قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن

خطوات تردد صداها بأرجاء الغرفة، وكأن باحتكاكها رسالة بهلاكٍ وتوتر لما سيقع فوق رؤسهم، الاجواء كان يقبضها خوفًا من القادم، وأبشع ما يورد للعقول النتيجة المتوقعة لما ارتكبه احمق العائلة، ووسط تلك المشاحنات العصيبة مازال صوت الحذاء يزعج آذان جميع من بالقاعة، إلى أن قرر رائد قطع تلك الدعسات التي تزيد من أحمالهم: اهدى بقا يا أخي واقعد في جنب، خيلتني!

صفق حازم يد بالاخرى وهو يردد بخوفٍ يكاد يبتلعه حيًا: اهدى ازاي بعد ما بلغتم عدي باللي حصل!
والقى نظرة حادة اخترقت وجوههم جميعًا قبل أن يخرج عن طوره: انا مشوفتش في حياتي ناس ندلة وخسيسة زيكم. ده جزاتي اني إستأمنتكم على سر من اسراري العسكرية، بدل ما تساعدوني وتاخدوا بيدي رايحين تسلموني للوحش وش!

تمدد جاسم جوار رائد على الاريكة الجلدية، وقال وهو يهاجم نوبات نومه العزيز: لما مصايبك ميبقاش ليها حل هنلجئ لمين يا سبع الرجال!
مال رائد برأسه على مسند الاريكة الخلفي بتعبٍ لحق نبرته الهادئة: مهو مفيش غير اختيارين يا ياسين الجارحي يا الوحش.

كظم غيظه، واستدار تجاه ياسين الذي يتابع ما يحدث بينهم بصمتٍ بارد، فحاول استدراجه لمنطقته النائية: أخر حاجة كنت أتوقعها انك انت اللي تبلغ عني، بقى أنت اللي تعمل فيا كده أنت!
هو الدنيا جرا فيها أيه يا جدعان!

حطم أحمد جلبابه المعتم حينما صاح بانفعالٍ شرس: قسمًا بالله لو محطيت لسانك في بوقك واتركنت في أي زواية تلمك لحد ما نشوف مخرج من المصيبة السودة اللي وقعتنا فيها دي لاكون أنا اللي ساحب قلبك من مكانه. عشان ارتاح من حظي الاسود اللي موقعني مع أخ غبي زيك!

ابتلع حازم ريقه برعبٍ من الحالة الغريبة التي تسيطر على أخاه، فتراجع للخلف بظهره حتى سقط جسده تلقائيًا على أحد المقاعد المنفردة للخلف، وراح يتساءل بصوتٍ ظنه غير مسموع: أحمد وخرج عن رزانته طب مين اللي هيحميك من شر ابليس اللي في الطريق ده!
لمعت عينيه ببريقٍ خبيث، فطرقع أصابعه وهو يخرج هاتفه بحماسٍ: هو مفيش غيره!

بالطابق الثاني من القصر وبالأخص بغرفة حمزة.

مل وهو ينتظر بالفراش لأكثر من ساعتبن متتاليتين، حتى أن النوم قد غلبه فاهتز رأسه للأسفل بعنفٍ حينما سقط من اعلى الفراش، فامسك بالغطاء السميك باستماتةٍ حتى تفادى سقوط جسده بأكمله خلف رأسه المخمور بالنوم، فأحكم المئزر الواسع حول الشورت القصير الذي يرتديه، فنجح بإخفاء بطنه المنتفخ كالبلور، فلم يهتم يومًا بلياقته البدنية على عكس ابناء أعمامه، فلم يغزو الشيب رأسه فحسب بل سرى على جسده البطن المنتفخ التي لا تليق أبدًا بجسده الرفيع، فتح حمزة عينيه بمللٍ وهو يناديها: أنا بنام يا توتووووو لسه قدامك كتير!

اتاه صوتها من خلف باب الحمام الموصود تخبره: لا خلصت وخارجة أهو يا حبيبي.
ذم شفتيه باستنكارٍ ساخرٍ: بقالك ساعتين بتقولي خارجة، هموت وأعرف بتعملي أيه كل ده جوه.
وعاد ليتمتم بغضبٍ: الستات دي ليها الف لغز، عاملة زي اللب الاسود اللي جوه البطيخة. ومن كتر حبك فيه مضطر تاكله حتى لو اللب الرزل هيضايقك ويمغص عليك عيشتك المطينة بطين!
إشرأبت بعنقها من خلف باب الحمام، تتساءل بحدةٍ: بتقول حاجة يا حمزة؟

جحظت عينيه في صدمةٍ لجأت به لرسم بسمة ساذجة: أبدًا يام أحمد يا غالية. ده أنا بقول هستانكي حتى لو لأخر يوم في عمري اللي بيتلهط وأنا لسه قاعد مكاني على السرير بستنى طلتك البهية!

وجذب الوسادة ثم قذفها خلفه بغضبٍ يكبته بداخله قدر المستطاع حتى لا تنتهي ليلته الوردية بخناقٍ سيودي بمشاعره، فجذب من جواره وعاء حبات الذرة الشهي، فأخذ يلتهمه بشراسةٍ تطفئ غيظه من زوجته، فانسجم قليلًا مع الفيلم المعروض على الشاشة التي تقابل فراشه، وفجأة اطبق فمه على بعض من حبات الذرة وانغلقت عينيه استسلامًا لنوبة مؤقتة من النوم، فسقط رأسه بعنفٍ على الكومود لينزع عنه الوعاء الذي تبعثر بانحاء الغرفة، نهض حمزة عن الفراش وهو يتأمل حالة الفوضي التي يشملها الفراش، فوزع نظراته بين الفراش تارة وبين باب الحمام الذي يدور مقبضه تارة اخرى، وقبل أن يتحرر بها كان يندفع بكل قوته تجاه الفراش ليخفي حبات الذرة واذ بوجهه يشتعل بحمرةٍ غريبة، جعلت تالين تتساءل بقلقٍ: مالك يا حمزة. أنت كويس؟

هز رأسه ببسمة اقرب للبكاء، وبهمسٍ مؤلم قال: عمودي الفقري بس قافش حبتين.
واسترسل وهو يجذب الغطاء ليخفي ما يخفيه جسده من اسفله، وتمتم بسخطٍ وهو يحاول الاعتدال بفراشه: هي ليلة باينة من اولها.
ومع كل تلك التعقيدات مازال يرسم ابتسامة وهو يشير لها بغمزةٍ ظنها جريئة على عكس ما رأتها تالين فحدجته بنظرة ساخرة، ومن ثم اتجهت للسراحة، تلاشت معالم السعادة على وجهه وراح بتساءل بقهر: انتي راحة فين تاني!

جذبت المِشْطُ وأخذت تمشط خصلاتها وهي تجيبه بضيقٍ دون أن تتطلع تجاهه: في أيه يا حمزة. هو أنا اجبرتك تقعد وتستناني ما تنام!
كز على اسنانه ومن بين اصطكاكهم قال: عطوا الغبي كشكول وقلم وقالوله اقرأ!
كاد بطرح سيل من الحكمة المتعارفة بقاموس حمزة الجارحي فقط، ولكن صوت هاتفه جعله يتغاضى عن معركة الجدال فيما بينهما، جذب هاتفه ليجد رسالة جعلت معالمه تتكمش تأففًا، وخاصة وهو يقرأ محتوياتها.

«ابنك هيتعلم عليه في بيتك وفي وجودك يا ريس. »
ترقب حازم رؤية رد من أبيه، ولكنه على غير عادته تجاهل رسالته، فعاد ليرسل له عله يحفز خلاياه
«هو ده العشم والانصاف، هيجيلك قلب تنام وعارف ان ابنك محتاجلك! ».

القى حمزة هاتفه بعيدًا عن يده بعدما جعله بوضع الصامت، وترقب لحظة جلوس زوجته لجواره بابتسامة برزت اسنانه، وسرعان ما تلاشت ابتسامته حينما وجدها تندث أسفل الفراش وتغمر جسدها بالغطاء، لتغوص بنومٍ مريحٍ، والآخر يراقبها ببلاهةٍ، اهتز هاتفه مجددًا فجذبه بغضبٍ ليقرأ رسالة حازم الاخيرة.

«كده، يكش تفضل عمرك كله تستنى الليلة اللي عمرها ما هتحصل دي يا زيزو. بقى يا راجل انا بستنجد بيك تقوم تطنشني، عموما براحتك انا كنت محضرلك صبغة وشوية كريمات مساج ترجعك صغير ولو 30سنة، بس انت مالكش في الطيب نصيب. نام واتدفى يا حاج»
قذف حمزة هاتفه ارضًا بغيظٍ، ثم احكم اغلاق مئزره واتجه للاسفل ليرى ماذا هنالك؟

صوت بوق سيارة عدى المميز، جعل قلب حازم يندفع رعبًا من القادم، وفور ظهوره يقترب على باب القصر جعله يهرول للأريكة التي يقطن بها أخيه الذي يرمقه بسخطٍ، وهو من ينوي تسليمه يد بيد، وقف عدي قبالة ياسين وتساءل: أيه اللي حصل؟

صعد حازم فوق ساق أحمد وتعلق به كالطفل الصغير الذي يحتمي بوحشه الملائكي، عله يحمله ويرفرف بجناحته بعيدًا عن مكان وجود الوحش الاشرس، قذفه أحمد بعيدًا عنه بنفورٍ، ومع ذلك لم ينجح بابعاده عنه كليًا، همس حازم بصوت متقطع بائس: متقولش يا ياسين. خليك جدع.

وكأنه تلقى دعوة صريحة بالحديث، ففور انتهائه من اوامره الحمقاء، طرد ياسين ما بجوفه: البيه المحترم باعت رسايل حب وغرام لزوجة طوني فضل. والراجل قالب عليه الدنيا من شرقها لغربها وبعتله رسايل تهديد!
ظهرت يده من خلف جسد احمد وهو يشير بالنفي معللًا: كنت فاكراها حفيدته وعهد الله، معرفش انها مراته!
واسترسل بضيقٍ: انا مش عارف الراجل ده مش بيستنضفله حتة ربع عمر ليه!

اتجهت نظرات عمر اليه، فأشار له بغضب: لو عايز تنجي بعمرك النهاردة بطل احكامك وافتراضاتك عشان نعرف ننقذ ما يمكن انقاذه.
ابتلع ريقه بتوترٍ، فازاح ذراع احمد وجلس ملتصقًا به ثم عاد ليفرد ذراعيه على الأريكة من جديدٍ، طال صمت عدي مما دفع رائد ليسأله باهتمامٍ: هنعمل ايه دلوقتي يا عدي، الصفقة اللي بيني وبين طوني لو متمتش هتحمل خساير كبيرة. وأنت عارف اي خسارة من غير وجود عمي هيكون مردودها ازاي!

اتجهت نظراته الثاقبة تجاه حازم، وصاح بعصبيةْ خطيرة: لو عمل كده هيبقى معاه كل الحق، انا لو مكانه قسمًا بالله كنت انتشلت قلب الحقير ده من مكانه.

وأشار باصبعه تجاهه وهو يأمره بالاقتراب، فلم يمهله أحمد فرصة التفكير بعواقب الامر، بل دفعه بكل قوته ليواجه مصيره بمفرده تلك المرة، بعدما نفذ صبره في امتداد محاولات انقاذه، وقف الاخير قبالته بنظراتٍ فزعٍ تترقب لحظة هجومه، فوقف الاخير صامدًا من أمامه ومن ثم واجهه بالحديث: انت مش هتبطل القذارة اللي في دمك دي، انا حقيقي مش عارف انت هتعقل أمته!

وانطلقت شرارته تصاحب صوته الرعدي: راعي ابنك ومراتك اللي على وشك ولادة.
واسترسل بحدة: أنا مش همد أيدي عليك، انت مبقتش صغير للهبل ده. دي أخر غلطة ليك يا حازم والا وقسمًا بالله أخليك تتحسر على اللي باقي من عمرك. سامع!
ليه كده يا عدي يا ابني، نهيت الموضوع بدري كده ليه، امال فين لكماتك وطولة دراعك اللي ربنا من بيه عليك. راح فين تهورك وفرد عضلاتك. انت بطلت تروح الجيم ولا أيه يا حبيبي؟

كلمات متحسرة لفظ بها حمزة بعدما تحطمت سعادته التي زرعت بعدما علم مع من علق ابنه، فتعشم ان يعيد عدي تربيته من جديدٍ، وحينها ستبرد نيران قلبه جميعًا التي كان هذا الأحمق سببًا اساسيًا بها، قطع حمزة الدرج حتى بات بالاسفل امامهم جميعًا، فكبت معتز وجاسم ضحكاتهما بصعوبةٍ بالغة على المئزر(الروب) الذي يرتديه حمزة، اقترب منه ثم حمسه قائلًا: انت خايف على زعلي! ولا يهمك يا حبيبي خد راحتك وبالقوي كمان.

واتجه للمقعد الذي يتوسط القاعة وهو يشير له: أنا هقعد هنا اتفرج ولا كأني موجود.
دنا منه عمر ثم انحنى تجاهه وهو يسأله بحيطةٍ: انت كويس يا عمي؟
رفع احد حاجبيه بذهولٍ: باين اني تعبان ولا ايه!
كبت عمر ضحكة كادت بالانفلات منه، فربت على كتفيه وهو يخبره بحنانٍ: طب اطلع البس هدومك لتاخد برد!

لم ينجح حازم في كظم غيظه والبقاء هادئًا حتى لا يخرج عدي عن طور هدوئه الغريب هذا ومع ذلك اشار لوالده بحنقٍ: اطلع استر نفسك ليجيلك روماتيزم على القلب ولا حاجة، العضمة كبرت وكل ما تحافظ عليها كل ما تنعم بجزء من المناعة.

نهض حمزة عن مقعده بعصبيةٍ بالغة، فاندفع تجاهه بسرعة حررت المئزر ليكشف عن بطنه المتدلي، فكاد بجذبه من رقبته لولا تدخل جاسم الذي حمل حمزه وابعده من الوصول لحازم والاخير يصيح بغضب: انت طالعلي من انهي بلوة، ده انا لو كسبك في كيس شبسي يالا كان هيبقالك اي صلاحيات مفيدة في الحياة!
هرول به جاسم للخلف وهو يردد بتعبٍ من الحمل الذي يقع اعلى ذراعيه: استهدى بالله يا عمي واطلع اوضتك، سيب عدي هو هيظبط المغفل ده.

علي صوت حازم وهو يجابه اباه: مهو ده تمامك يا حاج. انك تكسبني في كيس شبسي اصل توتو خلاص مبقتش راضية عنك. وطول مهي مش راضية عنك هتفضل كده بالروب طول النهار!
انفطر معتز بالضحك وترك حازم عن يده، فلكمه رائد وهو يصيح به: اخرس بقا، لسه بنحاول نلم مصايبك!
اشار له حمزة: سيبه يا رائد خليه يجيني ده انا شايل منه وناوي اخلص عليه الجديد والقديم.

أغلق جاسم مىزر حمزة وهو يربت على كتفيه، وبانفاس مختقنة من فرط المجهود قال: سيبك منه يا عمي، واطلع اوضتك الله يكرمك.
كاد بأن يجيبه ولكن حانت منه نظرة جانبية مندهشة لمن يتابع معركتهما ببرودٍ، فاتجه اليه وهو يردف بسخطٍ: أنت مش ابني ولا كسبك في كيس شبسي انت كمان؟
رفع أحمد نظراته تجاه ابيه بمللٍ، فصاح الاخير بصوت صاخب: قوم فز دافع عني. أنا مش ابوك ولا انت كمان العضلات دي نفخ!

وكأنه كان ينتظر احد يدفعه خارج قوقعته الخاصة، نهض احمد بآلية تامه عن الأريكة واتجه ببرودٍ تجاه أخاه، وباغته فجأة بلكمة اصابت أنفه فجعلت رأسه يدور كمن يحاط به الطير، ليسقط أرضًا فاقدًا للوعي تحت نظرات صدمة من الجميع، وعلى رأسهم حمزة الذي ابعده لينحني برأسه تجاه حازم الذي يحتضن الارض، فتفحصه وهو يردد بخوف: انت عملت ايه في الواد!

بثباتٍ ودون أي ذرة ندم قال: دفعت عنك زي ما حضرتك طلبت، أي أوامر تانية ولا أطلع اوضتي.
ابتلع حمزة ريقه ببعض الخوف من تمرد العنف بأعين ابنه الهادئ فبات أشد خطورة، لذا اشار له ببسمة مصطنعة: لا يا حبيبي اطلع انت نام وارتاح ومتقلقش ابوك هنا.
تمتم ساخرًا وهو يصعد للاعلى: مهو ده اللي مطمني!

راقب حمزة انصرافه ثم عاد ليتفحص الجميع بنظرةٍ متفحصة انتهت بابنه الراقد ارضًا وعلى ما يبدو بانه بحاجة لان يحمل للاعلى أولًا ولطبيب ثانيًا، لذا اعاد اغلاق مئزره وهو يخبرهم بمهنيةٍ لا تشبهه بتاتًا: طب يا ولاد. ورايا شغل كتير بكره تصبحوا على خير.

وتركهم واسرع للاعلى، ولحق به رائد وعمر، انحنى معتز وجاسم اليه في محاولة لايفاقته، بينما تحرك عدي لاقرب مقعد، فجلس يراقبهما بمللٍ وهم يحاولون افاقته، انتبه عدي لنظرات ياسين وابتسامته الغريبة بمراقبته، فسأله باستغرابٍ: لسه في مصايب تانية ولا استكفينا النهاردة؟
تغاضى عن سؤاله وقال بنبرة هادئة: ياسين الجارحي نجح في اللي عايز يوصله.

تجعد جبينه بدهشةٍ من مقصده، فاسترسل ياسين حديثه الغامض: تصرفك الغير منطقي دلوقتي اكتسبته بفضل المكتب ووجودك جنبنا، يمكن دي مكنتش هتكون ردة فعلك لو كنت لسه ظابط شرطة.
قصدك ايه؟
علل ما يود طرحه حينما قال بسلاسةٍ: قصدي انك لما بعدت عن الضغوطات وشغل الشرطة اللي كله سلاح ومطاردة ودم تفكيرك بقى رايق زي ياسين الجارحي بالظبط. والدليل تحكمك بانفعالاتك مع الغبي ده!

واشار بابهامه على حازم الذي مازال يحتضن الارض كالصورة التي لا تسمح لملتقطها بالفرار عن ساحتها، اعتدل عدي بجلسته ثم اخبره بسخريةٍ: حد قالك اني كنت ماشي أقتل في خلق الله!
ابتسم وهو يجيبه بصدرٍ رحب: انت كنت كده فعلًا.
رفع حاجبيه بسخطٍ على صراحته المبالغ بها، ومع ذلك تغاضى عن حديثه وهو يسأله بجدية: ماله أحمد. شكله مش مظبوط!
رد عليه بحيرةٍ: مش عارف حقيقي، ورجع من المقر بدري النهاردة على غير عادته.

جذب هاتفه وهو يهمس اليه: هشوف ماله؟

القى معتز سطل المياه عن يده بارهاقٍ اتبع نبرته: خلاص يا جاسم احنا نسيبه مرمي كده لبكره الصبح. ما باليد حيلة!
ابتعد جاسم عن حازم فسقط ارضًا، فازاح حبات العرق عن جبينه بتعبٍ: عندك حق انا حيلي اتهد!
ورمق التراس بحيرةٍ اتبعت سؤاله: بس هنسيبه كده في البرد ده؟
حك معتز ذقنه بتفكيرٍ انهاه حينما قال: خليك هنا انا شوية وراجع.

وعاد بعد دقيقة بما يحمله بيده، فطرح الغطاء عليه ثم قال ببسمة واسعة: كده فل اوي، بينا نريح ساعتين قبل الشغل.
وكادوا بالصعود للاعلى، فاوقفهم عمر الذي هم بالهبوط للاسفل: انتوا رايحين فين؟
اجابه معتز بغيظٍ: كلك نظر الصبح داخل وحابين نريح شوية. ايه وجه الاعتراض هنا!
اضاف جاسم: مش فاهم حقيقي!
اشار عمر للاسف وهو يلوك حبات البندق الشهي: شيلوا الحيوان ده وطلعوه لمراته.

جحظت عين جاسم الذي تحرر عن مرقد عصبيته: لأ، شيل تاني لأ، حرام عليكم انا هموت منكم هنا.
وصعد للاعلى وهو يردد بحنقٍ: ومفيش تصبحوا على خير.
غادر من امامهما والاخر يتابعه بصدمةٍ، اتبعت سؤاله: ماله ده؟
اجابه معتز بضحكة ساخرة: عمك قام معاه بالواجب.
عاد ليلوك ما بيده بتسليةٍ، ثم اشار لمن يقف قبالته: بينا نطلعه احنا.
وبالفعل اتجه عمر ومعتز لحمل حازم والصعود به للاعلى.

وبعد محاولات مستمية لحمله، نجح عمر ومعتز في نقله للمصعد، فالقوه جانبًا ثم اخذ كلا منهما يلتقط انفاسه بارهاقٍ، صاح عمر بعصبيه: الاسانسير هيتحرك من نفسه ولا ايه!

فهم معتز ما يلقيه عليه، فعبث بازرر المصعد بالطابق الرابع، ووقف كلا منهما يترقب لحظة وقوف المصعد، عادوا لحمله ثم استدروا تجاه باب غرفته، فطرقوا الباب ثم ولاوه ظهورهما حتى لا يكشفن عن ستر زوجته، فما ان فتحت الباب حتى تفاجئت بوجودهم، فحمدت الله بأنهم منحوها بعض من الخصوصية، فعادت للداخل وعقدت حجابها ثم اتجهت اليهم تتساءل بقلق: في ايه يا عمر؟

اجابها وهو يشير لها بالتنحي جانبا: ولا اي حاجة، هو واخد بنج رباني هياخدله بتاع اربع خمس ساعات تغفيلة كده. متقلقيش.
اتبعتهما للداخل قائلة بسخريةٍ: هقلق ليه هو اللي جايب لنفسه المشاكل وجايبلي وجع الدماغ جنبه.
القاه معتز على الفراش وهو يصيح بغضب: تعبت امي يا جدع، يا ساتر!

ثم تطلع لنسرين وقال ببسمة عريضة: احنا اسفين اننا دخلنا في الوقت ده بس ما باليد حيلة مكنش ينفع نرميه تحت مع ان كان نفسي والله بس دكتور عمر قلبه رهيف على المرضى بتوعه وشايف ان المريض حالته هتتحسن في سريره من باب يموت في فرشته احسن ما يطلع عين اللي حوليه صح يا دكتور؟
أشار له باعجابٍ لاتقانه حكمته المتفانية: بالظبط.

ثم تطلع لها وهي يسحب الاخير خلفه: زي ما قولتلك بلاش تقلقيه سبيه ينام براحة راحته، تصبحي على خير.
وغادروا معًا وظلت هي محلها تتامله بغيظٍ وغضب تردد بهمسها الساخط: هببت ايه المرادي!

وعد أحمد عدي بالحديث معه بالمقر صباح اليوم التالي، فاحترم الاخير رغبته واغلق الهاتف، فقال ياسين بقلقٍ: الموضوع كبير للدرجادي!
وضع عدي هاتفه بجيب بنطاله ثم اعتدل بجلسته وهو يجيبه: يمكن الموضوع متعلق بليان. البنت كبرت واسمها هسببلها مشاكل نفسية كبيرة. متنساش كمان تعلق اسيل الكبير بيها. وخصوصا بعد ما حملها ما كملش. حتى بعد السنين دي كلها لما ربنا عوضها بآويس بس حبها مازال أكبر لليان.

كاد بأن يجيبه ولكن قاطعهما صوت طفولي رقيق، ينادي بخفوتٍ: بابي.
انتبه عدي لصوت ابنته التي تقف بالقرب من الدرج ويبدو عليها الحزن الشديد، فقالت بانزعاجٍ: بقالي أكتر، من ساعتين مستانية حضرتك ومامي زعلانه مني عشان معاد نومي فات من بدري.

نهض عدي عن الاريكة، ثم اقترب من ابنته وانحنى على ركبتيه ليكون على مستوى قريبًا منها، فضم خديها بين لائحة يده وهو يخبرها: أنا آسف يا روح قلبي، حقيقي انشغلت ونسيت انك مستانياني.
وحملها بين ذراعيه ثم استدار تجاه ياسين ليسترسل بضيقٍ: هو انا هفتكر أي شيء خاص بيا طول ما أنا وسط المشاكل!

وحملها واتجه للأعلى ومازالت بين يده، ولج لداخل الغرفة، ثم افسح المجال للخادم الذي اتى بعلبٍ الطعام مثلما طلب منه، فوضعها على الطاولةٍ وغادر على الفور، دلف عدي بابنته التي اجلسها على ساقيه ثم قال بحبٍ: كلتا أذني صاغية، أيه بقى الموضوع المهم اللي عايزاني فيه؟
قالت بنومٍ يغلب صوتها: مامي هتقولك.

بحث عدي بعينيه عن معشوقة قلبه فلم يجدها، وفور سماعها لتلك المهمة التي وكلتها بها ابنتها حتى خرجت من جوار السراحة تشدد: لا يا حبيبتي بلغي بابي قبل ما تروحي اوضتك. عشان نبقى على نور كده.
راقبهما عدي بحيرةٍ، الى ان قالت الصغيرة: أنا عايزة اطلع رحلة نظمناها انا وصديقاتي مع ادارة المدرسة لشرم الشيخ.

اعاد خصلة شعرها البني المتمردة على عسلية عينيها لخلف آذانها وهو يجيبها: طب وأيه المشكلة في كده؟ خدي ياسين معاكي.
قالت بتردد ظهر بحديثها: ياسين عندهTest بعد بكره. ومش هيقدر يطلع معايا، لكن فصلي اختبر خلاص.
رمش بعينيه بثباتٍ، ثم قال بنبرة مازال يدفئها حنانه المباغت به تجاه ابنته: خلاص يا رحمة مش هتقدري تطلعي من غير اخوكِ. أنا مش هقدر أخليكِ تسافري لوحدك حتى لو المدرسة كلها كانت معاكي بالرحلة دي!

انشق الحزن على وجهها، فقالت بصوتٍ يهزه الضيق: بابي ياسين تؤامي يعني من سني. وحضرتك كل حاجة تخصني بتوكلها ليه هو!
وبرجاءٍ قالت: انا هكون مع صديقاتي وهعرف اخد بالي من نفسي.

نهض عدي عن الاريكة ثم اتجه للخزانة، يبدل ملابسه لبنطال قصير، وتيشرت أزرق قطني يريحه من الحلى التي لا تفارقه، وقال وهو يعيد تصفيف خصلات شعره البني التي طالت بعض الشيء: روما النقاش بالنقطة دي منتهي. مفيش سفر لوحدك. ممكن بعد ما اتفرغ الفترة الجاية نسافر كلنا مع بعض لشرم.
واستدار لها وهو يستطرد: الوقت اتاخر ولازم تنامي، تصبحي على خير يا حبيبتي.

كبتت نظراتها المغتاظة خلف دموعها، وغادرت بصمتٍ، تطلع عدي لمن تقف على بعدٍ منه، شاردة بالاريكة التي حملت طيف جسد ابنتها منذ قليل بحزنٍ، فقال برفقٍ صاحب صوته الرخيم: مينفعش اخليها تسافر لوحدها من غير اخوها يا رحمة!
مجرد شعورها بخوفه من حزنها على قراره اسعدها، فدنت حتى باتت قريبة منه ثم قالت: انا معاك في قرارك يا حبيبي، انا نفسي رفضت بس اصريت انها تسمع الكلام منك افضل.

منحها ابتسامة جعلت فرحة الكون باكمله تحتضنها، فضمها اليه وهو يشير للطعام بعينيه: طب مش هناكل!
هزت رأسها بالموافقة، واتجهوا معًا للطاولة المستديرة بالشرفة، فجلست تتناول الطعام بشرودٍ تام، فتساءل بنظرة تغلغلت لداخلها: بتفكري في ايه؟

وضعت الطعام عن يدها ثم ازاحت بقاياه بالمناديل الورقية، واعتدلت بجلستها وهي تحاول البوح عما تود قوله بارتباكٍ: اعتمادك على ياسين كبير جدًا. بحس اوقات انك شايفه شاب كبير وبتتعامل معاه على ده الاساس بالرغم من انه زي ما رحمة قالت من شوية من سنها. وانت شايفها صغيرة ولسه بتشيلها وبتعاملها كأنها طفلة. طب ليه الحنان ده كله مش بحس بيه مع ياسين ابنك يا عدي؟

ترك كوب العصير عن يده، ثم نهض عن الطاولة واتجه للسور الحديدي للشرفة، ظنته غضب لما قالته، فنهضت عن محلها واتجهت لتقف جواره، وجدته يبتسم وهو يراقب بقعة بعيدة عن غرفتهما، فراقبت ما يرآه فوجدته يتطلع تجاه شرفة غرفة اولادهم المجاورة لغرفتهما، فرأت ياسين يجلس على الآرجيحة ويحتضن رحمة، يحاول بشتى الطرق ان يوقفها عن البكاء، كان يعاملها كمن يسبقها عشرات الاعوام وليس عشر دقائق فقط، والعجيب انه ظل يهمس لها بكلماتٍ غير مسموعة وانتهى الامر بها بالابتسامة والغفوة على قدم اخيها، ابتسمت رحمة وهي تراقب ابنتها وابنها الحنون، واتجهت نظراتها لعدي الذي ردد: هو اللي بيجبر اللي حواليه يعاملوه انه شاب.

واستدار تجاهها ليشير لها بشكلٍ مضحك: لو بطل يستفزني ويأيد ياسين الجارحي كنتي هتشوفينا في اطار صداقة محصلتش لمية سنة ورا. بس ده اختياره الوحيد اللي غبي فيه.
تعالت ضحكاتها بعدم تصديق لما يحمله من غيرة تجاه حب ابنه لجده، فاحتدت نظراته تجاهها لتشير بجدية مصطنعة: خلاص خلاص مش هضحك.
وفجأة انفجرت من الضحك وهي تخبره: مش يمكن اختياره يكون صح. وبالتالي هو اذكى مما تتوقع!

اتسعت حدقتيه بانذارٍ صريح لما قد يصيبها، فتراجعت للخلف وهي تشير له بمرحٍ: انا بفترض معاك عشان نلاقي حل للمشكلة دي، بدل ما اللي بيحصل بينك وبين والدك يتكرر مع ابني ساعتها هعيش نفس الدور اللي عايشاه ماما آية وهبقى انا الضحية!

ظل يقترب منها وهي تتراجع للخلف ويدها مضمومة لشفتيها لتجبرها عن التوقف عن الضحك حتى لا تقابل مصير قد تندم عليه لاحقًا، ومع ذلك انسحب عنها مرحها حينما باتت سجية لعواطفه، تلك العاطفة التي قذفتها بوابل من المشاعر العاشقة لادق تفاصيلها، التي تناهت عن عقابها لتخطيها تلك الحدود، فتخطت المشاعر الآن كل حدود العشق التي تحفظت بها عليهما!

طوى ضياء الشمس ظلمة الليل الكحيل، لينعم باشراقة خلابة بالصباح الباكر، حاول عمر فتح عينيه مرارًا مع شعوره بوخزة من الألمٍ الحاد بذراعه ومع غلبة النوم كان يندرج خلفه، ومع حدة تكرار الألم انصاع لايقاظه، ففتح عينيه وهو يتأوه بوجعٍ، أصابه بصدمة حينما وجد نور تجلس جواره وتنغزه بسن دبوس الحجاب الحاد، تفحص يده التي ازدادت بالاحمرار وردد بذهولٍ: أيه اللي بتعمليه ده يا مجنونة!

وكأنها كانت تنتظر تلك الدفعة لتفجر ما بداخلها، فانطلقت به: انت لسه شوفت الجنان اللي على اصله، بقى أنا جايلك جري من عند الدكتورة افرحك بابنك اللي في بطني القيك مشغول بتقيم المسائل.
ردد بسخطٍ: مسائل! وايه ابنك اللي شايلاه في بطنك ده واخداله ايجار جديد ولا أيه!
عادت لتنغز سن الدبوس داخل لحم ذراعه، فصرخ بالم وهو يبعد ذراعها عنه مشيرًا لها بتحذير: نور بطلي جنان على الصبح.

حاولت الاعتدال بجلستها الغير مريحة بالمرة، فتاوهت ألمًا، وقدمت يدها له تخبرها بلطفٍ لا يتناسب مع جرمها المشهود: ساعدني كده الله يكرمك.
أمسك عمر يدها حتى اعتدلت بجلستها التي جعلتها تتمكن منه، فعادت لتسترسل حديثها المندفع: يعني انا يا ابن الحلال كل يومين هجي اقفش من عندك ستات! لا في عيادتك رحمني ولا في المقر وسط الناس المحترمين رحمني قولي على حل واحد اسلكه معاه وانا هسلك!

احتضن جبهته بألمًا، فعاد ليتمدد على الفراش وهو يشير لها بنومٍ: اطفي بس النور هريح شوية وهنسلك كل الحلول مع بعض بعون الله.
جحظت عينيها في صدمة، فعادت لنغزه من جديد، ففزع في رقدته، نجح عمر بلف ذراعها من خلف خصرها ومن ثم انتشل ما تحمله وهو يردد باستهزاءٍ: شغالة اشراف في تعذيب سجون 5غرب!

استحضرت دموعها الماكرة في دقيقة وراجت تندب بتأثرٍ: بتضربني بعد السنين دي كلها يا عمر، لا وبتلوي دراعي اللي ياما اعملك الطفح ورتبلك هدومك!
تفاجئ بما تقوله، فابتعد عنها وهو يشير لها بتحذيرٍ: نور أنا مش أد مكرك، ارحميني لوجه الله، الاكل اللي بتعمليه بتجربي فيا قبل ما تديه لبنتك وترتيب الهدوم والكلام الاهبل ده مهو اللي طريقة محترمة للتفتيش على اساس اني لو ماشي مع واحدة هخبيها في هدومي مثلًا.

واستطرد بسخريةٍ: انا فاهم كل حاجة وعامل نفسي عبيط. يعني بالبلدي كده واكلها بمزاجي عشان انا طيب وبحبك بس، زي ما عديت اللي عملتيه امبارح ده عشان بس كان على معدتي لاني مكنتش طايق البت دي ولا طايق قعدتي معاها.
صفقت يدها بطريقة مضحكة وهي تقول: بدليل انك ساهران معاها وراجعلي وش الصبح!
رفع اصبعه امام وجهها باعتراضٍ مضحك: لا عندك، مسمحلكيش انا دكتور محترم وليا سمعتي.

دكتور ايه بقى ما خلاص ياسين الجارحي علم عليك يا حبيبي.
ولو حتى لو بشتغل ميكانيكي بس بسمعتي اللي زي الجنية الدهب برضه.
واسترسل ببسمةٍ عنجهيةٍ: وبعدين انا كنت مع اخويا بنحل شوية امور وتقدري تروحي تسأليه.
ثم اشار لها ساخرًا: وسعي بقى انتي وبطنك دي. خليني اقوم اخد شاور امشي من هنا قبل ما دماغي تنفجر من عمايلك.

ابتعدت عن حافة الفراش وهي تتطلع لبطنها بعد كلماته بتفكيرٍ، فهمست بتوعدٍ: ماشي يا عمر. وربي لاوريك.

انتهى من عقد جرفاته السوداء حول رقبته، وجذب البرفنيوم الخاص به ليضعه على معصمه، كان يتألق كعادته فحتى وإن كان يعمل بالصخر وسط المجرمين كان يهتم بمظهره، انتهى عدي من ارتداء حذائه وانتصب بوقفته الشامخة ليغادر جناحه، اتجه ليجذب هاتفه عن الشاحن المتصل به، فوجد اكثر من خمسةٍ اتصالات متتالية من صديقه مازن، اعاد زر الاتصال ليجده يجيبه: أخيرًا، انا بحاول اكلمك من بدري.

اتاه رده الجاف: لسه فاكر تتصل. انا اديتك ساعات عشان تجبلي المعلومات اللي طلبتها منك جايلي بعد ايام وتتكرم باتصالك ده!

اجابه بجدية تامه: عدي الشخص ده مخيف بدرجة ترعب، خافي كل حاجة وراه بشكل مش معقول، وده يخليني اكدلك انه له في الشمال بس على تقيل، رجل اعمال ومعروف زي ده اكيد مش هيهتم بالثغرات اللي وراه بس كونه حريص بالشكل ده يخلينا نتأكد انه وراه مصايب مش مصيبة واحدة، والغريب في الموضوع ان أكتر من حد أكدلي إن مهاب أبو العزم ده راجل كبير وقديم في السوق، بس لما راقبته وشوفته لقيته شاب صغير بتاع 31سنة وده ميتطابقش مع الكلام والمعلومات اللي جمعتها عنه!

ضيق عسلية عينيه بغموضٍ، فقال بثباتٍ ماكر لا يبرز ما خلفه من تفكيرٍ عميق: خليك بعيد يا مازن، سبلي انا الموضوع ده.
وانهى اتصاله بكلمة مختصرة: هكلمك تاني. سلام.

خرج عدي من غرفته ليجد ابنته تقف امام بابه وعلى ما يبدو بانها كانت بانتظاره منذ فترة، منحها ابتسامة وهو يشير لها بالاقتراب لاحضانه، تعلقت برقبته حينما رأته ينحني تجاهها، فنهض بها وهي بربت على ظهرها بحنوٍ، رددت برجاءٍ طفيف: عشان خاطري يا بابي. انا نفسي اروح معاهم.
ابعدها عنه لتقابل صدق خوفه القابع بعينيه: يا حبيبتي انا مش ممانع بس زي ما انتي شايفة اخوكي مشغول. مين اللي هيروح معاكِ!

انفلتت بنوبة حارقة من البكاء، وخفضت ساقيها عنه، فتركها تنخفض عن ذراعيه، ركضت الصغيرة بعيدًا عنه باكية، فرآها ياسين وسألها بقلق: في ايه يا حبيبتي؟
لم تجيبه الصغيرة، اكتفت بتلك النظرة المنكسرة اليه وتابعت ركضها تجاه اخيها الذي يبعد عنهما بمسافةٍ ليست بالبعيدة، دنا ياسين من عدي وتساءل بفضولٍ: مالها رحمة يا عدي؟

تمعن بالتطلع تجاه ابنه الذي يحتضن شقيقته ويرمقه بنظرةٍ ثائرة، مغتاظة لما تسبب به لشقيقته، تدافعت ذكريات تلك النظرة لذهن عدي ليتذكر كيف كان يجابه اباه بنفسها، كم هي مؤلمة للغاية ان يناطحه المد بالمد وإن تمكن من شرح وجهة نظره الأكثر حكمة منه له سيتفهم الامر، ترى ما الذي فاته هو أيضًا مثلما فات صغيره!
ترى من الصائب أباه أم هو؟!
عدي!

أفاق عدي من شروده على هزة يد ابن عمه وهو يعاود بسؤاله: في ايه انت مزعل البنت ليه؟
قاطع سؤاله اقتراب ابنه يحيى، وهو يخبرهما بتوتر: أنا ممكن أطلع الرحلة مع رحمة يا انكل عدي.
جحظت نظرات ياسين الذي تكونت بعقله فكرة عما يحدث عنها، فقال بارتباك: رحلة ايه، انت مش اختباراتك كمان اسبوعين!
قال على الفور: ايوه. بس ممكن اخد كتبي واللاب معايا واذاكر هناك.

حانت منه نظرة جانبيه تجاه عدي، فدفع ابنه برفقٍ وهو يحثه على الانصراف بطريقة كوميدية: امشي عند ماما يا حبيبي.
رفض الصغير الانصراق وتابع: انا هخلي بالي منها. حرام دي زعلانة خالص.
صاح به ياسين بغيظٍ: ابوها واقف. الوحش فاكره!
رمقه عدي بنظرة غاضبة سببها طريقة تعامله مع ابنه العدوانية ففهمها غير ذلك لذا تابع ببلاهةٍ: معرفوش.
وحك رقبته وهو يهمس له: ولد وغلط. حقه مدفوع.

تجاهله عدي وانتقلت نظراته ليحيى فاخبره ببسمةٍ صغيرة لاحت على شفتيه: موافق يا يحيى. لاني واثق انك هتخلي بالك منها.
تهللت اسارير الصغير الذي غادر تجاه ياسين ورحمة ليخبرهما قرار عدي، بينما تابعه اباه بصدمة وهو يتساءل ماذا يخطط عدي للانتقام من صغيره!
افاق ياسين تلك المرة على صوت عدي الذي يخبره: ياسين، كنت عايز اعرف معلومات عن الصفقات اللي نجح مهاب أبو العزم انه ياخدها.

تلاشت ملامحه المرحة للجدية التامة، فسأله بريبة: ليه انت هترجع للشرطة تاني!
نفى ما قاله بشكلٍ غير صريح: محتاج للمعلومات دي يا ياسين هتقدر تجبهالي ولا لا؟
اجابه بسلاسةٍ: طبعًا أقدر.
ابتسم وهو يشير له: تعجبني.
وتركه واستدار ليكمل طريقة للمصعد فاذا بجاسم يهرول تجاههم، فخرج صوته متقطع من بين انقطاع انفاسه: في كمين منصوبلك تحت يا وحش، البنت كلهم وعمك يحيى رئيس الحزن!

ازدادت ابتسامته الماكرة وهو يردد: اتاخروا!

بالأسفل.
رددت مليكة بنفاذ صبر: يعني يوم ما نحتاج نتكلم معاه يتأخر كده؟
اضافت أسيل بنفاذ صبر: يمكن مش هينزل النهاردة.
اكدت رحمة عليهم: لا انا سايباه بيلبس ونازل!
ردد احمد بشكٍ: هو في ايه؟
اضاف رائد بقلق وهو يتناول طعام الفطور: تجمعهم على الصبح كده ميطمنش.
تناول معتز الشطيرة التي امامه وهو يضيف: عايزين تشتكونا للوحش بدلا من ياسين الجارحي ولا ايه؟
اجابته شروق بخبث: يمكن محدش عالم اللي في النفوس.

ضحكت نور وهي تشيح بنظراتها تجاه عمر: توقعوا مننا اي حاجة.
انتهت الاحاديث الجانبية حينما هبط عدي بصحبة ياسين وجاسم للاسف، فقال بمكرٍ: خير على الصبح.
اسرعت مليكة بالاقتراب منه وهي تذكره بوعده القاطع: وعدتنا انك هترجع بابا وماما قبل عيد جوازهم. وخلاص مفيش وقت!

جذب مقعده وجلس يتناول طعامه بكبرياءٍ وجمود، والجميع يترقب سماع ما سيقول وبالاخص الشباب، يرتعب قلوبهم لما يضمره لهم عدي تلك المرة، فتحرك لسانه اخيرًا حينما قال: وانا لسه عند وعدي، ياسين الجارحي بنفسه هيكون عندكم بكره. بس المهم تشوفوا انكل يحيى.
اتجهت نظرات الفتيات جميعًا تجاه يحيى الذي يترأس الطاولة، فقال بخوف مصطنع: مش هبلغه اي حاجة.

واتجهت نظراته لعدي فسأله بفضول: بس ايه السبب ورا مساعدتك دي يا عدي!
جذب احد ثمار الفاكهة يتناولها بتلذذٍ قبل ان يجيبه: ياسين الجارحي فاكر اني مش هعرف اوصل لمكانه، فحبيت اوريه اني لما بحط حاجة في دماغي بعملها من غير كلام كتير.
واتجهت نظراته لاخيه وببسمة خبيثة قال: جاهز للرحلة يا عمر؟
ابتلع ريقه برعبٍ وهو يردف: قصدك جاهز لهلاكي!

ابتسم يحيى وهو يردد: انت مكبر الموضوع ليه! هو موديك لعذرائيل ده أبوك يا حبيبي!
قال وهو يتطلع تجاه اخاه الذي يستكمل طعامه وكأنه ذاهب لقضاء عطله صيفية: مهو الحظ لما يجي على الغلبان يبعتله اب زي ياسين الجارحي واخ زي المفتري اللي جنبك ده.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة