقوة ليدفعه تجاه سيارة أخيه وهو يشدد بسخرية: يلا يا حلوة خشي بيتك البحري اللي اتعودتي عليه بدل ما نخلص هنا قدام اصحابك.

ازدرد ريقه بتوترٍ، فاندفع تجاه صندوق السيارة ثم اشار للشابين قبل أن يغلق الصندوق؛
سلام يا رجالة نتقابل مرة تانية لو لينا عمر.
جز أحمد على بغيظٍ، فأغلق باب الصندوق بقوة طرحت الاخير أرضًا.

حرك يده المكبلة بالأغلال بصعوبةٍ بالغة، وهو يحاول التماسك أمام سيل الضربات القاتلة التي يتلاقاها على يد عثمان مسؤول حرس ياسين الجارحي، ارتجف جسده رعبًا حينما نهض من يرمقه بعينيه الثاقبة، فاقترب منه وصوت حذائه الثابت يجلده كالسوط الغليظ، ذاك الرجل بالرغم من كونه حسن الوجه الا أن لثباته واتزانه رهبة تزلزل من يجابهه، ابتلع مصطفى ريقه بتوترٍ حينما وجده يرفع وجهه اليه، ومن ثم تحرر صوته وهو يخبره بخشونةٍ: هتتكلم يعني هتتكلم حتى لو اضطرينا نقطع لحمك لكلاب السكك.

حرك لسانه بصعوبة، ليجبره على تردد تلك الكلمات الملقنة: ما انا قولتلك يا باشا، مفيش حد ورايا أنا اللي كنت راجع انتقم من عدي بعد ما رماني بالسجن كل السنين دي!

هز ياسين رأسه بثقلٍ، وفجأة هوى على وجهه بصفعةٍ أطاحت الدماء على شفتيه، فلف شعره حول يده وهو يردد بهدوءٍ لا يتطابق مع عنفه الشديد معه: متفكرش انك ذكي وهتخدعني. أنت سبق واتعاملت مع ابني المفروض بعد اللي عمله فيك تفكر مرتين وأنت بتتعامل مع اللي رباه!

تذكرة مقبضة صرح بها اليه، فإن ذاق ما فعله به عدي ماذا سيفعل به ياسين الجارحي؟، تركه ياسين ثم انتصب بوقفته واضعًا كلتا يده في جيوب جاكيته الرمادي، فمر من أمامه ذهابًا وإيابًا متعمدًا ازعاجه بصوت حذائه، ومن ثم وقف قبالته وهو يخبره بغموضٍ: علاقتك أيه بمهاب أبو العزم!
جحظت عينيه رهبةٍ، بعدما تسلل إليه أول الخيوط، فأنكر بجنونٍ: معرفوووش. مسمعتش عنه قبل كده!

الربكة التي تسيطر عليه جعلت ياسين يتأكد من حدثه، فأشار بعينه لعثمان الذي أومأ برأسه وأشار لرجاله فهاجموه بركلاتٍ حادة جعلته يردد بألمٍ قاتل: خلاص. خلاص هتكلم.
رفع ياسين أصبعه لرجاله فابتعدوا عنه، بينما اتجه لمقعده، فجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى وهو يردد بعزةٍ: سامعك!
هز رأسه باستسلامٍ وهو يباشر اعترافه: أعرفه. انا من رجالته.
سأله بشكلٍ مباشر: اتعرفت عليه فين!

نال منه خوفه بالدرجة التي تثاقلت انفاسه، فرجل خطيرًا مثله ربما يكون على دراية بأمجد السلاموني، إن أخبره بأمر السجن ربما سيشك بأمره، لذا قال: بعد ما خرجت من السجن ومن يومها وأنا شغال معاه.
بسمة ساخرة لاحت على وجه ياسين، فتعمد التحلي بالصمت قليلًا ليلعب على أعصاب فريسته ومن ثم ردد بخبث: يعني أنت ومهاب اتحالفتوا على ابني. طب أنت عدواتك معاه معروفة، عداوة مهاب أبو العزم أيه سببها؟!

راقبه بارتباكٍ وهو يشير له بعدم علمه، فرفع رأسه تجاهه ليواجهه بنظرة مقبضة قبل أن يردد بثباتٍ: مين اللي وراك أنت وهو؟
رفع أحد حاجبيه بذهول، فاستطرد بمكرٍ: خليني أجاوب أنا على السؤال اللي وترك ده. أمجد السلاموني اللي نهايته مش فاضلها غير القليل!

اتسعت حدقتيه صدمةٍ، فإن كان قريبًا لتلك الدرجة من المؤكد بأنه قريب لكشف سر مهاب أبو العزم، ان علم بأنه نفس الشخص سيقتلهما معًا، جاهد للتحلي بالقوة الزائفة وهو يخبره: أنت متعرفش هو يقدر يعمل أيه. خرجني من هنا قبل ما يبدأ حربه عليك وعلى عدي. زمانه عرف باللي حصلي.
رسم ياسين ملامح الخوف بنجاحٍ وهو يردد بصدمةٍ: هيعرف منين باللي حصلك.

تمردت قوته الخاضعة من خلف رهبته حينما نجح ياسين بإيصاله لتلك المرحلة، فقال: رجالته في كل حتة وأكيد هيوصلولي في أي وقت.
ارتسمت على معالمه بسمة مستهزئة، فدنا حتى أصبح قريبًا منه ثم قال: تقصد ده؟

اتبع اشارة يده، فوجد عثمان يدلف للمخزن وهو يدفع احدًا معصوب العين، ومن ثم ازاح عنه العصبة وألقاها اسفل اقدامهما، تهاوت كل ذرة شجاعة امتلاكها حينما وجد الحارس المخلص لهم مكبل بالاغلال، ينازع للحياة بعد ما تعرض له من ضرباتٍ قاتلة، احتدت نبرة ياسين وهو يصيح به: ودلوقتي مفيش قدامك اي اختيارات تانية غير انك تتكلم وتقولي مكان أمجد ده فين؟

وصلت السيارات للقصر، فتوجهوا جميعًا لغرفهم بإرهاقٍ شديد، بعدما قضوا الليل مستيقظين للاطمئنان على عدي، كان أحمد بطريقه لغرفته حينما وجد نور تهبط للاسفل بتعبٍ شديد، تحمل حور على يدها وتمسك باليد الاخرى رحمة، اسرع اليها وهو يلتقط الصغيرة عنها، فسألها باستغرابٍ: راحة فين وانتي بالحالة دي يا نور؟

اتكأت على درابزين الدرج بتعبٍ يبدو عليها، وأجابته: راحة اطمن على رحمة. وكمان روما مش راضية تبطل عياط من غير ما تطمن على عدي هخدها معايا.
ربت على الصغيرة الباكية بين ذراعيه، ومن ثم قال بضيقٍ: مينفعش تخرجي وانتي بالحالة دي. رحمة كويسة وبخير. كلميها على الموبيل وهي أكيد هتتفهم حالتك!
لمع الدمع بحدقتيها، فامتزج بصوتها الحزين: مش ههدأ غير لما أشوفها بنفسي.

اتاه ردًا بصوت رقيق يخبره: وفر طاقتك يا أحمد. انا من الصبح بحاول معاها أنا ونسرين ومفيش فايدة.
تلقائيًا رسمت ابتسامة ساحرة على وجهه حينما وجد زوجته تقترب منه، منحته أسيل ابتسامة صغيرة قبل أن تلتقط عنه الصغيرة، فحاولت أن تهدهدها وهي تشير له: روح أنت ارتاح يا حبيبي وأنا هحاول معاها محاولة فاشلة قدام عناد نور اللي مبينتهيش.

ذمت الاخيرة شفتيها وقد بترت كل ذرة حزن بداخلها، لتجيبها بشراسةٍ: مالها نور يا أسيل هانم؟ يلا أنا بقالي يومين مستفرضتش بحد وشكلي هستفتح بيكِ!
تهدلت معالم آسيل بيأس، فربتت على ظهرها وهي تشير لها بابتسامةٍ واسعة: أنا أقدر يا حبيبتي. روحي انتي ورحمة المستشفى وأنا هخلي بالي من حور لحد ما ترجعي.
ببسمة رضا رددت: كده تعجبيني. خدي بالك من البت لحد ما نرجع.
وأشارت للصغيرة المتعلقة بيدها: يلا يا حبيبتي.

هبطوا معًا للأسفل، فاوقفتهما مليكة وهي تكاد تسرع للدرج: استني يا نور أنا جاية معاكِ.
عدلت من عقد حجابها جيدًا ثم هبطت للاسفل، فوجدت ياسين يتجه للدرج وما أن رآها حتى اتجه اليها فقال وهو يتفحص ثوبها الواسع الرقيق: رايحة المستشفى؟
أكدت له ذلك، وأخبرته: مجاليش نوم ومصدقت الصبح طلع عشان اطمن عليه.

تورم عينيها كان كفيل بنقل ما اختبرته هنا بدونه، ضم رأسها لرقبته وهو يطبع قبلة على جبينها محاولًا ليطمنها: عدي كويس وفاق. وأنتِ بنفسك هتشوفيه.
ودت لو تمكنت من ضمه ولكن بوجود الفتيات تراجعت للخلف وهي تمنحه ابتسامة صغيرة، عاد ليجذب مفتاح سيارته عن الطاولة واشار لهما: هوصلكم بعربيتي.
اعترضت مليكة بتشددٍ: لا طبعًا مش هسمحلك أنت راجع تعبان ومحتاج تنام.

أخبرها ببسمة تنجح بالتسلل لقلبها دومًا: هوصلكم وهرجع أنام.
تلك المرة قاطعته نور حينما قالت: مفيش داعي يا ياسين أنت سهران طول الليل أطلع ريح شوية واحنا هنركب مع السواق.
أصرت مليكة عليه، ومنحته عذر ليلهي ذاته حينما قالت: خليك عشان تقدر ترجع لعدي بعد ساعة او اتنين. وخد بالك من يحيى لحد ما أرجع.

أومأ برأسه باستسلامٍ فغادروا بينما استكمل هو طريقه للأعلى، ولكنه اتجه لغرفة ابنه، فوجده مازال يغفو بنومٍ عميق، فمازالت الساعة لم تقارب على الثامنة صباحًا بعد، حرر ياسين الستارة عن مرقدها ليضمن عدم انزعاجه بالضوء، ثم خلع عنه قميصه وتمدد جوار ابنه، فجذبه لاحضانه وغفى سريعًا بإرهاقٍ!

جفاها النوم ومازالت تنتظر عودته، مضت ساعة كاملة منذ ان حدثها عبر، الهاتف، وأخبرها بأن عدي استعاد واعيه وحالته استقرت بشكلٍ كبيرًا، حتى أنه سيعود برفقة الشباب بعد قليل، فظلت مروج بانتظاره، فُتح باب غرفتها، فنهضت عن فراشها وأسرعت للباب، عينيها تتمنى أن يكون هو، فحينما كانت تسكن بشقة صغيرة كان قلبها يتغرد بالسعادة فور سماع نغمة مفتاحه الخاص، ولكن الآن باتت بوكر الحبايب بأكملهم، ترى من سيكون أبيها أم والدتها، أو ربما معتز أخيها الذي لا ينفك عن تركها بمفردها بعد ما تعرضت له، تهللت أساريرها حينما وجدته هو، ركضت اليه فضمها حتى رفع جسدها عن الأرض، شدد من ضمها وأنفه تستنشق عبير خصلات شعرها التي اعتاد على رائحة الياسمين التي تضعها باستمرارٍ، ظلوا هكذا لمدة احتاج بها التأكد بأنها جواره وبين يديه، تحتاج هي للتأكد بأن كابوسها مضى والآن عادت لمقرها الآمن، فهمست بصوتٍ مختنق بالدموع: كنت خايفة مرجعش ومعرفش أشوفك تاني!

مال على أذنيها فطبع قبلة وهو يخبرها: اللي فات جزء مش مهم. المهم انك هنا ومعايا!
بعدت عنه لتمنحه نظرة حبسته خلف وجعها وهواجس هاجمتها بمفردها، فقالت: بعتلك على موبيلك وانا جوه الاسانسير. اتمنيت انك ترد عليا وأسمع صوتك قبل ما يجرالي حاجة. حتى لما كنت بالمكان ده كنت محتاجة احس انك مستحيل تتخلى عني.

ضم وجهها بين يديه ويدها تحاط باصابعه التي تضم خاتم زواجهما المميز، فقال بوجعٍ اخترقها دون معافرة: أتخلى عنك ازاي وانت جوايا! أنا كنت بعد كل لحظة عشان أرجع اشوفك قدامي. والحمد لله ربنا مأردش يفرقنا بالنهاية البشعة دي. ربنا كتبالنا نعيش مع بعض الباقي من حياتنا.

ابتسمت وهي تقبل يده، فجذبها اليه ومن ثم حملها ليضعها برفق على الفراش، تمدد مازن لجوارها وضمها إليه بحنانٍ يود به تعويضها عما خاضته، فاستقبلته بشوقٍ وعاطفة أججت مشاعرهما الصادقة!

اتجه للخروج من المخزن، بعدما تأكد من صدق حدثه، وبقى لغز وجود أمجد السلاموني مجهولًا بالرغم من محاولاتٍ رجاله المستمية معه لمعرفة أي دليل قد يساعده، اتجه ياسين لسيارته القابعة على بعد من المخزن، فوجد يحيى يتكأ بمرفقيه على مقدمتها، وما أن رآه حتى هم إليه وهو يتساءل باهتمامٍ: ها يا ياسين قدرت تعرف منه حاجة؟

منحه نظرة عميقة تطل على صداقة عريقة، دامت لأكثر من أربعون عامًا، لم يتخلى يومًا عنه حتى بعد أن واجهه يحيى بعد عودته للقاهرة بتغيره الصريح، فقدم له نصائح بالا يفتعل تحديات قد تجعله يخسر ابنه من جديدٍ، فتفاجئ بما يخفيه ياسين، حتى وإن ازم الأمر وقتًا ولكنه بالنهاية لم يتمكن من حجب سرًا عنه قط، دنا منه ياسين وبضيقٍ قال: بيقول ميعرفش مكانه.
حانت منه نظرة شك لما يدور برأسه، فسأله: وأنت مصدق أيه؟

مال بجسده للسيارة، ثم وضع يده بجيب جاكيته وهو يجيبه: الواد ده عارف كل حاجة. بس زي ما أنت شايف ضاغطنا عليه بكل السبل، أكتر من كده هيموت وساعتها مش هنوصل لحاجة.
بتعصب شديد قال: يعني أيه هنفضل ساكتين لحد ما يتعرض لعدي مرة تانية؟
اجابه بهدوءٍ وبنظرة تحمل المحبة لعصبيته تلك: مش هيحصل يا يحيى. انا قادر أحمي ابني لأخر يوم في عمري، ولو حكمت يومي هيكون قبله!

نكس رأسه بحزنٍ، فعبست معالمه وهو يحاول التودد له بما يود قوله، ابتسم ياسين على طريقة صديق الطفولة التي لن تتخلى عنه، حينما يود التحدث عن أمرٍ قد يثير غضبه يبدو كالطفل الصغير الذي يهاب أبيه وقت غضبه، فقال بشكٍ: عايز تقول أيه؟

رفع عينيه إليه، ثم قال بضجرٍ: أنا مش قادر أسامح نفسي اني رفعت ايدي على رائد، بس صدقني انا كنت عاجز وأنا الوحيد اللي في وسطهم عارف الحرب اللي أنت فيها عشان تحمي عدي، مقدرتش اقف واشوف خطة الكلب ده بتنجح انه يفرق بينهم ويستهدف عدي.
انتصب بوقفته وهو يتساءل بجدية: قصدك أيه؟

نفث هواء عميق عالق بداخله قبل أن يخرج هاتفه ويطرح احد الفيديوهات من أمامه، للحاوية (التريلا) التي تحاول بكل السبل اصابة سيارة رائد حتى تدخل عدي وقلب سباق الموتى لصالحه هو، ابعد يحيى الهاتف عنه ثم قال: واحد من الرجالة قد يمسح الكاميرات من البنزيمة اللي على الطريق. لو ركزنا في الكلام اللي قاله رائد وفي المقطع ده هتعرف انه مكنش مستهدف عدي. كان عايز يخلق فتنة بينا واللي اخرها ان عدي اللي اتسبب في الحادث لرائد. من البداية هو عارف بالخناقة اللي جوه القصر وعارف بكل اللي بيحصل والحمد لله انك وصلت للحارس اللي كان بيوصله كل حاجة.

واسترسل بعصبية بالغة: من البداية ونيته واضحة، لما خطف مروج وحط مازن في مواجهة عدي، كان قاصد انه يفرق بينهم، الشخص ده مش سهل يا ياسين وعارف هو بيعمل أيه كويس، بيفصل عدي عن كل اللي بيحبوه وبيسانده. وهيجي اليوم اللي لو شك انك بتحميه منه مش بعيد يحاول يتخلص منك شخصيًا!
تمرد غضبه عن مجال سكونه وهدوئه، ففتح باب سيارته وأشار ليحيى بشراسةٍ: خليه يهاجمني على الأقل يكون قادر يخرج من جحره عشان يواجهني.

ثم تابع وهو يغلق الباب من خلفه؛
خليك مع عثمان يمكن تقدر تعرف منه حاجة.
تقوس حاجبيه بتعجبٍ: طب وأنت رايح فين!
قال وهو يلف يستعد للقيادة: هاخد ياسين لعدي زي ما وعدته.
وتحرك بالسيارة للقصر ليجد الاخير بانتظاره بصحبة آية، فتحرك بهن للمشفى ليحقق وعده الذي منحه اليه فور عودته للمنزل.

مضى على غفلته ما يقرب الساعة، ففتح عينيه بتعبٍ وألمًا يسري لقدميه، حاول عدي التملص برقدته ولكنه لم يستطيع فقدميه تعيقه عن الحركة، تطلع لنهاية الفراش فوجد عمر يغفو فوق قدميه بإرهاقٍ اكتسبه بعدما قضى ليله وجزء من النهارٍ برعايته وتقديم الادوية إليه بالموعد المحدد قبل أن تدخل إحدى الممرضات للقيام بمهامها، حتى الأبر الطبية كان هو من يحقنها بنفسه، تسللت بسمة صغيرة على شفتيه وهو يراقبه، فمرر يده على ظهر أخيه بحنانٍ، ود لو تمكن من الوقوف على قدمه ليعاونه على التمدد محله ولكنه يجاهد للاعتدال بجلسته بتعبٍ يغزو أضلاعه!

لذا تمدد على ظهره وتركه يغفو بهدوءٍ، حتى بعد أن مرت نصف ساعة يشعر بها عدي بالملل لبقائه على الفراش هكذا، ولكنه احتمل حتى لا يوقظه، دق هاتف عمر عدة مرات فخشى عدي بايقاظه، لذا سحبه ببراعةٍ من جيب جاكيته، فأدمعت عينيه تأثرًا حينما وجده المنبه ومدون على شاشته (أدوية عدي)، يخشى أن تطول غفوته فينسى علاجه بالرغم من وجود الكثير من الممرضات الاتي تشرفن عليه بأنفسهن!

رمش بعينيه بتكاسلٍ، فكاد بالسقوط عن المقعدٍ، استيقظ عمر وفور فتحه لعينيه اتجه للفراش، فتفاجئ به مستيقظًا، عبث بعينيه وهو يردد بنومٍ: مصحتنيش ليه؟
منحه نظرة ساكنة، فجذب عمر الدواء عن الكومود الطبي، ومن ثم رفع رقبته ليعاونه على ارتشاف بعض المياه بعد تناول الحبوب الطبية، وساعده ليستلقى من جديدٍ، جذب عمر مقعده لجوار الفراش، وبحماسٍ قال: شايفك أحسن من امبارح، الحمدلله.

مال عدي برأسه إليه ثم قال ببسمة يحوم بها الخبث: ياسين قالي على اللي عملته في معتز ورائد عشاني!
حل الوجوم على وجهه لدقيقةٍ، ثم قال بضيقٍ: مكنوش عايزين غير كده. اتمادوا بكلامهم وكانوا عايزين اللي يحطلهم حد، مكنوش احترام لأعمامي عشان كده كان لازم أتدخل.
واسترسل بغضبٍ: رائد متهور ومعتز مندفع، لا ده قادر يهدى ويفهم ولا التاني قادر يسمع ويستوعب.

واستكمل حديثه باندفاعٍ يخفيه داخله: اتمادوا بكلامهم عنك وناسين ان البيت ده فيه مراتك واولادك والاهم أنا وياسين الجارحي.
وبمزحٍ حاول به يخفف حدة انفعالاته قال: وما بالك من أنا بقى. أطيق العمى ومطقش اللي يجيب سيرة حد من عيلتي مش تؤامي!
ابتسم عدي وهو يشير له باحد حاجبيه، حركته الشهيرة التي ورثها عن أبيه: فاجئتني حقيقي يا عمر.

ووضع يده على كتفه وهو يخبره بحزنٍ: خليك زي ما أنت اوعى تتغير، أنت أحسن واحد جوه قصر الجارحي.
ضحك وهو يمازحه: مش للدرجادي يا وحش. هنيجي فين جنبك أنت وياسين الجارحي!
تعمد الضغط على كتفيه وهو يشدد على حديثه بجديةٍ: أنت أحسن مننا يا عمر.

وضمه اليه، فادمعت عين عمر وهو يتعلق به، ورغمًا عنه انسابت دمعاته على كتفي عدي العاري، واتبعه صوته الباكي: قلبي كان هيقف أكتر من مرة وانت جوه باوضة العمليات. أنت مش اخويا وبس انت مشاركني في كل حاجة حتى وجعك بحس بيه من قبل ما تتكلم.

وابتعد عنه ليزيح باصابعه الدمعات العالقة باهدابه وهو يتابع: الفرق ممكن يكون بينا دقايق بس بحسك أكبر مني بسنين، بشكيلك وجعي وأنا واثق انك هتساعدني وهتحل كل مشاكلي بعقلك وحكمتك اللي اخدتها من بابا. حتى لو عملت غلطة بتحامى فيك من غضب ياسين الجارحي، وأنت طول عمرك بتنسب الغلط ليك وبتتحمل عقابه بدل مني!

ضحك بصوته الرجولي المسموع، وترك بقوةٍ على كتفيه وهو يخبره بضحكٍ: أنت جاي تقلب عليا مواجع الطفولة ليه يا دكتور. عيون ياسين الجارحي في كل مكان وزي ما أنت شايف أنا لا قادر لا لمناقشة ولا لمواجهة!
شاركه الضحك، فعدل من جاكيته وهو يتصنع ثبات اباه القاتل: متقلقش أنا جنبك هحميك لحد ما ربنا ياخد بيدك. وبعد كده معرفكش.
هز رأسه بسخطٍ: أخرك دقيقتين قدام ياسين الجارحي لو صمدت أكتر من كده تبقى بطل!

همس بصوتٍ مضحك: مش لو صمدت الدقيقتين طموحاتك مدمرة سقف الاحلام!
قاطع حديثهما المرح صوت تأويهات خافتة من خلف الستار العازل لسرير رحمة، فتحته وهي تحتضن مقدمة رأسها في محاولةٍ للتغلب على تأثير الادوية التي تجبرها على النومٍ بشكلٍ مبالغ به، رددت بخفوتٍ وهي تجاهد ذاك الدوار الحاد: عدي!
امسك عمر معصمها حتى وصلت لمقعده المجاور لسريره، راقبته بنظرةٍ متفحصة ثم سألته بلهفة: بقيت أحسن؟

تأمل وجهها الشاحب بنغزة تصيبه ألمًا فوق ألمه، فقال بصوت رخيم جذاب: أنا كويس يا رحمة. اهتمي انتي بنفسك!
وجذب العصير المغلف من أعلى الكومود ثم ناوله لها وهو يصر على أن تتناوله، فقال عمر وهو يراقبهما ببعض الصمت: عدي معاه حق. حالتك مش سهلة يا رحمة كلي وخدي ادويتك بانتظام.
اعترضت على الدواء الذي يناوله لها معللة بضيقٍ: لا مش عايزة بمجرد ما بخده بنام ومش بحس باللي حواليا.

اشار لها قائلًا: معلشي هي أغلب المهدئات كده. وبعدين ده لفترة قصيرة لحد ما تتابعي مع دكتور نفسي كويس.
هزت رأسها باستسلامٍ، فتناولت قطعة صغيرة من المعجبات ومن ثم التقطت منه الدواء، حمل عمر حقيبة الدواء جانبًا ثم أشار لعدي قائلًا: هنزل أغسل وأصلي وراجع لو احتاجت حاجه رنلي.

أشار له فغادر عمر متعمدًا تركهما بمفردهما لقليلٍ من الوقت، فمن المؤكد بأنها تحتاج للاطمئنان على زوجها، انعكاس حزنها الحائل بحدقتيها دفعه لسؤالها بقلقٍ: مالك يا رحمة؟
رفعت عينيها اليه ببطءٍ، ومن ثم تهاوت بانكسارها وهي تردد: كنت نسيت قلقي وخوفي عليك من بعد ما سبت شغلك. مخاوفي كلها رجعت تطاردني تاني يا عدي!

اعتدل بجلسته بصعوبة ليكون قبالتها، فقال بتريثٍ: ده قدر ومكتوب يا حبيبتي، هشوفه حتى لو كنت جوه بيتي. والحمد لله أنا قدامك كويس ومفيش فيا حاجة.
منحته نظرة حزينة، فداعب ذقنها بإبهامه بعدما احتضن جانب وجهها بيده: كل ازمة اتعرضنا ليها بتعدي مع كل الصعاب طول ما احنا جنب بعض يا عمري!

ابتسمت فخفق قلبه تأثرًا بابتسامتها، يا الله مصير قلبه البائس قابع بين طرفي أصابعها، ان ابتسمت ابتسم للعالم حبًا وعشقًا لها وللحياة، وإن تهاوت دمعاتها غمرته غمامة كحيلة تهاجمه بظلامٍ يكسر أجنحته وتحرره من حريته ليصبح أسيرًا لا يشوبه سوى حلم التحرر!

علي طرق الباب الذي تغاضى عن مسمعهما، سمح عدي للطارق بالدخول، فدخلت نور بصحبة ابنته التي ما أن رأته حتى هرعت اليه باكية بطفوليةٍ، ضمها عدي اليه وبدى متفاجئًا من وجودها، والاخيرة تتعلق برقبته وتردد ببكاء مرير: بابي.
ربت على ظهرها بحزنٍ شديد لسماعه بكائها المتعصب، فتطلع لنور وقال بانزعاجٍ: جبتيها هنا ليه يا نور؟
علمت بأنه لا يود أن تراه بتلك الحالة، فبررت له: رفضت انها تقعد.

حاولت رحمة حملها عنه، ولكنه رفض وأصر على خروجهما، فاستغلت نور ذلك واتجهت برفقة رحمة للحمام حتى تساعدها على الاغتسال وتغير ملابسها.
مالت الصغيرة برأسها على كتف عدي الأيسر، واخبرته ببكاء: أول ما شوفت الاخبار مصدقتش حاولت اكلم حضرتك على الموبيل ولما مجاوبتنيش عرفت انها مش أشاعة!

مرر يده على خصلات شعرها الطويل بحنانٍ، والابتسامة لا تفارق ثغره: هما الصحافة كده. دي لعبتهم اللي بتأكلهم عيش حتى لو على حساب الغير!
استكانت بين يده وهي تستمع اليه، حديثه يطمئنها بأنه على ما يرام، ابعدها عنه عدي ثم ازاح دمعاتها وهو يخبرها بمشاكسة: كل ده عشاني. مش كنتي مش طايقاني عشان الرحلة. فجأة سبتيها وجيتي!
ابتسمت وهي تزيح دموعها وتخبره: رحلة أيه بس يا بابي أهم حاجة صحتك!

قبلها عدي وضمها اليه مجددًا، فسألته بصوتٍ خافت: هي مامي مالها، هي تعبانه هي كمان؟
مال على رأسها وهو يمرر يده على خصلاتها الطويلة: لا يا حبيبتي. هي بس مبتحبش تسبني لوحدي!

بالأسفل.
صعدت مليكة خلف نور برغبة منها، وقبل أن تتجه للمصعد وجدت عمر يخرج من أحد الغرف، فأشار لها بانتظاره، صعدوا معًا للمصعد فعاتبها بضيق: أيه اللي، جابك يا مليكة وانتي بالحال ده، ما انتي كلمتيني أكتر من مرة وطمنتك؟
احتضنت بطنها المنتفخ ببعض الألم، ثم قالت: مكنش ينفع يا عمر. انا قلقانه عليه ومحتاجة اتطمن بنفسي.

هز رأسه بتفهمٍ، فاخرج هاتفه ليتفحص اخر رسائله فتفاجئ بانغلاقه، تساءلت باستغراب حينما وجدت معالمه قد تبددت تماما: في أيه؟
اشار لها بمرح: التليفون فصل شحن!
ضحكت وهي تسأله: وعايزه في ايه طيب.
اجابها وهو يضغط على زر الطابق العلوي: كنت حابب اطمن على نور كان باين عليها امبارح انها تعبانه.
ضحكت وهي تخبره بمشاكسة: متقلقش هتلاقيها فوق مع رحمة.
بجد!

أكدت له وهي تجاهد شعورها بالألم: أنا جاية معاها بس قولتلها تطلع الاول عما اريح تحت شوية وآآه.
أمسك يدها التي تشدد على جاكيته، فقال بقلق: مالك يا مليكة؟
جحظت عينيها وهي تشير له، فانكمشت معالمه وهو يشير بصدمة: لا أبوس ايدك لا أنا اتبهدلت مع مراتي واخوكي مش جاهز لولادة تانية أنا!
صرخت بصوتها كله وهي تصيح به: ده وقته، بقولك بولد الحقني يا عمر!

وختمت حديثها بصرخة مداوية، جعلته يعود بالمصعد للاسفل، فحملها واسرع لقسم الجراحة، تراجعت به للخلف وهي تشير له بانفعال: لااااا. مش هولد هنا وديني لدكتوري!
رمقها بنظرة ساخطة، ومن ثم قال: انتي بتتآمري وانتي بالحالة دي!
صرخت بالم وهي تشير له: خدني لدكتوري يا عمر مش برتاح غير عنده هموت!
حملها مجددًا وأسرع تجاه باب الخروج، ومن ثم اتجه لسيارته ليتحرك للمشفى المتخصص للنساء والتوليد.

جن جنونه حينما لم يجدها بغرفتها، لم يترك رائد شبرًا بالقصر الا وبحث عنها به، مازالت اللهفة تعتريه ليقدم الف اعتذار لها، كان يود ضمها ليطمئن على جرح ذراعها، اتجه لغرفة آسر ومريم، فما أن ولج للداخل حتى تجاهله الاولاد تمامًا، وكأنه شفافًا، حاول رائد أن يقترب من ابنه ولكنه رفض الحديث معه، فلم يستسلم وحاول مع ابنته، وسألها بلهفة: مامي فين يا مريم؟

منحته نظرة حملت عتاب قاسٍ ومن ثم قالت: أخدت حاجتها وسابت البيت.
صعق لما استمع اليه، فاسرع للاسفل ومن ثم صعد لسيارته ليتجه لمنزل شقيقها، لا يعلم كيف وصل هناك بذلك الزمن القياسي من القيادة، طرق رائد على شقة اخيها، وبعد دقائق فتح الباب وهو يردد بذهولٍ: رائد؟
وضمه بترحابٍ لحق بسخرية نبرته: عاش من شافك يابو نسب، ايه غيرت معادك من العيد للعيد ولا أيه؟

ملامحه لم يتنسى لها التأقلم على مزحه، فقال بجدية: رانيا فين يا مجدي؟
ضيق عينيه بدهشةٍ: انت بتهزر. مهي بالبيت يا ابني لسه قافلة معايا من شوية وقايلالي انك مع عدي بالمستشفى!
صمت مطولًا مما جعل الاخير يزداد قلقًا، فقال: في أيه يا رائد، قلقتني؟
رد عليه وهو يرسم ابتسامة مخادعة: مفيش أنا لسه راجع من المستشفى وافتكرت انها هتعدي عليك فقولت افوق اخدها. يلا هكلمك تاني.

وتركه وغادر قبل أن يعود لاسئلته التي لا يحمل جوابها، عاد رائد للقصر، فاتجه للصالون بالاسفل حيث يجلس رعد يتابع جريدته وهو يرتشف كوب قهوته بتلذذ، وفجأة وجده يقتحم مجلسه وهو يسأله: مراتي فين؟

ضحكت الصغيرة وهي تراه يزم شفتيه تأففًا من الدواء اللازع المذاق، فما أن خرجت الممرضة، حتى عنفها بمزحٍ: بتضحكي على أيه؟
قالت من وسط ضحكاتها: عشان لما أخد الدوا بعد كده ما تبقاش تتريق عليا يا بابي!
رمقها بنظرة حادة ومن ثم انفجر ضاحكًا هو الأخر، فردد بمكر: انتي جاية تشمتي فيا يا رحمة لا الافضل ترجعي القصر. أنا كده كده راجع بليل.

وضعت قدمًا فوق الاخرى وهي تعدل من فستانها الازرق الطويل، قائلة بغرور: خلاص هضطر اقعد وارجع معاك.
رفع حاجبيه باستنكارٍ: هضطر!
أومأت برأسها وهي تخبره باقتناع: امال مين هياخد باله منك غيري!
ضحك وهو يسألها بفضول: أمال أخوكِ فين!

كادت باجابته فقاطعها دخوله، فاتجه اليه بخطوات مرتبكة، وقف ياسين لجوار الفراش وهو يتلاشى التطلع لابيه، من يراه يظن بأنه مجبورًا على القدوم الى هنا، وفجأة رفع عينيه المحتقنة بالدموع وهو يتأمل كل خدش بوجه وجسد عدي، فانهمرت دمعاته وهو يردد بصوته الباكي اللاجئ للثبات بأقصى ما فيه: حمدلله على سلامة حضرتك.

استنساخه الصغير، نجح بنقل معاناته له، ما قد يفعله إن مر بنفس ما يمر به، اشار له عدي بالاقتراب، وحينما دنى منه ازاح دمعاته بيده وهو يخبره بصوتٍ يشوبه الحزن والتأثر: مش عايز أشوف دموعك تاني يا ياسين.
رفع عينيه العسلية اليه، ثم رددت ببكاء: غصب عني.
ولف يده حول رقبة عدي وهو يحتضنه بقوةٍ، فضمه عدي اليه هو الأخر، وفجأة تسلل صوتًا رجولي اليه: مكنتش متوقع يكون شايلك كل الحب ده؟

اندهش حينما وجد أبيه يستند على باب غرفته ويتابع ما يحدث بينهما، فترك محله ودنى منه وهو يسترسل بغموضٍ: يمكن لانك أب! فهتقدر تقيم أحساس ابنك كويس زي ما أنا قادر افهمك وأفهم كل حاجة بتدور جواك، بس يا ترى أنت كمان فاهمني زي ما ياسين فاهمك!

ومنحه ابتسامة ثابتة قبل أن يستدير ليتجه لسرير رحمة، ولكن سرعان ما توقفت خطاه حينما قال عدي: أيه الخطر اللي مقدرتش تحميني منه وخلى ياسين الجارحي بنفسه يعتذر لابنه وهو بيصارع الموت!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة