قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

اعتاد الجميع على مفاجأة ظهور ياسين الجارحي بأوقاتٍ يراها هو مناسبة لظهوره، ولكن تلك المرة لم يتوقع أحدّ ظهوره لسفره بصحبة آية على متن اليخت، عودته الآن أمرًا جنونيًا للبعض، والسؤال الذي تردد بذهن عدي أين والدته إن كان أبيه يجلس أمامه؟

تنقلت أعين ياسين بينهم وكأنها تبحث عن لقاء متلهف لرؤياه، فابتسم حينما تعلقت عينيه بابنته الحبيبة، التي أدمعت عينيها بعدم تصديق فهز رأسه لها بأن وعده لها قد تحقق، جلست مليكة محلها والابتسامة والفرحة لا تفارقها، أيعقل أن يقطع أباها آلاف الأميال لأجعل وعده لها، مازالت تتذكر أخر مكالمة بينهما كانت بالأمس وأخبرته بأنها بحاجة ماسة إلى صديقها وأخاها وأبيها، فاتاها مهرولًا وتحمل عناء ساعات السفر لأجلها هي، وكان مستعدًا لخوض آلاف الحروب لأجلها، تحمست لوجوده وودت لو انفردت به فهز رأسه بخفةٍ وكأنه علم بما يجوب بخاطرها، اشارته منحتها وعد مجددًا ولكنها تعلم بأنه سيوفي به حينما يختار وقته الصائب، عادت نظرات ياسين لحدتها فور أن التقت بشبله الصغير الشرس، وجده يتأمله بصمتٍ كسره حينما قال: فين ماما؟

تجاهله ياسين عمدًا ثم أشار للنادل بيده فأتى وهو يردد: تحت أمرك يا فندم.

اشار باصبعه على الطاولة فعلم ما يوده، لذا أسرع بمعاونة زملائه باخلاء الطاولة من أطباق الطعام والمشروبات، عاد الصمت يفرد سيطرته عليهم ولكن تلك المرة بترقبٍ لسماعٍ أي شيء قد يخرج على لسان من تتبعه النظرات المهتمة، حرك ياسين السلة التي تحمل أوراق العقاب بين يديه ببسمةٍ ساخرة، اتسعت على شفتيه وهو يقرأ ما دون لياسين على الثلاث ورقات، فوجدهم جميعًا تحمل نفس العقاب، حانت منه نظرة جانبية تجاه الجانب الذي يشمل الفتيات، فاخفينا وجوههم بحرجٍ، انفلت عن وجوههم حينما أعاد الورقات داخلها من جديدٍ، بقرارٍ عدم الافصاح عن سرهم، وكأنه يؤكد لهن بأنه يساندهن وليس ضدهن، استند بجذعيه على الطاولةٍ واستمتع بلحظةٍ تأمله البطيء الذي يزرع القلق في نفوس الشباب، ليختم سطور صمته القاتل حينما تحرك لسانه لينطق عما يود قوله: اللعبة اللي اختارتوها مسلية بس للأسف مفهاش إثارة!

وحينما أشار بأصبعه لمن يقف على بعد مسافة منه، هرول السائق إليه ثم وضع من أمامه ملفين قد أتى بهما من السيارة، تعمد ياسين أن يدفعهما بقوةٍ على الطاولة لتصل للمقعد الذي يعتليه ابنه، فتفحص الملفين وهو يتساءل بدهشةٍ: ده أيه؟
تركه يفتحهما على مهلٍ ثم قال والمكر يتراقص بين حدقتيه: زي ما أنت شايف صفقتين مهمين جدًا لشركتنا. ويهمني أننا ناخدهم الاتنين.

مال ياسين وعمر برأسهما تجاه الملف الذي يحمله عدي الجالس بالمنتصف، فانعقد حاجب ياسين بذهول اتبع قوله المندهش: بس يا عمي الصفقتين بينافسوا بعض، أكيد المناقصة هترسى على عرض واحد من الاتنين!
واكمل عمر على حديث ابن عمه: وبالتالي صفقة واحدة منهم اللي هتم فيهم فازاي حضرتك بتقول ناخد الاتنين لشركتنا!

مازالت عينيه تراقب من يتطلع له بصمتٍ، وكأنه يحاول استكشاف ما يود أبيه صنعه تلك المرة، وأتاه صدق ما يشرد إليه عقله حينما قال ياسين ومازالت عينيه تتعمق بالتطلع للأخير: ازاي دي بتاعت ولي العهد اللي اختار مكاني في الادارة. ولازم يكون أد منصبه ويحل أي مشكلة ممكن تواجه المقر زي ما انا كنت هعمل بالظبط. والإ مش هيكون جدير بالمنصب ده ولا أيه؟

ارتعب الجميع من خوض عدي حربًا ضد ياسين الجارحي من جديدٍ، فامتعضت الوجوه حينما أجابه بكبريائه اللعين الذي لم يتخلى عنه أبدًا: اعتبر الصفقتين تبعة لشركات الجارحي.
ووضع الملفين على الطاولة، ثم أخذ يراقب ردة فعل أبيه حينما يكرر سؤاله على مسمعه مجددًا: هي ماما مرجعتش مع حضرتك!

مال ياسين بمقعده جانبًا وبحركة فزعت الجميع جذب أحد المقاعد المصفوفة على طاولة فارغة من خلفه، ثم وضعه قريبًا من مقعده وهو يشير لعدي بأن يعتليه، فعلم بأنه يود الحديث معه دون أن يستمع إليهما أحدًا، فنهض واتجه للمقعد القريب من أباه للغاية، جلس وهو يراقب ما سيقوله، فمنحه ياسين بسمة خبيثة ختمها بقوله الساخر: شايفك قلقان على مراتي وهي معايا المفروض قلق تحديك ليا هو اللي يسيطر عليك، ومن بعده الخوف من اللي جاي لانك لو خسرت الصفقين دول مكانك جوه الشركة أنا اللي هحدده.

تهدلت شفتيه بابتسامةٍ حملت معنى اللامبالة، فهمس لابيه بصوتٍ منخفض: مبقتش أخاف من الحرب اللي هواجهها مع حضرتك. تقدر تقول اتعودت عليها والتعود بيولد خبرة يا باشا.

اتسعت ضحكة ياسين حتى باتت مسموعة فازداد قلق الجميع لما يحدث بينهما من منواشات سرية خطيرة، وخاصة خينما توقف عن الضحك وبملامحٍ جادة للغاية قال: والتعود ده بقى مسيطر عليك حتى وأنت شايف شخص متدني عينه زاغت على والدتك وأنت واقف وراضي عن كلامه الحقير ده.

رمش بعينيه بتوترٍ من معرفته بما حدث بالمشفى حينما مرضت آية على طريق سفارها مع عدي لشراء بعض المستلزمات، فاسترسل ياسين حديثه بتوعدٍ مهلك: أنت دلوقتي بتواجه عقابي، زي ما ناله الحقير ده.
احتدت نظراته تجاهه، فجذب ياسين عصيره ثم ارتشفه على مهلٍ وهو يجيبه ببرودٍ: مش كل العواقب بتكون برفع الأيد يا حضرة الظابط. في قرصة ودن بتعلم من غير ما تأذي الجسم.

وغمز بعينيه بمكرٍ: وأنت أكتر واحد فاهم الكلام ده ولا أيه!

اشتعل الغضب بداخله لاستهزاء أبيه الصريح على انفعالاته بالتعامل، وكأنه يذكره بالفرق الصارخ بينهما، يقارن هدوئه وحرفيته بحل الأمور بتهوره الشرس، فليس كل عقاب يشمله العنف الجسدي، ربما لدغة صغيرة تمس عمله أو معاتبه مديره لما يفعله الطبيب مع مرضاه من مغازلةٍ غير مرضية بالمرةٍ وخاصة لشخص مثل ياسين الجارحي كانت كافية، عاد لينتصب بجلسته بشموخٍ، فقال بجمودٍ سيطر عليه فجأة وصوت مسموع للجميع: وجودي هنا النهاردة بالرغم من سفري عشان أكدلكم أني حتى لو بعيد فأنا أقدر أكفي بواجباتي كويس، والمرادي مجاليش شكوة واحدة. سبق وقولتلكم اللي هيزعل بنت من بناتي هحول حياته لجحيم واللي بيحصل ده لازم يتحطله حد.

ابتلع رائد ريقه بصعوبةٍ بالغة، بينما عبث جاسم بالمناديل الورقية من أمامه، اما حازم فكاد بالسقوط أسفل الطاولة من فرط انحناءة جسده للأسفل، أما أحمد فقال بابتسامةٍ هادئة: وجودك بينا يا عمي هو اللي حلى القعدة دي. حتى لو جاي عشان تنصف البنات مش مهم المهم ان حضرتك رجعت.

رغمًا عنه ارتسمت بسمة صغيرة على وجهه الجامد، فأحمد بمثابةٍ ابن حقيقي له، فقال بمحبةٍ اتبعت نبرته الدافئة: أنا راجع تاني يا أحمد. بس حبيت أبين للاساتذة اني موجود حتى لو كنت بعيد!

ارتبك الشباب في وجوده بينما رفعت الفتيات رؤؤسهم بتفاخرٍ بوجود حليفهم القوي والسند الذي لا يستهان به، وكأنهن أتين بمن نصفهم على الظلم القابع عليهن، كالطفل الصغير الذي تعرض لعقوبة وظلم طائل، فلجأ لوالده الذي لم يخيب ظنه، فعاد لمن تسبب له بالأذى متبخترًا لاتباع أبيه له وحرصه على رد العقوبة لمن فعل أذيته بابنه الصغير!

عاد صوت ياسين يزلزل مسمع الجميع من جديد حينما أضاف: الزوجة عمرها ما كانت مطالبة انها تكون خدامة ومربية للاولاد عشان تيجوا انتوا وتهينوا بناتي على أخر الزمن. مفيش أكتر من الخدم بالقصر وكان بإمكاني اجيب للاولاد مربية بس أنا مش حابب ده. زي ما أنا مش عايز الشغل ياخدكم عن اولادكم عشان تقدروا تزرعوا فيهم اللي ربناكم عليه مش عايزكم كمان تقصروا مع زوجاتكم. لان الاتنين زي بعض. علاقتك مع ابنك مش هتكون قوية وفي اضطرابات ومشاكل بينك وبين مراتك ياريت نفهم ده كويس.

وبهدوءٍ استرسل: أظن كلامي اتفهم كويس؟
وحينما لم يأتيه رد اعتراضي عما قال. هز رأسه وهو يردد: عظيم. ودلوقتي حابب أكون مع بنتي شوية.
تفهم الجميع طلبه الخاص، فبدأ الحضور بالإنسحاب للخارج، وحينما وجد من يتبعهم قال ومازالت عينيه على ابنته: استنا أنت بره يا ياسين.
استدار تجاهه وهو يهز رأسه في طاعة: حاضر يا عمي.

واتبع الجميع للخارج، فنهضت مليكة عن مقعدها البعيد عن أباها، ثم جلست على مقعد عدي القريب منه، فقالت بحماسٍ وفرحة جعلت وجهها يشع بها: مش مصدقة أن حضرتك جيت هنا النهاردة أنا لسه مكلماك امبارح!

رفع يده ليحتضن وجهها بين يده، واليد الأخرى تعدل من حجابها الذي تراجع بفوضوية للخلف، وقال بابتسامةٍ ظهرت أسنانه: قولتلك اني هكون جنبك وهقرص ودن اللي زعلك حتى لو كنت في أخر الدنيا. اللي يمس بنتي الوحيدة يمسني أنا شخصيًا.
أدمعت عينيها تأثرًا بحديثه، فضمها ياسين لأحضانه فتعلقت به مثلما كانت تفعل بطفولتها وقالت بصوتٍ باكي: متتأخرش أنت وماما أكتر من كده. مفتقدة وجودكم جنبي.

ربت على خصرها بحنوٍ وهو يخبرها: أنا جنبك على طول يا ملاكي.
وأبعدها عنه وهو يشاكسها بشكٍ: وبعدين أنا بعيد عنك فين أنا مش بكلمك كل يوم!
هزت رأسها بتأكيدٍ، فعاد ليخبرها بمميزات ما يفعل لأجلها: حد في اخواتك كلهم بيعرف يتواصل معايا غيرك؟
هزت رأسها بالنفي، فابتسم وهو يخبرها: عشان تعرفي أن مفيش حد في غلاوتك عندي. ياسين الجارحي معندوش غير بنت واحدة وممكن يهد الدنيا عشان دمعة واحدة من عنيها ولا أيه؟

ابعد الدموع بأصبعه عن عينيها فابتسمت بفرحةٍ اتنقلت اليه، فقال وهو يشير لها بخبث: يلا نهد الدنيا مع بعض!
فشلت بفهم المغزى من حديثه الغامض فلم تعي بما يقول الا حينما وجدته يشير لياسين الذي يترقب اشارة منه، من خلف الباب الزجاجي التابع للمطعم، فما أن وجده يشير له حتى ولج للداخل وأسرع إليه وهو يردد باحترامٍ: تحت أمرك يا عمي.
أشار بعينيه تجاه المقعد الذي يقابل مليكة: اقعد.

انصاع لأمره، وجلس على الفور، فتعمق تجاهه بنظرةٍ مطولة اتبعها نبرته الخشنة: كل أب في الدنيا أناني في حب أولاده، وأنا كمان بالرغم من إني بعتبركم كلكم أولادي بس غصب عني عندي الأنانية دي. اكتفيت باللي عملته مع ولاد عمك لكن معاك أنت لأ!
ازدرد ريقه بتوترٍ، وخاصة حينما استرسل حديثه الغامض الذي يتخلله المرح بالرغم من حدته: بنتي لو اشتكتلي منك تاني يا ياسين مش هحارب عدي بس سامعني!

اتنقلت نظراته لزوجته التي اعتلى وجهها الخوف بالرغم من أنها من دفعت لكل ذلك، فبدأت ملامحها بالارتخاء حينما قال أبيها: أنا مش راضي عن تصرفاتك كلها يا ياسين، وخصوصًا باللي بتعمله أنت وأحمد بالمقر.
اندهش من معرفته بالأمر، ففجأه ياسين مجددًا: اوعى تكون فاكرني مش عارف باللي بيحصل جوه شركاتي، أنا سايبك كل المدة دي عشان تراجع نفسك وتفوق ومن واجبي لما ألقيك اتماديت أفوقك انا.

وأشار له بحدةٍ وتعصب طال نبرته المنفعلة: سبق وجيت على نفسك وبيتك وبنتي وعشان كده نقلت عدي وعمر للمقر وبعد اللي عملته ده لسه مصمم تبذل مجهود يفوق طاقتك وكل ده ليه فهمني!
واسترسل باستهزاءٍ وعينيه تتابع الفراغ: كنت فاكر أن وجود البيه هيفرق بس الظاهر إني كنت غلطان لأنه زاد من أحماله عليك وعلى أحمد!

أجابه ياسين بهدوءٍ: صدقني يا عمي عدي بيبذل مجهود كبير عشان يكون أد المنصب ده، لو حضرتك شوفت هو بيدرس أيه أو مهتم يوصل لايه هتقدر تفهم إن آآ.
استوقفه عن الحديث عن أمره: أنا اللي عايزك تفهم إن سعادة بنتي مرتبطة بيك يا ياسين، وأنا مش هسمحلك تحرمها من أبسط حقوقها، كلامي انتهى هنا ومش هيتفتح تاني، اتمنى تكون استوعبته وفهمته.

نهض حينما وجده ينهض عن مقعده، فلحقت به مليكة وهي تتساءل بلهفةٍ: حضرتك هتسافر تاني؟
استدار ياسين تجاهها وقد انقشع قناع الصلابة والجمود عن وجهه، فمنحها ابتسامة هادئة وهو يخبرها: لازم يا حبيبتي. أنا سبت ماما في اليخت لوحدها، بتمنى انها متقلقش من نومتها غير بكره الصبح والا حالة الرعب اللي هتكون فيها مستحيل هسامح نفسي عليها.

راقبته وهو يغادر والابتسامة مرسومة على وجهها السابح في بحر من الهيام، لم تفق منه الا على صوت زوجها المتساءل: مش هنمشي ولا هنقضي الليل هنا!
حاوطها الغيظ ليبدد كل تلك القلوب المنعكسة من عينيها وهي تراقب أبيها يغادر لسيارته الخاصة، فصاحت بانفعالٍ ساخرٍ: الناس اللي بتفهم بالرومانسية مقضين ليلتهم على يخت في عرض البحر وإنت بتقولي هنقضيه بالمطعم. مفيش فرق عمرك ما هتتعلم.

مرر يده بين خصلات شعره يرتبه بفوضويةٍ وبنفاذ صبر أجابها: مليكة بلاش تقارنيني بياسين الجارحي لأن مينفعش حد يتقارن بيه!
بسمة مغرورة لاحت على شفتيها: أكيد. عمر ما حد فيكم هيبقى زيه في يوم من الأيام.
بابتسامةٍ مسالمة لا تستهدف معركة طاحنة بينهما: برا?و يا عمري. ودلوقتي بينا نرجع البيت عشان عندنا حساب لازم نصفيه مع بعض في جو رايق.

ابتلعت ريقها الجاف بتوترٍ جلي، اتبع اشارتها الصارمة له: متفكرش إن عشان بابا رجع إن ماليش حد. تليفون صغير وهتلاقي عدي وعمر في انتظارنا بالبيت.
تعالت ضحكاته الرجولية الساحرة، فصمد بعد محاولات مستمية وهو يخبرها: لما تحبي تتحامي في حد مش هتلاقي غير حضني تتحامي فيه حتى لو كان مني ولا نسيتي!

كلماته زرعت بداخلها عاطفة قذفتها لموج من الرغبة به وخاصة حينما داعب ذقنها بحركةٍ دائرية نفذت لداخلها، وجدت ذاتها تنصاع ليده التي تقربها منه، شعرت وكأن العالم ينتهي عند تلك النقطة التي انهت من خلفها الجدال والمعارك الزوجية التي ربما لا نهاية لها عند النساء، هرولت المشاعر لتلاحق تبعيتها بعشقٍ، ولوهلةٍ توقف عن عناقها حينما همست له بخفوت: ياسين!

نداء يستنكر قربه الغريب في مكانٍ كذلك، ربما قلة من يتواجد به لغسق الليل الذي استحوذ على مسائه الليلي من جعل المطعم شبه خالي من حولهما، ابتعد عن وجهها وهو يتفحص مدخل المطعم الجانبي فجذبها من خلفه وهو يشير لها: تعالي.
حاولت ان توقفه وهي تخبره: باب الخروج مش من هنا!

لم يبطئ من خطواته أو حتى التفت اليها ليجيبها عما يضمره، وجدت مليكة ذاتها أمام استقبال خارجي يؤدي للفندق الاساسي التابع للمطعم، فوجدته يحجز غرفة لهما به، التقط ياسين مفتاح الغرفة من العاملة، ثم صعد بصحبتها للغرفة، فما أن ولجوا معًا للداخل حتى عاتبته باستنكارٍ: أنت ازاي متقوليش على حاجة زي دي، هنفضل هنا ازاي ويحيى ابني لوحده!

تغاضى عن أي شيء ستذكره في تلك اللحظة التي يواجه بها طوفان سيغرقه حتمًا، يصارع لموتٍ يجده بقربها نجاة!
دنا منها ليقتبس من ريحق ما تخفيه خصيصًا له، وحينما ابتعد همس وهو يلتقط أنفاسه: يحيى مبقاش ولد صغير عشان تخافي عليه!
ثم قال بابتسامةٍ خبيثة وهو يقترب منها: مش عايزك تفكري في حد تاني غيري!

بالخارج.
وجده يستند على سيارته بانتظاره، فما أن رآه يحيى حتى دنا منه وهو يسأله بضيقٍ متعجب لما يحدث: أنا مبقتش فاهم حاجة. الصبح اتكلمنا وقولتلك عن الصفقين بليل اتفاجئ بيك بتكلمني وبتقولي احضرلك الملفين وأقابلك في نفس المكان اللي فيه الاولاد!، والأهم من ده كله انت جيت هنا ازاي وهترجع لليخت ازاي!

بسمة ياسين الثابتة جعلته ينزوي غيظًا من طباع رفيق دربه التي لن يغيرها الزمان، فقال بيأسٍ: أنت ناوي على أيه يا ياسين!
ضيق حاجبيه بسخطٍ وهو يتأقلم مع سؤاله المعتاد، فقال بنفاذ صبر: يحيى أنت مملتش من سؤالك اللي كل ما تشوف وشي تسأله ده. أنت ليه شايفني عميل سري!
نظرة ساخرة حانت منه قبل أن يلحقه قوله: عميل المخابرات وشه مكشوف جنبك يا ياسين يا جارحي!

ابتسم وكأن جملته نالت استحسانه، ثم عاد ليتساءل: فين ياسين!
أشار على السيارة وهو يجيبه: نام في الطريق. الوقت متأخر جدًا.

لم ينتظر لسماع باقي جملته، بل اتجه لسيارته ثم صعد للمقاعد الخلفية، تاركًا الباب من خلفه، تبسم وجهه وهو يتأمل حفيده يغفو بهدوءٍ صنعه لنفسه بتلك المساحة الآمنة، قرب ياسين يده منه فمررها على رأسه بحنانٍ وحب، كم ود بألا يوقظه بتلك اللحظة ولكنه بحاجة للحديث معه قبل أن يغادر بطائرته الخاصة، فناداه بصوتٍ منخفض حتى لا يفزع: ياسين.

مجرد سماعه لصوته فتح الصغير عينيه بعدم تصديق لما التقطته آذنيه التي لم يصدقها بالوهلة الاولى، فاتسعت حدقتيه على مصرعها حينما وجده، وارتمى على صدره وهو يردد بعدم استيعاب: حضرتك رجعت أمته!
ضمه ياسين اليه وأجابه بشوقٍ: مش مهم. المهم ان مكنش ينفع أرجع تاني من غير ما أشوفك.
تلاشت السعادة المحفورة على وجهه الشبيه لملامحه بشكلٍ كبيرٍ، فقال بحزنٍ: يعني حضرتك راجع تاني!

أجابه ومازالت الابتسامة مرسومة على وجهه: بالظبط. وطلبت من إنكل يحيى يجيبك هنا لاني محتاج أعرف منك حاجة مهمة بالفترة الجاية. ومتحاولش تغلط وحد يحس انك على تواصل معايا.
تساءل باستغراب: حاجة أيه؟
علت بسمة المكر على وجهه، فضيق عينيه تجاه الصغير ببسمة خبيثة ستمكنه من معرفة ما يخطط عدي فعله طوال الفترة التي سيبعد بها عنه، وخاصة من سينوب عن الصفقتين، أو بالأحرى سيضع من بوجهة الأخر!

بالقصر.
اللجوء لياسين الجارحي كان بمثابةٍ الصفعة التي طالت وجوه الشباب جميعًا، وترتب على ذلك خوف من القادم، لذا بمجرد توقف السيارات بالخارج هرولت الفتيات سريعًا لغرفهم خوفًا من المواجهة الصادمة بين الاطراف، أما الشباب فجلسوا جميعًا بالحديقة، وحالة الصمت تعود لتسيطر عليهم من جديد، إلى أن كسرها صوت أحمد المتساءل: هتعمل أيه يا عدي. الموضوع مش سهل!

استرخى بجلسته على الأريكة وهو يقول بغموض تام: مفيش حاجة بيختارها ليا الا لما بتكون صعبة ومستحيلة يا أحمد. ده المتوقع.
قال رائد بمهنية باحتة: هو مش مشروع وهتجتهد فيه عشان تكبره دي صفقة يعني مكسب وخسارة. أنا بقالي بالمجال ده سبع سنين وعمري ما سمعت أن المناقصة ممكن ترسى على نفس الشركة في عرضين! البديهي العرض التاني بيكون من شركة منافسة.
اكد معتز على حديثه: عشان كده بقولكم الموضوع ده مش سهل.

ما كان يناقصهم سوى غباء هذا الأحمق الذي قرر الحديث: بقولك أيه يا وحش ما تفكك من جو الحرب المندلعة بينك وبين الباشا دي وعيش في أمان الله وكنفه مش لاجل سلامتك ده لاجل انك تربي العيلين أحسن ما يجرالك حاجة وتدوشنا بتربيتهم واحنا اساسا محدش عارف يربي عياله!

رفع عدي رأسه عن حافة المقعد ليرمقه بنظرةٍ نارية، استهدفته فكادت باحراقه، ارتعب حازم بجلسته فنهض وهو يطرق بيده على ساق عمر الجالس لجواره: طب استأذن انا بقى لحسن يدوب ألحق الشوط الاخير.
منحه عمر بسمة ساخطة: أمن بابك وأنت نايم. محدش ضامن ممكن يجرالك أيه!
جحظت عينيه بخوفٍ اتبعه في خطاه السريع للداخل، ضحك معتز وهو يلحق به قائلًا: استني يا حسنية خديني معاكي.

هز رائد رأسه بمللٍ، ثم نهض وهو يشير اليهم: اشوفكم بكره يا رجالة.

وغادر هو الأخر فلم يتبقى سوى احمد و عدي و عمر، مرت عليهم ساعة كاملة ومازال أحمد يطرح اقتراحات مبدائية لحل تلك المعضلة، حتى عمر حاول جاهدًا بإيجاد أي حل قد يناسب أخيه وحينما فشل أخبره: عدي محدش فينا اتولد وهو عنده الخبرة الكافية اللي تخليه يبقى الليدر. مش عيب انك تطلب مساعدة بابا وتسمع اقتراحاته عشان نكسب الصفقتين دول، أنت عارف انه أكتر منك خبرة وأكيد عنده الحل.

حانت منه نظرة جانبية، غاضبة، وبحنقٍ شديد قال: أنا معنديش غرور الا في أي شيء يخص ياسين الجارحي.
وتطلع للفراغ وهو يردد بامتعاضٍ: لو حلول الدنيا كلها خلصت مستحيل هلجئ لحلك ده.
كبت عمر ضحكاته وتمتم باستهزاءٍ: ده لو ضرة هتتحب أكتر من كده. يا جدع ده أبوك والله أجبلك البطاقة!
بنظرة صارمة وتعابير جادة: اطلع نام يا عمر وسبني في حالي. أنا راجع مش طايق الهوا اللي قدامي.

رفع حاجبيه بسخطٍ: أنت طول عمرك مش طايق حد. يا حبيبي انت محتاج علاج نفسي يؤهلك انك تتقبل الهوا والماء ثم البشر اللي حوليك.
خشى أحمد أن تتصاعد الامور فيما بينهما وياسين ليس لجواره لمعاونته لفض النزاع، وخاصة هذا ال عمر الذي اختار وقت غير مناسب بالمرةٍ للمزح القارص، لذا قال سريعًا: عمر اطلع أنت نام عشان ورانا شغل كتير بكرة.

انصاع إليه وغادر بصمتٍ تام، بينما ظل أحمد جواره يحاول التواصل لحلٍ، فباغته عدي بسؤال انتابه وهو يتفحص الاوراق بين يده: هو مين المنافس العربي اللي ممكن ياخد صفقة من دول يا أحمد؟
أجابه على الفور: احنا لينا منافسين كتار بره مصر وجواها يا عدي.
هز رأسه رافضًا لما قاله وهو يبدي وجهة نظره الذكية حول نظرته السريعة: لا المناقصة دي لو حد هيعرف ياخدها هيكون عربي.

ابتسم وهو يفكر بحديثه قليلًا، ثم شرح له تفاصيلًا عن منافسين شركات الجارحي، فانتهى عند ذكر اهمهم: وأخرهم رجل الأعمال مهاب أبو العزم الراجل ده من عتاولة السوق، وبينافس حاليًا شركاتنا. المخيف ان مفيش مناقصة دخلها الا وكسبها. سمعت كمان انه مش لوحده ليه أكتر من شريك من جنسيات مختلفة ومبيظهروش. يعني من الآخر محدش عارف مين اللي بيحركه.
سأله باهتمامٍ وكأنه يستعد مجد التحقيقات لعمله السابق: عايش في مصر؟

نفت اجابة أحمد ما قال: لا في دبي بينزل مصر كل فين وفين.
لاحت على وجهه بسمة ماكرة، فتابع تأمل الورق بشرودٍ جعله مغيب عن سماع باقي حديث أحمد حتى حينما أخبره بأنه سيصعد لغرفته لتأخر الوقت، وبعد رحيله بدقائق، أخرج عدي هاتفه ثم اختار احد الارقام ومرر زر الاتصال وهو ينتظر سماع صوت رفيقه، وبعد دقيقتين اتاه صوته التاعس يردد: خير. في حد يطلب حد بالوقت ده!

صوته الحازم اتى عبر الهاتف ليعبر آلاف الاميال: مازن. فوق واسمعني.
تثأب بنومٍ: فوق واسمعني دي بطلنها من ساعة ما سبنا المهنة رجعتلها تاني يا وحش ولا أيه!
بعصبيةٍ قال: قوم حالا أغسل وشك وفوق بدل ما اتصل بمروج واخليها هي اللي تفوقك.

صوته الخائف أخبره: بلاش بنت عمك الله يكرمك العيال مطلعين عنيها ومصدقت تنام جنبهم هتيجي تفتحلي مرشح ومحاضرة وقتية عن جحود قلبي اللي سابها تعاني معاهم ليل نهار. العملية مش ناقصة.
وهرع لحمام غرفته ثم غسل وجهه عدة مرات وهو يخبره: اهو فوقت، وكلتا أذني صاغية.
قال بجدية تامة: عايزك تعرفلي معلومات عن رجل أعمال مقيم عندك في دبي اسمه مهاب أبو العزم.

رد عليه بشكٍ: ليه عملك أيه البائس اللي ربنا وقعه في طريقك ده!
بفتورٍ صرخ به: شايفني سفاح! الموضوع مرتبط بالشغل مش أكتر.
طرق بيده على الكوماد وهو يردد بتذمر: أنا سبت الداخلية وسبتلك مصر كلها وبرضه مشغلني عندك. طب أروح فين تاني يا جدع المالديف!
ناداه بتهديد مبطن: مازن اتعدل احسنلك.
اجابه بنفورٍ: اتعدلت. حاضر اديني يومين تلاتة وأنا هحاول اجبلك المطلوب.
لا. هما 24ساعة بس ويكون عندي كل التفاصيل اللي تخصه.

ليه يا عم. حد قالك اني بنجم!
لا اللي قالي، قالي انك كنت ظابط شرطة وتقدر تعمل أكتر من كدا.
وبدون أي مبررات أغلق الهاتف بوجهه، ليردد الأخير بغضب: بيتصل وبيقفل بمزاجه، من يوم يومك وإنت مفتري!

بغرفة أحمد
السكون يخيم على أجوائها الغير مستقرة بذاك الوقت، فبدا إليه الأمر غريبًا بعض الشيء، وخاصة حينما لم يجدها بالفراش، فاختار أن يناديها عله يتأكد من إنها بالغرفة: أسيل!
حسم أمره بالتوجه للبحث عنها بالشرفة المنيرة، وما كاد بالتحرك حتى تصلب جسده حينما شعر بثقل جسدها الملقي على ظهره، ويدها التي تحتضنه، رأسها كان يميل على كتفيه العريضة، وأنفاسها القريبة تهمس: وحشتني.

رفع يديه يحتضن يدها التي تتشبث به، والابتسامة الهادئة تزين شفتيه التي نطقت لتريح ما يزعج الأخيرة: متقلقيش أنا مش هعاتبك في اللي عملتيه لاني فعلًا غلطت في حقك.

وجذبها أحمد لتقف مقابله، ففركت أصابعها بارتباكٍ من مساندتها للفتيات بتلك الحرب في حين بأنه لم يقدم لها سوءًا من قبل، فبالرغم من انشغاله الا حينما كانت تحتاج لوجوده كان يترك كل شيء ويأتيها متلهفًا، حتى حينما تتصل به هاتفيًا لتثرثر بحديثها الذي لا نهاية له، كان يسمعها بصدرٍ رحب مثلما اعتاد، ولم يطلب منها مرة بأن تغلق المكالمة لانه بالعمل، خلع أحمد جاكيته ثم حرر الجرفات بضيقٍ من تحملها طوال اليوم، وجلس على المقعد يحرر حذائه وهو يسألها باهتمامٍ: احكيلي بقا يومك كان عامل ازاي؟

جلست مقابله بحماسٍ وهي تقص له عما فعلته طوال اليوم، وبالأخص الجزء المتعلق باتفاقية الفتيات وتحريض نور لهم، قهقه أحمد عاليًا وهو يسمع لحديثها ثم قال باستمتاعٍ: ملقتوش غير ياسين الجارحي؟ مفيش أحلى من كده حلول!
اتبعته أسيل وهو يتجه لخزانته الخاصة، ففتح ازرر قميصه وهو يستعد لارتداء منامتة من القطن، وهو يتابع حديثها بتركيزٍ، فصاحت بحدةٍ: بتضحك ما احنا مخلناش حاجة غير وعملناها هنعمل أيه تاني!

انتهى من تبديل ملابسه ثم خرج ليقف قبالتها وهو يرفع يده باستسلامٍ: حبيبتي انتي تعملي اللي تحبيه. المهم انك حررتي الطاقة السلبية اللي جواكي ولا لا؟
ابتسمت بسعادة وهو تخبره براحة كبيرة: لا أنا انبسطت جدًا جدًا.
حك رأسها بأصابعه وكأنه يداعب طفلًا صغيرًا: وهو ده المهم.

اتجهت من خلفه للفراش، كالصغير الذي يتتبع خطى أبيه، فجذب احمد الغطاء حتى تمددت لجواره، ثم فرده عليهما وهو يستمع لباقي حديثه الحماسي: بس يا سيدي الدنيا هادية وعدم وجود ماما وطنط آية وطنط يارا مخلينا ناخد حرية في اتخاذ القرارات لو موجودين كانوا هيهدوا الدنيا وكعادتهم هيصبرونا على الابتلاء اللي احنا فيه لكن طنط ملك وطنط دينا عسلات سيبنا براحتنا.

اخفى وجه الصديق المرحب بسماع أقرب صديقاته للنهاية، ثم أستحوذ على جانب الزوج المحب لمعشوقته، فدنا بوجهه منها وهو يتساءل بعتابٍ: بقى أنا ابتلاء! بالذمة ده كلام؟
جحظت عينيها بصدمةٍ لما خانها لسانها على قوله، فقالت بضحكة ظنتها ستنهي الأمر: أنت احسن ابتلاء. ثم إن ربنا سبحانه وتعالى مش بيبتلي العبد الا لما يكون بيحبه فأكيد بيحبني عشان يبتليني بيك ولا أيه!

تجعد جبينه من فرط دهشة وجهه فأشار لها بسخريةٍ: بلاش تحللي الأمثال تاني يا أسيل.
باقتناعٍ قالت: أنا بقول كده برضه.
هز رأسه بابتسامةٍ ساحرة، وقال بخبث تشكل بنبرته الجادة: انتي كنتي بتقوليلي حاجة مهمة أول ما دخلت وأنا مخلتكيش تكملي كلامك.
رمشت بعينيها الساحرة كمحاولة للتذكر: أمته ده؟!
رفع الغطاء فوق رؤؤسهما، ثم جذبها اليه وهو يهمس لها بخبثٍ: هفكرك.

الظلام يملئ الغرفة الا من طاقة نور صغيرة تأتي من المصباح الصغير الموضوع جوار الفراش، انتظام أنفاسها جعله يتيقن بغفلتها الغير مصطنعة، فأبدل عمر ملابسه ثم تمدد لجوارها على الفراش وهو يراقبها بابتسامةٍ هادئة، وسرعان ما غفى سريعًا، ولم يطول بنومته فبدأ بفتح عينيه على صوتها المتقطع، فوجد العرق يغمر وجهها بغزارة، حركاتها المنفعلة جعلته يخمن ما تراه بنومها، وخاصة حينما همست بخفوتٍ: حلا، لأ.

لا يريد أن تعود لذلك المطاف الشاق الذي بذل كل ما بوسعه ليجعلها تنسى ما خاضته بتلك الفترة، لذا حركها برفقٍ وهو يناديها: نور. افتحي عيونك ده مجرد حلم.
لم تنصاع ليده لذا لم يكن هناك سبيلًا أخر سوى جذبها عن الوسادة إليه، ففتحت عينيها الباكية وهي تمتم بألمٍ مزق نياط قلبه: حلا. بنتي!
احتضن وجنتها بين أصابعه وهو يجبرها على التطلع له وسماع ما سيقول: اهدي. حلا كويسة وفي أوضتها.

اغرقت عينيها بالدموع وصوتها الباكي يخبره: هاتها.
أشار لها بتفهمٍ وسرعان ما نهض عن فراشه ليسرع لغرفة ابنته الرضيعة القابعة لجوار غرفته، فحملها بين ذراعيه بحرصٍ بالا يوقظها ثم عاد ليضعها بين يدها، فضمتها لصدرها وعينيها تتشبع بملامحها، تارة تقبلها وتارة تزيح دموعها وعمر مازال يراقبها بحزنٍ اتبع نبرته التي حملت وجع عالم بأكمله: لحد أمته هتفضلي كده يا نور، الزعل وحش على اللي في بطنك.

رفعت عينيها إليه وكأنها تشكو له مرارة ما تواجهه كل ليلة، شعر بأنها تود الحديث معه ولكنها تخشى أن يعنفها مثلما تفعل كل مرة، فمنحها نظرة حنونة واحتواء جعلها تنفجر بالبكاء وهي تردد: أنا السبب في موتها. أنا السبب يا عمر!

ضمها إليه ومازالت تضم الصغيرة، فعاد نفس جملته التي يخبرها بها كلما تصمم على قولها هذا، ولكن تلك المرة قالها بهدوءٍ: قضاء الله نافذ يا نور. ربنا اختارها واختارلها الطريقة اللي ماتت بيها. عشان خاطري بلاش تلومي نفسك على حاجة انتي مالكيش ذنب فيها.
رفعت وجهها تجاهه وبانفعالٍ تفاجئ به عمر قالت: أنت السبب. أنت اللي صممت تسمي بنتي حلا، كأنك مصمم تفكرني باللي عملته.

جحظت عينيه في صدمة ألجمته عن الحديث، فتثاقلت كلماته وهي تحاول الخروج عن منطقها: معقول يا نور شايفاني كده! انتي معترضتيش على الاسم لما ولدتي جاية دلوقتي وتتهميني الاتهام ده!
صرخت به مجددًا وكأنها تحاول التنفيس عما يجوب بداخلها: كنت مجبورة اسكت لاني كنت حاسة انك حابب تعاقبني. سكوتك نفسه عن اللي حصل كان عشان كده.

صراخها أفزع الصغيرة التي بكت بين يدها، حملها عنها عمر ثم نهض وهو يربت على ظهرها بحنان حتى غفت على كتفيه مجددًا ومازالت نظراته الصامتة تحيط بها، فقال وهو يتجه لغرفة ابنته: سكوتي كان رضا بقضاء ربنا وابتلائه. أنا مقدر الحالة اللي أنتي فيها عشان كده مش هحاسبك على اللي قولتيه ده وأنتي أكتر واحدة عارفة حسابي عامل ازاي.

وتركها وغادر في صمت، فأغلق باب غرفة ابنته من خلفه، ثم تمدد جوار الصغيرة بألم، استهدفته كلماتها في مقتلٍ فلم يعاتبها يومًا على ما فعلته لانه لا يرى بأنها مخطئة أبدًا عكس ما ترى هي ذاتها به.

استندت نور برأسها على الفراش، وأغلقت عينيها بقوةٍ وهي تحارب ذكرى هذا اليوم التعيس، فعادت لترى من أمامها شبح الماضي المجسد كتسجيل لا يخص سواها، فما مر على معرفتها لحملها سوى أسبوعًا واحدًا حتى بدأت أعراض الحمل تسيطر عليها بشراسةٍ، فمنذ الصباح ويهاجمها دوار وصداع استهدف رأسها، فظلت طريحة الفراش منذ الصباح، استمعت لطرقات باب الغرفة فخرج صوتها شاحب كحال وجهها الأصفر: ادخل.

ولجت آية للداخل بابتسامتها الرقيقة، ثم اقتربت من الفراش وهي تسألها بلهفة: مالك يا حبيبتي. من الصبح مخرجتيش من أوضتك؟
اتكأت بمعصمها على الفراش، ثم حاولت الاستقامة بجلستها وهي تجيبها بإعياءٍ شديد: من امبارح مش عارفة أنام من التعب ومش قادرة ارفع دماغي.
جذبت آية كوب العصير عن الطاولة التي تضم طعام الافطار كاملًا: عشان مبتكليش كويس. اشربي العصير ده وأنا كلمت عمر عشان نروح للدكتور ونطمن وزمانه على وصول.

منحتها ابتسامة صغيرة، ثم جذبت منها الكوب وهي تخبرها: حاضر هشربه.
خرجت احدى الخادمات من حمام الغرفة، ثم اقتربت لتخبر نور: الحمام جاهز يا هانم.
أومأت برأسها فغادرت الاخيرة، بينما تساءلت آية وهي تبحث عن الصغيرة بدهشةٍ: أمال فين حلا؟
أجابتها نور وهي تفرك رأسها بوجعٍ: لسه نايمة.
هزت رأسها وهي تشير لها: خلاص قومي خدي حمامك واجهزي وأنا كمان هروح البس عشان أول ما عمر يوصل هنتحرك بإذن الله.

جذبت نور المنشفة ثم اتجهت للحمام بتعبٍ شديد، فوجدت الخادمة قد ملأت البانيو بالمياه الدافئة ومغسولها المفضل، خلعت مئزرها ثم استرخت بالمياه وهي تحاول انعاش جسدها الهزيل، وما ان انتهت من حمامها البطيء حتى اتجهت للخزانة في محاولةٍ للاستعداد، شعرت نور باختلالها وعدم قدرتها على الوقوف، لذا تركت الفستان الذي بيدها واتجهت للفراش، وما أن تمددت على الوسادة حتى غفاها النوم بعد ليلة قاسية، مرت نصف ساعة ومازالت تغفو بعمقٍ إلى أن شعرت بابنتها تحرك يدها وهي تمتم بكلماتٍ غير واضحة، سحبت نور يدها وهي تردد بإنزعاجٍ: سبيني يا حلا أنا تعبانه ومش قادرة أقوم. روحي العبي بألعابك.

انكمشت تعابير الصغيرة بحزن، واخذت تعبث بما تتلاقفه يدها، وسرعان ما تحول حزنها الطفولي لفرح وهي تلعب بأغراض نور، مرت الدقائق ومازالت الصغيرة تستكشف كل إنشنٍ بالغرفة، حتى تسللت لحمام الغرفة، استندت على الحائط وهي تخطو خطوات غير منتظمة حتى وصلت للبانيو الذي يملأه المياه، راقبت الطريق من خلفها لعلمها بأن والدتها لن تسمح لها بالتواجد بذلك المكان وحينما لم تجدها خلفها مثلما كانت تفعل، جذبت الورود التي تملأ المزهرية الموضوعة جانبًا ثم وضعتها بالمياه وهي تلهو بمرحٍ ومن ثم وضعت ألعابها لعبة تلو الأخرى وكلما طفت على سطح المياه كانت تضحك بطفوليةٍ، احتلها انزعاج غفير لحظة غوص احدى ألعابها، فحاولت جاهدة الحصول عليها وحينما فشلت بالامساك بها لعمق البانيو، جذبت أحد المقاعد ثم صعدت فوق سطحه واخفضت ذراعها بالكامل حتى غلبتها رأسها وسقطت من خلفه، فاختفى جسدها الصغير بداخل البانيو، تحركت ساقيها وذراعيها بانفعالٍ وهي تحاول التقاط أنفاسها، سلبت منها روحها ومازالت تحاول وتعافر حتى توفت غرقًا واستسلمت لموتٍ محتوم لم تشعر به من ازهقها تعب حملها وغفت كمن ارتشفت مخدر قوي جعلها لا تستوعب ما يحدث من حولها، فايقظها صوت هاتفها بعد ساعة كاملة من النوم، تحسست نور الوسادة والكومود باحثًا عن الهاتف، وفتحت عينيها بارهاقٍ وهي تتفحص المتصل، رفعت الهاتف على أذنيها وهي تجيب بنومٍ: أيوه يا عمر.

اتاها صوته المتلهف: طمنيني عليكي لسه تعبانه؟
قالت بنعاسٍ يغلبها: أيوه بس مش هروح غير بليل مصدقت أعرف أنام.
اجابها بحبٍ: خلاص يا حبيبتي لما تفوقي ابقى رنيلي.
وقبل أن تغلق الهاتف تساءل سريعًا: حلا صحيت من النوم؟
=صحيت من شوية.
خليني أكلمها كانت نايمة الصبح وانا نازل.
نادتها ومازالت عينيها مغلقة: حلا. حبيبتي تعالي كلمي بابي.
وحينما لم تجبيها رفعت صوتها مجددًا تناديها: يا حلا.
قال عمر بدهشة: يمكن نزلت تحت.

نهضت نور عن الفراش وهي تجيبه: لا الباب مقفول.
واسرعت لغرفة ابنتها وهي تناديها: يا حلا انتي فين؟
أي ردًا سيأتيها وقد فارقت ابنتها الحياة تاركت من خلفها ألعابها التي تطفو لجوار جثمانها فوق سطح المياه!

تعلقت عين نور بباب الحمام لثوانٍ وهي تحاول الا تستوعب ما يمليه عليها قلبها وعقلها، وما قيد حركتها نسيانها أن تسرب المياه بعد حمامها، اتجهت بخطوات ثقيلة للمرحاض والهاتف مازال معلق على أذنيها، حتى باتت تقف بالقرب من ابنتها، رمشت بعينيها عدة مرات وهي تحاول استيعاب ما تراه وفجأة انطلق صوتها بصرخة هزت أرجاء القصر بأكمله: حلا، بنتي!

أفاقت من ذكرى يومها المؤلم سريعًا، فاختنق تنفسها وكأنها هي من تصارع الموجات، مازالت تتذكر الليالي المؤلمة التي قضتها بعد وفاة ابنتها الاولى، حتى رزقها الله بابنتها الثانية فمنحها عمر نفس الاسم حلا، وهي الآن حامل بابن يضم ثمار حبهما للمرة الثالثة، نعم قست عليه بكلماتها وهو الوحيد الذي ساندها واخبرها مرارًا بأنها مشيئة الله عز وجل، ليس بيدها شيئًا، وهي الآن تقسو عليه، نهضت نور عن الفراش ثم اتجهت للغرفة الملتصة بغرفتها، ففتحت الباب الجانبي وهي تبحث عنه، وجدته مازال مستيقظًا ويبدو عليه الحزن الشديد، انتبه لوقوفها على باب الغرفة، فاجلت احبالها المنقطعة وهي تهمس ببكاءٍ: أنا آسفة يا عمر.

وجد عينيها قد تورمتان من فرط بكائها، فنهض من جوار ابنته ثم وضع الوسادة ليحميها من السقوط أرضًا، وأسرع إليها. ضمها اليه وهو يربت على ظهرها ويهمس لها بحنان: قولتلك اني مزعلتش منك أنا زعلان عليكي يا نور.
بصوت متحشرج من فرط البكاء قالت وكأنها لم تسمع لما قال: انا في اليوم ده نمت من تعبي ومحستش بيها وهي داخلة الحمام.

ابعدها عنه وهو يعاتبها: عشان خاطري انسي. بطلي تفكري في اليوم ده. ربنا عوضنا بحلا وبابننا اللي في بطنك. انتي ممكن تأذيه باللي بتعمليه في نفسك هتقدري تتحملي ذنبه يا نور؟
رددت بارتباك وهلع: لا. لا. ابني مش هيجراله حاجة.
واحتضنت بطنها بحالة من التوتر، فلعب عمر على أوتار خوفها الذي سيعاونه بما يريد: يبقى تبطلي تفكري في اللي فات.
هزت رأسها ثم قالت بتعبٍ وهي تشير على فراش الصغيرة: هنام جنبها.

منحها ابتسامة هادئة، وهو يدنو من الفراش: معديش مانع تشاركينا في نومتنا.
ضحكت على مزحه رغم ما تعرضوا له معًا، ومن ثم حملها للفراش ليستقر ثلاثتهم فوقه. وأخيرًا تخطت اوجاعها وضمت صغيرتها اليها علها تبرد أوجاع قلبها.

صعد متغندغًا لغرفته، فما أن فتح بابها حتى صرخ ألمًا حينما تلقف وجهه شظايا أحد المزهريات، فحارب التشوش الذي يعتليه وهو يحاول التقاط المشهد كاملًا، فوجد الغرفة تحيطها فوضى عارمة وبقايا زجاج منكسر، وابنه ينطلق كالصاروخ الجوي يدمر أي شيء بطريقه، بحث حازم بعينيه عن زوجته فوجدها تنكمش على احد المقاعد وتحتضن بطنها المنتفخ خشية على جنينها من شراسة هذا الولد الذي فشل هو بتهذيبه اولا، رأه حازم يمر من جواره فجذبه من قبعة البيجامة وهي يصيح به بتحد: جرى أيه يالا هو محدش عارف يلمك ولا أيه، حد قالك اننا جايبن هولاكو على وش الدنيا ولا قالولك انك حفيد امتياب باتشان.

أبعد خالد يد أبيه عنه وهو يشير له بحزم: هتبهدل هدومي. سبني بدل ما اتصل بجدو يطلعلك.
رفع حاجبيه بسخطٍ قاتل: أنت بتهددني يا حشرة، ده انا برشة بيرسول أقعدك تحت السرير يلا، فوق يابا أحنا خربينو على قديمو.
هز الصغير رأسه بتحدٍ: كده طيب.
وتركه وغادر من الغرفة بأكملها، فاتجه حازم للركن المنزوي بعيدًا وبالاخص أمام نسرين ثم قال ساخرًا: انتي خايفة من الواد من دلوقتي أمال لما يطول وشنبه يخط في وشه هتعملي أيه؟

منحته نظرة ساخطة احاطته من رأسه لاخمص قدميه، واتبعها قولها المستهزأ: انا ربنا بيحبني ومصمم يزيد بحبه بعدد من الابتلاءات أخرهم اللي في بطني الله اعلم جيناته هتوصله هو كمان لأيه!
ورفعت يدها لسقف الغرفة وهي تردد بضيق: حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا حازم. كان يوم اسود يوم ما شوفت خلقتك انت وابنك.

قوس حاجبيه بغضبٍ: بتدعي عليا يا ولية. بعد كل الحب اللي حبتهولك والطفح اللي حولتهولك. يلا هقولك أيه عمل ربنا فيكي كفايا وآآ.

بترت كلماته حينما شعر بنغزة استهدفت كتفيه فاستدار للخلف، فوجد ابنه يحمل عدد من الشوك القاسية التي تستهدف اللوحة المعلقة من خلف الباب، فقرر استهدافه هو بدلًا عنها، استوعب حازم ما يحدث هنا وفجأة هرول مسرعًا تجاه المقعد الذي يحمل نسرين فسقط بهما معًا للخلف حتى باتت قدميه عرضة لمن يستهدفه بالسهام، وكلما تمسه أحد الأشواك صرخ بجنونٍ الى ان توقف الصغير وهرع للخارج ليبحث عن بقية الاشواك، أسرع حازم بقدمٍ ملوحة وخطوات متعثرة، وحينما سقط أرضًا استخدم ذراعيه وقدميه حتى وصل لباب الغرفة فاوصده من الداخل وجلس من خلفه ليحرص الا ينجح هذا الوحش الصغير بفتحه مجددًا، فرفع قدميه وانتزع عنها الاشواك والاخيرة تراقبه بشماتةٍ، اتجهت للفراش وجلست على حافته والابتسامة تعلو ثغرها، منحها حازم نظرة نارية اتبعها قوله المتعصب: رجعي اللي في بطنك ده مش عايزه أنا اتربيت تربية تكفيني سنيني الجاية. الله يكرمك كفايا عليا أبو فقوس اللي انتي جايبهولي ده.

جذبت نسرين الوسادة وأحد الاغطية ثم قذفتها بوجهه وهو تخبره بصرامة: انت صح عشان كده طول ما انا على ذمتك قضي ليلك ورا الباب أضمنلك.
منحها نظرة حارقة ثم جذب الوسادة وتمدد خلف الباب وهو يراقب بخوف ما سيفعله الصغير بعد.

أغلق عدي الملف من أمامه ثم نهض واتجه للداخل، فوجد سيارة يحيى تدنو من بوابة القصر الداخلية، اتجه إليه ثم وقف قبالة باب السائق ليسأله بغموض: كنت معاه صح؟
ابتسم يحيى وهو يجيبه: أيوه طلب انه يشوفني انا وياسين بس نام واحنا في الطريق.
واتجه يحيى للخلف ليحمل الصغير، فحمله عنه عدي وهو يخبره باحترام: بلاش تتعب حضرتك أنا هشيله.
قبل يد الصغير التي تتدلى من خلف كتف عدي وهو يهمس له: تصبح على خير يا حبيبي.

التفت به عدي للخلف وهو يجيبه بدلا عن ابنه النائم: وانت من أهله يا عمي.
وتركه ودخل المصعد حتى وصل للطابق الثالث، فقصد غرفة أولاده ومن ثم وضعه على فراشه، ثم جذب الغطاء ليداثره جيدًا، تعلقت نظرات عدي به والابتسامة تزين شفتيه، فعبث بأصابعه بين خصلات شعره البني الذي يحمل نفس لون أبيه، ثم انحنى ليطبع قبلة صغيرة على جبينه وهو يهمس بسخرية: حتى وأنت نايم شبهه!

نهض عن فراشه واتجه لسرير ابنته البعيد عن الركن الخاص بابنه، فوجدها تحتضن دميتها وهي نائمة، ابتسم وهو يقبل جبهتها ثم قال بحبٍ: تصبحي على خير يا أجمل وأعز شيء بمتلكه في حياتي.
وداثرها بالغطاء جيدًا ثم أطفئ الضوء واتجه لغرفته.

كان يعلم بأنها تتدعي النوم، ومع ذلك ابدل ثيابه واتجه للفراش بمكرٍ تام، تمدد عدي لجوارها وهو يراقب انفعالات وجهها، وخاصة رمشت عينيها التي تحاول التقاط أي صورة توضيحية لما يفعله الآن، فوضع يده يستند على جبهته وهو يدعي غفلته السريعة هو الآخر، فتحت رحمة عينها أخيرًا فالتقطت انفاسها بصورةٍ طبيعية حينما رأت النوم قد غلبه، وفجأة شحب وجهها حينما استقام بجلسته وهو يردد بحنقٍ: كنت واثق إنك منمتيش!

جاهدت لرسم ابتسامة زائفة وهي تخبره: لا كنت نايمة
هز رأسه وهو يسترسل بحدةٍ: لا يا روحي مش نايمة كنتي بتتهربي مني عشان موجهكيش باللي عملتيه.
ادعت عدم معرفتها بما يقال: عملت أيه!
نادها بتحذير من اللجوء للف والدوران: رحمة!

ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تحاول استجماع ما علمها اياه ياسين، لذا قالت بقوة تحاول ان ترتديها رغم اختلاف المقاسات فيما بينهما: لو تقصد مكالمتنا لعمي فأنا مغلطتش يا عدي. انت مش شايف طريقتك معايا عاملة ازاي!
ابعد الغطاء عنه ثم انحنى بجذعيه تجاهها وهو يصيح باندفاع: متجوزة عيل صغير بريالة عشان تروحي تشتكيني! مشاكلنا متخرجش برة عتبة باب الاوضة دي وده اللي لازم تتعودي عليه سامعاني!

بتحد أخرج ما تخفيه بداخلها قالت: لما مقدرش اوصل معاك لحلول لازم اختار الشخص الحكيم اللي يقدر يصلح ما بينا.
بضحكة ساخرة قالت: والشخص ده يبقى ياسين الجارحي!
ضمت شفتيها معًا وهي تستعد لخوض نقاش حاد معه: ايوه هو يا عدي. وحقيقي انا وغيري مشوفناش منه غير الاحترام. أنا مش فاهمه ايه سبب الكره اللي جواك لباباك وهو مقدملكش غير كل خير.
رفع حاجبيه بدهشةٍ مما تفوهت به: بكرهه! انتي سامعة انتي بتقولي أيه!

صاحت بانفعال: لا شايفة افعالك وطريقتك.
نهض عن الفراش وهو يشير لها بغضب: أنا مفيش حد يعدل على تصرفاتي. ثم انك مين عشان تتدخلي في علاقتي مع اللي يخصوني. أنا حر مع عيلتي انتي مالكيش تتدخلي ما بينا.
وألقى المصباح الكهربي الذي يزين الكومود وهو يصرخ بعنفٍ: مش فاضل غير اني ادخل حد في حياتي عشان يحل مشاكلي مع مراتي!

وترك الغرفة بأكملها ثم هبط للأسفل وبالأخص لحديقة القصر، جلس على الاريكة المعدنية القريبة من حمام السباحة شارد بما يحدث من حوله، فأبيه يحرص كل فترة على نشب الحروب فيما بينهما وكأنه لم يفكر بانجابه الا لتسلية تحديه!

قطع الليل اشراقة الصباح ومازال يجلس محله لم يذق طعم النوم، وكأنه كان بحاجة للجلوس منفردًا والتفكير جيدًا بنقاط أراد الانفراد بها، قطع شروده صوت هاتفه فرفعه على اذنيه ليستمع لصوت رجله المخلص: اللي طلبته اتنفذ يا باشا.
أغلق عدي الهاتف براحةٍ بعدما نجح أحد رجاله بتتبع أبيه ليلة آمس وتحديد مكانه بالتحديد. فأصبح الآن لقاء والدته أمرًا ليس مستحيلًا.

اقتربت الطائرة من اليخت بمسافةٍ ليست ببعيدةٍ، فتوقفت بالمكان الذي أمر ياسين الجارحي بالتوقف، حتى لا تشعر به آية، فإن علمت بانها قضت ليلها بدونه ربما ستفقد صوابها وربما ستصر على العودة خشية من أن يكررها مجددًا، ظلت الطائرة تحوم فوق سطح المياه والطيار مازال لا يستوعب ما يحدث، فقال باستغرابٍ: لازم أقرب من اليخت يا باشا عشان حضرتك تعرف تنزل.

تجاهل ما يقوله، وفتح باب الطائرة ثم خلع جاكيته ومن ثم نزع عنه قميصه والاخر يتابعه بذهولٍ ازداد حينما قفز ياسين بالمياه ببراعةٍ وجسده الممشوق لا يناسب سنه الذي يعلمه الجميع، سبح بمهارةٍ حتى اقترب من اليخت وما حسبه قد وجده حينما وجدها بالمياه تبحث عنه بفزعٍ، فرفعها بعيدًا عن المياه ومن ثم صعدوا معًا لليخت. (نوفيلا لحظات خاصة مقدمة 3. ).

ومن خلف منطقة نائية، وضع من خلفها مستقر لمنظمة دولية خطيرة، فتح أحدًا باب احد الغرف المتهالك وهو يردد بفرحة لما يزفه لسيده: الدور اتسبك ودخل عليهم والمراد حصل. الباشا بنفسه اللي استلم الصفقتين!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة