قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

من قال أن الأخ لا يعوض وجود الأحبة من جوارك!، مساندته صادقة لا تزينها أي نفاق، ربما ستجد الكثير لجوارك قبل دخولك لغرفة الجراحة إن شاء الله لك بذلك، عساك بمفردك برحلتك المخيفة، التي تبدأ من رؤية باب الغرفة، ستجد أهلك جوارك يدعمونك وستجد من أتى خصيصًا لقضاء الواجب ولرد زيارة قد سبق لك زفها لفرد من عائلته، علك تبحث عمن يشاركك قلقك ويحتجز قلبه خلف ذاك الباب الأبيض الذي يحدد مصير حياتك، ستستعين الدعم من أعين من حملتك برحمها لتسعة أشهر وهي تحتمل ضغط بنتيك داخلها، علك تبحث عن نصفك الأخر (الزوج، الزوجة)، ثاني من يلتاع قلوبهم خوفًا على ابنائك، ومن تلك الحسبة العقلانية ستجد أخيك لجوارك.

ضمة يده فوق يدها، وتشبثه بالسرير المتحرك الذي تدفعه الممرضات، بدد خوفها القابع بداخلها، كانت بحاجة لزوجها وعائلتها، ولكن لم يسعفها الوقت الا بوجود أخيها، فلم يخيب ظنها أبدًا، سد كل تلك الفجوات التي تنساب بالقلق حيال وجود زوجها ووالدتها، شددت مليكة على يد عمر وهي تهمس له ببكاءٍ ووجعًا يضرب أسفل بطنها: أنا خايفة.

منحها ابتسامة دافئة وهو يمرر يده على وجهها ليزيح عنها عرقها الذي يبلل جبينها: خايفة من أيه يا مليكة، أنا جانبك ومش هسيبك.
هزت رأسها بخفوتٍ وهي تدعي تمسكها بقوة زائفة، دفع عمر السرير ليدخل بها لباب الغرفة، فتشبثت بيده وهي تهمس له سريعًا قبل أن تنفصل يدهما: عايزة ماما، كلمها وكلم ياسين يا عمر.

ظنت بأنه سيتركها عند هذا المطاف، فولجت لداخل غرفة الجراحة وهي تحاول السيطرة على بكائها، خاضت مرحلة شاقة مع أول ولادتها بابنها يحيى، فعلمت بمشقة ما ستعانيه مجددًا، خاصة بأن ولادتها ليست سهلة بالمرة، أغلقت مليكة عينيها وهي تحاول السيطرة على دمعاتها، هي حقًا بحاجة لوجوده جوارها، وفجأة شعرت بضمة يد تربت على أصابعها ويد أخرى تمسد على حجابها الغير مرتب، فتحت عينيها بلهفةٍ عساها تراه، فتقوس حاجبيها وهي تردد بدهشةٍ: عمر!

تفاجآت بوجوده لجوارها مرتديًا زي الجراحة وكمامة طبية، بعد أن تم تعقيمه بالكامل، فظل جوار رأسها يربت على خصلاتها وهو يخبرها بحنانٍ: أنا جانبك يا مليكة. متخافيش.
تساءلت بشكٍ: ماما وياسين!

ازاح عنه الكمامة، ومال ليستند على رأسها وهو يهمس بمرحٍ: موبيلي فاصل شحن وفشلت أفتح موبيلك. فكرت اجبهولك تفتحيه هنا بس شكلنا هيبقى مسخرة واحنا بنكلمهم من هنا. فمتحلميش اني اسيبك لوحدك أبدًا، لما نطلع من هنا مع بعض ومعانا البنوتة اللي طلعت عنينا دي نبقى نكلمهم.

ضحكت حتى أدمعت عينيها، ومالت برأسها تجاهه، تناست عدم وجود أحدٌ لجوارها، حنانه ومحبته غمرتها وجعلت الامان يطوفها، وكلما استسلمت للمخدر النصفي كان يباغتها بسيل من الاسئلة والحديث الذي جعل مؤشراتها الحيوية تبدو جيدة للطبيب الذي يتابعها من الوقت للأخر بقلقٍ، فحينما يجد عمر يجبرها على الحديث كان يمنحه نظرة امتنان لحرصه على مساعدته دون أن يطلب بذلك، كونه طبيب كان يتابع الاجهزة بقلقٍ يساوره كلما اغلقت عينيها، وفجأة خفق قلب عمر كأول خفقة انتابته فور سماعه لصوت ابنته، صوتها كان مشابهه لتلك الصغيرة، اتسعت ابتسامته وهو يحملها بين يديه، فحرص على أن يساعد الممرضة في تحضريها ولفها بالملاءة الصغيرة، حملها عمر وهو يبتسم بسعادة، فاتجه بها للفراش، حاولت مليكة حملها فوضعها عمر لجوارها وهو يعيد خصلاتها المتمردة على عينيها داخل حجابها، فطبعت قبلة صغيرة على جبينها، وعادت لتستلقى بتعبٍ، ضمها عمر اليه وهو يخبرها: ما شاء الله عسولة أوي، شبهك أوي يا مليكة.

أجابته ببسمة رقيقة: لسه مش هيبان دلوقتي. أنا عايزاها شبه ياسين على فكرة فسبني احط أمل!
رفع حاجبيه بسخطٍ: ما الواد طلع شبهه. هيبقى الولد والبنت!
وردد بتذمرٍ: الستات أغلبها كده. عايزين اولادهم شبه الأب مع أن لو حد قال ان الطفل شبهها هي المفروض تفرح!
فتحت عينيها وهي تشير له بدلالٍ جعل الاخير يضحك بصوته كله: مش كل الستات، الست اللي بتحب جوزها بجد عايزة أولادها كلهم نفس السنحة بتاعت جوزها!

وضع الصغيرة بين يد الممرضة التي تود نقلها للغرفة الخاصة، بينما يتم تحضير مليكة للخروج، فانحنى عمر تجاهها ثم طبع قبلة على جبينها وهو يردد بمحبة: حمدلله على سلامتك يا حبيبتي، هخرج لحد ما يجهزوكِ وأنا بنفسي هنقلك للاوضة.
ومازحها حينما استطرد: أكيد بعد ما البلونة نزلت الشيلة هتبقى أخف مش زي واحنا جايين. لحسن ضهر اخوكِ بقا محتاج صيانة واصلاح بعد ولادتين وعملية!

ضحكت بصوتٍ جعلها تصرخ وهي تشير له: بره يا عمر. متضحكنيش!
رفع يده باستسلامٍ: طالع!
وتركها واتجه للغرفة الداخلية لجناح العمليات، فوجد صديقه ينزع ملابسه ومن ثم يعقم ذاته قبل ارتدائه الملابس الخضراء التي تحمل رمز المشفى، وضع يده على كتفه فجأة فردد الطبيب بفزع: خضتني يا عمر. أنت مبقاش وراك غيري ولا أيه؟
اجابه ساخرًا: مش قولتلك سلسال العيلة طويل وكل شوية هتلاقيني نططلك.

ضحك وهو يشير له بتعقيم يده، فاتجه عمر للصنوبر الصغير الموضوع جانبًا، ثم خلع عنه تلك الملابس، وبعد ثوانٍ معدودة وجد أحدى الممرضات تخبره بأنها جاهزة للانتقال للغرفة المجهزة، على الفور توجه عمر للداخل، فاستمع لها وهي تتحدث مع احدى الممرضات بخوفٍ: لا مش عايزة السرير ده.
اقترحت عليها بشفقةٍ لحالة الذعر المسيطرة عليها: تحبي أجبلك كرسي متحرك. بس معتقدش انك هتقدري تقعدي عليه!

حملها عمر بين يده وهو يشير للممرضة بأنه سيتوالى أمرها، منحته مليكة نظرة امتنان، ومالت برأسها على صدره مستسلمة لنومٍ تام بعد اطمئنانها بأنها غادرت تلك الغرفة أخيرًا، حملها للغرفة التي يزينها اللون الوردي استقبالًا للفتاة الصغيرة، فوضعها للفراش ومن ثم حمل الصغيرة عن فراشها، طرقت احدى الممرضات على الباب الذي لم يغلق جيدًا وهي تخبره ببسمة عملية: موبيل حضرتك.

التقطه منها فوجده قد اتم شحنه، لذا على الفور مرر اتصاله بياسين الذي أجابه بعد أكثر من مرتين جاهد بهما بالاتصال عليه، فأتاه صوته الناعس يردد بفزغٍ: أيوه يا عمر. عدي كويس؟!
أتاه صوته الهادئ يطمن قلقه الزائد: بخير اطمن. أنا عايزك في موضوع مش عارف هتستوعبه ولا أيه؟
زاد قلقه قلقًا، فقال بعصبيةٍ: ما تنجز قلقتني!

قاطعهما صوت بكاء الصغيرة التي سلبت قلب خالها الحنون، فهزها برفقٍ وهو يردد بحبٍ: يا روحي على الجمال والصوت الجميل والحلاوة، طب أنا هعمل بيكِ أيه دلوقتي!
استمع ياسين لهمساته المنخفضة لصوت البكاء الذي تسلل إليه، فسأله باستغرابٍ ظنًا من ان ذلك الصوت يخص صغيره عدي(ابن عمر): أنت هنا بالقصر؟
أوضح له وهو يهدهد الصغيرة: لا، اللي سمعته ده صوت بنتك مش ابني.
تجعد جبينه بدهشةٍ: بنت مين؟ أنت بتقول أيه!

أجابه بتخبطٍ: قولتلك مش هتقدر تستوعب، مليكة ولدت الاحداث جت بسرعة لدرجة عدم الاستيعاب. أنا تقريبًا حولت تخصصي لدكتور نسا وتوليد!
لغزًا يجاهد لفك اطرافه، فأصابه حالة من الصدمة، اتابعها صياحه الغاضب: أنت بتهزر يا عمر، ولدت أمته وازاي وأنا كنت فين من كل ده!

جاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يبحث عن خزانته، حالة التوتر سيطرت عليه فجعلته لا يعي ماذا يفعل أو ماذا يرتدي؟، كل ما يفعله هو الصياح المتعصب فتباعد عنه هدوئه ألف ميل: وانت ازاي متكلمنيش، جاي دلوقتي تعرفني!

ابتسم الاخير بانسجامٍ تام مع الصغيرة، ورد عليه ببرودٍ يتحلى به من يتطلع لتلك الفاتنة: موبيلي فصل شحن فجأة، وبعدين يا عم أيه الدراما دي هو أنا بقولك جوزت بنتك لابني وتعالى لم الموضوع، بقولك البرنسس شرفت الدنيا هنقولها ارجعي لحد ما نوصل لابوكي! أما أنت بني آدم غريب!
جز على شفتيه السفلية بقوةٍ كادت ببترها، فردد بغيظٍ: ابعتلي عنوان المستشفى واقفل يا عمر!

وأغلق هاتفه والقاه على الفراش، ثم أسرع لخزانته فجذب أول ما تلقفته يده ليسرع للذهاب للمشفى!

بالأسفل.
عاد ليطرح سؤاله من جديدٍ، حينما تجاهله أبيه عن عمدٍ: فين رانيا يا بابا؟
ترك الجريدة عن يده ثم رفع رأسه ببطءٍ إليه، فمنحه نظرة قاتمة تخفي من خلفها غضبًا يموج لأفعاله الصبيانية التي لا تليق برجلٍ مثله، ومن ثم قال: عايز تعرف مكانها ليه بعد اللي عملته فيها، هيجيلك عين تقف قدامها بعد اللي اتسببت فيه!

اقترب رائد منه حتى بات قريبًا منه، وقال بحزنٍ تلألأ بصوته المتألم: غلطت وعارف بده. خليني أعتذرلها وأطمن عليها.
ترك رعد مقعده، ثم ابتعد عن محيطه وهو يخبره بقسوةٍ: مظنش إنك هتتعلم من غلطك أنت هتفضل كده على طول، طايش ومش أد مسؤوليتك كزوج أو أب.

تابعت دينا حوارهما بوجعٍ على حال ابنها الوحيد، بالنهاية هي أم، مهما حمل الابن من أخطاء ستواجهه الأم للصواب وتنصحه ولكن قلبها سيئن وجعًا حينما تراه يعاقب عما فعل، فاقتربت من زوجها ثم قالت بعاطفة تنجح يومًا باستمالته: ملهاش داعي الطريقة دي يا رعد، هو خلاص عرف غلطته.

استدار تجاهها ومازالت يده موضوعة خلف ظهره، فقال بلطفٍ تحلت به نبرته الجافة: من فضلك اطلعي فوق يا دينا. ده موضوع بيني وبينه بلاش تتدخلي فيه.
عاتبته بضيقٍ: متدخلش ازاي ده ابني يا رعد!

فك يده عن مقبضها، ووقف قبالتها يتابع حديثه بتحذير: وابني أنا كمان ومن واجبي أعرفه غلطه. وغلطته المرادي كبيرة حتى لو الكل سامحه، ابنك لو انا موقفتش في وشه هيغلط مرة واتنين ومليون، حبيبتي اطلعي أوضتك وانا شوية وجايلك نكمل كلامنا.

أومأت برأسها وتركت الساحة لزوجها بهدوءٍ، تابعها رائد حتى اختفت بالمصعد، فعاد ليتطلع لأبيه بحزنٍ، فأشار له بغموضٍ: كويس انك متابع حوارنا، معتقدش اني حاليًا هادي أو في أحسن حال، أنا متعصب ومنفعل من أفعالك جدًا ومع ذلك متعصبتش على والدتك ولا مديت ايدي عليها حتى لو بالغلط، ولا عمري عملتها قبل كده تفتكر أنت باللي بتعمله ده عايز ابنك يطلع شبه مين فينا!

الابن بيطلع لابوه، ابنك طول مهو شايف طريقتك مع والدته بالشكل المهين ده تفتكر هيعامل مراته ازاي؟
وتابع حديثه بهدوءٍ معاكس لحالة غضبه: الست بطبعها مبتقدرش تتحكم في قلقها، القلق بيسيطر عليها لما تشوف جوزها أو ابنها او أي فرد من عيلتها راجع مهموم، الف سؤال هيدور في رأسها، يا ترى هو تعبان ولا اتخانق مع حد ولا سبب خنقته دي أنا!

وأشار اليه وهو يسترسل: وأنت المفروض تطمنها على الاقل لو مش قادر تتكلم تعرفها سبب زعلك وانك مش جاهز تتكلم في تفاصيل، ولم هتهدأ هتكلمها فيها ساعتها هتسبلك مساحة خاصة بيك وهي عارفة على الاقل انت مالك، لكن اسلوبك ده مينفعش. بنت الاصول جت بيتك عشان تعامل فيه زي الملكة مش جارية فيه!

اقترب منه رائد حتى هبط الدرج القصير الذي يفصل الرسبشن الجانبي عن قاعة القصر الرئيسي، فقال بتأثرٍ: اديني فرصة على الأقل اصلح غلطي. أرجوك يا بابا!
لانت نظراته القاسية تجاهه، فود لو ضمه اليه ولكنه لم يتمكن، غمره الجميع بالعفو فإن تساهل هو الأخر معه حينها سيعتاد على ما فعله بحق زوجته وبحق عدي، لذا كان عليه عدم الاستسلام.

كان يحيى بطريقه للأعلى حينما استمع لحوار رائد وتوسله لاباه، فانجرف عن طريقه واتجه ليقف قبالة رعد ورائد الذي لم يشعر بوجوده، كان يقف خلفه بالتحديد لذا انطلق صوته ليحيط آذانه حينما قال: انهي العناد ده يا رعد وقوله فين مراته، الامور عمرها ما هتتصافى بالبعد، بالعكس لما هيقعد معاها هيقدروا يحلوا اللي بينهم.

انتبه رائد لوجوده، فاستدار اليه بحرجٍ، فقطع يحيى المسافة بينهما، ثم وضع يده على كتف رائد ليشير له بأنه سيتولى الأمر، ارتبك رعد من وجود ابنه بينهما، فما سيقوله لا يود أن يسمعه هو، لذا لجئ للمماطلة حينما قال: بعدين يا يحيى لما يتأدب هبقى أقوله.
أصر يحيى على موقفه وهو يشدد على كلماته: يعني أيه بعدين؟ أنت شايف حالة الولد تسمح بده. متبقاش قاسي عليه هو خلاص عرف غلطه!

كان عليه أن يخبره بالحقيقة حتى لا يظنه يخفي امرها عنه، لذا اخبره: يحيى أنا الموضوع ده بره ايدي.
رفع حاجبيه بدهشةٍ: ازاي يعني مش فاهم؟
صارحه بما حدث: ياسين هو اللي أخد رانيا من هنا.
واسترسل بضيقٍ وهو يتجه للمصعد: لو مستعد تخش في جدال معاه بسبب ابني اللي شايل نفسه غلط كبير ادخل لكن أنا لأ.

وتركه وغادر متعمدًا ان يريه قسوته لما فعله بحق عدي لاخر لحظة، وقف يحيى محله لثوانٍ يزن ما حدث هنا بعقلانية، سامحه ياسين الجارحي عما فعله بحق ابنه ولكنه الآن يعاقبه عما فعله بابنة هذا البيت!

ما يحدث لأي فتاة هنا بمثابة جريمة اضرم النار بها ومن الصعب التغلب على اطفائها، لذا التفت لرائد وربت على كتفه وهو يخبره بحنان: ولا يهمك. أنا هكلم ياسين وان شاء الله هقنعه إنه يرجع رانيا للقصر أو على الأقل يخليك تقابلها.
منحه ابتسامة امتلأت بالامتنان، وقال: مش عارف أشكرك ازاي يا عمي.

رد عليه بتأنيب ضمير: متشكرنيش أنت ابني يا رائد. انا كمان لازم اعتذرلك اني رفعت ايدي عليك. صدقني انا كنت بحاول أفوقك من اللي أنت فيه. اللي مسمحتش بيه يدخل بينك وبين اخواتك وانتوا صغيرين كان صعب يدخل بينكم وانتوا كبار وواعيين!
اعترض على طلبه للصفح، حينما قال: لا طبعًا حضرتك مغلطتش. أنا اللي لازم أعتذر من حضرتك ومن عمي عز وكل اللي كانوا واقفين، انا اللي كنت غلط يا عمي مش حضرتك ابدًا.

ضمه يحيى اليه وهو يشدد من احتوائه، فتفاجئ بياسين يهرع للاسفل وهو يرتدي ملابسه على الدرج بطريقة زرعت القلق للجميع، فدنى منه وهو يتساءل بحيرةٍ: في أيه؟
أجابه ياسين وهو يرتدي حذائه: مليكة ولدت.
ضيق عينيه بدهشة: أمته ده. ومقولتش ليه؟
أشار له بقلة حيلة وهو يخبره: أنا نفسي لسه عارف دلوقتي من عمر.
جذب بحيى جاكيته الموضوع على المقعد، ولحق به ورائد من خلفهما.

أرادت آية الحديث مع رحمة بأمرٍ هامٍ، لذا اتجهت اليهما قبل صعودها، وباشرت بما تشعر به تجاهها، فقالت: رحمة انتِ الفترة الاخيرة مرتبكة وعلى طول سرحانه، من قبل حادثة عدي وفيكي حاجة مش مظبوطه. انتي مخبية علينا حاجة؟
عاد الارتباك ليسيطر عليها من جديد، فلعقت شفتيها علها تمنحهما بعض الرطوبة، ومن ثم قالت: أنا آآ.
قاطعتها آية حينما قالت: اتكلمي يا حبيبتي ومتخافيش!

هزت رأسها وهي تخبره ببسمةٍ مصطنعة: مفيش حاجة. انا الفترة اللي فاتت كنت تعبانه واللي حصل مع عدي تعبني أكتر.
احتضنت يدها وهي تربت باليد الاخرى على كتفها: هيبقى كويس وهيرجع بيته بالسلامة. فوقي انتي لنفسك ولصحتك عشان أولادك محتاجينلك يا حبيبتي.

كبتت نور ألمها الشديد الذي هاجمها فور صعودها للاعلى بالرغم من صعودها بالمصعد، شعرت بأن مكان جرحها يضرم نيران تكاد تمزق أحشائها، فكبتت تأويهاتها المتألمة، حتى شعرت آية باحتقان وجهها فعنفتها بضيقٍ شديد: طبعًا تعبانه وموجوعة بسبب عنادك وتصميمك انك تيجي هنا، يا بنتي مينفعش الخروج وانتي بحالتك دي، ورحمة أكيد متفهمة ده كويس مش هتعاتبك انك مجتيش أو مكنتيش جانبها وانتي محتاجة للي يكون جنبك!

ردت عليها نور وهي تجاهد ما يعتريها: أنا اللي كنت حابة أطمن عليها. بس أنا محتاجة فعلا ارجع البيت لاني حاسة اني تعبانه.
أمسكت آية يدها، ثم عاونتها عن الوقوف قائلة بقلق: طب اسندي عليا لحد ما نخرج للسواق.
تشبثت بالمقعد وهي تخبرها ببسمة صغيرة: اطلعي انتي لعدي وأنا هرجع لوحدي.
أصرت على قرارها: لا مش هسيبك طبعًا وأنتي بالحالة دي. هرجع معاكي وانا بنفسي اللي همنعك من الخروج الفترة دي.

والتفت تجاه رحمة ثم تساءلت: هتقدري تطلعي لوحدك يا رحمة؟
أكدت لها حينما قالت: أيوه انا كويسة الحمد لله. خليكي مع نور شكلها تعبانه خالص.
أشارت لها بإيماءة صغيرة ثم عاونتها لتغادر بها المشفى.

أيه الخطر اللي مقدرتش تحميني منه وخلى ياسين الجارحي بنفسه يعتذر لابنه وهو بيصارع الموت!
شامخًا هو لم يهتز له جفن، وكأنه لم يستمع لشيءٍ لتو، بثقةٍ استدار تجاهه، انخفضت عينيه لحفيده الذي يراقب حديثهما الغامض بدهشةٍ، فزف أمره اللين إليه: خد أختك يا ياسين وإنزل عند نور ورحمة.

إنصاع الصغير إليه، فأمسك يد شقيقيته، ثم خرج بها للأسفل وأغلق الباب من خلفه ليترك لهم مجال الحديث، فمال بجسده تجاه النافذة القريبة منه، وهو يجيبه بنبرته الثابتة: أحميك من الهوا اللي ممكن يتسببلك بأي أذى، من أي شيء عجزت اني احميك أو أحمى حد من أولادي منه!
تعمق بالتطلع اليه، ومن ثم قال بشجنٍ: كنت سامعك وحاسس بيك وأنت جانبي وماسك ايدي!

استدار إليه ببطءٍ شديد، ثم جذب أحد المقاعد ووضعها جوار سريره، ثم جلس بهدوءٍ اتبع نبرته المتزنة ونظراته لا تترك عين من يراقبه بفضول: ده مكاني الطبيعي يا عدي، جانبك، في دهرك. حتى ولو مقدرتش تشوف ده.
ورفع ساعديه حتى لمس كف يده رأسه، فمررها برفقٍ على رأسه وهو يتابع: طول ما فيا النفس عمري ما هتخلى عنك.
وعاد بجسده للخلف وهو يتعمد التطلع اليه وهو يستكمل حديثه: أنت متوقع مين فينا بيستمد قوته من التاني؟

وابتسم ساخرًا وهو يردد: ياسين الجارحي مالوش نقط ضعف من وجهة نظرك. بس النهاردة خليني أعرفك عن أهم نقطة ضعف ليا يمكن تقدر تغلبني بالتحديات اللي مش بتنتهي بينا.
وبإشارة من عسليته قال: أنت نقطة ضعفي. وأنت أساس قوتي!

ومن ثم انحنى ليده التي تغزوها الآبر الطبية، فطبع قبلة صغيرة عليها وهو يخبره بجمود نبرة لا تليق بما يقول ويفعله: مستعد أحارب لاخر نفس فيا عشانك وعشان اخواتك. أنت مش شايفني غير بنظرة أنا اتعمدت انك تشوفني بيها.

أدمعت عين عدي تأثرًا، فابتسم ياسين وهو يتابعه باهتمامٍ: خليني أعترفلك النهاردة انك الوحيد اللي جوه عيلة الجارحي بتشبهني في عنادي وكبريائي اللي صنعته لنفسي، بس اللي عايزك تفهمه اني اللي كان في مواجهتي جدك وكان يستحق اني أكون كده لكن أنا لا يا عدي، أنا مش زيه ولا هكون في يوم كده.
وضم يده بين كفه وهو يشمله بحنان ودفء حديثه: أنا لو الكون كله ضدك هتلاقيني أول واحد في صفك وبدافع عنك.

تهاوت دمعاته على خده، فنهض ياسين عن مقعده بعصبية اطاحت مقعده بيده، للحظة لم يفهم عدي ما أصاب والده، الا حينما ولاه ظهره وهو يردد بانفعالٍ شرس: مش عايز أشوف دموعك في حياتي كلها، سامع!
أزاح سريعًا دمعته الخائنة، وقال بصوت واهن: بس أنا شوفتها لأول مرة بعيونك وأنا في العمليات!

استدار تجاهه فوجده يجاهد للوقوف على قدميه، لم يحاول مساعدته قط، ضم يده للخلف وراقبه بثباتٍ مهيب، يتمنى رؤيته يخطو بثبات قامته التي اعتاد رؤيته بها، اقترب منه عدي ثم قال بابتسامةٍ شقت الطريق على شفتيه: أنا معنديش شك انك بتحبني لاني ابنك، بس عندي الف سؤال بيطرح نفسه مع كل تحدي صعب بتحطه قدامي، كأن حضرتك حابب تشوفني عاجز ومش عارف أحل!

تعمق بالتطلع اليه وأجابه بتريثٍ: الصعب بالنسبالك انك تطلب مساعدتي مش الاختبار يا عدي!
ارتبكت نظراته حينما بدى عاريًا أمام أبيه الذي بدى يعرفه أكثر من نفسه، فاسترسل ياسين: أوكي أنا حابب أشوفك كده. بصراحة أنا عندي فضول أشوف نهاية عنادك دي أيه، وزي ما تقول كده مبقاش في شيء يسلني غير التحديات اللي بينا.

ابتسم عدي بالرغم من عينيه الدامعتان، واقترب منه وهو يخبره: بس أنا مش عايز اخوض تحديات تاني. أنا عايزك جنبي دايمًا يا بابا!

ضمه ياسين إليه بألم يشعل صدره، ود لو تخفى به لأبعد نقطة على وجه الأرض حتى لا يطوله الأذى، ومع ذلك سيطر على انفعالاته وضعفه الذي لم يحتل لافتة من صفحات دفتره، فأبعده عنه وهو يخبره بحنان: قولتلك أنا جانبك حتى لو أنت بنفسك رافض وجودي، مفيش انسان بيقدر يستغنى عن عين من عيونه وأنت وأخوك وأختك بصري اللي من غيره مقدرش أشوف!

وفجأة أشار له بصرامةٍ، جعلت الاخر يكبت ضحكاته: من فضلك ارجع لسريرك وبطل تعيش دور العيل الصغير سبق وقولتلك لو صبغت شعري هبقى أصغر منك!
ودفعه للخلف برفقٍ وهو يتابع باتزانٍ وحزم: هالك نفسي بالرياضة والتمارين وفي الاخر يتعلق بيا ويقولي بابا!، ياسين الجارحي أفضل مفهوم؟

فشل عدي بالسيطرة على ضحكاته، فمنحه ياسين نظرة حادة جعلته يشير له باحترامٍ بأنه سيتوقف بالحال، ولكنه لم ينجح بالسيطرة على ذاته فضحكوا معًا في لحظات ربما لن تنتسى، قاطعهما صوت رنين هاتف ياسين، فحينما رفعه وجد رسائل من عمر لم يراها الا الآن بولادة مليكة فتركه وتوجه للمشفى على الفور.

بمكانٍ أخر بعيد عن القاهرة، وربما سيكون ضيف به لعدة أيام، فتلك احدى ميزاته لذا يصعب على أحد الوصول اليه لتغيره للاماكن كل فترةٍ، صُدم مهاب مما استمع اليه، فود لو أنه أخطئ سماعه لذا عاد ليسأله من جديد: يعني أيه؟

أجابه كبير رجاله وهو يهاب القادم: زي ما فؤاد قالك يا باشا. عدي الجارحي ميعرفش إن مصطفى خرج من السجن أساسًا، في شخص تاني بيحمي عدي ومانع اي أذى يطوله وهو نفسه اللي حاجز مصطفى عنده وقتل رضا الحارس اللي زرعناه جوه بيت عدي الجارحي.

واستطرد حديثه بناء على ما جمعه من بيانات: التوقيت اللي مصطفى دخل فيه المستشفى عشان يخطف رحمة بنت عمه عدي مكنش موجود في المستشفى اللي كان موجود وقتها نفس الشخص اللي بسببه معرفناش ندخل المستشفى اللي اتنقل فيها عدي ولا نعرف حاجة عن حالته الصحية لحد اللحظة دي.
تجمع غضب الكون بأكمله بمقلتيه وبصراخ جنوني صاح: يطلع مين ده؟!
أجابه وهو يتحاشى غضبه: ياسين الجارحي، أبوه!

أظلمت عينيه بهلاكٍ قاتل، فابتسم بسخرية وهو يردد بفحيحه الخبيث: بسيطة. نلاعب الأب وابنه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة