قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

ضمة حنونة على أصابعها، قبلات متفرقة على جبينها، أنفاس دافئة لفحت جبتها، والمميز رائحة البرفنيوم الخاص به، استحضرتها حواسها إليه، فرددت بهمسٍ ومازالت عينيها مغلقة: ياسين!
هلل إليها صوته الرجولي المحفور داخل ذهنها قبل أن يحتل غرف قلبها الاربعة، توثب إليها وهو يردد: حبيبتي!

فتحت عينيها بتعبٍ يبدو على انزعاج قسماتها، فوجدته قريبًا بمقعده منها، عاد ليلثم أصابع يدها المتعلقة بيده برقةٍ، وهو يعاتبها بألمٍ وضيق: ازاي متعرفنيش يا مليكة، أنا هتجنن وأنا بتخيل اني مكنتش جنبك في يوم زي ده!
منحته ابتسامة مشرقة، وبعدها نبرة يغوص بها عدم الانزعاج: عمر، كان جنبي. أنا كويسة الحمد لله والبنت كمان بخير.

ضم وجهها بين يده وهو يقربها كليًا إليه، فتأوهت ألمًا حينما تحرك جسدها، أعاد رأسها للوسادة مجددًا وهو يشير لها بندم: مقصدتش أنا أسف!
عادت لتمنحه ابتسامتها الهادئة، فجلس ياسين لجوارها ثم جعل ذاته قاعدة صلبة لمرساها، فحملها اليه لتتكأ على صدره، حاوطها بذراعيه ومال على رقبتها وهو يخبرها بحزن: حتى لو عمر كان جنبك طول الوقت، ده ميمنعش اني لازم أكون موجود جنبك.

ابتسمت وهي تهمس له بمزحٍ: نعوضها المرة الجاية.
ضحك وأخبرها وهو يستند لرأسها: معتقدش اني هتحمل أشوفك كده تاني، يحيى وملاك نعمة وفضل كبير من ربنا.
مالت برأسها اليه كليًا، وهي تردد بدهشةٍ: ملاك!
ضمها لصدره وهو يجيب تساؤلاتها: قولتلك هختار اسم يقربني منك يا ملاكي!

تعلقت به بقوةٍ، فضمها ويده تعبث بخصلات شعرها المفرود، حانت منه نظرة جانبية لمن يغفو على السرير المجاور لها محتضنًا الصغيرة بين يديه، وكأنه يخشى أن يختطفها أحدٌ بعدم وجود أحدًا من العائلة، ورغبته الواهنة للنوم جعلته يستسلم بتعبٍ شديد، نهض ياسين ثم عاونها على التمدد بعدما رفع مستوى السرير للأعلى، فوضع وسادة من خلفها وجعلها تسترخي بجلستها، دنا من عمر فحاول سحب يده عن الصغيرة ليحملها بين ذراعيه، ولكنه فشل بتحريرها من بين ذراعه، فخشى أن يوقظه وهو يعلم كم غفى تعبًا لما بذله، لذا هبط على ساقه ليكون على نفس مستوى السرير، وتأمل صغيرته بعاطفة وسعادة كبيرة، فمرر يده على ذقنها الصغير وهو يردد بصوتٍ منخفض: ملاك وأنتِ ملاك تبارك الله.

طرقة سريعة وبعدها تحرر مقبض الباب ليظهر ياسين الجارحي من خلفه، بصحبة يحيى الذي انتهى من اجراءات المشفى، اندفع تجاه فراش ابنته، فانحنى وطبع قبلة على جبينها قائلًا: حمدلله على السلامة يا حبيبتي.
اتسعت ابتسامتها فرحًا وهي تردد بسعادة: الله يسلم حضرتك يا رب.
تراجع للخلف بينما دنى منها يحيى وهو يقدم باقة من الزهور البيضاء، وعاتبها بمشاكسةٍ: كده يا مليكة مش تعرفينا نكون جنبك؟

التقطتها منه بامتنانٍ، ثم قالت بحبورٍ: جت صدفة والله لولا قابلت عمر بالتوقيت ده مكنتش عارفة هتصرف ازاي!
تلقائيًا انتقلت الاعين تجاه السرير الذي يحتله عمر بالصغيرة، فاسرع يحيى اليه وأشار لياسين: حابب أشيلها.
ضحك وهو يخبره: مش عارف أسلكها من عمر. تقريبًا بيقرأ كتير عن الاطفال اللي بتتسرق وبتتبدل من المستشفيات!
تحرك ياسين الجارحي تجاه عمر بنظرة عميقة أحاطتها الشفقة، فهزه برفقٍ وهو يناديه: عمر.

مجرد سماعه لصوت أبيه نهض عن الفراش سريعًا وهو يجيبه بنومٍ يجاهد بإخفاء أثاره عن عينيه: بابا. عدي عامل أيه دلوقتي؟
وضع ياسين يده على كتفه الأيمن وهو يشير له بحزمٍ: ارجع القصر كمل نومك. ومتقلقش عدي خارج النهاردة.
كاد بالاعتراض فسحب العالق على لسانه حينما رأى نظراته الصارمة، جذب جاكيته وأشار لياسين قبل أن يغادر: مبارك ما جالك. تتربى في عزك ان شاء الله.

منحه ابتسامة هادئة وهو يجيبه: تسلم يا عمر. حقيقي مش عارف أشكرك ازاي.
أشار له بابتسامة صغيرة، وغادر وهو يجاهد تمزق أضلاعه وصداع الرأس الذي لا يفارقه منذ الأمس، حمل ياسين الجارحي الطفلة ببسمة تسللت اليه، قبلها على خديها ثم قال بمحبة: شبهك يا مليكة.
زمت شفتيها وهي تردد باستياء: كنت عايزها شبه حضرتك.
رفع احد حاجبيه بمكر، فقال وهو يضعها بين يدها: معتقدش. ميولك الاكبر لياسين مش ليا.

احمر وجهها خجلًا، فابتسم ياسين وهو يتأملها بحبٍ، استقام بوقفته فاضاء هاتفه برسالة جعلته ينسحب على الفور بضيق شديد.

كان عليه ادارة المقر بمفرده بعد غياب عدي و ياسين و رائد، فعاونه جاسم، و معتز، فرك أحمد رأسه بتعبٍ شديد، فحرر جرفاته باختناقٍ يجاهده وهو يعمل بتخبط على عدد من الملفات، فبحث عن ريموت (التكيف) حتى يرفع من درجاته قليلًا، فاستمع لصوت اشارته وبالفعل علت درجاته دون أن يستعمله، التفت جانبًا فوجد حازم من قام برفعه، ثم اقترب من مكتبه فجذب احد المقاعد وهو يشير لمن يتابعه: خليني اساعدك. هراجع الحسابات وأنت راجع ورايا.

رفع أحمد حاجبه بشكٍ: من أمته ده؟
ابتسم وهو يخبره: صعبت عليا وجاي أساعدك. ثم إني ملزوم بواجبات تجاه أخويا الكبير!

منحه أحمد ابتسامة هادئة وراقبه وهو يراجع الحسابات بمهارةٍ واتقان، فعاون أحمد على انجاز عدد ضخم من الصفقات المؤجلة، ولج جاسم للداخل وعلى ما يبدو بأنه يحاول استيعاب ما يحدث بالداخل والسبب الذي أتى به لمكتب احمد مهرولًا، تغاضى عما يحدث مع حازم بتلك اللحظة ورفع الورقة أمام أحمد الذي تساءل بدهشة: ده أيه؟
قال بانبهارٍ وذهول تام: أنت اللي المفروض تفهمني الفاكس ده وصلنا ازاي والصفقة اخدها مهاب أبو العزم!

التقط احمد الفاكس منه بسعادة، وانتصار تلألأ على حدقتيه، فوضعه جانبًا واسترخى بجلسته وهو يرد على سؤاله: الرد المناسب على اللي عمله الكلب ده. خطف مروج مكنش ينفع نعديه بالساهل، هو كان فاكر انه اخد المناقصة ميعرفش اني عشت عمري كله بالسوق وعارفه أكتر منه، عدي اداه الضربة الصح وأنا كملت عليه بتعديلات عرض رائد أظن ان الدرس اللي أخده دلوقتي هيعلمه ازاي يتعامل مع شركات الجارحي كويس!

رمش بعينيه عدة مرات وهو يحاول استيعاب ما يحدث هنا، فقال: يعني عايز تفهمني أن مهاب ده خسر المبلغ الكبير اللي دفعه مقدم للمناقصة!
هز رأسه بتأكيدٍ، فألقى جاسم الفاكس عن يده وانحنى فوق المكتب حتى لامس كتف أحمد، فصاح بحماسٍ: دماغ معلم بصحيح.

تأوه أحمد من شدة الضربة، فانتصب جاسم بوقفته وهو يشير له بمزح: حقك عليا، بس أنت دماغك دي دهب والله العظيم. اللي عملته مع مهاب هيسمع في السوق كله لان العرض اللي اتقدم منك للشركة كان بإسم أحمد الجارحي.

غامت عينيه بشعلة من الغضب، فردد بشراسةٍ: اللي خلاني اعمل كده يا جاسم لاني حسيت ان الكلب ده هو اللي ورا اللي حصل لعدي. مش عارف ليه عندي احساس قوي انه حب ينتقم منه بعد اصراره انه يكمل في المناقصة، أنا مهمنيش الخسارة اللي هتحملها في تقليل المبلغ اللي قدمته بالعرض عشان اضمن انه أفضل من عرض شركة مهاب حتى لو هدفع الخساير من حسابي الخاص بس المهم ان الصفقتين مطلعوش بره شركات الجارحي.

قاطع حازم حديثهما حينما قال: انا كمان شكيت انه يكون ورا اللي حصل لعدي، بس لما فكرت كويس في كلام رائد حسيت اني توهت، ليه عايز يتخلص من رائد طالما عدي اللي لاعبه على تقيل!
رد أحمد بحيرةٍ: مهو ده اللي أنا مش فاهمه. بس الاكيد ان عمي عارف بكل الحوارات دي من الاول عشان كده داخل عدي قصاد مهاب. في شيء احنا منعرفهوش!

فتح معتز الباب وهو يجيبه ساخرًا: بمناسبة كلامك عن ياسين الجارحي فهو اول ما وصل من دقيقة طلبك لمكتبه حالًا. وحالًا دي تقلق!
ابتلع حازم ريقه بصعوبةٍ بالغة، فتعلق بذراع اخيه وهو يشير له: بلاش تروح يا أحمد. هتتعلق.
انفجر جاسم ضاحكًا، وردد بسخرية: خايفة على، أخوكي يا بيضة.

لكزه بعنفٍ وهو يتابع حديثه بمرحٍ: بص يا أحمد انت صعبت عليا وأنا قررت اساعدك على هذا الاساس، لكن ياسين الجارحي والحوارات اللي اكبر مني دي مقدرش انجدك منها. روح شوفه عايزك ليه وأنا هستناك هنا لحد ما ترجع.
وزع نظراته بينهما بسخطٍ، فتركهما وكان بطريقه لمكتب ياسين حينما دق هاتفه للمرة الثالثة، رفع احمد الهاتف قائلًا: أيوه يا حبيبتي.

انكمشت تعابيره بدهشةٍ: دلوقتي! لا صعب يا أسيل انا مشغول جدًا روحي انتي المدرسة وشوفي في أيه!
مرر يده على جبينه وهو يحاول حجر انفعالاته: يعني يا أسيل من غيري مش هتعرفي تحلي الموضوع. أنا نفسي أحس انك يعتمد عليكي مش عندي تلات أطفال.
جز على شفتيه من نبرته القاسية، وعاد لاتزانه مجددًا وهو يخبرها: دقايق وهكون عندك.
وأغلق الهاتف ثم اعاده لجيب سرواله البني، وتابع الصعود للاعلى حتى ولج لمكتب ياسين الجارحي.

هاجمته عواصف رعدية جعلته مخيفًا وهو يعبث بسلاحه الأسود، ومع ذلك استجمع الرجل شجاعته وهو يسترسل حديثه الغير مرغوب بسماعه بتلك اللحظة: الادارة باعتتلنا فاكس الصبح ووقفوا تنفيذ العرض لصالح شركة تانية.
بثباتٍ قاتل قال ومازال يلهو بسلاحه فوق ذاك المقعد الذهبي: شركة مين؟
ازدرد الرجل ريقه الجاف بصعوبة بالغة، وهو يصرح عن أخر اسمًا قد يود سماعه: الجارحي، أحمد الجارحي اللي قدم العرض.

رفع يده بكل سلاسة واطلق الزناد ليغزو رصاصه صدر من أمامه يحاول استعاب الصدمة والألم الحاد الذي توغل لصدره للتو، ارتعب من حوله وهم يراقبون مصير زميلهم لمجرد نقله لهذا الخبر اللعين، نهض مهاب عن مقعده وهو يصرخ بعصبية فاقت الجنون: معتش ورايا غير عيلة الجارحي.

وعاد ليطلق نيرانه عليه من جديد، فاصابه مجددًا بكتفه الايسر حتى أغلق عينيه استسلامًا للموت، فاستكمل صراخه المريض: بتكلمني عن خسارة الصفقة بكل برود. بروح أمك دول 30مليون دولار!
واستدار تجاه من يراقبه ليصيح بانفعال: كمال، انا عايز كل اللي يخص الواد ده حالا، لازم يدفع تمن الخساير دي.

هز رأسه بخفة، ومن ثم قال بترددٍ: يا باشا العيلة دي مش سهلة، كل ما هتفكر تقف في وش واحد فيهم هتلاقي اللي يأذيك ومش هتعرف الاذية جيالك منين.
واسترسل حديثه حينما وجده يتابعه باهتمامٍ: أول حاجة لازم تخلص من عدي لانه هو الشوكة اللي هتصيب ياسين الجارحي، صدقني بعدها مس هتلاقي اللي يقفلك.

هز رأسه نافيًا وهو يتابع نسخة العقد الذي قدمه أحمد من أمامه: الواد ده باين عليه مش سهل، ولو قرر يضربني في شغلي مش هيكون عندي اللي اتسند عليه عشان اكمل اللي في دماغي. اعرفلي عنه كل حاجة.
استسلم لما يجوب برأسه وغادر لينفذ ما يريد، عساه بات على عتبة الخلاص من ذاك العالم برحلة نهائية لا عودة منها.

بمكتب ياسين الجارحي
طرق أحمد مرتين متتالتين، وحينما استمع لصوته الرخيم يأمره بالدخول، ولج للدخول بخطوات مرتبكة، فوجده يجلس أمام الشرفة ويرتشف قهوته بثباتٍ قاتل، دنى منه أحمد ثم تنحنح بتوترٍ: حضرتك طلبتني؟
رفع عينيه عن النافذة ثم تطلع له بنظرة ثاقبة، فألقى على الطاولة التي تفصل بينهما نسخه من عقد الاتفاق وقال بصرامة: فهمني أيه ده؟

رمش بعينيه بارتباكٍ وهو يراقب العقد، ثم قال: ده رد معتبر على الحيوان ده بعد اللي عمله، مهو أكيد مش هنسكت بعد اللي عمله مع مروج وعدي، أنا واثق ان اللي حصل لعدي كان هو اللي وراه يا عمي.
نهض ياسين عن مقعده بغضبٍ، جعل احمد يضع عينيه أرضًا بوقارٍ له، فتحررت كلماته الحازمة: خليك برة الحوار ده يا أحمد ومتحاولش تتدخل بأي شكل من الأشكال.

رفع عينيه تجاهه ثم قال باستنكار: ازاي وهو كان هيقتل أخ من اخواتي! هو مش حضرتك علمتنا ندافع عن بعض ولو وصلت للحرب هنحارب عشان واحد مننا ميمسوش مكروه!
اقترب منه ياسين ثم قال بهدوءٍ تحلى به بعد سماعه: الحرب دي لو أنا مش موجود فيها يا أحمد، أنا بنفسي اللي هحل الموضوع ده.

وأشار على العقد وهو يسترسل بنفس نبرته: أنا عارف انك ذكي وقد ثقتي فيك، وجودك انت وياسين بالمقر هو أساس كمالة اللي عملته انا ويحيى، بس بلاش تدخل شغلك في رهان هيجي عليك وعلى اللي يخصك. الانسان ده مش سهل اللعب معاه يا أحمد أنا اللي فاهم دماغه وعارف هو بيفكر ازاي، واللي عملته ده هيكون له ردة فعل أنا هكون جاهز ليها.

انتابه الشك أكثر بعد سماع ما قاله، فسأله بلهفة: هو أنا ليه حاسس ان حضرتك عارف حاجة خطيرة عن مهاب ده وساكت. فعلا اسلوبه وطريقته مع عدي مش مفهومه!
وضع ياسين يده على ذراعيه ثم قال: متشغلش بالك بالموضوع ده. انا عايزك تفوق للمقر لحد ما الدنيا ترجع زي الاول.

هز رأسه بتأكيدٍ، واستأذن بالانصراف للذهاب لمدرسة ليان ليعلم ماذا هناك، بعد رحيل أحمد ولج يحيى للداخل وعلى ما يبدو بأنه كان يستمع للحوار المتبادل بينهما من البداية، فاقترب منه ثم قال بملل: وبعدين يا ياسين حوار مهاب ابو العزم ده طول أوي ولازم يتحطله حد.

استدار تجاه النافذة من جديد، ثم وضع يده بجيب جاكيت بذلته الانيقة، ليجيبه بضيقٍ: عثمان قدر يعرف المكان اللي مستخبي فيه ولما اخد الحرس وراحوا المكان مكنش له وجود!
جلس يحيى على الاريكة الجانبية وهو يردد بتفكير: تفتكر أمجد السلاموني ده اللي بيحميه!
ضيق عينيه بغموضٍ تام: بالعكس امجد السلاموني متداري ورا اسم مهاب أبو العزم والحياة الجديدة اللي هو بناها وسط كبار رجال الاعمال.

واستطرد بغضب: اللي عمله أحمد الكلب ده مش هيعديه بالساهل، وخصوصًا وجود مصطفى عندي، هيكونله رد فعل والاكيد ان القصر مبقاش أمان بالوقت الحالي، على الاقل البنات وأولادهم يكونوا بمكان بعيد عن القصر.
سأله يحيى بدهشة: وهنعمل ده ازاي؟
مرر يده بين خصلات شعره البني الذي يكسوه اللون الأبيض بتناغمٍ: ده اللي بفكر فيه!

رأته يقف أمامها برأس تشبه الأفعى، سمه الخبث يموج فكاد بأن يصل إليها، تراجعت للخلف وهي تتوسل له بالا يزيد من قربه البغيض، ومع ذلك كان يتعمد الاقتراب منها، البرودة تسللت لأطرافها رويدًا رويدًا، حتى لسانها كأنه أصيب خلف حاجز من البرودة جعلته يحجز عن الحديث، حررت صرخة كبتت داخلها رغمًا عنها، فتسللت لمسمع الغافل جوارها، نهض عدي عن فراشه بصعوبةٍ، ثم تحرك للسرير المجاور له، تفاجئ بتصلب جسدها الغريب، فأمسك يدها وهو يناديها بفزعٍ: رحمة فوووقي مالك؟

وعاد يناديها من جديدٍ بصراخ تسلل اليها: رحمة!
فتحت عينيها الباكيتين على مصرعهما، وهي تبتعد عنه ظنًا من إنها مازالت محاصرة بنفس الحلم اللعين، استعادت واعيها الغائب وتمعنت بمن أمامها، انهمرت دمعاتها وهي تزحف تجاهه، فالقت ذاتها بين احضانه تبكي كالصغيرة التي تشكو مما رأته، فرددت بانهيار: عدي!

ضمها اليه بذراعه الايسر وقد اعترته الشكوك لما يحدث لها، وبنسبة قليلة ظن بأنها مازالت تخاف أن يحدث السوء اليه، حتى وان تراقصت ظنونه حول ما يحدث معها قبل الحادث، فضمها اليه وهو يهدهدها بصوته الهادئ: متخافيش أنا جنبك، حاولي تستوعبي اننا عدينا المرحلة دي يا حبيبتي. خلاص كل شيء انتهى وانا هنا جانبك!

ابتعدت عنه وهي تجاهد لرسم ابتسامة صغيرة، فخشيت بأن يعلم بما تخفاه لذا أشارت له وهي تتفحص ساعتها: هقوم اتوضى وأصلي الظهر قبل ما السواق يجي يرجعنا القصر.
اكتفى بإيماءة بسيطة لها، فتابعها حتى ولجت لحمام الغرفة بغموضٍ!

وصل أحمد لمدرسة ابنته الخاصة في دقائقٍ معدودة، فصف سيارته على طرف الطريق، ثم التقط الكيس الذي يحوي الحلوى والشوكولا، وهبط مسرعًا للداخل، قاصدًا غرفة المديرة، طرق الباب مرتين متتاليتين وحينما استمع صوت يأذن له بالدخول، ولج للداخل وهو يبحث بعينيه عن زوجته وابنته، فحانت منه نظرة جانبية لفتاة تبكي وتتعلق بيد والدتها التي تصيح بوجه آسيل بانفعالٍ: حتى لو بنتي غلطت بنتك ملهاش الحق انها ترفع ايدها عليها!

احتضنت آسيل ليان ثم قالت مدافعة عما فعلته ابنتها: بنت حضرتك هي اللي استفزتها بالكلام ومش دي أول مرة تعملها، ليان سبق وحكتلي انها بتتعمد تناديها باسمها الكامل وتقولها ليكي أبين!
واسترسلت حديثها بشراسةٍ واندفاع: المفروض تربي بنتك الاول ازاي تتكلم مع زمايلاها قبل ما تقفي وتغلطي بنتي!

تدخل احمد على الفور، بعدما تسرب لمسمعه صورة مختصرة لما حدث هنا، فقال برزانةٍ: مفيش داعي للعصبية دي في وجود البنات، ممكن نحل الموضوع بطريقة أفضل من كده.
ارتحت تعابيرها المشدودة حينما وجدته لجوارها، فتركت له الساحة باطمئنان، أسرعت ليان تجاهه، فتعلقت بيده وهي تتابع بكاء زميلتها بنظراتٍ حزينة، تطلعت تجاهه الأم وتساءلت بهدوءٍ غريب لا يلامس حالتها التي كانت بها منذ قليل: حضرتك والدها؟

أجابها ويده تشدد على يد ليان الصغيرة: أيوه.
ثم اشار لهم وللمدير قائلًا: لو ممكن هاخد بنتي بره شوية أعرف منها اللي حصل وبعد كده نحل الامور.
نهض المدير عن مكتبه وهو يشير للباب بصدرٍ رحب: اتفضل حضرتك. خد راحتك.

خرج بها أحمد، واختار الجلوس على الأريكة المزخرفة برسومات كرتونية مبهجة وسط ساحة المدرسة، جلست ليان جواره بصمت والضيق يتمكن من ملامحها الغاضبة، جذب احمد الحقيبة التي يحملها، ثم جذب قالب من الشوكولا وقربه منها، فحملته بابتسامةٍ واسعة، ضمها اليه وهو يخبرها: مش عايز أشوفك زعلانه تاني.
هزت رأسها بانصياعٍ، فاستغل فرصته حينما قال: قوليلي أيه اللي حصل. وفعلًا انتي رفعتي إيدك على البنت؟

عادت لتهز رأسها حرجًا لما فعلته، لم يبعدها عن احضان حنانه، واسترسل حديثه بهدوءٍ: مهما كان اللي قالته أو عملته مينفعش ترفعي ايدك عليها يا ليان. حبيبتي أنا عارف انتي بتواجهي أيه بس عايزك قوية. تقفي في وش أي حد وتجوابي على سؤالهم اللي مش هتخلصي منه طول حياتك.
ورفع وجهها اليه وهو يستكمل: عرفيهم أن الأب هو اللي ربى وكبر وإني باباكِ حتى لو اسمي مش ورا اسمك.

ازاح دمعاتها عن وجهها، وطبع قبلة على خدها الرقيق ثم قال بحزنٍ: لو أنتي ضعيفة قدامهم محدش هيرحمك. ودلوقتي عايزك تعتذري عن اللي عملتيه.
وناولها قطعة اخرى من الشوكولا مماثلة لما تحملها وهو يشير لها: اعطيها لزميلتك.

أزاحت دمعاتها عنها ثم نهضت وتعلقت بذراعيه فعادوا معًا للداخل، تفاجأت آسيل حينما وجدت ابنتها تعتذر وتقدم الشوكولا للفتاة، التي بدورها اعتذرت لها هي الاخرى فضمت كلا منهن الأخرى، لينتهى هذا الجدال سريعًا، شكرته والد الفتاة متعمدة ابداء اعجابها بشخصه المتزن، فقالت باعجابٍ: أنا بشكر حضرتك انك اتفهمت الموقف وحلته بدون ما يكبر، حقيقي اتشرفت بمعرفتك يا أستاذ احمد.

كبت أحمد ضحكة كادت بالانفلات منه وهو يراقب النيران تكاد تتقاذف من عين آسيل التي تراقبها بغيظٍ، شكرها بعملية باحتة ثم استأذن المدير بالانصراف، رفضت آسيل الصعود لسيارة أحمد، فسألها بتعجب: أنا غلطت في أيه دلوقتي!
ضحكت ليان ثم قالت بمكر: كنت عارفة إن مامي هتتضايق من طريقتها مع حضرتك بالكلام.
أشار لها بابتسامته المرحة: سبينا نتناقش بالموضوع يا ليو. اركبي انتي.

صعدت الصغيرة للسيارة بالمقعد الخلفي، فانفجرت آسيل بما خبئته بداخلها بغيظ: اتشرفت بمعرفتك يا استاذ أحمد. كان ناقص تقولك هات رقمك عشان متبقاش أخر مرة نتعرف فيها!
تقمص دور الحزين بامتيازٍ، حينما قال: كده مش انتي اللي اتصلتي بيا وطلبتني أجي!
ذمت شفتيها بسخطٍ: وياريتك مجت ضيعت حق البنت.
أوقفها باشارته الجادة: الاتنين غلطنين. ومكنش ينفع انك تتعصبي على البنت بالشكل ده!

ثم أشار للسيارة بضيق: اركبي نقعد في أي مكان ونتكلم. هنا مينفعش.
واسترسل حديثه وهو يعبث بازرار هاتفه: انا هكلم حد يجي ياخد عربيتك ويرجعها القصر.

استسلمت لما قال، وصعدت جواره بالمقعد الامامي، فاتجه بهما لاحد المطاعم التي تحبها ليان كثيرًا لوجود مكان خاص بالاطفال، يحوي الكثير من الألعاب الشيقة، فما ان انتهت من تناول طعامها حتى اتجهت للحديقة تلهو أمام أعينهم، فاستغل أحمد بقائهما بمفردهما، وقال بصوته الرخيم: آسيل. أنت اتضايقتي من طريقة كلامي معاكي على الموبيل؟

التفت برأسها تجاه ليان متعمدة الا تجيبه، فاستدار جانبًا وهو يتفحص المكان من حوله، ثم تسلل بيده ليدها التي تضم كوب العصير، تفاجأت به، فتطلعت تجاهه لتجده يمنحها أجمل ابتسامة تعشقها، وهو يخبرها: حقك عليا كنت بايخ بصراحة. بس لازم تعرفي ان ده بوادر الارتباك قبل دخولي لمكتب ياسين الجارحي.
بررت سبب استيائها حينما قالت: لا مزعلتش. أنا اللي مضايقني المواقف اللي بتمر بيها ليان.

قرب مقعده منها وحاول قدر المستطاع البقاء قربها علها تلامس صدق حديثه: اللي بتمر بيه مش سهل. بس انا مش هتخلى عنها يا آسيل هكون جنبها دايمًا.
ابعدت كوب العصير عن يدها وهي تخبره بسخرية مؤلمة: لحد امته يا أحمد، هنكون جنبها ازاي بره البيت ولو دافعنا عنها مرة هنقدر التانية! الموضوع ده لازم يتحل انا مش مستعدة اشوف بنتي بالحالة دي.

واستطردت حديثها قائلة: انا أساسًا قدمت ورقها في مدرسة تانية وهتتنقل ليها من أول الشهر الجديد.
قال باستنكار لحلها الذي تعتقد كونه مثالي لحالة ابنتها: وده الحل!

تعمقت بالتطلع لعينيه وهي تجاهد السيطرة على دمعاتها، ان نجحت بتخبئة الأمر عن زوجها كيف ستنجح بالصمود أمام صديق طفولتها الذي يعلم ما بها من قبل أن تخبره!، ضيق أحمد عينيه بدهشة وهو يتابع تلك التجمعات بعينيها الدامعة، فردد باستغرابٍ: اللي حصل ميستهلش كل ده!
تدفقت تلك الدمعة لتحرر معاناتها، فتساءل أحمد بقلقٍ: مالك يا آسيل؟

سحبت يدها عنه وابعدت مقعدها وهي تدنو من الحديقة مرددة بفزعٍ: ليان فين؟، فين ليان يا أحمد؟
نهض خلفها ثم جذبها لتكون قبالته: ليان بتلعب قدامك. قوليلي بتخبي عني أيه وخايفة عيونك تفضحه!
رفعت عينيها تجاهه ثم قالت بصوت باكي: أأأنا. أنا.
وتركته واتجهت لحقيبتها ثم جذبت ملف وقدمته له، التقطته منها ثم فتح محتوياته فصعق مما رأه، رفع الشهادة التي يحملها تجاهها ثم قال: ازاي قدرتي تعملي كده؟!

أجابته بصلابةٍ مخادعة: قدرت، قدرت وانا مبفكرش غير في المعاناة اللي بنتي عايشاها. أنا بنتي كل يوم بترجع من مدرستها ودموعها في عنيها، أنا خلصتها من أكبر عذاب هتعيش فيه.
جحظت عينيه في صدمةٍ، فصاح بعصبية بالغة: وأنا مكنتش قادر اني اكتبها باسمي واعمل اللي عملتيه؟!
والقى الشهادة ارضًا وهو يصرخ بها: ده غلط وربنا محرمه ازاي ترتكبي ذنب كبير زي ده ومن ورايا بتخططي وتنفذي من ورايا يا آسيل؟

وجذبها من معصمها وهو يسترسل: ويا ترى بقا دفعتي رشوة كم عشان تعملي كده!

وزعت نظراتها بينه وبين الناس التي تجمعت من حولهم، حتى ليان اتت اليهما مسرعة، استعاد أحمد ثباته بصعوبةٍ بالغة، فاتجه للطاولة ثم وضع مبلغ من المال واتجه للخارج سريعًا، جمعت اسيل الاوراق واسرعت من خلفه حتى صعدت للسيارة، لزم الصمت طوال الطريق، حتى هي خشيت الحديث أمام الصغيرة فتستمع لحديثهما، وما أن وصلوا للقصر حتى ولجت من خلفه لغرفة المكتب الرئيسية، نزع عنه جرفاته ومن ثم خلع جاكيته واستدار ليكون قبالتها، فاوقفها قبل ان تلفظ بحرفٍ وهو يشدد على كلماته: أي وسيلة هتحاولي تبرري بيها اللي حصل هتسقطك من نظري أكتر يا آسيل، متحاوليش!

ترقرقت عينيها بالدموع وهي تشير له: على الاقل اسمعني يا أحمد.
اسمع ايه! الموضوع ده مخلصش في يوم وليلة انتي مرتباله بقالك كتير أنا كنت فين من حساباتك دي كلها!
قالها مشدوهًا وهو يحاول استيعاب ما فعلته، قطعت المسافة القصيرة بينهم، ثم وضعت يدها على يده الموضوعة على المقعد من أمامه، وقالت بصوت متقطع من البكاء: يا أحمد اسمعني أنا آ.

سحب يده منها، واستقام بوقفته وهو يخبرها بجفاءٍ: اللي عملتيه ده مش مشكلة هتتداري فيا وهحميكِ، ده ذنب وعقابه كبير عند ربنا أنا ولا أنتي نقدر نقف قصاده!
ببكاء رددت: واللي بيحصل مع بنتي ده أيه؟ حلال!
اعاد خصلاته المتمردة للخلف بعصبية بالغة: دي انساب يا آسيل ولما انا كنت حابب اعمل ده سمعت لشيخ من الأزهر واتراجعت. انتي ليه مش قادرة تفهمي!
في ايه يا ولاد صوتكم عالي وطالع لما لبره!

سؤال طرحه أدهم الذي أسرع اليهما بقلقٍ من سماع صوت شجارهما الصاخب، وحينما لم يستمع لجوابٍ واضح لسؤاله دنى منهما وهو يطرح سؤاله بشكلٍ مباشر: في أيه يا أحمد؟

لم يعتاد أن يكون في واجهتها وضدها حتى تلك اللحظة يكاد يقتل ببطءٍ على أن يشكو مما فعلت لأبيها، لذا جذب جرفاته وجاكيته وقال باحترامٍ قبل أن يتوجه للخروج: أنا آسف يا عمي. الموضوع عند آسيل لو هي حابة تتكلم ليها حرية الاختيار لكن أنا مش هقدر اتكلم. عن إذن حضرتك.
وكاد بتركهما فاوقفه ادهم قائلًا: لو مش حابب تتكلم يبقى على الاقل تستنى وتسبني أشوف بنتي غلطت في أيه؟

أومأ برأسه فاختار الجلوس على اريكة بنهاية الغرفة، اما ادهم فجلس على المقعد القريب من ابنته، ثم أشار لها بالجلوس، جلست وهي تخفض عينيها أرضًا خشية من مواجهة ابيها، فركت اصابعها بتوترٍ بالغ مما ستخبر به أباها، فقال بخوفٍ من حالتها الغير مبشرة بالمرة، خاصة وانه طوال تلك المدة كان بين الحين والاخر يتدخل بحل بعض المشاكل المتبادلة مع ابنه جاسم وزوجته داليا، ولكن لم يسبق له ولو لمرة التدخل بين ابنته وأحمد الزوج المثالي الذي كان يقدم لها حماية تطوف بها عن أهلها حتى وان كانت مخطئة كان يصر على المواجهة بينهما دون أن يتدخل طرف ثالث، والآن رغمًا عنهما قد ذاع عنها، وزعت نظراتها بينه تارة وبين ابيها تارة اخرى، تمنت لو تدخل أحمد للدفاع عنها مثلما كان يفعل دومًا ولكنه بقى صامتًا يتابعهما بسكونٍ، ترقب ادهم ما ستقول فخرجت عن صمتها حينما قالت بتوترٍ: أنا غيرت شهادة ليان يا بابا.

انتابه غضبًا شديدًا ببدأ الامر مما فعلته، ولكن حالتها جعلته يسترخي ويتحكم بانفعالاته، فقال بثباتٍ: مش هسالك ليه عملتي كده لاني عارف هتقولي أيه، بس قوليلي انتي راضية عن اللي عملتيه!
رفعت عينيها تجاهه وانفطرت بالبكاء وهي تجيبه: لو ده هيحميها من المشاكل وهيخليها سعيدة فانا راضية. أنا عارفة ان ربنا رحيم وميقبلش الظلم. مش هيهون عليه يشوف بنت صغيرة بتعاني.

بعقلانية اخبرها: ولنفترض ضمير ابوها صحي بيوم من الايام ورجع يطالب ببنته ساعتها هتعملي أيه؟
انتفضت عروقها بانفعالٍ قاتل، ورددت بشراسة: محدش هياخد مني بنتي ولو على موتي، انا عملت كل ده عشان احميها منه ومن اللي عايز يعمله؟
صعق كلا منهما، فتساءل ادهم باستغرابٍ: يعمل أيه؟
ابتلعت ريقها بتوتر قاتل، فنهض احمد عن الاريكة واقترب منهما وهو يتساءل بشكٍ: أنتي مخبية ايه تاني يا آسيل، اتكلمي!

بكت بصوت مسموع وهي تحاول الحديث من وسط نوبة بكائها: من فترة بيوصلني رسايل تهديد منه انه هياخد ليان مني لو محولتوش كل أول شهر المبلغ اللي بيطلبه، ونبه عليا اني معرفش حد بالموضوع وفعلًا كنت ببعتله الفلوس بس الموضوع زاد عن حده بقى يظهرلي في كل مكان اروحه!

كانت صدمة لهما ولكن لاحمد النصبب الاوفر، فقال بغضبٍ جامح: يعني بتكلميه وبتبعتيله فلوس وزورتي شهادة ميلاد للبنت وكل ده وأنا فين من حساباتك! كنت مستانية أيه عشان تقوليلي مستانية الكلب ده يخطف البنت ولا يطلب شيء منك ألعن من الفلوس مهو شايفك سهلة معاه وبتلبيله كل طلباته!

وضعت يدها على فمها تكبت شهقاتها صدمة مما استمعت اليه، فاستدارت لابيها الذي قال بحزن: كلامه صح ومغلطش في حاجة، انتي غلطتك كبيرة ومفهاش عفو. على الاقل عرفي جوزك او حد فينا انتي مش عايشة لوحدك!
جذبها احمد من معصمها وهو يتساءل بشكٍ: مين اللي ساعدك تعملي الشهادة، انتي متعرفيش تتصرفي التصرف ده لوحدك؟ قوليلي مين؟
أنا اللي عملت كده. لكن مكالماته ليها مكنتش اعرف عنها شيء.

صعق أحمد وادهم حينما ولج جاسم للداخل وهو يعترف بمساعدته لشقيقته التي لجأت اليه، ولم يقوى على تحمل رؤيتها بتلك الحالة، فانصاع اليها وقدم كل مساعدته اليها، منحته آسيل نظرة اعتذار لما جعلته يخوضه من موقف لا يحمد بالوقوف أمام ابيه وأحمد، وخاصة حينما تقدم ادهم ليكون قبالة ابنه فردد بصدمة: أنت بدل ما تعقل أختك وترجعها عن الغلط ساعدتها تعمل كده؟ لو مكنتش عارف تتصرف على الاقل كنت ترجعلي!

واسترسل بحدة: انا ممتش لسه!
رد مسرعًا: بعد الشر على حضرتك. بس أنا عملت اللي شوفته مناسب. ليان وآسيل بيعانوا لحد النهاردة انا كنت حابب اساعد مش أكتر.
تدخل احمد بالحديث حينما قال بضيقٍ: تصرفك غير مبرر يا جاسم. انت عاقل كفايا عشان تميز بين الصح والغلط.
وجذب الهاتف عن يدها وهو يردد: انا اللي هوقف ال عند حده.

وغادر من أمامهم، ليترك مجال الحديث بينهم، تطلع ادهم اليه بصرامة اتبعت حديثه الحاد: اللي عملته انت واختك غلط وحقيقي انا مش عارف أقول ايه لاحمد؟
ارتمت آسيل على صدره تبكي بانهيار وهي تردد: غصب عني والله يا بابا أنت متعرفش اللي أنا بحس بيه وانا شايفة ليان بالحالة دي!
ضمها ادهم اليه بحزن، فربت على ظهرها وهو يخبرها بحنان: ده ميمنعش انك غلطتي. مش عارف أحمد هيحل المصيبة دي ازاي!

وأبعدها عنه وهو يشير لها: هنتكلم بعدين. اطلعي ورا جوزك أهم.
هزت رأسها بتفهمٍ، مسحت دموعها واسرعت خلفه للاعلى، لم يبقى سواهمت بالغرفة، نظرات أبيه كان بها عتاب قاسٍ، لذا تخلى جاسم عن صمته حينما قال باستسلام: ممكن اكون اللي عملته غلط بس حسيت انه هيريحها وآ.

قاطعه بحسمٍ دون جدال بتلك النقطة: الحرام والحلال مفهوش حسيت بالراحة!، وبعدين مسألتش نفسك لو الواد ده قدم بلاغ انه أبوها الحقيقي مصيرك ومصير اختك كان هيكون أيه؟
واستكمل بسخط: هيبة عيلتك ومكانتها مش فوق القانون يا جاسم. انت بمساعدتك دي زودت الفجوة بينها وبين جوزها. والعلم لله هتتحل ازاي!

توقفت سيارة حازم قبالة الدرج الداخلي للقصر، فهبط معتز أولًا ثم عاون عدي على الهبوط، وانضم اليه حازم يعاونه، صعد عدي بصحبتهم حتى وصل للمصعد ومن خلفه آية ورحمة.

فتحت باب الغرفة، ثم بحثت عنه بعينيها فوجدته يجلس على المقعد الخارجي للتراس، ولجت للداخل ثم وقفت تراقبه بعينين دامعتين، تخشي الاقتراب أو حتى مناقشته بما فعلته، وإن كانت تعلم بخطائها، انحنت آسيل على قدميها، وحبت على ركبتيها حتى وصلت إليه، حضنت ساقه وأراحت رأسها فوق قدمه، وقالت بإنكسار وصوتها الشاحب يصف حالتها: أنا غلطت سامحنى يا أحمد. صدقني كنت بموت من قلقي وخوفي لحظة ما تعرف باللي عملته. أول مرة أخبي عنك حاجة بس والله مكنت قادرة أواجهك.

أعاد رأسه للخلف باستسلامٍ وردد: لانك عارفة اني مش هوافقك!
رفعت وجهها الغارق بالدموع إليه لعل قلبه العاشق يرق لها، فجابهها بنظرة قاسية ترأها لاول مرة، فهمست بخفوتٍ: أحمد!

نفث ذاك الهواء العالق بتثاقل على صدره، ومن ثم استقام بوقفته وهو يجذبها معه، ابتسمت وهي تظنه سينهي هذا العذاب، ولكنها وجدته يبتعد حتى اتجه للخروج من الغرفة، هرعت من خلفه فحالت بينه وبين باب الغرفة، قائلة بتصميمٍ: مش هتخرج غير لما تسامحني أو على الأقل تديني فرصة.
برق بعينيه بقسوةٍ تابعت نبرته: فرصة! انتي مش مستوعبة حجم اللي عملتيه؟!

انهمرت دمعاتها فتماسكت قليلًا: أنت عمرك ما كنت بالقسوة دي يا أحمد. أنا حبيتها أكتر من ابني، أنا خوفت انه لم ياخد الفلوس اللي هو عايزها ياخدها مني أنا مفكرتش بالحل ده غير عشان خوفت، خوفت عليها اكتر لو انسان زي ده اخدها أيه اللي هيحصلها! محدش هيقدر يمنعه فكرت انت المعاناة اللي هي هتعشها ولا احنا هنقدر نتحمل ده ازاي!

واقتربت حتى مالت برأسها على منتصف صدره ويدها تشدد على يده المتهدلة باستسلامٍ، أفرغت وجعها مع بكائها الحارق، فرفع يده ببطءٍ وأحاطها بين ذراعيه، ابتسمت وهي تزيد من تعلقها به وتهمس بصوتها الشاحب: آسفة.

ثم رفعت رأسها اليه تستشفيه عشقًا، تسحب عواطفه ومشاعره رويدًا رويدًا مع تلك البتلات الرقيقة التي تزور رقبته تارة ووجهه تارة أخرى، حتى وجد ذاته يسلم رايته، ويقود هو تحت جناح عشقه الذي صمد ومازال يصمد أمام تلك العقبات!

بغرفة عدي.
ضحك من قلبه وهو يرى ما تقدمه له صغيرته، فحذرته حينما ارتفع صوته قائلة بخوف: ياسين كده هيعرف يا بابي.
كبت ضحكاته بصعوبة وهو يتطلع للرسومات التي أخفاها ياسين وهو ببداية تعلمه للرسم قبل أن يتقنه بمهارةٍ، وكلما تفحص رسمة جديدة ضحك مرة أخرى ثم قال: أعرف بس جبتي الرسومات دي ازاي؟
أشارت له بالاقتراب قليلًا فهمست اليه قائلة: سرقتها!

جحظت عينيه متعمدًا ابداء الصدمة على معالمه: لا مينفعش يا رحمة تعملي كده. رجعيها فورًا واحترمي خصوصيات أخوكي!
هزت رأسها وهي تحمل اللوحات وتسرع للغرفة الملحقة بغرفته، ثم عادت وهي تشير له بمرحٍ: بريء يا باشا.
تعالت ضحكاته وهو يتابع تلك التي تراقبهما بغيظٍ، فقالت ساخرة: أنت من ساعة ما رجعت من المستشفى وانت مش شايف غيرها. على فكرة هي واخدة اسمي بس مش مكانتي صح ولا أيه؟

ابتسم وهو يشير لها: محدش يقدر يأخد مكانتك يا روحي!
منحته ابتسامة هادئة ثم ارتدت حجابها، فسألها بدهشة: راحه فين!
قالت وهي تعقد الحجاب من خلفها جيدًا: مليكة رجعت من المستشفى، هشوفها وبالمرة هعدي على نور كانت تعبانه الصبح.
ضيق عينيه بذهولٍ: مليكة بالمستشفى ليه؟!
انتبهت لعدم معرفته بما يحدث، فسبقتها ابنتها بالحديث: طنط مليكة جابت ملاك.
تساءل بلهفة: هي مليكة ولدت؟

هزت رأسها بتأكيدٍ، فجذب كم قميصه ثم حاول ارتدائه وهو ينهض عن فراشه: ازاي محدش يقولي.
اسرعت تجاهه فحاوطته وهي تشير له بخوف: مينفعش تتحرك يا عدي. خليك مرتاح هي أكيد مقدرة حالتك.
قال وهو يجاهد شعوره بالألم: هي بتاني دولة. جناحها جنبي.
ثم انتصب بوقفته وهو يشير لها بالابتعاد لحاجته بالاعتماد على ذاته، ارتسمت السعادة على وجهها وهي تراه يمضي خطواته بمفرده، تهللت تعابيرها وهي تلحق به حتى وصل لجناح مليكة.

اتجه حازم لغرفته، ليبدل ملابسه بعد قضاء يومًا كان مهلك للغاية، اندهش حينما وجد غرفته تسودها الظلام الحالك، أضاء انوار الغرفة، فتفاجئ بنسرين تغفو على الفراش ويبدو عليها الارهاق، اسرع تجاهها، فحركها وهو يناديها بقلق: نسرين انتي كويسة؟
أجابته ومازالت عينيها مغلقة: تعبانه شوية يا حازم. سبني انام.
انقبض قلبه وهو يراقبها بلهفة: طب قومي البسي نروح لدكتور. لتكوني بتولدي انتي كمان!

جذبت الغطاء على جسدها وهي تخبره بنومٍ: لا لسه بدري. سبني اريح بس مش قادرة.
أغلق الضوء وهو يشير لها: نامي بس لو حسيتي بحاجة ناديلي.

أومأت برأسها فتركها وابدل ثيابه، وبين الحين والاخر كان يراقبها، منح الغرفة بعض السكينة حتى لا يزعجها شيئًا، فاتاه الازعاج يرنو على حافة من الأذى حينما ولج خالد للداخل بدراجته التي تصدر صوتًا مزعج، أسرع حازم اليه فحمله بالدراجة خارج الغرفة وهو يشير له بتحذير: متدخلش جوه تاني. ماما نايمة تعبانه مش عايزين نعملها دوشة.

ضحك الصغير بمكر وهو يفكر جاهدًا كيف يستغل ذاك الامر، فقال بخبث: على شرط تنزل تلعب معايا بالجنينة!
لوى فمه بتقززٍ، ومع ذلك انصاع اليه حينما حمله من تلخلف بملابسه وبيده الاخرى جذب الدراجة.

حمل عدي الصغيرة بين يده بسعادةٍ شعر بها فور حملها، فطبع قبلة على جبينها وناولها لمليكة قائلًا: ربنا يباركلك فيها حبيبتي.
ادمعت عينها وهي تتفحص ذراعه المصاب بتأثرٍ، فقالت بصوت واهن: كنت هموت من القلق عليك. أنا كان نفسي اطلع اشوفك بس مقدرتش من الوجع حقك عليا.
نهض عن مقعده، وجلس جوارها للفراش، وضمها اليه فتعلقت به، ربت عليها وهو يخبرها بدفءٍ نبرته: أنا كويس يا حبيبتي. شيدي حيلك انتي أنا تمام.

قاطعه صوت قادم من الخلف: خيانة لسه أنا.
تعالت ضحكات الفتيات التي تحيط بسرير مليكة حينما اندفع تجاههم عمر، بعدما قدم صغيرته حلا لشروق التي حملتها عنه، مال بجسده على ذراع عدي المصاب فتأوه الما وهو يدفعه للخلف: ايدي يا عمر. انت مش طبيعي!
ضحك وهو يضمه مرددا بحماس: اتعصبت! مرحب برجوعك يا وحش.
ضحك ياسين وهو يتابعهما ثم قال: ناقص بس تشتم وهيبقى حمدلله على السلامة بالجامد كمان.

استند عدي على ذراع عمر، فاتبعهما ياسين وهو يتساءل: على فين؟
رد عليه عدي وهو يجاهد لفرد ذراعه: هنزل الحديقة شوية اتخنقت من السرير.
اشار له ببسمة واسعة: يلا الشباب كلهم تحت اساسًا.
فتح ياسين باب الغرفة، فوجد نور امامه تحمل صغيرها، ابتسمت حينما وجدت عدي يقف قبالتها، فقالت: حمدلله على سلامتك يا عدي. نورت بيتك.

منحها ابتسامة صافية، فرفع الغطاء عن وجه الصغير وهو يتأمله بفرحة، انتهت بقوله: ما شاء الله. ربنا يحميه ويباركلكم فيه.
اشارت له بعنجهيةٍ: سميته عدي عشان يطلع جان وكارزما كده زيك.
ضحك وهو يعيد الغطاء على جسد الصغير مجددا: هيبقى احسن مني.
تركتهم ودلفت للداخل، لتجتمع الفتيات احتفالا بمليكة...
أما بالاسفل.

قام معتز وجاسم بفرد سجادة ضخمة بأرضية الحديقة، واجتمع الشباب باكملهم، منهم من يتمدد ارضًا ومن من يعبث بهاتفه، انتبهوا جميعا لعدي الذي يستند على ياسين، فعاونه أحمد حتى تمدد جوارهم أرضًا، انزعج الجميع من صراخ حازم وهو يركض خلف درجة ابنه ويطالبه بالتوقف قبل السقوط بالمسبح، جذب رائد قدم معتز ثم استكان برأسه عليه واغلق عينيه استسلامًا للنوم، فحاوطه الاخير بذراعه ثم قال بمشاكسةٍ: مش عارفة تخشي الجناح وهي مش فيه يا حلوة، نامي يا ضنايا عشان تحرمي بعد كده تتعصبي على خلق الله!

فتح عينيه ومنحه نظرة ساخطة، فنهض عن قدميه، جذبه جاسم ليعفو على قدمه وهو يشير له بسخرية: نام نام فكك منه، قال انت حرمت يا رائد وشعرت بالندم ولا أيه دنيتك؟
لكمه رائد بقوة اطاحت به أرضًا، فانفجر ضاحكًا وهو يخبره: وانا مالي يا عم ياسين الجارحي اللي نفاها من القصر!
تساءل عدي بجدية: ده بجد؟
اجابه عمر بتسلية وهو يلتهم حبات العنب الاحمر: فاتك حاجات كتيرة يا وحش.

ضحك أحمد وهو يجذب طبق الفاكهة بعيدًا عنه: كفايا عليك تعب المستشفيات سبلي انا الحلو يا حلو!
وتطلع تجاه عدي وهو يخبره بمرح: كنت عايزك في سبقة يا وحش. نستغل انك كنت ظابط وليك معارفك حابب اعلم على واد ابن
تعالت ضحكاته الرجولية وهو بشير له بيده: عيوني هيتروق بس مين المحظوظ ده؟
أشار له وهو يلتهم حبات العنب الذي يحاول عمر جاهدا الحصول عليه: هوفيك بالتفاصيل فيما بعد. حاليا مش فاضي!

دنت منهم مريم، فأشارت لهم بالجيتار الذي تحمله: تحبوا تسمعوا أخر تدريباتي!
اشار لها ياسين بالجلوس: طبعًا طبعًا يا أنسة مريم. اتفضلي.
خلعت حذائها وتسللت عنهم جميعًا لتختار الجلوس جوار عمر وعدي الذي استقبلته بقبلة على خديه. فهمس معتز لرائد ساخطًا: هموت واعرف العيال بيحبوه ازاي ومش بيخافوا منه!

منحه نظرة محتقنة بالغضب، فجذب كوب العصير ثم ارتشفه بتلذذٍ، بدأت مريم بالعزف على الجيتار، وكلًا يميل بسماعها، تمتلك حقًا الموهبة باطراء تلك الاجواء الحماسية.

بالاعلى.
راقبت القتيات ما يحدث بالاسفل، وكلا منهن تحاول تهدئة صغيرها، فدنت نور منهن ثم وزعت نظراتها المغتاظة بين الشباب والفتيات البائسات، فقالت بغضب: يعني هما يقعدوا تحت يسمعوا العزف واحنا هنا بنلحن قصاد العيال!
سألتها آسيل بدهشةٍ: يعني هنعمل ايه يا نور؟
قالت بابتسامة شيطانية: انا هقولك نعمل ايه؟
ونادت بصوت صاخب: يا عمر!

انتبه الشباب جميعًا لصوت نور، فتفاجئوا بزوجاتهن يراقبن ما يحدث بالاسفل، نهض عمر ثم ارتدى حذائه وأسرع ليقف اسفل شرفة مليكة، ليسألها بدهشة: في أيه؟
قالت بغيظ: اطلع خد بنتك. انت سايب البت والواد عليا وقاعد تحت تسمع موسيقى، خدها يا حبيبي تتمزك معاك.
صك على اسنانه وهو يخبرها: اخدها فين!
رفعت الصغيرة بتهديد: هتخدها ولا احدفلك انا لسه قايمة من ولادة وخلقي اد خرم الابرة!

اشار لها بصدمة: هي الهرمونات منصرفتش خلاص خلاص طالع.
وبالفعل صعد وحمل عنها الصغيرة، فولجت للغرفة ثم جلست على المقعد واضعة قدمًا فوق الاخرى بتعالي وغرور: شوفتوا!
هزوا رؤؤسهم، وبدأت أسيل بتنفيذ مخططها حينما نادت ليان ثم ناولتها الصغير وهي تشير لها: خدي اويس لبابي واقعدي معاه تحت في الهوا شوية.

بينما وضعت داليا تولين ليحيى ابن مليكة واخبرته بحملها لوالدها، راقبتهم رحمة بغيظ فاشارت لابنتها التي تلهو بهاتفها ثم قالت بصرامة مصطنعة: انتي كمان سيبي موبيلي وانزلي الحفلة مع باباكي.

بالاسفل.
امتلأت الجلسة المريحة بالاولاد، فالقى حازم كل ما تتلقفه يده وهو يشير لهم: مش تبعي دي. انا تايب من زمان.
واخرهما وضعها بيد معتز وهو يشير له: تبعك العينة دي يا ميزو.
ردد جاسم بتقزز: الواد مازن خدها من الاخر وخد مراته وعياله وخرجوا ينفسحوا قال مشفوش البلد من قرن!

سئم حازم من مناولة الاولاد فصاح بغضب للشرفة التي تضم الفتيات: انتوا يا عالم ياللي بتحدفوا العيال من فووق، اتلموا بقا مفيش مكان تحت هنا الله!

تحركت رحمة تجاه ابيها، فضمها اليه ثم حاوطها بالشال الصوف ليمنحها دفء من البرودة، بينما حمل احمد الصغير الباكي وهو يحاول تهدئته فعاونته ليان حينما مسكت لعبة صغيرة وحركتها من امامه، فربت على ظهرها ببسمة هادئة، اما معتز فدفع صغيرته يارا عنه وهي تحاول اصابة وجهه بالخدوش، اما عمر فاخذ جوار المسبح ذهابًا وايابًا عل صغيرته تغفو، اشار رائد لمريم بمتابعة العزف، فابتسمت واكملت براحةٍ، تمدد ياسين ارضا باسترخاء وهو يكبت ضحكاته لما يراه، فنجده يحيى حينما صعد للجلوس مع ابن عدي، مرت ساعة كاملة عليهم فاشار عدي لعمر بحمل رحمة التي غفت على ذراعه، تطلع له بدهشة ثم قال: بقى انا رايح جاي من الفجر عشان البت تنام وانت تشيل رحمة يجيلها تخدير لا ارادي!

واشار له: طب ثواني.
وحمل رحمة ثم قدم له حلا وهو يشير له ببسمة مصطنعة: الله يعينك يا وحش. سلام.

اهتدت نظراته الحانقة فور رؤيته لابتسامة الصغيرة، قبل اصابعها وصوت ضحكاتها ترتفع فتجعل من حولها يضحك على صوتها اللطيف، وضع عدي وسادة ثم تمدد عليها ووضع حلا بين ذراعه فاستجايت لنومٍ عميق، ومن جوار غفى احمد وابنه وابنته بين ذراعيه، بينما مازال معتز يبذل مجهودًا للسيطرة على ابنته وحينما فشل نادى يحيى وطالبه بالعودة بالصغيرة للاعلى، اما حازم فنال عدد من الضربات مع جاسم الذي يحاول تهدئة الصغيرة حتى غفوا معًا تاركين الصغيرة تلهو بمفردها...

عاد ياسين الجارحي للقصر بصحبة يحيى وعز بعد الانتهاء من عشاء العمل مع احد رجال الاعمال، فتفاجئوا بما يحدث بحديقة القصر، ردد يحيى بصدمة: هما حولوا الحديقة لملجئ ولا أيه؟
هز عز راسه نافيًا وهو يؤكد له: دول مطرودين باين!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة