قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والعشرون

انتصارًا جديدًا يحققه اليوم، ويشهد على مجهوداته رفيق دربه، الذي يتابع اتحاد الشباب لمساندة أزواجهن، وبالأخص رحمة، استقام ياسين بوقفته ورفع الريموت الإلكتروني ليغلق شاشته المرئية التي تفصله عنهم، ثم اتجه بخطاه المتهدجة لمقعد مكتبه الرئيسي، ليلحق به يحيى، الذي تهاوى على طرف لسانه الكثير من الكلماتٍ التي تهاجم قوله في تلك اللحظة، حانت منه نظرة جانبيه فقال بثباتٍ: اتكلم يا يحيى. أنا عارفك مش هتسكت عن اللي حابب تقوله. اتفضل سامعك.

لم يفقد يومًا بسمته التي تنير وجهه البشوش، حتى وإن كان في أسوء حالاته، رسمها تلك المرة بفرحةٍ حقيقية، وقال ليستعطف قلب رفيقه: ياسين أنت شوفت بنفسك عدي نجح يعمل أيه مع الشباب، يعني فعلا قدرت تغيره، أو على الأقل تبرز الشيء اللي جواه ليهم وبقوا فاهمينه أكتر.
استند بذقنه على كفه وهو يشير إليه: متلفش وتدور يا يحيى. عايز تقول أيه؟

استجمع قوته ليخبره بشيءٍ قد يزعجه: رجع عدى لشغله. بلاش تظلمه وتبعده عن الطريق اللي مشى أغلبه. بلاش تحرمه من حلمه يا ياسين.
وأسرع ليغلق عليه مساره: عارف إن مهاب ال ده حطه في دماغه وعايز يأذيه وانه متحالف مع أمجد السلاموني. بس اللي واثق منه انك زي ما قدرت تحميه وهو في وش الكلب ده قادر تحميه في وكر الشياطين نفسه.

التقط نفسًا مطولًا يفرغ به ما يكتمه داخل قلبه الذي يئن لوعة قلق لما قادم، فقال بصلابة مازال يلجئ لها مثلما يفعل كل مرةٍ: اللي فات كوم واللي جاي كوم تاني يا يحيى، بمجرد ما نكسب المناقصة دي هتبتدي الحرب.
اجابه برده القاطع: وليه نبدأها. ننسحب منها لو ده هيعرض حد من الاولاد للخطر!

غامت عينيه بغموضٍ تام وهو يخبره: عشان القلق ده ينتهي لازم الحرب. ومفيش اختيار غير الانتصار. مش هسمح لل ده يمس شعرة من ابني طول ما أنا حي، يتخطاني الأول قبل ما يأذيه!

من اللحظة التي تبنى بها الشباب الفكرة التي قدمتها رحمة وبات العمل عليها يُقام على قدمٍ وساق، تكاتف الشباب لبناء مصنع متكامل في زمن قياسي، فازداد عدد العمال وكأنهم خلية نحل نشطة تسعى لخلق عشهم بعنايةٍ، والجدير بالذكر تواجد الشباب معهم باستمرار، في حين مباشرة عدي وياسين والفتيات ادارة المقر بمفردهم، ويخص أحمد وعمر بالاشراف على مشروع رحمة، بينما وُكل معتز وجاسم بالتحالف مع مجموعة من سائقين الحوافل، لإيصال العمال بالأوقات المناسبة لساعةٍ العمل، أما رائد وحازم كانت مهمتهم استقطاب النساء الأنسب لهذا العمل، من حيث احتياجهم للمال بشكلٍ شهري، نجحوا في اتمام عرضًا متكاملًا تم تنفيذه على أرض الواقع ولأول مرة، فكان اقتراح عدي بالتنفيذ السريع يخدم قوة عرض رحمة الذي نُفذ عمليًا، وفي تلك الفترة كان عدي وياسين يحاولان مساعدة الفتيات وبالأخص رحمة ومليكة التي لم يسبق لها العمل معهن من قبل.

الايام مضت سريعًا وخلالها حققوا الشباب نجاحهم الخاص بسعيهم واجتهادهم، واليوم هو المميز إليهم على الاطلاق، اليوم سيكون لهم الزعامة على رجال الأعمال بأكملهم، ينقصهم تقديم العروض الموثوق بها فحسب، ولهذا توافد جميع رجال أعمال الشرق الأوسط لحضور مناقصة الأهم بتاريخ الصناعة، والتي يعد رابحها محظوظ للغاية، اجتمعوا بصالة ضخمة يعد مساحتها 20، 000متر مربع، تقسم المساحة داخلها كالدرج العملاق، كل درجة تحمل ملفوف من المكاتب الفخمة، وأمام كل مكتب ميكرفون باهظ الثمن، وكوب من القهوة والمياه الباردة، وبعض المناديل الورقية، كانت تحوي حوالي أربعون درجة عريضة، كل درجة تحتوي على ثمانية عشر مكتب يصطف جوار بعضهم البعض، وكان الصف الأول لياسين الجارحي، ويحيى، رعد، عز، حمزة، أدهم، ومجموعة من رجال الأعمال فارهي السلطة والثراء، وبالصف الذي يليه كان يخص الشباب، أما الفتيات اختار لهم أحمد أخر صف حتى لا يكونوا محاط الأنظار، بدأت المناقصة بترحيب احد الاتراك بجميع لغات العالم، ومن ثم أخذ بالحديث مباشرة اعتمادًا على ما يضعوه رجال الأعمال من سماعة تترجم لهم لغته التركية، ومن أوائل رجال الاعمال الذين تم ذكرهم كان ياسين الجارحي وامبراطوريته التي تستحق الثناء، اكتفى ياسين الجارحي بهز رأسه بإيماءة بسيطة تتقبل تقديره اليه، في حين أن عينيه لا تفارق الباب الرئيسي للقاعة، كان من الغريب عدم حضور مهاب، وذلك ما أكد له ظنونه، مال عليه يحيى وهمس: لو مجاش يبقى كلامك صح يا ياسين، هيخاف ان مصطفى يكون اعترف بحاجة.

ابتسامة شبه ساخرة ارتسمت على شفتيه وهو يردد: أكيد بعت حد ينوب عنه بتوكيل.
مر على الاجتماع الضخم ثلاث ساعات كاملة، يقوم بها رجال الأعمال بتقديم عروضهم، إلى أن أتى دور شركة مهاب أبو العزم، وقد لاقت ظنون ياسين محلها، حيث صعد على المنصة فؤاد الذي تابع بتوتر من هيبة هذا الرجل الذي يحاوطه بعينيه: بالتوكيل ده هكون نائب عن الباشا مهاب أبو العزم.

وبدأ بتقديم عرضه الذي أعجب أغلب رجال الأعمال، حتى المسؤولون عن المنصة وصالة العرض، أخذ ما يقرب الثلاثون دقيقة لتقديم العرض الشبه مثالي للجميع منذ أن بدأ رجال الأعمال بتقديم عروضهم، ومع ذلك لم يهتز رمش لفردٍ من عائلة الجارحي، إلى أن أتى الدور على شركات الجارحي الأخير بناء على طلب ياسين أن تظل شركاته للعرض النهائي، فصعد أحمد للمنصة وهو يعدل من جرفاته الأسود التابع للحلى الأسود الآنيق، وبدأ بحديث اللغة الانجليزية قائلًا بثقةٍ: أرحب بالسادة الحضور، اليوم يجتمع كبار رجال الشرق الأوسط ولأول مرة، فالحدث اليوم مميز للغاية، ويسعدني أن تتواجد شركات الجارحي معكم اليوم بعرضين.

تعالت الهمسات بين الحضور، فاحتمالية مشاركة الشركة بعرض واحد فقط، كيف سيشارك بعرضين!
ابتسامة ماكرة تشكلت على فم ياسين، وهو يتابع ما أحدثه أحمد من قلقٍ وعلامات استفهمام فضولية، فاخفض رأسه باشارة جعلت أحمد يتابع حديثه وبسمة الخبث لا تغادره: العرض الأول تابع لشركة السيد ياسين الجارحي والسيد يحيى الجارحي وشركائه، والعرض الثاني خاص لشركة مؤسسها السيدة مليكة الجارحي، والسيدة آسيل الجارحي وشركائهن.

وابتسم وهو يسترسل بمرحٍ: لن يطول حديثنا بالكشف عن أسماء الشركاء لذا فلتعلموا أن جميع افراد عائلة الجارحي تدير الشركات، والآن فلنقدم عرضنا الأول إليكم.

صعد عمر للمنصة، وبدأ بشرح عرض عدي بجدارةٍ، والانبهار يثقل الأَذْهَانٌ، فلم يحتاج أحدٌ لتخمين من الرابح اليوم، من المؤكد فوزهم بالعرض الأول، ويتبقى فرصة واحدة لاحدهم ليفوز عرضه بالعرض الثاني، ولكن مفاجآتهم كانت مربكة للجميع، وخاصة حينما صعد ياسين المنصة ليعلن عن العرض الثاني فقال: العرض الثاني مقدم بإسم مؤسس الشركة مليكة الجارحي، وستنوب السيدة رحمة الجارحي بشرح عرضها بنفسها، والجدير بالذكر بأنه ولأول مرة يقدم عرض سبق تقدميه فعليًا على أرض الواقع، وقد حقق بالفعل نجاحًا في مصر، سنكتشف المزيد بالعرض الفعلي.

واسترسل وعينيه تجوب الصفوف ليتحدث بالعربية: رحمة اتفضلي قدمي عرضك بنفسك.
جحظت عينيها في صدمةٍ غير متوقعة وهي تستمع لياسين يرشحها لتنوب شرح عرصها بنفسها بناء على طلب ياسين الجارحي منه، فقد أخبره سابقًا، أن يجعلها هي من تقدم العرض أمام كبار رجال الأعمال، اتجهت جميع الأعين إليها، فشحب وجهها المتعرق وهي تتمسك بنور التي تدفعها بدهشةٍ: يلا يا رحمة، قومي الناس بتبص علينا!

تمسكت بها بكلتا يديها، وهمست بارتجافٍ: لا مش عايزة أطلع. أنا عايزة أرجع القصر.
تعالت الصفقات المحمسة لها والجميع ينتظر لحظة صعودها للمنصة الرئيسية المقابلة للجمع الغفير، وعلى رأسهم بالصف الأول ياسين الجارحي، شعر ياسين بالحرج وهو يناديها للمرة الثانية، ففشل بفهم ما تواجهه بالخلف، فانحنى أحمد تجاه الميكرفون وقال بصوته الرخيم: اتفضلي على الاستيدج من فضلك يا رحمة.

انطلقت الهمسات الجانبية مجددًا بين كبار رجال الاعمال، وتلك المرة تدين اختيارهم الغير موفق لتلك الفتاة، فاصابهم الهدوء بعد احداث العرض الأول لقلقٍ صريح زعزع النفوس، وأغلبهم يهمس بأنه من المستحيل لتلك الفتاة الخجولة بوضع عرضًا قد يثير اهتمام أحدٌ، انطلقت الاحاديث الهامسة بين الصفوف، ومن بينهم عدي المذهول مما يحدث، وفجأة انقطع الهمس مع هبوط رحمة بصحبة نور التي تتعلق بها بخوف هزم قلب عدي وجبروته المصون، صعدت رحمة الدرج القصير المؤدي للمنصة التي يحتلها ياسين وأحمد مقدمي عرض الفتيات، فاصفر وجهها وتبدل لون بشرتها الخمري بصورةٍ ملحوظة فور عودة نور لمقعدها بالخلف، توترت قدميها بمنتصف الدرج، فكادت بالعودة من خلفها هي الاخرى، لولا وجود ياسين جوارها يحثها على استكمال صعودها، فتطلعت تجاه ياسين الجارحي بارتباكٍ، منحها بسمة صغيرة جعلتها تتحمل جزء من قوة مجهولة، فلحقت بياسين حتى وصلت لاحمد الذي أشار لها بالوقوف محله، قدمت خطوة وسحبت الاخرى، والوقت ليس في صالحها، وقفت رحمة محل أحمد أمام الميكرفون الضخم، فانتقل الضوء الابيض ليحاصرها، برقت بعينيها وهي تتأمل هذا الحشد المخيف بتوترٍ جعلها تكاد تفقد وعيها، وزعت نظراتها بينهم بهلعٍ، فجلوسها بالخلف منحها مخضع أمن، عكس بقائها أمام الكاميرات والاضواء والصحافة، والكثير من الأعين التي تحاصرها باهتمامٍ لسماع ما ستقول، اخفضت رأسها للأسفل تبكي بصمت جعل الجميع في ريبة وفضول من أمرها، كل ذلك يحدث وعدي منعزل عن الجميع، يحاول مجابهة تلك الصدمة القاتلة، تراه لم يكن ليعلم ما الذي تمر به رحمة بالتحديد الا الآن، ريثما رأى ذاته قوة وعظمة تضاف اليها، والآن يرى حبيبته الهاشة ضعيفة تختبئ خلف قناعه المخادع، هي دونه لا تقوى حتى على محاربة ذاتها، ليته قتل ولم يرى تلك اللحظة التي اتنزعت قلبه من صدره لتمزقه بكل قسوة، التفت ياسين الجارحي ليقابل عدي بنظرةٍ جعلته يعلم ما الذي دفعه لتظل رحمة بالمقر، وتحتل الصدارة بتقديم عرضها الناجح، كان يود أن تهزم خوفها وتواجه هواجسها، ما فعله ياسين جعل به عدي عاجزًا، عاونه ليكتشف جانب رحمة المعتم الذي تحاربه بمفردها بعيدًا عنه.

بكائها جعل الفتيات تشاركها البكاء، فكادت نور بالصعود لاجبارها على الهبوط دون حاجة منها لتنوب العرض بذاتها، وحينما كانت بطريقها للصعود، توقفت حينما اعتلى عدي المنصة بذاته، فانطلقت صفقات الجمع ترحبيًا بوريث امبراطورية الجارحي الأول، دنى عدى من المكتب الخشبي الحامل للميكوفون الضخم، فتراجع أحمد للخلف ببسمةٍ ترحيب، وترك له حل تلك المعضلة لينقذ موقفهم المحرج أمام الجميع.

تمنت الأرض تنشق وتبتلعها من الحرج القاتل الذي تتعرض له حتى تلك اللحظة، أطبقت أصابعها على فستانها ومازالت عينيها أرضًا عسى أن لا يرى أحدٌ دمعاتها، وفجأة وجدت يد رجولية تشدد على يدها، والمكتب يحجب نصف أجسادهما عن الجميع، فلم يكن ظاهرًا الا وقوفهما جوار بعضهما البعض، أبعد عدي يدها عن فستانها ودمس أصابعه بين اصابعها، دبلتها التي تزين يده جعلتها تعلم من يقف جواره قبل أن ترفع رأسها اليه، تلقائيًا رسمت ابتسامة صغيرة، ورفعت عينيها اليه فوجدته يتطلع للامام بثقة ولسانه يهمس لها حتى ان لم يكن يتطلع تجاهها: ارفعى رأسك يا رحمة.

وتلك المرة استدار ليشملها بنظرةٍ حملتها بين جفنه وأرسلت إليها السلام النفسي، وخاصة حينما ردد وعسليته تتوجهها: واثق إنك هتنجحي مرة تانية زي ما عملتيها قبل كده. قدمي عرضك. أنا جنبك!

كلماته قدمت لها رداء من الصوف أحاطها في ليلة تعج بالثليج، فمنحها الدفء والأمان ليجعلها تبدأ حديثها بأريحيةٍ: العرض الذي وضعته شركتنا اليوم، يخدم المرأة بشكل خاص، وقد سبق لشركاتنا تنفيذ جزء من مخططاتنا المذكورة بالعرض، وسنقوم بعرض الانجاز الذي قمنا به خلال الفترة الماضية على الشاشة.

ربط عدي الشاشة بالحاسوب وعاونها على طرح الصور بتناسيق احترافي على الشاشة، فغمز بطرف عينيه وهو يشير لها باستكمال حديثها، بدأت رحمة بشرح فكرة العرض بجراءة جعلتها كسيدات الاعمال الناجحات، لاقت استحسان من الجميع وخاصة ياسين ويحيى والفتيات، فما أن انتهت من حديثها حتى انتقلت نظرات ترقبها بين الصفوف، فكان ياسين الجارحي أول من صفق لها واتبعه الجميع على نفس منهجه، حتى أحمد وياسين وقفوا جوارها ويدهم تأيد ما فعلته بتصفقاتٍ مشجعة، وما جعل عينيها تدمعان فرحة رؤية عدي بنفسه ينضم للحضور بتشجيع ما قالت، وما زاد قهر الاعداء وانتصار ساحق اكتساح العرضين التابعين لشركات الجارحي، وفوزهم المستقيل، كان الفوز شبه متوقع ولكن لاحد العروض، كان الاحتفاء ضخم يليق بامبراطورية كالجارحي، فانطلقت التهنيئات من رجال الأعمال اليهم، انسحب الشباب ليساعدوا بخروج الفتيات من القاعة واتجهوا للمقر للاحتفال بما حدث اليوم.

نقل فؤاد ما حدث بالتفاصيل المعقدة لرئيسه، فجن جنونه لخسارته لمبالغ طائلة كانت تسانده طوال تلك المدة، والخطير إليه خسارة أموال الداعمين اليه، فسيعد هذا بمثابة اعلان دفوف الحرب ضده، فلم ينتصر عليه عدي قط، بل أصابه بضرر لن يمرءه أحدٌ له أبدًا، خرج عن طور هدوئه المخادع الذي انغمس به عنوة طوال الفترة الماضية، كان يصب تركيزه الكامل على المناقصة التي قد تعوض خسائره الفاضحة وجردته بأخر ما امتلكه، ثار العالم من أمامه ولم يعد يرى الا دمائه تفور من أمامه، لذا ردد على هاتفه للمتصل: نفذ. سامع. عايزه زليل هنا قدامي. وأنت عارف هتعمل أيه بالظبط!

اجتمع الشباب بالمقر، فصنعوا طاولة عملاقة وضعوا عليها قالب الكيك الضخم، ومن حوله أكواب العصير في كؤؤس راقية، سكبت نور، وداليا العصاير، بينما قطعت رانيا وشروق قالب الكعك، وحرصت رحمة ومليكة على توزيع قطع الكعك، رفع عمر كأس عصيره ثم قال بفرحة: اللي عملاناه النهاردة يستحق الاحتفال يا شباب.
سحب جاسم كأسه، فتجرعه وهو يردد: الفضل لربنا ثم رحمة قدرت تعجز الناس عن الكلام.

اكد معتز حديثه: فعلا معاك حق. انا نفسي انبهرت من طريقة شرحها. خاصة ان دخلتها مكنتش تمام أوي.
ابتسم أحمد ثم قال: مش مهم الداخلة المهم الخارجة. والخارجة طلعت بقلم عظيم على قفا مهاب أبو العزم.
تعالت ضحكات حازم فجذب من زوجته قطعة الكيك، وتناولها بنهمٍ وهو يخبرهم: يستاهل. وباعت فؤءة تنوب عنه الجبان خايف يظهر لنأكله حي!

تابعهم ياسين بصمتٍ تام، الى أن فُتح من أمامه ما يخص مهاب أبو العزم فقال بتريثٍ: الموضوع مقلق مش مفرح. الشخص ده لئيم اختفاءه ده وراه مصيبة.
وضع رائد كأسه على الطاولة، ثم قال: هيعمل أيه يعني يا ياسين. زيه زي اي رجل أعمال دخل صفقة مكسبهاش!

غموض هذا الرجل وعدائه يضع ألف علامة استفهام، ما قاله رائد كان صائب، لماذا يضمر عداء مثل هذا، وعمله يحتمه بالمواجهة المعتادة بينه وبين كبار رجال الأعمال، اللغز مازال يتخفى حول غايته الحقيقية!

اجتمعت الفتيات حول الطاولة، فتعالت ضحكاتهن فرحًا لتحقيق هذا النجاح، اللذة التي تحيط بهن غريبة وفريدة من نوعها، فلم يكتثروا بتجمع الشباب بنهاية القاعة، يرغبون بالحصول على بعض الخصوصية ومنحوهم ذلك، فقالت نور بسعادة: مبروك يا بنات. معقول حد يصدق ان رحمة اللي تطلع وتتكلم بالثقافة والرقي ده!
قالت رانيا بحزن: متفكرنيش يا نور أنا زعلت عشانها وافتكرت انها مش هنقدر تتكلم ولا تشرح بس فجاتيني يا رحمة.

ابتسمت وهي تردد: الموضوع مش سهل على فكرة، انك تلاقي نفسك واقفة قدام العدد ده كله شيء يخض ويربك أي حد.
مالت شروق بكتفها عليها وهي تخبرها بمكرٍ: بس المساعدة اللي جاتلك مش من أي حد. ولا ايه يا نسرين؟
قالت من بين ضحكاتها المرحة: عيون رحمة كانت بتطلع قلوب حمرا. حسيت انهم أول مرة يتقابلوا!
دافعت عنها مليكة بغضب مصطنع: بص يا بت منك ليها. مالكم كده سنين سكاكينكم عليها ليه!

ضحكت داليا ثم قالت بخبث: اركني انتي يام ملاك الا السكاكين تتجه اليكي. ما أنتي بقالك كام يوم راسمة دايرة غرام انتي وياسين وقال أيه بيعلمني عشان معرفش حاجة! ده احنا مبقناش نشوف وشك. واللي زايد بيروحك قبلنا كلنا واسطة ورشوة!
اجابتها شروق بمرح: مليكة محاطة بالواسطات، وسطة جوزها وياسين الجارحي باشا وعدي باشا والدكتارة بتاع العيلة.
ضحكت رانيا. ثم قالت: مسنودة اوي البت دي!

لوت فمها بازدراء: لا ارجعوا لرحمة وفككوا مني!
نهضت نور عن مقعدها ثم اشارت لهم: تعالوا نروح نحتفل معاهم وبالمرة نشوفهم بيقولوا ايه؟!
لحقوا بها، وانضموا اليهم، فبحثت رحمة بعينيها عن عدي، وحينما لم تجده سألت عمر: فين عدي يا عمر؟
اجابها قائلًا: معرفش. قال رايح مشوار وجاي!

توقفت السيارة أمام مكان نشط قلبه لذكرياتٍ محببة، نغزة تطرق شريانه من الحين والأخر، وقدمًا ثقيلة يصعب عليها التحرك عن سيارته ليكمل طريقه، هو بنفسه أبلغ صديقه بالا يخبره بما طلب معرفته وأنه سيزوره بنفسه، وها هو يقف أمام مركز الشرطة الذي كان يقصده يومًا، بزيه الذي يحمل ميداليات الشرق وتكريمات خاض بها ألف قصة وكان هو بطلها الوحيد، هبط عدي عن سيارته بعدما انتصر على وجعه المستجد، وتابع خطاه للولوج للداخل، طعنته تحية العساكر اليه، وابتسامتهم المرحبة به بعد غياب وفراقًا طويل، لم يجرأ أحدٌ منهم على ان يركض تجاهه ويبادله العناق، شخصه الحازم الذي خلف سجله من خلفه جعلهم مازالوا يضعون الحد والحذر، ابتسامتهم وفرحتهم بوجوده كانت من القلب فوصلت لقلبه بسرعة البرق، ومع ذلك تخطى هيبته وصرامته الجافة، وبدأ بالسلام هو عليهم، كان الجميع بحالة من الدهشة ولكن اقصى ما فعلوه الترحيب الذي يليق بضابط شرطة عظيم مثله، والجمل الوحيدة المنطلقة: نورت القسم يا باشا.

ليك وحشة والله.
ياريت ترجع المكان محتاجك.
اكتفى بابتسامته الهادئة واتجه لمكتب زميله المقصود، طرق على بايه، فنهض عن مكتبه ليستقبله بنفسه، جلس عدي قبالته ثم بدأ بحديثه: قولي باللي عرفته.

ارتعب عادل، الزميل السابق لعدي قبل أن يتم ترقية عدي لقسمٍ أخر ورتبة أعلى، فنهض عن مقعده ثم أغلق باب مكتبه وعاد ليجلس قبالته من جديد، فقال بتردد: لما كلمتني وقولتلي ادورلك ورا اسم المجرم اللي بعتهولي. كنت فاكر إن الموضوع سهل!
تقوس حاجبيه باستغرابٍ: قصدك ايه؟

بلل شفتيه بلعابه وهو يجيبه: الملف بتاعه مالوش وجود، جاي اوامر من فوق أوي إن محدش يقدر يوصل لمعلومة تخص أمجد السلاموني، واللي بيحاول ينبش وراه بيتعرض للمحاكمة العسكرية!
برق بعينيه بدهشةٍ: للدرجادي!
هز رأسه وهو يسترسل: اللي ممكن يكون باين لينا كلنا انه مجرم دولي خطير ومعلومات زي دي مينفعش حد يعرفها، لكن لما تعمقت بالبحث عرفت انه هرب والقوات مكتمة على الخبر ده بس ليه الله أعلم.

بسمة شبه ساخرة تشكلت على جنبي شفتيه، فارتخى جسده على المقعد وهو يهمس بصوتٍ خافت: بس أنا عارف ليه!

بالمقر.
استعد العمال لقضاء صلاة العصر جماعة، حتى الشباب لحقوا بهم، وغادرت الفتيات المقر عودة للقصر، بعد أن سمح لهم ياسين الجارحي بالعودة، وحينما كانت مليكة تستعد لقيادة سيارتها، اكتشتف فقدانها لهاتفها، فرددت بضجرٍ: نسيته فوق على مكتب ياسين! يا ربي!

فتحت باب سيارتها البيضاء، وهبطت ثم اتجهت للمصعد لتستعد للصعود، كادت بالولوج للداخل، فأوقفها صوت صراخ قوي يأتي من خارج الچراچ، فاتجهت لترى ما سبب تلك الصراخات الخافتة الغريبة، انقبض قلبها رعبًا حينما تسلل اليها صوتًا صاخب تصور لها بأنه طلقًا ناري، تراجعت مليكة للخلف بخوفٍ حينما رأت خيال لعدد من الأشخاص تقتحم الجراج خلسة، تراجعت بظهرها وببطءٍ حذر، تصلب جسدها فجأة حينما شعرت بيد تكمم فمها وتسحبها بكل قوة للخلف!

عاد للمقر بعدما أمسك بيده طرف الخيط، جعله رحيم على بداية طريقًا سلط كل تفكيره على شخصٍ واحد، وقد تحققت شكوكه حينما أكد له زميله هروبه، ولربما عداء مهاب الغريب يكون خلفه هروب هذا اللعين، ولج عدي بسيارته للجراج الخاص فاندهش حينما لم يجد أفراد الآمن بالخارج على غير عادتهم بالتواجد، بالاضافة لحرس أبيه، لم يشغله الأمر كثيرًا، تابع القيادة للداخل على نفس سرعة السيارة، اختار المكان الخالي ليصف سيارته به جوار سيارة أحمد، جحظت عين عدي صدمة من هول ما رأى، ظن ببدء الأمر بأنه لم يستوعب رؤيته جيدًا، فتمعن جيدًا ليتأكد رؤيته لمليكة مقيدة على مقعد خشبي، فمها مكمم ويدها يعيقها حبال تصل لقدميها وكأنه يحتجز جسدها للابد على هذا المقعد، اختل توازن قيادته، فانجرف سريعًا عنها حتى يفاديها من صدامه المحتوم، فاخترقت سيارته أحد الأعمدة الحجرية التي هدأت من سرعة السيارة، فاستجابت سريعًا للفرام، أبعد عنه حزام الامان وفتح باب سيارته، هرول راكضًا وهو ينادي بذعرٍ ولهفة: مليكة!

بكائها وارتجافها بين ايدي هؤلاء كان يقشعر الابدان، لم يقوى عقله العاجز بربط الاحداث بتلك اللحظة، ثورته كالأعصار حينما رأها مقيدة هكذا، أسرع إليها فحركت جسدها بالمقعد بعنفٍ وهي تحاول تحذره من شيءٍ، وقف عدي محله بثباتٍ قاتل وحدقتيه تحوم من حوله كالوحش المفترس الذي يتأهب لقتل فريسته، اذنيه التقطت دعسة حذاء حذرة تخطو من خلفه، ورفعة معصم يعلو فوق رأسه بالتحديد، على الفور تقدم للامام ليتفادى ضربة عصا غليظة كادت باصابة رأسه، فلف يده حول رقبته متحكمًا بالعصا ليخنق تنفسه، فنجح بسلب روحه بين يده، ليلقي جسده أرضًا، وسرعان ما ثبت قدمه بقاعدة المعركة، سُلطت عينيه على مرآة احد السيارات، ليستعلم عن أماكن ثلاث رجال يختبئون خلف السيارات، انحنى بخفة وجذب العصا، ثم القاها على زجاج السيارة الامامية فاخترق زجاجها أعين الذي يختبئ بمحاذاتها، فصرخ ألمًا جعل الاخرون يسرعون اليه، فاستهدفهم عدي بعصاه وركلة قدميه، وما ان انتهى منهم حتى هرع اليها، أزاح عنها ما يكمم فمها، فبكت وهي تردد بصوتها المرتجف: عدي!

سألها وهو يحتضن وجهها بلهفة: انتي كويسة؟ حد عملك حاجة؟
اشارت له بالنفي، ومازال جسدها يرتجف دون توقف، ازاح عنها الحبال ومازالت رأسها تستكين على كتفيه، عاونها على الوقوف وحملها بين ذراعيه، ثم ركض بها تجاه المصعد فاشار لها بحزمٍ: اخرجي من هنا ومترجعيش فاهمه.
اشارت بالنفي وهي تشير له بتصميم: مش هسيبك ليهم لوحدك. تعالى معايا.

ابتعد عنها حينما وجد احداهما يستعيد وعيه وصوته يصرخ بها: اطلعي من هنا فورا يا مليكة.

اشتبك مع من كاد باستخدام سلاحه، ففتك به، وما أن استدار حتى تجمدت أطرافه حينما رأى السلاح ملتصق بوجه شقيقته، ومن خلفها يظهر رجلًا يراه لاول مرة منذ بداية اشتباكه معهم، اعتاد على دراسة قوة العدو، وقوة هذا الرجل تظهر بالذكاء المحاط بهالة عينيه، وان لم تكن شقيقته أسيرة بين يده فلم يعنيه ذكاء ولا قوة سينتهي من أمره وهو على ثقة من ذلك، دموعها، فزعها، شفتيها الزرقاء المرتجفة، كل تلك الانفعالات أيقظت داخله براكين هلاك لطالما دفنها بداية من لحظة دخوله للمقر، هؤلاء استحضروا أسوء كوابيسهم، قذف عدي سلاحه أرضًا ثم قال بنظراته الثاقبة: أظن اللي بعتك قالك هو عايز مين، سبها تخرج من هنا وأنا أهو قدامك ولوحدي.

ابتسم حتى برزت أسنانه الصفراء جراء ما يتناوله من سمومٍ قاتلة، وقال بصوته الخشن المخيف: القوة مبقتش بالدراع يا باشا. بقت بالسلاح!
واسترسل وهو يشدد من ضغط سلاحه برأس مليكة التي تأوهت ألمًا وازدادت بالبكاء: ونقطة ضعفك اللي هتخليك تنحني للي عايزينه.
رفع حاجبيه بدهشةٍ جعلته يندفع بعصبية: أيه اللي انتو عايزينه! بقولك سبها وانا أهو قدامك ومش خايف من اللعبة اللي في ايدك!

أشار بعينيه تجاه السيارة السوداء التي اقتحمت الجراج فجأة، فخرج منها ثلاث رجال أقوياء البنية، اقتربوا منه بحذر، فابتسم ساخطًا لما يفكر به هذا اللعين، جذب احدهم حقيبة سوداء ثم أخرج منها محقن غليظ، ودانا من عدي، فلكمه بشراسةٍ قبل أن يصل اليه، زحف للخلف برعبٍ، فاستدار عدي تجاه الاخير وقال بتحذيرٍ: لو مسيت شعرة منها مش هتخرج من هنا حي لا أنت ولا اللي وراك، سبها وأنا هعمل اللي انت عايزه.

أشار له وهو يتراجع بها للخلف: ما انت مش بتساعدني، سبب الرجالة تحقنك بهدوء وساعتها أختك هتبقى في أمان.
صرخت بصدمة: عدي، لأ!
استطرد قائلًا: احنا عبد المأمور اللي باعتنا ليك هو اللي هيصفي حسابه منك، احنا هنوصلك بيه.

يعلم بأنه في أعظم حروب العالم يستغل الخصم نقاط الضعف، ولكن تلك ليست نقطة ضعفه، تلك التي ستجعل الشبل يقبل ترويضه دون عذاب أحدٌ، وجوده في مكانٍ هكذا جعله يخشى ان تصل الامور لابناء عمه، فخوفه الأعظم أن يطول أحدهم الاذى، إن كانت تلك معركته سيخوضها ولكن بمفرده، ان أصابته الجروح لا بأس، إن قُتل لا بأس، ولكن ما قد يؤلمه أن يُصيب أحدٌ من عائلته، ثم مد ذراعه له بثبات مخيف، جعل الاخير يده ترتجف وهو يغرس الأبرة بوريده، بدأت الرؤيا مشوشة أمامه، وبدأ الظلام يبتلعه تدريجيًا، حتى تلقفه بردائه المقبض، فترنح جسده ارضًا، وحتى في غفوته صنع الرعب بقلوب من يحاول حمله للسيارة، خوفًا من أن يعود بشجاعته لساحة المعركة.

رؤيتها لاخيها يضحى بذاته لأجلها جعلتها تقودها للجنون، صرخت بانهيار وصوتها المبحوح لا يردد الا اسمه: عدي!
خشى أن ينتبه اليهم أحدٌ من صوتها، فهوى على رأسها بحافة سلاحه، قاصدًا أن يجعلها تفقد الوعي، استجاب جسد مليكة لضربته وتمددت أرضًا فاقدة للوعي، وحجابها الأبيض بات مختلط بدمائها، ومازالت دموعها تنساب على خديها!

كان على ياسين ويحيى الجلوس بصحبة كبار رجال الاعمال، القادمون من الخارج، مقابلات روتينية معتادة بينهم، فاختار ذلك الأرعن الوقت المثالي فعل فعلته، لعلمه بعدم سماع ياسين بأن يصل الآذى لابنه، الوقت بالنسبة له مناسب لانشغاله التام داخل القاعة الرئيسية بعيدًا عن المقر، رغم كره ياسين الشديد لحضور مثل تلك الاجتماعات، فاخرج هاتفه ليجد أكثر من ثلاثون مكالمة، وأخرهم رسالة صوتية مسجلة من الجوكر مراد زيدان من ساعتين، فتحها ليجده يردد بأنفاسٍ لاهثة: مهاب أبو العزم هو نفسه أمجد السلاموني. أنا في أمريكا وجبت المعلومات دي من المستسفى اللي اجرى فيها عملية التجميل، عدي في خطر كبير لان مهاب ده محاوطه، ارجوك امنع عدي يدخل المناقصة!

جحظت عينيه صدمة، والعالم التف به بتلك اللحظة، كان يضع افتراضات وجود علاقة بين مهاب وهذا السفاح، ولكن الأمر تغاضى ظنونه، ليس ساحرًا ولا منجمًا ليكتشف هذا الأمر، فعل المستحيل طوال تلك الفترة ليكشف أمره ونجح بحماية ابنه مرارًا ولكن الآن الامر خرج عن طوعه رغمًا عنه، استند ياسين على حافة المقعد القريب منه حينما شعر بأنه ليس على ما يرام، فسلطت عينيه على شاشة هاتفه حينما دق برقمٍ مجهول، رفعه ببطءٍ اليه ليستمع لصوت يخبره: ياسين الجارحي، بعظمتك وهليمانك اللي بتفتخر بيه ده مقدرتش تحمي ابنك مني، ودلوقتي لو عايزني أشفق على ابنك واسيبه حي، تجيلي لحد عندي على العنوان ده لوحدك، ومعاك مصطفى أصلي مبقدرش استغنى عن رجل من رجالتي. وانت عارف يا باشا باقي الكلام اللي مش هاخد من وقتك واشرحلك لو بلغت البوليس أو لعبت كده أو كده ابنك هيحصله أيه!

كان عليه الذهاب للقاعة الرئيسية، فهبط أحمد بالمصعد للجراج حتى يستقل سيارته، اتجه إلى المكان الذي صف به السيارة، فصعق حينما وجد زجاج منكسر يملأ الأرضية، وخط رفيع من الدماء جوارها، جابت عينيه المساحة الخلفية فوجد ابنة عمه تفترش الأرض باهمالٍ، ابتلع ريقه الجاف بصعوبة، فركض نحوها، انحنى بقامته وجذبها اليه وهو يناديها بخوف: مليكة، مليكة سامعاني؟!

شعر بشيءٍ لزج أسفل يده الموضوعة أسفل رأسها فساندها بذراعه الاخر، ليرفع يده، ازدادت صدمته حينما وجدها مختلطة بالدماء، فوضع رأسها على ساقه ثم جذب هاتفه من جاكيته، اتصل بعمر وترك الهاتف من يده وهو يحاول مساندة رأسها بحرصٍ حتى لا تتأذى.
بالاعلى.
كان عمر والشباب يعملون على الحاسوب بتركيزٍ تام، الى ان دق هاتفه ففتحه وهو يجيبه على مضضٍ: أيوه يا أحمد.

صوته المفزوع كفيل بنقل حالاته المريبة: عمر انزل حالا على الجراج، مليكة فاقدة الوعي وحجابها كله دم. بسرعة من فضلك.
انتصب بوقفته وصاح بخوف: مالها مليكة!
ما قاله ادهش من حوله وبالأخص ياسين الذي ترك مكتبه وهرع الى عمر يهزه بعنفٍ: في أيه. مليكة مالها؟!
لم يجيبه كان يحاول سماع ما يقوله أحمد، فجذب ياسين عنه الهاتف ووضعه على أذنيه فما أن سمع ما قاله حتى هرع للاسفل على الفور والشباب بأكملهم من حوله.

توقف المصعد ومعه أخر دقة قلب يمتلكها، ركض مسرعًا تجاهه، فصعق حينما وجدها تتمدد كالجثة الهامدة بين ذراع أحمد، حملها عنه وهو يتساءل بصدمة: في أيه يا احمد؟
استقام بوقفته وأجابه بحزن شديد: معرفش انا نزلت لقيت الدنيا متبهدلة كده ولقيتها بالحالة دي.
صاح رائد بغضب: ازاي حصل كل ده والحرس والامن كانوا فين؟

وتركهم واتجه للخارج ليعنفهم فلحق به معتز، انحنى تجاهها عمر، وأشار لهم بالاستدارة، تفهموا ما يوده وتركوا له المجال ورؤؤسهم للخلف حتى اشاح عنها حجابها ليتفحص حجم اصابتها، استغرق الامر دقيقتين مروا على ياسين ببطءٍ شديد وخلالها اتصل جاسم بالاسعاف، انتهى عمر مما يفعله ثم قال وهو يلتقط انفاسه بتثاقل: متقلقش اصابتها سطحية، شوية وهتفوق.
هدر بعنف: وايه اللي وصلها لكده، ده حد اتهجم عليها يا عمر!

كز على أسنانه وهو يحاول استيعاب ما حدث هنا، هم اليهم رائد ومعتز بملامح مرتبكة، فقال معتز: الحرس والامن مضروبين بالنار يا ياسين!
صمت عمر وصدمته جعلت اعين الجميع تتجه اليه وخاصة حينما زحف أرضًا حتى وصل لشيءٍ، حمله بين يده وهو يردد بصوت شبيه للبكاء: دي ساعة عدي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة