قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

نظراته الثاقبة أحاطت وجوه هؤلاء الحمقى، وتعمد تصنع اللامبالاة لما يحدث حوله، حمل أكياس الطعام ومن ثم انحنى للمقعد الخلفي، فوضع ما بيده بانتظامٍ، وانتصب بوقفته ريثما يغلق باب السيارة، فكاد بالتوجه لمقعد القيادة ولكنه توقف حينما صدح هاتفه برنينه الصاخب، حرر عدي أزرر هاتفه ليأتيه صوت أخيه المتسرع بما يود سؤاله عنه: عدي أنت بالبيت ولا لسه برة؟

ضيق عينيه بدهشةٍ، فلم يعتاد أبدًا على سؤاله الغريب هذا، وبالرغم من ذلك أجابه: أنا لسه بره، بتسأل ليه؟
=عربيتي عطلت في الطريق وبحاول أكلم عثمان يبعتلي حد من الحرس بس مش بيرد على موبيله!
صعد لسيارته وأعتلى مقعد القيادة، فضغط على المقود وهو يردد: ابعتلي اللوكيشن وأنا دقايق وهكون عندك.

اسند عدي هاتفه لجواره ليراقب مسار الطريق الموضوع من أمامه بعد أن أرسل عمر بموقعه، وإن تعركل بازدحام الطريق كان ينجح باجتياز السيارات ببراعته المعتادة، ربما اعتياده القبض على المجرمين وقطع طريقهم جعله محترف بالقيادة، فما كانت سوى دقائق بسيطة حتى لاحت سيارة أخيه من أمامه، اقترب عدي حتى صف سيارته بمحاذاتها، وانتظر لدقيقةٍ حتى يخرج عمر من سيارته، وحينما تأخر أخفض زجاج سيارته وهو يناديه بضيقٍ: عايز دعوة عشان تنزل!

ارتاب لامره، فهبط من سيارته ثم عاد ليناديه بصوتٍ مرتفع: عمر!
اقترب من سيارته، وانحنى تجاه زجاج نافذتها يتأملها الداخل باهتمامٍ، التاع قلبه فزعًا حينما رأى أخاه يتكئ بجسده العلوي على مقود السيارة مغلق العينين، وفي حالة استسلامٍ تام، فتح باب السيارة بقوةٍ كادت باسقاطه من أسفل قدميه وهو يصيح بتَوَجُّس: عمر!

قبضته الصلبة نجحت بابعاد جسده عن المقود، ففتح عينيه بألمٍ اتبع نبرته المنخفضة: آآه. في أيه صرعتني!
اجتمع غضب الكون بأكمله بمقلتيه المحتقنة، فدفعه خارج السيارة وهو يسبه بعنفٍ، والأخير يحاول فهم سبب تلك الثورة التي سيكون أول ضحاياها، فصاح بأنفاسٍ تسارع للتنفس: طب بس فهمني أنا عملت أيه! مسكتني بفعل فاضح بالطريق العام!

وسعل بقوةٍ وهو يحاول أن تستمد قوته باقي كلماته المتقطعة: ده أنا كنت مأيل شوية يا جدع!
استعاد عدي ثباته، فاكتفى بقذفه بنظراته الحادة، وبعنجهيةٍ قاتلة اتجه لمقعده ثم أشغل المحرك وعينيه تترقبان الاخير الذي وقف محله بدهشةٍ لما يحدث، فأعدل من ملابسه واتبع خطى أخيه حتى بات لجواره، فتحرك عدي بصمتٍ جعل عمر يسأله برفقٍ يصاحب مزحه: أنت اتخضيت على ولا أيه يا وحش!

القاه بنظرة خاطفة من طرف عسليته، فابتسم عمر وهو يجاريه: المفروض انك تحس اني كويس لاننا تؤام ولا انت مبتحسش غير برحمة!
احتدت نظراته فباتت اكثر خطورة، لذا انسحب عدي من ساحة مجابهته، فتسلل لمنخاره رائحة الطعام الشهي، فالتقط نفسًا مطولًا وهو يسأله بشكٍ: في ريحة تجوع.
وبدهشةٍ تساءل: أنت شايل أكل. معقول!

تشبث عدي بالمقود بيده اليسرى ومن ثم انحنى للخلف فجذب أحد علب الطعام، ثم وضعها على قدم أخيه، الذي بدأ بفتحها ومن ثم تناول الطعام بجوعٍ بدى على سرعته بتناوله، فجذب أحد اللقمات ثم قربها منه وهو يمازحه بخفةٍ: بل ريقك بعد الخضة.
استدار برأسه تجاهه وهو يعنفه بغضبٍ: أنا مبحبش اسوق وحد بيرغي جنبي. هتكتر في الكلام هرميك على الرصيف ولا هسأل فيك.
تقوس حاجبيه بضيقٍ، فتناول ما بيده وهو يهمس بحنقٍ: ندل وتعملها.

عاد الهدوء يخيم بجلبابه عليهما، انتهى عمر من تناول طعامه واسند رأسه على زجاج النافذة من جواره ليغوص ببحر شرود لا يليق بشخصه الطريف، لاحظ عدي صمته العجيب فتساءل بقلق يدغدغ حواسه الباردة: مالك؟
ابتسم وكأنه كان ينتظر سؤاله للبوح عما يخنق صدره: وحشني البلطو الابيض. ومكتبي والمرضى اللي اتعودت انهم يكونوا جزء من حياتي!

التفت اليه بحزنٍ لاح بين صميم نظرته العميقة، فتحولت لشيءٍ من القسوة اتبعت حديثه: ياسين الجارحي مش بيبص على التفاهات دي. ياسين الجارحي متعود يصدر الفرمان والأوامر بس.
استدار عمر إليه، ثم قال بهدوءٍ: عدي بابا عمره ما كان اناني. بدليل انه سابنا نختار من البداية.
ابتسم ساخرًا على أخيه الذي يراه طيب القلب فيسهل خداعه كحال والدته: سابك تختار اللي انت حابه عشان في الأخر هتنفذ اللي هو عايزه!

رمش بعينيه بحيرةٍ باختيار كلمات قد توضح له نظرته تجاه أبيه، فقال: أنا مش عارف أنت ليه بتعارض كل قرار بياخده حتى لو كان لصالح العيلة ولصالحك!

أوقف عدي سيارته بقوةٍ جعلت اصطكاكها مزعج للغاية، وقال بشيءٍ من الهدوء على عكس المتوقع: أنا اتخنقت يا عمر، اتخنقت من كل شيء، اتخنقت من نظرات كل اللي حواليا. من وأنا صغير وانا بشوف بعيون الكل نظرة اني مرتاح ومولود وفي بوقي معلقة دهب. بشوف حقد وحسد لاني ابن ياسين الجارحي العظيم. تعبت وانا بحاول ابرر لكل اللي حواليا اني وصلت لكل ده بمجهودي مش بوسطة ابويا، تعبت وانا بكافح في الشرطة عشان اوصل لمنصبي وكل ده بيضيع ورا نظرة شك في عيون زمايلي رغم انهم عارفين قدراتي واللي اقدر اعمله، كرهت سلطة ياسين الجارحي اللي غصب عين الكل مفروضة حتى لو هو مش بيتدخل في حياتي.

وبوجعٍ صحب صوته المهزوز استرسل: أنا مش عايز أبويا يكون شخص عظيم ومعروف. انا عايز أب يحتويني وقت غضبي ويطبطب علي!
وسأله بانهزامٍ: طلبي كبير؟
ابتسم رغم تلك الدمعة الخائن بين مقلتيه، فهز رأسه بالنفي وقال: لا مش كتير. بس فاتك تحمد ربنا على النعم الكتير اللي انت فيها يا عدي، بابا يستحق انك تكون فخور بيه. حتى وانت شايف نظرات الغل دي جوه عيون اللي حواليك!
اربط حزامك.

كلمات هادئة تحررت على لسانه وهو يتطلع للمرآة بنظرةٍ صلدة، فردد عمر بحيرةٍ: ليه!
عاد ليكرر كلماته وهو يحرك مفتاحه: قولتلك اربط حزامك.

انصاع اليه عمر وهو يحاول استيعاب ما يحدث، وفجأة قاد تراجع عدي بسيارته للخلف وانعطف حتى ابدل طريقه، فبات في قبالة السيارة التي تراقبه خلسة، لاح على شفتيه بسمة خبيثة وهو يموج بالمقود الذي دفع ادخنته بشراهةٍ، وكأنه يستعد لأوامر سيده، وفجأة وبين نظرات ترقب عمر لفهم ما يحدث هنا، اندفعت سيارة عدي بمهارة تجاه السيارة السوداء التي تحاول الفرار بالتراجع للخلف بذهول وصدمة لما يحدث من أمامها، وبين تلك الصراعات دفعتها سيارة عدي للخلف بقوةٍ جعلتها تنجرف عن الجسر الحديدي الذي سبقها بالسقوط بالنهر وصراخ عمر يندفع بصدمةٍ: حاسب يا عدي!

استدار بسيارته ومن ثم ضغط على مكابح السيارة مستخدامًا الفرامل خصتها، فتمكن بحرفيةٍ من تفادي اطراف الجسر، وتوقفت السيارة بسلامٍ آمن، أخفض عدي زجاج النافذة حتى يظهر انعكاس وجهه جيدًا للرجلين بعدما تحرروا من السيارة فصعدوا فوق سطحها، تمدد كلًا منهما على السطح الذي يكسوه المياه التي ابتلعت السيارة كالوحش المفترس، فاخذ السعل حقه بالانتقام منهم، لاحت بسمة ساخرة على شفتي الوحش الماكر، فضم يده معًا ليقدم تحية للرجل الذي يراقبه بنظراتٍ محتقنة، وكأنه يحيه على غبائهم الذي دفعهم لمراقبةٍ شخص ليس بالخصم الهين بالمرة!

بالقصر. وخاصة بغرفة المكتب الرئيسي حيث يجتمع الشباب بأكملهم.
وضع جاسم احد الملفات على المكتب وهو يشير على موضع فارغ بالورقة: مش فاضل غير توقيعك يا أحمد.

انجرف عقله خلف طوفان من وجعٍ، يستحضره في تلك الساعات الاخيرة، الألم الذي يخص أقرب أناس للقلب وجعه لا يضاهي شيئًا، ومع ذلك حاول الهاء ذاته بالعمل عله ينسى ما حدث اليوم مع ابنته، أفاق من شروده القصير على هزة يد جاسم وهو يتفحصه باسترابةٍ: أحمد أنت كويس!
احتضن مقدمة رأسه باصبعيه، ثم جذب احد الاقلام الموضوعة من امامه، فوقع وهو يجيبه: كويس يا جاسم. لسه في اوراق تانية؟

أغلق الملف بعدما تأمل موقع الامضاء: لا كده خلاص، اطلع كمل نومك بقى.
هز رأسه بمللٍ يستقطب جوارحه فيجعله دون جهدًا، نهض أحمد عن مقعده وجمع أغراضه الشخصية، وما أن حرر مقبض الباب حتى ارتد جسده للخلف بعنفٍ جراء ذلك الاصطدام القوي بمن يندفع كالثور الهائج، تابع جاسم ما يحدث بضحكة كبتها بصعوبة وخاصة حينما هرع حازم للداخل وهو يحتضن حاسوبه ويصرخ: واجب عليكم تخلصوني من كل كارثة.

والمرادي لازم تلحقوني قبل ما اشدكم ورايا واحد واحد!

عادت السيارة لطريقها الآمن، وبالكاد تمكن عمر من تخطي ما تعرض له للتو، فمال برأسه تجاه اخيه وهو يردد بعد فترة من التفكير: بابا رجع يرقبك تاني؟
ابتسامته الماكرة لحقت حديثه الساخر: ياسين الجارحي مش بيشغل معاه ناس اغبية.
واسترسل بتوعد: تبع مين دول. ده اللي محتاج اعرفه بالفترة اللي جاية.

قاطع حديثهما صوت رسالة هاتف عدي، فاخرج هاتفه ليتفحص ماذا هناك فاذا برسالة نصية من ياسين تطالب العون والعودة للقصر سريعًا
«عدي احنا كلنا في مصيبة سودة بسبب الحيوان حازم. ارجع حالا قبل ما بابا او عمي يكتشفوا الموضوع. »
دفع الهاتف عن يده بغيظٍ كاد ببتر شفتيه من فرط عصبيته، فردد من بين اصطكاك اسنانه: نهايتك مش هتكون غير على ايدي انا يا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة