قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

وضع ساقًا فوق الأخرى، وهو يتفحص الصور الموضوعة من أمامه ببسمة يسكن الشر بخلاياها، وكأن حياته باتت سوادوية لا يملأها نقطة من لون الصفاء، تفحص ما بيده بنظرةٍ ساخطة، فرفع بصره لمن يتابع ردة فعله، ثم قال: ده اللي قدرت أوصل ليه، أحمد الجارحي فمفيش له أي شيء يدينه أو نلوي بيه دراعه.
القى الظرف على الطاولةٍ المقابلة له وهو يشير له ببسمةٍ ماكرة: يمكن ده ميفدناش بحاجة بس على الأقل هيتوجع.

واسترسل حديثه بأمرٍ خبيث: الظرف ده يكون على مكتبه بكره الصبح.
أومأ برأسه وهو يجمع الصور بالظرف من جديدٍ، وأغلقه ثم جذب القلم الموضوع جانبًا، ليدون عليه بخطٍ عريض إلى أحمد الجارحي.

كاد عز بالاقتراب منهم لمحاولةٍ إيقاظ أي منهم، فأوقفه ياسين بإشارته وهو يخبره: متقلقش حد فيهم.
والتفت تجاه حارسه ليشير له بإشارة أصبح يترجمها بامتيازٍ: عثمان.

اتصرف من أمامهم، وعاد بعد دقائق معدودة بعدد من الأغطية، فوقف بينهما، تبادل عز و يحيى النظرات الحائرة، وقد باء رحيل ياسين بمهامهما، فجذب عز و يحيى أحد الاغطية وشرعوا بفرده بحرصٍ على الشباب، ضحك يحيى وهو يحاول فرد الغطاء على ياسين الذي يبعده عنه بقدميه مثلما كان يفعل وهو صغير، فهمس بسخريةٍ: كبرت ومكبرتش!

فجذب الغطاء وداثر حفيده جيدًا، ثم استقام بوقفته ليتجه للقصر، فتفاجئ بعز يتمدد لجوارهم، سأله بدهشةٍ: بتعمل أيه؟
أجابه وهو يخلع جاكيت بذلته ويلقيه أرضًا: التغير حلو والعيال دي بتفهم. أنا عمري ما جربت نومة غريبة بالشكل ده ومش هسيب في نفسي حاجة.
وداثر ذاته بالغطاء، فانحنى يحيى وجذب جاكيته الملقي أرضًا، فحمله وهو يخبره باستهزاءٍ: هيبة البدلة راحت في الأرض!
وتركه يغفو جوارهم ثم اتجه للقصر الداخلي.

توقف المصعد للطابق المنشود، فخرج متجهًا لجناحه الخاص، كاد ياسين بتحرير مقبض بابه، إلى ان استمع لصوتٍ هامس يناديه: عمي!
استدار تجاه الدرج الضخم، فوجد احدى بناته تناديه من الطابق العلوي، اتجه للدرج وصعد درجاته وهو يتساءل باستغرابٍ: رحمة! أيه اللي مسهرك لحد دلوقتي. الوقت إتاخر جدًا!
عبثت بأصابعها بارتباكٍ يحتل قسماتها الشاحبة، فاستكمل الدرج صعودًا وهو يعود لسؤالها من جديدٍ بقلقٍ: في أيه؟

رفعت عينيها تجاهه، وهي تجاهد بطرح سؤالها الذي يقلق منامتها إلى الآن: أنا ينفع أسأل حضرتك سؤال محيرني.
نظراته الدافئة جعلتها تسترسل بدمعٍ لمع بحدقتيها: هو مصطفى ورا اللي حصل لعدي؟
قطع طريقها الذي يقبض روحها، حينما قال بثباتٍ: سبق ووعدتك يا رحمة انه مش هيكون له ظهور لا في حياتك ولا في حياة ابني.
تدفقت دمعاتها وببكاءٍ قالت: أمال ليه حصل معاه كده.

واستطردت بخفوتٍ: اللي حصل معاه مكنش حادث عادي هو نفسه شاكك في كده.
سُلطت نظراته الجادة عليها، فسألها باهتمامٍ: هو قالك كده.
أشارت له بالنفي، فبدى خوفها وتلعثم نبرتها بأنها تخفي شيئًا، اجلت ريقها وهي تخبره: امبارح سمعته في المستشفى كان بيتكلم مع شخص وبيطلب منه يحقق في الموضوع ويعرف مين اللي ورا الحادثة وأكدله انها محاولة قتل مش حادثة عادية.

ما خشاه يحدث رغمًا عنه الآن، كل خططه المحكمة لم تجدي نفعًا مع ابنه الشرس الذي لا ينفك يريح عقله، ومع ذلك لم يستسلم أبدًا في تلك الحرب التي ستكون خسائرها روحه وقلبه وكل شيء يمتلكه، لذا استعاد اتزانه وهو يباغتها بسؤاله: مين الشخص ده؟
عصرت رأسها لتتذكر ماذا ناداه، وبعد صمت دام لدقيقة قالت: اعتقد انه كان بيقوله جوكر!
ردد بهمسٍ: مراد زيدان!

عادت بسمة الثقة تحتل ثغره، فأشار لها بهدوءٍ: اطلعي كملي نومك يا رحمة ومتقلقيش وأنا موجود.
التفت ليغادر، فاوقفته حينما نادته من جديدٍ: عمي.
استدار اليها مجددًا فوجدها الخوف يبتلعها بجوفه البارد، فقالت بتلعثمٍ: أنا حاسة ان حضرتك بتخبي عني حاجة كبيرة، الموضوع مش بس مصطفى ابن عمي، ارجوك صارحني أنا تعبت من التفكير.

التفت بجسده اليها، ثم دنى من الشرفة الزجاجية التي تفصل كلا الطوابق، واضع يديه بجيوب بنطاله الأسود، وعينيه تتايع الحديقة بنظرة أحاطت عدي الذي يغفو حاضنًا ابنة أخيه بحنانٍ، ظل هكذا لدقائقٍ كانت تقتل رحمة رويدًا رويدًا وهي تترقب سماع أي جملة تريح توترها، ليقطع هذا الصمت صوته الرخيم: كل واحد من أولادي له طباعه اللي بتميزه عن التاني، وبالرغم من ان عدي أعند واحد فيهم الا إن قلبه صافي، أوقات بشوف في عيونكم كلكم اسئلة ملهاش أخر عن طريقة معاملتي الغريبة ليه مع انه أول فرحتي، محدش هيقدر يفهمه أدي.

واستدار اليها ليسترسل: ابني لو عرف ان حياته في خطر وشخص بيحاول يتخلص منه هيروحله برجله وهيواجهه، وده اللي التاني عايزه. عايزه يروحله برجله عشان يعرف ينتقم منه صح. عشان كده انا بحط قدامه الف عائق مش عايزه ياخد الخطوة دي.

واستكمل حديثه وهو يخبرها: أظن كده انتي اخدتي جواب صريح على سؤالك يا رحمة. مصطفى وراه شخص شبيه بالشيطان. وأنا بحاول بشتى الطرق أوصله. في اللحظة اللي عدي هيعرف فيها الكلام ده هتكون نفسها لحظة انتصار ال ده. وأنتي شايفة الحالة اللي هو فيها لسه متعافاش من اصاباته وهيصمم يخوض حرب أكبر منه!

جحظت عينيها في صدمةٍ، تحاول المحاربة لاستيعاب ما يخبرها به، وخاصة حينما قال: زي ما شتت عقله عن كل اللي بيحصل حوليه قبل كده هعمل كده تاني وتالت، وأنتي لازم تساعديني يا رحمة.

هزت رأسها بأكثر من إشارة تؤكد له ذلك، وفجأة تسلل لمسمعه صوت شهقات باكية تصدر من خلفه، بات يعلم مصدرها قبل أن يستدير، ليجدها تقف أمامه، فحينما كاد بفتح باب غرفته شعرت به، وتعجبت حينما لم تجده بالداخل، فارتدت اسدالها وخرجت تبحث عنها، فوجدته يقف أعلى الدرج بصحبة رحمة، صعدت آية الدرج لتستمع لحوارهما دون قصدًا منها، أسبلت بعينيها بصدمةٍ، فصعدت ما تبقى من الدرج حتى باتت قبالتهما، فرددت بصوتها المتقطع: مين اللي عايز يأذي ابني يا ياسين؟

اتجه اليها ثم حاوطها بذراعه وهو يحسها على الهبوط معه، حتى ولجوا معًا لغرفتهما، فعاونها على الجلوس لجواره، انهمرت تلك الدامعات اللامعة بحدقتيها، وخاصة حينما قبل جبهتها وهمس لها: صدقيني مش هسمح لحد يمس شعرة واحدة من أولادنا، أنا افديهم بروحي يا آية.
بكت بصراخٍ جنوني: بتوعدني بأيه يا ياسين. أنا بخاف عليك زيهم وأكتر!

ضمها إليه فتشبثت به بقوةٍ، وهي تردد بانهيار: عدي كل ما بيمر باختبار بيلاقي الأصعب منه، فوضت أمري ليك يا رب.
غمرها بين ذراعيه حتى استكانت تمامًا، ثم قال بحبٍ: ابنك بخير وقدام عنيكِ. صدقيني مش هيحصل حاجة.
رفعت عينيها الباكية اليه، قائلة بحزن: أنا مش هقدر اتحمل حاجة تحصله تاني يا ياسين.
مرر يده على خصلات شعرها القصير، وهو يخبرها بصوته الرجولي العميق: مفيش حاجه هتحصل يا حبيبتي. أوعدك.

بالأسفل.
فتح عينيه بنومٍ، وأبعد عنه الغطاء ثم أعاده على أخيه، اتكأ بمعصمه حتى استقام بوقفته الغير متزنة، وقبل أن يتحرك عن محله استمع لصوت أخيه الناعس: رايح فين؟
التفت حازم تجاهه ثم انحنى وهو يهمس له وكأن الاخير سينتبه لنصائحه بالساعة الثالثة فجرًا: طالع أشوف نسرين كانت تعبانه، خليني أقولك نصيحة نام هنا وفكك من نكد الحريم. والمهم من كل ده خلي بالك من الواد لما أرجعلك ده إن رجعت.

أغلق أحمد عينيه ثم جذب الغطاء وانقلب بجسده ليوليه ظهره، بعدم اكتراث لما يقوله، فهز حازم رأسه وهو يردد بسخطٍ: مفهوم.

وتركه يغفو ثم صعد للأعلى، أضاء ضوءًا خافتًا حتى لا يزعجها، اقترب من الفراش وهو يتأملها بنظرةٍ متفحصة، فوجد وجعها مجعد من فرط شعورها بالالم، انكمشها على ذاتها جعله يعلم ماذا يصيبها بالتحديدٍ، وخاصة حينما رأى قدمها متورمة، اتجه للسراحة ثم جذب الكريم الطبي، واقترب منها ثم فرك أصابع قدمها بلطفٍ بالكريم الطبي، ارتخت معالمها لشعورها بالراحة، وخاصة حينما حملها ووضع الوسادة المطولة حول خصرها، فتحت نسرين عينيها بتعبٍ فوجدته يجلس أسفل قدميها، ويده تدلكها برفقٍ، سحبت نسرين ساقيها إليها وهي تردد بحرجٍ: حازم! بتعمل أيه؟

فرد ساقيها إليه مجددًا، ثم وضع القليل من الكريم الطبي، ليعود لفركهما من جديدٍ، أمسكت يده ومنعته مما يفعله وهي تشير له على استحياءٍ: بقيت أحسن. خلاص.
منحها ابتسامة وهو يغمز لها بمشاكسةٍ: متأكدة انك بقيتي كويسة. الواد وزعته تحت مع احمد.
لكزته بضيقٍ، فاحتضن صدره وهو يتأوه مرددًا بمزحٍ أضحكها: طول عمرك دبش ملكيش في الرومانسية المتدكنة!

عاد ليجذب قدمها مجددًا، فقالت بضيقٍ: أنا مش حابه انك تلمس رجلي. أنا هدهن لنفسي.
تطلع لها بنظرةٍ حنونة اتبعها قوله المرح: وأنتي وصلتي للحالة دي بسبب مين. أنا تقريبًا حفظت كلامك اللي بتقوليه كل حمل، واتقبلت اني السبب ورا اللي البشمهندس عامله فيكي ده فعلي الاقل خليني أريحك على قد ما أقدر.
وعاد ليكرر فعلته فارخت جسدها براحة وامتنان له، ساد الصمت لدقائقٍ قبل ان يحطمه بمشاكسته: نسرين.
أمم.

تفتكري الواد ده هيجي شبهي ولا شبه ابنك البلطجي؟
وهو ابني البلطجي طالع لمين يا حازم؟
بدهشةٍ تساءل: بجد! لا يا شيخه فكرته طالعلك وأنتي صغيرة عشان كده تقبلتي الوضع وعملتيها تاني يمكن تصيب المرادي والواد يجي شبهي!
جزت على اسنانها وهي تشير له قبل أن تنفلت أعصابها: انزل كمل نوم جنب أخوك يا حازم.
اقترب منها وهو يخبرها بمكرٍ: بقى بعد كل ده تتخلي عني وتطرديني، دي أخرتها يا نسرين؟

اعتدلت بجلستها أمامه وهي تخبره من بين اصطكاك اسنانها: اللي في دماغك مش هيحصل!
غمز لها بخبثٍ ومازال يقترب منها وتزحف هي للخلف: هو أيه اللي في دماغي؟
دفعته بقوةٍ وهي تصرخ بغضب: حازم الله!

كادت بالسقوط للخلف عن الفراش، فأمسك خصرها بين يديه وقربها إليه، تعلقت عينيها به وهو يبادله تلك النظرات العاشقة، التي تسللت لشفتيها المرتعشة تأثيرًا لقربه، ضم وجهها بيده فمالت برأسها على كفه الذي رحب بها بعاطفةٍ، مال على رقبتها وهو يهمس لها بكلماتٍ جعلتها تبتسم باستحياءٍ، فانصاعت ليده وتمددت جواره على الفراش، تاركة ذاتها تخطو خطوة تجاه عالمًا ينجح هو بسحبها عنوة إليه.

بددت الشمس عتمة الليل الكحيل، فأشرقت بضياءها الساطع لتغمر الحديقة باشعتها الذهبية، اهتز هاتف أحمد ليعلن عن موعد المنبه الرسمي باستيقاظه بالسادسة صباحًا، بحثت يده عن هاتفه، فأغلق المنبه ثم نهض بتكاسلٍ، اتجه لجاسم أولًا، فايقظه حتى يستعد للذهاب للمقر، وحرك معتز وهو يشير له بصوتٍ خافت: معتز قوم راجع العرض اللي هتقدمه بالمناقصة. وأنا وجاسم هنسبقك على المقر.

جلس وهو يفرد ذراعيه بنومٍ، وبدأ بفتح عينيه فتفاجئ بأبيه لجواره، قال جاسم بدهشةٍ: عمي بيعمل أيه هنا؟!
حركه معتز وهو يناديه: بابا حضرتك جيت هنا ازاي؟!
اجابه وهو يعبث بعينيه بتكاسل: عجبني النومة قولت أجرب هي جيت عليا.
عاونه جاسم على النهوض وهو يمازحه: يا عمي لو كنت بس عرفتني كنت جبتلك سرير مكانك بدل بهدلة الارض دي وآ.

بترت كلماته حينما استمع لصوت مندفاع قادم باتجاههما، ولم تكن سوى يارا التي صاحت بصراخ ايقظ الجميع: 30سنة يا عز عمرك ما في يوم نمت ليلة واحدة بعيدة عني. حتى لما بتسافر كنت بتاخدني معاك ودلوقتي بتتخلى عني واحنا في أخر حياتنا!
جحظت عينيه بصدمةٍ، وهو يحاول تبرير موقفه: أنا! يا حبيبتي انا محبتش اسيب ابنك ينام لوحده ليبرد فقولت خليني جنبه!

رفع معتز حاجبيه بسخطٍ، فغمز له عز وحينما لم يستجاب دعس قدمه بحذائه، فتأوه ألمًا وهو يجاهد لقول: صح أنا اللي اترجيته ينام جنبي لاني بخاف من الضلمة!
انفجر رائد وعمر من الضحك، فتحولت نظرات عز اليهما وهو يشير بتحذير: ولد عيب. ميصحش تتريقوا على عمتكم بالشكل البشع ده!
لكزهم ياسين وهو الاخر يتحكم بذاته، فصاحت يارا بانفعالٍ: خليهم يضحكوا على عمايلك، من النهاردة اللي بينا انتهى يا عز.

وتركته واتجهت للداخل، فلحق بها وهو يردد بصدمة: انتهى أيه ده احنا بقا عندنا احفاد! استني طيب كبرنا على الجري والكلام الفارغ ده. يا يارا استني!

فور أنا غادرت تحررت الضحكات الرجولية بين الشباب، حتى عدي ضحك وهو يرى عمه يكاد يسقط ارضًا من فرط ركضه، توقف عز عن استكمال طريقه والتفت تجاههم ثم قال بسخرية: اضحكوا هنشوف مين هيضحك على مين دلوقتي. على الاقل انا راحت عليا. انتوا استلموا محضر الشكاوي اللي هتنزل لياسين الجارحي دلوقتي!

تهجمت الوجوه وبالاخص رائد الذي سيطر عليه غيمة الحزن والشوق لزوجته، زحف عدي بجسده متفاديًا عمر وياسين، حتى أصبح جواره فربت على قدمه وهو يخبره: متقلقش هوصل لمكانها وأبلغك.
صاح بحماسٍ وهو يعتدل بجلسته تجاهه: بجد يا عدي. هتتكلم مع عمي!
نفى ما قال باعتراضٍ: لا طبعًا، بابا تصرفه كان صح لانك غلطت يا رائد ودي مش أول مرة، ولو فكرت فيها بهدوء هتلاقيه ساعدك بدون ما تأخد بالك.

تطلع له بعدم فهم فاستطرد: رانيا زعلها وحش انت ناسي السنين اللي بعدتها عنك وحرمتك من بنتك بسبب غرورك وعنادك. على الاقل مش هتقدر تعمل كده هي بمكان بابا يعرفه تحت عينه ويقدر بسهولة يقولك عليه!
واسترسل وهو يهم بالنهوض: أنا معاك انك ندمت عشان كده هوصل لمكانها من بعيد بدون ما يعرف حاجة. يمكن لما تقابلها الامور تتصافى بينكم.

انتصب بوقفته واقترب منه وهو يشكره بامتنان، فربت على كتفه وهو يشير له: حاول توصلها على الموبيل، او على الاقل تسجلها صوتك عشان تعرف الحالة اللي انت فيها.
وغمز له ببسمةٍ تتربع على شفتيه: يمكن الفويسات دي تشفعلك لما تشوفها!
ابتسم الاخير وهو يفهم مغزى حديثه، فتركه عدي واتجه للاعلى، لحق به ياسين، فسانده وهو يسأله باهتمامٍ: معقول هترجع تتحدى عمي تاني يا عدي، مساعدتك لرائد هتقوم النار تاني بينكم.

فتح باب المصعد ودخلوا معًا، فمنحه عدي نظرة غامضة اتبعها قوله الثابت: اللي بيني وبين ياسين الجارحي صعب حد يفهمه يا ياسين. بابا لو شايف اني بعمل كده لصالح العيلة واخويا مش هيقف قصادي. زي ما هو بيقوم بواجباته تجاه بنت من بناته هيسبني اقوم بواجبي ومش هيعترض طريقي.
اعاد هاتفه لجيب بنطاله وهو يسترسل اسئلته الفضولية: وامته يعترض طريقك؟

شرد عدي بسؤال ياسين وكأنه يصغى لكل حرفٍ يتردد على لسانه دون أن يتفهمه، فقال بشرود قاتل: لما أكون مش شايف الصح وهو عايزاني اشوفه!
توقف المصعد امام الطابق المخصص للشباب، فاتجه ياسين لجناحه، بينما استكمل عدي طريقه لجناحه هو الاخر، فاوقفه أحمد وهم بالاقتراب منه وهو يغلق جاكيته ويستعد للمغادرة للمقر، فقال: كويس اني لحقتك.
منحه نظرة متفحصة ثم قال وهو يتفحص ساعة يده: نازل بدري ليه كده؟

رد عليه وهو يربط حذائه الأسود جيدًا: ياسين مش هينزل غير لما مليكة تتحرك من السرير وتتحسن، ورائد عقله أصلًا مش معاه، وعمر مستحيل يسيبك وأنت بالحالة دي، لذا أنا مضطر بمساعدة جاسم ومعتز نكون بدالكم.
ابتسم وهو يخبره بثقة: أنت لوحدك اد المسؤولية وبزيادة يا أحمد. حقيقي أنت رجل أعمال ناجح وذكي جدًا.
ضحك وهو يعدل جرفاته بعنجهية مصطنعة: الوحش بنفسه بيثني على شغلي. لا أنا كده اتشهرت!

ابتسم وهو يسأله بتذكر: كنت عايزني ليه؟
حلت الجدية ملامحه، فقال بتريثٍ: آسيل ارتكبت غلطة كبيرة وأنا عايزك تساعدني.
اشار عدي للاريكة القريبة من النافذة: اقعد واحكيلي في أيه؟

بغرفة معتز.
بعد ساعة متواصلة من مراجعة العرض وتأكد بأن لا ينقصه شيئًا، ترك الحاسوب مفتوحًا ثم خلع ملابسه وارتدى بنطاله وهو يتابع المراجعة ويرتدي قميصه الأبيض، اتجه لحمام الغرفة ليضبط خصلات شعره بكريمه الخاص، وحينما انتهى اتجه للغرفة مجددًا فوجد زوجته تعبث بالحاسوب، برق بعينيه في صدمةٍ، وصاح بها: شروق متلعبيش في حاجة!

ابتعدت عن الحاسوب بتوترٍ، وخاصة بعد أن لمحت عينيها كلمة تم حذف الملف بنجاح، صعق معتز وهو يحرك ازرار الحاسوب فرفع عينيه اليها وهو يردد بصدمة: ايه اللي هببتيه ده؟!
ابتلعت ريقها برعبٍ وهي تحاول الحديث بصوتها الشاحب: أنا أسفة مقصدتش احذفه. انا كنت عايزة اخرج من الملف وآ.
وآيه!
صوته المرتفع جعلها تبتلع باقي جملتها، القى معتز حاسوبه وهو يصيح بعنف: تفهمي انتي ايه في شغلي عشان تلعبي في اللي ميخصكيش!

لمع الدمع بعينيها واحتقن صوتها المردد: أنا استغربت بس أيه اللي واخد عقلك على اللاب من ساعة ما طلعت وانت متحركتش من قدامه حتى وانت بتلبس!
العذر الذي لجأت اليه كان أقبح من فعلتها، اقترب منها ثم قال ساخرًا: فشكيتي اني مثلا على علاقة بواحدة وبحب فيها بالنهار في بيتي وفي اوضة نومي ومن لاب شغلي صح؟!
تدفق الدمع بعينيها وهي تشير اليه: طب اهدى أنا هعرف ارجعلك الملف.

تبسم ساخرًا: لا بجد. يعني أنا مكبر الموضوع على الفاضي! ولا انتي اللي بتفهمي في شغلي أكتر مني!
خرجت عن هدوئها حينما ردت بضيق: بطل تحسسني اني أقل منك. أنت متجوزني وأنا بشتغل واظن وجودي في المقر من قبل علاقتنا دليل اني مش أي حد.
وبدموع شقت قلبه نصفين قالت: أنت بتلومني اني اتخلت عن شغلي عشانك وعشان بنتي. أنا مش قليلة يا معتز!

وانحنت ارضًا ثم جذبت حاسوبه، وأخذت تضغط على أكثر من زر، وفي أقل من عشرة قائق استعادت الملف، وضعت شروق الحاسوب بين يده، فراقب الملف بانبهارٍ وعدم تصديق، ظل لثلاثٍ دقائق يفحصه ولم يفق من شروده الا على صوت انغلاق باب غرفته، حاول اغلاق ازرر قميصه الابيض وهو يسرع من خلفها، فصعق حينما وجدها تحمل حقيبة سفر صغيرة الحجم وتتجه ناحية المصعد، هرول من خلفها وهو يناديها بصدمة: شروق!

انتبه عدي وأحمد لما يحدث أمامهما، وخاصة حينما وجدوها تحمل حقيبة، وقف قبالتها وهو يلتقط انفاسه بصعوبة لحقت نبرته: انتي مجنونة. واخده الشنطة دي وراحه على فين؟
منحته نظرة قوية قبل ان تردد بغضب: لسه حابب تهني وتقلل مني قبل ما أمشي ولا خلاص اللي عملته كفايا.
نهض احمد ثم اسرع اليهما وهو يردد ببسمة هادئة: في أيه يا جماعة. صلوا على النبي كده واهدوا.

ومال على معتز وهو يهمس بغيظ: هببت أيه انت كمان احنا لسه بنلم في مصايب رائد!
اشار له بالانتظار، وقال وهو يجذلها برفق: شروق خلينا نكمل كلامنا في اوضتنا.
جذبت ذراعها منه عنوةٍ وهي تردد ببكاء: مفيش شيء نتكلم فيه، دي مش أول مرة انك تهني بالشكل ده يا معتز. من النهاردة مش هتشوفني تاني لا أنا ولا بنتك.

يقال إن الانثى تحتمل وتغفر أي ذنبًا يقترفه الزوج بحقها، الا حينما يقلل من شأنها، تشعر وكأن العالم الذي ضمهما معًا رسب بسرابٍ قاسٍ، نهض عدي عن الأريكة بارهاقٍ، ودنا منهم ثم قال بهدوءٍ: طب اهدي يا شروق وفهمينا بس ايه اللي حصل؟

انهمرت دموعها وهي تحاول جاهدة الحديث دون البكاء: في إن ابن عمك مش بيفوت ولا فرصة عشان يحسسني اني اقل منه. واني مينفعش غير اني أكون ام وزوجة بالبيت بس رغم اني كنت بشتغل طول عمري من قبل حتى ما أعرفه. وكنت في يوم سكرتيرة ليه. وده مش أول موقف ولا أول مرة يعملها يا عدي.

التفت عدي تجاهه فوجدها يتهرب من لقائه، فعاد ليتطلع اليها وهو يتحاشى رفع بصره تجاهها، وقال برزانة: هو غلط. بس أكيد ميقصدش. وبعدين في حلول تانية غير انك تسيبي البيت.
واستكمل بمكر: مش هو اللي قلل منك يبقى من بكره تنزل معاه الشغل وتثبتيله نفسك أفضل ما تسيبي البيت.
لمعت حدثتيها ببريقٍ مميزًا، هدأ بكائها ووضعت الحقيبة عن يدها، وقالت بصوتٍ رقيق ساكن: بس هو مش هيرضى ينزلني معاه المقر.

التفت عدي لمعتز بنظرة جعلته يهز رأسه وهو يخبرها باستسلامٍ: موافق. بس المهم متسبيش البيت.
ابتسمت بسعادة وهي تزيح دموعها، فاتجهت للغرفة وهي تهمس له: هات الشنطة يا معتز.
بسمتها أفتكت به، فراقبها وهي تدلف للغرفة بنظرةٍ تملأها الرغبة، وحينما استدار ليحمل الحقيبة، القاها احمد بوجهه بعنفٍ، وهو يردد ساخرًا: شيل قرفتونا في حياتنا. مش عارف ياسين الجارحي هيعمل معاكم أيه تاني عشان تتظبطوا!

وتركه وغادر للمصعد بسخطٍ، فابعد معتز الحقيبة عن وجهه وهو يتأمل عدي الذي يراقبه بثباتٍ مهيب، فرسم ابتسامة مصطنعه وهو يردد: حقيقي من غيرك مكنتش عارف هتتحل ازاي يا وحش. بس يعني انا مكنتش حابب انها تنزل تشتغل آآ.
وقطع كلماته وهو يردد ببسمة واسعة: بس اهو حل أفضل ما كانت تسيب البيت وعمي يعرف واتعلق. كده أفضل. عن اذنك اروح اصالحها بقا.

توقف محله حينما جذبه عدي من ياقة قميصه ليشير له: أنت مش وراك عرض هتقدمه؟
هز رأسه بتأكيدٌ، فدفعه عدي بذراعه الأيسر وهو يشير له بحزمٍ: ودي الشنطة وفكك من الغرغرينة اللي لاعبة جوه رأسك. وأحسنلك تلتزم بمواعيدك بدل ما أنا اللي اطلع بروحك!
هز رأسه وهو يكبت ضحكاته بصعوبةٍ، وهمس قبل أن يركض لغرفته: كل ده بدراع واحد. كتر خير صاحب التريلا انه سابلك دراع سليم عمل فينا جميل!

احتدت نظرات عدي، فأشار له معتز وهو يغلق باب الغرفة قليلًا: ميصحش اقفل الباب في وشك يا وحش تعالى كده او كده!
أكمل طريقه لغرفته بعدما شيعه بنظرةٍ قاتمة، فأغلق الاخير باب الغرفة بضحكة هادئة.

فتحت نسرين عينيها فوجدته يغفو جوارها ويده تحاوطها، ابتسمت بعشقٍ وهي تتأمله، فمررت يدها على وجهه وهي تناديه: حازم. مش هتنزل النهاردة المقر؟
حرك رأسه للناحية الاخرة بانزعاجٍ، ومن ثم ردد بنومٍ: لا هنزل للاسف.
واستقام بجلسته وهو يجاهد لفتح عينيه، فجذب التيشرت الخاص به ثم ارتداه على مضضٍ: كنت زمان بروح اتسلى واطلع عينهم دلوقتي بضطر اعقل عشان الوضع مش مستحمل.

ضحكت وهي تخبره بسخرية: معلش هتتعب فترة وترجع لراحتك.
ابتسم وهو يميل تجاهها ليطبع قبلة على جبينها: هما عارفين اني ماليش في جو رجال الاعمال ده. مع اني بحاول حطي تحت بحاول دي خطين وشرطة حمرا!
عادت لنوبة ضحكها، فغمزت له بمشاكسة: أنت قدها وقدوم يا زوما.
منحها نفس البسمة والغمزة الماكرة: أنا قد حاجات كتيرة بس انتوا اللي متعرفوش امكانياتي.
وتركها وجذب احد البذلات ليستعد للتوجه للمقر.

ولج عمر لغرفته، فوجدها مازالت تغفو جوار الصغير، فوضع حلا بغرفتها، ثم جذب ملابسه واتجه لحمام الغرفة ليغتسل.

نهضت نور عن فراشها بنومٍ، فاتجهت لخزانتها وجذبت اول ما تلقفته يدها، واتجهت للحمام بآلية تامة، وعينيها مازالت تجاهد للاستيقاظ، انحنت للحوض الابيض تغسل وجهها بالمياه، تصلب جسدها فجأة حينما وجدت ذراع يحاوطها، التفتت خلفها سريعًا فوجدته هو من يقابل عينيها المتلهفة، التقطت انفاسها على مهلٍ، وهي تردد بصوتٍ مرتعش: خضتني يا عمر!

ابتسم وهو يضمها اليه حتى ابتلت ثيابها من قطرات المياه التي تهبط عن خصلات شعره، وبصوته المغري قال: مين اللي يتجرأ يلمسك غيري!
ابعدته عنها وهي تشير له بغيظ: كده بلتني!
ورددت بصدمة: ثم انك دخلت عليا الحمام ازاي.
واستعابت ما يحدث هنا، فاخفت وجهها خلف يدها وهي تردد بعدم تصديق: معقول لا. انا مكنتش اعرف انك جوه والله.

ضحك بصوته كله، واقترب منها وهو يردد بمكر: يبقى لازم تصلحي غلطتك ونتجوز. مينفعش لو حد عرف يطير فيها رقاب!
كزت على اسنانها بغيظ: بتتريق عليا! ماشي يا عمر.
واستدارت تبحث عن غايتها ومازالت تردد: ماشي اصبر عليا.

وجذبت المياه ثم القتها عليه، فحمل عنها خرطوم المياه المعدني ليغرقها به، ضحكت وهي تتلمص بين يده حتى سقطوا معًا اسفل المياه والعين بلقاء تسطره العاطفة حتى وإن لم يحظى بها كاملًا يكفيه انها بين يده لحين ان ينتهي عذرها بعد ولادتها!

بغرفة عدي.
ولج للداخل فتفاجئ بالظلام يغمر الغرفة باكملها، اضاء الانوار، واتجه للفراش عله يمعن عينيه برؤيتها، انعقد حاحبه بدهشةٍ حينما وجده مرتب كما تركه بالامس، بحث عنها بالجناح بأكمله بلهفةٍ، فوجدها تغفو على مقعد مجاور للشرفة، دنا منها عدي فحرك المقعد الهزاز بخفةٍ جعلتها تفتح عينيها على مصراعيها، فوجدته جوارها، ابتسمت وهي تتسأل: عدي. طلعت امته؟
اجابها بابتسامةٍ صغيرة: لسه حالا.

وضيق عينيه بنظرة متفحصة لملامح وجهها: انتي منمتيش كويس ولا أيه؟ شكلك كده معرفتيش تنامي بعيد عن حضني!
اكتفت برسم ابتسامة باهتة على وجهها، واتجهت للخزانة، فجذبت بنطال اسود وتيشرت رمادي، جهزت له طقم كامل وأشارت له ببسمة رقيقة: هحضرلك الحمام.

تلاشت ابتسامته تدريجيًا، فلحق بها وهي تجذب الشامبو الخاص بها والبرفيوم، وما ان استدارت حتى وجدته مقابل عينيها، كادت بالمرور فوضع يده ليمنعها ومن ثم رفع وجهها اليه وهو يتعمق بالتطلع لعينيها التي تتهرب منه، وقال: لأول مرة مقدرش اعرف اللي جواكي ولا أقرأك زي ما اتعودت. ويمكن دي المرة الاولى اللي تحاولي تتهربي من عيوني وكأني هكشف شيء بتحاولي تخبيه عني يا رحمة!

بللت شفتيها بارتباكٍ، فابعدته عنها وهي تبتسم: ايه اللي بتقوله ده يا عدي. هخبي ايه بس!
وولجت للحمام سريعًا تضع اغراضه ثم خرجت اليه فوجدته مازال يحاصرها بنظراته، فاشارت له بتوتر: حمامك جاهز. هطلبك القهوة.

تركها ومضى للداخل، فترك جسده يغمره المياه عله يزيح دوامة فكره، وللحظة تذكر حديث مراد (الجوكر) عن يارا ابنة خالته الطبيبة النفسية، وارساله لرقمها، فحسم امره بالاتصال عليها ليتساءل عن توابع حالة رحمة وما يحدث معها تلك الفترة، انتهى عدي من حمامه، وخرج فوجدها ترتدي ثيابها لتستعد للهبوط، جلس على المقعد المقابل للشرفة، بينما كانت تعقد حجابها، فاستمعت لطرق الباب، فهمست وهي تتجه اليه: القهوة جهزت.

حملتها من الخادمة واتجهت للشرفة الضخمة الخاصة بغرفتها فتوقفت عن المضي قدمًا حينما وجدته يتحدث للهاتف وسماعته الخارجية مفتوحة فتسنى لها سماع المتصل وهو يخبره: الموضوع مكنش مرتبله يا عدي أنا بنفسي حققت مع صاحب التريلا. كان شارب مش اكتر.
بتعجب سأله: بس ده مكنش كلامك يا مراد. قولتي ان الموضوع فعلا مش طبيعي. غيرت رأيك فجأة مش غريبة!

برر الجوكر رد فعله بثبات: قولت كده بناء عن كلامك واللي حصل من رجل الاعمال مهاب ابو العزم. بس صدقني انا اللي حققت مع صاحب التريلا بنفسي!
التقط نفسًا مطولًا ثم زفره على مضضٍ: لو دي مش ردة فعل مهاب يبقى اكيد هيكونله رد فعل ولازم أكون صاحي للخطوة اللي هياخدها وآ.

بتر حديثه حينما استمع لصوت صاخب يأتي من خلفه، وحينما استدار تفاجئ بها تجمع الزجاج المنكسر من كوب القهوة الذي سقط عن يدها، فقال بثبات: هكلمك تاني يا مراد.
وأغلق الهاتف ثم اتجه اليها، فقالت بارتباكٍ وخوف: أنا اسفة مقصدتش انه يوقع مني.
أشار لها بقلقٍ: مش مهم. سيبي الازاز هيأذيكي!

وجذبها لتقف قبالته، فرفعت عينيها المرتبكة اليه، تمعن عدي بعينيها وما رأه تلك المرة جعله في قمة صدمته فقال: رحمة انتي كنتي بتتصنتي عليا؟
هزت رأسها نافية: لا انا كنت جايبالك القهوة ولما سمعتك بتتكلم عن الحادثة أ.
هشش
قالها ويده تلامس شفتيها، شعر وكأنه يتمادى بما يفعله، فضمها اليه قائلًا: دي مجرد شكوك وزي مسمعتش ملهاش وجود. أنا عارف انك لسه متخطتيش اللي حصل.

وابتعد عنها وهي يخبرها ببسمة صغيرة: بس أنا هساعدك تتخطي كل اللي جواكي ده يا رحمة.
عادت لتتعلق باحضانه لتخفي دمعاتها فضمها اليه بكل قوته.

بالمقر الرئيسي لشركات الجارحي.
ارتشف القهوة بتركيزٍ بامضته على العقود، فاستمع لطرق باب مكتبه، فردد بعملية: ادخل.
ولج حازم للداخل وهو يردد ببسمةٍ واسعة: صباحو فل يابو حميد. ها بدأت الشغل من غيري ولا لسه؟
رفع حاجبيه بدهشة: لا أنا مش بحلم بقا. معقول يومين ورا بعض هتساعدني فيهم لا الدنيا مش بخير خالص.

جذب احد المقاعد جواره، ثم جذب رصة الملفات اليه بعدما خلع جاكيته هامسًا بمرحٍ: استعنا على الشقا بالله.
والتفت اليه وهو يخبره بغرور: انا بس اللي كريم وطيب. هتطوع واساعدك لحد ما الشباب ينزلوا.
ضحك وهو يقدم اليه كوب من القهوة، فارتشفها وهو يشير له بكبرياء: .
كده نشتغل بضمير رجال الاعمال الكبار جدًا.
تعالت ضحكاتهم الرجولية ليعمل كلا منهما بتركيزٍ تام.

طرق على باب الغرفة، فجذبت الحجاب ارتدته وهي تفتح بابها، فابتسمت وهي تزيحه عن خصلاتها الممزوجة بالابيض: عدي. تعالى يا حبيبي.
ولج للداخل حاملًا بين يده علبة الشوكولا، فقدمها اليها، تناولتها منه آية، وهي تتساءل باستغراب: معقول شوكولاته!
هز رأسه وهو يهمس لها بعدما مشط الجناح بعينيه ليتأكد من عدم وجود ياسين الجارحي: عندي من زمان وكل ما افتكر اجبهلك تحصل حاجة. المهم انها سايحة زي ما بتحبيها.

تعالت ضحكاتها وهي تهمس له بنفس النبرة: محدش بيهتم بالتفاصيل غيرك.
اكد لها بجدية: شوفتي بقا. عشان تعرفي بس اني بحب حضرتك اكتر من ياسين الجارحي نفسه.
بتقول ايه يا ولد!
استدار عدي للخلف بدهشةٍ، وعاد ليتطلع لوالدته فهمس بخفوت: مقولتليش انه هنا!
بتوتر رددت: انت مسألتش! بس ولا يهمك.
تساءل بفضول: ليه!
قالت بثقة: هتحامى فيك طبعًا ودي فيها كلام!

ضحك عدي وشاركته الضحك، فردد ياسين بغيظٍ وهو يوزع نظراته الصارمة بينهما: أيه اللي بيضحك. كان بيقولك ايه؟
احتضنت العلبة وهي تشير لها: بيقولي انه جايبلي شوكولاته وانا بشكره ده مهما كان ابني الكبير ولا ايه يا عدي؟
لم يستطيع السيطرة على ضحكاته، كأنه يقبض عليها مع رجلٍ غيره، ومع ذلك قال بصوت رجولي عميق: صح طبعًا.
استعاد ياسين ثباته مجددًا، فقال: هنرجع للجو ده تاني يا عدي!

اشار له باستسلامٍ وهو ينهض بعيدًا عن والدته: يا باشا انا كنت بوصل امانه ووصلت. عن اذنكم.
وتركهما وغادر والابتسامة لم تتخلى عن وجه ياسين وآية التي استدارت اليه وهو تمتم بغضب: تاني يا ياسين.
زرر جاكيته، ثم رفع نظاراته لعينيه واستعد للمغادرة وهو يخبرها: لما يعاملوكي بحدود هفكر أتغير!

بالمقر.
نهض أحمد عن مقعده واشار لحازم وهو يراجع الملف: شوية وراجع يا حازم. هراجع الورقة دي مع عمي يحيى وراجع.
أومأ برأسه وهو يعيد حساب تلك المعادلة الصعبة، وفور مغادرة احمد ولج للداخل احد رجال الامن يتساءل بوقار: كنت عايز احمد باشا.
تساءل حازم بانشغال: مش هنا ليه؟
قال وهو يشير له بالظرف: جاله الظرف ده واللي بعته مأكد انه يستلمه بنفسه.

رفع حازم عينيه عن الحاسوب، وقد لمعت عينيه بمكرٍ: طيب هاته وانا هسلمه ليه.
نازله اياها ثم غادر، فابتسم حازم وهو يحرر الظرف مرددًا بمرح: شكلك عامل بلوة وجتلي لحد عندي. انا قولت الوش البريء والطيبة الزايدة عن اللزوم دي وراها خيانة عظمى.
وحرر ما بداخلها، فامسك مجموعة من الصور مقلوبة عن وجهها، فقال بخبث: والله ووقعت يابو حميد.

لف الصور تجاهه فتلاشت ابتسامته تدريجيًا، والصدمة والغضب هما السبيل المتدفق لعينيه التي احاطتها حالة من الجمود والحسرة، فكاد بتلك اللحظة بأن يصرخ من فرط ما يشعر به!

دق هاتفه بمكالمة هامة، فرفع ياسين هاتفه ليستمع للمتصل، ثم ابتسم وهو يردد بغموضٍ: بشكرك على مساعدتك. وقريب جدًا هيكولنا لقاء يا مراد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة