قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

كان على عاتقها مهمة شاقة، خاصة بأنها تقودها أمام ابنها الشرس، العنيد الذي مازال ياسين الجارحي بذاته يبذل مجهودًا شاقًا لتغيره، جلست آية جواره على الأريكة الجلدية السوداء، ثم أحاطت كف يده بقوةٍ، وكأنها تخشى أن يتركها ويعود للخارج فيحدث جدال جديد بينه وبين أبيه، تألم عدي وهو يراقب نظرات خوفها، فردد بسخطٍ: نفس نظرات الخوف اللي في عيون رحمة. كلكم بيكون عندكم نفس النظرة قدام ياسين الجارحي. الخوف وده أبشع شيء مبقدرش استحمله.

رفعت يدها على خده وهي تنفي ما يتودد لاعتقاده: الخوف ده عليك أنت يا عدي. عشان خاطري اهدى واوزن الأمور بالعقل. باباك عمره ما فكر غير بمصلحتك وبس.
بهدوءٍ يماثل نبرتها قال: ومصلحتي انه يبعد مراتي عني! فاكرني زي رائد هبلع وهسكت!
ضغطت بيدها على وجهه، وشددت على كل حرفٍ تنطقه: لا. لا يا عدي.

واسترسلت بحدةٍ يراها لاول مرة: كل مرة بتعارض فيها أبوك بتندم لما بتعرف أيه اللي ورا معاملته وطريقته. أرجوك بلاش ترجع لعندك وغرورك ده تاني. يا حبيبي باباك مفيش في حنية قلبه وأنت شوفت بنفسك كتير عشان خاطري يا عدي بلاش تقف في وشه تاني.
انهمرت دمعاتها على خديها، فرفع اصابعه يزيحها عنها وهو يخبرها بحزن: طيب ممكن تهدي. أنا مش هعمل أي حاجة تزعلك وعد.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، فضمها عدي اليه، اختبئ جسدها الهزيل داخل جسده الضخم، وكأنها ابنته التي يضمها اليه بحنانٍ، انتبه عدي لمن يقابله بالنظرات الهادئة، فبقى محله يحتضن والدته وعينيه تتطلع اليه بضيقٍ، اقترب ليبدو قريبًا منهما، فاعتدلت آية بجلستها وهي تهمس بخفوتٍ: ياسين!

انتصب عدي بوقفته، ثم دنى ليصبح قبالته، ظل الصمت يلهو بينهما الى أن قطعه عدي حينما قال: هستنى لحد ما حضرتك تقولي اللي رحمة مخبياه بنفسك. ومش هحاول أضغط على حضرتك.
وتركه وصعد للأعلى وياسين يراقبه ببسمةٍ صغيرة، باءت جهوده الشاقة بثمارها وها قد تمكن أخيرًا من ترويض شبله الشرس!

عينيه تكبت غضبًا عظيم، والف كلمة تتردد على لسانه العاقد لها، ومع ذلك انسحب بكل هدوء وكأنه رفض الخوض بتلك المعركة التي ستجني على علاقته الشبه مثالية بابيه، تابعه ياسين بنظرة حنونة وقد بات الآن نسخة تكاد تقترب منه على حقٍ، الآن تمكن من السيطرة على انفعالاته الطائشة، التحلي بالقليل من الصبر سمة لم تكن تمسه البتة، والآن تعلم اللجوء لاول درجاتها!

انتبه ياسين لمن تستند برأسها على ذراعه، فضمها إليه ثم طبع قبلة أعلى رأسها وصوته الجذاب الهادئ يخبرها: اطلعي أوضتك يا آية ومتخافيش على ابني. كل شيء ماشي زي ما خططتله وصدقيني الكابوس ده هينتهي وقريب أوي.

رفعت رأسها اليه وهي تمنحه أجمل ابتسامة قد يتمنى رؤيتها بذاك الوقت، فهزت رأسها بخفوتٍ وتركته واتجهت للمصعد، اتجه ياسين لمقعد مكتبه، فجلس وهو يترقب بابه بنظرات غامضة، جنت ثمارها حينما ولج أحمد وحازم للداخل بعد أن أمر جاسم باخبرهما بالذهاب خلفه لمكتبه الخاص.

العشرة وحفظ الطباع كانت كافيلة لمعرفة سبب استدعاء ياسين الجارحي اليهما، لذا لم يريد اقحام أخيه بالأمر فقال: عمي أنا بعتذر عن اللي عملته بس الصور اللي شوفتها خرجتني عن هدوئي، ماما سبق وحكتلي أنا وأحمد عن ماضيها بس مقالتش تفاصيل خاصة بعلاقاتها السابقة، أنا لما واجهتها كنت حابب أعرف منها أيه اللي ممكن تكون مخبياه تاني ويستغله حقير زي ده عشان أقدر امنعه.

استمع إليه بهدوءٍ قاتل جعله يسترسل بألمٍ: تخيلت للحظة إن الصور دي وقعت في ايد حد من ولاد اعمامي موقف والدتي قدامه كان هيكون أيه، والاصعب ان الكلب ده متعمد ينتقم من اللي عمله أحمد. يمكن لو لجئ للانتقام بالشغل كانت هتكون منافسة رجال أعمال لكن اللي حصل ده واللي سبق وحصل لمروج مينفعش يتسكت عليه.

نهض ياسين عن مقعده ثم دنى ليصبح قبالته، فقال برزانةٍ: متعتذرش على شيء مقلش منك. شباب الجارحي رجالة ولو مكنتش عملت كده كنت هعاقبك بنفسي.
ابتسم حازم وهو يتابعه بنظرةٍ مهتمة لسماع ما يقول، فاستطرد ياسين وهو يشير له: الظرف اللي معاك يتحرق وخليك واثق انه مستحيل يلجئ للكارت ده تاني. وجودك هنا أنت وأحمد مش عشان السبب ده.

واتجه لمقعده مجددًا، فجلس وهو يخبرهما: أنتوا اديتله درس ميتنساش يعني اخدتم حقكم وبايدكم. سبيوني أنا اللي أصفى باقي الحساب. مش عايزكم تتدخلوا بأي شكل. سامعني يا أحمد؟
هز رأسه بطاعةٍ، فانتقلت عيناه لحازم الذي أكد له احترامًا لقراره: مش هعمل حاجة بدون اذن حضرتك.
منحه ابتسامة هادئة، فاستأذن كلاهما بالانصراف، فتسلل ندائه الخاص لصاحبه: خليك أنت يا أحمد.

توقف عن استكمال طريقه، فاستأذن حازم وانصرف على الفور، أشار ياسين له بالاقتراب، فجلس على المقعد المقابل اليه، جذب ياسين ملف أسود من خزانته الخاصة، ثم وقع على الاوراق، ورقة تلو الاخرى، وأحمد يراقبه بدهشةٍ وعدم فهم، انتهى ياسين مما يفعله، فوضع الملف من أمامه، تفحصه أحمد وهو يتساءل باستغرابٍ: ده أيه يا عمي؟

أجابه وهو يسند ظهره لخلف مقعده بكبرياءٍ: توكيل عام بادراة المقر ليك ولرائد. أما ياسين فتعمله توكيل خاص بادارة شركة جديدة باسم مليكة ورحمة ونور وباقي البنات.
ضيق عينيه بذهولٍ، فتساءل بحيرةٍ: أيوه بس ليه؟
رد عليه بثباتٍ فشل يومًا بالتخلى عنه: لانكم الاجدر بتولي المناصب دي ومتسألنيش في حاجة تانية.
واسترسل بصرامة: وطلبي الأخير منك هتنفذه.

تساءلت نظراته بلهفة عن ذاك الطلب، فأتاه رده السريع: المناقصة اللي داخلينها ممنوع انك تتدخل وتساعد عدي فيها بأي شكل من الأشكال. عدي لازم يعتمد على اللي درسه في فترة وجوده بالمقر. حابب أشوف تعليمك انت وياسين له نهايته أيه.
ابتلع ريقه بتوترٍ وصدمة لمعرفته بما كان يحدث بينهم، فداعبت شفتيه بسمة ساخرة وهو يراقب حالته، فتهرب أحمد من لقاء عينيه الثاقبة حينما قال بتشتتٍ: هو حضرتك أسست شركة جديدة!

نهض عن مكتبه ثم حمل هاتفه الخاص ومفاتيحه، واتجه للصعود وهو يردد بغموضٍ: هتعرف كل حاجة بالوقت المناسب يا أحمد!

نهبت السيارة الطريق المتخلل للهواء المنعش، والاشجار تتمايل تناغمًا للتيارات الهواء البارد، الحقول من حولهم سرت لتنعش قلوبهما، وهن يتأملن نوافذ السيارة بانبهارٍ، حتى توقفت أمام منزل كبير يحاوطه الحقول والمزراع، والأشجار الشاهقة، أسرع السائق وعثمان الجالس لجواره بفتح أبواب السيارة، فهبطت رحمة ونور التي تحمل صغيرها وتحاوطه بغطاءٍ ثقيل يحفظ جسده الصغير من تلك الرطوبة، ولجوا معًا خلف عثمان الذي يشير اليهما وعينيه لا تفارق الأرض، دث مفتاحه بالباب العتيق فانفتح من امامهما، ومن ثم وضع الحقائب وعاد بغلقه بعدم حرص بالتأكد على عدم حاجتهما لشيءٍ، الاساس المرتب بعنايةٍ جعل المنزل مريح للعين والنفس بآنٍ واحد، كان يخلو من الطراز المتقدم وجماله متقن ببساطته الساحرة، ابتسمت رحمة وهي تردد باستمتاعٍ: المكان ده جميل أوي.

فتحت نور النافذة وهي تتأمل الحدائق بانبهارٍ: فعلًا والله المكان يسحر. تسلم قرارات ياسين الجارحي.
أيه ده نور ورحمة مش معقول!
صوتها افزعهن، فلكزتها نور بغيظٍ: خضتينا يا رانيا. دي دخلة بذمتك!
احتضنتها رحمة باشتياقٍ، وضمتها نور وهي تخبرها بجدية: وحشتينا والله. بس لما شوفت الجنه اللي انتي عايشة فيها عذرتك.
ابتسمت وهي تخبرها بوجعٍ فشلت باخفائه: الجنة في بعده نار يا نور.

رفعت حاجبها بسخطٍ، فوضعت الصغير على الأريكة ثم توسطت بيدها خصرها وهي تصيح بهن: اسمعي ياختي منك ليها. بالصلاة على النبي كده مفيش محن تاني، حكم أنا مش تايهة عنكم بالذات البت رحمة أول ما عدي يسبلها تنسى اسمها، انتوا هنا غضبنين ومقهورين مش طالعين رحلة ولا شهر عسل. يبقى تتلموا كده وتسبيوني اخططلكم واشوفلكم المناسب لتربية الزوجين المتهورين دول، اتفقنا؟

تطلعت كلا منهن للاخرى ثم انفجروا ضاحكين فشاركتهم نور الضحك، ثم اشارت لرانيا قائلة: تعالي وريني الاوض عشان انيم عدي وأغير هدومي.
أسرعت رانيا بحمل الصغير، واتبعت نور التي انحنت لحمل حقيبتها، فقالت بلهفة فشلت باخفائها: طب قوليلي رائد عامل ايه؟
توقفت عن صعودها للدرج، فجذبت منها الصغير ورفعت الحقيبة وهي تشير لها بغضبٍ: قولتلك ماليش في المحن. هاتي الواد وانزلي لصاحبتك اساليها واندبوا مع بعض للصبح.

وتركتها فارهة الفاه واسترسلت طريقها للاعلى، فأشارت لها رحمة بالهبوط بسخريةٍ، ثم قالت وهي تتمدد على المقعد: متسأليش نور عن حاجة تاني. بلاش تعصبيها الفترة اللي هنقعدها هنا.
سألتها بفضولٍ: انتوا جيتوا هنا ليه؟
ردت عليها بحزن: اتخانقت انا وعدي وعمي قالي احضر شنطتي.
ارتسم الحزن على معالم رانيا، فربتت على يدها وهي تخبرها بحب: معلشي عدي بيحبك ومهما كان هيجيله الوقت اللي هيعرف غلطه.

قال باحتقان باحبالها الصوتية: هو مغلطش معايا يا رانيا. انا اللي غلطانة ومش عارفة أبرر حتى موقفي.
تدفقت دمعاتها فضمتها رانيا اليها وهي تحاول التخفيف عنها، بينما قلبها يتمزق من لوعة الفراق هي الاخرى.

يا ويل قلبي من عشقٍ ملأ أعماقي، ليت غيمة الحب تمطر وتزهر الأشواق، ليأتي الغد وتلقاني، فيختتم فراقنا باللقاء، فالشوق إليكِ مشتاق، ليتك ترق لقلبي وتهوى لقائي، ألم تكتفي من البعد أم أن قلبك مازال يلوذ بقيود الصمت الشَّاجِي!

رسالة تتبعها الاخرى، ولم ينتابه الملل ولو للحظاتٍ، الليل قد غسق بظلامه الكحيل، وظلمة قلب رائد تزداد وتشرق مع تحول رسالته لمقروءة، وتارة يرى أعلى شاشته خاصية «يكتب»، فيشرق قلبه بنور عشقها، ويترقب ما سترسله اليه، فيخيب ظنه من جديدٍ حينما لم ترسل بشيءٍ، وكأنها تتردد بالضغط على الارسال، فارسل هو لها: قولي اللي مترددة تقوليه يا رانيا. عشان خاطري كلميني.

خاب ظنه للمرة التي فشل بعدها، فتمدد على الاريكة وعينيه لا تفارق فراشه الذي رفض التمدد عليه وهي ليست تشاركه نومته!

أغلق عدي الهاتف مع مازن، بعد أن أخبره بأنه اتجه للساحل برفقة مروج ليعوضها فراقهما عن مصر لسنواتٍ، فالقى هاتفه على الفراش بملل، جفاه النوم وهي بعيدة عنه، وما يقتله ببطءٍ ما تخفيه عنه، كم مرة أمسك هاتفه وحاول طلبها وهو يعلم بأنها ستجيبه، ولكنه رفض مواجهتها وبقلبه كل ذلك الغضب، فأبعد الرباط عن يده وهو يشعر بحاجته للرياضة علها تشفي نيران قلبه، نجح باداء بعض التمارين التي لم تحتاج لذراعه المصاب حتى انتهى فجلس على المقعد المستدير وهو يحاول التفكير في الامر، فعزم امره بأنها لربما تخفي عنه أمرًا يخص حادثه الغريب الذي يوسم بأنه مدبر سابقًا، فان كان رجل الاعمال مهاب أبو العزم خلف ذلك للانتقام مما فعله به اذن عساه يعود للانتقام واستغلال بعد رحمة عنه، شعر بالاستياء لقرار ابيه ببعدها في حين انها لربما وجهة للخطر، لذا جذب هاتفه وحرر اتصاله حتى استمع لصوت متصله: باشا. ليك وحشة!

املى أوامره دون أن يعبأ بحديثه: هبعتلك عنوان عايزك من بكره تاخد رجالتك وتحاوط البيت وتحمي اللي فيه. سامعني.
علم وينفذ يا باشا.
اغلق عدي الهاتف ثم القاه على الفراش، واتجه لحمامه الخاص عله ينعم ببرودة المياه لتزيل ارهاق العودة للرياضة بعد انقطاع أيام.

توسطت الشمس كبد السماء، لتعلن عن زوال ذاك الليل الجاف، استعد الجميع للذهاب للعمل ومن بينهم معتز، ارتدى سروال أسود وقميص أبيض اللون، وجاكيت الأسود، ثم استعد للهبوط للاسفل، فتفاجئ بشروق تجذب حقيبتها الصغيرة وتلحق به، ضيق عينيه وهو يتساءل بذهولٍ: على فين؟
ضيقت عينيها بدهشةٍ لعدم تذكره وعده القاطع لها، فقالت: أنت نسيت ولا أيه. انت مش قولتلي هنزل معاك المقر من بكره؟

تسنى له تذكر تلك الحلقة الغير محببة، فرسم ابتسامة مصطنعة وهو يجيبها: آه افتكرت طبعًا.
وبغيظٍ كبته داخله، أشار: اتفضلي يا حياتي.
وضعت حقيبتها على معصمها، واتجهت للمصعد بدلالٍ رقيق: ميرسي.

لحق بها وهو يدعو أن تمر الامور علة ما يرام، فكيف سيحتمل عملها هذا وأغلب موظفي المقر رجال، السيدات تشغل مناصب ليست كثيرة، إن لم يقدم وعده لها لكان تغاضى عن الأمر في الحال، وأخيرًا وصلت سيارته للمقر، فصفها بالجراج التابع لمقر الجارحي، ثم اتجه اليها، فوجدها مازالت تقف بالخارج بانتظاره، والارتباك يسمو عليها كالوحش المفترس، وقف جوارها وهو يتساءل بقلقٍ: انتي كويسة يا حبيبتي؟

هزت رأسها اليه، وحركت اصابعها امام وجهها علها تحصل على الهواء، ورددت بخفوت: مرتبكة بس. أنا بقالي سنين مجتش هنا.
أمسك يدها وهو يمضي جوارها، فمنحته نظرة ممتنة، حتى وصل أخيرًا لمكتبه الخاص، فأشار لها على مكتب السكرتيرة الخاص به ثم قال على مضضٍ: مكتبك.

وضعت شروق حقيبتها على سطحه، ثم جلست على المقعد تتحرك به بفرحةٍ، وهي تتفحص المكان من حولها باعجابٍ، استند معتز على حافة مكتبها العلوي، ووزع نظراته على من حوله بضيقٍ، وخاصة حينما أسرع تجاهه احد الموظفين فقال: لو مش هعطل حضرتك في اوراق مهمة محتاجة توقيعك.

عينيه الفضولية حانت منها التفاتة تجاه الفتاة التي استلمت العمل جديدًا، ومع ذلك سحبها باحترامٍ وهو يتابع رئيسه الذي انكمشت تعابيره تجهمًا، فأشار له بغضب: سبها على مكتبي ولما هخلص هبعتلك خبر. ويا ريت تركز في شغلك وتبطل تبص شمال ولمين.

شعر بالحرج الشديد بالرغم من كونه شابًا مهذب، لم يصدر عنه السوء قط، وهذا بعث الصغينة لقلب معتز الذي حمل ذاته ذنب هذا الشاب، فكز على أسنانه وهو يحاول التحكم في غضبه، انتبه لصوت شروق التي تناديه وهي تردد باستغرابٍ: أنت هتفضل واقف كده كتير. ما تخش شوف شغلك وخليني أشوف شغلي أنا كمان!

استدار تجاهها بنظرة جافة تعحبت للغاية من رؤيتها، وخاصة حينما قال: يا ريت تتعاملي بحدود مع الموظفين انتي ست متجوزة ومش متجوزة أي حد.
عقدت حاجبيها بصدمةٍ من حديثه، ولم يسبق لها على ذاك المقعد سوى خمسة دقائق، فنهضت وهي تشير له بغضب: تقصد أيه يا معتز! أنا لو مكنتش متجوزة يعني كنت هساير حد! دي لا أخلاقي ولا تربيتي.

واسترسلت بعصبية بالغة: خد بالك من طريقتك وبالذات هنا. انا لا هستحمل اسلوبك ولا طريقتك دي معايا. حتى الشاب اللي كان واقف معاك من شوية أيه اللي حصل منه عشان تعامله بالطريقة دي!

تأثر صوتها من الحزن الشديد التي شعرت به، فجذبت حقيبتها وقالت: أنت عملت كل ده في أول خمس دقايق من قعدتي على الكرسي ما بالك لو استمريت أكتر من كده. أنا قولتلك قبل كده مش هرضى باهاناتك مهما كان التمن. وأنا بنفسي رافضة وجودي هنا لو هتعاملني بعدم احترام.
وتركته مشدوهًا واتجهت لتصعد للمصعد، فلحق بها وهو يردد بدهشةٍ: انتي رايحة فين؟ شكلك بتتلككي!

منحته نظرة ثاقبة قبل أن تضغط على الزر الارضي للمصعد، فغادرت باحدى سيارات الأجرة للمكان الذي توجب عليها الذهاب إليه منذ الأمس، فلم تعد رانيا فقط بصحبتها. نور ورحمة لجوارها أيضًا.

بغرفة أحمد
شعر بأنفاسها تلفح وجهه، ففتح عينيه ببطءٍ فوجدها تتأمله بابتسامتها الساحرة، ابتسم وهو يميل تجاهها ليطبع قبلة على جبينها: صباح الخير يا حبيبتي.
أغلقت عينيها بحبٍ جعل نبرتها ترسل بترنيمٍ خاص: صباح الورد. أتاخرت في النوم وأنا محبتش ازعجك.
انحنى بجسده ليجذب ساعته الموضوعة على الكومود، فأعاد خصلات شعره للخلف وهو يردد بدهشةٍ: أنا ازاي اتاخرت بالشكل ده.

وجذب الهاتف وهو يتفحصه بصدمة: المنبه مرنش ازاي وأنا عمله بايدي!
جذبت آسيل الساعة والهاتف منه، ثم وضعته على الكومود المجاور لها، ومالت برأسها على صدره وهي تخبره بضيق: أنا اللي عملت كده عشان تقعد معايا النهاردة.

حاوطها بحنان وهو يقربها منه، فمال برأسه عليها ثم قال بدهاءٍ: لو عليا نفسي أقعد عمري كله جنبك يا نور عيوني. بس أنتي شايفة وضع عدي ورائد حتى ياسين مبقاش يجي الفترة دي المقر. الشغل كله عليا ولازم عمي والمدراء ميحسوش بتقصير في غيابهم.
ابتعدت عنه وهي تتطلع اليه بطفولية، فضحك وهو يمنحها وعدًا: خلاص هحاول أخلص شغل بدري واعدي عليكي نسهر بأي مكان.

عاد وجهها ينير دنياه من جديدٍ، فضمها براحةٍ بعدما نجح بامتصاص غضبها، فنهض وأسرع للخزانة، ثم جذب احدى الحلى الكلاسكية، ارتدت آسيل مئزرها، ثم اتجهت اليه لتعاونه بغلق أزرار قميصه وهو يتابعها بشغفٍ وابتسامة ترسم فور رؤياها، رفعت عينيها اليه وهي تحاول القاء سؤالها المتردد على لسانها، فقال بنفس ابتسمته: قولي اللي عندك. أنا سامع.
وكأنها كانت تنتظر سماع ذلك، فقالت: كنت عايزة أسالك عملك أيه في موضوع ليان؟

جلس على المقعد وهو يربط رباط حذائه وقد لاح الضيق على وجهه، كان يود اخبارها بالامس ولكنه فضل الصمت، فقال بتريثٍ: عدي حل الموضوع.
أسرعت تجاهه وبدت الصدمة عالقة على ملامح وجهها: حله ازاي!
قال وهو يستقيم بوقفته: يعني وقعه في شر اعماله وقبضوا عليه وهو رايح برجله يشتري مخدرات تكيفه بفلوسنا، وقدر انه يتخلص من الشهادات المزورة اللي انتي بدلتيها بالسجل.

ابعدت يدها عنه وهي تجاهد تلك الصدمة، فقالت: يعني انت رجعت اسمها تاني لابوها الحقيقي اللي بقى رد سجون!
بلسانك نطقتيها يا آسيل أبوها الحقيقي. وسبق واتكلمنا قبل كده وقولتلك اني عمري ما هكون معاكي في اللي يغضب ربنا!
قالها مشدوهًا من استيائها لما فعله، وخاصة حينما صرخت بانهيارٍ به: انت ازاي تعمل كده يا أحمد. انا قولتلك انا اللي متحملة الذنب. أنت ايه مش بيهون عليك زعل بنتك!

واستطردت بعدم تصديق لما فعله: طب مجاش في دماغك انه بكره يخرج من السجن ويرجع يبتذنا تاني ويطالب ببنته!
قوس حاجبيه بصدمةٍ وهو يتمنى ان تكف عن الحديث، فصاح بها بانفعالٍ تام: أنا مش مصدق اللي بسمعه. من يومين كنتي منهارة تحت رجلي عشان اسامحك والنهاردة بتجادليني. يعني انتي مكنتيش معترفة بغلطتك من البداية وبتلعبي بيا عشان أعدي اللي عملتيه!

وجذبها اليه وهو يسترسل بغضب: شايفاني عيل صغير ولا طيبتي وحبي ليكِ حسستك اني هفق!
بكت وهي تحاول تبرير خطأها: قولتلك قبل كده هعمل أي حاجة عشان بنتي وآ...
قاطعها بنفورٍ وقد ضاق صدره من الحديث بالامر: مش عايز اسمع حرف منك، أنا مصدوم ومش مستوعب اللي بتقوليه ده. ده بدل ما تحمدي ربنا ان عدي نجدك من الغلطة اللي كانت هتشيلك ذنب كبير لباقي عمرك!

وجذب حقيبته الموضوعة على مكتبه بطرف الغرفة، واتجه للمغادرة وهو يشير لها بحزمٍ: النقاش معاكي في الوقت الحالي بدون نتيجة. هسيبك تفكري مع نفسك يمكن تحسي بغلطتك بجد من غير تمثيل!

وتركها وغادر وهي تتأمل الباب الذي تركه مفتوح من خلفه بعدم تصديق، مجرد تحطيم ما فعلته جعلت النيران تتقاذف اليها دون رجعة، ظنت بأنها اخمدت نيرانه وفعلت ما ارادت فمزق أمالها بما فعله، الهبها الغضب، ولم تجد سوى الابتعاد لفترةٍ تحسم بها امورها.

بالمقر الرئيسي لشركات ياسين الجارحي
أسست الطابق العلوي بأكمله وتم تجهيزه خصيصًا للفتيات، وتم الاهتمام بالغرفة التي ستضم المكاتب، فتم تحضريها بالمعدات بفترة زمنية لا تصدق، تحت اشراف شخصي من يحيى و رعد.

بالجناح الخاص بمليكة.
استند بجسده على حافة السراحة، ثم وضع كلتا يديه بجيوب سرواله القطني، ونظرات عينيه الساحرة تحاصر تلك التي تتصنع العصبية باجتيازٍ، بسمته تلك استفزتها، فقالت بدموعٍ تتصنعها: أنت بتتريق عليا يا ياسين؟
أشار لها بملامح شبه جادة: أنا يا ملاكي! بالعكس بسمعك بمنتهى الاهتمام، كملي كنتي بتقولي أيه!

عادت ملامحها للغضب وهي تصيح بانفعالٍ شرس: كنت بقول انك مش شايف غير شغلك أنا مبقتش بشوفك غير صدفة!
اتسعت ابتسامته، وقال بنبرة باردة: حبيبتي أنا معاكي هنا من يوم ما ولدتي ما خرجناش من الجناح نهائي!
ابتلعت ريقها بارتباكٍ وهي تهمس بصوتٍ ظنته غير مسموعًا: آه. صح.
وعادت لتتصنع تعصبها مجددًا وهي تشير له بغضب: بس ده ميمنعش انك مش مهتم بيا ولا بتفاصيلي ولا آ.

قاطعها حينما قال برزانة نبرته الرجولية: مليكة أنتي بتتلككي عشان تروحي للبنات صح؟ أنا ابن عمك وفاهمك كويس!

ضغطت باسنانها على شفتيها بقوةٍ، فمالت برأسها على صدره تبكي بصوتٍ جعله يتمادى بالضحك، غير مصدقًا لما يحدث هنا، وخاصة حينما رددت ببكاءٍ: مش عارفة اقعد من غيرهم يا ياسين. كانوا كل دقيقة واحدة تخبط عليا وتقعد معايا. أنا خايفة انزل تحت مالقيش رحمة ولا نور. حتى آسيل وشروق كلموني وقالولي انهم طفشوا وراهم.
ضحك بصوته كله وهو يردد بعدم تصديق: طفشوا! وانتي بقا عايزة تطفشي وراهم فقولتي أدور على حجة محترمة صح؟

فتحت نصف عين وهي تراقب انفعالات وجهه جيدًا، وحينما وجدته يتقبل الامور بصدرٍ رحب قالت: هو كده بالظبط.
رفع وجهها اليه ثم قال ساخرًا رغم ثبات نبرته: وعلى أيه كل ده يا روحي. بديكي الأذن انك تروحيلهم بدون ما تحصل بينا خناقات والذي منه. بس بليز خليكي فاكرة اننا مفيش بينا شيء يزعل عشان لو نور حبت تقلبك عليا انا كمان!

تحول بكائها المصطنع لابتسامة مشرقة، ثم عادت مجددًا للبكاء على صدره، فبرق بعينيه بدهشةٍ دفعته ليتساءل: في أيه تاني؟
قالت من وسط عويلها: مش قادرة البس واروحلهم. مش عارفة نور بتتحرك بطلاقة وكأنها كانت في رحلة مش طالعه من ولادة. انا تعبانه يا ياسين ومش قادرة اتحرك!

ضحك مجددًا وتلك المرة أحمر وجهه من فرط ضحكاته المتكررة، فقال بصعوبة بالتماسك: بس كده. انا بنفسي هحضرلك شنطة صغيرة وهنزلك لحد العربية وده أخري للأسف ياسين الجارحي عمل هناك حظر تجوال ومحدش يعرف بيودكم فين. وان كان على يحيى أمره سهل انا وهو هنحاول نتأقلم مع بعض.
ابتسمت وهي تتأمله بحبٍ، فأحاطت رقبته بذراعيها، وهمست بفرحةٍ: تعرف اني بحبك.

طوف خصرها بيده والاخرى يبعد عن عينيها خصلاتها المتمردة: حبي فيا عشان اغير رأيي وأخليكي تدوري على حجة بجد عشان تمشي.

وابتعد عنها ثم جذب الحقيبة الصغيرة، فوضع بها بيجامات خاصة بها واسدالها الخاص، والاهم من ذلك وضع سجادتها الخاصة ومصحفها الشريف الذي يحمل نفس لون السجادة البينك، وقبل أن يغلق الحقيبة قال وهو ينحني فوق الحقيبة: وده يا ستي الروب بتاعك عشان لو الجو برد بليل تلبسيه. لو في حاجة نسيتها قوليلي؟

هزت رأسها نافية والعشق لذاك الرجل الحنون يتلألأ بحدقتيها، دنى منها ياسين، فضمها اليه ثم قال بصوت رخيم: خدي بالك على نفسك وعلى ملاك.
أومأت برأسها بخفةٍ، فانحنى ليساعدها بارتداء حذائها، ارتدته على استحياءٍ فما ان اعتدل بوقفته حتى أمسكت كف يده ثم طبعت قبلة خافتة على يده لما قدمه من مساعدة لها، مرر يده على شعرها بحنانٍ ومازحها قائلًا: استمتعي بس براحة وانتي بتنمي عليا.

ضحكت وهي تعقد حجابها، فضمها اليه ليعاونها على الهبوط والخادمة تكفلت بحمل الحقيبة والصغيرة، هبطوا معًا للاسفل فوجدوا الشباب بالاسفل، راقب عمر الحقيبة وتساءل بدهشة: على فين العزم؟
حدجته مليكة بنظرة مشاكسة، فاجابه معتز ساخرًا: لباقي الحزب يا حبيبي. شكلهم متفقين.
ضحك جاسم وقال: تستاهل انت اللي غيور بزيادة عن اللزوم.

وما كاد باستكمال حديثه حتى وجد داليا تسرع خلفها على الدرج وهي تحمل الصغيرة لتناديها بلهفة: استني يا مليكة انا جااااية معاكي هتسبيوني هنا لمين؟
ضحك معتز ليرد له الصاع بينما راقب عمر ما يحدث بذهولٍ، مال حازم على نسرين فدفعها برفق وهو يجذب عنها طبق الحلوى: انتي مستانية ايه انتي كمان قومي شيدي رحالك!

منحته ابتسامة واسعة وهي تشير على الحقيبة الموضوعة جوار الاريكة: شداها من بدري يا حبيبي وكنت بستنى مليكة تخلص.
ونهضت وهي تشير لهن بحزم: هيا بنا يا فتيات.
توافدوا خلف بعضهما البعض والشباب يراقبن ما يحدث بصدمة والاخر انقلب الامر عليه بالضحك كياسين ومعتز، بينما عدي صمته كان مخيفًا للغاية.

جلس ياسين جوارهم، فحل الصمت عليهم جميعًا الى أن وصل أحمد بسيارته فولج للداخل بصحبة رائد، جلسوا قبالتهم فسأله ياسين بفضول: ايه اخبار المقر يا شباب؟
اجابه رائد وقد بدت الحيرة تتراقص به: في حاجات غريبة بتحصل هناك. عمال بيشتغلوا في الطابق اللي فوقنا وبيجهزوا مكاتب جديدة.
رفع عدي حاجبيه بدهشة: مكاتب لمين؟
للبنات. لانهم من بكره هينزلوا يشتغلوا وزيهم زيكم بالظبط.

رد قاطع أتى من يحيى الذي كان بطريقه للاعلى، صدم الشباب الا أحمد لم يتأثر بما استمع اليه لعلمه مسبقًا، ابتسم عدي وهو يردد بسخرية: وده طبعًا قرار ياسين الجارحي، عشان كده مشوا واحدة ورا التانية لان أكيد الموضوع ميحلاش بالنسباله غير بالتحديات.
اجابه يحيى: لا يا عدي الفرع اللي هيمسكوه تابع لشركاتنا برضه.

واسترسل وهو يتجه للدرج: عمومًا الكل لازم يكونوا موجودين بكره بالمقر. في موضوع مهم ياسين هيكلمكم فيه، عن اذنكم.
وتركهم وصعد للاعلى والجميع بدهشة مما يحدث، فقطع دخول مازن جلستهم، فجذب احد المقاعد وضمها اليهم، فسأله معتز بدهشة: انت مش كنت بالساحل مع مروج يا ابني!
رد بغيظٍ وهو يكاد ينفجر: البنات كلموها وراحتلهم!
همس عمر ساخطًا: الحزب اكتمل!

بالمنزل الخاص بالفتيات.
استمعوا اليهن جيدًا، وما ان انتهوا من قص ما حدث، قالت رحمة بعتابٍ: شروق ممكن تكون معاها حق في تصرفها لكن انتي لا يا آسيل، أحمد معاه حق. مينفعش تحلل اللي حرمه ربنا ولا نقبل بيه بأي شكل من الاشكال!
انكست رأسها بحزنٍ، وقالت والدموع رفيقتها: غصب عني يا رحمة. أنا مش جاهزة أعيش التجربة دي تاني. أنا ببقى ضعيفة ومش قادرة أقوى ليان!

ربتت رانيا على كتفها بحنانٍ: معلشي ربنا هيقدرك وهتكونلي ليها ام عظيمة تصبريها على اللي هتتعرض ليه. وزي ما أحمد قالك عوديها انها تكون قوية وقادرة تواجه كل اللي هتتعرض ليه.
واضافت نور: سبيوها دلوقتي يا بنات. لما هتهدى وهتوزن الامور هتعرف انها غلط وإن أحمد عمل كده لمصلحتها.

واتجهت النظرات تجاه شروق الباكية، فقالت نور بمزح: قولتلك الف مرة جوزك ده عايز يتحط مع رائد في حبس منفرد. الاتنين لا يصالحوا للجواز عايزين اعادة تأهيل من أول وجديد. وأنا اللي هساعدكم بعون الله.
ضحكت رحمة وهي تشير لها بسخطٍ: طلاقهم على ايدكم بعون الله!

قاطع جلستهم صوت طرقات باب المنزل ومن بعده حرر عثمان المفتاح الخاص به، فولجت الفتيات معًا للداخل، صعقت نور ورحمة حينما وجدوا مليكة وباقي الفتيات أمامهن!

بالقصر.

أخبر عدي رائد بالمكان الذي نقل به ياسين الجارحي للفتيات، وأخبره بالا يذهب الآن وينتظره بالصباح سيذهب بصحبته لرؤية رحمة، جفاه الشوق ولم يرف له جفن، فأتصل بحازم وجاسم ومعتز وطالبهم بالمساعدة، وكان منهم ان استعدوا جيدًا لسطو المنزل ورؤية زوجاتهم، صعدوا للسيارة وتحرك بهم رائد متبعًا الموقع الذي أرسله له عدي، فما ان وصلوا حتى احاطوا المنزل لأكثر من ساعة كاملة حتى حددوا غرف الفتيات، فوضعوا السلم الحديدي وعاونوا رائد على الصعود لغرفة رانيا، وجده تتمدد على الاريكة وتتأمل شاشة هاتفها باهتمامٍ، على ما يبدو بأنها تهيم برسائله دون أن تهتم باجابته، انتفضت بجلستها بفزعٍ حينما رأته يقف أمامها، تراجعت رانيا للخلف بصدمةٍ اتبعت نبرتها الخافتة: دخلت هنا ازاي؟

اجابها ومازال يدنو منها بقربٍ خطير: فاكرة اني مش هعرف اوصلك!
استدارت راكضة لباب الغرفة وهي تصيح: نور، رحمة. بنات!
كمم فمها جيدًا، ودفعها للحائط الذي بات معتقل اليها، يده تمنع حديثها واليد الاخرى تقيد حركتها المنفعلة، رمادية عينيه تشكو جفائها، وبحزنٍ شديد أخبرها: ازاي قدرتي تبعدي عني يا رانيا؟ ازاي قدرتي تعمليها؟

تهاوت دمعاتها على خدها فلامست يده التي تحركت عن فمها لتزيحها ومن ثم احتضن وجهها بيديه معًا وهو يقطع اخر مسافة بينهم وبصوته الرجولي المجروح قال: عارف ان غلطي كبير. مش طالب منك غير فرصة اصلح بيها غلطتي، انا متعمدتش أتسببلك بالجرح ده. صدقيني غصب عني!
ابعدت يده عن وجهها وابتعدت قليلًا وهي تشير اليه: امشي يا رائد، امشي قبل ما انكل ياسين يعرف بوجودك هنا.

جذبها بقوةٍ اليه وصاح بعصبية بالغة: بعدتي مرة وعاقبتيني ونتيجتها ايه حرمتني من بنتي سنين طويلة، المرادي عايزة تعاقبيني بأي شكل على غلطة مقصدتهاش يا رانيا!
احتدت عينيها بنظرة قاتمة لحقها نبرتها الساخرة: عصبيتك دلوقتي بتأكدلي انك عمرك ما هتتغير يا رائد، يلا مد ايدك عليا وارجع اتأسف تاني وقول مقصدتش!

مرر يده على خصلات شعره بجنونٍ، ثم تلبسه رداء هدوئه وهو يخبرها: آسف. بس أنا نفسي تحسي بيا أنا بقالي فترة قالب الدنيا عليكي وانتي بتشوفي رسايلي ورافضة حتى تطمنيني عنك!
واقترب مجددًا وهو يحتضن وجهها، وأجبرها على التعمق بعينيه وهو يهمس بصوته الحنون: قدرتي تبعدي ازاي وأنا في الحاله دي. قدرتي تنسيني وتدوسي عليا بالسهولة دي!

فقدت قدرتها على مفتاح قلبها الذي يملكه هو، فتحررت دمعاتها من جديد وبهمسٍ ذبح قلبه رددت: مقدرتش. أنا مقدرتش لانك ساكن في كل نفس بأخده. ساكن في قلبي وجوه روحي. انا كنت بموت وانت بعيد عني!
ضمها اليه بقوةٍ جعلتها تنصاع اليه، همساته خدرت جسدها بين يده، وصوته الدافئ يخبرها بعاطفة: وحشتيني!

كادت بأن تستسلم اليه بطوفان عشقهما الخالص، فقاطع صفوهم صوت صفير قوي من جوار شرفتها ومن بعدها صوت جاسم المتعصب: انت يا عم روميو، انجز السلم هيقع فوق نفوخنا كلنا!
رمشت بعينيها بصدمة: ده صوت جاسم!
ضحك وهو يغمز لها بمشاكسة تجاه النافذة، فهرعت لتتفاجئ بجاسم ومعتز وحازم، يحملون سلم معدني يتصل لشرفتها، فاشار لهم معتز بسخرية: انجزوا لسه لينا دور!

اضاف حازم بسخطٍ: انا بقا متنازل عن دوري مش طايق اشوف خلقتها اساسا انا جاي هنا بالغصب وتحت تهديد السلاح لكن انا مصدقت اني طفشتها!
اضاف جاسم ساخرا: على أخر الزمن هنعيش زمن المراهقين من تاني!
واشار للاخير بحدة: انجز بقا بدل ما ياسين الجارحي يعلقنا.
ايه اللي بيحصل هنا ده!
انتفضوا جميعًا على الصوت القادم من خلفهم، ابتسم معتز وهو يردد بخفوت: ده عثمان، يعني اعتبروا الخبر في عب ياسين الجارحي.

صرخ بهم حازم وهو يترك السلم المعدني الذي بدأ رائد بسلكه فسقط أرضًا يصرخ ألمًا، بينما هوى حازم تجاه عثمان مسؤول الحرس بالمطرقة الموضوعة جانبًا وهو يردد: اقتلووووه بسرعة قبل ما يبلغ عننا!
احتضن المطرقة وهو يتراجع للخلف بصدمة، حاول ابتلاع ريقه بصعوبة فلم ينجح لذا استدار اليهم وهو يشير بأعين كادت بالتحول عن مسارها: طلع هنا، ياسين الجارحي هنا!

قالها ثم تمدد ارضًا فاقدًا للوعي، ركض معتز وجاسم تاركين رائد يتأوه ارضًا وهو يشير لهم بالعودة لحمله، فتعركلت قدميهم ليسقطوا من فوقه ومن ثم تفاجئوا بعثمان ولجواره ياسين الجارحي الذي وزع نظراته القاتلة بينهم، نهضوا جميعًا واقتربوا ليقفوا امامه، كالاطفال المرتكبين لذنبٍ فاضح أمام استاذهم، اسند ياسين يده لخلف ظهره وهو يوزع نظراته ببطءٍ بينهم، فشق صوته جلباب الليل العتم: اظن أنا منبه ان ممنوع حد يجي هنا.

ردد رائد بحرج: يا عمي.
اوقفه باشارة يده وهو يسترسل بثبات تام: زي ما واضحلي مين اللي وصلك لهنا يا رائد.
اجابه بحزن: أنا بس كنت حابب اعتذرلها وآ.
أوقفه باشارة مجددًا وهو يشير لهم بصرامةٍ: امشوا من هنا فورًا، وبكره في الاجتماع ليا كلام تاني معاكم.

فور انتهائه مما قال غادروا جميعًا بلمح البصر، فاستدار ياسين تجاه عثمان وهو يشير له: مش عايز نملة تعدي من قدام البيت يا عثمان. بالذات الفترة الجاية فتح عينك وخليك جاهز لاي حركة يعملها مهاب.

أومأ برأسه عدة مرات، وغادر على الفور فاستكمل ياسين طريقه للاعلى، فتح باي المنزل ليجد الفتيات بانتظاره على طاولة الطعام الصغيرة، جذب ياسين المقعد الاساسي وهن من حوله يرقبونه ببسمة ممزوجة حب واحترام، فقال وهو يوزع نظراته نظراته بينهم: جاهزين تشوفوا مكاتبكم من بكره!
واسترسل بخبثٍ: اعتقد اننا خدنا أول خطوة، الخطوة الجاية عليكم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة