قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

أعلن مطار القاهرة الدولي عن وصول الطائرة القادمة من دبي، فجر السلم المرتفع لباب الطائرة الضخمة، وأخذ يستقبل المسافرين للهبوط على أرض مصر، وكان من بينهم مازن، هبط للأسفل وهو يحمل صغيرته على يد، واليد الأخرى تشدد على يد صغيره عز، اصطحبهما وهبط للأسفل وقصد الباص الأبيض ومن ثم خرج من المطار ليصعد للسيارة السوداء القاتمة التي كانت بإنتظاره، الحزن والخوف ينهشان عينيه بتمكنٍ، ناهيك عن ذاك الوجع الذي يطيح بقلبه المتألم، وكلما احتد به الألم حاول تضميده بضمة أولاده إليه، ربما تلك الرضيعة لا تعي شيئًا سوى بكاء غامض لعدم وجود والدتها، بينما أخيها كان يبلغ الثامنة من عمره ولم يكف عن السؤال عنها، حتى بتلك اللحظة سأل أباه والدمع يتلألأ بحدقتيه: مامي فين؟ وليه مسافرتش معانا يا بابي!

ربت مازن على ظهره بحنانٍ، ومال برأسه عليه ليطبع قبلة دافئة على جبيه، لتعود به خانة الذكريات للخلف قليلًا وبالأخص للأمس
##
شدد على هاتفه بجنونٍ وهو يخرج ما كبت من غضب: يعني أيه اللي بتقوله ده، أرجع مصر ازاي ومراتي مخطوفة يا عدي؟

اتاه صوته يخبره عبر السماعة: اسمع اللي بقولك عليه يا مازن، خد الاولاد وانزل حالًا من الشقة، هتلاقي عربية تحت قدام العمارة اركب معاهم والحرس هيأمنلك الحماية الكاملة لخروجك من دبي.
كز على أسنانه بقوةٍ كادت باسقاطهم: معنى كلامك أنك قررت تدخل الحرب يا عدي ومش فارق معاك حياة بنت عمك!

بثباتٍ قاتل أجابه: مازن أنا مش حابب ندخل في معركة الجدال دي، لو أنت صحيح بتثق فيا هتنزل حالًا من شقتك وتركب مع رجالتي، وخليك على ثقة اني مش هسيب الكلب ده يمس أختي!

عاد من شروده ليتأمل طريق العودة، كان متلهفًا ليرى عدي بتلك اللحظة، فمازال يحاول الاتصال به ولم يجيبه منذ الصباح، يحمل طاقة غضب هائلة يود قذفها بوجهه فور رؤيته، وبداخله قسم مهيب بأن ان حدث لزوجته مكروه هو بنفسه سيحرص على قتله إن لزم الأمر!

انتهت المناقصة الهامة بين حيتان رجال الأعمال بانتصار شركات الجارحي، وهدفًا أخر سجلته شركات مهاب أبو العزم، التعادل لم يحقق الانتصار الكامل لاحد الأطراف، وفور الانتهاء اتجه الجميع للمقر، وقصد عدي مكتب ياسين الجارحي فور تلقيه رسالته مع أحد أفراد الأمن، بالاتجاه لمكتبه فور وصوله للمقر، طرق الباب مرتين متتاليتين قبل دخوله، وحينما استمع لصوته الصارم يخبره: ادخل.

ولج للداخل وهو يتفحص من يجلس مقابل أباه باستغرابٍ، فتساءل على الفور دون أن يلتقط أنفاسه: أيه اللي جاب ياسين هنا؟
اتجهت نظرات ياسين الجارحي لحفيده الجالس قبالته بنظرة مطولة، أنهاها حينما ردد ساخرًا متعمدًا تجاهل سؤاله: فوزك بصفقة واحدة محققش انتصارك بالرهان اللي بينا. أظن ان شروطي كانت باينة ليك من البداية.

عَبَسَ وجهه فور تلقيه كلمات لازعة تقابله فور دخوله، فاستكمل طريقه حتى بات يقابل مكتب أبيه، فضم يده اليسرى على اليمنى بثقةٍ لحقت نبرته: بالنسبالي حققت انتصار كبير بستدعي الفخر، خاصة إن لا ده مكاني ولا مجالي.

ارتسمت بسمة صغيرة على شفتيه، وهو يتابع حديثه باهتمامٍ، ومن ثم قال: عندك حق. بس اللي أنا أعرفه انك لما تشتغل في مكان متعرفش فيه حاجه لازم تكتسب خبرة من اللي كان فيه لسنين طويلة قبلك. وأنا سبق وحذرتك من اختيارك ودي كانت النتيجة.
واستطرد بنظرة جامدة توحي بالكثير: نجاحك ده ما هو الا بداية لمشاكل هتدمر كل اللي أنا ويحيى سعينا ليه.
ونهض عن مكتبه ليجابهه بنفس حدة نظراته المتمردة: وأنا مش هسمحلك بده.

قبل تحديه، حينما سأله بتمعنٍ: أنا معملتش شيء يستدعي وجود خلافات بينا!
أجابه بنفس الاتزان وسكون نبرته، تاركًا حفيده يتابع الحوار بينهما بترقبٍ: أنت اختارت رائد بالرغم من انه عصبي ومتهور، وبالرغم من كده كان لسه معاك الفرصة انك تكسب بيه المناقصة، لانه ميقلش عن أحمد في شيء، بس أنت تجاهلت مشاعره اللي اتدمرت وهو شايف الثقة في عيونكم لاحمد. قللتم منه وكنتوا متوقعين انه هيقدر يركز في العرض اللي هيقدمه!

وبنبرة اندفعت لتمزق سكينته: لا قدرت تحافظ على مشاعره كونك الأكبر والأوعى، ولا قدرت تكون بداله وتحارب بالعرض ده!
تَوَغَّرَ صَدْرَه من تلك المجادلة المعتادة بينهما، فقال بيأسٍ: العواطف مينفعش تكون موجودة في أي شغل!
عارضه حينما ردد بصرامةٍ: ده اللي أنت اتعودت عليه في شغلك مع الشرطة مش هنا!
واسترسل بحدةٍ جعلت عروقه تنتفض غضبًا: هنا في احترام لمشاعر كل اللي حواليك.

وأشار لمقعده وهو يستطرد: أنا حققت المستحيل بوصولي للكرسي والمكانة اللي بقت عليها امبراطورية الجارحي من غير ما أدوس على حد من عيلتي، بالعكس أنا دمار وعاصفة تدمر أي حد يفكر يمس حد شعرة منهم.
رفع عسليته إليه بتيهةٍ، فاخشوشنت نبرته وهو يخبره: قولتلك قبل كده وبقولها تاني مش هسمحلك تدمر الكيان اللي بنيته يا عدي. ودلوقتي عايزك تكون جنب ابن عمك وتقوم بواجبك نحيته على أكمل وجه.

هز الشرس رأسه بخفوتٍ وانصياعًا!، فاستدار ليغادر ليوقفه مرة أخرى: استنى.
استدار إليه بتيهةٍ، فأشار لحفيده الذي حمل حقيبته السوداء على ظهره وهم بالوقوف لجواره: خد ياسين بطريقك. وعدته إني هاخده واشتريله اللوحات والالوان اللي حابب يشتريها بس عندي مشوار مهم انا ويحيى.

أشار للصغير فطبع قبلة صغيرة على خد ياسين الذي ودعه بابتسامة وأصابعه تعبث بخصلات شعره الطويل، وقبل أن يغادر المكتب، أخبره: وياريت تبقى تتعب نفسك وتبص على رسوماته.

عقله شارد بالنقطة الهامة التي طرحها من أمامه منذ قليل، فلم يسعى لنشوب حدة نقاش بينهما في ذاك الوقت الذي يتلهف للخروج من المقر قاصدًا مشواره الهام، ربما نجح بإخفاء استيائه حينما طلب منه الذهاب معه لشراء ما يناسبه لتأخره عن المكان الهام المقصود بزيارته، فقاد بسرعةٍ فائقة ثم توقف أمام مول ضخمًا يخص متعلقات الأطفال، هبط عدي بصحبة ابنه، ثم قصد أحد المحلات المتخصصة بالألوان ومشتاقتها، ظن ببدأ الأمر أنه سيعاني بوقفته لحين أن يتفحص ابنه المكان جيدًا، ومن ثم يختار ما يريد، ولكنه فجأه حينما اتجه لأحد الرفوف وببراعةٍ جذب كل ما يحتاجه في أقل من ثلاثة دقائق، واتجه ليضع ما انتقاه للكاشير، وعدي يتابعه ببسمةٍ صغيرة، فاتجه ليناول العامل بطاقته فضربها على الجهاز المقابل له، وببسمة استحقت التواجد فور قراءة لقب عائلة من يقف أمامه، ردد: المكان نور بوجودك يا باشا!

منحه ابتسامة تشكلت بالكد، ومن ثم جذب ابنه وغادر لسيارته، فما أن صعد حتى راقبه وهو يرتب ما استراه داخل حقيبته السوداء بعنايةٍ، فأخرج ما بها وهو يحاول تنظيمها حتى يستجاب سحابها بالغلق، سقطت نظراته على الاسكتش الموضوع لطرفيه، فتح عدي الاسكتش بانبهارٍ من رؤية رسومات ابنه، واستوقف صفحاته الرائعة حينما وجد عددًا كبيرًا منها تخصه هو شخصيًا وهو يحمل عدد من الاسلحة النادرة، والتي يصعب على أحدٌ التعرف عليها، على الفور رفع عينيه عن الرسومات وهو يسأله بذهولٍ: أنت تعرف عن أنواع الاسلحة دي ازاي؟

ابتسم ياسين وهو يخبره: بقرأ وبتابع أي شيء متعلق بالسلاح والشرطة، وبقى عندي خلفية صغيرة عن أنواع الاسلحة.
ضيق عسلية عيناه بدهشةٍ من صغيره الذي بدا، وكأنه يتعرف عليه لأول مرة، فحمل الورقة الاخيرة إليه وهو يسأله: ده أنا!
هز رأسه على الفور، فسأله بغَرَابَةٍ: ليه كل رسوماتي وأنا بزي الشرطة؟
رد عليه ببعض التوتر الملحوظ للأخر: لأني مش حابب أشوفك غير كده. أنا نفسي آآ، أكون زيك في يوم من الأيام.

التمعت عيناه ببريقٍ جعلها تعكس ما بداخله من صدمةٍ وفرحة، وبدى متخبطًا بسؤاله الحائر: وياسين الجارحي عارف بالكلام ده؟
هز رأسه وهو يؤكد له: عارف وقالي أنه هيفضل جنبي. وأنا هسعى أني أكون ظابط شاطر زي حضرتك.

أشار له عدي بأن يقترب منه، فحمل الصغير حقيبته ليضعها جانبًا، ثم دنى منه بدهشةٍ من اشارته، فضمه إليه عدي بقوةٍ، جعلت الصغير يتعلق به بفرحةٍ، عبث بأصابعه بين خصلات شعره البني وهو يهمس له: هتكون أحسن مني يا ياسين.
رفع الصغير عسلية عيناه المتدفقة حول بنية عيناه، وهو يمنحه ابتسامة هادئة، فأشار له عدي وهو يحك مقدمة أنفه: يلا لم ألوانك وحاجتك عشان هنتحرك.

أومأ برأسه، وشرع بجمع أغراضه وعدي يراقبه بصمتٍ وشرود، فدار بينه وبين نفسه حوار ومعادلة صعبة نهايتها بسؤالٍ يتردد داخله
«يا ترى أيه السبب اللي خلى ياسين الجارحي يصمم اني أخد ياسين معايا، أكيد مفيش غير احتمال واحد إنه عارف المكان اللي أنا ريحه من البداية! ».

وصلت السيارة أخيرًا للقصر، فهبط مازن مسرعًا للداخل يبحث عن عدي بجنون، فاخبرته الخادمة بأنه لم يعود بصحبة الشباب بعد، هبط معتز للأسفل فور سماعه بعودة مازن، فمنحه نظرة متفحصة جعلت قلقه يزداد بشكلٍ مقبض، فصاح بانفعالٍ: مروج فين يا مازن؟
ما يحاربه بتلك اللحظة يكفيه ويفيض عن حاجته، لا يحتاج لأي ضغوطات تقيده عما يشغله، عاد معتز ليتساءل من جديد وصوته يعلو حتى أصبح مسموعًا لمن بالقصر: بكلمك رد عليا!

تمسك بالصمت لاخر انفاسه، حتى بعد أن هبط الجميع للأسفل، وتدخل بينهما عز وهو يسأله بدهشةٍ: بتزعق كدليه؟!
اتجه رعد الى مازن ليرحب به ببسمته البشوشة: حمدلله على سلامتك يا حبيبي.
بلهفةٍ تسألت يارا وهي تحمل الصغيرة: فين مروج يا مازن؟
صاح معتز بضيقٍ وهو يهزه بعنفٍ: نفس السؤال اللي بسأله ليه وهو لسه زي مهو ساكت ومش بينطق!

إِسْتَشَاطَ عز غاضبًا من تصرفات ابنه الوقح لزوج أخته، فنهره بغضبٍ: أنت ازاي تكلم جوز أختك بالطريقة دي!
أجابه بعصبيةٍ خرجت عن طورها: جوز أختي اللي حضرتك بتدافع عنه كلمني امبارح واحنا مع نور بالمستشفى وقالي اختك في خطر، وبعدها مبقاش يرد على مكالماتي وقفل موبايله والنهاردة راجع لوحده وهي مش معاه عايزني أعامله بأنهي طريقة!

قتل الشك والرعب الجميع في مقتل، وخاصة يارا التي تمسكت بذراع زوجها وهي تجاهد لخروج الكلمات على لسانها: بنتي فيها أيه يا مازن. بنتي فين؟
أخفض وجهه أرضًا بوجعٍ لا يضاهيه مثيل، فكيف سيجيبهم ان كان لا يجد الجواب المناسب لسؤاله، شعر بوجعٍ يصيب ذقنه، وعاد ليشعر بحدته حينما عاد معتز بلكمه مجددًا وهو يصرخ بعنفٍ: انطق مروج فين؟

تدخل بينهما أحمد فدفعه للخلف وهو يحاول الفصل بينهما، حتى عمر اندفع ليبعد معتز للخلف، وحينما لم ينجح لكمه بقوةٍ اسقطته أرضًا وبضيقٍ أخبره: أنت كل حاجة عندك متتحلش غير بمد الأيد. ما تصبر وتسمع منه!
تحمل على ذراع جاسم الذي يسانده للوقوف، وهو يتحداه بشراسةٍ: هو ده اللي عندي ولو منطقش هخلص عليه مكانه.

نظرة حازمة من أبيه جعلته يتراجع للخلف بهدوءٍ يجاهد به التغلب على غضبه الثائر، اتجهت نظرات عز لمازن، بجدية تامة سأله: مراتك فين؟
تحرر عن صمته حينما جلس بإهمالٍ على المقعد وهو يخرج ما يثقل عليه تحمله، والجميع ينصت له بصدمةٍ وعدم استيعاب لما فعله عدي!

طال الطريق بهما، والأغرب انجرافه عن الطريق الرئيسي المؤدي للقصر، فانتقلت نظرات الصغير لأبيه وسأله بدهشةٍ: هو احنا رايحين على فين؟
أجابه وعينيه مازالت مسلطة على طريق قيادته: مشوار هيعجبك.
رسم على وجهه بسمة محمسة، فلم يتشارك اللحظات الخاصة برفقة أبيه الا نادرًا، وها هو يصطحب مرتين في نفس اليوم، لذا سيجلس بصدرٍ رحب وهو يترقب مشواره الهام.

دقائق معدودة وصل بها لوجهته، وربما هو بذاته يقود ابنه لمصيرٍ لا يليق سوى بحفيد ياسين الجارحي، فتح ياسين نافذة السيارة وهو يتابع تلك القصور العظيمة باعجابٍ تألق بحدقتيه المتسعة على مصرعها، فوجد أبيه ينحدر للقصر الذي يترأس الأربع قصور، فاستقبله أحد الحرس وحل محل مقعد قيادته، فهبط عدي تاركًا له مجال صفها، ومد يده لمن يقف جواره متعمقًا بنظراته تجاه القصر، فاتجه إليه الصغير ووضع يده بيده الممدودة، لحق بخطاه للداخل وهو يترقب ذلك المسبح الضخم المشابه لمسبح قصرهم، حتى عدد الحراس الضخم كفيل بنقل صورة مشابهة لما يحدث بقصره، وفجأة خرج من الداخل بخطواته الواثقة، وابتسامته الهادئة المنفلتة على وجهه البشوش، فاقترب منهما وهو يثني معصم قميصه الأبيض الذي يبرز عضلات جسده الرياضي، وصوته الرخيم يتحرر عن ثقة: أهلًا بالوحش. ليك وحشة!

منحه عدي ابتسامة تماثل ترحبه به، فاستقبل ضمته بترحابٍ وهو يردد: قولتلك هنتقابل تاني يا جوكر!
ضحك مراد زيدان بصوته الرجولي وهو يشير له ساخرًا: مقابلاتنا مبقتش تنص غير على الكوارث يا صديقي!
ومن ثم حانت نظرة تائهة من زرقة عينيه، وهو يخمن نسب الصغير: ده أكيد ابنك! شبهك جدًا ما شاء الله.
وانحنى بقامته على ركبتيه وهو يمد يده لياسين قائلًا ببسمته الوسيمة: أهلًا يا بطل. مبسوط اني هتعرف عليك. أنا مراد وأنت؟

التفتت الصغير برأسه تجاه عدي، فعبث بخصلاته وهو يحثه بالاقتراب منه، اقترب الصغير ووضع يده بين يده، وأجابه: أنا اسمي ياسين.
رفع أحد حاجبيه باستنكارٍ: أممم، خطفت اسم امبراطور آل الجارحي. أكيد وراث منه كتير غير اسمك.
منحه الصغير ابتسامة بشوشة وهو يجيبه بنبَاهَةٍ: ولو مش وارث أكيد هحاول أكون شبهه وأورث نفسي اللي أقدر عليه منه.

ضيق عينيه وهو يهيم بالتطلع به بغموضٍ، فرفع كفيه وهو يشير له بمنحه الصفقة، فطرق ياسين بيده على يده والاخر يردد بإعجابٍ: ذكي، عجبتني!
ضحك وهو يتابع سؤاله بفضولٍ: هو حضرتك ظابط زي بابا؟
حانت منه نظرة جانبية لعدي قبل أن يجيبه بجديةٍ: مفيش حد زي أبوك!

وتابع بنفس الابتسامة: أنا مش معروف زيه لاني شغلي بيكون أغلبه للقضايا اللي برة مصر، وده بيجبرني أكون مخفي عن العيون ومينفعش أكون معروف لحد، أما أبوك بقى فسيطه واخده لأي مكان وده تقريبًا اللي بيوقعه بالمشاكل دايمًا!
ضحك عدي وهو يتابع حوارهما، فانتصب الجوكر بوقفته وهو يشير لحارسه الخاص بالاقتراب، وأخبره وهو يلف ذراعه حول ياسين: خد ياسين على الحديقة الخاصة وخليه يلعب مع الاولاد.

أومأ الحارس برأسه وهو يصطحب الصغير، مرددًا: حاضر يا باشا.
وغادر به ليواجهه بطرف الخيط الذي سيشكل مصيرًا مختلف لذاته، لتلك التي ستجعله لم يرى ولن يتمكن من رؤية أي مسمى لفتاةٍ بعدها، ربما بداية لملحمة مثيرة ولم يسبق لتاريخ العشق بذكرها قط!

استغل مراد بقائهما بمفردهما، وسأله باسترابةٍ: مالك يا عدي؟
حاول الهروب من اجابة ذاك السؤال الذي بات يجهل كلمات اجابته، فقال وهو يمشط المكان بعينيه: مروج كويسة؟
أجابه بثقةٍ: أكيد انت عارف اجابة سؤالك بدون ما أجاوبك.
ابتسم وهو يهز رأسه بسكونٍ، ووضع يده بجيب جاكيته ثم مال على السور المنحرف حول السد الصغير الذي يعلو المسبح الضخم، فمال مراد بجسده على السور وهو يسأله من جديدٍ: مش عايز تقولي مالك؟

اكتفى بمنحه ابتسامة باهتة، فالقى نظرة متفحصة على البذلة الانيقة التي يرتديها ثم قال بخبثٍ: لايق عليك جو المدراء والشركات.
ضحكة ساخرة انفلتت ليتبعها نبرته الساخرة: كلها شبه بعضها، عندنا حروب وهناك حروب. هنا بنتعامل مع مجرمين وهناك بنتعامل مع الأصعب منهم، وفي كلتا الحالتين لازم تفكر وتدور على طرف الخيط والادلة والمعلومات عن اللي هتواجهه. كأن الحياة كلها اتخلقت للمواجهة والتحدي والصراع!

لمس بنبرته تغيره الغريب، ومع ذلك قال: حاسس انك مخنوق ومش حابب اللي أنت بقيت عليه.
ومن ثم وضع يده على كتفيه وهو يحثه: ارجع لمكانك يا عدي. أنت زي السمك اللي لما يخرج من المية بيتسحب منه الروح!
التفت اليه برأسه وبحزنٍ قال: معتش ينفع يا مراد. خلاص سبق واختارت.

وببسمةٍ حالمة أخبره: اللي كنت بحلم بيه وبتمنى أحققه ابني هيحققه نيابة عني، عشان كده اتعمدت اجيبه معايا النهاردة. عايزك تكون جنبه وتعلمه بنفسك. عايزه يكون أحسن مني.
ضيق عينيه باستغراب وذهول لما يستمع اليه، فردد بسخطٍ: أنت أفضل يا عدي. علم ابنك انت.
هز رأسه نافيًا: مش هقدر. اعتبره واجب صداقة لازم تقوم بيه.
مسد على كتفيه وهو يخبره بيقينٍ: أخوة قبل ما تكون صداقة.

وبمزحٍ أخبره: أنا قاعد اديك نصايح ومواعظ وأنا نفسي مقبلتش أعمل كده مع بنتي وسايبها لرحيم يدربها ويمشي معاها المشوار اللي رفضت امشيه.
اتسعت عينيه على مصراعها وهو يتساؤل باسترابةٍ: بنتك. معقول!
ضحك وهو يخبره: لو سمعتك هتقتلك وقتي. أي شخص بيقلل منها كبنت حتى من غير ما يقصد عينك ما تشوف الا النور. شايفة نفسها من دلوقتي الرائد مرين مراد زيدان!

تعالت ضحكاته الرجولية وهو يشير اليه بصدمة: ويوم ما تختار مدرب لبنتك تحتار الاسطورة يا راجل قول كلام غير ده!
حك جبينه وهو يشير له بمزحٍ: هو أشرس مني هيعلم البنت أكتر مني. وبعدين أنت كأب لما اختارت لابنك حد يمشي معاه المشوار ده اختارت حد غيرك مع انك من أكفئ الظباط، وده يدل انك خايف تكون حنين معاه يعني تقريبًا نفس السبب اللي عندي!
هز رأسه باقتناعٍ، ومن ثم تساءل بفضولٍ: طب هو فين. وحشني القعدة معاه؟

أجابه بتذمرٍ: طالع مغامرة لوحده. وحالف ميت يمين اننا منشتغلش مع بعض تاني، كل واحد عنده مهمة يطلعها لوحده.
أثار حافظة فضوله، فردد ساخرًا: متقوليش أنكم بعد كل الانجازات دي اكتشفتوا فجأة انكم مختلفين بطريقة الشغل فقررتوا تنفصلوا!

ضحك بصوته كله وهو يشير له نافيًا وبدى صوته مضحك بتقمصه شخصية الاسطورة: لا بقى شايف اننا في رقبتنا عيلة غفيرة، فقالك بدل ما نموت سوا يبقى في واحد بديل هنا يحيا لأجل البقية، بس ده طبعًا الواضح لينا بس بنساعد بعض من تحت لتحت. انا براقبه وهو بيراقبني وقت ما حد فينا بيحتاج مساعدة محدش فينا بيتردد، يعني يا صاحبي تقدر تقول رجعنا لشغل القط والفأر تاني بس بطريقة لطيفة كلها محبة وخبث.

ولكزه بمشاكسةٍ: زيك أنت وياسين الجارحي كده!
ضحك باستهزاءٍ وهو يغمغم: محدش زي ياسين الجارحي، على الأقل انتوا الاتنين عارفين أولكم من أخركم. أنا مبقتش قادر أفهم حاجة!

عدد مهول من الألعاب الضخمة تنفرد بتلك الحديقة الواسعة، على يساره خيمة ضخمة تحوى عدد من الكراتٍ، وأخرى تضم أكثر، من خمس أرجيحات تتدلى من أطرافها الفتيات وتلهو بسعادة، أما الفِتْيَانٌ فكانوا يتسابقون على الدراجات، ومنهم من يقوم بقيادة السيارات الصغيرة التي تعمل بالريموت الالكتروني، بدى له من وجود هذا العدد من الاطفال بأنها عائلة ضخمة مثل عائلته، وبالرغم من احاطته بعدد من الفتية الا أنه لم يجد ذاته بينهم، يذكرونه بابناء أعمامه ونفس ميولهم باللهو بالألعاب، وكعادته كان يحاول الاندماج سابقًا معهم والآن يحاول أيضًا وحينما فشل إختار الجلوس على أريكة منعزلة عنهم، فتسلل لمسمعه صوت طلقات نارية، تغدو قريبة منه، تتابعها ياسين حتى وصل لسور صغير يفصل تلك الغرفة عن الحديقة، كانت تشمل عدد من التماثيل الالكترونية، التي تحمل لوحات تحدد بها اصابات الجسد البشري، بدى له بأنه المكان المخصص لتدريب الجوكر المزعوم، شعر ياسين بالخزي لتماديه بالتجول بالمكان دون السماح له بذلك، فاستدار ليغادر ذلك المكان، ولكنه توقف فور سماعه لذاك الصوت الانثوي الهادئ: أنت مين؟

استدار تجاه الصوت، وهو يحاول تحديد مظهره، فوجد من تخلع عنها خوذتها السوداء وتبرق له بعينيها الزرقاء، متسائلة بتعحبٍ عن هذا الغريب المتطفل، خطف ياسين نظرة سريعة لما تحمله بيدها، فاسبل عينيه باستغرابٍ من نوعية السلاح الذي تحمله، رفعته مرين تجاهه وهي تتساءل بذهولٍ: عجبك؟
أكد لها بتلقائية حديثه: طبعًا ده نوع نادر من الاسماء اللي جمعتها في النوت بتاعي.

ابتسمت بفرحةٍ، بعد أن وجدت من يساورها الحديث فيما تحبه وترغب بسماعه ولم تجده من المحيطين بها: فعلًا هو نوع نادر بس استخدامه مش سهل.
ورفعته تجاهه وهي تخبره بتردد: تحب تجربه؟
رفع يده إليها بترددٍ، فجذبه منها وهو يتأمله بتمعنٍ واهتمامًا، فتح ياسين خزنته ومن ثم تطلع اليها وهو يردد: ده فيه رصاص؟
ابتسمت وهي تخبره: مش حقيقي متقلقش. أونكل رحيم مشدد عليا في نوعية الرصاص اللي بستخدمه.

رفع احد حاجبيه بذهولٍ، ما بنقصه ذلك رؤية فتاة تعشق الاسلحة مثل هوسه، وما يثير دهشته تمكنها من حمل السلاح ولم يتمكن هو على حمله من الاساس، ومع ذلك سألها بفضولٍ: عمك اللي بيعلمك كل ده.
أشارت له بتأكيد، وانحنت تجاه احد الصناديق الجانبية ثم حملت سلاحًا أخر واقتربت منه وهي تخبره: أنا اخدت دول منه بصعوبةٍ، عمي بيحب يحتفظ بالاسلحة المختلفة والنادرة دي بخزنته.

تفحص النوع الاخر الذي تحمله بانبهارٍ، فسمحت له أن يحمله، راقبت مرين اعجابه بالسلاح ببسمة تخطف على وجهها بطفوليةٍ، ومن ثم تمادت في جديتها بعدما عادت لتفكر بكنايته فقالت: مش هتقولي بقا أنت مين؟
منحها السلاح وهو يجيبها: بابا يبقى صديق والدك. وواقف بره معاه.
واسترسل ببعض الحرج: والدك طلب من الحارس يدخلني الحديقة العب مع الاولاد بس بصراحة لما سمعت صوت الرصاص مقدرتش امنع نفسي اني ادخل!

سألته بفضول: انت كمان عايز تبقى ظابط؟
هز رأسه بكل تأكيد: وهكون كده بإذن الله.
غمرته بوابل من الأسئلة واولهم: انت باباك ظابط؟
رد عليها بنبرة من الحزن: كان. بس دلوقتي مقدم استقالته.
اخبرته وهي تعقد خصلات شعرها الاسود للخلف: يبقى لازم تجتهد وتكون انت الظابط اللي في عيلتك. عشان لم اي حد يقع في ورطة يجيلك جري.
ضحك بصوتٍ مسموع وهو يخبرها بصعوبة: هيلجئولي في وجود ياسين الجارحي!
قوست جبينها باسترابة: مين ده؟

همس بمكرٍ: تحبي تسمعي حكايته من أول فين؟

بالرغم من أنها تبذل قصارى جهدها لتخرجها من القلق الذي ينخر عظامها الا أنها كانت تشفق على حالتها، وضعت حنين صينية المشروبات من أمامها وهي تحثها بلطفٍ: طب عشان خاطري اشربي أي حاجة. والله ما حطلنك حاجة فيه.
ورفعت حنين الكوب ثم تناولت منه لتشير لها بمرحٍ: أهو يا ستي عشان تتأكدي. ثم اني ام لبنتين اللي مرضهوش عليهم مرضوس عليكي يا ستي.

ولوت شفتيها بحركة مضحكة وهي تردد بهمس: الواحد يسافر ويرجع يدخل على مراته بهدية، بوكيه ورد. وأنا جوزي كل ما يسافر مكان يرجعلي بضحية شكل!
انفجرت مروج من الضحكٍ، فازدادت سعادة حنين لوصولها لمبتغاها، لذا استغلت الفرصة وقدمت لها العصير: والنبي انتي عسل. خدي خدي اشربي بلا وجع دماغ محدش أخد من الدنيا حاجة.

تناولت منها الكوب بابتسامةٍ صغيرة، وقالت وهي تتمعن النظر بها: أنتي بتشبهي نور مرات ابن عمي أوي. سبحان الله نفس الشخصية ويمكن عشان كده حبيتك.
رفع احد حاحبيه بسخطٍ: كل اللي بتعمليه معايا ده وحبتيني! ده انتي من ساعة ما جيتي امبارح وانتي مطلعة عنيا عشان تشربي حاجة!
ضَبَّت معالمها وهي تردد بحزن: غصب عني. اللي مريت بيه مش سهل وميخلنيش اثق بحد بسهولة.

ربتت بحنان على يدها: عندك حق. وعمومًا يا ستي انا بعتلك أهو اضافة في الفريند لما ترجعي البيت اقبلي الطلب وعرفيني على نسختي نور دي.
تهدل جسدها بجلسته وهي تتساءل بشكٍ: تفتكري اللي جابني هنا ده هيرجعني لاهلي.

طرقعت اصابعها بسخرية: ده جوزي يا ستي راجل طيب وغلبان وفي حاله. متقلقيش هيرجعك سالمة غنمة بإذن الله. هو متعود كده كل سفرية شغل له يدور على أي حد مخطوف من أهله ويكسب فيه ثواب ويرجعه. زي ما تقولي بيتخسر يرجع فاضي!
انغمست بوابل من الضحكات المتلاحقة حتى كادت انفاسها بالانقطاع، فقاطعهما دخول حازم ليخبرهما وعيناه أرضًا تتحاشى التطلع لأي منهن: عدي باشا بره وطالب الهانم.

فور سماع اسم اين عمها انتفضت بجلستها وهي تردد بفرحةٍ وتمسك بقشة نجاتها: عدي! خدني ليه بالله عليك.

هز الحارس رأسه وهو يشير بذراعه لباب الخروج بآلية تامة، كادت مروج بتتابعه وتراجعت خطوتان للخلف وهي تقف أمام حنين بترددٍ باختيار طريقة وداعهما، وفجأة القت بذاتها على ذراعيها وهي تشكرها بود: شكرًا لانك هونتي عليا الساعات دي. شكرا لخفة دمك ولواجب ضيافتك يا حنين. حقيقي انتي شخصية جميلة ودي هتكون بداية لصداقة بينا.

مسدت بحنان على ظهرها وهي تجيبها: يا حبيبتي انا يشرفني صداقتك والله. وان شاء الله ترجعي لبيتك واولادك بخير. في رعاية الله.
وداعهما كان قصيرًا، لرغبتها بالهروب للخارج تملي عينيها برؤية من أتى لتخليصها، وفور رؤيته هرولت مروج تجاهه وهي تردد بلهفةٍ: عدي!
تعلقت بذراعه، فربت عليها وهَمْهَمَ: الحمد لله انك بخير.
رفعت عينيها الدامعتين إليه، وهي تهمس له: عايزة ارجع البيت لمازن. أرجوك يا عدي احجزلي تذكرة لدبي.

تفهم سبب قلقها ورغبتها بالعودة، فقال: مازن والاولاد هنا في مصر يا مروج.
وجذب مفتاح سيارته من جيب جاكيته ثم منحه لها، وهو يشير على سيارته: اركبي بعربيتي وأنا هجيب ياسين وأحصلك.

التقطت منه المفتاح واتجهت لسيارته بخطواتٍ سريعة، والاخير يراقبها ببسمة هادئة فما ان استدار عدي اليه حتى ردد بسخريةٍ: وأخيرًا اقتنعت اني هرجعها لاهلها! أنا جبتها لحد هنا عند زوجتي وعيلتي يمكن تقتنع انها كام ساعة وراجعه وبرضه نظرات الشك ملية عيونها.
ضحك وهو يجيبه بخشونةٍ: الستات تبحث عن النكد أينما كان يا صديقي!
ضحك لتقليده نبرته، وغمز له بمكرٍ: لا خبير أنت بالستات يا وحش!

عدل من جاكيته وأشار للحارس الذي أتى إليه، فطلب منه إحضار ياسين للمغادرة، وفور ذهابه تحدث الجوكر بجدية معه ليحذره من هذا اللعين: خد بالك من مهاب أبو العزم ده. شكله مش سهل. دماغه مش دماغ رجل أعمال أبدًا.
واسترسل ببعض الحيرة: اللي مستغربه انك كان ممكن تستغل اختطاف بنت عمك وتحبسه!

أغلق زر جاكيته وهو يحرص على تنسيق ملابسه، وأجابه بما يشعر به: كان ممكن أعمل كده بس ده مكنش هيفيدني بحاجة، أنت أكتر واحد عارف انه يقدر يطلع منها بسهولة، ثم ان دخلته ليا غريبة ومش مفهومة، طريقته معايا أكدتلي انه يعرفني وداخل المناقصة دي عشاني، وانا وراه لحد ما أشوف اخرته أيه.
هز رأسه بتفهمٍ ومع ذلك عاد ليطرح تحذيراته: برضه خد بالك من تحركاته لانه وارد يعيد اللي عمله تاني.

طمنه حينما قال: لا متقلقش المرادي أنا صحيله كويس!

الوقت مر بصحبتها بسرعة البرق، فلم يرغب أبدًا بالرحيل، حتى هي أرادت أن يظل معها لأطول وقتًا، إلى أن حانت لحظة الوداع التي خلقت داخلها ضيقًا غريبًا، حينما أخبرهما الحارس باستعداد والده للمغادرة، فنهض ياسين عن مقعده ثم ودعها ببسمة صغيرة وهو يردد: سعيد اني اتعرفت عليكي يا مرين. ومتزعليش من كلام الاولاد عنك. بالعكس انتي مميزة ومختلفة. وأكيد في يوم من الأيام هتوصلي للي أنتي حابة توصلي ليه.

اتسعت ابتسامتها حتى برزت غمازتها الساحرة، فنهضت هي الاخرى، وردت عليه برقةٍ: ميرسي يا ياسين. وأنت كمان ربنا يوفقك وتكون زي ما أنت حابب.
أجابها بثقة: هحقق حلمي أكيد ويمكن يكون لينا فرصة نتقابل تاني لو بقينا في نفس المجال.
صفقت على يدها وهي تشير له بحماس: وعد؟
منحها ابتسامة هادئة وهو يرد: وعد.

وتركها وغادر وهو يخطف النظرات السريعة اليها من الحين والاخر، ربما اعتاد سماع من يخبره بأن عاقل وحديثه يفوق عمره أضعافًا، والآن قد أمن بحديثهم فور رؤيته لذاك النموذج القريب منه، استكمل ياسين طريقه لينضم لعدي الذي أمسك يده واتجهوا معانا للخروج، هبطوا الدرج القصير المؤدي للطرقة الطويلة أمام السيارة، والجوكر يقف على مقدمته يتأمل رحيلهما، توقف عدي بذهولٍ فور سماعه لصوتٍ رقيق يردد اسم ابنه، حتى مراد استدار للخلف بدهشةٍ، فرأى ابنته تهرول وتجتاز الدرج القصير حتى أصبحت قبالتهما، فهبط من خلفها وبات يقف جوارها يراقب ما يحدث، مجرد رؤية عينيها الزرقاء ووجهها القريب بالملامح للجوكر أكفته بمعرفة تلك الفتاة، فتابعها باهتمامٍ، أخرجت مرين ما تحمله لتقدمه لياسين الذي حمل الحقيبة الصغيرة التي يزينها رسومات باللون البنك والفراشات، كانت تخص الفتيات وما تحمله بداخلها يعاكس ذاك الذوق الانثوي، فتحها ياسين وجذب ما بداخلها ففغر ففاهه بصدمةٍ، وهو يحمل السلاح ويرفعه مقابل عينيه، فتابعت مرين حديثها ببسمة هادئة: ده هدية مني ليك. وأتمنى لما نتقابل بالشرطة في يوم من الأيام يكون معاك.

رمش بأهدابه الطويلة وهو يردد بدهشةٍ: مش ده هدية عمك ليكِ. مقدرش أقبل هدية غالية زي دي!
التقطته منه ثم اعادته لنفس الحقيبة ووضعتها بين يده مجددًا وهي تخبره: أنا قولتلك إن أنكل رحيم اداني اتنين. وأنا حبيت يكون معاك واحد لأنك الوحيد اللي متريقتش عليا زي باقي الاولاد هنا. وبالاخص زين ابن انكل رحيم!
وحينما وجدته مازال مترددًا، التفتت لوالدها وهي تشير له برجاءٍ: بابي بليز خليه ياخده.

أسبل بعينيه وهو يتطلع لعدي الذي يتابع الحديث، ليهمس اليه بسخطٍ: بداية غير مبشرة بالمرة!
ابتسم وهو يهمس بنفس نبرته المنخفضة: مش كنت حابب متشوفش وشي تاني. شكلنا هنتجمع في مصايب كتيرة جاية بس المرادي احنا مش أطراف فيها!
جاهد الجوكر لرسم ابتسامة كبيرة بوجه ابنته التي تتابع حوارهما باستغرابٍ وفضول لمعرفة ماذا يتهمسان، فلكزه عدي وهو يهمس له: بتبالغ.

ضيق ابتسامته قليلًا، وتحرر عن صمته حينما اشار لياسين: اقبل هديتها يا ياسين وافتكرها كويس أوي لان مرين بنتي بالذات مستحيل تهادي أي حد في حياتها شيء يخص رحيم زيدان. فده ان دال على شيء يدل إننا داخلين على منعطف تاريخي.
لكزه عدي مجددًا، فعدل حديثه وهو يمسك كتفيه بألمٍ: أقصد انكم هتكونوا اصدقاء ومفيش صديق بيرفض هدية صديق. صح يا عدي؟

أومأ برأسه بتأكيدٍ، وأشار لابنه بقبول الهدية، فجذبها منها وهو يحك ذقنه بتفكيرٍ، فحملها واتجه للسيارة وهو يشير لها: طب ثواني.
عاد بعد قليل يحمل حقيبته السوداء، فحرر سحابها ومازال عدي ومراد يراقبان ما يحدث بذهول، فأخرج ياسين منها متعلقاته وهو يبحث عن شيئًا ما، لمحت مرين لوحاته التي يضعها على حافة الدرج ليصل لما يود، فحملتها وهي تتفحص محتوياتها باعجابٍ شديد، وسألته باهتمامٍ: دي رسوماتك؟

أومأ برأسه لها، فرددت بإعجابٍ: الله. انت بتأخد كورسات أكيد؟
هز رأسه نافيًا وبرر لها: بتعلم اون لاين.
وانتصب بوقفته وهو يقدم لها هديته قائلًا: جدو علمني مقبلش بهدية غالية من حد الا لما اهديه بهدية قيمة، وده هديتي ليكي.

جذبت منه مرين ما يحمله بأعينٍ متسعة، كان مجسم صغير لشرطي يحمل سلاحًا قوي، ويبدو بأنه مطعم بالذهب، ربما لم يجذبها طلائه الذهبي الجذاب لصناعته منه، ولكنه نال اعجابها بشكلٍ كبيرٍ، لا تعلم لانها تذكار من هذا الفتى المختلف لها عن ابناء أعمامها ولا لكونه مميزًا فقط، حملته مرين وهي تشكره بفرحة: جميل أوي بجد، شكرًا.

منحها ابتسامة صغيرة وهو يعيد متعلقاته للداخل، ونهض ليقف جوار اباه مجددًا فقالت بمزح: بس أنت شكلك هتكون رسام كبير يا ياسين مش ظابط!
ابتسم وهو يشير لها: دي هواية مش أكتر.

وأشار لها وهو يصعد بالخلف جوار مروج التي غفاها النوم على المقعد من شدة الاجهاد، كاد عدي بالصعود لمقعده، ولكنه أغلق بابه وهو يحك جبهته بتسليةٍ أراد استعمالها لمن يقف من خلفه يده تشدد على ابنته التي لا تفارق عينيها ياسين وهو الاخر يتابعها باهتمامٍ، أشار له عدي بالاقتراب فأسرع اليه ليخبره بصوتٍ منخفض: لسه مصمم تخلي أخوك يدرب الولد؟

هز رأسه بإعتراضٍ جنوني وهو يخبره: يا باشا أنا الفترة الجاية هحرص بنفسي ان أنا اللي أدربه، على الأقل أعلمه ذوقيات التعامل مع انثى، لو سبته لرحيم هيضيع مستقبل بنتي!
تعالت ضحكاته الرجولية، فتابع وهو يغمز له بمكرٍ: كده تعجبني، وعلى رأي المثل تربيه على ايدك أحسن ما تكتشف شخصيته أنت وبنتك بعد الجواز!
شاركه الضحك وهو يردد ساخرًا: إنه القدر يا صاح!

ضرب كف له واستعد للمغادرة وكلا منهما يظنه مزحة قضوا بها بعض الوقت، لا يعلم كلًا منهما بأنها ما هي الا بداية لقصة ستختم بين عائلتين ذات نفوذ وسلطة مهيبة، قصة ستخلد بين حوائط مملكة الجارحي، ومملكة زيدان.

الثورة التي تطيح بالجميع بالأسفل فشلت بسحبه خلفها، فكان بعالم منعزل عن الجميع، يجلس لأكثر من أربعة ساعات بمفرده، وزوجته تراقبه بين الحين والأخر بقلقٍ، تعلم بأنه وقت ضيقه يصبح عصبي للغاية، ففعلت كما تفعل كل مرة، تتركه بمفرده حتى يهدأ ومن ثم تتدخل لتعرف ما به، ولكن تلك المرة طالت به وحدته، لذا استجمعت قوتها واقتربت منه، وجدته يجلس امام سور الشرفة على ذراع المقعد العريض، شاردًا بالتطلع من امامه، رفعت اصابعها على كتفيه وهي تناديه: رائد.

احتدت نظراته المسلطة للفراغ، فتابعت رانيا بارتباكٍ: مالك يا حبيبي. من ساعة ما رجعت من المقر وأنت قاعد كده؟
أطاح يدها بعيدًا عنه وهو يخبرها على مضضٍ: سبيني لوحدي يا رانيا من فضلك.
تحركت لتجلس على المقعد ذاته لتكون قريبة منه، فامسكت يده وهي تردد بتوترٍ: اسيبك ازاي وانت بالوضع ده. أنا أول مرة اشوفك كده!
سحب يده بالقوة ونهض عن المقعد ليصرخ بها: انتي مبتفهميش بقولك سبيني لوحدي. صعبة دي.

قال كلماته الاخيرة وهو يلقي بالمزهرية الموضوعة لجواره أرضًا، صوت الحطام القوي القادم من الاعلى كان كافيل بجعل رعد ينسحب ليصعد للاعلى، حتى يتفقد ماذا يحدث وخاصة بتخمينه لما قد يصيب ابنه بموقف كذلك.
ارتعبت رانيا من رؤيته بتلك الحالة، فنهضت عن محلها واتجهت للمغادرة، فاستوقفها نزيف يده، اندفعت تجاهه برعبٍ وهي تحتضن كفة يده: رائد أنت بتنزف.

فقد أعصابه، فحاوط خديها بيده التي لطخت وجهها بالدماء، متعمدًا الضغط على فكها بقوةٍ جعلتها تدفع صدره بعيدًا عنها، ليصيح بها بجنون: قولتلك اخرجي من هنا، اطلعي!

والقى بها بعنفٍ جعل جسدها يندفع بقسوةٍ تجاه الطاولة المربعة الزجاجية، فاحتك ذراعها بطرفها الحاد فمزقت ذراعها بجرحٍ بالغٍ للغاية، حول فستانها الأبيض لوابل من الدماء، احتضنت رانيا ذراعها وهي تتأوه بوجعٍ جعله يستعيد جزء من وعيه المهدور، هرع اليها وهو يتفقد اصابتها العميقة، وردد بلهفة: حبيبتي أنا مقصدتش قولتلك آآ...
بترت كلماته حينما تحرر صوتًا ذكوريًا صارمًا: ابعد عنها.

انتصب بوقفته وهو يتأمل ابيه الذي يلتهمه بنظراته الحادة، فأشار له بتبرير: أنا مقصدتش أنا آآ...
قطع الطريق بينهما حتى بات يقابله وجهًا لوجه، وبغضب اخبره: أنت أيه؟ أقولك أنا الراجل اللي بيمد ايده على مراته ويطلع عليها غضبه يبقى أيه!
كاد بالحديث فعاد ليوقفه من جديد وهو يصيح بحدةٍ: مفيش مبرر هيشفعلك عندي. حسابك المرادي هيكون عسير يا رائد.

وتركه وانحنى تجاهها فعاونها على الوقوف وحثها على الخطى بصحبته، لحق بهما رائد، فقال وهو يحاول الاقتراب منها: طب على الاقل خليني اطمن عليها يا بابا.
دفعه بقوة للخلف وهو يشير له بسخطٍ: روح كمل تكسير جناحك كله يمكن الحقد اللي جواك يزول ولا اقولك هات أولادك وطلع غضبك عليهم بالمرة.
اخفض رأسه للاسفل بخزي، وخطف نظرة لعينيها التي تطالعه بانكسارٍ وألم، فهمس لها بحزن: والله مقصدت يطولك الأذى يا حبيبتي.

ضحك رعد وهو يخبره باستهزاءٍ: المرة الجاية ابقى ارميها من التراس وقولها مقصدتش يا حبيبتي.
واستدار ليقابله فجأة بنظرة صارمة تتبعها تحذيره: متحاولش تقربلها تاني غير بأذني، من النهاردة مش هتشوف دوفرها لحد ما أنا أربيك ازاي تعامل بنات الناس.
وجذبها وغادر والأخير يراقب بقع الدماء الماسدة فوق السجادة من أسفل يدها بدمعة خائنة، فلم يحجب ذاته بالبقاء منعزلًا واندفع للاسفل من خلفهما.

رؤيتها مزقت جمعتهم المخيفة، فأسرعت الفتيات اليها بفزعٍ، حتى الشباب ورجال القصر اجتمعوا من حولها، فكانت دينا اول من تساءل: في أيه يا رعد. مالها رانيا؟
أجابها بضيقٍ: ابقي اسألي ابنك المتربي!
فهم الجميع مغزى ما حدث، فعصبية رائد معروفة للجميع، القى ياسين نظرة خاطفة على جرجها، فقال بشفقةٍ: الجرح كبير يا عمي. محتاج خياطة.
اشار جاسم لعمر: تقدر تخيطه يا عمر.

أومأ برأسه، واتجه إليها، فالقى نظرة متفحصة عليه بحزنٍ، نادى أحدٌ من الخادم وأمره بالصعود لجناحه وجلب حقيبته الخاصة التي مازال يحتفظ بها بخزانته، وطلب من الفتيات بمعاونتها بالتمدد على الاريكة الجانبية، فعاونتها أسيل، ورحمة ومليكة بالنهوض، اتى صغيرها آسر من الخارج فصعق من رؤية والدته بتلك الحالة، فبكى وهو يسأل بريبة: مامي مالها؟

حمله حازم وربت عليه بحنوٍ وهو يخبره: مفيش يا حبيبي اتجرحت بس وهي بتعمل الأكل، وانكل عمر هيعالجها فورًا.
وحمله وغادر للحديقة حتى لا يرى ما سيحدث هنا، جذب عمر الحقيبة من الخادم، ثم فرد محتوياتها، وقد اتى أحد الحرس بحقنة المخدر البسيط، فشرع بتجهيزها وبدأ بتصميد جرحها ببراعةٍ، والاخرى تتمسك بذراع رحمة باكية من الألم.

هبط للأسفل ليجدها تبكي بألم وعمر يخيط جرحها العميق، أسرع ليحل محل رحمة، فتمسك بذراعها وهو يردد بندمٍ: أنا آسف.
دفعة قوية جعلته يرتد للخلف، فوجد أبيه يقطع طريقه وهو يصرخ به: قولتلك مشوفش وشك تحت هنا. نازل ليه وأنت السبب في اللي هي فيه!

خرجت الامور عن طور سيطرتها، فهرعت دينا لتحيل بينهما، في ذلك الوقت عاد يحيى من الخارج بعدما كان بصحبة ياسين بالخارج طوال اليوم، فكان عليه معرفة اجابات على كثيرًا من الاسئلة، ظن أخيرًا بأنه علم ما اصاب صديقه المقرب ولكنه وضعه باختبار اخر، حينما طلب منه العودة للقصر والتدخل فيما هو حادث الآن بينما عاد هو من المدخل الخارجي متعمد البقاء بغرفته دون تدخله بما يحدث، وكأنه يترقب أحد أخر ليحيل محله هنا حتى يعتاد على مثل تلك الامور.

تدخل يحيى بينهما وهو يردد بصدمة: في أيه؟
رفع رعد عينيه اليه وببسمة ساخرة اجابه: في ان ابني المتربي من ساعة ما خسر المناقصة وهو راجع النار عامية عيونه وعايز يطلعها في أي حد ومراته كانت اول مرة ناره تطولها.
حانت من يحيى نظرة سريعة لحالة رانيا ومن ثم عاد ليتطلع لرائد الذي يكبت غضبًا عظيمًا متعلق بذاك الامر، وفجأة قسم جلستهم بكاء يارا وهي تصرخ بجنون: كفايا، بدل الخناق اللي انتوا فيه ده شوفي فين بنتي!

كاد الجميع بتناسي أمرها الهام وسط تلك الاحداث، فحاول احمد جاهدًا الاتصال بعدي للمرة التي تخطت المائة مرة، عاد القلق يلعب على أعصاب الجميع فاستهدفها دون رجعة، وحينما حاول معتز ابلاغ ياسين الجارحي بما يحدث هنا منعه يحيى وتصدى له، حينما قال بخشونةٍ: مستحيل هتعمل كده يا معتز. هتقعد وهتستنى ابن عمك لما يرجع ونسمعه.

ردد بعدم تصديق: نسمع أيه يا عمي، عدي مبيهموش غير نفسه وبس. عدي مكنش ينفع يمسك المنصب ده من البدايه هو السبب في الحالة اللي بقى فيها رائد ومراته وهو السبب أن حياة مروج دلوقتي في خطر. عدي انسان اناني وميهموش حد في العيلة.
أوقفه رائد حينما قال باستهزاءٍ: بلاش تغلط فيه يا معتز والا هتتعرض لعقوبات انت في غنى عنها، ده الكبير ومينفعش تقول إنه غلط وبيغلط وهيغلط طول مهو بالمنصب ده.

وصاح بعصبية بالغة: كأنك ارتكبت ذنب كبير. مع ان أكتر اتنين يستحقوا المنصب ده هما ياسين وأحمد بس عمي لما اختار مخترش غير ابنه!
صفعة قوية هوت على وجه رائد ولم يكن صاحبها سوى يحيى الذي خالف التوقعات، وبأصبعه أشار له بغضب: الكلام ده مالوش مكان بينا، الغضب اللي جواك ده يندفن ميخرجش براك، حبكم لبعض زرعناه فيكم من طفولتكم ومش هتكون أنت سبب الفتنة دي!

جحظت عينيه وهو يتطلع له بصدمةٍ، فجذب عز يحيى وهو يخبره بذهول: أيه اللي بتعمله ده يا يحيى؟
رد عليه بانفعالٍ: اللي لازم يحصل، أنا مش عمه أنا ابوه ولازم يحترمني ويحترم اللي ربناه عليه.
شجعه رعد حينما اضاف: سيبه يا عز يربيه. مدام أنا تربيتي مكنتش في محلها!
وزع معتز نظراته بينهم بسخطٍ وصاح: هتربينا كلنا من أول وجديد يا عمي عشان بنقول الحقيقة؟
سأله بجمود: أي حقيقة؟!

اجابه بتحدٍ: عدي مينفعش يكون في المقر ولا بالبيت ده بعد النهاردة، قسمًا بالله لو اختي جرالها حاجة ما هيكفيني فيه رقبته!
تعالى صوت بكاء رحمة وهي تستمع لحالة القسوة المسيطرة على الاغلب من زوجها، فحانت منه نظرة جانبية اليها، وردد بسخطٍ: أول مرة تعرفي حقيقة زوجك المحترم!

جذبها عمر اليه، وبيده الاخرى دفعه للخلف وقد فاجئ الجميع بانقلاب شخصه الرزين، وكأنه تلبس رداء اخاه بتلك اللحظة، كاد معتز بالاختناق من يد عمر القوية، فهدر به بخشونةٍ: انت اتماديت حدودك كلها أنت واللي واقف جانبك. كلمة زيادة تمس أخويا أو مراته ومتلومش غير نفسك يا معتز.

كان الجميع بحالةٍ من الصدمة، وخاصة حينما تدخل يحيى بينهما وهو يصرخ بعصبية لم يسبق له التحلي بها: ارجع انت وهو لورا، أيه مش ملين عنيكم! مشاكلكم مبقتش تتحل غير في وجود ياسين الجارحي؟ لا أنا ممكن ابقى ابشع منه لو شوفتكم بالوضع ده!
جذب ياسين معتز للخلف، بينما عاق أحمد طريق عمر وهو يهمس له: عمر ارجع لوعيك. انت ازاي تعمل كده؟

صاح بعصبيةٍ يراها الجميع لاول مرة: واعمل اكتر من كده لاي شخص يحاول يتكلم بالاسلوب ده على اخويا...

تحملت نور على ذاتها رغم ألم ولادتها، فحينما طلب منها الخادم حقيبة عمر ارتعبت لحدوث شيئًا بالأسفل، خاصة مع سماعها لتلك الاصوات، هبطت بصحبة شروق ونسرين للاسفل، رغم محاولة كل منهما لايقافها، فخرجت من المصعد لتجد زوجها في تلك الحالة الغامضة، خافت أن يطوله الآذى من اندفعه تجاه معتز بتلك الشراسة، فرددت بتعبٍ: عمر!

استدار تجاه المصعد، واسرع ليساندها عن يد الفتيات، وردد باستياءٍ: أيه اللي منزلك وانتي بالحالة دي؟
تجاهلت سؤاله ورددت وعينيها الباكية تتجول عليهم: أيه اللي بيحصل هنا ده؟
أجابها عز ساخرًا: بيحصل اللي عمره ما حصل جوه بيتنا يا نور وكل ده بسبب سوء تفاهم مينفعش يكون موجود بينهم اساسا.
واستطرد بغضب وعينيه تكتظم ابنه معتز: الظاهر ان تماديك انت كمان هيكونله حد.

سأله باستهزاءٍ: أيه حضرتك هتمد ايدك عليا زي ما عمي عمل مع رائد.
دفعه مازن للخلف وهو يصيح به باندفاع: كفايا بقا يا معتز. فوق لنفسك!
كاد بأن يجيبه ولكنه توقف فور سماعهم جميعًا صوت مروج وهي تردد بفرحة: مازن!

اتجهت جميع الأعين اليها وهي تركض تجاههم، احتضنتها يارا ببكاءٍ حتى جلست بها أرضًا، والجميع قد خمدت جزء من نيرانهم فور رؤيتها تقف قبالتهم بافضل حال، ضمها عز اليه وهو يسألها بحنان: طمنيني يا حبيبتي انتي كويسة؟
أكدت له ذلك: بخير يا بابا.
سألها مازن بدهشة: انتي رجعتي على مصر ازاي!
قالت وهي تتطلع للباب الرئيسي: عدي باعتلي صاحبه وهو اللي خلصني من المكان اللي كنت مخطوفة فيه. وجابني لحد هنا.

اتجهت جميع الأعين تجاهه، والأخر يوزع نظراته بينهم بدهشةٍ، ابتداءٍ من رائد لمعتز حتى رانيا المتمددة على الاريكة بتعبٍ شديد، ترك عدي يد ابنه وأشار له: اطلع فوق.
انصاع له على الفور، فاقترب منهم عدي وهو يتساءل باسترابةٍ: في أيه؟
تحرر معتز عن صمته وهو يجيبه باشمئزازٍ: ربحت الصفقة وكسبت قدام ياسين الجارحي، طب ومهمكش أن صاحبك ده ممكن ميقدرش انه ينقذ مروج!

فهم تليمحات صغيرة لما يحدث هنا، فأجابه بثباتٍ: مروج كانت برة دبي من قبل المناقصة ما تبدأ يا معتز.
رد عليه بجمود: بأمان! أنت كان يهمك أيه من الصفقة دي اساسًا وهي جاية على حياة عيلتك؟
واسترسل بحدة: ولا تحديك الطايش أهم من عيلتك!
صاح به عز بغضب: معتز.

خرج عدي عن صمته حينما قال: بالعكس انا باللي عملته أثبتله اننا ملناش نقطة ضعف. كان ممكن انفذله اللي هو عايزه بس ده كان هيخليكم عرضة لاي حد داخل قصادكم مناقصة، وهما عارفين نقاط ضعفكم أيه، انا ادبته واديته درس عمره ما هينساه عشان يكون عبرة لغيره.

تابعه يحيى، ورعد، وعز باعجابٍ، حتى أحمد وياسين والشباب بأكملهم، الا رائد مازالت هناك عاصفة تأبى الخضوع لما يستمع اليه، لانت ملامح وجه معتز لما يستمع اليه، وخاصة حينما قال عدي بنبرة دافئة بعيدة كل البعد عن صرامته المعهودة: مروج وأسيل وداليا عندي زي مليكة بالظبط يا معتز، ومستحيل هقبل أعرض حياتها للخطر.

رمش بعينيه بحرجٍ شعر به فجأة رغم مناطحته الشرسة، فارتسمت بسمة صغيرة على طرفي شفتي من يتابعهم من أعلى الدرج ولم يلاحظ وجوده أحدٌ، قطع صمت جلستهم صوت صفقات متتالية، فاتجهت جميع النظرات لمصدرها، فلم يكن سوى رائد الذي اقترب ليبدو قريبًا منه، وتوقف فجأة وهو يشير له بإعجابٍ: لا حقيقي عظمة ولازم كلنا نصقفلك صح؟

وفجأة تلبس السخط والحقد معالمه، وردد بعنفٍ: دورك البطولي اللي بتحاول ترسمه ممكن يأكل معاهم كلهم بس أنا لأ، أنت انانيتك ملهاش حد يا عدي. وحقيقي أنا ندمان لصورتك النبيلة اللي رسمتهالك جوايا طول السنين اللي فاتت دي. أنت متستحقش انك تكون ابن ياسين الجارحي، متستحقش إنك تكون هنا وسطنا لانك مبتفكرش غير في نفسك وغرورك وكبريائك الغبي!

عاد وجهه ليستقبل صفعة أخرى أشد قسوة من صفعة يحيى، فجابهه تلك المرة أبيه الذي حال بينهما وهو يشير له بصوت محتقن: اعتذر لابن عمك وفورًا.
قاطعه عدي حينما قال: مفيش داعي يا عمي أنا مقدر الحالة اللي هو فيها.

أشار له يحيى بالصمت وأيد عز بقراره ر فكاد رائد بتمزيق شفتيه السفلية من فرط ضغطه عليها، فتراجع للخلف وهو يشير له بالنفي، فعاد رعد ليقترب منه وهو يشدد على حديثه: لو تربيتي ليك كانت صالحة 20 في المية هتعتذر يا رائد!

كلماته طعنت قلبه، فخنع اليه وهو يجابه كبريائه، فاقترب من ابيه مجددًا وهو يستعطفه بنظراته الا يفعل به ذلك، فوجده يتطلع له باصرار وغضب، لذا اتجه ليقف قبالة عدي مجددًا ليغلبه غيظًا وصمتًا جاهد لقطعه، فاطبق بقوةٍ على يده التي زاد نزيفها وهو يردد بجمودٍ: آآ، آسف.

وفور نطقه بتلك الكلمات الثقيلة هرول للخارج مسرعًا قاصدًا لسيارته والجميع يراقب ما يحدث بتأثرٍ وخوف، ظهر ياسين الجارحي من أمامهم، فتابعوا نظراته الغامضة بذهولٍ، وخاصة منبعها المتصل بعين عدي، الذي هز رأسه في طاعة، وغادر لينفذ أمر أبيه بعدم تخليه عن رائد في تلك الحالة، فصعد لسيارته ولحق به على الفور.

قاد سيارته بسرعة فائقة، وسمح لذاته بأن يحرر دمعاته المحتبسة عنه، شعوره بالظلم وبالاهانة التي تعرض لها على يد عمه وأبيه انغرست داخل قلبه، لا يعلم لما تمادى هكذا ولكنه يثق بأن عصبيته هي أبشع ما يمتلك، خرج من بوابة القصر تحت أعين من ينتظرون تلك الفرصة المناسبة التي يظنها ذاك الشيطان المتربص لهم للنيل من الكيان الذي يتباهى به شرطي بحجم عدي الجارحي، علم من جاسوسه الأرعن بالخلاف الناشب بالقصر، فأراد أن يطرق على الحديد الساخن، لذا رفع هاتفه وهو يردد لمن ينقل له صورة حية من أمام قصر الجارحي: نفذ!

خرج عدي بسيارته مسرعًا خلف رائد، وبالرغم من تفاوت السرعة والمسافة بينهما الا أن عدي بمهارة قيادته استطاع الاقتراب من سيارة رائد، وحرص على القيادة محاذاته وهو يشير له بالتوقف عن القيادةٍ، وحينما رفض الانصياع به صاح بصوتٍ صاخب: رائد اسمعني، وقف عربيتك وخلينا نتكلم شوية، صدقني أنا مقصدتش أقلل منك بالعكس.

لم يجيبه وتابع القيادة في محاولة للبعد بسيارته عنه، فعاد عدي ليلحق به وهو يناديه ويخبره: أنا عارف اني مستحقش المنصب ده. وأوعدك انك مش هتشوفني تاني بالمقر، بس ارجوك اقف خلينا نتكلم شوية.
حديثه جعل الاخير يردد بعصبية: سبني في حالي يا عدي عايز ابقى لوحدي!
تفادى عدي احد الدراجات النارية التي اجتازت من منتصفهما، وعاد ليكون جواره وهو يصيح عاليًا: مش هسيبك. أقف واسمعني!

حمل سائق الحاوية(تِريلا) هاتفه وهو يخاطب مهاب أبو العزم، يخبره على مضضٍ: في عربية محاوطة لعربيته يا باشا، وعلى ما أظن إن اللي فيها عدي الجارحي.

البسمة الخبيثة تجوب وجه هذا الماكر، اتاته الفرصة على طبق من ذهب، إن كان يود التخلص من رائد لزرع الفتنة والدمار بين روابط العائلة بعد اطاحتهم بذنب وقوفهم مع عدي ضده، والآن فرصته بزيادة النيران بالحطب، فإن وقع اللوم على عدي بتلك اللحظة سيضمن نجاح خطته الدانيئة، لذا شدد بحرصٍ على من يسمعه: اخلص من رائد. وأوعى تمس عدي سااااامع لو عدي حصله حاجة أنا اللي هقتلك بنفسي!

ارتدت سيارة رائد للأمام فجأة، مما جعلهما يراقبون ما يحدث خلفهما، تفاجئ رائد بوجود الحاوية الضخمة من خلفه، ففسح لها طريق آمن، ولكنها كانت تلحق به بأي اتجاه يقصده، وحينما عادت تحتك به من جديدٍ تأكد حدثه بحرصها على التخلص منه، حتى عدى تفاجأ بالأمر، وفجأة صعق السيارة والتريلا تجرها من خلفها، ففشل رائد بالتحكم بالمقود، وراقب لحظاته الاخيرة بصدمةٍ، وفجأة وقبل أن ترتد سيارته وجد من يدفع ليتفادى عن صدام تلك الحاوية العملاقة، لتصبح سيارة عدي في مجابهة ذاك اللعين، وبالطبع فشلت بالتصدي لها، وانقلبت عن مسارها الطبيعي لأكثرىمن ثلاث مرات، حتى هاوت من فوق الجسر، فلاذ صاحب الحاوية الضخمة بالفرار، وبقى رائد بمقعده يتابع ما يحدث بصدمةٍ وعدم استيعاب، الى أن نزع عنه حزام الأمان وهرول زاحفًا تجاه الجسر وهو يتأمل السيارة التي ضربتها النيران بصدمة، فصرخ بجنون: عدي!

انفطر بالبكاء كالطفل الصغير حتى كاد بأن يلقي ذاته من خلفه، فأوقفه سماعه لصوت تأويهاتٍ خافتة تأتي من جواره، فانحنى برأسه ليتفاجئ به يتعلق بأحد فروع الأشجار بعدما القى بذاته خارج السيارة قبل أن تنجرف عن الجسر، ساعده رائد بحرصٍ حتى خرج للاعلى، فسقط فاقدًا للوعي بين يده وجسده تغطيه بركة من الدماء، حركه رائد بين يده وهو يناديه ببكاءٍ حارق: عدي، رد عليا ارجوك. عدي!

تلوثت يده بدماء ابن عمه واخيه الاكبر، فرفعها اليه وهو يتفحص دمائه برجفة مزقت قلبه قبل ان تصل لاطرافه، فرفعه اليه وهو يحتضنه ويردد بجنون: لأ، مش هيحصلك حاجه لأ.
وفجأة حمل هاتفه واخذ يعبث بالارقام، يحاول انقاذه وهو يجهل ما يفعله كأنه فقد ادراكه الحثي، لطف الله به وانطلق هاتفه برنين رقم ياسين، فتح على الفور ليجد الاخر يخبره: رائد انا مقدر حالتك بس ارجوك ارجع ونتفاهم بالعقل، كلنا بنحبك وبنحترمك.

بناء على طلب ياسين الجارحي، جعله ياسين يطلبه لعله قد يجيبه، وفور فتحه المكالمة فتح ياسين السماعة على مسمع الجميع، خرج صوت رائد الباكي يخبره: ياسين، عدي بيموت بين ايديا ارجوك اطلب الاسعاف بسرعة.
هوى قلوبهم الجميع مع سماع تلك الكلمات المقتصرة، واولهما ياسين الجارحي الذي نهض عن مقعده والجنون يحيل باعصابه حد القتنة، وأخر ما استعبه بتلك اللحظة صراخ رحمة وهي تردد بصدمة: عدي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة