قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

لم تكن اليقظة بمثابة حلمٍ شاق، بل واقع ملموس، انسحبت حالة الفوضى تدريجيًا، وكلًا منهم يعود لموقعه الطبيعي، هبط جاسم للأسفل واتبعه حازم ببطءٍ، حتى رائد أسرع لمكتبه فجذب نظارته الطبية وارتدائها وهو يسرع بالعبث بأزرر الحاسوب، أما عمر فوزع نظراته مطولًا بين أخيه ويده المرفوعة بوضعيةٍ تشبه الكارتيه، وأسرع هو الأخر لمكتبه، ضم عدي يديه بجيب سرواله، ثم خطى من مكتب لأخر، والجميع يراقبه من طرف أعينهم، إلى أن كسر حاجز الفضول حول عقابهم المستحقّ: لو فكرني هرفع أيدي وهضرب تبقوا غلطانين. أظن انكم كبرتوا كفايا على رفع الأيد والحركات دي.

ابتلع حازم ريقه بصعوبةٍ بالغة وتساءل بصوتٍ متقطع من فرط التوتر: أمال هتعمل فينا أيه يا وحش؟
استدار تجاه مكتبه فجأة بنظراته الثاقبة، فارتد حازم بمقعده للخلف برعبٍ، وخاصة حينما طرق بيده على سطح مكتبه: في عقاب تستحقوه أنت وهما.
وعاد لينتصب بوقفته بشموخٍ اتبع هيبة قراره الحازم: مفيش خروج النهاردة. ولا حد هيرجع البيت الا لما كل الملفات اللي قدامكم دي تتدرس وتتراجع كويس.

فغرت الأفواه، ومن بينهم عمر الذي قال: طب وبالنسبة للخروجة اللي البنات معشمين نفسهم بيها من شهر فات دي!
اتجهت نظراته تجاهه، فأسرع بالحديث لينجو: أي حاجة تتأجل. ولا يهمك يا وحش.
عاد ليتطلع أمامه بثباتٍ وهو يشير لياسين الذي يكبت ضحكاته بسيطرةٍ تامة: أرجع أنت وأحمد في معادكم عادي يا ياسين.

وترك الغرفة ثم غادر بصمتٍ، فنهض حازم عن مقعده ثم القى بجسده على المكتب وهو يحاول اتباع خطوات عدي فما أن تأكد من مغادرته حتى ادعى عصبيته المختبئة خلف قناع الرعب من أن يستمع إليه: احنا مش مضطرين ننفذ عقابك يا وحش، وبقولك تاني لما نكون بنتكلم متخدش في وشك وتمشي قبل ما نخلص كلامنا وآآ.

قاطع حديثه ضربة هوت على رقبته، فاستدار للخلف بفزعٍ سكن حينما وجده معتز يلقيه بسخرية: بطل الخيلة الكدابة دي. اقعد ومنسمعلكش صوت والا ورحمة جدي هقتلك وقتي ونتخلص منك ومن مصايبك السودة اللي طايلنا في كل مكان.
هز رأسه وهو يسرع بالجلوس، خوفًا من القادم، فراقبهم جيدًا ليدرس ما تبوح به أوجههم، فلم يجد سوى الغضب والحنق على عقاب تلاقوه بسبب ساذجة هذا المعتوه!

بالمكتب الرئيسي لمقر شركات الجارحي.

جلس عدي على المقعد الذي لم يجرأ أحدًا على احتضن جسده الخشبي سوى امبراطور ممتلكات الجارحي، والآن ولي العهد نجح بأن يحل محله مثلما كانت تلك القاعدة الاساسية في لائحة شروطه لترك الشرطة والعمل مع أبناء أعمامه، راقب ما يحدث بالخارج عبر كاميرات المراقبة، وحينما تأكد من انشغال الجميع فتح الدرج العلوي لمكتبه الأسود الآنيق، ثم فرد من أمامه عدد مهول من الكتب والأبحاث والأوراق الملخصة لتجارب رجال أعمال من رواد الصناعة في مصر والعالم العربي، ثم بدأ بالدراسة وكأنه طالب ثانوي يستعد لامتحاناته جيدًا، ساعات متتالية قضاها بالمذاكرة بتركيزٍ وتمعن، إلى أن دقت ساعة المنبه الخاص، فرفع سماعة الهاتف المخصص لمكتبه وبخشونة وصرامة قال: ابعتيلي ياسين حالا.

اتاه صوت السكرتيرة تجيبه باحترامٍ: حاضر يا فندم.
وبالفعل ما هي الا ثوانٍ معدودة حتى وجده يقف من أمامه، فقال وهو يغلق باب المكتب جيدًا من خلفه: آسف نسيت خالص.
حدجه عدي بنظرةٍ ساخطة اتبعها قوله اللازع: لا أنت شكلك اخدت على مكالماتي كل يوم. وشكلي هخليك معاهم لبكره لانك متهم بالتقصير في عملك زيك زيهم.

علي الرغم من حدة نبرته الا أنها حملت طيف من المرح، فابتسم ياسين وهو يخلع عنه جاكيته وجرفاته، ثم أشمر عن ساعديه، جذب أحد المقاعد وجلس قبالته وقال وهو يجذب بعض الاوراق لامامه: كده كده بايت هنا يا حبيبي. أنت فكرك أنهم هيسبوني انا وأحمد نروح كده. قلبك أبيض.

ثم جذب أحد الأقلام وهو يشير له عند نقطة دونها ببطءٍ ولسانه يردد ما كتبه: ازاي تبقى هجام درجة أولى واللي فاكرك من سيتي ستار يتفاجئ انك من بولاء. ده درسنا النهاردة.
احتدت نظرات عدي تجاهه، فقال بسخطٍ: أنت بتعلم ظابط شرطة ازاي يبقى سفاح!

بابتسامةٍ تحمل معنى الفخر لما حصده خلال سنوات العمل الطويلة مع عمه وأبيه قال: في شغلنا لازم تتعلم ازاي تقلب التربيزة على منافسينك حتى لو هتختار طريقة مش كلاسكية. المهم صدى الضربة اللي تعلم ومتتنساش.

أومأ برأسه بتفهمٍ لتلك النقطة، فعاد ياسين ليستكمل تلخيص ما تعلمه خلال تلك السنوات برغبة من عدي، فما ان استلم ادارة المقر وهو يخصص لذاته وقتًا لا بأس به للتعلم والدراسة عن مجال ادارة الشركات ليكن رئيسًا ناجحًا كياسين الجارحي، فكان يستعين بمساعدة ياسين و أحمد سرًا، انتهى ياسين من شرح ما أرد، ففتح عدي دفتر خاص به ثم دون أمام أعينه التي تراقب ما سيفعل: بيانات ومعلومات المنافس.

ضيق عينيه باستغراب: ليه هو متهم بقضية هتطلعله فيش وتشبيه؟!
نهض عدي عن مكتبه ثم اتجه لمكينة القهوة الموضوعة بركن منعزل عن غرفة المكتب الضخمة، فصنع كوبين واقترب ليضع مقابله كوبًا، ارتشفه بتلذذٍ وهو يردد بثقةٍ مخيفة: مش لازم عشان تعرف طبيعة الشخص اللي هتشتغل معاه انك تكون ظابط شرطة.

ووضع الكوب على الطاولة وهو يشير إليه: مش هتقدر تتغلب على شخص وأنت مش دارس انطباعاته كويس حتى لو هيجمعك بيه شغل مؤقت ولا أيه!
هز رأسه بتأكيدٍ وابتسامة اعجاب تشكلت على شفتيه، فنهض عن مقعده ثم ارتشف قهوته سريعًا، ارتدى جاكيته وعقد جرفاته من جديد، واتجه للخروج وهو يخبره بعجلةٍ من أمره: هرجع أكمل شغلي ولو عوزت أي حاجة ابقى كلمني.

أومأ برأسه وهو يتفحص الملف الخاص بأحدى الصفقات التي وُكل بها يحيى الجارحي وأبيه، فحرص على دراسة درس طريقة كلًا منهما بالتعامل في العمل، ليتفادى تكرار ذاته مجددًا، وكأنه يود صناعة بصمة خاصة به.
وبعد ساعتين انفتح باب مكتبه مجددًا، فطل أحمد من خلفه وهو يلوح له بمرحٍ: لو مشغول ممكن أرجع في وقت تاني.
أغلق الكتب من أمامه وهو يشير له بجديةٍ: ادخل يا أحمد.

اقترب احمد منه، ثم وضع الملفات التي يحملها على طرف مكتبه بنظرةٍ مشفقة لما يراه من عدد ضخم من الكتب والاوراق، فعاد لمزحه مجددًا حينما قال: عمرك شوفت تلميذ بيدي للمدرس حصة؟ آه لو حد من الشباب دري هتطلع على النشرة.

أبعد مقعده المتحرك عن مكتبه ثم نهض واتجه ليجلس على الاريكة المريحة وهو يشير له بابتسامة عابسة: متقلقش مش هيحسوا بحاجة من ضغط الشغل اللي أنا زنقهم فيه. مفيش بايدي حاجه اعملها غير كده، على الاقل لحد ما أحس اني بقيت جاهز.

عارضه أحمد حينما قال: بس انا شايفك جاهز من دلوقتي يا عدي، أنا منساش انك ما شاء الله قدرت تخلص صفقة الحديد والاسمنت بعد ما فقدنا الامل انها هترسى علينا. ثم ان عمر مش هيكون أمهر منك ولا أيه!

تمدد على الأريكة بتعبٍ بدى بنبرته الهادئة: لا يا أحمد محتاج لسه أدرس الموضوع أكتر، زي ما أتعلمت من شغلي اني أذاكر كل قضية كويس قبل ما أجمع الخيوط كلها، ممكن أبدأ وواثق اني هنجح بس ده مش هيرضيني. أنا مش عايز النجاح ده.
تساءل بدهشةٍ: أمال عايز أيه؟
ابتسامة ماكرة لاحت على شفتيه، انبعت عما يبنيه من آمالٍ لا سقف لها: عايز أكون أفضل من ياسين الجارحي نفسه!
.
بمكتب اللواء مصطفى القاضي.

قلب بين محتويات الصور التي يحملها من أمامه بصدمةٍ سيطرت على لسانه العاجز عن النطق، اشتعلت الدماء بعروقه فانتفخت وكأنها ستنفجر، فألقاها على المكتب من أمامه بعصبيةٍ سكنت داخل نبرته المنفعلة: إزاي ده كله يحصل وميكنش عندي علم بيه يا رفعت!

بدأ القلق يتسرب على وجهه الذي يملأه التجعيد، فابتلع ريقه بتوترٍ وهو يختار ما سيقوله بعنايةٍ: من بعد هروب المجرم بذلنا مجهود كبير اننا نقبض عليه بس للاسف معرفناش نوصله، وبعد السنين دي كلها اتفاجئنا بحادث موت الرائد حسام، ومن بعده شريف والوقتي عمرو والتلاتة ماتوا بطريقة بشعة زي ما حضرتك شايف.

تعمق اللواء في الثلاث صور بنظرة شفقة وحزن على مصير هؤلاء الأبطال، فما ذنب شرطي شريف قام باداء عمله على أكمل وجه أن يقتل بتلك الطريقة المروعة، وكأن الانتقام كان يشمل أداء مهمته بالقبض على هؤلاء اللصوص اللعناء، وضع اللواء مصطفى الصور عن يديه وهو يتساءل بضيقٍ: مين اللي كان ماسك القضية دي؟
عاد الارتباك يتراقص على معالمه من جديدٍ وهو يخبره: المقدم عدي الجارحي يا باشا.

صعق حينما استمع لما قال، وخاصة حينما اكمل حديثه قائلًا: ده مجرم مش عادي يا فندم، وراه ناس تانية ساندينه برة مصر، حاولنا بكافة الطرق اننا نكشفهم او نكشف نشاطهم بس مسابوش غلطة واحدة وراهم، وعدي باشا نفسه قبل ما يستقيل كان شاكك ان في مصايب تانية كتير ورا أمجد السلاموني ده، وبعد ما كلنا شوفنا الطريقة اللي هرب بيها صدقته وأمنت بنظرته الدقيقة لاي مجرم.

واستطرد بحزنٍ بالغ: احنا لازم نحذره ونخليه ياخد احتياطاته كويس لان كل اللي طلعوا بالمهمة دي اتقتلوا بطريقة وحشية وللاسف الدور عليه.
اعترض عن طريقة تفكيره النمطي تجاه شخصية يعرفها جيدًا. فقال: لا أوعى تعمل كده. عدي متهور ومش هيقدر يتعامل مع الموضوع ده اطلاقًا. خصوصًا لو حس اننا بنراقبه أو بنحاول نحميه.
مال بجسده للامام وهو يتساءل بدهشةٍ: طب والحل!

نهض اللواء عن مكتبه، ثم دنى من خزانته السوداء فبحث بين محتوياتها عن ملفٍ هام، طرحه من أمامه، وقلب بين صفحاته وكأنه يبحث عن شيئًا ما، وجده فقرأه بكل اهتمامٍ، تأهبت لاجله حدقتيه المصعوقة من أمرٍ ما، وخيوط جمعها ببراعةٍ، وفجأة تطلع لمن يجلس مقابله وهو يردد: عدي في خطر أكبر مما نتوقعه يا رفعت. لازم نتحرك بسرعة والا لو حصله حاجة هتبقى عيبة في حقنا كلنا ان ظابط قدم لشغله كل حبه وتفانيه وبالنهاية يحصله كده.

وجذب هاتفه ثم عبث بازارره بترددٍ، وتركه جانبًا وهو يزفر: مفيش غير واحد هو اللي هيقدر يستوعب حجم الخطر حولين عدي، بس للاسف باللي هعمله ده ممكن اتعرض للمحاكمة وأنت عارف ليه!
تفهم الأمر كونه شرطي، فأملى بهدوءٍ اقتراحه: ممكن حضرتك متدخلش في تفاصيل تخص القضية. يكفي انك تنبهه.
وبفضولٍ تساءل: بس حضرتك تقصد مين بكلامك؟
رفغ رأسه وهو يتطلع للفراغ بابتسامةٍ تنبع بكل فخرٍ: ياسين الجارحي.

كعادتهم كل مساءٍ تستعد كلًا منهن، ويترقبن لحظة وصولهن للوفاء بوعدهم التي باتت تنكس الفترة الأخيرة، جلسوا بالأسفل جوار بعضهن البعض، وأعينهم تراقب عقارب الساعة التي أصبحت تزحف ببطءٍ على الثانية عشر ليلًا، فنهضت مليكة عن الأريكة المطولة وهي تشير لهم بتذمرٍ: قوموا ناموا محدش هيجي ولا في خروجة أصلًا.
حاولت ملك تلطيف الأجواء فقالت: ما يمكن على الطريق يا حبيبتي.

أجابتها داليا بسخرية: بقينا نص الليل يا طنط. هنخرج السعادي ونروح فين!
أضافت شروق بحزن تغلب على نبرتها الشبه باكية: محدش عاد مهتم بينا من الأساس. تصبحوا على خير.
وتركتهم وصعدت حتى لا يرى أحدًا دمعاتها البائسة، حملت نور طبق المقبلات ثم جلست على الأريكة لجوار رحمة و نسرين ووضعت الطبق بينهما: سبكم منهم احنا ممكن نفرح نفسنا من غيرهم.

التقطت منها رحمة المقبلات والتسالي، فتناولت بغيظٍ وكأنها تفجر ما تخفيه خلف غضبها الهادئ، وأشارت لها بانزغاجٍ: ما تفتحيلنا حاجة نتفرج عليها طيب.
هرولت تجاه التلفاز وهي تشير لها: عيني.
اضافت مليكة بغيظٍ: وعشان نثبتلهم انهم مش في دماغنا هنقعد ونسهر للصبح من غيرهم.
قالت رانيا بحماس هي الاخرى وهي تهم بالوقوف: وأنا هعملكم بان كيك يستاهل بوقكم. وهشوف أيه جوه ينفع للأكل أو ممكن نطلب اكل من برة أيه رأيكم!

مررت نور يدها على بطنها المنتفخ بجوعٍ: كلك نظر يا بت. اطلبي من بره أسرع.
راقبت ملك ما يحدث بدهشةٍ، حينما حولت الفتيات قاعة الاستقبال لمطعم فاخر، ووضعن التسالي والمشروبات، فهمست ببسمةٍ ساخرة: يطلعوا همهم على الأكل أحسن ميطلع على الاولاد!

الهدوء يعم المكان بأكمله، ولم يبقى سوى صوت عقارب الساعة التي لا تتوقف عن صياحها الهامس، فكان صرير الباب المنخفض مسموعًا للغاية وسط ذلك السكون المخيف، ومن بعده خطوات متسللة وضحكات كتمت على وجه ياسين و أحمد، وكلًا منهما يتفحص الحالة العجيبة الساكنة على وجوههم، جاسم يغفو فوق سطح مكتبه بعدما كان يرقص أعلاه، ومعتز يضع قدميه على سطح المكتب ومن فوق رأسه يضع الملف حتى يحجب عنه نور الغرفة المزعج، أما عمر فينحني بجسده تجاه الملفات من أمامه ويغفو بهدوءٍ والقلم بين قدميه وكأنه يعافر للاستيقاظ، بينما حازم أخذها من نهاية خطوطها، فكان يغفو على الأريكة، محاطًا بالجواكت الخاصة بالشباب، فقد جمعهم مسبقًا من فوقه حتى يحصل على تدفئة خاصة تمنحه النوم بالسلام بعيدًا عن غضبهم كونه السبب لما تعرضوا له.

اتجه أحمد للخزانة السرية، ففردها ليتفرد منها سريرين، ومن ثم اتجه لعمر، فحاول أن يجعله يستيقظ بهدوءٍ، وجده يتحدث بصوتٍ خافت غير مسموع، فانحنى تجاهه وهو يحاول أن يسترق السمع لهلوساته، فوجده يهمس بخفوتٍ: 6مليون و400الف.
ضحك بصوته كله، فعاد لمحاولاته البائسة بإيقاظه، فحركه من جديدٍ، بدأ عمر بفتح عينيه بارهاقٍ، فردد بنومٍ يغلبه: أحمد أنت لسه هنا!

هز رأسه وهو يبعد الملفات للخلف بتفحصٍ: هيجيني قلب أمشي من غيركم. طب تيجي ازاي دي.
ارتسمت علامة الاعجاب على وجهه وهو يتفحص الحسابات التي تخطها عمر ببراعةٍ، فلم يتبقى له سوى المجموع الكلي فقال: جمعتهم فعلا بس معرفش النوم غلبني ازاي، عمومًا هات لما أحط المبلغ الاخير.
جذب أحمد القلم ثم دون وهو يردد: 6مليون و400ألف، صح كده؟
جحظت عينيه في ذهولٍ: عرفت ازاي؟

ضحك وهو يشير له بسخريةٍ: أنت لو مخطوف هتقر معاك كام بالبنك من قبل ما تأخد القلم والذي منه.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يعود لاحتضان مكتبه ليستعد لنومٍ يطارده من جديدٍ، فأعاده أحمد لمقعده من جديد وهو يشير له ببسمة هادئة: فردتلك الخزنة عشان تريح شوية.
اعترض على اقترحه وهو يحاول فتح عينيه: لا لا أنا ورايا لسه ملف واحد. هخلصه وهروح على طول.

أيظن بأن مراجعة حسابات ضخمة مثل تلك ستحتاج للسرعة التي تصل به للمنزل بعد قليل، تجاهل أحمد شرح تلك النقطة فاحتفظ بها لنفسه، وقال: طب ادخل أنت نام شوية وأنا هخلص الملف ده.
كاد بالاعتراض فأوقفه حينما أعاد المقعد للخلف وأشار له بالنهوض، ثم اتجه لمكتب رائد المجاور لعمر، فوضع يده في يديه وهو يشير له بسخرية: خد أخوك في ايدك وأنت داخل.
ضحك وهو يشير له: عنيا.

وبالفعل ايقظ عمر، رائد ثم تمددوا جوار بعضهم على الفراش، وجلس أحمد يتابع العمل على ما تركوه من خلفهم، بينما اتجه ياسين لايقاظ معتز و جاسم الذي فشل في محاولة ايقاظه، فصاح بانفعالٍ: جااااااسم.
نهض مفزعًا فجلس على طاولة المكتب وهو يردد بنومٍ: مين؟
رفع الاخير حاجبه بسخطٍ: مين أيه. انت نايم في مستشفى!
جاهد لفتح عينيها، فابتسم وهو يتثأب: ياسين!

وحينما اطمئن عاد ليتمدد على الطاولة من جديدٍ وهو يلف البلطو الخاص به من حوله، فلكزه بحدةٍ مجددًا: قوم نام جوه.
رفض وعينيه تغفو بنومٍ سريع: لا ورايا شغل لسه.
كبت غيظه بصعوبة فخرجت نبرته ساخرة: على الأساس انك كده بتذاكر والا أيه مش فاهم. قوم ادخل جوه وأنا هكمل بدالك.
حينما تسلل لمسمعه الكلمة الاخيرة نهض عن المكتب وهو يجيبه ببسمة واسعة: ربنا يخليك ليا يا حامي حقوق الغلابة. تصبح على خير بقى.

رمقه بنظرةٍ ساخرة وهو يغادر للخزانة: وانت من أهله يا حبيبي.
وحينما تأكد من دخوله، اتجه لمعتز فضحك وهو يبعد عن وجهه الملف، فهمس باستهزاءٍ: ده اللي مديك مساحة خاصة يعني!
واحتضن مقدمة انفه وهو يردد بضحكة هادئة: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم.
وطرق على كتفيه وهو يحاول إيفاقته، فاستجاب له سريعًا وهو يسأله بنومٍ: عدي جاي ولا أيه؟

أجابه باعتراض: لا مش جاي متقلقش وراه شغل كتير بمكتبه. قوم انت ريح جوه شوية وأنا ساعة وهصحيك.
وضع الملف الذي يعلو وجهه على المكتب ثم تحرك باجهادٍ شديد: بس قومني بعد ساعة متسبنيش أكتر من كده يا ياسين.

أومأ برأسه ببسمة مخادعة وهو يشير له بالدخول، فما أن اتبع جاسم لفراشه حتى ضم ياسين الملف الخاص به لملف جاسم ثم جلس جوار أحمد ليعمل كلًا منهما بتركيزٍ واجتهاد، تفشى حينما على صوتٍ مزعجٍ معروف المصدر، فاتجهت نظراتهم لحازم الذي ينشب بعدة اناشيد مزعجة من صوت نومه المرتفع، وكأنه كان يبني عمارة كاملة، القى أحمد نظراته جانبًا قائلًا بشراسةٍ: طب ده اقتله ولا أعمل فيه أيه؟

نهض ياسين وهو يشير له بالهدوء: أنا هتصرف كمل شغلك.
حاول الوصول لحازم ولكنه كان أمرًا شاق للغاية، فكلما كان يزيح جاكت يجد الأخر حتى وصل إليه بالنهاية، فقال بتريث: انت مركب شفاط جوه. قوم يا عم الله يباركلك مش ناقصة.
وحينما لم يستجيب إليه دفعه ياسين عن الاريكة وهو يصيح به: انت يا زفت.
فتح عينيه وهو يشير له بسخطٍ: في حد يصحي حد كده. الله.

ضيق عينيه ساخرًا: معلش حقك عليا. المرة الجاية هجيبلك نسرين هي اللي تصحيك.
امتعضت معالمه وكأنه يخبره بأن هلاك موته قادم: يا ساتر كده مش هصحى تاني.
ثم اتسعت ابتسامته وهو يخبره: المهم بتصحيني ليه جبتوا أكل؟

حدجه بنظرة قاتمة اتبعها كمشة من تلباب ملابسه ومن بعدها صوته الغاضب: أنا مش عايز اشوف وشك هنا خالص، هتأخد بعضك كده زي الشاطر وترجع بيتكم ولو لمحتك هنا يا حازم قسمًا بالله العلي العظيم هخدك من ايدك لاوضة عدي على طول وبالملفات اللي مقريتش فيهم حرف ولا لمستهم!
ابتلع ريقه بصدمةٍ، فجذب أقرب جاكت ملقي أرضًا واتجه للخروج وهو يخبره: عفريت وانصرف ولا تزعل يا باشا.

واختفى بلمح البصر من أمام أعينهم، فسطعت السعادة والراحة على وجه أحمد بالأخص.
مرت الساعات الاخيرة عليهما وقد أوشكوا على الانتهاء فلم يترك الشباب خلفهم الكثير من العمل على عكس حازم، فقد استغرق العمل على الملفات التي وكل هو بها لساعاتٍ طويلة، فازدادت الاجواء توترًا حينما وجدوا عدي يدلف للداخل، فوضع أمامهما أكواب القهوة الساخنة وهو يشير لهما ببسمة ماكرة: حلو الشغل في الجو الهادي برضه.

وسحب أحد الملفات الموضوعة من أمامهما ثم جلس يشاركهم في مراجعتهم وكلا منهما يتطلع له بصدمة على سكونه العجيب، وخاصة حينما وجدهم يغفوا جميعًا، فقال دون أن يتطلع لهما: اتمنى ميعرفوش اني جيت هنا وساعدت عسان هيبتي متتهزش بس.
تبادولوا النظرات فيما بينهما ثم انفجروا بالضحك الرجولي والمزح المشاكس فيما بينهم حتى غفى النوم ثلاثتهم بعد أن انهوا العمل بأكمله بانهاكٍ تام.

بعد عدد من المحاولاتٍ للوصول إليه، كان عليه ابلاغ رئيسه بما حدث، فاتجه لمكتب اللواء مجددًا بالصباح الباكر وحينما لم يجده ارسل إليه رسالة نصية
«يا باشا حاولت اوصل لياسين الجارحي وبعد تحرياتنا عرفنا انه مسافر هو ومراته ومحدش من اللي حوليه عارف هو مسافر فين. »
اجابه اللواء برسالة نهت الأمر
«أنا عارف هوصله ازاي. ».

ترك الشباب سيارتهم بالجراج الخاص بالمقر، وانقسموا لسيارتين فقاد احدهما جاسم والآخر عمر، فوصلوا معًا للقصر، اتجهوا للأعلى ليبدل كلًا منهم ثيابه استعدادًا للذهاب مرة أخرى للعمل، فما أن كادوا بصعود الدرج حتى نادهم معتز وهو يشير على القاعة الرئيسية بيديه: يا شباب.

اتلفتوا جميعًا إليه، فوجدوا يحيى يتناول طعامه بصحبة ملك التي تطعمه بحنان ويطبع هو قبلة على يدها وهو يهمس لها بصوتٍ مغري: تسلم ايدك يا حبيبتي
صنعوا لأنفسهما جو من الرومانسية المنعزلة عما يحدث حولهما، تابعهم الشباب بنظرات ناقمة، فهبط جاسم درجة وهو يخبر ياسين بحزن مصطنع: أبوك ده معلم والله. ده أخر مرة كلت فيها مع داليا على انفراد كان يوم الصبحية ومن بعدها بقيت بشوفها بالقصر بالصدفة.

كز ياسين على اسنانه بغيظٍ مما يحدث، فرفع صوته عله يشعر بوجودهم: صباحك فل يا باشا، لو مسبيبنلك ازعاج ممكن نرجع مكان ما كنا عادي جداً.
جذب يحيى حبة الزيتون السوداء يتناولها ببرودٍ، سكن نظراته التي تلتهمهم جميعًا، ثم قال وهو يلوكها بين اسنانه: أنتوا هترجعوا فعلا بس لمكان افضل من ده.

لم يفهم أحدّ حديثه الا حينما أشار برأسه للقاعة المكشوفة، فحانت منهم نظرة جانبية فوجدوا الفتيات يجلسن بالقاعة بفساتين لا تليق سوى للسهرة، ومن حولهم فوضوى عارمة، وبقايا لاكياس من الشبسي، والمقرمشات والتسالي، وكرتون خاص بالمعجنات والبيتزا، وكأنهم تناول طعام العالم بأكمله، والجديد بالذكر، نظراتهم التي قد تصيبهم في مقتل، بالأخص نور و مليكة التي مازالت مستيقظة وتتناول الفشار بكثرةٍ كادت باحتباس انفاسها، لكزت نور رحمة الغافلة على ذراعيها، فقالت بنومٍ: بطلي يا نور، حاضر أول ما هيرجعوا هنعمل زي ما قولتي وهنتجاهلهم نهائي. سبيني انام بقى.

لكزتها بقوةٍ تلك المرة جعلت قلب من يراقبهما يتلوى ألمًا، فهبط الدرج مسرعًا ليتجه إليها لولا ان وجد نظرات استرابة من الشباب جعلته يعود لمحله من جديدٍ ويراقبها وهي تفتح عينيها بألمٍ اتبع صوتها العنيف: في أيه؟
وجدت الجميع ينظر تجاه الدرج، فتطلعت لتجدهم مقابلها، فرك عمر جبينه وهو يردف بانزعاجٍ: بدأنا في تشكيل الاحزاب تاني يا نور!

تحاملت على ذاتها ببطنها المنتفخ واقتربت منه ثم صاحت ويدها تلوح بالهواء وكأنها تستحضر أشباح نسوة العالم بأكمله ليسانداها بخناقتها تلك: لا ده انت ليك عين تتكلم كمان! بقالك سنة بتوعدني بالخروجة دي وكل يوم ألبس واتشيك وفي الآخر حضرتك تقضيها برة البيت والله أعلم كنت فين أنا مبقتش اصدق موضوع الشغل والمقر والحوارات دي.

تدخل بينهما ياسين حينما قال: لا يا نور احنا جاين فعلا من المقر كفايا ترمي قنابل وكلنا ندفع تمنها الله يكرمك.
انضمت لها مليكة حينما قالت ساخرة: مفيش داعي انها ترمي يا حبيبي، القنابل جاية بعدين.
تركت رانيا كيس المقبلات ثم نهض لتقف قبالة زوجها وهي تصيح به: انتوا مبقتوش شايفنا غير ستات بيوت، تقعد تربي العيال وتكون بيت وآسرة انتوا مش فيها اساسًا ولا حاسين بالمصايب السودة اللي بنشوفها مع العيال.

اسرعت تجاهها آسيل بابنها آويس الغافل بين يدها: برافو عليكي يا رانيا. اديهم.
حدجها أحمد بنظرة نارية فقالت باستهزاء: مبقناش ناكل عيش من النظرات دي يا حبيبي.
حمل يحيى عصير ثم نهض ليقف جواره، ليرتشف بتلذذٍ وهو يشير لها بدعم قوي: برافو يا أسيل. النظرات دي مبقتش تجيب تمن مسحوق غسيل اليومين دول.
اشارت لها نور: ارجعي بقى انتي ورا كفايا عليكي كده...

وجذبت رحمة قائلة: خشي انتي يا رحمة اديلك كلمتين. وبالاخص لجوزك اللي مستقوي على خلق الله.
وضع يحيى الكوب على الصينية التي يحملها الخادم، ثم قال باهتمام: صحيح معرفناش رأيك في اللي بيحصل ده يا رحمة؟
ارتبكت للغاية حينما صوبت تجاهها جميع الأعين وخاصة زوجها، فقالت بتلعثمٍ: آآ، أنا. آآا.
قاطعها يحيى حينما قال: اتكلمي ومتخافيش قولتلكم انا وراكم لحد ما العيال دي تتظبط.

نطق عدي اخيرًا حينما قال بفتورٍ: احنا مش كبار على كلمة عيال دي يا عمي!
التفت تجاهه يحيى ثم قال بضحكة هادئة: كبير وعاقل على انك تهمل اهل بيتك يا عدي ولا أيه؟
تحلى بالصمت والبسمة الماكرة تجوب وجهه، فقاطعهم معتز حينما قال: طيب ينفع نريح شوية وبعد كده نكمل خناق احنا رجعين هنموت يا جدعان والله.
اعترض يحيى على حديثه: لا مفيش نوم، اليوم ده هتقضوه مع البنات وبره البيت.

ردد جاسم بصدمة: بره البيت. انا مش قادر افتح عيوني!
انهى ياسين الجدل المتبادل بينهم حتى ينتهي: خلاص أنا عازمكم يا شباب. شوفوا حابين تسهروا فين والليلة عليا.
ابتسمت نور للفتيات بمكرٍ لتنفيذ اول مخططاتهم التي عاونهم بها يحيى دون أن يشعر.

المساء يتغندج على أطراف الليل بصحبة لقاء سيجمع العشاق بعد فراق دام عليهم لأشهر، اختاروا قضاء الامسية بنادي ليلي يقدم أفخر انواع الطعام والمشروبات، وكلٌ يجلس مقابل فاتنة القلب والهوس، كان الهدوء يغطي الاجواء بينهم، فطلبوا الطعام وبدأوا كلًا منهم يتناوله بفتورٍ شعرن به الفتيات، فانهت نور تلك الحالة الغريبة بينهم، حينما حملت كوب فارغ ثم جذبت ملعقة ونهضت وهي تطرق عليها قائلة بخبث: انتباه يا سادة.

حاول عمر جذبها للجلوس وهو يصيح بها: نور بتعملي ايه!
تجاهلته وهي تسترسل: زي ما انتوا شايفين القعدة معاكم تمل. ومحتاجين اللي يفرفش القعدة.
كبتت الفتيات ضحكاتهن بصعوبة بينما تبادل الشباب النظرات فيما بينهما بصدمة، فقال عدي بثبات قاتل وهو يتناول ما بطبقه ببرودٍ: والمطلوب!
أخرجت نور السلة التي حملتها بحقيبتها الكبيرة وهي تشير لهم ببسمة واسعة، فاخفى عمر وجهه خلف يديه وهو يهمس بخفوت: تاني يا نور تااااني.

تجاهلته وهي تشير لهم: هنلعب واللي هيخسر هنعمله العقاب المناسب وهو هيسحب واحد منهم.
تساءل أحمد بملل: لعبة ايه دي!
قالت وهي تشير للفتيات: هنسأل على واحد فيكم سؤال عن مراته اللي مش هيجاوب صح هيتعاقب.
قال حازم بفرحة: ابدوا بالوحش وخلينا نفرح بعقاب الظالمة.
حانت منه نظرة جانبية تجاهه فابتلع كمية صخمة من الطعام وهو يبعد عينيه عنه، اشارت لهم مليكة: هنبدا بالدور على حسب اللي قاعدين مش باسماء معينة.

وبدأت نور بسؤالها لعدي الذي يترأس الطاولة، فقالت بضحكة خبيثة: قولنا بقا يا وحش، أيه اللون المفضل عند زوجتك المصون مع اني أشك أساسًا انك تعرف الالوان من بعضها!
حدجها بنظرة ثاقبة والجميع يترقبون سماع اجابته الخاطئة، فسحب نظراته تجاه زوجته التي تترقب سماع اجابته بلهفة، وجد ذاته يبتسم لها وهو يجيبها: الأسود.

اتسعت ابتسامة رحمة وهي تشير لنور بأن اجابته صحيحة، الجميع كان يترقب لحظة شماتة عتيقة مثل تلك التي سلبت منهم، فاتجه السؤال التالي لياسين، فسألته نور: مليكة أيه أكتر أكلة بتحبها؟
اجابها بعنجهيةٍ وهو يعدل جرفاته: سهلة دي، الاستربس.
كشرت عن أنيابها وتعصب نبرتها: غيرها.
خمن قليلًا وهو يتابعها بذهول: الشوكولا!
اشارت له نور بالتوقف: كفايا عليك اجابتين غلط...

كزت مليكة على اسنانها وهي تصيح بوجهه: الرنجة، وانت هتعرف اللي بحبه ازاي طول ما انت مش مركز غير في شغلك وبس.
تدخل عمر سريعًا: مليكة بلاش تخلي نور تخرب ما بينكم ابوس ايدك.
اشارت له بسخط: نور مش محتاجة تعمل حاجة يا عمر الحكاية واضحة قدامكم اهي.
ابعدت نور المقعد عنها ثم اسرعت اليها لتمنحها ورقة وقلم وقالت وهي تغمز لها بمكر: ولا يهمك يا ملوكة الانتقام بالعقاب اللي هتختاريه اكتبي 5 وهو هيسحب عقاب منهم.

ارتسمت بسمة الانتصار على وجهها فدونت بمكر ما توده ثم وضعت السلة امام ياسين الذي ابتلع ريقه بتوترٍ: مليكة اوعي تكوني كتبتي شيء صعب والا هنسحب من اللعبة دي.
كادت بان تجيبه ولكنها تفاجئت بمساعدة اضافية من الشباب، فقال جاسم: اسحب يا عم وسبها على الله.
بينما قال معتز بشماتة: اسحب اسحب، هي ليلة ومش هتعدي
انصاع اليهم ياسين، فسحب احدى الورقيات ثم قرأ محتوياتها بصدمة.

«اتصل بوالدك وقوله مفيش فلوس تكمل الفاتورة واطلب منه يجي يدفعلك. »
القى الورقة عن يده وهو يصيح بعصبية بالغة: بتهرجوا انتوا الاتنين ولا ايه. اطلب من مين يدفعلي الفاتورة!
اجابته مليكة بعناد: بانكل يحيى. هتكلمه وتقوله معيش فلوس ادفع الحساب.
منحها نظرة قاتلة، قبل ان يصيح: مش هعمل كده أنتوا اكيد اتجننتوا.

صدم حينما قال أحمد وهو يلوك طعامه ببرود شديد: انت قبلت اللعبة بشروطها وقوانينها ولازم تنفذ العقاب مش كده ولا أيه يا شباب!
أكد رائد حديثه: معاك جدًا اطلبه حالا.
اتجهت نظراته تجاه عدي يستنجد به بقوله: انت عجبك الوضع ده يا عدي، اكيد يعني بابا مش هيخيل عليه اني خارج من غير ما يكون معايا مبلغ او الكريدت كارد!
جذب عصيره يتناوله وهو يشير له بمكرٍ: الحقه قبل يا ينام.

تعالت الصيحات المحمسة فيما بينهما، فجذب الهاتف ثم حرر زر الاتصال والسماعة الخارجية بغيظٍ من نظراتهم جميعًا، فما هي سوى دقيقة حتى اتاه صوت ابيه الناعس: الو ياسين!
تردد في اجابته فاشارت له مليكة بغضب، فقال بتردد: مساء الخير يا بابا. كنت نايم ولا ايه؟
=لا يا حبيبي صاحي اهو. قولي سهرتوا فين وايه سبب المكالمة دي؟

كبت عمر وجاسم ضحكاته بصعوبة، فلكمهم احمد وهو يشير لهم بالصمت، ضغط ياسين على شفتيه السفلية بغيظٍ اتبع نبرته التي نقلت له حرجه الشديد: بصراحة يا بابا كنت محتاج مساعدة حضرتك.
بكل جدية اجابه: في ايه يا ياسين قلقتني انت كويس!

اخرج ما بداخله بسرعة كبيرة قبل ان يتراجع: حضرتك عارف اني عزمت الشباب برة وطلبوا اكل كتير جدًا كأنهم بيأكلوا في اخر حياتهم وبصراحة الميلغ اللي معايا مش هيكفي الفاتورة ونسيت الكايدت كارد بتاعي. ولو مجتش تلحقني من الموقف ده هتلقيني واقف بغسل الاطباق في المطعم.

صمت خيم على المكالمة والجميع يتطلع لبعضهم البعض وفجاة اتاه رده المنصدم: نعم مين ده اللي يخليك تغسل الاطباق ده انا كنت طربقت المطعم باللي فيه فوق دماغهم، ثواني وجايلك اوعى تتحرك من عندك.
=طب لو ينفع حضرتك تدخل اوضتي وتجبلي فيزا من بتوعي آ.
قاطعه بحدة: ليه ابوك مش هيعرف يدفعلك الفاتورة!، اقفل انا جايلك حالا.

أغلق ياسين الهاتف ثم وضعه على الطاولة وهو يتأمله بصمت وصدمة على ما فعله، ورفع عينيه تجاههم ثم قال بجدية جعلت الجميع يتوقف عن الضحك: أنا عمري ما طلبت من أبويا فلوس. وحقيقي الموقف كله سخيف!
اجابته مليكة بشماتة: مفيش تراجع يا حبيبي ولسه اللعبة طويلة.
اعتبر الفاتورة مدفوعة يا ياسين، ومعنديش مانع أشاركم في اللعبة دي بس بطريقتي وقوانيني!

اتجهت جميع الأعين تجاه المقعد الاساسي للطاولة بصدمة كممت الافواه، فنطقت مليكة بصعوبة بالحديث: بابا!
اتجهت نظرات ياسين الجارحي تجاه عدي الذي بتأمله بدهشة، فابتسم وهو يتابع صدمته بوجوده بذلك الوقت، ثم قال بثباتٍ اتبع بصرامته: تحب تبدأ اللعب ولا أبدأ أنا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة