قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

لم يكن بالأحمق حتى لا يجمع خطوط ما يحدث هنا، وخاصة حينما ولج ياسين الجارحي للمكتب، خطف عدي نظرة للعلبة التي يحملها وخاصة للأسم المدون، ومن ثم بطرف عينيه منح من يختبئ أسفل المكتب بنظرة اشتعل بها الغضب فعلموا بأنه كشف الأمر أسرع مما ينبغي له، ربما هم بمأزق جميعًا، وخاصة باختيارهم الضحية الغير مناسبة بالمرةٍ، سيقلب عليهم الطاولة وهيهات بين الشبل والأسد الجامح، ربما هم في عداد الموتى دون الحاجة للدفاع عن أنفسهم، وضع عدي العلبة على المكتب المجاور له، ثم وضع يده بجيب سرواله وهو يتابع ما سيفعله أبيه، اقترب ياسين منه بخطاه الثابت، ومن ثم قال برزانةٍ: مستخبتش ليه أنت كمان؟

استقام بوقفته فور تقدم أبيه ناحيته، وأجابه بثقةٍ: معملتش حاجة غلط عشان اتدارى منها، ولو حصل وعملتها هواجه مش ههرب. أنا مبخفش من حد.
ضيق عسلية عينيه بنظرة أحاطته بصلابة وقوة، وصمت جعل عدي يسترسل بمحبة غلبت جفاء حديثه: الغلطة دي عندي. في ظرف 24ساعة هيكون عند حضرتك علبة جديدة.
رفع أحد حاجبيه وردد ساخرًا: أيه الكرم ده؟

أجابه بإيجازٍ كافي لشرح وجهة نظره: لأنها تخص والدتي. أنا عارف أد أيه هي بتحب النوع ده من التشوكليت. فأكيد أنا مش سعيد باللي حصل هنا حتى لو كان بالغلط.
أشرقت شفتيه عن بسمة خافتة، اتبعها كلمة هامسة: أقنعتني!

ومن ثم اتجهت عينيه لأسفل طاولات المكتب، وأشار لهم بحزمٍ، جعل الجميع يندفع للخارج واحدًا خلف الأخر، انتقلت النظرات بينهم بجفاءٍ، حتى تعلقت بأحمد، وياسين، ورائد، وعمر فردد ساخرًا: أخر حاجة كنت أتوقعها وجودكم تحت هنا! المفروض إنكم كبار وعاقلين بس الواضح قدامي غير كده.

حلت السعادة لقلب معتز، و جاسم لسنهم الأصغر عن الباقية، لذا كان يختبئون خلف أكبرهم، تابع ياسين حديثه الغاضب: شكلكم هيكون أيه لو حد من الموظفين دخل وشافكم مستخبين كده! هتقدروا تتحكموا في ادارة المقر ازاي من تحت الترابيزة!

اشتعلت الدماء بعروقهم، وخاصة أحمد الذي كاد بأن يقتل من فرط الحرج أمام قدوته، لذا قرر الخروج عن صمته حينما قال: أنا بعتذر عن اللي حصل نيابة عن الكل يا عمي، بس صدقني أنا مليت من مصايب أخويا. بقيت بخاف أشوفه من كتر اللي بيعمله فيا وفي ولاد عمي.
علي همس خافت ظنه غير مسموع، فخاب ظنه واستمع اليه لمن بالغرفة: بلاش ياسين الجارحي يا أحمد. حرام عليك يا جدع هيقطع رقبتي!

نظرة صارمة منه جعلتهم يتنحوا جانبًا لتشمل من بقى أسفل الطاولة بعد، فزحف حتى خرج عنها وجسده يرتجف برعبٍ، وخاصة حينما قال بحسمٍ: على مكتبي!
وترك الغرفة بأكملها واتجه للمصعد ليتجه للطابق العلوي حيث تم انشاء مكتب جديد له بأمرٍ من عدي، بينما بالأسفل ردد حازم بخوفٍ وعينيه تراقب الفراغ الذي تركه ياسين الجارحي من خلفه: ليه قالي أروح وراه؟ اشمعنا طالبني أنا بس!

منحوه نظرة ساخطة قبل أن يتجه كلًا منهم لمكتبه، الا عمر اقترب منه بابتسامةٍ واسعة، ووضع يده على كتفه وهو يخبره بعد تفكير ساخر: يمكن هيفتح كرشك ويطلع التشاكوبولجي منها. وهتبقى موتة قدرية عشان تحرم تعيد السرقة يا حزومي!

اهتز جسده حينما ضربته رعشة جعلته يهتز كالبناء الهائل للسقوط، فاسرع لمكتب أخيه، ولكنه تراجع للخلف سريعًا فور رؤية تلك النظرة النارية التي تمردت من حدقتيه بتحذير بعدم الاقتراب والا سيحرص على قتله بنفسه، تراجع للخلف ولم يمتلك أي سبيل للاختيار سوى الصعود للأعلى.

أسرع السكرتير بفتح باب المكتب، مع اقتراب صعود المصعد للطابق المنشود، خرج من المصعد يتفحص الطابق بنظرةٍ سريعة، قبل أن يتجه للداخل، رمش بعينيه بدهشةٍ خلقت داخل حدقتيه فور رؤية مكتبه الجديد، كان على مساحة أكبر من مكتبه الرئيسي بالمقر بمرتين، ومصمم بطريقة مميزة جعلته يراقب كل تفاصيله بانبهارٍ، فمن يراه يكظم بأنه لمالك الشركات بأكملها، على عكس ما يريده عدي، شعر بوجود أحدٌ خلفه فقال دون أن يستدير برأسه للخلف: ده المفروض يكون لمين فينا؟

بخطواتٍ منتظمة اتجه ليكون قبالته، فحانت منه التفاتة تجاه مقعد المكتب الأساسي، تأمله لدقيقةٍ كاملة وكأنه يبحث عن إجابة لسؤال أباه، وفجأه حينما قال بكل ثقة: المكان ده مينفعش يكون لحد غير حضرتك!
وعاد ليتطلع إليه وهو يستطرد: بتمنى إن ذوقي يكون عجب ياسين الجارحي!

حل أزرر بذلته السوداء وهو يعتلي مقعده، ثم قال بإعجابٍ تعمد أن يجعله بارزًا له: عجبني، بس زود عندي الفضول أعرف ليه اختارته ليا وأنت بنفسك حاطط شروط إن محدش يتدخل في الادارة غيرك!
دنا عدي من سطح المكتب، فجذب المقعد المقابل لابيه، ومن ثم جلس براحةٍ اتبعت نبرته الهادئة: ولسه شرطي مستمر، بس ده مينفعش أن اللي حضرتك عملته لامبراطورية الجارحي يحترم وله مقام محفوظ وأنا بنفسي حرصت على ده.

ضحك ياسين بصوتٍ مسموع على غير عادته، وإتكأ بمعصمه على سطح المكتب حتى بات قريبًا منه، وقال بمكرٍ: وإنت شايف نفسك تستحق مكاني هنا، ولا شايف ياسين ابنك هو اللي يستحق يكون وريث لامبراطوريتي؟

حسبته هالة من الادخنة العابرة، فجعلته يشعر باختناقٍ ضاق بصدره، انتصب بوقفته وهو يتطلع لابيه بعينين لامعتان ببريقٍ ظنه الأخير انعكاس لدمعةٍ كادت بأن تهين رجولته لتنسدل على خديه، فمزق جلباب سكونه القاتم حينما قال: محدش يستحق يكون هنا غير حضرتك. ولا حتى أنا!
واسترسل بنبرةٍ تمكن من خلالها ياسين الشعور باختناق اوردته: ربنا يديك طولة العمر.

لم يحتمل البقاء أكثر من ذلك، فانسحب للخروج سريعًا، وكأنه طفلًا صغيرًا يلوذ بالفرار، فاوقفته كلمات صارمة تحررت بسرعة البرق: هستنى أشوف انجازاتك في أيام غيابي عن المقر، ومتنساش باقي على المناقصة يومين بس. وقتك بينتهي يا سيادة المقدم.
توقف عن المضي قدمًا، فرفع رأسه عن الأرض وقال دون أن يوليه ظهره: متقلقش مش ناسي.

وتركه وغادر على الفور، تابعه ياسين بابتسامةٍ صغيرة رسمت بحبٍ وفخر، يحاول بكافة السبل اخمادها خلف ثباته المهيب، ولكنه لا ينكر بأن صموده أمامه ومشاعره الدافئة التي يحاول اخفائها تروق له!

اقتحم عدي مكتبه، فكادت قوة ذراعيه التي تدفع بابه باقتلاعه، أسرع للداخل وأغلق من خلفه، جاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وتلميحه ينخر داخل قلبه كالمنقار الحاد، عقله باتت مشتت عن ما الذي يريده منه أبيه بالتحديد، وكأنه يتعمد خلق تلك الدائرة المربكة من حوله، ليضمن تشتت عقله كليًا!

طرقات باب مكتبه جعلته يتهدج بخطاه المنفعل، ويخبر الطارق بالدخول، فولج ياسين للداخل، ليضع عدة أوراق على مكتبه وهو يخبره: الأوراق دي واقفة على توقيعك يا عدي.
تعمق بالتطلع إليه، وكأنه اهتدى لنقطةٍ ما، فتعجب ياسين من طريقة تطلعه به، وتساءل بريبةٍ: في أيه؟
اقترب منه عدي وسأله بجدية تامة: ليه ياسين الجارحي مختاركش أنت أو أحمد تكون بداله وتدير المقر؟

كان سؤال غريب في وقتٍ أغرب، ومع ذلك أجابه ياسين: يمكن لانه شايفك جدير بالمنصب ده أكتر مننا.
ضحكة ساخرة تلاحقها نبرة مستهزئة: على اساس إني حوت في ادارة الاعمال!
واسترسل بخشونةٍ: خليك ذكي يا ياسين أنا لحد الآن مش عارف اندمج معاكم بالشغل ده، مش قادر أشوف نفسي غير ظابط بوليس.

تشتت عقل ياسين بما أقنعه به، فقال بعد فترة من التفكير: عمي سبق وقالك أنت وعمر إن الشغل كبر ومبقناش نقدر نسد على كل ده لوحدنا عشان كده خلاكم تسيبوا شغلكم وتيجوا على المقر.
سد عليه حجته للدفاع عن ياسين الجارحي: تمام يبقى على الأقل ميكنش ده مكاني. المكان ده المفروض يكون لشخص أكتر خبرة مني زيك وزي أحمد. كان ممكن يخليني زي عمر أساعد واتعلم!

أحاطه الضجر من عصبة تفكير ابن عمه التي لا تتركه هنيئًا، فسأله بجراءةٍ: عدي أنت سبت شغلك عشان عمي اللي طلب منك ده؟
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ: ليه بتسأل السؤال ده!
واجهه بما يشك به: لاني مش قادر أقتنع بده.

زفر بيأسٍ، وارتفع بجسده ليجلس على سطح المكتب قبالته، مرر عدي يده بين خصلات شعره الطويل، فحرفها عن انضباطها وأخذت تموج بعشوائية خلف رقبته، ومن ثم حرر جرفاته وهو يجيبه على مضضٍ: عملت كده عشان رحمة يا ياسين.
بدا متفاجئًا للغاية لما استمع إليه، فترك عنه الملف، ثم جذب أحد المقاعد وقربها إليه وهو يردد بفضولٍ: رحمة!

هز رأسه بتأكيدٍ قائلًا: لما طلبت مني أبعد عن شغلي رفضت وأصريت أكمل، عملت الحاجة الوحيدة اللي اتعودت عليها عاندت، وقدام عنادي استسلمت وبطلت تطلب مني كده.
سأله بحيرةٍ: أمال هي السبب ازاي في إنك تقدم استقالتك؟

ابتسامة حملت عشقٍ خالد توزعت على شفتيه، وبالرغم من سكون حركة جسده الا أن حنان صوته وبسمته كانت كافيلة لجعل من أمامه يستكشف قيمة عشقه هذا: نظرة الرعب والخوف اللي كنت بشوفها في عيونها لما برجع البيت متأخر شوية كانت بتقتلني، كنت حاسس بالعذاب اللي هي عايشة فيه من غير ما تتكلم، خوفها عليا كان بيبان في عيونها، ومعنديش استعداد اشوفها بالحالة دي عشان أرضي غروري.

عبثت أصابعه باللافتة الصغيرة الموضوعة على مكتبه، فحملها بين يده وأصابعه تمر فوق حروف عدي الجارحي ببطءٍ ونظرة لا تحمل الرضا عن تخلي لقبه كمقدم عليها، مثلما كانت تحمل تلك اللافتة بمكتبه السابق، واسترسل بوجعٍ دافين: حتى لو كان ده على حساب حبي وشغفي لشغلي.

ترك عن يده اللافتة واستقام بوقفته وهو يتطلع له، ويخبره بصدقٍ: اللي مهون عليا اللي أنا فيه ده هي. كفايا اني برجع في أي وقت بلاقيها نايمة ومطمنة. القلق والخوف بعد عنها وده كافيل يخليني استحمل أي شيء في الدنيا مش تحديات ياسين الجارحي بس!
وأشار له ببعض المرح: بس ده ميمنعش اني حابب أثبتلكم اني استحق مكانتي مش لان ياسين الجارحي أبويا. لا لشخصي أنا كعدي.
وبنصف عين سأله: عندك اعتراض على كلامي!

ضحك ياسين وهو يشير له باستسلامٍ: محدش يقدر يقول غير كده يا وحش. المهم انك توقعلي عشان ورايا شغل كتير.
انحنى تجاه الحبر الموضوع بعلبة قيمة للغاية، ووقع باسمه على الاوراق، ثم ناولها له وهو يشدد عليه: خليك مع احمد ورائد لازم نكسب المناقصة بأي شكل من الاشكال.
جذب الاوراق منه وهو يخبره: احمد ميتخافش عليه سبق ودخل أكتر من مناقصة صعبة لوحده في ايطاليا، رائد اللي محتاج أبص عليه وأشوف خطته أيه؟

ماله رائد يا سي ياسين. أيه ميقدرش يعتمد على نفسه ولا أيه؟
كلمات حادة تفوه بها من يفتح باب مكتب عدي ليقذف بوجهه تلك الكلمات التي نالت منه، ارتبك ياسين من وجوده ورسم ابتسامة وهو يشيد به: طبعًا معنديش شك فيك يا رائد. بس المناقصة دي صعبة جدًا وآآ.
قاطعه رائد بحدةٍ: صعبة عليا ومش صعبة على أحمد من وجهة نظرك!

كاد ياسين بالرد عليه ولكن اعترض عدي حديثهما حينما قال بضيقٍ: ياسين أكيد ميقصدش يا رائد، أنت مش عيل صغير عشان تفهم الكلام غلط ونفضل نبررلك. كبر عقلك شوية وركز في العرض اللي هتقدمه!
مررها حتى وإن كان أثرها عالق بجوفه، وإدعى بأن الأمور على ما يرام، حينما رسم بسمة مصطنعة وردد: محصلش حاجة. وخليك واثق يا ياسين اني هبذل ما بوسعي عشان المناقصة دي ترسى علينا. عن إذنكم.

وتركهم وغادر على الفور، فحمل ياسين ملفه ولحق به ليصلح ما أتلفه دون قصدًا، وما كان من الأخير الا ان تقبل اعتذاره بصدرٍ ضاق من تلميحاتٍ حديثه وتبقى عالق بنقطة ستعيق ما يود فعله!

مرت أكثر من ساعة كاملةٍ ومازال يقف أمام باب المكتب وهو في حالةٍ من الهلع، استجمع حازم شجاعته أخيرًا، وطرق على الباب، فما أن استمع لاذن الدخول حتى اهتزت ساقه بخوفٍ مما سيلاقاه بالداخل، اقترب حتى بات قريبًا من مكتبه، فراقبه وهو يتفحص الحاسوب من أمامه بثباتٍ عجيب، وكأن أحدٌ لا يشاركه الغرفة، فكسر صوته الرخيم الصمت، حينما أمره: اقعد يا حازم.

جلس على أحد المقاعد من أمام مكتبه الكبير، وعاد لنفس لحظات الترقب من جديدٍ، أغلق ياسين الحاسوب من أمامه، وشمله بنظرةٍ جعلته يرفع أصبعيه وهو يباشر الدفاع عن ذاته: والله ما كنت أعرف إنها لحضرتك، أنا مستعد اتكفل بكل الخساير يا عمي، حتى لو سرقت الفيزا بتاعت أبويا ودفعت بيها تمنها.

أغلق عينيه باسترخاءٍ، وأشار له بالصمت حتى يسمع ما سيقول: اللي بتعمله ده أخرته أيه يا حازم. أنت بطيشك ده بتأثر على أخوك وولاد عمك. يعني لا سايبهم يشوفوا شغلهم ولا أنت نفسك مركز في شغلك عشان كده أنت هتتنقل لقسم الحسابات وده هيكونلك ردع عن جنانك ده.
وضغط على زر خشبي بجانب الحائط، فولج للداخل أحد موظفيه الخاص، فأشار له بحزمٍ: اشرحله طبيعة الشغل يا مصطفى.

أومأ الشاب برأسه باحترامٍ: اللي تؤمر بيه يا باشا. اتفضل معايا يا أستاذ حازم.
لحق به بسعادةٍ لا توصف، وكلمات تتردد دون توقف: أنا حي! الحمد لله.

هبط الدرج الجانبي من خلفه بابتسامةٍ واسعة، وكأنه نجا لتوٍ من نزال كان سيلقى حتفه به لا محالة، فراقب من يتبعه باهتمامٍ، ومن ثم خطف المسافة بينهما وهو يردد بمشاكسةٍ: متعرفناش بالجميل.
رمش الموظف بعينيه بدهشةٍ، ومع ذلك أجابه بمراوغةٍ: أنا مصطفى موظف في قسم الحسابات وآآ.
قاطعه بمرحٍ: يا عم فكك من المقدمات اللي متأكلش عيش دي وخش على الجد.

تساءل بحيرةٍ وهو يحاول فهم ما يود قوله: جد أيه يا فندم مش فاهم حضرتك.
رفع يده على كتفه وهو يخبره بنبرةٍ عميقة: شوف يا مصطفى يا ابني، انت عنيك كلها حزن وهموم. قولي فيك أيه ومتحاولش تخبي. يمكن أعرف أساعدك.
بتوترٍ أجابه: لا آآ. آنا.
قاطعه مرة أخرى وهو يشير له ببسمة هادئة تحثه على الحديث: يا راجل اتكلم ومتقلقش سرك في بير.
بدت معالم الحزن تختلج معالم الشاب، وردد بارتباكٍ: أصل انا عريس جديد وآ...

كمم فمه سريعًا، وهو يشير له بغضبٍ: هوووش تفاصيل زي دي متتحكيش هنا يا راجل!
أبعد يده عنه، فهمس الاخير بصدمة من رد فعله المبالغ به: أمال فين؟
أشار له قائلًا: تعالى ورايا.

اتبعه الموظف بتريثٍ، حتى وصل لغرفة مكتبه الخاص، فمنحه إذن الحديث، لذا فاض بما يضيق به والأخر بستمع إليه بصمتٍ حتى انتهى من حديثه، وترقب ما سيقول، فحك حازم مقدمة رأسه بحيرةٍ وهو يحاول البحث عن حل مناسب لتلك العقبة، وفجأة فرك أصابعيه وهو يخبره: بس مفيش غيره.
تراقص الأمل بحدقتيه وردد: مين؟
اجابه وهو يجذبه ليخرج خلفه مهرولًا: الواد عمر. دكتور اد الدنيا وله في كل خرابة عفريت.

ارتعب الشاب وجذب يده منه وهو يشير له: بلاها عشان منقلقش الباشا.
بسط له ما يخطط له: يا عم متقلش كده. عمر ده عسل وكريم شانتيه.
ابتهج الاخير ولحق به حتى وصل لمكتب عمر.

بالقصر.
طرحت الفتيات غطاء أسوء كبير بالحديقة، ووضعوا الطعام بانتظام على سطحه، وجلسوا جميعًا يتناولان الطعام بجو من الألفة، ومن حولهم يلتف بهم الاولاد، وأغلبهم يقومون بسباق وألعاب جعلتهم في غاية السعادة، بينما اكتفت الفتيات بمراقبتهم بحبٍ، تأملت نور الطعام الموضوع من أمامها بضيقٍ، فسألتها رحمة باستغراب: مش بتأكلي ليه الأكل مش عاجبك؟

زمت شفتيها بنفورٍ: أنا زهقت من الأكل ده. حابة أغير بقا وبصراحه نفسي أكل حوادق كده.
وفجأة رددت وأنفها يلتقط تلك الرائحة التي أنعشت قلبها: في ريحة داخلة عليا تهفهف. شمين؟
نكرت داليا ما تشير اليه: لا مفيش حاجة.
ضحكت أسيل وهي تخبرها: نور لو نفسك تأكلي حاجة عرفينا لتطلع في وش البيبي.
مازحتها شروق هي الاخرى: نور اتوحمي على حاجة حلوة أهو ينوبنا من الحب جانب، مش كده ولا أيه يا روني!

التفتت مليكة حولها بريبةٍ: لا فعلا كلامها صح أنا كمان شامة نفس الريحة.
منحتها رانيا نظرة ساخرة: واضح ان الحوامل بس اللي بيشموا ولا أيه. انتي ايه الاخبار عندك يا نسرين. شامة أيه؟
منحتهم نظرة مغتاظة قبل أن تجيبها: فقدت حاسة الشم وأي حواس بعد المدعوق الجواز، جوازة منيلة بنيلة.
اصابتهن نوبة من الضحك، وخاصة حينما ناولتها رحمة طبق من التسالي قائلة: كلي يا نسرين وفكك. خلي البنت تيجي مفرفرشة متبقيش بومة!

رُفع الغطاء المحكم عن العلبةٍ، فباتت الرائحة تنتقل بينهن، اتبعوا مصدر الرائحة فوجدوا دينا تقف مقابلهم، ولجوارها آية وملك، ويحملن علبًا مغلفة وعدد من الخبز، نهضت مليكة واتجهت اليهن وهي تتساءل بلهفةٍ: اوعوا يكون اللي دماغي.
فتحت دينا العلبة وهي تردد: هو بشحمه ولحمه.
واضافت ملك: ومفيش غيرنا. كل الشباب برة.

جذبت منها مليكة العلبة وانخفضت لتحرر محتوياتها على الأطباق، فهمت نور بالتهام احدى القطع وهي تردد بنهمٍ: ده احنا ليلتنا فل.
همت أسيل لتناول احدى القطع وهي تردد بحماسٍ: واووو. فيسخ!
ابعدت نسرين يدها عن الطبق وهي تشير لها بسخطٍ: الكلمتين ميمشوش جنب بعض يا حبيبتي. دي أكلة الناس اللي بتفهم.

انحنت آية تجاههم ووضعت علبة أخرى، ثم جذبت الخبز وتناولت وهي تشير لهم سريعًا: كلوا بسرعة قبل ما حد يرجع. بدل ما نلاقي نفسنا على الرصيف باللي بناكله ده!
تعالت الضحكات فيما بينهم، فقالت نور: انا من رأيي شروق وداليا يروحوا يأمنوا البوابة لحد ما نخلص.
تذمرت الفتيات ورددن بضيق: اشمعنا احنا بقا.

وضعت ملك العصائر جوارهم، وانضمت إليهم ثم قالت وهي تلوك احدى قطع الخبز: انتوا مكبرين الموضوع ومهما بتعملوا بنتقفش كل مرة يبقى قفشة بقفشة ونتهنى بقا بالاكل.
تناولت رحمة ما بيدها بنهمٍ، وجذبت احد الاطباق وهي تشير لها بإعجابٍ: انا معاكي يا طنط نتهنى الاول وبعدين اللي يجي بعد كده ربنا يسهل بيه!

بمكتب الشباب الجماعي!
عبث بعينيه وهو يجاهد شعوره بالحرج، ومع ذلك تماسك وهو يدون اسم أحد الاطباء، ثم قال ببسمة صغيرة: متقلقش. ده صديق ليا وهيساعدك تحل مشكلتك بإذن الله.

التقط منه الشاب الورقة، وشكره بإمتنان ثم غادر، فما أن تأكد عمر من رحيله، حتى أسرع باغلاق الباب من خلفه واتجه لمن يجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى بتعاليٍ، وكأنه منحه وظيفة براتب شهري ضخمًا، اقترب منه عمر والغضب يتراقص بمقلتيه وفجأة انقض عليه كالوحوش الجارحة التي تتلاعب بضحيتها قبل أن تغرس أنيابها بلحمها الطازج، وصرخ به وهو يسدد لكماته اليه: يا جدع أنا مش لاقي كلمة أقولها لشخص في برودك. شايفني دكتور مسالك بولية ولا شغال مع هبة قطب في حل المشاكل الزوجية!

حاول الاعتدال بجلسته وهو يعدل من ثيابه الفوضوية، وبصعوبة بالغة قال: يعني منساعدش الراجل في محنته!
كز على اسنانه حتى كاد باقتلاعها وصرخ به: وأنا مالي ومال مشاكل الناس يا عم، انا كنت مكفي مشاكلك ومصايبك السودة عشان اكفي غيرك!
صاح بعنفوانٍ وهو يدفع جسده للخلف: انت انسان متكبر ياض يا عمر. وانا اللي فكرتك عجينة تانية غير اخوك. بس للاسف كلكم زي بعض. حد يكره مساعدة الناس يا عالم!

مزق شفتيه السفلية من فرط ضغطه عليها بغيظٍ، فجذب المزهرية وقربها منه، تراجع الاخير للخلف وهو يردد بخوف: هو انتوا ليه رابطين موتي بال?ازات. اسلحة المديرية انقرضت ولا أيه؟
جذبه عمر من تلباب قميصه وهو يصرخ بعصبيةٍ: حازم. أطلع من دماغي. اقولك استنى.
وتركه واتجه لدرج خزانته والاخير يتراجع للخلف وهو يتساءل برعبٍ: هتعمل ايه. مسدس لا لا.
جذب عمر إطار شهادته الخاصة واتجه اليه وهو يسأله بغضب: ده أيه يا حازم؟

دقق النظر لما يحمله ثم قال: شهادة تخرجك من طب العيون!
هز رأسه بجنونٍ وهو يؤكد له، ومن ثم طرق بها على المكتب فتهشم زجاجها ومن ثم جذب ما بداخلها ومزقها وهو يصيح: اهي يا حازم أهي عشان ترتاح وتبعد عني!
ضرب كف بالاخر وهو يردد بحزن: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم. الواد اتجنن!

صوت تحطم الزجاج جعل الشباب بأكملهم يسرعوا بالتجمع بالغرفة المجمعة، فصعقوا حينما وجدوا عمر يمزق شهادته، فلم تزيد صدمتهم فور رؤيتهم لحازم بالغرفة، ترك أحمد مجال صدمة الجميع واتجه لمن يقف بزواية الغرفة، فجذبه اليه وهو يهمس من بين اصطكاك أسنانه: هببت أيه المرادي يا مصيبة عيلة الجارحي!
هز يده وهو يشير له: نسلكم اللي مضروب ومحتاج قطع غيار صدقني!

أحمرت عينيه بغضبٍ جعل الأخير ينفلت ويهرع لاحدى الخزنات وهو يردد بصدمة: هتتحول ولا أيه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة