قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

عرفت مكاني منين؟
سؤال حائر تردد على لسانه، ومازال يراقبه بفضولٍ، فرفع كوز الذرة إليه، ليلتهم جزءً منه وهو يراقب المياه الراكضة من أمامه، متجاهلًا فضول الأخر بمعرفة الاجابة عن سؤاله، فوجوده هنا وبالوقت ذاته يعجز عقله عن التفكير بالأمر، وضع الاسطورة ما بيده جانبه، ثم استدار برأسه تجاهه ليخبره بنبرة ثابتة كتجلي المياه عن ثرثرة ميائها الغائرة: شخص دخل وسطنا ميسألش السؤال ده يا عدي!

هز رأسه ببسمةٍ ساخرة، ثم عاد يستقيم بجلسته بجمودٍ، فتابع رحيم قائلًا: الحالة اللي أنت فيها دي أكدتلي إن كلام مراد صح!
قال وعينيه تراقب الفراغ بجمودٍ: حالة أيه؟
رد عليه ومازالت عينيه لا تفارقه، فكادت بالتهامه عن قرب يستطلع به عما أصابه: أنت من غير شغلك ميت يا عدي. قدامي بس روحك مش موجودة.

ورفع يده على كتفيه الأيسر وهو يحثه بكل عاطفة صداقة امتلكها بحقه: ارجع. صدقني ياسين الجارحي بنفسه مش هيعارضك في قرارك وهو شايفك بالحالة دي!
اتسعت تلك البسمة الخافتة، فالتفت ليقابله العين بالعين، وتناطحه كلماته إن شاءت: مينفعش يا رحيم. أنا بمكاني هنا بعيد عنكم وعن الشرطة وعاجز اني أعرف اللي بيدور حواليا.

واسترسل بغصة هاجمته بشراسةٍ: مش عارف انا مالي، بحس إن رجال الاعمال اللي اتعاملت معاهم كلهم مجرمين ووراهم كوارث، معرفش ده بسبب شغلي اللي اتعودنا إن الشكوك تكون جزء منه ولا إني خسرت أكون انسان طبيعي!

تفهم ما يمر به جيدًا، فصمت قليلًا يختار كلماته جيدًا، ثم بدأ بالحديث: انك تأخد حذرك بالتعامل مع كل اللي حواليك ميزة مش عيب يا عدي، بس لا ده مكانك ولا العالم اللي هتقدر تتكيف فيه. ارجع وعيش في البيئة اللي انت بقيت جزء منها.

ونهض عن الحجر الضخم، فاستقام الأخير بوقفته حتى بات قبالته، وضع رحيم يده بجيوب جاكيته الأسود، ثم قال بحنكٍ: لو كان لينا لقاء تاني مش عايز أشوفك بالشكل ده، أنا واثق انك قادر تواجه والدك وترجع لمكانك. سبق ليا واتعاملت مع ياسين الجارحي شخصيًا وقدرت أكون فكرة عن شخصيته.

انتبه لكلماته بحرصٍ، فاستطرد الاسطورة قائلًا: اصراره انه يدخلك المقر مع ولاد عمك غريب قصده بيه شيء تاني، يمكن عايز يعلمك حاجة أو يبعدك عن أذى وظيفتك المحاوط بيك. بس حتى السبب ده مش منطقي لانك في دايرة الخطر من اللحظة اللي قبلت بيها بوظيفتك الا لو حس إن الخطر زاد عليك!

أراد أن يرسل إليه رسالة مبطنة، وقد نجح بزرع شكوكه داخل من يستمع إليه بحرصٍ، غادر رحيم وتركه يعيد حسابات حديثه جيدًا عله ينتبه لما يدور من خلفه، اتجه لسيارته السوداء، فما أن اقترب منها حتى أسرع السائق بفتح بابها استقبالًا لسيده، صعد رحيم لسيارته، ثم خلع نظارته القاتمة لتظهر زيتونية عينيه الساحرة، حرر زجاج النافذة رغم برودة الأجواء، ولكنه كان بحاجة للهواء النقي يصل إليه، على رنين هاتفه فتناوله وهو يجيب على مضضٍ بعد رؤية اسم المتصل، ليجده يردد بانفعالٍ: عملت اللي في دماغك يا رحيم وروحت لعدي!

وحينما لم يجد رد من أخيه المتعجرف، فاض بضيقٍ: قولتلك والده بنفسه أصر عليا انه ميعرفش حاجة. أنت مش مدرك ان حياته في خطر!
استمع اليه بجمودٍ تام، حتى انتهى من ذروة غضبه، فقال بصلابة: أنا عارف أنا بعمل أيه يا مراد، عدي لازم يأخد احتياطاته ويفوق للي بيحصل حواليه. ال ده هيهاجمه في اقرب وقت وساعتها لا أنا ولا أنت ولا حتى ياسين الجارحي نفسه هيقدر يحميه، هو كفيل انه يحمي نفسه عدي مش ضعيف!

بغيظٍ دامي ردد: رحيم زيدان مستحيل هتدي لنفسك فرصة تسمع اللي حواليك. قرارك من دماغك مع اني نبهتك يا أخي!
بعنادٍ قال: أنا صح. وبعدين اللي أنا عملته من شوية يخليك تمدح في الاسطورة لسنين جاية قدام.
بفضولٍ تساءل: عملت أيه؟
ابتسامة ماكرة تشكلت على طرفي شفتيه المقوسة، فاسترخى بجلسته بخبثٍ تسلل لوجهه رويدًا رويدًا.

ساعده بفتح عينيه لشيءٍ هام، ما يحدث حوله ليس طبيعيًا بالمرةٍ، وبالأخص الحادث الذي كاد بقتله هو وابن عمه، تراجع عدي للحجر وهو يحمل كتفه الأيسر بألمٍ مفاجئ اكتسح أعلى كتفه، فحاول أن يحرك ذراعه ولكن الآلآم جعلته كالعاجز، دقيقة كاملة استغرق بها الألم رحلة شاقة حتى انتهت مفعولها سريعًا، ومازال يتفحص كتفه بدهشةٍ وسبب الألم ليس معروف إليه بالمرة، كاد بخلع قميصه ليتفحص جلده بعنايةٍ، ولكن رنين هاتفه برقم رحمة جعله ينشغل عما أراد فعله!

بسيارة الاسطورة.
فتح الحاسوب الخاص به، وهو يتابع اشارات التعقب الذي زرعها بكتف عدي دون أن يدرك ذلك، لعبته التي لطالما برع بها وأضافت لاحدى مميزاته، لجئ اليها الآن ليضع تحركات عدي نصب عينيه، حتى يتمكن بالفريق المشكل بقيادته بالقبض على المجرم الهارب من العدالة، ابتسامة الرضا احاطته وهو يراها تعمل بحرفيةٍ ليبدو الآن بأن مهمته بتأمين رفيقه تمت على أكمل وجه!

بالمنزل الخاص بالفتيات.
وجد الشباب الباب شبه موصود، فدفعه رائد بقدميه، ثم ولجوا جميعًا للداخل، الهدوء والظلام كان يخيم على المنزل، وكأنه خالي من سكانه المشاغبات، شق صوت جاسم الغبار المتهالك وهو يتساءل بحيرةٍ: هما راحوا فين؟
اتاه صوت أحمد الساخر يجيبه: تحت التربيزة!

انطلقت النظرات لأسفل الطاولة الخشبية العتيقة، فوجدوهن يترصون أسفلها، يكادون يكتمون أصوات رجفتهن بصعوبةٍ بالغة، رفع عمر ومعتز الغطاء المنسدل على طرفي الطاولة، فصرخن الفتيات رعبًا، وسرعان ما افرغت كلًا منهن ما تحمله بزجاجتها الخاصة في أعين الأشباح المتطفلة عليهن، إلتهبت أعين الشباب فجأة حينما استقبلت وابل الشطة الحارقة، فتراجعوا للخلف وصوت تأوهات خافتة تحيط بمن كان في مقدمة العاصفة القاتلة، فكان عمر، وحازم، ومعتز، وجاسم من أوائل من تعرضوا لتلك الغارة، بينما ظل أحمد وياسين يرقبون ما يحدث باستغرابٍ، اتجه رائد للائحة الكهربائية، فشغل المصابيح، فردد ياسين بغضب: اخرجوا وبطلوا شغل العيال ده؟

سماع صوته البشري أفاض بقلوبهن الطمأنينة، فخرجوا خلف بعضهن البعض، ليتأملوا ما أصاب الشباب بصدمةٍ، جذب أحمد زجاجة مياه من البراد وأخذ يسكب على أعينهم بمساعدة رائد، فقال معتز بعصبيةٍ: دول لا نافعهم بلطجية ولا أشباح!
بينما صرخ حازم بألم وهو يفرك عينيه: آه عيني منكم لله. حسبنا الله ونعم الوكيل.

نجح جاسم بفتح أحد عينيه، فقال بعتاب يستميلهم لما فعلوه من بطولة مشهودة: ده جزائنا اننا جينا على ملى وشنا نطمن عليكم، بتروشنا بالشطة! ده انتوا لو بتهاجموا طبق كشري مش هتعملوا كده!

شعور الذنب بات مضاعفًا داخل كل فتاة، فوقفن يتأملن أزواجهن بخزيٍ، تفرق جمعهم تاركين رئيسة القيادة عزلاء، واتجهت كل فتاة لزوجها بالمنشفة الورقية، تحاول مساعدته، بينما ظلت نور بمفردها تتأملهم بغيظٍ، فصاحت باندفاعٍ: ده مكنش اتفاقنا!
تجاهلها الجميع، فدنا عمر منها ثم قال بسخطٍ: منظرك مش لطيف بصراحة!

استهزأ به جاسم: ده تمامك يعني! المفروض تاخد موقف قوي بحيث تتراجع عن اشعال الثورات تاني، هي أساس كل البلاوي دي اتعامل على هذا الأساس!
وقف جوارها، ثم همس وهو يشير لها باصبعه: عجبك كده، جايبلي الكلام من الكل. نفسي أعرف بس أنتي كان طموحاتك أيه في الحياة. لو حابة تعملي حزب سياسي وثورة على نظام الحكم يبقى بره بيت الجارحي مش جواه انتي كده مش هتلحقي تدخلي المعتقل!

جلست على المقعد المجاور لها وعدلت من طرف فستانها الأسود بعنجهيةٍ لحقت نبرتها المتغطرسة: أنا مستمرة وهستمر في قمح ظلم الرجال المستبدة اللي زيك وزي ولاد عمك، لحد ما تلجئوا للتوبة الأكيدة وعلى ايدي بإذن الله.

خرج عن رزانته، فكاد بالسقوط بها للخلف وهو يصيح من بين اصطكاك أسنانه: والله محد مستبد غيرك. اعقلي يا نور وفكك من شبح ريتشارد قلب الأسد اللي ساكن جواكي ده، الشباب لو حطوكي في دماغهم هيكرهوكي في نفسك. لو عدي فاقلك هيفرمك.
دفعته بقوةٌ للخلف وهي تصيح بانفعالٍ نجح بجرف قدميها اليه: عدي مين. احنا معانا الكنج يا حبيبي، مكالمة واحدة لياسين باشا الجارحي يقعدكم في البيت.

راقب الشباب ما يحدث بضجرٍ وملل ينتابهم حينما يحاول أحدٌ منهم التوصل لحل حيادي مع قوة زعامة النساء داخل نسل الجارحي، فتدخل أحمد بينهما، حينما قال بتريثٍ: أيه اللي يراضيكِ يا نور وصدقيني مش هنختلف.

ابتسامة واسعة تسللت على شفتيها، فغمزت بمكر لعمر ومن ثم جذبت المقعد المجاور لها، واتجهت لمنتصف الردهة، وضعته وجلست عليه لتكون قبالتهم، وجذبت ورقة وقلم واخذت تدون أشياء مجهولة زرعت القلق بالنفوس، عما تخطط له، ومن ثم قالت: نبدأ بالأكبر سننًا فالأصغر، ومعانا ياسين.

رمش بعينيه بذهوٍ، ومع ذلك بدى ساكنًا بإشارة أحمد المتوسلة له، فتابعت نور قائلة: والله يا بشمهندس سجلك نضيف لدرجة إني زعلانه وأنا بناقشك بالشكوة التافهة دي، بس ما علينا.
وتنجنحت وهي تسترسل بصوتٍ خشن: الزوجة تشتكي إنك أحيانًا بتقصر بواجباتك كزوج وإنك بتخرجها كل فين وفين، مع ذكر مميزات كتيرة تخلينا ممكن نتغاضى عن أخطائك.
ردد بصدمة: اخطائي!

أشار له أحمد مجددًا، فرسم ياسين بسمة مصطنعة وهو يخبرها: حاضر يا نور، هحاول أخد بالي من النقطة دي. أي نصايح تانية؟
هزت رأسها بالنفي، وأشارت له وهي تمزق صفحته من دفترها: براءة.
وجذبت ورقة أخرى ثم قالت: أستاذ احمد.
كبت أحمد ضحكة كادت بالانفلات منه، وقال بثباتٍ: خشي في العيوب على طول يا نور، انتي قريبة منهم وهتقدري تسمعي عيوب احنا منعرفهاش عن نفسنا. فالافادة خيرًا من المؤامرة.

ابتسمت وهي تخبره: سجلك أبيض وبورد فوشيا.
وضع يده على موضع قلبه بمرحٍ: اللهم لك الحمد.
رفعت القلم تحذره: بس عندك ثغرة لازم تاخد بالك منها.
ضحك تلك المرة وهو يخبرها: سامعك اتفضلي.
قالت وهي تطوي صفحته: اسمع الولية وسامح يا عم. ده رمضان داخل المسامح كريم وكل سنة وأنت طيب.
وقبل أن يجيبها، فتحت صفحة جديدة وهي تتطلع للشخص المقصود: الأخ رائد بقا ما شاء الله كل تاريخه أسود، مفيش حاجة شفعتلك خالص.

أشارت رانيا الى نور لتتوقف عن حديثها هذا، ففضحت أمرها حينما قالت: بتشاورلي ليه مهو ضعفك وحبك الزايد ده اللي مخليه شايف نفسه عليكي يا خايبة، لو كنتي مشيتي معايا في جلسات علاجه وعملتي لنفسك قيمة وكاريزما كان زمانه الوقتي بيعض أصابعه ندمًا، لكن من أول يوم بوظتي خططنا وراحة تتكفي على وشك قدامه بوظتي كل شيء!

كز رائد على أسنانه فكاد بأن يجيبها بكلماتٍ لازعة، لولا اشارة أحمد المتحكم بانفعالات الجميع، فقال ببسمة ساخطة: أوعدك اني هتغير.
مزقت الصفحة وهي تردد بنزقٍ: هنشوف ياخويا. كل شيء هيتكشف ويبان.
ودونت على الصفحة الاخرى قائلة: كابتن معتز بقا.
قاطعها بتوعد: بلاش أنا يا نور عشان زعلي وحش.

هدرت بغضبٍ: على نفسك يا حبيبي قولت انا مسنودة من ياسين الجارحي، وبعدين انتوا محتاجين حد يواجهكم بعيوبكم عشان تفوقوا للجواهر اللي معاكم دول، حياة رجال الأعمال دي متلزمناش انا بحارب عشان الغلابة دول!

تطلعوا تجاه الفتيات بناء على إشارة اصبعها، فوضعت كلا منهن بخاخة الشطة الحارقة من يدها، وتوسدن ملامح البراءة المصطنعة، استرسلت نور قائلة: انت يا أخ معتز مش قادر تفرق بين كيان المرأة وبين طقم السكرتارية اللي محدش طايقك فيهم. الكلام جايلي وأنا في قلب الحدث ومع ذلك مصممة اساعدك تتغير، يبقى تاخد بالك وتلم الجلافي اللي ملهاش صاحب دي وتأخد بالك من الغلبانه اللي قررت تحارب عشان كيونة المرأة.
أيه!

تساءل عمر بدهشة، فقالت وهي تمزق صفحته: كيان المرأة يا دكتارة روق.
اتجهت أعين عمر لنظرات الشباب المتوعدة له ولزوجته، فقال بخوفٍ: مستعد أطلق!
رددت نور بصوتٍ عالي: أستاذ جاسم.
أجابها بنفورٍ: مش موجود.
تجاهلت ما قال وأخذت تدون وهي تردد بصوت مرتفع: انعدام المسؤولية.

جحظت عينيه بصدمةٍ، فاسترسلت: مينفعش ترمي مسؤولية البيبي على مراتك طول الوقت، دي بنت ناس اتجوزتك واتشاركتوا معًا في عملية الانجاب كونك تخلع من مسؤوليتك بعد كده يخليك أب غير مسؤول بالمرة.
أمسك جاسم معصمه، حينما شعر بأنه على وشك مهاجمتها في الحال، وهمس إليه: عدي المركب تمشي. دي الريسة يا باشا.
ابتلع ما تردد على لسانه وقال بهدوءٍ زائف: ماشي يا نور. هاخد بالي حاضر.

مزقت الصفحة من أمامها، ثم دونت الأسم التالي وهي تردد بضجر: حازم باشا انت صفحة واحدة لا تكفي العيوب اللي قدامي، أنت عايز مجلد يمتد إلى ما لا نهاية، أنا حقيقي والله مكسوفالك، بكبورت شكاوي تم لصقه في صفحة شكواك لدرجة اني عاجزة اعاتبك عن أيه ولا أيه.

برق بعينيه، فوزع نظراته بينها وبين زوجته التي تناطحه النظرات بكل برود، وكأنها لا تهرب من فعلتها، فتحرر لسانه عن لجام تحكمه: كل ده شكاوي ليه يا بنتي هو القسم قصر معاكي في أيه؟ اطلعي واعمليلي بلاغ اني متحرش بالمرة!
أغلقت نور الدفتر ثم قالت: احنا هنا مش للخناق يا حضرت احنا هنا عشان نحل المشاكل بالعقل والرقي.
لوى فمه بسخطٍ: رقي! هو لو في رقي هيبقى في المهزلة دي.

وشكك بمصدقيتها حينما طعنها بسؤالٍ فضح نواياها: طب وفين استاذ عمر من المجلدات والسيدهات دي! حالًا اطلعيلي بصفحته!
بسمة شبه ساخرة ارتسمت على معالمها، واتبعها نبرتها الساخطة: تفتكر انا محتاجة اعمل مجلد. أنا بتناقش معاه أول بأول لكن انتوا اللي حسيت اني قصرت في التحقيقات شوية بسبب انشغالي بالحمل والولادة والامور اللي أنا في غنى عنها.
كاد باستمرار المعركة بينهما، فقاطعهما أحمد: حازم خلاص.

واستدار تجاهها ثم قال بجدية تامة: نور أنا عارف إنك قريبة من البنات أوي، وبعترف اننا كلنا قصرنا بالفترة الاخيرة، عايزك تعرفي اننا مش مضايقين من مساندتك للبنات، بس ياريت كمان توضيحي ليهم انهم كمان غلطنين زيهم زينا. الغلط عمره ما كان عيب، العيب اننا منعترفش بيه أو نرمي مسؤوليته على الطرف التاني.

ردت عليه قائلة: هم خدوا نصيبهم. ثم اني مبقولش شيء مش باين لينا كلنا. مشاكلكم يا محترمين مسمعة للقصر كله حتى رحمة الملاك اللي محدش كان بيعرف عنها حاجة انضمت للحزب.
وتساءلت بتركيزٍ: هي فين رحمة صحيح؟
اجابتها آسيل: طلعت من أول ما النور رجع.

هزت رأسها بخفوت، ثم اغلقت الدفتر وهي تتابع بمرحٍ قصدته من البداية: عمومًا اعتبروا ان الدفتر اتقفل ومش هيوصل للباشا الكبير، بس بعد كده انا بنفسي هاخد توقعيه بعد استلام الشكاوي. وده لاني جدعة وأخت عظيمة.
ناطحها حازم بغيظ: أخت عظيمة أوي بصراحة. انتي شاطرة بس كل سنتين تقومي علينا الحزب وآ.
ضمه رائد اليه وهو يغمز له: ما خلاص يا حازم بتقولك هنفتح صفحة جديدة.

رددت نسرين بغضب: سيبه يتكلم ويقول اللي عنده. مهو الموضوع مش على هواه!
تدخلت داليا قائلة: خلاص يا نسرين نبدأ صفحة جديدة وربنا يستر وتفضل بيضة.
دنت رانيا منهما ثم قالت: ان شاء الله هتفضل بيضة يا بنات. وبعدين انتوا من شوية اول ما لجئتوا لجئتوا لمين؟!
عم السكون بينهن الى أن قالت شروق: يبقى لو كلامهم صح وفتحنا صفحة جديدة يبقى نشتغل كلنا مع بعض وخصوصا بالعرض اللي عمي طالبه.
أجابها رائد: مفيش مشكلة.

تطلع كلا منهن للاخرى، ثم رددوا معًا: واحنا كمان معندناش مشاكل.

أخر لقاء جمعهما كان محبطًا للغاية، عبروا لمنتصف الطريق به وتركوا قلوبهما من خلفهما معلقة، تمنت لو تمكنت من رؤياه بالمقر، عساها تحظى بلقائه، تخشى أن تكون تسببت كلماتها بوجعٍ يزيد ألمه ألمًا، وربما ازدادت تلك الآلام بداخلها هي فعنفتها بقسوةٍ لما تفوهت به، كل ما تريده الآن أن يضمها إليه، ويخبرها بأن كل شيء سيكون على ما يرام، فحاولت الإتصال به مرارًا، وفي كل مرة لم يجيبها كانت تشعر بغصة تذبح صدرها، فأرسلت إليه رسالة قصيرة، تطالبه بالقدوم لرؤيتها فهي ليست بخير، لجأت لأخر طريقة تعلم بأنها لربما ستجدي نفعًا معه، عشقه الجنوني إليها سيجعله يعبر البحور السبع إن تطلب الأمر لذلك، وقد كان لامنيتها التحقق بسماع بوق سيارته، تمهلت بخطاها وضربات قلبها تعلو بعنفٍ، فشعرت بأنها لن تستحمل التحمل على قدميها لأكثر من ذلك، جلست رحمة على الأريكة المقابلة لباب الغرفة، عينيها متعلقة بمقبض الباب بلهفةٍ تسبقها إليه، دقائق طعنت وحدتها رغم تأكدها بأنه هنا، رغم رؤيتها لسيارته بنفسها، رغم سماع صوته بالأسفل يسأل عنها، رغم كل شيء مازالت لا تحتمل تصديق وجوده هنا لجوارها فُتح باب الغرفة، وعينيها التي تلامس أرضية الغرفة ترى حذائه اللامع بوضوحٍ، انتقلت ببطءٍ لتغدو قبالة عسلية عينيه المضطربة، ولسانه يتحرر لينطق بقلقٍ: انتي كويسة؟

انصهرت مشاعرها المتجمدة، ورددت بخفوتٍ: عدي!
أغلق الباب من خلفه، وهرع إليها، تخشبها بمقعدها جعله يتفحصها بعنايةٍ وهو يتساءل: قادرة تتحركي؟!

هزت رأسها وهي لا تعلم إن كانت تؤكد له أم تنفي، وجوده لجوارها هنا يربكها فحسب، أمسكت رحمة يده تستند عليها حتى استقامت بوقفتها وانطوت داخل ذراعيه تبكي وهي تردد بحزنٍ شديد: أنا حاسة انك لسه زعلان من الكلام اللي قولته، أنا بالغت في كلامي عنك يا عدي. متزعلش مني أنا غلطت.

طالبته بالاحتواء ووجدته يرحب بها بحبٍ، حاوطها بذراعيه، ومال برأسه عليها، فعاتبها بإستنكارٍ لحالتها تلك: سبق واتكلمنا عن الحوار ده يا رحمة وقولتلك اني مش زعلان. أنا مبسوط إنك ماشية كويس على خطوات علاجك.

اندهشت من حديثه، فابعدها عنه ثم ذهب بها للجلوس على الأريكة، فأبعد عن شعرها حجابها المنفرد، ثم تمعن بالتطلع لحدقتيها قبل أن يخبرها ببسمةٍ زرعت البهجة داخلها: أنا كنت بحاول أكون مختلف في علاقتي معاكِ بعيد عن عصبيتي وتهوري الغبي بس الظاهر إني فشلت، ومواجهتك ليا هو السلمة اللي هتتعالجي منها واللي هتكون بداية اني أفوق وأخد بالي من تصرفاتي كويس.

واسترسل بصرامة مخادعة بعدما استجمع طرق علاجها كاملًا: ثم انك هتسيبي شغلك والعرض اللي وراكي وهتقعدي تفكري فيا ولا أيه؟ لا كده مش هينفع لو ياسين الجارحي شم خبر هيقعدك في البيت تاني!
ابتسمت وهي تجيبه: جاهزة اقعد في البيت وفي الحبس نفسه لو أنت راضي عني ومش زعلان.

سكن الحزن عينيه وهو يرى عشقها يعمي عينيها عن أي شيء حولها، العالم بالنسبة اليها لا يتشكل من غيره، هو وكفى، وليذهب العالم بأكمله للجحيم، تمددت رحمة على الأريكة، واضعة رأسها فوق ساقه، فعبث بخصلات شعرها الطويل حتى غفت تمامًا، فرفض تركها تلك المرة، وحملها للفراش الصغير الذي يتوسط الغرفة، تمدد لجوارها وهو يضمها اليه ربما لأنه هو الذي بحاجة لها على عكس ظنونها باحتياجها الدائم لوجوده وحنانه الدافئ!

انتهى رائد وجاسم من صنع أكثر من خيمة، بعدما قام عمر ومعتز بعزل الأساس بغرفة منعزلة بالأسفل، فحسبة الغرف كانت ضئيلة بالنسبة لعددهم، لذا لجئوا لهذا الحل البديل، ليقضي كل منهم ليله بصحبة زوجته، فكان اختيار الأربع غرف ينطبق لحازم ومعتز، لحصول زوجتهم الحوامل على الراحة، ولياسين لأن مليكة مازالت لم تتعافى بشكلٍ كلي، وبالطبع كان الخيار الرابع لعدي دون سماعه لترشيحات أحدٌ، انتهى الشباب من صنع ما بدأوا به، فراقبهم عمر بضيقٍ اتبع نبرته: شباب اللي عنده رومايتزم ولا أي مرض عضوي يروح ينام في فرشته بدل نومة الأرض دي الله يكرمكم العملية مش ناقصة خنقة ولا جري وش الفجر!

منحه كلا منهم نظرة ساخطة قبل ان ينحنوا لخيمتهم ليظل بالردهةٍ بمفرده!

بالأعلى وبالأخص بالغرفة الخاصة بمليكة.
كان يحمل صغيرته بحنانٍ، يقتطف القبلات على خديها الناعم، انزعجت الصغيرة من لحيته النابتة، فابتسم وهو يراقب انفعالات وجهها بحبٍ، وضعها ياسين على الفراش مجددًا، ثم استعد للتمدد جوارها، فأخذ يهددها بطبطبة يده، وتسلل اليه ضحكة خافتة، جعلته يستدير فوجد مليكة تراقبه، فدنت حتى تمددت قبالتهما ثم قالت ساخرة: حبيبي انت بتبذل مجهود يحترم بس البنت نايمة من ساعتين!

وزع نظراته بينها وبين الصغيرة، فابتسم وهو يخبرها: صح.
وحملها بين يده ثم وضعها بفراشها الهزاز، وعاد ليتمدد قبالتها، حيث احتلت حرف الفراش وهو يجلس بمقدمته، وكلا منهما يواجه الاخر، انتظر ياسين فرصة جلوسهما بمفردهما ليخبرها ما يشغله، فقال بمكرٍ: أنا شايفك بقيتي ما شاء الله افضل من الأول كتير ومع ذلك مجتيش المقر مع البنات ولا مرة!

بدى الارتباك يغلب وجهها الصافي، فقالت بتلعثمٍ: بصراحه يا ياسين مش حابة أنزل معاهم.
اعتدل بجلسته وهو يسألها باهتمامٍ: ليه يا حبيبتي. حد ضايقك؟!
اجابته سريعًا: لا خالص. بس مش حابة المبدأ نفسه، أنا عايزة أكون جنب يحيى وملاك مش عايزة أقصر معاهم بشيء. وشغلي هيجبرني أقصر.

ارتخت معالمه المشدودة وقال بتفهمٍ: فاهم بتفكري في أيه، بس ده مش مبرر يا مليكة لازم تحافظي على كيانك، مش عايزك تنسي نفسك ولا تركني شهاداتك لمجرد انك تكوني أم ناجحة!

واسترسل ما بداه قائلًا: ولو على المسؤولية فأنا كمان ليا واجبات زيك بالظبط، مينفعش أشيل ايدي منها. تربية الاولاد عليا وعليكي، وليكي عليا يا ستي لما تنزلي تشتغلي معانا هروحك بدري ساعتين تلاته بحيث متحسيش بالتقصير مع إن وجود ماما وطنط آية مش هيخلق أي نوع من التقصير بس لو هيريحك فانا معنديش مشاكل نهائي.

تسللت الراحة اليها، فنمت عن ابتسامتها الرقيقة، دنت منه وهي تخبره ببسمتها الفتاكة: أنا مش بحبك من قليل.
منحها ضحكة هادئة، وبادلها القرب منها بكلامه المعسول: حبي ليكِ صعب يتوصف يا ملاكي.

أغلق أحمد الستار القماشي جيدًا، ثم زحف ليتمدد أرضًا بصمتٍ تام، فاجئ به آسيل، فلحقت به حتى باتت ملصقة به لضيق خيمتهما المؤقتة، تمددت جواره وأغلقت عينيها مدعية انغماسها بالنومٍ، وما مر عليها سوى دقائق بسيطة حتى زفرت بمللٍ وهي تردد بشكٍ: أحمد هو أنت لسه زعلان مني!
وضع يده أعلى جبينه، وأغلق عينيه بهدوءٍ تام، جعلها تنحني بجسدها تجاهه فطرقت بيدها على صدره وهي تناديه: أحمد.

أحاط بها فجأة، ففتح عينيه وهو يشير لها بالصمت، هامسًا بمزحٍ: بيفصلنا عنهم حتة قماش. صوتك!
فهمت مقصده بعد وقت من التفكيرٍ، فطرقت بيدها على جبينها بحرجٍ، وانفجرت ضاحكة فكمم يدها وهي يردد بمرح: أخوكي في الخيمة اللي جنبنا!

جلس رائد وزوجته، وجاسم في انزعاج داخل الخيم البائسة التي تقع خيمة عمر منتصفهما، فكانت صوت المشاجرة لا يعلو عليه شيء، وخاصة صوت نور كان يتردد بأنحاء الردهة بأكملها وخاصة حينما صاحت به: بتحاسبني على أيه يا عمر. ولاد عمك افتروا على خلق الله. أنت لما تقعد مع البنات وتسمع منهم قلبك هيرق.

صاح بها بانفعال تام: مينفعش تتدخلي بينهم يا نور. انتي بتفضحي أسرارهم يا بنتي! لو واحدة قالتلك كلمتين تعرفي جوزها باللي قالته؟
أشارت باعتراض: لا في فرق. اللي حصل قدامنا كلنا نعرفه مش شيء خاص. وبعدين أنا كل اللي بعمله ده عشانهم والله. بصراحة يا عمر حاسة إن ولاد عمك بياكلوا بعقول البنات. عكسي تماما معايا شخص بيقدر النعمة وعمره ما جيه عليا.

كز على أسنانه بغيظ وأهدر من وسط اصطكاك أسنانه: يا مغرورة هانم. انزلي على الأرض وبطلي تخلقي مشاكل بين العالم انا معرفش هما مستحملينك ومتقبلين عمايلك المنيلة دي. واخده عليهم زلة!
قالت بعنجهيةٍ: لا هما عارفين اني بلطف ليهم الاجواء مع البنات بس بعد ما يعترفوا بغلطتهم.
خرج عن رزانته: نور. ابعدي عن المشاكل ودور ناشطة حقوق المرآة دي عشان هتزعلي من تصرفاتي صدقيني!

خرج رائد من خيمته، فحاول ان يطرق على قماش خيمتهم، فوجد جاسم يزحف جواره وهو يشير له بالحذاء الملقي لجواره ساخرًا: اضرب فردتين ببعض عشان تعلن وجودك.
منحه نظرة صارمة، فتابع بسخط: اضرب خلينا ننام في الليلة ال دي.
انصاع اليه وأخذ بصدر صوتًا يجذبهما لوجوده، ومن ثم قال: يا عمر احنا مسامحينها ومدينلها الأذن تتدخل وتحل بينا، من فضلك ما تتدخلش بينا وسيب نور ترتاح وتريحني من الصداع ده. ورانا شغل بكره.

واستشهد جاسم: نور بتسعى لنشأ امبراطورية جوه الامبراطورية ومدام معاها اذن الباشا الكبير يبقى ازاي أنت هتعترض، نام واسكت يا عمر العملية مش ناقصة!
وعاد كلا منهما لخيمته ظنًا من أنهم سيحظون بنومة هنيئة بعد محاولات فض النزاع، وشتان بين ذلك انطلق النزاع تلك المرة بينهما حتى سقطت خيمتهم بصحبة الخيم بأكملها!

كان صباح هذا اليوم ينتظره الجميع بصبرٍ كبير، للخلاص من نومةٍ لم تكن مريحة بالمرة، كُلف معتز وحازم بشراء طعام الافطار، فما كان منهما بالاستعداد للخروج، ففتحوا الباب ليغادروا معًا، تراجع حازم للخلف بفزعٍ حينما وجد عثمان يقف قبالته يحمل العديد من الأكياس البلاستيكة بثبات فزع من يقف قبالته، وكأنه رأى شبحًا يطالعه بثباتٍ، فقال برعبٍ: في أيه يا عم على الصبح؟!

قدم لهم الأكياس وهو يجيبه: الباشا بعتني بالفطار ده.
تناول منه الأكياس وهو يشير له بارتباكٍ: طب انصرف انصرف.
حمل عنه معتز بعض الأكياس ثم وضعها فوق الطاولة الخشبية، وعقله شارد بصورة كانت ملحوظة لرائد الذي دنى منه وهو يردد بنومٍ: مالك مش على بعضك ليه؟
أجابه وهو يشير على الأكياس: عمي ياسين بعتلنا فطار. وواضح من حجم الأكل انه عارف بوجودنا هنا!

تثاءب أحمد وهو يستقيم بوقفته بنومٍ: يعني تفتكر إنه ميعرفش حاجة زي كده!
وأشار لهم وهو يتناول أحد ثمار التفاح الأحمر: وزعوا الأكياس واستعدوا عشان هنتحرك.

لأول مرة منذ بدأ عملهن بالمقر تأتي كل فتاة بصحبة زوجها، توقفت السيارات بالچراج الخاص بالمقر، وتوفدوا تباعًا للطابق المخصص للشباب حيث اجتمعوا جميعًا بمكتب واحد، فنقل الشباب بنفسهم المكاتب للأسفل باستخدام المصعد، عملوا معًا كفريق جماعي لايجاد معطيات مثالية للعرض المؤكل الفتيات به، وخاصة بعد أن تم قبول عرض عدي، فجلست الفتيات تراجعن العقود جيدًا، وكلا منهن تحاول وضع مقترحاتها لأجل انشاء العرض، انشغلت رحمة بتدقيق جزء خاص بالملف الذي تحمله، فقالت بعد تردد بدى عليها، وكأنه يلجم لسانها عن الحديث بالأمر، بداخلها صوتًا غريبًا يخبرها بأن النقطة التي ستتحدث بها ليست هامه بالمرة، ربما ستحرج ذاتها بالحديث عنها، ولكن لا تعلم لما قالت ببعض الحرج: هو ليه كل العمال اللي في المصانع رجالة؟

انتبه الجميع اليها، فترك الشباب مجلسهم البعيد عنهم بقليل، واقتربوا ليجلسون على الطاولة الضخمة المحاطة بعدد ضخم من المقاعد، كقاعة الاجتماعات، فأجابها احمد قائلًا: لأن الشغل في المجال ده صعب أوي يا رحمة.
أضاف رائد قائلًا: هو مش من مبدأ التفرقة بس كمان المصانع على الطريق الصحراوي أعتقد مفيش ستات هتقدر تروح المشوار ده كل يوم وترجع!

واستطرد جاسم: أنا نفسي روحت هناك قبل كده المشوار بعيد وصعب. بس في نفس المكان مكانه مثالي عشان الادخنة اللي ممكن تسبب مخلفة لو اتعاملت بمنطقة فيها ناس.
هزت رحمة رأسها وحاولت اقناع ذاتها، فقالت بعدم اقتناع: نقدر نعمل كده بدون ما ننقل مكان المصانع، لو وفرنا وسيلة مواصلات ثابتة ليهم وظبطنا المواعيد ومرتبات كويسة أيه اللي هيمنعهم من إن يكون ليهم تواجد جوه المصانع.

واستكملت بتردد: أي مكان مفيش فيه لمسة للست جواه بيبقى شبه السجن. يعني أكيد المصنع مش أنضف حاجة حتى لو عمال النضافة شغالين فيه ليل نهار. يمكن وجودهم اضافة كبيرة. حتى لو هنعملهم فرع ومكان مخصص ليهم. متنسوش أن في ستات كتيرة مطلقة ومحتاجة للشغل ده ويمكن كمان احتياجهم للمسكن يخلينا نعملهم مكان جوه المصنع للسكن وده اختياري، لو واحدة حابة ترجع بيتها وترجع تاني مفيش مشكلة.

الصمت أطبق عليهم جميعًا، والفكرة تتراقص بعقولهم، ابتسم لها عدي ثم قال: ياسين نفذ فكرة رحمة عملي. ده هيقوي من فكرة العرض خاصة لو نتيجتها ونجاحها ملموس على الواقع.
وفتح محفظته الجلدية ثم اخرج منها الفيزا الخاصة به قائلًا: انا اللي همول المشروع ده بنفسي.
أخرج عمر الفيزا الخاصة به قائلًا: المشروع ضخم وهيحتاج سيولة كبيرة. أنا معاك في تنفيذه.

نهض احمد ليضع خاصته هو الأخر قائلًا بمشاكسة: الموضوع محتاج مجازفة. بس كرجل أعمال المجازفة جزء من شغلي.
اتبعه رائد ومعتز وحازم وكذلك ياسين وضع الفيزا الخاصة به مثلهم جميعًا وهو يردد بفخر: رغم إن سكونك مكنش مبشر بالبداية بس ابهرتيني يا رحمة. حقيقي برا?و مشروع زي ده هيفتح بيوت ناس كتيرة أوي. خاصة إن زي ما قولتي في جزء كبير من السيدات المطلقات واللي محتاجة لشغل ومسكن فعلا.

ابتسمت بامتنان وعينيها لا تفارق أعين أول من كان الداعم لها، زوجها وشريكها في كل نبضة امتلكتها يومًا.

ومن خلف الزجاج الشفاف المعاكس لما يحدث بالداخل، كان يراقبهم بنظرة ثاقبة، نادرًا ما تعكس خفياها، ومن جواره رفيق دربه يشاهد بعينيه عظمة جني ثمار تعب ياسين الجارحي بما فعله، فقال يحيى بفخرٍ: مكنتش قادر أفهمك بالبداية يا ياسين. دلوقتي فهمتك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة