قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والثلاثون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والثلاثون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والثلاثون

مرت من أمامها كل ذكرى مؤلمة متعلقة بحملها الأول، كيف خسرت حبه الكبير لها وعنت من شدة قسوته، لا قلبها ليس قادرًا على خوض تلك المعاناة مجددًا، تعلم بأنه كان يخاف عليها في كل مرةٍ ذكر الطبيب أمر حياتها المهددة بخطر حملها المتعسر، ولكنها الآن لن تقوى على المحاربة بعد تعرضها لكل تلك الموجات، انهمر الدمع على خديها وارتجفت شفتيها وهو تحاول نطق تلك الكلمات الثقيلة: والله ما أعرف حصل ازاي يا عدي. أنا أسفة.

وأزاحت دمعاتها بأصابعها، ثم التقطت نفسًا مطولًا يعينها على قول ما طاف بخاطرها: أنا ممكن أنزله!
رمش بعينيه وهو يحاول استيعاب الأمور بداية من حملها ونهاية باقتراحها الغير مقبول إليه بالمرةٍ، فقال بصدمةٍ: أيه الجنان اللي بتقوليه ده!

واحتضن وجهها بيديه، ثم قال بنبرةٍ حنونة: اللي شوفتيه مني زمان مش هيتكرر تاني يا رحمة. أنا عندي ثقة كبيرة في ربنا إنه مش هيخليني أخسرك بعد كل الاختبارات اللي مرينا بيها مع بعض.
وابتسم وهو يستطرد: حملك وراه رسالة من ربنا وأنا فهمتها. أنا كان نفسي أعوض اللحظات اللي عشتها بعيد عنك في أكتر وقت كنت محتاجالي فيه وربنا عوضني بحملك.

وضمها إليه بقوةٍ، ويده تعبث بخصلات شعرها: أنا جنبك ومستحيل هتخلى عنك ولا عن اللي في بطنك، ولو ربنا أراد اننا نمشي مشوار تاني هنمشيه بس المرادي وأنا جانبك وايدي في ايدك.
أغلقت عينيها باستسلامٍ لذاك الأمان الذي يداعبها، لم تصدق ما تسمعه حتى وإن كان يستمر بحديثه إليها، أجبرت يدها على التعلق به، وكل ما تتمناه أن يظل هكذا، وإن تخلت روحها عنها لن تريد بعدها أي شيء.

استندت على الكومود حتى استقامت بوقفتها، خطت خطوتان تجاه حمام غرفتها بتعبٍ مازالت تشعر به بعد ساعاتها القليلة من ولادتها، اتجهت لحمام غرفتها بصعوبة، فاستندت برأسها على الحائط وهي تجاهد ذاك الدوار الطفيف الذي يهاجمها، شعرت بكف قوي يضم يدها فرفعت رأسها تتأمل من يقف أمامها ببسمة خافتة: حازم!
أسندها إليه وهو يتساءل بدهشةٍ: أيه اللي قومك من السرير.

أشارت له على حمام الغرفة، فأسندها حتى ولجت إليه، ثم عاد بها للفراش مجددًا، جذب حازم الغطاء عليها، ثم حمل خالد الغافل جوارها لغرفته، وتمدد هو لجوارها، راقبته نسرين ببسمةٍ هادئة، فأبدل ملابسه ثم تمدد لجوارها، فسألها بتعحبٍ: بتبصيلي كدا ليه؟!
ابتسمت وهي تخبره: محتارة فيك. مفيش في حنانك وطيبة قلبك يا حازم.
وانحنت بجسدها حتى استلقت على صدره، فأغلقت عينيها وهي تردد: ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك يا حبيبي.

حاوطها بذراعيه ثم قال ببسمة ماكرة: انتي بتحبي فيا في الاوقات الغلط!

أريكتها الجلدية المريحة تضعها لجوار شرفتها الزجاجية المفضلة، لا يفصلها شيئًا عنها، الشموع البيضاء تحيط بالحائط الصغير المجوف فتصنع اضاءة ساحرة للغاية، ضمت ساقيها إليها رأسها مستند عليها وخصلات شعرها تلامس أطرافها، ابتسامتها لا تترك شفتيها وعينيها تراقب القبعة المجوفة التي تعلو القصر، هائمة بتلك الذكرى التي تنعش قلبها العاشق، خرج من حمام غرفته، يجفف رأسه بالمنشفة، فما أن أزاحها عنه حتى انتبه لوضع زوجته، فدنى منها وهو يتساءل بدهشةٍ: ملك! سرحانه في أيه؟

استدارت برأسها إليه، وأشارت له بالاقتراب، اقترب يحيى منها، فأمسكت يده وحثته على الجلوس لجوارها ثم قالت ببسمةٍ هادئة وهي تشير على سطح القصر: مش بيفكرك بحاجه المكان ده؟

ضيق عينيه بعدم فهم، فمالت برأسها وعادت لتهيم بالمكان مجددًا وهي تخبره: هنا كنت هنهي حياتي بعد تفكيري الأهبل انك كنت بتخوني، ووقتها انقذتني مرتين، مرة من الموت ومرة من عقاب عتمان الجارحي، أخدت القلم بدالي ومهتمتش بشكلك قدام اللي بالقصر ولا همك أي شيء غير انك تحميني من الضربة اللي ممكن تأذيني.

وعادت لتتطلع تجاهه وهي تستطرد: الذكرى دي لسه في بالي لحد النهاردة يا يحيى مش قادرة أنساها. ولا قادرة أنسى كل تضحية قدمتها عشان تحميني، حبك ليا حماني من كل شيء وحش.
طلت وسامته ببسمته الصغيرة رغم كبر عمره، فضمها إليه وهو يتساءل بمكرٍ: أيه السبب اللي خلاكي تفكري في كل ده الوقتي.
اختبأت بأحضانه وهي تهمس باستنكارٍ: مين قالك اني نسيت حاجة عملتها عشاني!

وارتفعت بجسدها اليه، فطبعت قبلة خاطفة على خده وهي تكرر همسها الخافت: انت الشيء الحلو في حياتي كلها يا يحيى، واللى بيفرحني أكتر ان ياسين ابني طالع شبهك في كل حاجة.
وامتعضت ملامحها فجأة، فلم تسيطر على دمعاتها وهي تردد بخفوتٍ: أنا أوقات بخاف انك تسبني يا يحيى، خايفة من لحظة الفراق والموت، خايفة ان يومك يكون قبل يومي وقتها ممكن أموت نفسي.

ازاح دمعة خائنة من عينيه وهو يخبرها ببسمة صغيرة: أيه اللي بتقوليه ده يا ملك!
ابتسمت وهي تخبره رغم نبرتها الباكية: هعمل أيه لازم أفكر باللحظة دي، انت عارفني طول عمري دبش ومش بعرف أفكر بالكلام بس أنا يعني بقولك اني كنت كل ما بفكر ان ياسين نسخة منك وإنه هيصبرني الايام اللي فضلين ليا لحد ما ربنا يفتكرني قلبي يوجعني أكتر، فملقتش غير اني ادعي ربنا يخلي يومي قبل يومك.

وانغمست بالبكاء، فشدد من ضمه لها، وقال بصوته الرخيم: متفكريش في الموت تاني يا ملك، استغلي كل لحظة بتجمعنا مع بعض كأنها الاخيرة.
وأبعدها عنه لتقابل نظرات عينيه التي مازالت تملك سحرها الخاص حتى بعد مرور هذا العمر، فباغتها بنبرته الجذابة: وأنا أعاهدك اني هفضل أحبك لحد أخر نفس خارج مني!
وترك ديوان عشقه يكتمل بأقصوصة اضافية تحملهما معًا في ختام صفحته الطويلة.

بالجناح الخاص بمعتز.

عمل جاهدًا على حاسوبه، فكان يود الانتهاء من الملف الاخير قبل صباح اليوم الجديد، مرت أكثر من ثلاث ساعات عمل بها بهدوءٍ تام دون أن تثير الضجة جواره بثرثارتها المعتادة، لا يعلم لماذا اشتاق لها فجأة، وكأن فعلتها التي لا تعجبه بات يشتاق لها ويفتقدها، خرج معتز من غرفة مكتبه للغرفة الرئيسية، فوجدها تجلس على الفراش وتعمل على حاسوبها ذو اللون الوردي، كان يبدو عليها الانشغال التام بعد عودتها للعمل بالمقر، تمدد لجوارها بعد انتهائه من عمله، فقرر خوض معاركتها الدائمة لانشغالها التام عن بدأها، فقال بنبرةٍ شبيهة لها: كالعادة هتقضي يومك كله قدام اللاب ولا كأن في واحد قاعد من الصبح يستناكي عشان نقعد مع بعض!

أبعدت شاشة الحاسوب عنها، لتحدجه بنظرة بلهاء، غمز لها بمشاكسةٍ اتبعت حديثه: هو أنا مش بصعب عليكي! يعني طول اليوم برة البيت وفي الشوية اللي راجعة فيهم هتسهري قدام الزفت ده.
فشلت بالسيطرة على انطباع وجهها المتصلب، فانفجرت ضاحكة وأشارت: ده أنا صح! بتتريق عليا يا معتز.

ابتسم وهو يتابع ضحكاتها، فزحف على الفراش حتى بات جوارها، جذب عنها الحاسوب ثم وضعه على الكومود، وجذب يدها إليه يقبلها برفقٍ، ثم رفع عينيه إليه ليخبرها: فرحان انك بقيتي معايا ومشاركاني كل حاجة حتى الشغل.
وابتسم وهو يشير لها بمكرٍ: ده غير اني ملاحظ انك بقيتي مهتمية بنفسك وخسيتي جدًا من أول اسبوعين!

انخطف لون وجهها من فرط سعادتها، كأغلب النساء التي تسعد قلوبهن باهتمام زوجها لادق تفاصيلها، ناهيك عن ملاحظته بفقدانها للوزن، فركت منخارها كمحاولة لاخفاء بسمتها، واصطنعت الجدية وهي تخبره: معتز اديني اللاب لو سمحت لسه ورايا شغل!
ابعده عنها وهو يشير لها بتذمرٍ مرح: لا يا حبيبتي شغلك في المقر، هنا أنتي ملكي أنا وبس مش ملك الشغل!

وقربها اليه سريعًا ليفاجئها بسرقته العاطفية، فشهقت بخجل، وابتسم وهو يجذبها أسفل الغطاء هامسًا لها: الموضوع أصله خطير وده بدايته، تعالي لما أكملك اللي حصل!

طالت ظلمة الليل الكحيل حتى أشرقت سماء يومًا جديد، اجتمع فيه جميع أفراد العائلة على مائدة الطعام الكبيرة، الذي يترأس طرفيها ياسين الجارحي قبالة رفيق الدرب، غمز له يحيى وهو يبتسم بمكرٍ جعل الاخير يجذب هاتفه، ويرسل له
«أيه سر السعادة الغريبة دي! »
انتقلت نظراته للهاتف المضيء، فسحبه وقرأ ما دون برسالة ياسين، فأجابه.

«وأخيرًا اتخلصنا من المشاكل كلها يا صاحبي، بس تفتكر لسه في مصايب تانية مستناية دورها؟! »
عشرات المقاعد تفصلهما، ومع ذلك يبدو بعد المقاعد قريبًا بعض الشيء، جذب ياسين هاتفه فعبث به وهو يرتشف قهوته بثبات
«مفيش حياة بدون مشاكل يا يحيى، بس المهم اننا قادرين نواجهها واحنا مع بعض ولا أيه؟ ».

منحه ابتسامة واسعة، وجذب كوب العصير خاصته فرفعه عاليًا وكأنه يقدم له تحية صباحية تشاركه كل عركلةٍ معًا، انطلقت الاحاديث المرحة المتبادلة بين الشباب والفتيات، فهبطت رحمة للأسفل بصحبة نور، فجذبت كلا منهما مقعدها، وجلسن يتناولان الطعام، تساءلت آية باستغراب وعينيها تحيط بمقعد عدي الفارغ: فين عدي يا رحمة؟

أجابتها وهي تجاهد ذاك الدوار الصباحي المعتاد لأي امرأة بشهورها الأولى من الحمل: معرفش يا ماما أنا صحيت ملقتهوش!
صدح رنين هاتف نور، فجففت يدها ورفعت الهاتف وهي تردد بدهشةٍ: ده عدي.
أشار لها عمر قائلًا: طب ردي شوفي في أيه!
أجابته نور فقالت: أيوه يا عدي!
جحظت عينيها بذهولٍ، والابتسامة تحررت على شفتيها، فابعدت مقعدها وهي تردد بفرحةٍ: بجد، فين؟!

استمعت لما قال، وتركت الهاتف وهي تشير اليهم بحماسٍ: عدي جابلي العربية.
وتركتهم وهرولت للخارج، فلحقت بها الفتيات والشباب راكضًا، تبادل الجميع النظرات بدهشةٍ، فقال رعد بسخريةٍ: عمرهم ما هيكبروا أبدًا، مش عارف حقيقي هيعقلوا أمته ويتصرفوا بمسؤولية شوية دول أباء وأمهات!
جذب عز الشطيرة فغمسها بالعسل الابيض، وتناولها وهو يخبره: ما تسبهم يعيشوا حياتهم. هما يعني عندهم كام سنة لكل ده، العمر قدامهم طويل.

وأضاف أدهم ببسمة هادئة: بالعكس أنا شايفهم عاقلين كفايا وشغل المقر يشهد على كلامي ولا أيه يا يحيى!
انتهى من مشروبه، فوضع الكوب وهو يشير لرعد: سبهم يا رعد. هو في أجمل من أن الواحد يعيش حياته بالطول والعرض، أنا بفكر بعد اللي حصل ليهم بالفترة الاخيرة نديهم اجازة من المقر يطلعوا اسكندرية أو بورسعيد يغيروا يومين قبل رمضان.
واستدار تجاه رفيقه يتساءل: ولا أيه يا ياسين؟

مرر سكينة على الجبن الأصفر، فتناول بشوكته القليل، وقال بثباتٍ: معنديش مانع. خليهم يطلعوا يومين تلاته.
جحظت عين حمزة بصدمة: وشغل المقر. متقولش احنا اللي هنشيل!
تعالت ضحكات عز، فقال بمشاكسةٍ: وماله منشلش ليه ولا أنت اخدت على الراحة؟!
اعترض أدهم على حديثه ومنح خيارًا أخر: لا يا عز. العضمة كبرت عند حمزة ومبقاش حمل الشغل فرامي اتكاله على أحمد وفرمه بالشغل.

وضعت تالين الملعقة عن زبادي الحليب، ثم قالت بضيق: هو أخد على كده يا أدهم، لما الولد يا قلبي مبقاش بيرجع البيت اللي وش الصبح.
صاح بهم بعصبية: أنا يعني اللي متكل عليهم لوحدي ما كلنا كده ولا أيه؟

ترك ياسين المنشفة الورقية باهمالٍ فوضوي، فالتزم الجميع بالصمت، ليحطم هو جلبابه العتيم حينما قال: كلنا أهملنا شغلنا ورمينا المسؤوليات على الاولاد، عشان كده أنا مع قرار يحيى نخليهم يغيروا جو كام يوم واحنا هنشيل بدالهم بالفترة دي.
نغزت دينا ذراع رعد، فتأوه بصوتٍ مسموع وتساءل بحدة: في أيه؟
قالت بغضب: طب واحنا مش هنطلع يومين نغير جو ولا احنا مالناش نفس يعني!

حدجها بدهشةٍ: يعني لو بايدك اختيار خروجة حلوة هتختاريها لنفسك ولا لاولادك؟
اجابته ببسمةٍ عريضة: ليا طبعًا ودي فيها كلام.
انفجر الجميع ضحكًا، فقال عز بمكر؛
والله أنا شايف ان دينا معاها حق، احنا كمان لازمنا تغير جو ولا أيه؟
حدجه الجميع بصمتٍ، فقال وهو يتطلع اليهم: يبقى تمام على العيد نسافر كلنا مكان كويس ومحدش هيقدر يعترض كلامي.
رد عليه حمزة بخبثٍ: ليه ياسين الجارحي؟

ابتلع ريقه بخوفٍ مصطنع، ونظراته لا تفارق ياسين المتكئ على يديه برزانةٍ قاتلة، وقال: لا معايا وسطة وعلى رأي المثل يا بخت اللي نسيبه ياسين الجارحي وأخوه يحيى الجارحي ولا أيه!
نهض يحيى عن المقعد ثم قال بتريثٍ: هروح أبلغ الاولاد بقرار سفرهم.

بالخارج.
ركضت مسرعة للسيارة، فالقت بذاتها داخلها، ثم وقفت على مقعد القيادة وأخذت تلوح بيدها بالهواءٍ بفرحةٍ طفولية، ابتسم عدي وهو يراقبها، فهمس عمر اليه: ارتحت لما نفذلتلها اللي هي عايزاه أهو محدش عاد هيعرف يكلمها من هنا ورايح.
رد عليه أحمد بضيقٍ: وفيها أيه يا عمر هي عملت جريمة ما أغلب البنات عندهم عربياتهم الخاصة!
ضحك ياسين وردد بمرحٍ: انت ليه محسسني انها هتقود حياتك مش على الرصيف!

لوى فمه بتهكمٍ، وخاصة حينما أسرعت نور تجاههم، فصاحت بسعادة: والله ما عارفة أشكرك ازاي يا عدي، لو ينفع كنت حضنتك بس للاسف لا يجوز!
تعالت ضحكاته الرجولية، فقال وهو يشير اليها: مفيش داعي مشاعرك وصلة بدون أحضان!
اتجهت نور خطوتين حتى باتت تقف جوار زوجها، فوزعت نظراتها بينه وبين السيارة، فردد بعدم فهم: نعم!
قالت بدهشةٍ: العربية جت فاضل نتعلم السواقة.

رفض مساعدتها بصدر رحب: قلبي رهيف عشان تتعلمي السواقة لازم حد قلبه ناشف بحيث لو اتخبطتي لقدر الله يبقى قادر يستوعب ويكمل تعليمك عادي.
رددت مليكة بصدمة: انت بتفول عليها من دلوقتي!
اشارت لها نور بغضب: شوفتي أخوكي. هو نفسه في كده أصلًا.
واستطردت وعينيها تختار غايتها: عمومًا أنا هخلي حازم هو اللي يعلمني، شوفته بيعمل حركات بالعربية يخربيت كده.

رد عليها جاسم بسخرية: مش لما تتعلمي تطلعي بالعربية الاول يا نور تبقي تتعلمي الحركات!
واضاف مازن: لا وما شاء الله عندها طلة في اختيار الشخص اللي هيعلمها!
رد عليه حازم بسخطٍ: وماله الشخص اللي اختارته يا سي مازن!
تدخلت مروج بملل: مازن أنت بتحاول تخلق مشاكل مع المديرية كلها اسكت أحسن!
ضحك معتز وشيد على حديثها: أيوه اسمع كلام مراتك واسكت، انت كلامك بيعملك مشاكل ووشك أساسًا معتش حملها!

أشارت نور لحازم بحماس0: طب يلا يا حازم علمني.
أشار لها بالصعود للسيارة بينما ولج لمقعد السائق، كادت نور بالدخول اليها، فأوقفها أحمد حينما قال: نور بلاش حازم ده متهور بالسواقة، خلي رائد يعلمك أفضل سواقته هادية وعاقل.
خرج حازم برأسه من نافذة السيارة فصاح به: متخليك محضر خير يا أخ، ماله حازم مش ده اللي كان السبب في انقاذ الوحش، لو كنتوا اتكلتم على اللوا كان زمانهم خلصوا عليه.

منحه عدي نظرة صارمة، جعلته يزحف برأسه للداخل في صمتٍ، فأشار لنور التي صعدت جواره وتحرك بها للحديقة الخلفية الشاسعة، بينما تجمع الشباب والفتيات بالخارج حول الطاولة المستديرة، فتساءل ياسين بفضول وهو يتفحص ملابس عدي الرسمية: أنت خارج ولا أيه يا عدي؟
أشار له وهو يجيبه: أيوه، هنزل مكتبي النهاردة أشوف الدنيا ماشية ازاي، وهرجع على طول.

نهض أحمد عن مقعده ثم أشار للشباب قائلًا: عجبتكم القعدة ولا أيه، يلا اتاخرنا.
وقف الشباب جميعًا وقبل تحركهم أوقفهم صوت يحيى القريب منهم، حينما قال: يا شباب. قرار عاجل ومفاجئ.
همس جاسم بخوفٍ: استر يا رب. كارثة جديدة على الصبح!
جذب يحيى المقعد الاساسي للطاولة، وجلس يلتقط أنفاسه، فتساءل عمر بدهشةٍ: خير يا عمي. هنرجع المقر تاني ولا في قرارات جديدة؟!
غمز بمكرٍ: لا قرار جديد بس متقلقش يا عمر هيعجبك.

بلهفة قال: كل الآذان صاغية.
ضحك وهو يخبرهم بمرحٍ: قررنا نحن كبار عائلة الجارحي، وذلك بعد موافقة السيد ياسين الجارحي، باعفائكم من عملكم الشاق بالمقر لمدة لا تتجاوز الثلاث أيام، وذلك بمنحكم افراج رسمي لكلتا المدن السياحية لقضاء وقتٍ ممتع يعوض ما عاناه الجميع بالفترة الماضية.
فور انتهائه من اخبارهم، صاحت الفتيات بفرحة: يعيش، يعيش.
قالت آسيل: هو ده الكلام ولا بلاش.

أضافت داليا: والله كلنا محتاجين نغير جو ولا أيه يا رانيا؟
أكدت لها بتأكيدٍ: طبعًا مين مش محتاج يخرج لمكان على البحر يغير بيه جو.
وأكدت مليكة: أهم حاجة يكون على البحر يا عمي.
ابتسم وهو يخبرها0: اقعدوا رتبوا مع بعض واتفقوا على المكان اللي حابين تروحه.
ونهض وهو يستطرد0: عن اذنكم.

وتركهم يتشاوران بالامر ثم عاد للداخل، وبعد مشادات من الجدل تم الاتفاق على الاسكندرية، واتفق الشباب على السفر الباكر بالغد أما اليوم سيستعدون جميعًا لذلك، واستغل عمر اليوم بالذهاب للمشفى، وصعد عدي بسيارته ليتجه لوجهته الهامة، وتبقى الشباب بالمنزل، يستعدون بالمعدات التي ستكفي غرضهم بالرحلة، فجلسوا يتقاسمون المهام بينهم، الى أن قاطعهم صوت اصطدام قوي وتليه صوت صراخ نور، فهرعوا للخلف سريعًا ليتفاجئ الجميع بالسيارة مصطدمة بالشجرة العملاقة، وزجاجها الأمامي محطم كليًا، وزعت نور نظراتها المنصدمة بين السيارة وبين حازم الذي ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يشير لها: هصلح الموقف وقسمًا بالله.

انهالت عليه بالضرب، وهي تصرخ بعصبية: عمال تقولي أنا حريف! كسرت العربية ده أنا لسه مفرحتش بيها.
حاول أن يتفادى يدها، فصاح بها: هعوضك بعربية زيها أو هتكفل بتصالحها!
تدخل أحمد على الفور، ففتح الباب الجانبي للسيارة وأشار لها بالهبوط وهو يردد بنوعٍ من الشماتةٍ: قولتلك بلاش حازم!
منحته نظرة غام بها الندم، فهبط حازم خلفهما قائلًا بسخطٍ: هي اللي على الله حكايتها، عمال أقولها دوسي فرامل وهي في دنيا تانية!

كزت على أسنانها، فبحثت حولها عما يمكن استخدامه في تلك اللحظة العصيبة، فلم تجد الا أداة خاصة بتنظيم حديقة القصر، جذبتها نور واتجهت اليه وهي تتساءل بإنذارٍ خطر: يعني هتصلحها ولا تستلقى موتك.
جحظت عينيه صدمة، فصاح بخوفٍ: هصلحها وقتي!

الانجازات المتتابعة تلخصت بكل وسام حمله هذا الحائط، ميدالية تليها الأخرى، ولجوارها شهادة تقدير، وقلادات ثمينة تشيد بإسم المقدم عدي الجارحي، وها هو الآن يعود بعد انقطاعه التام، ليس ليباشر عمله فمازال ينفذ وعده القاطع بعودته بعد تماثله الشفاء بشكلٍ كلي، ولكنه يحن للعودة والتواجد على هذا المقعد الذي ينقله لذكرياتٍ محمسة لعودته مجددًا، مرر عدي يده على المقعد والبسمة لا تفارق وجهه، فاستمع لطرق باب غرفته، فردد: ادخل.

ولج الموظف والابتسامة البشوشة لا تفارق وجهه مرددًا: نورت مكتبك يا باشا.
واقترب ثم وضع كوب القهوة بعنايةٍ على سطح المكتب، ثم قال: مظبوطة زي ما بتحب يا باشا.
ابتسم وهو يجيبه: تسلم يا صالح.

حمل الموظف الصينية ثم غادر على الفور، تاركه يعيد كل تفاصيل يرغب بها، وجذب الكوب ثم بدأ بارتشاف قهوته بتلذذٍ عجيب، ليقطع لحظاته الهادئة رنين هاتفه اللامع بإسم الاسطورة، حرر زر الاجابة قائلًا: قلبك حاسس اني رجعت ولا أيه؟
تعالت ضحكاته الرجولية، وقال من بينها: يا حبيبي الاخبار بتوصلني من قبل ما تخرج من بيتك!

وتابع بمكرٍ: اكتفيت بمكالمة بما إن زيارتك سريعة لكن مع رجوعك هتلاقيني معاك بنفسي أنا ومراد وسيادة اللوا.
ضيق عينيه متسائلًا بشكٍ: في حاجة لازم أعرفها ولا أيه؟
ابتسم وهو يخبره: مهمة بنجهزلها من فترة وفي وقت التنفيذ هنكلمك ترجع يا وحش، ولازم تعرف انها تمس آمن الدولة.
وبصوتٍ جاد للغاية تساءل: جاهز يا صاح؟

ابتسم جراء كلماته الاخيرة التي جعلته يشعر وكأنهما مجرمين، فقال: جاهز يا كفاءة. وبالمناسبة لما هشوفك قريب هفهم منك أكتر. لانك انت ومراد معزومين عندي على الفطار أول يوم رمضان ومش لوحدكم الحكومة الزوجية هتكون معاكم والأولاد. أظن فهمت.
همس بسخطٍ مضحك: لزمتها أيه النكد!
وزفر وهو يخبره على مضضٍ: تمام هقول لمراد وهنيجي أكيد منقدرش نفوت فرصة اللقاء بياسين الجارحي تاني!
ردد عدي ببسمة صغيرة: سلام مؤقت.

وأغلق الهاتف ثم استند بيده على الطاولة، يفكر بأمرٍ جعل ابتسامته تتلاشى، فعبث يده بالهاتف شمالًا ويمينًا، حتى استقر بعد تفكيرٍ لما يريد، فجذبه مجددًا ثم طلبها وما أن أجابته حتى قال: حبيبتي البسي، هعدي عليكي نروح للدكتور عشان نطمن عليكِ أكتر!

أعدت الفتيات الحقائب استعدادًا للسفر بالصباح الباكر، فانشغلت كلا منهن بغرفتها بجمع الاغراض، بينما تركت مليكة مهمتها لزوجها، الذي انتهى من وضع ما سيحتاجوه طوال الثلاث ليالي، وقبل أن يغلق سحاب الحقيبة تساءل: هتحتاجي حاجة تانية يا ملاكي؟
مررت بصرها على محتويات الحقيبة، وهزت رأسها نافية وببسمة رقيقة قالت: أكيد مش هينقصني حاجة عملتها أنت بنفسك.

منحها ابتسامة جذابة، ثم دنى من مقعدها، فأبعد عن رقبتها ذاك الرباط المتحرك، لترتاح قليلًا، واستغل فرصة قربه منها، فطبع قبلة خاطفة على جبينها، ثم همس إليها: هنزل أصلي الظهر وبعدين نخرج نتغدى في أي مكان. فرصة اني اجازة النهاردة من المقر.
هزت رأسها وهي تردد بفرحةٍ: هجهز نفسي لحد ما ترجع من المسجد، بس متتأخرش!
جذب سجادة الصلاة خاصته وغمز لها بخبثٍ: أنا رجعت يا باشا!

كان ياسين بطريقه للأسف، فامتعضت ملامحه بمللٍ حينما وجد المشهد المعتاد بين جاسم وداليا، وتلك المرة اختاروا انحناء الدرج كمنصة للمشاجرة، فاستمع لجاسم يحذرها: اعقلي يا داليا وبطلي لعب العيال ده، احنا بينا اتفاق ولا نسيتي!
ردت عليه باستنكارٍ: بس لما فكرت لقيت اني كنت غلط لازم يكونلنا طفل تاني يا جاسم.

ضرب كف بكف: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، يا حبيبتي انتي مش لما كنتي في أوضة العمليات حلفتي انك لمل تطلعي هتقطعي علاقتك بيا ومش هتكرري الغلطة دي تاني، أيه اللي غير نظرتك للأمر؟
ابتلعت ريقها ببعض الخوف، واجابته: ومازلت بصراحة. بس لازم أحاول!

انتهى ياسين من الدرج حتى بات جوارهما، فجذب ذراع جاسم وهو يجبره على الهبوط قائلًا بسخطٍ: القصر كله في هدوء تام الا ازعاج خناقتكم كل يوم، تعالى صلي يمكن تطرد الشيطان اللي مش يسيبكم ده.
وزع جاسم نظراته بين يد ياسين التي تسحبه للاسفل وبين نظرات زوجته المغتاظة، وابتسم بعدم تصديق بأنه تحرر بمنتهى السهولة، فلحق بياسين وهو يخبره بصوتٍ منخفض: جميلك ده مش هنسهولك العمر كله.

فتح ياسين الباب، ثم تابع بهبوطه للخارج ليمنحه نظرة غاضبة اتبعها قوله: أنا هموت وأعرف انت طايق نفسك ازاي يا أخي! ده انا أوقات بحس ان حازم أعقل منك في تعامله مع مراته!
وضع يديه بجيوب جاكيته ثم أشار له بعنجهيةٍ: دي شكليات يا ياسو. الحياة متحلاش غير بجرعة النكد الصباحية المعتادة ولا أنت مش من الحزب المتنكد يوميًا ولا أيه؟

صعد سيارته وصعد لجواره جاسم، فمنحه نظرة من طرف عينيه قبل أن يجيبه: متقارنيش بحد فيكم يا حبيبي!

انتهت رحمة من ارتداء فستانها الأسود الرقيق، ثم وضعت ححابها وجلست تتطلع لذاتها أمام المرآة بخوفٍ يجعل قلبه يخفق بضعف، تجمعت الدموع بملقتيها فحاولت منعها مرارًا، تخشى أن يصرح الطبيب بخطر حملها تلك المرة فتعود لنفس رحلتها السابقة حتى وإن صرح لها عدي بعدم عودته لما حدث بينهما سابقًا، ولكن رغمًا عنها تجتابها الخوف والقلق، شرودها جعلها لا تستمع لطرقات الغرفة الفاصلة بينها وبين ابنائها، مما دفع الصغير الولوج للداخل، فاقترب منها بدهشةٍ وقلق دفعه لازاحة دمعاتها فانتبهت رحمة لوجوده، وازاحت دمعة عينيها الاخرى وهي تردد ببسمة نجحت بصنعها: ياسين!

سألها بقلق: في أيه يا ماما، بابا اتخانق مع حضرتك تاني؟
هزت رأسها نافية لذلك: لا خالص!

ودفعته برفقٍ ليجلس قبالتها على الفراش، وانتظرت قليلًا تفكر فيما تود قوله، لم تعتاد يومًا أن تخفي أي شيئًا عنه، لطالما شعرت وكأنه شابًا في الثلاثون من عمره على الرغم من كونه طفلًا صغيرًا، ولكنه يمتلك عقلًا وحكمة تجعلها عاجزة، لذا قالت بهدوءٍ: أنا كنت هجيلك أنت ورحمة عشان أفرحكم وأقولكم ان قريب ربنا عيرزقنا بأخت أو أخ ليكم.
ابتسم الصغير ومع ذلك اخبرها بشكٍ: وهو ده خبر يزعل حضرتك!

تلاشت ابتسامتها، وأفاضت بما يقبض صدرها: انت عارف يا ياسين ان حملي فيكم مكنش سهل وكان فيه خطورة على حياتي، فعدي مكنش متقبل الحمل ده عشان كان خايف عليا، أنا دلوقتي مش عارفة هل هواجه نفس المصير ولا لا، ولو ده حصل هترجع الحياة بينا زي فترة حملي الأول ولا لا!

منحها الصغير ابتسامة جذابة، ثم رفع يده ليزيح دموعها مجددًا، وقال بثقة: خليكي متفائلة إن مفيش أي شيء من ده هيحصل، بداية من زيارتك للدكتور اللي إن شاء الله هيطمنك، ونهاية ببابا لان ياسين باشا غيره 180 درجة، وأعتقد إن الفترة اللي عاشها مش هيحب إنه يكررها تاني لإن الدرس مكنش قاسي على حضرتك بس لا هو كمان أتعذب وعلم معاه.

رمشت بعينيها بعدم تصديق، ومع ذلك لم تكن دهشتها كبيرة لاعتاديها عليه بتلك الرزانة، فابتسمت وهي تهمس: ياسين الجارحي اللي قدامي. مستحيل!
ضحك الصغير وأخبرها بمكرٍ: أنا اسمي ياسين الجارحي فعلًا يا مامي!
ثم قال وهو يشير لها بضيق: وبعدين عندي تعليق، ده فستان تخرجي بيه مع عدي باشا! بسيط جدًا وميلقش على الخروجة دي، اختاري شيء مميز لأن النهاردة مميز ولا أيه؟

ضحكت وضياء وجهها ينير، وتساءلت: هتساعدني في الاختيار؟
حك جبهته بحيرةٍ، ثم قال: هحاول!
جذبته للخزانة وبعد رحلة من الصبر والاختيار، نجحوا باختيار فستان أزرق تحفه فراشات بيضاء، رقيقًا للغاية ولكنه يمنح طالة فخمة لاقت بها، هندمت حجابًا أبيض وحذاء أبيض بسيط، ثم استدارت تجاهه وتساءلت بفضولٍ: ها أيه رأيك كده، لبست الفستان اللي إختارته ملكش حجة؟!

سماعه لتلك الكلمات أمام باب جناحه، دفعه لفتح الباب باستغرابٍ من حديث زوجته عن شخص تجرأ ليختار لها فستان داخل جناحه المحظور، لوهلة شعر وأنه أخطئ سماعها ولكن كلماتها كانت واضحة، ففتح الباب وولج يبحث باستغراب، حتى سقطت عينيه على ابنه يجلس على الفراش ويشير لها بأعجابٍ قائلًا: كده أحلى وأشيك بكتير.

اتجهت عينيه تلقائيًا تجاه من تقف أمام المرآة المطولة، فانفرجت شفتيه دهشة وهو يتأملها، وكأنها ذاتها تلك الفتاة التي جمعهما القدر على متن طائرة واحدة بالأمس، انعكس طيفه بالمرآة، فالتفتت للخلف لتردد بتوترٍ: عدي أنت طلعت. أنا كنت نازلة أهو!
واشارت تجاه ياسين وكأنها تلقي اللوم عليه: بس ياسين هو اللي أخرني وخلاني أغير هدومي تاني!

ابتسم الصغير وهو يراها تتهرب وكأنها هي الصغيرة هنا، فقال بمكر: كده هتتفدي من العقوبة مثلًا.
ثم تطلع لعدي الذي يراقبه بصمتٍ: أنا بعتذر للتأخير نيابة عن والدتي اللي بتصدرني للوجهة!
رسمت ابتسامة هادئة على شفتي عدي، فعبث بخصلات شعر ابنه البني ثم قال بمحبة: اختيارك حلو ومريب.
وختم بسؤاله المندهش: انت ليك في اختيار اللبس ازاي!
أشار له ليحني رأسه اليه ثم قال: لما حضرتك ترجع هعلمك!

ضحك عدي بصوته كله، ثم عرض عليه وهو يطبع قبلة على خده: طب أيه رأيك تيجي معانا أنت ورحمة.
تطلع الصغير لوالدته التي تراقبهما باستغرابٍ، ثم همس إليه بمكرٍ: أنا بقول دي خروجة متنفعش فيها حد، بس لو حضرتك هتعوضهالنا بإنك تاخدنا معاك اسكندرية التلات أيام دول هقدر تضحيتك جدًا!

انفجر عدي ضاحكًا، فتعالت ضحكاته بعدم تصديق لسماعه تلك العرض الماكر، راقبتهما رحمة بفرحة حتى وإن لم تستطيع سماع ما يحدث بينهما ولكن على الأقل رؤيتهما هكذا تجعلها سعيدة عمرًا باكمله، وخاصة حينما وجدتهما يتبادلان الصفح وعدي يخبره: موافق على العرض يا سيادة المقدم.

ابتسم الصغير حينما مجده أبيه بضمه لاكثر شيء يريد تحقيقه، تقبل ابيه للامر ووضعه كمقياس قبالته جعله سعيدًا ويود تحقيق هذا الحلم عن جدارة، فأستأذن منهما وغادر لغرفته، انتصب عدي بوقفته وتابعه وهو يغادر ببسمة صغيرة ختمها حينما تطلع لرحمة وقال: مش شبهي لأ، ده كله ياسين الجارحي على نسخة أكتر خطورة!

وضعت آسيل الحاسوب على الفراش، ثم تمددت قبالته وهي تتابع حديثهن، فاقترحت مروج ما يمكن اصطحابه معهن بالحقائب: أكيد هنحتاج واقي من الشمس وكام نظارة.
تساءلت شروق: طب واللبس؟
اجابتها رانيا: أكيد لبس محتشم وعادي لاننا كلنا طالعين مع بعض.
قالت نسرين بتعبٍ: بس أنا مش هقدر اطلع معاكم والله. حتى لو كانت ولادتي طبيعية فأنا لسه حاسة بارهاق وتعب كفايا إن احمد مش بينام طول الليل ومسهرني معاه.

تعالت ضحكات آسيل وقالت: متقلقيش يا سلفتي هبقى أطوع وأشيله عنك شوية وأدي أويس ابني لأحمد يتحمل مسؤوليته.
علي ذكرها لاسمه، ابعد عينيه عن شاشة حاسوبه الماسد امام مكتبه المجاور لغرفتها، فقال: بتناديني يا حبيبتي؟
صاحت بصوت مرتفع تجيبه: لا ده أحمد الصغير مش أنت.
رددت داليا بمرح: العيلة كلها بقت أسماء متشابه!
اقتربت مليكة من كاميرا الهاتف، ثم قالت: أيه رأيكم يا بنات. الفستان حلو ولا ضيق؟

تأملت الفتيات بأكملهن ما ترتديه، فقالت رانيا: جميل أوي يا مليكة بس ابقى طولي الطرحة شوية.
وأكدت شروق: فعلا والله تحفة عليكي أوي.
بينما تساءلت مروج بخبث: فكك من حلو وبتاع. انتي راحة فين كده؟!
أجابتها على استحياء: ياسين حابب اننا نتغدا بره النهاردة.
ضحكت نسرين ثم قالت بسخرية: يا عم يا عم الرومانسيات ما احنا هنسافر بكره ولا عايز ينفرد بالكريز لوحده النهاردة!

ضحكت الفتيات على حديثهن، وتساءلت مروج بدهشة: بنات فين رحمة ونور؟ مش ظاهرين من الصبح!
اجابتها داليا: رحمة قالت انها راحة للدكتور مع عدي لان زي مانتوا عارفين عرف بحملها وحابب يطمن.
رددت آسيل بقلق: ربنا يطمنها يا رب.
تساءلت مليكة هي الاخرى: طب ونور؟
ردت عليها داليا: لا معرفش، بس مدام مختفية كده أكيد بتعمل كارثة!

بغرفة نور.

مازلت تصر عليها بالهاتف بسرعة حضوره للمنزل ليحضر حقائبه استعدادًا للسفر، وحينما أخبرها بأنه لن يستطيع ارسلت له فيديو وهي تلقي بملابسه عن الخزانة، مما دفعه للعودة للقصر، فاندفع لجناحه بضيقٍ يجعل ملامحه عابسة مخيفة، فتح عمر غرفة نومه، فتفاجئ بها تجلس أرضًا بين كومة من الملابس الملقاة بكل زواية بالغرفة، ووجهها متجهم للغاية، كاد بالتوجه اليها ولكنه توقف حينما عاد هاتفه بإرسال شعار مجددًا، وما ادهشه حينما راى فيديو مسجل أخر من حسابها، حانت منه نظرة اليها فوجدها مازالت تجلس محلها، فاتجه للنافذة القريبة تجاه الملتقط منها زواية التصوير، فابتسم حينما وجد ابنته الصغيرة تعبث بهاتف زوجته بعشوائيةٍ، فتارة تحمله بفمها وتارة تدفعه أرضًا، فظن بأن الفيديو المرسل إليه ما هو الا انتقام شنيع لعدم رغبته بالعودة وإن كانت قد فعلت ذلك، ولكن هناك من قام بفضح ما تفعله بملابسه بغيابه، استقام عمر بوقفته وانتظر حتى تنتبه لوجوده ولكن على ما يبدو انشغالها التام بحسبة تستغرق تفكيرها، وضع يديه بجيب سرواله والتقط نفسًا مطولًا قبل ان يناديها بخشونةٍ: نور!

انتفضت بجلستها فحاولت الوقوف ولكنها سقطت محلها، فرددت بغضب: خضتني!
أشار لها بغضب: أيه اللي عملاه في الأوضة ده.
وأشار على ملابسه بالتحديد: وإزاي ترمي هدومي بالشكل ده؟!
قالت بعدم اهتمام وهي تدخل للخزانة مجددًا: أيه اللي رجعك بدري مش كنت مش عايز ترجع دلوقتي وبتقولي مشغول!

تفادى أن يلامس حذائه بذلاته الآنيقة الملقاة أرضًا بإهمالٍ يجعله يود قتلها بتلك اللحظة، فاتبعها وهو يصيح بها: ربنا اللي بعتلي إشارة من الملاك الصغير دي عشان أكتشف اللي بيحصل، لا وأنا اللي محتار هدومي بتتكسر ليه مع أنها مكوية!

لم تفهم مغزى حديثه الا حينما تطلعت لابنتها فوجدت هاتفها بيدها، وكعادتها من المؤكد فعلها لكارثة، لذا لم يعنيها معرفة ما حدث، فجذبت بعضًا من ملابسه ثم القتها بوجهه وهي تصيح بغضب: تبًا ليك ولبنتك وابنك يا شيخ! مش كفايا اللي أنا فيه!

تفادى (شماعة) الملابس التي كادت بإصابة وجهه، فحمل الصغيرة وركض لغرفتها ليضعها جوار ابنه الرضيع، ثم عاد اليها، ليجدها مازالت تلقي ما بالخزانة، تسلل للداخل بحرافية حتى لا تطوله ما تقذفه بجنون، فاقترب منها وتساءل بحزمٍ: في أيه؟ أنا مش سايبك كويسة وفرحانه بالعربية البينك!

منحته نظرة لا تمت للبراءة التي تتحاول تصنعها بذلك الوقت، ثم انخفضت بجسدها عن الخزانة التي تقف داخلها كالسلم الخشبي، فوقفت قبالته ومن ثم انفجرت ببكاء لا يعلم كيف استحضرته بتلك البساطة، وقالت: معتش حاجة داخلة عليا. أنا تخنت موت يا عمر!

رفع أحد حاجبيه بصدمةٍ، هل أصيحت كفيفة مجددًا؟ أم عاد إليها بصرها الآن!، وزنها كان بزيادة تدريجية طوال فترة حملها إلى وضعها لعدي ابنها الصغير، فجأة تكتشف بزيادة وزنها!، فرفع يديه بإشارة اصبعيه الاثنين معًا وقال: هرمونات!

ثم أخفض ذراعيه ونفث الهواء العالق داخله عله يستجمع شجاعة الدخول لتلك المعركة الحساسة لدى النساء، فقال ببسمة واسعة مبالغ بها: مين قال كده! انتي زي القمر في كل حالاتك يا روح قلبي، ولو على اللبس ننزل حالًا نشتري اللي يناسبك للرحلة.
ازاحت دمعاتها بضحكة غريبة، وقالت: بجد يا عمر؟

تسلل من بين الملابس متعمدًا الخطى فوق ملابسها دون التعرض لما يخصه، فما أن وصل اليها حتى حاوطها اليه، فضمها وهو يخبرها: بجد يا روحي انتي دايمًا جميلة بعيوني.
وعاد ليتطلع لارضية الغرفة ثم قال بتردد: بس انا عندي سؤال، انتي مشكلتك الوقتي مع هدومك ذنبي أنا أيه!
ازاحت دمعاتها باطراف أصابعها وهي تخبره: مانا كنت بقيس كام حاجة من عندك يمكن تنفعني بس منفعنيش حاجة!

وعادت بالبكاء على صدره مجددًا، كز على أسنانه بغيظٍ فكاد بأن يهوى على ظهرها بضربة قوية، ومع ذلك اهتدت حركة يده الى أن ضمتها إليه وقال من بين اصطكاك أسنانه المغتاظة: ولا يهمك. البسي وننزل تجيب لبس مناسب للرحلة.

أشارت له وهي تتجه للجانب الايمن من الخزانة لتنقي ما يناسب خروجتهما السريعة، فلفت انتباهها وجود الميزان الخاص بالوزن، حملته نور ثم وضعته أرضًا، وما كادت بالصعود عليه حتى خطفه عمر من أمامها ليشير لها بتحذير: لا. أنا مش ضامن أيه اللي هيحصل بعد كده. الميزان ده عدوي اللدود.
وقذفه فوق الخزانة وهو يشير لها بتعصب: أنا مش جاهز لمرحلة اكتئاب الاوزان دلوقتي كفايا عليا كده!

انتهى الطبيب من فحصها، والتأكد من حملها أولًا، فاكتشف بأنها ببداية الشهر الثاني للحمل، وإن كان صغيرًا وغير باديًا على الجهاز، فكتب لها بعض الادوية والفيتامينات، فقطع الورقة عن دفتره الخاص ثم قدمه لمن يجلس قبالته، قائلًا ببسمة هادئة: الادوية دي لازم تأخديها بمعادها، وإن شاء الله أشوفك بعد اسبوعين نطمن على الجنين.

التقط منه عدي الروشتة، ثم تطلع لرحمة الصامتة فناولها المفتاح المجاور إليه وقال: حبيبتي انزلي تحت في العربية استنيني وأنا شوية وجاي.
وزعت نظراتها المندهشة بينهما، ثم التقطت المفتاح واتجهت للأسفل، وما ان تأكد عدي من هبوطها حتى قال بقلقٍ: دكتور من فضلك صارحني، حملها الأول أنت شوفت بنفسك الخطورة اللي كانت فيها، حملها المرادي هيعرضها لنفس الخطورة؟

رد عليه الطبيب: أنا شايف ان حملها طبيعي جدًا، ولازم تعرف إن اللي عرضها للخطورة دي حملها بتؤام، والمرادي حملها في جنين واحد يعني إن شاء الله مفيش خطورة.
تهللت تعابيره فرحة فنهض عن مقعده ليصفحه اليد وشكره بإمتنانٍ، هبط عدي للاسفل وصعد لسيارته فوجدها تنتظره والارتباك يستحوذ عليها، فما أن صعد جوارها حتى تساءلت بريبةٍ: قالك أيه؟

انحنى تجاهها، فطبع قبلة خاطفة على يدها قائلًا والابتسامة تطيب قلبها: قال إن مفيش داعي للقلق. وانك انتي والجنين بخير.
رددت بخفوتٍ: الحمد لله.
شغل محرك سيارته وتحرك بها، فعلى رنين هاتفه برقم عمر، جذب الهاتف واجابه باستغراب: خير؟
اتاه صوته يجيب: رحمة معاك صح؟
ضيق عينيه بدهشةٍ: بتسأل ليه؟
ردد باستغاثة: هاتها وتعالى مول، نور مطلعة عيني!
سأله بريبةٍ: ليه؟

قال بسخط: كل ما بتخيرني بين فستانين بحاول أساعدها والله بس مش عاجبها ذوقي ولو متدخلتش بتتخانق بردو، مش راضية تشتري حاجه وأصحاب المحلات قربوا يطردونا من المول كله. تعالى فورًا الله يكرمك.
ضحك وهو يخبره باستهزاء: محتاجة مساعدة ياسين ابني هي كمان!

وانجرف بسيارته في طريق المول، فما أن وصل اليه فوجدوا عمر يقف أمام احدى المحلات، يجوب الطريق ذهابًا وإيابًا وأما أن وجدهم حتى هرع اليهما يتساءل بغضب: اتاخرتوا ليه؟
اجابه عدي بسخريةٍ: أنت ليه محسيني انكم اتمسكتوا وانتوا بتسرقوا! اجمد كده اللي يبصلك بعين نصفهاله!
تركتهما رحمة واتجهت للداخل لتعاون نور برحلتها الشاقة لشراء ما يناسبها، فبقى عمر برفقة عدي بالخارج حتى انتهت الفتيات.

جذب عدي رحمة لأحد المحلات الجانبية، فتساءلت بحيرةٍ: في أيه يا عدي؟
اخرج ما يخفيه خلف ظهره، فتفاجئت رحمة بما يحمله بين يده، جحظت عينيها بعدم تصديق وبالرغم من معرفتها بما يحمله الا انها تساءلت ببلاهة: ده أيه؟
ابتسم وهو يخبرها: لبس بيبي ينفع للولاد والبنات.
بللت شفتيها بلعابها، فهمست وهي تهم بالخروج: أنت مش طبيعي!
كادت بالعثر، فأمسك بها عمر، ثم قال: حاسبي يا رحمة. واخدة في وشك وبتجري على مين؟

تطلعت خلفها بذعرٍ، وكأن هناك شبحًا يلاحقها، فقالت وعينيها لا تفارق من يدفع ثمن ما اشتراه لاول مرة: أحلف إن ده عدي جوزي!
واستكملت وهي تتطلع اليه: اتصلي بياسين الجارحي بسرعة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة