قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع

تراقص البخار الصاعد من إبريق الشاي الساخن ليمتزج مع رائحة القهوة الشهية، فوق الطاولة المتحركة التي تتحرك تجاه حديقة القصر الخارجية حيث يقطن أفراد العائلة، لرسم مخطط متفق عليه لتزين القصر في مهلةٍ قصيرةٍ، أقصاها يومًا كاملًا، فما أن رحل عمر برفقة عدي حتى جلسوا يخططون لكل شيءٍ، فنشب بينهم معركة يعهدها كل فريق ينقسم بين الرجال وتاء التأنيث، فما خطط إليه جاسم و رائد لم ينال إعجابهن، حيث صرحت رانيا ساخرة: لا طبعًا فكرة تقليدية ومهروسة أوي!

اكتظم غضب رائد من اهانتها لاختياره الدقيق، فأضافت نور: حتى اللون اللي اختاره للبلونات مش حلو.
قذف جاسم القلم من يده وهو يناطحهم بغضبٍ: لا بقولكم أيه أنا معنديش خلق للهبل ده. بقالنا أربع ساعات بنحطلكم خطط وديكورات وكل شوية تطلعنا واحدة بحجة شكل!
هز رائد رأسه بنفورٍ: ده لو مشروع كان زمانه اتنفذ أسهل من كده.

راق لمعتز حديثه المتعلق بمجال عمله، فقال بتريثٍ: مكبرين الموضوع والحكاية كلها تتحل في كام بلونة وشمعتين!
لوت شروق شفتيها باستنكارٍ قبل أن تردد: البلونة والشمعتين اللي بتضحك عليا بيهم كل سنة مينفعوش مع ياسين الجارحي يا استاذ معتز!
احتدت عينيه في تأهب لمعركةٍ جدالية قد تنشب هنا، وتساءل: قصدك أيه؟
أنهى يحيى المعركة قبل إعلان الدفوف حينما قال: احنا متجمعين عشان ننجز مش نتخانق ونحقق في تفاصيل الخناقة!

استغل أحمد ما يحدث ليثبت له بأن عليه الذهاب بعيدًا عن تلك الأجواء، فقال بمكرٍ: شوفت يا عمي. مخلينا أنا وياسين نسيب الاجتماع المهم ونقعد نتفرج على خناقات البلالين. خليهم يحلوا موضوع القصر وسبنا نروح احنا نمشي المقر.
شدد على قراره بتصميمٍ: مينفعش يا أحمد. احنا معناش وقت ولازم نخلص قبل رجوع ياسين.

ونهض عن مقعده ثم تنحنح قبل أن يتلبس رداء الحذم المصطنع: يلا قسموا المهمات عليكم. وابدأوا عشان تلحقوا تخلصوا قبل رجوع عدي.
وأبعد مقعده للخلف وهو يستعد للمغادرة، فعاد وهو يشير تجاه زوجته، فغمز لها بخبث ومن ثم فرد ذراعه: عايزك في موضوع مهم يا ملك.
كبتت ابتسامة كادت بالانفلات منها، فنهضت وهي تشير للفتيات: طيب يا بنات شوية ورجعالكم.

اتجهوا معًا للقصر الداخلي ونظرات الشباب تفترسهما، حمل معتز مقعده البلاستيكي واتجه ليجلس جوار ياسين الذي يتابع اباه بنظرة تحمل الدهشة بين طياتها، فانحنى على أذنيه يهمس بصوتٍ كان مسموع للشباب الملتف بمقعدهم من حولهما: أبوك مش بيضيع الفرص. أنا حاسس إنه صغر 20سنة وابتدى يتعامل على الاساس ده.

التف برأسه تجاهه، فمنحه نظرة غاضبة لحديثٍ بدى متشابهًا لابناء أعمامه بالفترة الأخيرة، وكأن قصر آل الجارحي لم يتبقى به سوى أبيه ووالدته، قطع رائد الاجواء المشحونة فيما بينهما حينما اقترح: طب يا شباب أنا بقول كل مجموعة تزين مكان وهنخلص بإذن الله.
لاح على شفتي جاسم بسمة خبيثة، فقال: ادخلوا انتوا ظبطوا القاعة والقصر من جوه وأنا وداليا هنشتغل هنا.

انتصب أحمد بوقفته بمللٍ اتبع نبرته المتصلبة: لا كده مش هنخلص السنادي. لو كل واحد هيقضيها بالشكل ده فيها كمان اسبوعين. عشان كده سيبلي أنا الطالعة دي أنا بتفسي هقسمكم.

وبالفعل بدأ بتوزيع المهام عليهم، وشمل الفتيات ببعض الامور البسيطة، فأغلبهن يبدو عليهن إرهاق الحمل، فكان بهن رحيمًا، نهضوا جميعًا عن مجلس المناقشات الخاصة بهم، وقبل أن يفترقوا اقترب ياسين من أحمد، واستند على كتفه وهو يعدل من حذائه الذي كاد باسقاطه بالمسبح، فسأله باستغرابٍ: أمال فين اخوك؟ مختفي من الصبح!

رمش بعينيه بذهولٍ وهو يحاول تذكر أخر مرة رآه، فاستدار تجاه الجميع وسألهم بدهشة: حد شاف حازم يا شباب؟
كاد أحدهم بالرد عليه ولكن سبقه صوت نسرين المستنجد من الاعلى، وهي تردد دون توقف: الحقووووووني!

حاوطت بطنها المنتفخ بذراعيها وكأنها ستسقط منها، ولاذت بالفرار حتى إختبأت خلف أحد الستائر، ظنتها ضخمة ولن يكتشف مكانها السري أبدًا، قفز حازم من خلفها وصاح بصوتٍ غريب عن طبقة صوته المعتادة: أنتي يا بت روحتي فين اطلعي؟!
وحك جبهته بألمٍ شديد وهو يهمس بحيرةٍ: هي قالت اسمها أيه؟!

وحينما لم يجدها كاد بالتوجه للردهة الخارجية لجناحه، ولكنه توقف فور رؤيته لهذا الانعكاس الغريب بالمرآة، اقترب حازم من المرآة وهو يتمعن فيما يراه بذهول، فكان لا يتضح من الستار سوى بطن منتفخة لجسد غير مرئي، تمددت شفتيه ببسمة شيطانية، فجذب أحد المضارب الخاصة بنظافة الفراش، وتصنع بأنه مازال يبحث عنها وهو يدندن: روحتي فين لسه في حوار بينا مخلصش.
وفجأة انقض على الستار، فازاحه وهو يشير لها بالمضرب: قفشتك!

ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة بالغة وهي تراقب ما يحمله بيده، فقالت بصعوبة بالحديث والابتسامة المصطنعة تحاول الصمود أمام ما تراه: حازم أنا على وش ولادة ومش حمل هزارك السخيف ده.
انكمش وجهه بغضبٍ وصاح بانفعالٍ: مهو انتي اللي متعاونة معايا يا اسمك أيه إنتي! قولتلك انتي مين مش راضية تجاوبيني! وفوق كل ده عارفة اسمي وجايباني في مكان أول مرة أشوفه.

وانحنى تجاه الشرفة وهو يتفحص المكان، ثم عاد ليقف مقابلها بنظراتٍ صدمة، جعلتها تحتضن جنينها بخوفٍ اتبع نبرتها الهامسة: أيه!
رمش بعينيه عدة مرات وهو يحاول استيعاب ما يحدث، فقال: انتي خطفاني في بيتي!
هزت رأسها بالنفي سريعًا فأكد لها وهو يطرق بالمضرب خلف ظهرها: لا أيه. ده بيتي.
صاحت بألم، وهرولت تجاه المقعد، فلحق بها وهو يسترسل بذهول: بس دي مش اوضتي. أنا أوضتي أصغر من كده بكتير.

ارتفعت نبرته وهو يستكمل باقي جملته: يا بجاحتك يا شيخة قاعدة كده عادي. ماليش أهل يسالوا عليا طول الفترة دي!
اعتصرت رأسها وهي تحاول التفكير فيما أصاب ذاك المعتوه، فحاولت للمرة الاخيرة الحديث بعاطفة مخادعة علها تستميله: حازم يا حبيبي مالك كده النهاردة، انا نسرين حبيبتك ومراتك وزي ما انت شايف حامل ومش حمل فرهدة الله يسترك يا شيخ تفتكر لحسن أنا مش حمل جري تاني كده هولد بدري وأنا مش عاملة حسابي.

تعمقت تعابيره باتخاذ الحزم والجدية التي جعلتها تعتقد بأنه عاد لرشده، أو توقف عن مزحه السخيف، فاستندت على حافة المقعد وهي تحاول أن تنظم مجرى تنفسها براحةٍ، فما كان منه الا أن اقترب منها ليعيد ضربها بقوةٍ جعلتها تقفز كالقنفذ وهي تحاول الفرار مجددًا، والاخير يلحق بها ويصيح بصوتٍ كان مسموعًا للجميع بوضوحٍ وخاصة حينما اقتربوا لجناحهم: فاكراني اهبل وعبيط يا بت، حمل أيه وهباب أيه ده أنا لسه متعرف عليكي من كام ساعة، وعمال اقول عندها انتفاخ من البطيخة اللي قومت لقيتها لابساها ونايمه برأسها جواها!

ركضت تلك المرة تجاه باب الجناح الرئيسي فما ان فتحته حتى وجدت الشباب قبالتها، فتوسلت لهم بإرهاقٍ: انجدوني يا تطلقوني منه وتبقوا كسبتوا فيا ثواب.
انتقلت الأعين تجاه من يركض من خلفها حاملًا للمضرب، وصوته المتحشرج يزعج الآذان: مفيش حد هيدفغلك فدية فيا. أنا كفيل أساعد نفسي بنفسي.

هوى المضرب على ذراع معتز فجلس على المقعد وهو يرفع ذراعه إليه بألمٍ، انتبه حازم للصحبة المتجمعة في غرفته، فتساءل بخفوتٍ: لسه فاكرين تيجوا تنقذوني!
احتضن ياسين مقدمة رأسه وهو يسأله بصبر يحاول التماسه: ننقذك من أيه بالظبط؟
اشار على نسرين التي تحتضنها رحمة وتحاول شروق ومليكة تهدئتها، فصاحت به نور بشراسةٍ: روح الهي تلتهمك سمكة قرش وتجرجرك على الساحل يا بعيد!
قوس جبينه بغضبٍ: أنتي مين؟

انخفض بصره لبطنها المنتفخة، فصاح بسخطٍ: معبية وخاطفة مين انتي التانية؟
جذبه رائد من تلباب قميصه وهو يصيح به: حازم لم نفسك وفوق على الصبح كده.
راقب يديه التي تحيط بملابسه ومن ثم تطلع اليه وهو يردد بتعبٍ: أنا شوفتك فين قبل كده. أنت ظابط صح!
ضحك جاسم بصوته كله ثم قال بسخريةٍ: دي بوادر كارثة جديدة. حازم دايمًا بيستغل الوقت المهم لصالح مصايبه.

أغلق عينيه بتعبٍ واحتضن أنفه، ثم قال وهو يعتصر ذكرياته: أنا أخر حاجة فاكرها اللودر اللي جبت فيه.
وفتح عينيه وهو يشير لهم على اثر الكدمة: حتى بصوا كده.

وفجأة سلطت عينيه على أخيه الذي يراقبه بملل ونفاذ صبر، وقبل أن ينطق لسانه طالته لكمة أخرى في نفس الموضع، جعلته يترنح على ذراع معتز وجاسم، فدفعوه للنهوض مجددًا، تصلب جسده وبالأخص وجهه، فأغلق عينيه ثم اعاده ويده تعدل من وجهه، فمال بجسده مجددًا على صدره، ورفع رأسه تجاه وجه أحمد وهو يخبره بغيظٍ: في نفس المكان. في نفس المكان!

تراجع أحمد للخلف وتركه يسقط أرضًا، ثم اتجه للخروج وهو يشير لجاسم: هاته. هيساعدنا في حاجات كتيرة.
أحنى رأسه بتسليةٍ: تحت أمر معاليك.
غادر احمد للاسفل، بينما انحنى ياسين بجسده تجاه حازم الممدد ارضًا وبابتسامة خبيثة قال: اتمنى تكون ذاكرتك رجعتلك يا حازم.
رفع إصبعه يشير له بإعجابٍ وتأكيد صريح لعودة ذاكرته دون أن يلجئ أحدهم لمعاونته للتذكر، فجذبه جاسم وهو يشير له ساخرًا: طب سند ياخويا.

استند على ذراعه واتجه للمغادرة، فحانت منه نظرة لمن تلتف الفتيات حولها، فقالت بانفاسٍ متقطعة لما بذلته من مجهودٍ: مش عايزة أكتر من إن ربنا يهد حيلك زي ما هدتني.
منحها نظرة حزينة، قبل أن يناديها بندمٍ: حقك عليا يا سوسو، انتشاليني من الضباع أنا ليا حق عليكي!
جذبه معتز بقوةٍ ومن ثم أغلق الباب من خلفه، فانفجرت الفتيات ضحك، خاصة رحمة، سالت دمعاتها من فرط الضحك واخبرتهم بصعوبةٍ: صعب عليا والله.

ردت عليها نسرين بحنق: يستاهل اسكتي.
خلعت مليكة حجابها ثم بدأت تعدله بإتقان أمام المرآة قبل أن تضيف: كده هنتأخر يا بنات. يلا.

بمكان بعيد عن أجواء محبة قصر آل الجارحي.
شقت ابتسامة مرعبة على وجه الشيطان بحد ذاته، لما استمع إليه من اقتراح من رجله الهام، الذي يعده ذراعه الأيمن، لذا أراد أن يمنحه الجواب الأمثل لسؤاله، فقال: تحب تلعب؟
ابتلع ريقه المتحجر بصعوبة بالغة، فهو يعلم هوسه المريض بقتل ضحاياه بألعابٍ مخيفة، فحاول جاهدًا رسم بسمة لم تجدي نفعًا بظهورها، وهو يجبر لسانه على الحديث: بلاش يا باشا أنا آ...

انقطعت باقي كلماته حينما وجد نظرة كادت بسلخ جلده بعيدًا عن جسده، فتراجع للخلف بخطواتٍ مرتعشة حتى مال بجسده على الحائط الأصفر المخصص للعبته المعتادة، عصب عينيه بغمامة سوداء ثم جذب بعض من السكاكين الصغيرة الشبيهة بالشوك الحاد، وأخذ يسدد حول جسده بعشوائيةٍ دون أن يرى هدفه، فاخترقت اثنتان من الشوك جلد ذراعيه، والأخرى ساقه، فصرخ ألمًا ولم يجرأ عن التنحي جانبًا، فهو الأعلم بشروط لعبته الحقيرة، إن تنحى جانبًا يعني هلاكه وموته السريع، أزاح الغمامة عن عينيه، وحدجه بنظرة مستمتعة لما ناله من اصاباتٍ لا بأس بها كعقابٍ بعدما اقترح عليه أن يقتل عدي بنفسه ويريحه من وضع تلك الخطط التي تستنذفه، جذب أخر شوكة موضوعة على الطاولة الحديدية، ودنا منه وهو يردد بغموضٍ مقبض: كان ممكن دي تكون في قلبك. بس أنا محبتش أريحك بسهولة، حبيت انك تتألم وتحس بجروح رجلك وايدك الاول، وده معناها ان الاستمتاع الحقيقي انك تعذب ضحيتك قبل ما تمنحها السلام الابدي.

احتقنت عينيه بذكرياتٍ جعلتها تموج احمرارًا، فزاد من ضغط اصابعه حول الشوكة حتى نزفت يده بجرحٍ عميق: واللي عمله عدي فيا عقابه مش هيطوله هو بس، هو وعيلته وكل اللي بيحبهم. أنا هدمره وهدمر أي شيء بيستمد منه القوة والسلطة وبالأخص ابوه اللي شايف نفسه بيه!

انقسمت المهام بين الشباب، فكان من نصيب ياسين ورائد تزين وجهة القصر، ومهام جاسم وحازم تزين القاعة الداخلية، بينما أحمد ومعتز تزين الردهة الرئيسية، حتى الفتيات تقاسمن بما سيفعلن، فزينت نور ومليكة الدرج، بينما قامت شروق ورانيا بتغليف المقاعد بالاشرطة البيضاء التي تتناسق مع لون البلالونات، أما نسرين ورحمة فكانوا يعدن الكعكة الشهية بإتقانٍ، حتى أسيل وداليا نسقوا الردهة بمساعدة الخدم بحمل أغلب الاساس حتى لا يظل بها سوى المقاعد والطاولة الضخمة، كان الهدوء يخيم على الاجواء، الجميع يعمل بتمعن وتركيز، صدى الدبوس الصغير قد يصدر جلبة مع تلك السكينة، وكعادته يأبى الانسجام مع تلك الاجواء، فكان سريع للغاية باتخاذ فعل مخالف، حينما القى ما يحمله من البالون وهو يصيح بمن يعلو الدرج الخشبي: يا عم قرفتني. انت بتعمل أيه فوق كل ده، ده أنا ناولتك بالونات تكفي الجدار كله بتأكلها ولا أيه!

هبط جاسم درجة، ليتمكن من رؤيته جيدًا واقترح ساخرًا: ما تطلع تشتغل بدالي بدل طولة لسانك دي!
أجابه حازم بكل غرور: أنزل وأنا اوريك أحلى شغل.

ابتسامة عريضة، ماكرة، تملكته، فهبط وهو يشير له بالصعود، صعد حازم الدرج بعنجهيةٍ، وكأنه يصعد سلم المجد، ثم التقط البالون منه وحاول أن يلصقها جوار الاخرى مثلما كان يفعل جاسم، تقطب العرق على جبينه وهو يحاول التمدد بعيدًا عن الدرج ليصل لها، فكان يظن إنه إن كان أقصر من جاسم قليلًا لن تعيقه أي مشكلة بوجود الدرج، انحنى حازم أبعد عن نطاقه المسموح فاهتز الدرج به حتى تمايل جانبًا، تشبث حازم بالعمود الذي يقابله لينجو من سقوط الدرج المهلك، وصاح بألمٍ سرى بذراعيه التي تتعلق بحافة الاعمدة الحاد: الحقني يا جاسم. هات السلم هنا بسرعة.

قهقه عاليًا وهو يحاول التماسك ليجذب الدرج الخشبي، ولكن رؤيته معلق هكذا ذكرته بالقرد الذي يتشبث بأحد فروع الأشجار الهاشة، ثم يلقى مصيره المحتوم، قرب جاسم الدرج وحازم مازال يحاول وضع قدمه على أحد درجاته بينما الاخير يكاد يسقط أرضًا من فرط ضحكاته، فزم حازم شفتيه ساخطًا منه: ساعدني يا أخي على الأقل. أيه شايف ارجوز برجواني بيتنطط قدامك!
كبت ضحكاته أخيرًا وأشار له بغرورٍ: متقلقش أنا هتصرف.

صعد جاسم الدرج حتى وصل إليه، وعاونه على الصعود على كتفيه، فوضع ساقيه من حول رقبته، تعلق حازم برأسه حتى احتضن جبهته فمنع عنه الرؤيا، فصرخ به جاسم: هشوف ازاي بايدك دي، والله ارميك من هنا وأخلص.
ابعد يده عن عينيه فتابع الهبوط حتى وصل للاريكة فقذفه بعيدًا عنه والاخير يحيه ببسمة واسعة: .
الف شكر يا عمهم.
استند الاخير بيده على الدرج وهو يشير له بخبث: ها حابب تكمل ولا؟
توبت يا باشا اتفضل.

قالها وهو يفسح له المجال، فصعد جاسم وهو يمنحه نظرة استحقار ورضا، غلت الدماء بعروق الاخير، فانتظر حتى صعد وبدأ بعمله، وانحنى بيده تجاهه وهو يناديه: فين بقية البلالين يا حازم. انجز.
امسك باحد البالونات واحتضن جبهته وهو يتصنع شعواره بالدوار، فأخبره بتعبٍ مصطنع: شكلي هيغمن عليا ولا أيه!

واندفع بثقله تجاه الدرج حتى اسقطه بين زواياه أرضًا، فانطبعت معالم وجه جاسم على أرضية القصر بحرافيةٍ ريشة فنان مبتكر، تعالت ضحكات حازم وأسرع تجاهه وهو يردد بمكر: يا عيني عليك يا ابني. طمني عليك مستقبل العيلة بخير ولا في ذمة الله؟

ما أن اقترب منه حتى عركل جاسم قدميه ليصبح هو من يحتضن الارض والاخير يحاصره من الاعلى، يكيل له اللكمات وهو يصيح بعصبيةٍ: بتلعب مع واحد متهور. قولتلك الف مرة تجنبني. ولا أنت مستبيع عمرك؟

أشار له بلا، فعاد ليلكمه من جديدٍ، ولم يتوقف الا حينما وجد أحمد يستند على الدرج المائل وهو يتابعهما بملل ونظرة باءت بالكثير، فنهضوا معًا وكلا منهما يعدل من ملابسه، لجئ حازم لخداعه الذي كان يجدي نفعًا مع أخاه بالماضي فقال: شايف بيعاملوا اخوك ازاي.
رفع احد حاجبيه ساخرًا من طريقته المملة، فتجاهله واتجهت نظراته لجاسم ومن ثم قال برزانةٍ: اسحب منه المنفاخ خليه ينقطع نفسه وهو بينفخ البلالين.

ضحك بشماتة وهو يسحب المنفاخ بكل سرور: عنيا يا باشا.
جحظت عين حازم بصدمة، فهمس له جاسم: عملت ايه فيه. ده كان أطيب واحد فينا قلبته هو كمان ربنا ينتقم من الظالم.
استدار اليه وهو يشير له بحنقٍ: هينتقم من الظالمة أمثالكم بإذن الله.
رفع إليه الكيس البلاستيكي وهو يأمره بمكرٍ: طب انفخ يا حبيبي.

التقط منه البالونات وأخذ يعيد نفخهم حتى انقلب لون وجهه للاصفرار، تسلل لمسمع حازم صوت ضحكات مكبوتة، فالتفت ناحية باب القصر الداخلي، فوجد أحد الحراس يتبع عثمان للداخل، وكلا منهما حاملًا كرتون ضخم، اقتربوا من ياسين فأشار له عثمان كبير حرس آل الجارحي، بوضع الكرتون والانصراف، فوضعه وكاد بالمغادرة، فاوقفه حازم وهو يناديه بغضب: تعالى تعالى.
وحاول وضع يده حول كتفيه ولكنه لم ينجح فقال: انزل شوية.

اخفض الحارس جسده قليلًا ومازال يكبت ضحكاته على منظر حازم وهو يفعل ما بوسعه لنفخ البالون حتى كاد بأن يتقيء خلفه، فأشار له بجلب احد المقاعد ثم جلس واضعًا قدمًا فوق الاخرى وهو يشير له بحزمٍ: بقى أنت بتضحك عليا. طب ورحمة جدي عتمان لاعرفك مقامك.
وأشار للكيس البلاستيكي الموضوع جانبًا: انفخ يا وحش لما نشوف طاقتك.

توسعت نظرات الحارس بدهشةٍ، هل خاض الكثير من التمارين والرياضة المرهقة لينتهي به الأمر بنفخ البالونات!، ومع ذلك بدأ بتنفيذ ما قاله، بينما يرتشف حازم عصيره وهو يتابعه، انهى عثمان عمله بالداخل بعدما سلم ياسين بنفسه الشحن الذي قامت الفتيات بطلبه، وحينما كان بطريق عودته لمح رجله ينفخ البالونات بجوار حازم، فاقترب منه وهو يسأله باستغرابٍ: بتعمل أيه هنا أنا مش قولتلك اطلع على البوابة!

اتاه الرد من خلفه يجيبه: أنا اللي قولتله يفضل عندك مانع يا عثمان.
استدار عثمان للخلف وهو يحاول التماس هدوئه بعيدًا عن الابتسامة التي تلاعبه، فقال: لا طبعًا يا حازم باشا زي ما تحب.
أشار له حازم بالاقتراب، فلف كتفه حوله وهو يجبره على الخروج معه، وقبل أن يترك الردهة استدار فجأة وهو يشير للحارس بصرامة: كمل نفخ. شوية وراجعالك.

هز رأسه بطاعةٍ، بينما عثمان يترقب ما سيقول حازم، فخرج معه للحديقة الخارجية ثم قال: طبعًا انت عارف إنك غالي عليا يا عثمان صح؟
بدأت علامات التوتر تجوب وجهه ومع ذلك هز رأسه فقال الاخير: وعارف ان اخويا وولاد عمي مفتريين وزي ما شوفت خلاوني مسخرة بنفخ البلالين وأنا عشان واثق فيك فمش هأذيك لاني عارف ومتأكد انك مستحيل هتتكلم بس لازم ناخد قرار مصيري بالنسبة للاخ اللي بينفخ البالونات جوه ده.

حك عثمان وجهه بتخبط وهو يحاول جاهدًا بفهم ما يود قوله، فوقف حازم قبلته واستدار يأمن الطريق من حوله قبل أن يخبره: لازم تقتله قبل ما يفضحني للحرس اللي بره. ما أنا مش هقدر اطلع وادخل وهما شايفني نفاخ بلالين!
صعق مما استمع اليه وبدى عليه عدم تمكنه من فهم الالغاز الحادثة هنا، فردد باسترابة: أقتل مين يا باشا؟
اجابه ببساطةٍ: الواد اللي جوه ده عشان ميتكلمش.
همس بصوت لم يكن مسموع: يا مثبت العقل والدين يا رب.

وبابتسامة عملية قال: مفيش داعي اننا نقتله يا باشا. متقلقش رجالتي آمان محدش فيهم هيفتح بوقه.
تساءل بشكٍ: على ضمانتك يا عثمان.
ضحك رغمًا عنه: على ضمانتي يا باشا.
شعر بالارتياح. وقال ببسمة واسعة: حيث كده بقا ابعتلي طقم الحرس كله ينفخ البلالين لاني نفسي انقطع.
ضيق عينيه بصدمة: نعم!

أشار له بجدية: ابعتهم ورانا شغل كتير واقف انت على البوابة النهاردة يا عم، هما ليهم شغلة غير الواقفة والمرقعة وقبض كل شهر اد كده. خليهم يعملوا بلقمتهم.
هز رأسه وهو يتصنع محبته الزائدة وطاعته: اللي تؤمر بيه.
متعملش الهبل اللي بيقول عليه! روح شوف شغلك انت يا عثمان.
كلمات حازمة تحررت على لسان رائد، فهز عثمان رأسه وهو يجيبه: تحت أمرك يا باشا.
زفر حازم بضيق: انت كمان بتتدخل في قرارتي ليه.

منحه رائد ابتسامة تخفي نفاذ صبر عظيم ثم قال: انا عايز مصلحتك. فكك من اخوك وتعالى زين معانا الحديقة في الهوا الطلق.
القى باقي البلونات عن يده وهو يلحق به ببسمة عريضة: ايوه كده أفضل، شوف الناس اللي بتفهم بالذوق مش زي ولاد عمك ال.
كمم رائد فمه سريعًا وهو يهمس جوار اذنيه: بلاش. انت مش حمل عواقب تانية. صح؟
هز رأسه بالتأكيد، فعدل من ملابسه وهو يثني عليه: شاطر، تعالى ورايا.

بالداخل.
تفحصت أسيل الاغراض بحرصٍ، فرددت ببسمةٍ رقيقة: الحمد لله كله تمام.
تساءلت مليكة: جابوا الشموع اللي طلبتها؟
جذبتها إليها: ايوه أهي. بصراحة عندك حق شكلهم شياكة...
جذبتها منها مليكة، ثم قالت: هروح اديهم لرحمة عشان تحطهم على الجاتو.
أومأت برأسها إليها، فغادرت وتبقت أسيل تتفحص باقي الاغراض، فاستغل أحمد بقائهما بمفردهما واقترب وهو يتطلع لما تفعله فجر مشاكستها: طلبتيلي حاجة معاكي؟

وضعت يدها على صدرها وهي تهمس بخفوت: خضتني يا أحمد.
غمز لها بخبث: سلامة قلبك وقلبي من الخضة يا روح قلبي.
ابتسمت وهي تشير له بخبث: حبيبي جيت بالوقت المناسب.
تطلع خلفه قبل أن يجذب خصرها إليه، وبشوقٍ جعله أسيرًا لتأمل حدقتيها قال: نفسي مرة تستغليني صح. بعيدًا عن المصالح. يعني لو مصالح مشتركة وخاصة بينا الموضوع بيفرق.

ابتسمت وهي تبعده عنها، ثم وضعت على الطاولة بعض الشطائر والعلب المنفردة، وناولته بعض الفواكه وهي تخبره: الاولاد زمانهم على وصول ومحدش فينا فاضي يعمل غدا. فانا وانت هنعملهم واجبة صحية خفيفة بدل ما يطلبوا أكل من برة.
زم شفتيه بحزن، وجذب أحد العلب ثم بدأ يملأها بالطعام وهو يردد على مضضٍ: قولتلك بتستغليني غلط!

انقضت ساعات النهار بمشقةٍ على الجميع، وحينما اسدل الليل ستاره المظلم استلقى الشباب محلهم، فتمددوا أسفل الدرج بانهاكٍ شديد، وحينما خرجت الفتيات من المطبخ بعدما وضعوا الكعك والأطعمة بالبراد، فتفاجئوا بهم ممدودن على الأرئك والأغلب على الدرج، ضحكت نور وهي تشير عليهم: شوفتوا الشقى بيعمل أيه؟ بتخيل حالهم لو شغالين في السراميك أو الحدادة كان زمانهم اتطردوا من أول يوم.

شاركتها رحمة مازحة: بينا نطلع المهمة دي تبعهم مش تباعنا.
استندت نور على يد رحمة وغادورا بالمصعد للأعلى، بينما وزعت الفتيات نظراتها فيما بينهن البعض ومن ثم افترقتا وكل منهن تحاول إيقاظ زوجها، اتجهت شروق تجاه الممدد على الأريكة، هزته برفق وهي تناديه: رائد. قوم نطلع فوق.

لم يجيبها وكأنه بكوكب أخر لا يسمع حتى ندائها، فأشارت للفتيات باستسلامٍ بعد محاولة أخرى، رددت داليا بسخرية: بداية مبشرة، لما أشوف حظي هيكون شكله أيه؟
واتجهت لزوجها الغافل لجواره على نفس الاريكة فحركته وهي تهمس له: جاسم.
انتظرته يجيبها، ولكنه لم يأتيها بالرد، فصرخت به: قووووم بقا يا جاسم الله.

بدأ بفتح عينيه وهو يجاهد بالنهوض، وحينما فشل قال: عايزة مني أيه سبيني هنا أفضل أنتي مش راضية تلبسي القميص اللي آآ.
كممت داليا فمه وهي تردد بحرجٍ: يخربيتك هتفضحنا، قوم وانا هلبس اللي أنت عايزه.
منحها ابتسامة شيطانية وحاول الاستناد على ذراعيها، فما ان نهض حتى همس لها بإرهاق: انتي فاكرة كلامك؟
أومأت برأسها بعدم فهم، فقال وهو يتمدد جوار رائد من جديد: هطالبك بيه بكره. أطلعي نامي وللحديث بقية.

راقبته بصدمة وهي تردد للفتيات الضاحكات: دبست نفسي على الفاضي!
طلت مريم على الدرج وهي تنادي والدتها بنومٍ: يلا يا مامي أنا مش عارفة أنام لا أنا ولا آسر.
اشارت لها رانيا بتعبٍ: حاضر يا مريومة جاية.
ثم تطلعت لداليا وقالت: بينا نطلع يا داليا هما مستحيل يصحوا.
أومأت برأسها ولحقت بها للأعلى، فاتبعتهما نسرين، توقفت رانيا عن الصعود وسألتها بمرحٍ: أيه يا بنتي واخداها من أصرها من غير ما حتى تحاولي تصحيه.

استكملت طريقها للاعلى، وهي تلوح لهم: أنا لسه بتعافى من اللي عمله فيا الصبح. تصبحوا على خير.
تعالت ضحكاتها وهي تشير لها: وانتي من أهل الخير يا روحي.
غادت الفتيات لغرفهم حتى شروق ايقنت بأنها من المستحيل أن تجعل معتز يفق من نومه الثقيل، وتبقت آسيل ومليكة بالاسفل، فتساءلت آسيل بحيرة: هنعمل أيه نطلع ولا أيه؟
أجابتها مليكة بعد تفكير: نحاول مرة مش هنخسر حاجة.

علي الفور بدأت آسيل بإيقاظ أحمد الغافل على أحد المقاعد، فما أن نادته حتى ردد ومازالت عينيه مغلقة: اطلعي ارتاحي يا آسيل أنا هفضل هنا عشان لسه في شوية حاجات هنعملها الصبح أنا وياسين.
ربتت على يده وهي تخبره: طب هبعتلك غطا.
منحها ابتسامة صغيرة قبل ان يسترخى لنومه مجددًا.
انحنت مليكة تجاه ياسين، فنادته من على بعدٍ خشية من أن يرتكب فعل يجعلها ترتدي لباس الحرج: أبو يحيى.

اتاها صوته الساخر يردد: اطلعي يام يحيى معاهم انا صاحي من أول محاولة فاشلة ليكم. اطلعي.
هزت رأسها وصعدت خلف آسيل بنومٍ جعل الجميع يغفو باكرًا على غير العادة!

صوت بوق السيارة المصفوفة بباحة القصر الخارجي بالصباح لم يكن مسموعًا للشباب، هبط عدي و عمر، واتجهوا معًا للداخل، دفع عمر باب القصر فتفاجئ بابناء أعمامه بالداخل، استدار لعدي الذي يعبث بهاتفه وهو يناديه بدهشةٍ: عدي!
تطلع لما يراه أخيه باهتمامٍ، فوجد الشباب بأكملهم بالأسفل، اتجه عمر لايقاظهم بينما صعد عدي للأعلى بغموض يود أن ينتهي منه في تلك اللحظة.

اجتمعوا حول عمر، وكان أول اسئلتهم عن ياسين الجارحي وعدم عودته، لذا انتهى من الجدال والأسئلة التي تسببت له بالصداع منذ الصباح وقال: بابا وماما رجعوا معانا بس بابا طلب مننا نرجع القصر وقال انه هيحصلنا.
بدى الغموض سيد الموقف بين الجميع، فقالت مليكة بحزن: يعني بعد ما قدرنا نوصلهم ونرجعهم مصر اختفوا تاني!
اكد لها عمر: لا يا مليكة راجعين تاني. اللي فهمته انها مسألة ساعتين أو أكتر.

واستأءن بالانصراف ليبدل ملابسه، بينما تابع جاسم ومعتز باقي العمل.

بالأعلى.

ولج عدي لغرفة ابنه، فوجده مازال نائمًا على فراشه، جذب أحد المقاعد وقربها من فراشه، ثم جلس يترقب لحظة استيقاظه دون رغبة منه بإيقاظه هو، ظل لجواره لساعة ونصف كاملة ولم يمل على غير عادته، كان يتأمله بشيءٍ من الريبة والخوف، هناك الكثير من المعارك التي تعلن دفوفها بداخله، وكل معركة فيهم أصعب من التي تنافسها، انتهت مشقته حينما فتح ياسين الصغير عينيه، فوجد أباه يجلس قبالته، اتكأ بيده على فراشه وهو يفرك عينيه بنومٍ: بابا. حضرتك رجعت امته؟

ظل صامتًا لبرهةٍ قصيرة قبل أن يجيبه بمكرٍ: ياسين الجارحي مبلغكش اننا رجعين من رحلة اليخت ولا ملحقش.
ارتبك الصغير أمام أباه وقال: لا. معرفتش.
هز رأسه والابتسامة الغامضة تتحكم بشفتيه، ولاذ بفترة صمت مجددًا قبل أن بمزقها بقوله: ياسين انت ابني، يعني بعيدًا ان إنك المفروض تكون في صفي بس على الأقل متخالفش تربيتك ولا شخصك عشان أي حد.

ضيق عسلية عينيه بعدم فهم، فأخبره عدي بشكلٍ مباشر: ياسين أنت دخلت مكتبي وسمحت لنفسك تدور في أوراقي وتبلغ ياسين الجارحي باللي يخص شغلي!
اعتدل الصغير بجلسته، وهو يراقب انفعالات أبيه الباردة عكس ما يوحي به حديثه، وخاصة حينما استرسل ساخرًا: هو ده اللي بيحاول يربيك ويزرعه فيك!

خرج الصغير عن صمته الطبيعي لطفل قد يوضع بمثل هذا الموقف وصعقه برده الرزين: حضرتك من اول ما بدأت تتكلم حطيت افتراضات طبيعية بين الاب وابنه، بس السؤال هنا ليه أنت معندكش نفس الميول دي. يعني شايف اني لازم أكون مع حضرتك ضده ومش شايف إنك المفروض تعيد حساباتك في علاقتك اللي بينك وبينه.
رد عليه بعصبية خرجت عنه: قولتلك الف مرة متتدخلش في الموضوع ده.

نهض عن فراشه واقترب ليكون على مقربة منه، وردد بحزنٍ: ممكن يكون تصرفي غلط وأنا عارف ده. بس انا قبلت اعمل كده لاني واثق في جدي وعارف إن أكيد في مغزى قوي للي بيعمله وبالأخص باللي بيطلبه مني أو من غيري، بس للاسف الثقة دي مش عندك تجاهه. عن إذن حضرتك.
تركه الصغير متخبطًا فيما قاله، وغادر للحمام غرفته، خرج عدي من غرفته وعقله بات مشتتًا عن ذي قبل، وأقسم بأن أباه قد جعل من ابنه شخصًا لا يرى سواه هو!

بالطابق العلوي وبالأخص غرفة حمزة.
حاول أحمد بشتى الطرق أن يجعل أبيه يتراجع عن قراره الغريب، فقال برجاء: الله يخليك يا بابا بلاش، حازم غبي ومش هيعرف يعملك اللي أنت عايزه.
احتدت نظرات حازم، فمنح أخيه نظرة شرسة قبل أن يجيبه: وأنت مالك أنت، حاشر نفسك بين الأب وابنه ليه، أما أنت انسان مستفز بشكل يا جدع.

لكزه أحمد بغضب، فرفع حمزة المنشفة عن وجهه ثم قال بضيقٍ شديد: انتوا متعرفوش تعملوا حاجة في حياتكم غير الخناق، حتى في يوم مهم زي ده، مش فاضل على وصول ياسين الحفلة غير ساعة واحدة بس ده اللي هتكجولوني وتظبطوني!
رفع حازم غطاء الرأس عن حمزة ثم قال بابتسامة واسعة: متقلقش يا حاج الصبغة دي هتصغرك ولو تلاتين سنة وهتخلي تالي تعجب بيك جدًا النهاردة.

اتسعت ابتسامة حمزة وهو يشير له بغرور: وهو ده المطلوب يا فهمني انت، سيبك من أحمد اخوك ده قالب على عمك ياسين اليومين دول ودماغه صعب تتماشى معاها، اشتغل بتركيز وفكك منه.
كبت أحمد غيظه فقال من بين اصطكاك اسنانه: خليك فاكر اني قولتلك بلاش.

وجذب احد المجلات يلهي ذاته بقراءتها لحين ان ينتهي حازم من كارثته الجديدة، فما كان منه الا سماع صراخ عاصف بعد اقل من ساعة، فرفع المجلة عنه ليجد أبيه يجذب حازم من قميصه كاللص الذي يتسلل لسرقة الملابس من أعلى المنازل، ونبراته يعكسها الصدمة والحيرة: أيه اللي هببته ده يا حيوان، صبغلي شعري بالاحمر ليه هيفاء وهبي!

ضحك أحمد وهو يتطلع لابيه وحينما يحاول التغلب على ضحكاته تزداد الامور سوءا كلما لمحته عينيه، فصاح حازم بخوف: انت مش فاهم حاجه في الموضة يا حاج ده بني محروق وشيك اوي عليك مخليك جنتل وقمور، ما تتكلم يا احمد الله يحرقك.
جاهد احمد للحديث فقال من وسط ضحكاته: انت متأكد ان ده بني!
ردد بهمس ساخر: انما الاعمال بالنيات يا ابني.

ثم هرع من بين يد أبيه والاخير يركض خلفه حاملا عمود النور الذي يضيء الغرفة، فولج لغرفة الشباب ليصيح برعب: االحقوني...
رفع ياسين الاستشوار عنه ثم تساءل بقلق: عملت ايه المرادي يا وش الغراب...
اجابه رائد بضيق وهو يتناول طبق الفاكهة: هو احنا هنخلص من بلاويه السودة مش كفايا جاسم اللي لسه مخلصينه من تحت ايده بصعوبة
بينما ردد عمر باستياء: حازم انا النهاردة سعيد ومش عايز حاجة تعكر مودي وبصراحة وشك ببعصبني.

ضحك جاسم ثم قال: لو المصيبة ينفع تتاجل أجلها النهاردة يوم مميز ومش عايزين حاجة تنكد علينا، اقولك اطلع لعدي فوق يحل الموضوع واهو لو خلص عليك تبقى اتحلت من عند ربنا.
تعالت ضحكات معتز، بينما صعق الجميع حينما ولج حمزة من خلفه، وهو يصيح بغضب: والله لاقتلك يا كلب، خد هنا.

هرول حازم تجاه الباب الخارجي ولكنه تراجع عدة خطوات للخلف برعبٍ، جعل من خلفه يغلبهم الضحك والصدمة بأن واحد حينما ظهر من امامهما ياسين الجارحي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة