قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والعشرون

هزيمته اليوم لم تكن بالحسبان، كان يضع الإنتصار نصب عينيه، فكان مختالًا فخورًا بكل خطوةٍ يحتسبها، وأخر ما يطوف به خسارته، ظن بأن فرسه الأسود سيغلب بقاع الخير الأبيض، ويعلق رأية الشر النابع من شيطانه المارد بكل فخرٍ، فتعجزت حركاته تدريجيًا مع كل ضربةٍ سُددت إليه تباعًا من أعاون عدي، خاصة أبيه، هزمت أطرافه فبترت ذراعيه وقدميه حتى بات لا يمتلك شيئًا، جُن عقله بتلك اللحظة، فاجتاحته حُرقة وغل جعل النيران تلتهم وجهه وصدره، وخاصة حينما انقلب السحر على الساحر وأصبحت الأساور (الكلبشات) هي من تقيد يديه، استشاط وهو يتابع الشباب يحتضنون عدي، ويحاطون به كالدرع المنيع الذي ينشأ حوله ألف حاجز يمنع عينيه من التقاط ظله، وحينما أراد المساس به وقفوا بوجهه كالعاصفة المدمرة التي اقتلعت جذور مملكته من أرضها، اتجهت نظراته لياسين الجارحي بكرهٍ شديد، فلو امتلكت النظرات صدى لكان الآن لحمه ينسل بين أسنان هذا البغيض، ارتسمت على شفتيه الغليظة بسمة ماكرة حينما لمح أحد أبنائه يقف بعيدًا عن محيط تجمعهم حول عدوه الأول، كان يود فعل فعلته به، ولكن فرصة وقته الضئيل جعلته يحاول استغلال ما يمكن فعله ليصيبهم بوجعٍ قاتل، انحنى مهاب تجاه أحد العساكر الواقفين لجواره ينتظرون أوامر اللواء بجره لسيارة الشرطة، فجذب سلاحه عنه على حينٍ غرة، واتجه لهدفه الواقف على بعدٌ قريبًا منه.

انتفض عدي بوقفته وهو يرى أخيه محاط لهدفٍ قاتل، فأبعد عنه الشباب وهرع بسلاحه وهو ينادي أخيه بهلعٍ: عمر!

رفع عينيه عن هاتفه بعدما كان يتفحص مكالمات ورسائل رحمة التي تفوق الثامنة عشر، تترجاه بأن يجيبها ويطمئنها على زوجها، هاتفه المغلق وتأخره بالعودة للمنزل كاد بإصابتها بالجنون فلجأت لعمر، اندهش حينما وجد أخيه يهرع إليه وما هز جسده تأثرًا حينما وجده يرفع سلاحه بوجهه، رمش بعينيه بذهولٍ وهو يردد بعدم تصديق: عدي بتعمل أيه!

كانت لحظة فارقة يشهد عليها الجميع، وقلوبهم تهوى بين قدميهم، البعض يصعب عليه رؤية الصورة كاملة، والاخرون يتسنى لهم رؤية هذا الحقير الذي يستهدف عمر، الخوف والترقب كان هو العامل المشترك بين الجميع، تحررت يد عدي على الزناد، فانطلقت رصاصة تغذو فوق رأس عمر، فاستطاع الشعور بها تمر من أعلى خصلات شعره، لتسحب سمعه من قوتها، وفجأة لم يستمع لشيءٍ بعدها الا لصوتٍ اصطدامًا قوي، جهل بالتعارف على مصدره، كان يظن بأن الرصاص اخترقت رأسه، فترك الهاتف عن يده وتفحص جبهته جيدًا، وحينما لم يجد أثار الدماء، استدار لينضم للاخرون بالصدمة الجماعية.

اخترقت رصاصة عدي جمجمة ذاك الخائن، فاحتلت منتصف حاجبيه بالتحديدٍ، فسقط على أثرها صريعًا، انتقلت نظرات الجميع لعدي بإنبهارٍ، كيف تمكن من تفادي أخيه المتقارب طوله لنفس طول مهاب، واحداث إصابة دقيقة كهذة برأسه!
ابتسم اللواء بفخرٍ، استدعاه وهو يتطلع لياسين، فقال بثقةٍ: مفيش مهمة دخالها عدي وخسرناها، ابنك يا باشا مش ظابط عادي، بتمنى تقدر ده وتسمحله يرجع يكون بينا من تاني.

وأشار للعساكر بحمل جثمانه، فحملوه للخارج ومازال عدي يراقبه بصمتٍ، نال الجزاء الذي يستحقه لأفعاله، ولأخر دقيقة لم يحاول اللجوء لربه، لم يحاول لمرة واحدة التقرب إليه وترك ذلك الطريق الملوث، كان يغير ديانته بين الحين والأخر للحصول على دعم النشطاء، فتأتيه فترة يترك لحيته تنمو ويتبع جماعة تدفعه بأفكارها المسمومة للعبث بالدين الاسلامي العظيم، وتأتيه فترة يترك كل ذلك ويتجه لمن يكون داعم له ويقدم له ما شاء، حتى وصل به الأمر للإلحاد وأخرهم اتباع سكنة عبدة الشياطين لأجل المال وسلطة رجال الأعمال المتخفين باستثماراتهم، يفعل أي شيء مقابل السلطة والمال حتى لاقى حتفه أخيرًا لينال جزائه المستحق بين يد الله عز وجل.

تجمدت أطرافه، فلم تنصاع لأوامره بالحركة، بقى محله ويده فقط تفرك فروة رأسه ريثما يجد أي جروح تؤكد شكوكه، دنا منه أحمد فربت على كتفيه بنظراتٍ مازالت تحمل الصدمة بين طياتها، بينما اقترب منه معتز فابتلع ريقه بصعوبة وهو يحاول أن يحرر صوته: أنت كويس؟

نفى ذلك صريحًا فأشار برأسه عدة مرات، حك جاسم أنفه وهو يراقب عدي وسلاحه الذي يحمله بيده بخوفٍ، فهمس لعمر قائلًا: أنت ونور كنتوا ناوين على الطفل التالت ولا أيه نظامكم؟
أجابه بأريحيةٍ: لا الحمد لله استكفينا بهذا القدر!

اقترب منه حازم، فأجبره على الانحناء، ليتفحص بنفسه رأسه، ثم جذبه ليعود بوقفته، وتركه وعاد ليقف محله مجددًا جوار يحيى وياسين، فقال وضحكته ممزوجة بالصدمة حتى نبرته كانت شبه مسموعه: أنا بقول يا عمي بعد اللي شوفناه بنفسنا، إن حضرتك تعيد تفكير في الموضوع وترجع عدي شغله، ابنك ما شاء الله مش محتاج منك خوف هو يتخاف منه.

واسترسل وهو يشير على ما يحمله عدي بيده: وجوده بينا الخطر بحد ذاته أساسًا. راجع نفسك وأنا مستعد أعتذر للوا وأترجاه يرجعه الشغل بدل ما يطلع الكبت ده علينا.
نظراته الصارمة جعلته يبتلع كلماته، فانحنى برعبٍ يجذب جاكيته، ثم تسلل بخفةٍ ليقف جوار الشباب في صمتٍ قاتل، كبت يحيى ضحكة كادت بالانفلات منه، فحاول تصنع الثبات حتى اتبع ياسين للخارج.

تجمعات سيارات الإسعاف بالمكان، لتنقل المصابين والقتلى، فوُكل منها من قام بمعالجة كدمات الشباب واصابة ذراع عدي الذي إزداد سوءًا بكسر اصبعه، جلس عدي على طرف السيارة المفتوح بابها، وراقب عمر والممرضة تساعده في لف اصبعه بالجبيرة، حتى انتهى تمامًا، فرفع عينيه تجاهه ثم قال ببسمةٍ تحاول اخفاء حزنه الشديد: حمدلله على سلامتك يا وحش.

خلى وجهه من التعابير التي تستقبل ابتسامة أخيه الزائفة، فوضع يده اليمنى على ساقه ثم قال: عدت. أنا بخير وقدامك أهو.
لف رأسه للناحية الأخرى، ثم أزاح تلك الدمعة الغريبة التي غيمت بعينيه، فالتقط نفسًا مطولًا قبل أن يردد بصوت مختنق بالعبارات: صدقني معنديش القدرة أتحمل كل ده. أنا مصدقتش اني شوفتك حي وواقف على رجليك.
ابتسم وهو يشير له: هو مش سليم أوي. بس الحمد لله.

واستكمل بمزحٍ: وبعدين أنا شاكك إن اللي أنت فيه ده سببه غير كده يا دكتارة!
ضيق عينيه بصدمة: تقصد أيه؟
تعالت ضحكات الرجولية، ومن بينها قال: الطلقة!
شاركه عمر الضحك، وقال بصعوبة بالحديث: قولتلك ألف مرة أنا دكتور محترم ماليش في جو الاجرام ده. تقوم تخضني برصاصة ملهاش طريق غير من فوق رأسي.
واسترسل بمزحٍ: بس يلا راحت لحال سبيلها وإختارت ابن الحلال الملائم ليها. والله ما خسارة فيه.

وأشار له بجدية جعلت الاخير ينفلت من الضحك: بالك الشيطان ده لو كان دخل الحبس كان خرج تاني وقرفنا معاه وأنا بصراحة معنديش خلق للصراعات اللي هتدور بينك وبين ياسين الجارحي تاني. استكفينا!

بسيارة الإسعاف المجاورة لعدي، كانت الممرضة تقوم بمداوة جرح ياسين بكتفه الأيسر، فما أن انتهت من وضع اللاصق الطبي حتى ارتدى قميصه المتسخ، وجلس على طرف السيارة جوار رائد الشارد، فطرق بخفة على ساقه وهو يخبره ببسمة هادئة: عدت الحمد لله.
منحه ابتسامة صغيرة، انهاه حينما قال بصوته الرخيم: الحمد لله ان محدش اتصاب واننا كلنا بخير.

واستدار بجلسته ليكون بمواجهة ياسين، فمنحه نظرة مشككة، حملت ظنون جعلته يردد بقلق: بتبصيلي كده ليه؟!
أشار له بدهشةٍ وكأنه أفاق للتو: أنت قطعت دراع واحد منهم! أنت بقيت بلطجي درجة أولى يا ياسين!
لم يعبئ بحديثه، وانتصب بوقفته يرتدى جاكيته ويهندم ملابسه بآناقةٍ حتى إن كانت تمتلأ بالغبار، وقال وهو يهم بالتحرك للسيارة المجاورة إليه: وممكن أعمل أكتر من كده لو حد فكر يمس شعرة من مراتي!

غمز له بمكرٍ وهو يخبره: الظاهر ان عدي لوحده اللي ميتخافش منه!

بالسيارة المجاورة لهم، قام الممرض بلف رأس مازن بشاش أبيض يحجب اصابة رأسه، حينما سقط أحدهم على رأسه بعصا غليظة، فقام معتز بانقاذه حينها، فتمدد على السرير المتحرك المتوسط للسيارة، ومن حوله كان يجلس جاسم ومعتز الذي تساءل بريبةٍ: طمني عليك يابو نسب أنت كويس؟!

كاد بأن يقتلع عنقه، فكبت نظرات غيظه تجاهه بصعوبة، فحاول جاسم استدراجه للحديث حينما قال: معلش ده تأثير الخبطة في أول كام دقيقة، بس بعد كده هتفتكرنا واحدة واحدة.
صاح بعصبية جعلت السيارة تتحرك بهم بعنفٍ من فرط حركته العنيفة: مش عايز افتكر حد، أنا من يوم ما شوفتكم ومشوفتش غير المصايب، سبيوني في حالي بقا. أنا نازل أجازة أفك عن روحي ولا أوصلها الأخرة!

هرول جاسم ومعتز للخارج، وهو يتعمد استفزازه حينما قال: صلي على النبي يا ميزو وإعقل يا حبيبي. اللي بتعمله ده فال وحش ده احنا حتى اللي كسبنا!
تابع جاسم بسخرية: شكلك كده عضمتك كبرت ومبقتش تشتاق لشغلك وللاكشن اللي فيه. اتاريك خلعت لدبي وخدتها بكرامتك!

كز على أسنانه بغيظٍ، فبحث حوله بالسيارة عما يمكن استخدامه لقتل هؤلاء المعاتيه، فوجد غايته وقابلها ببسمة ترحاب، حمل مازن أنبوب الأكسجين الضخم، فحاول رفعه للأعلى، وتوقف فور شعوره بالألم يجتاح رأسه، فقال معتز بصدمة: صلي على رسول الله.
واتجه برأسه لجاسم مشيرًا له: اجري يالا.

لم يستمع لباقي كلماته وهرع من أمام باب السيارة، فأغلقوا باب السيارة من الخارج لضمان سلامتهم، بينما لم يفقد مازن عزيمته وظل في محاولاته لحمل الأنبوب مجددًا، فما أن رفعه حتى سقط به وبات أسيرًا من أسفله، يصرخ ألمًا، وهو يردد بصراخٍ: الحقوووووني.
أشار معتز لجاسم ينبهه: أوعى تضعف وتفتحله. ده مسلسل تركي باهت بحيث نفتحله يقوم يحدفنا بالاكسجين!

أشار له وهو يسد الباب الاخر للسيارة: على مين ولا هتأثر أنا قلبي مات مع ماجدة(أمجد السلاموني) اللي عاملة فيها ديناصور القرن وفي الأخر طلعت انثى البجعة!
أشار له بلايك محمس وسدوا بأجسادهما باب السيارة، والأخر مازال يستغيث بصوتٍ انتبه له أحمد، فبعد عن محيط الشرطة التي مازالت تجتمع بالمغارة لنقل القتلى، اقترب منهما ليسألهم باستغرابٍ: أيه الصوت ده؟

تطلع كلا منهما للاخر، فتساءل معتز بمكرٍ: فين ده. انت سمعت حاجة يا جاسم؟
نفى بتشددٍ: لا مسمعتش.
ضاقت عين أحمد بشكٍ، خاصة أمام المشاغبان المختلان، فقال بصرامة: أبعدوا عن الباب.
رد عليه معتز بتحذيرٍ: ما بلاش.
تصلبت معالمه بحزمٍ جعل الاخير يبتعد عن محله وهو يردد بهمسٍ: انت طيب وأنا خايف عليك. الاكسجين غلط علينا في الجو البيكربوني ده!

دفعهما أحمد بقوة، وحرر مقبض الباب فصعق مما رأه، وأشار لهما بغضبٍ: أيه اللي انتوا عاملينه ده!
جحظت أعيناهما، وخاصة حينما اندفع أحمد للداخل، فأبعد الانبوب عنه، وعاونه ليجلس على السرير الصغير، فقال مازن بصعوبة بالحديث: أبعدهم عني لحسن وقسمًا بالله أطلق عليهم طلقتين يرقدوهم بقبر واحد.
ربت على كتفيه وهو يشير له بتكفله للامر: ارتاح أنت وأنا هتصرف معاهم. بس بلاش عصبية أنت مش مستحمل!

صاح به بحزن مضحك: هما اللي بيخرجوني عن طور هدوئي، فبيرحل الهدوء ويبقى الطور. منهم لله الاشخاص دي مينفعش يكون ليها صلة بالعيلة يا أحمد بالاخص أخوك الغبي مين يصدق انه أخوك يا جدع!

انتفض بجلسته بفزع حينما ظهر حازم بالمقعد الامامي للسائق، يلتهم عُلبة من المعكرونة سريعة التحضير (الاندومي) وجدها بالجزء الخاص لسائق السيارة، فقال وهو يرتشف المياه المتبقية بالطبق: عيب يا ميزو ده أنا حتى لسه راميك بانبوبة الاكسجين عشان متدخلش معاهم الخناقة ويروقوك وأنت بالحالة دي!
صدم مما استمع اليه، وقال بدهشة: يعني أنت اللي حدفت عليا الانبوبة.

وضع الطبق عن يده، ثم استدار بجسده وانحنى ليصبح رأسه قريبًا اليه: ما قولتلك انا أنت مبتسمعش!
وتساءل بحيرةٍ: قولي أنت واكل الضربة فين بالظبط!
أشار مازن لاحمد وهو يشهده على ما يحدث له: شوفت يا أحمد!
هز رأسه بإيجابٍ، ثم قال بضيقٍ: اخفى من وشي يا حازم أحسنلك.
لوى فمه بضيقٍ، فادخل رأسه ثم اعتدل بجلسته ليتمكن هبوط السيارة، فمر من أمام الباب مرددًا بسخطٍ: اشتكيني لوزارة الدفاع أحسن!

عاد ليشير اليه: سامع يا أحمد أخوك وولاد عمك كرهوني في اليوم اللي نزلت فيه مصر، أنا عايز أرجع أكرملي.
مرر يده على جبينه بإرهاقٍ، فصاح به: ما خلاص يا مازن، أنت المفروض عاقل كفايا، راعي أصابتك ومتخلقش عداء مع حد خصوصًا وانت بالحالة دي يا أخي!
هز رأسه بتأييدٍ، ثم قال بتريثٍ: طب خدني لعدي.
سانده حتى هبطوا معًا من السيارة، فمر حازم من جانبه وهو يهمس له بصوتٍ خافت: ربنا يقومك بالسلامة يا شابة.

وزع نظراته الغاضبة بينه وبين أحمد الذي يكبت غضبه بصعوبة، فتابع المضي قدمًا بصمت مزقه حينما تساءل بشكٍ: أنت متأكد إن الواد ده يبقى أخوك يا أحمد. صدقني ده تخبط جينات!

بعيدًا عن تجمع الشباب، وبالأخص أمام سيارة اللواء، كان يقف ياسين ويحيى بصحبة اللواء، يقدم امتنانه لمساعدة ياسين الذي كان له فضلًا كبيرًا في القضاء على عصابةٍ دولية خطيرة، فتبادلا السلام وهو يشير له بوقارٍ: شكرًا لمساعدتك لولاك مكناش قدرنا نقبض على باقي العصابة ولا كنا هنقدر نوصلهم.

منحه ياسين ابتسامة هادئة، فأشار اللواء للعساكر بالصعود للسيارات، وقبل أن يتجه للمغادرة قال: بتمنى اللي حصل النهاردة يخليك تعيد تفكيرك في اللي اتكلمنا فيه.
وودعه ثم غادر، فاستند ياسين على حافة سيارته وعينيه هائمة بعدي الذي يجلس جوار عمر على بعدٍ منه.

بالقصر.
شق ضوء الشمس أعناق السماء، ليعلن عن صباح يومًا جديدٍ، وبداخل القصر نخر القلق غمامتهم، فظلت الفتيات بأكملهن بالأسفل، حاولن جميعًا الوصول لازواجهن، ولم تستطيع أي منهن التحدث إليهم، حتى آية وملك فعلن المستحيل للوصول لياسين ويحيى، فاجتمعوا بالصالون بالاسفل يترقبوا لحظة عودتهم، فقالت شروق بقلق: مش معقول يا جماعة، بقينا وش الصبح ومحدش رجع!

ردت مروج قائلة: أنا قلقانه بجد. مازن لما معتز كلمه اتوتر ونزل فورًا.
اضافت داليا: طب ما نحاول نكلم انكل رعد أو عز، هما في اسكندرية يمكن يكونوا سافروا ليهم. أو نشوف انكل ادهم وحمزة يمكن سافرولهم ايطاليا!
أجابتها نور بسخريةٍ: يعني كلهم جالهم ظروف طارئة وطفشوا بره البلد!
زفرت رحمة بنفاذ صبر: يا نور بطلي هزار. انا قلقانه بجد.
قالت آية بقلق: يا رب سلم يا رب. اهدي يا حبيبتي خير بإذن الله.

واستدارت تجاه آسيل فتساءلت بتوتر: مش معقول كل ده مليكة ورانيا قافلين موبيلاتهم، شوفيهم تاني يا بنتي.
حملت آسيل هاتفها ثم حاولت الاتصال بهم مجددًا فلم تتمكن من الوصول لأحد منهن.

تفرق الشباب وكلًا منهم اتجه لسيارته، فهرع حازم لسيارته، ففتح أبوابها وهو يشير ليحيى وياسين ببسمة عريضة: اتفضلوا يا باشوات. متقلقوش عربيتي مريحة وأخر موديل.
منحه ياسين نظرة جانبية قبل أن يصعد بالمقعد الخلفي، فأغلق حازم بابها، بينما يركض تجاه يحيى ليفتح الباب الاخر، جذبه يحيى من تلباب قميصه وهو يسأله بشكٍ: ناوي على أيه يا حازم؟

استدار تجاه النافذة يراقب ملاحظة عمه لما يحدث هنا، ثم عاد ليتطلع اليه مرددًا بهمس: كل خير يا عمي. هحاول أصحي ضمير ياسين الجارحي تجاه ابنه يمكن يحن عليه ويتنشله من الضياع يا عمي.
تماسك وببسمة مصطنعة قال: ده لا مكانه ولا وقته يا حازم، ابعد عن عمك دلوقتي بدل ما يقلب العربية بيك!
قال ببسمة واسعة: العمر واحد والرب واحد. اركب اركب يابو ياسين يا غالي.

وصعد لمقعد القيادة، ليردد بحماسٍ: والله العربية نورت النهاردة. العربية لسه شاريها جديد وياسين الجارحي بنفسه جواها بنت محظوظة بصحيح!

راقب يحيى انفعالات ياسين بخوفٍ، لا يعلم ماذا حدث لحازم منذ الصباح، وكأنه ابتلع حبوب جراءة ليتحدث بتلك الاريحية أمامه، مرر يده على وجهه بصدمة حينما رأه يخرج من تبلو السيارة، منشفة صغيرة وأعواد من البخور، فقام بتنظيف الجزء الأمامي، تاركًا مقود السيارة مما جعل يحيى يصيح به: ده وقته يا حازم. الطريق يا حبيبي!
أجابه وهو يعيد ادوات تنظيفه: معلش يا عمي لزوم الأبهة قدام ياسين باشا الجارحي.

ومن ثم مال بجسده للأسفل تاركًا المقود مرة أخرى فصرخ به يحيى بانفعالٍ: ما تنزل بينا من فوق الجبل وتريحنا يا حازم!
صعد للاعلى حاملًا مجموعة من المشروبات ليقدم اليه قائلًا ببسمة واسعة: ودي تيجي لازم أعزم عليكم بحاجة.
وانحنى تجاه الردايو الصغير وهو يتساءل: ولا أشغلكم ام كلثوم تنعنش الاجواء كده.
رد عليه بسخرية: أنت ليه محسسني اننا راجعين من فرح ابن خالتك!

واستدار تجاه ياسين فصاح به: ياسين اتصرف مع الولد ده أنا فرهدت معاه. وصدقني مش هنختلف في اللي عايز تعمله معاه!
ارتعب حازم من سماع كلماته فقال بدهشة: الله الله بقى كده يا عمي بتبلغ عني، دلوقتي مش عاجبك سوقتي لولايا مكنتوش عرفتوا توصلوا لمكان عدي. ده انا حريف سواقة.
حازم.
جحظت عينيه صدمة وهو يستمع لصوته الحازم، وخاصة حينما استرسل بصرامة: سوق وأنت ساكت. وأي حوار حابب تتكلم فيه مش وقته أظن فهمتني!

صمت أحاط به وكأنه ابتلع لسانه للتو، فجلس يحيى براحةٍ شعر بها، وأخذ يراقبه بين الحين والأخر بنظرة تحمل الانتصار والشفقة بأنٍ واحد.

كان الاتفاق مسبقًا بالتوجه للمقر، ليقوم الجميع بتبديل ملابسهم قبل العودة للقصر، حتى لا يعلم أحد من النساء بمعرفة ما خاضته العائلة، فتجمهرت صفوف السيارات خلف المقر، وتوافد الشباب للأعلى، بينما بقى عدي بإنتظار أبيه، فما أن خرج من سيارة حازم حتى أسرع إليه عدي، قابله ياسين ببسمةٍ هادئة وأشار له بتتبعه، فصعدوا معًا بمصعد واحد، بعيدًا عن المصاعد الاخرى، فما أن انغلق بابه حتى قال ياسين الجارحي بثباتٍ: كنت هناديك بنفسي عشان حابب أوريك حاجة.

ضيق عينيه بذهولٍ وتساءل بمكرٍ: لسه في مفاجآت تانية؟

منحه نظرة غامضة، جعلت الأخير يعتصر رأسه ليتوقع ما الذي يخطط له أبيه تلك المرة، خرج ياسين من مصعده ثم انعطف عن طريق مكتبه، فاتبعه عدي باستغرابٍ، الى أن توقف بغرفة منعزلة تجاور مكتب ياسين الجديد، فدث مفاتحه الخاص ببابها وفتحها، فولج عدي للداخل وحاول رؤية أي شيء الا أن ظلام الغرفة جعلها معتمة للغاية، أضاء ياسين الاضواء، فتفاجئ عدي بالغرفة فارغة كليًا من أمامه، فاستدار بجسده يتأملها بدهشة، حتى توقف بقامته عن الطواف، وعينيه تبرقان في ذهوٍ، حينما وجد تمثال من الملكان المعتم موضوع بمنتصف الغرفة يحمل زيه الخاص بالشرطة، وعلى أكتافه الميدلايات التي حصدها طوال عمله، تلقائيًا استدار تجاه أبيه وهو يتساءل بصدمة: ده أيه؟

ابتسامة خبيثة تشكلت على شفتيه، ختمت بقوله: طلب رسمي من ياسين الجارحي بنفسه بيطالبك بالرجوع لشغلك.
شعر وكأن ما يحدث أمامه يفوق قدرته بالاستيعاب، فحاول أن يجبر لسانه بالحديث، فبترت كلماته حينما وجد أعوانه الأقرب اليه يدلفون للغرفة، ليقف كلاهما خلف ياسين المتيقن بوجودهما قبل ان يرى أحدٌ منهما، فقال الجوكر بمكر: اللعب كده هيبقى على تقيل. والعودة للوحش هتزيد خطورة الجولة!

منحه رحيم بسمة ثابتة ختمها بغمزته المشاكسة: مكانك في الملعب لسه موجود. جاهز؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة