قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع

تسللت بحذرٍ وخفة حتى دنت من الفراش، فخلعت حذائها الصغير، ثم تعلقت بطرفه المدبدب، حتى أصبحت تعلو سطحه، فاندثت أسفل الغطاء، ثم وضعت رأسها فوق ذراعه المنفرد، رمش بعينيه بانزعاجٍ حينما شعر بحركةٍ تصدر من جواره، ففتح أحمد عينيه ببطءٍ شديد، وما أن اتضح له سر ما أيقظ منامته حتى ارتسم على وجهه ابتسامة جذابة، فجذبها لاحضانه الدافئة وهو يهمس بنومٍ يغلب صوته المنخفض: عملتي أيه في مامي وجاية تتحامي فيا؟

ابتلعت الصغيرة ريقها الجاف بتوترٍ اتبع نبرتها الطفولية: لا أنا مش عملت حاجة.
ضيق عينيه بشكٍ جعل قناع البراءة يسقط عنها، فاختبأت باحضانه وهي تردد بحرجٍ: كنت بلعب في الاكسسرز بتاعها والعقد واقع مني انكسر بدون قصد.
مرر يده بحنان على طول خصرها وهو يقربها إليه، وبعتاب طفيف قال: هي مش مامي حذرتك قبل كده انك متقربيش من حاجتها يا ليان!

اشرأبت بعنقها تجاهه وهي تبرر فعلتها: مكنتش أقصد اوقعه مني، كنت بشوفه بس وآآ.
انقطعت باقي جملتها حينما استمعت لصوت والدتها يدنو من الغرفة، تناديها بتعصبٍ شديد: ليان.
تعلقت الصغيرة بأبيها بخوفٍ جعلها ترتجف بين يده، فضمها اليه وهو يعتدل بنومته حتى صار بقبالة من تقتحم الغرفة بغضبٍ يلهو بمعالم وجهها المتهجمة، وبحدةٍ تلاعبت بنبرتها قالت: مش هتعرفي تهربي مني المرادي.

ورفعت العقد المصنوع من الألماس عاليًا: قولتلك الف مرة متجيش جنب الصندوق وانتي مش بتسمعي الكلام!
أشار لها أحمد وهو يهدهد صغيرته: خلاص يا سيلا حصل خير، هبقى أجبلك واحد غيره.
ألقت ما بيدها وهي تصيح بانفعالٍ: انا ميهمنيش العقد أكتر ما يهمني انها تسمع كلامي يا أحمد!
واسترسلت بغضب: وعشان كسرت كلامي المرة دي كمان أنا مش هكلمها تاني.

وكادت بترك الغرفة بأكملها، ولكنها توقفت حينما استمعت لصوت ابنتها الباكي تناديها: لا يا مامي. أنا آسفة مش هعمل كده تاني. بس بلاش تخاصميني.
رق قلبها حينما وجدتها تأثرت بتهديداتها المتعصبه، فاستدارت بجسدها تجاه الفراش، ثم فتحت ذراعيها للصغيرة التي تركت أبيها وهرولت لاحضانها، فطبعت أسيل قبلة صغيرة على جبهتها، وهي تهمس لها برفقٍ: طب خلاص متبكيش. ما أنا سامحتك.

ابتسمت وهي تجفف دمعاتها باصبعها، وتشير لها بتوقفها التام عن البكاء، فضمتها مجددًا إليها.
وضع الوسادة خلف ظهره وهو يتابعهما ببسمةٍ واسعة، فأطلق صفيرًا مرحًا: الا يشوف المشهد الجميل ده ميشوفش اللي حصل من تلات دقايق بالظبط. حقيقي البنات بطبعها لغز ملوش أي حلول، في دقيقة بتقدر تستحضر دموعها وفي نفس الدقيقة ابتسامتها، انتوا مش طبيعين!

انتقلت نظرتهن معًا تجاهه، فنهض عن الفراش وهو يرفع ذراعيه عاليًا باستسلامٍ: ده مدح مش نقد.
وحينما لم تخفف كلماته من حدة النظرات استرسل: انا كنت نازل على فكرة.
واتجه لحمام غرفته وهو يهمس بتذمرٍ: حقيقي اللي بيحصل ده مش طبيعي!

فرك بيده رقبته بالمٍ، بعد أن قضى ليله على التراس الخارجي للقصر، نهض عدي وهو يجمع مفاتيحه وجاكيته الملقي أرضًا، ثم اتجه لغرفته ليبدل ملابسه قبل أن يتوجه للمقر، صعد الدرج قاصدًا غرفته، فتفاجأ بابنة اخيه تزحف للخارج بيدها، وحينما رأته تعالت ضحكاتها وارتفع ذراعها اليه تطالبه بالاقتراب، ارتخت شفتيه القاسية التعابير عن مخضعها، وتحررت ابتسامة هادئة تقابل وجهها الملائكي، فانحنى بطول قامته إليها ثم حملها إليه بخفةٍ، فداعبها بابهامه بحبٍ: أيه اللي مصحي الجميل بدري كده.

ابتسمت الصغيرة وهي تحتضن اصبعه، فطبع قبلة على جبهتها، ثم مرر يده على شعرها القصير، فأخبرها: الضحكة دي كفيلة تخليني أجازف بقرار الخلفة مرة تانية.

مرمغ وجهه بخديها الناعم ليداعبها بمرحٍ، فتعالت ضحكاتها بجنونٍ، احتضنها عدي وصوت ضحكاته الرجولية تعلو لتخترق آذان من يراقبهما بفمٍ مفتوح ببلاهةٍ، فظل محله حتى انتبه اليه الاخير، فدنا منه ووضع الصغيرة بين يديه، وحك انفه بتوترٍ من هيبته التي اهتزت قليلًا أمام أخيه، عبث عمر بحدقتيه وهو يراقبه بصمتٍ، فمرر يده على رقبته وعيناه تفترق بتأمل الطابق السفلي بثباتٍ مخادع، وعاد ليتأمل اخيه الصامت، فتنحنح بخشونةٍ: هتفضل واقف كده كتير!

تساءل ببلاهةٍ: اعمل أيه!
اخشوشنت نبرته وهو يحاول استعادة حزمه الغير مرهون: وسع من طريقي!
تنحى جانبًا بابنته، فودعه الوحش بنظرةٍ شرسة، سكنت حينما ودع الصغيرة بحنان وسكينة جعلت عمر يتمتم بخفوتٍ وهو يرفع الصغيرة امامه: بتسيطري عليه ازاي!

واصل بخطاه المتزن الشبيه بخطوات العسكر تجاه خزانته الخاصة، فانكمشت تعابيره بذهولٍ مقبض حينما لم يجد ملابسه قابعة بداخلها مثلما اعتاد رؤية ما يزحمها، استحضر كل ذرة غضب بداخله وهو يستعد لدعوتها للمسود امامه، وقبل أن يتحرر لسانه عن منطقه وجدها تقف خلفه، ترمقه بنظرةٍ غائمة لا تبوح بمكنونها، فسبقته بالحديث باعترافها الجريء: المرادي مفيش حد من الاولاد قرب لحاجتك انا اللي نقلت كل حاجة تخصك لاوضة من اوض الضيوف.

تجعد جبينه بدهشةٍ حام فوقها الغضب بجفون من نيران فتساءل باستنكارٍ لما استمع عليه: عملتي أيه؟
رفعت رحمة رأسها عاليًا بشموخٍ عجيب، فجابهته بحديثها الذي فجأه كليًا: زي ما سمعت. حسيت انك محتاج الفترة دي تكون لوحدك لأنك تقريبًا بتقضي أغلب أيامك بره، فحبيت أريحك من الجناح اللي مبقتش تلاقي راحتك فيه.
اشتعلت مقتليه ببركانٍ محتقن كاد برجمها حيةٍ، فاتبعته عاصفة قاتمة: أيه الهبل اللي بتقوليه ده؟

بتصميمٍ لم يتخلى عنها قالت: زي ما سمعت يا عدي، المكان مبقاش مريحك ولا انا كمان.
ودنت الخطوة الفاصلة بينهما ببطءٍ حتى باتت قبالته، فاستكملت حديثها بعينٍ غائرة بالدمع رغم قوة صمودها الذي يراه لأول مرة: أنت عايز تخرجني بره كل شيء يخصك. شغلك، عيلتك، ابنك. كل حاجة بتقولي خليكِ بعيد. شايفني مينفعش اتدخل في شغلك لانه شيء ميخصنيش، ولا ينفع اتدخل بينك وبين اهلك لانه ميخصنيش، حتى ابني!

لا يا عدي أنا مش جارية عندك عشان تعاملني بالشكل ده، انا مراتك ولو مقدرتش تستوعب معنى العلاقة دي يبقى أنتي اللي هتكون بعيد مش انا.
كاد باعتصار فكه السفلي من شدة غيظه، فقال بسخرية: والكلام ده فجأة اتحرر وخرج من جواكي! ولا كنتي محتاجة لحد زي ياسين الجارحي يشجعك ويحفظك تقفي قدامي وتقوليه!

تحررت دمعاتها تباعًا، فانفجرت بالبكاء المحتجز خلف صوتها المختنق: مش محتاجة لحد. أنا اللي خلاص مبقاش فارق معايا حاجة.
وتعمقت بعينيه للحظاتٍ شعر بغرابتها، قبل أن تخبره بدموعٍ: أنت سبتني للوحدة تاني يا عدي، خلتني ارجع وأعيش نفس الايام اللي عشتها في بيت عمي من تاني.
وازاحت دموعها وهي تستطرد: تقدر تقولي ايه الفرق بين هنا وهناك وانا عايشة في نفس حالة الرعب والخوف طول الوقت!

رمش بعينيه عدة مرات بصدمةٍ، تشكلت بسؤاله مشيرًا على ذاته بدهشةٍ: خوف! مني انا يا رحمة!
تحدته باجابة نظراتها، وهو يتأملها بدهشةٍ، وسرعان ما انسحبت حينما استدارت للخلف وهي تردد: امشي يا عدي. ارجوك اخرج.

رمقها بنظرةٍ قوية فوجدها لا تود أن تتطلع تجاهه، فابتسم بسخطٍ على ما ينجح أبيه بفعله لمن يحاطون به، يشعر أحيانًا وكأنه يجند الجميع لصالحه، وضع يده داخل جيب سرواله ثم هز رأسه ساخرًا: مبقتش فاهم هو عايز يوصل بيكم لفين!
ورفع اصبعه تجاهها بتحذيرٍ: سبق وقولتلك الف مرة مبحبش حد يتدخل في حياتي وخاصة علاقتي بيكِ، ولو طريقتك معايا دلوقتي كان وراها ياسين الجارحي صدقيني ردة فعلي مش هتعجبك.

وانحنى تجاه المقعد ثم جذب جاكيته بقسوةٍ وعصبية استهدفت باب الغرفة الذي صفق بقوةٍ كادت بهدمها فوق رؤؤسهما، تاركها من خلفه تحاول السيطرة على نوبة البكاء التي تصل صداها لقلبه قبل أن تستهدفها!

شعر ببرودة تتخلل جبهته، وقبل ان يستوعب ما يحدث له بمنامته الغريبة كان يتلاقى الأشد برودة، فرك حازم جبهته بانزعاجٍ، وما أن فتح عينيه حتى انتفض من محله بصدمة حينما وجد ابنه يقف اعلى الطاولة، وبيده كرات من الثلج يصنعها بيده ويستهدفه كالفريسة المستسلمة دون أي مقاومة، كز أسنانه بغيظٍ فجذبه من تلباب ملابسه وهو ينهره بشدةٍ: انت مش هتبطل العبط اللي انت فيه ده. أنا في حياتي مشفتش عيل سقيل ورزل زيك.

جاهد الصغير ليحرر ذاته وحينما فشل صاح عاليًا: مامي الحقي جوزك عايز يموتني.
ضيق حاجبيه بصدمةٍ: جوزك! أنت تربية حواري ياض!
واسترسل بندب ساخر: أنا كنت عارف ان فلوس تعليمك دي من مال حرام، عشان كده مشكوك في تربيتك و طلعت تربية شمال.
أبعده الصغير عن ملابسه وهو يصيح بانفعال: سيب القميص بهدلته بمسكة الحرامية دي!
آسف معاليك. تحب أكويهولك تاني؟
بعنجهيةٍ قال وهو يشير له: لا لا مفيش داعي.

عاد لمسكته بحدة تفوق سابقتها وهو يصيح به: أنت عايز مني أيه على الصبح يا طفل يا سقيل، قايم نايم رايح جاي بتقرف فيا ليه، أنا طالع عين أمي في الرومانسيات عشان تشرف ولما جبتك على وش الدنيا جيت عشان تتوبني!
دفعه بعيدًا عنه بتقزز: فين التوبة دي ما مراتك حامل وعلى وش ولادة يا عم!

انفرجت شفتيه بذهولٍ، فانتقلت نظراته تجاه من خرجت للتو من حمام غرفتها وتدنو بكل هدوء لخزانتها تنقي ما يليق بها، متجاهلة ما يدور بين الأب وابنه الهمجي، فاندفع كالثور تجاهها وهو يشكو بحنق: ما تيجي تشوفي ابنك ابو لسان طويل ده!
رمقته بنظرة جانبية، ثم عادت تسترسل ما تفعله وكأنها لم تستمع له من الأساس، فجذبها بغيظٍ: نسرين بقولك ربي ابنك بدل ما اشردك انتي وهو تحت كوبري 6اكتوبر ولا هيهمني!

فركت جبهتها بألم صداع الرأس المعتاد، فاتجهت بملل للطاولة ثم اشارت لابنها ببرود: احترم باباك يا حبيبي.
وتركته وعادت للخزانة مجددًا، والاخر يتابعها باستهزاءٍ: على اساس ان كلامك ده هيأثر على التربية المنحطة دي ولا أيه مش فاهم!
دفعت الفستان عن يدها وهي تصيح باندفاع: بقولك أيه أنا مش وسيط بينكم، عايز تربيه اتفضل من غير ما تدخلني بينكم، أنا خلاص اتخنقت منك ومنه.

وزع نظراته بينها تارة و بين ابنه الذي يراقبه بشماتةٍ تارة أخرى، فتنجنح بخشونة مصطنعة: وماله هربيه انا. هيحصل أيه يعني!
وعاد ليقف مقابله من جديد، فرفع اصبعه تجاهه وهو يشير له: خليك محترم وابن ناس يالا بدل ما وربي هسحلك وأخليك عبرة لمن لا يعتبر.
جحظت عينيها بصدمة: أسحلك! في واحد يقول لابنه هسحلك!
بغرور اجابها: مش انا قولت. يبقى في!

وقف أمامه لتستعد لمعركتها الحاسمة، فدار بينهما صراع قوي، استغله الصغير لصالحه فتهاوى بجسده للخلف ومن ثم اندفع فجأة تجاهها وهو يصيح بفرحة: هيييي.
صرخت نسرين بالم وسقطت بجسدها وبطنها المنتفخة فوق حازم الذي احتضن الارض بحميمةٍ جعلت وجهه يدفن بسجاد الغرفة، ومن فوقه ثقل جعل أنفاسه تنقطع، تحسست نسرين بطنها المنتفخ وهي تردد بخفوتٍ: الحمد لله بنتي مجرلهاش حاجة.

اتاها صوته المتقطع من أسفلها: أ، ن، ا، اللي، م، ش، كويس.
تساءلت بحيرة: بتقول أيه؟
جاهد بكل قوته، فدفعها بعيدًا عنه وهو يسعل بارهاقٍ، وما ان استرد انفاسه الثمينة حتى ردد: نهايتي هتكون على ايدك انتي وابنك انا عارف.
وتحامل على ذاته وهو يتجه لحمام الغرفة: سايبهلكم مخضرة.
تابعته وهي تردد باستياءٍ: مجنون ده ولا ايه؟

بالأسفل.
اجتمعت الفتيات بالقاعة بحضور يحيى وعلى ما يبدو لعدي الذي هبط للتو بأن هناك أمرًا هامًا يتناقشون به، فاسترق السمع لهم وهو يتناول قهوته الصباحية، فاستمع لمليكة التي قالت بضيق: بس كل الترتيبات دي هتروح علينا. لان سفر بابا مكنش على البال خالص.
هزت نور رأسها بحزن واضافت: فعلا الرحلة دي لخبطت كل مخططاتنا واكيد عمي مش هيرجع الا بعد ما يحتفل بعيد جوازهم.

اختصت أسيل بحديثها يحيى: طب ما تحاول يا انكل تقنعهم يرجعوا عشان نقدر نفاجئهم.
أجابها بقلة حيلة: مش لما أعرف هما فين بالظبط.
وتابع بسخرية: وحتى لو عرفت مش من السهل اني اقدر اقنع ياسين الجارحي انه يتراجع عن رحلة طلعها هو. هيرجع وقت ما هو يحب.
جذب عدي احدى الشطائر يلوكها بتلذذٍ واستمتاع لما يدور من حوله، فقال بصوته الرخيم الذي قطع مجلسهم ليشعروا بوجوده: واللي يقدر يرجعهم قبل الحفلة بساعات!

اتجهت جميع الأعين تجاهه فمنحهم بسمة ماكرة تخفي خبثٍ ودهاءٍ عظيم، فربما لم يكن من السهل على احدًا توقع ما يضمره ذاك المتمرد الشرس!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة