قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

استندت على ذراعه القوي الذي يمنعها من السقوط أرضًا، ورددت بخفوتٍ ويدها تحتضن بطنها بألمٍ: عمر مش قادرة!
جذبها لصدره وهو يحاول جذب اسدال الصلاة الخاص بها، فمال برأسه على جبهتها وهو يمسد بخديه عليها: متخافيش يا حبيبتي. حالًا هنتحرك للمستشفى.

جذب الإسدال وألبسه لها، ومن ثم الحجاب فعقده جيدًا وبإحكام حول خصلات شعرها القصير نسبيًا بعدما قامت بقصه موخرًا، حرص على اخفاء خصلاتها الأمامية حتى وإن كان هذا يفقده الكثير من الوقتٍ، ومن ثم حملها وهرع للخارج، وفور خروجه من الغرفةٍ تفاجئ بالشباب بأكملهم أمامه، تركوا هواتفهم وأسرعوا ليكونوا لجواره، أسرع بها عمر للأسفل، فصعد بسيارة عدي، وجعلها تتمدد بالخلف على قدميه، ويحاول تهدئتها بكافة السبل، إتكأت نور على مرفقيها حتى باتت قبالته، فهمست بصوتٍ خافت: هنوصل أمته؟ أنا مش قادرة أتحمل!

اتجهت نظرات عمر المرتعبة لأخيه، ومن ثم عادت إليها ليهمس بصوتٍ خافت: بلاش تستفزي عدي. مش هنوصل لو عفريت السواقة حضر، وساعتها يا قلبي بدل ما تدخلي على العمليات هتدخلي الانعاش.
رمشت بعينيها عدة مرات، وكأنها تحاول استيعاب ما يخبرها به في تلك اللحظة، فتأوهات وهي تقترب لتميل على عنقه، فرددت بصوتٍ ظنته غير مسموع لمن يجلس بمقعد القيادة: أنت بتحلو وأنا في أخر أيام حياتي ليه؟

رمش بعينيه بذهولٍ، فرفعت عينيها اليه ثم رفعت يدها لتمررها على ذقنه: بقول إن شكلك بالدقن أحلى.
أبعد يدها عنه سريعًا، مرددًا بضجرٍ: أنا عارف هلاوس ما قبل الولادة دي!
وبنفس هدوء نبرته أخبرها: نور يا حبيبتي إحنا ربنا رزقنا وركبنا مع الوحش، نمسك نفسنا بقى بدل ما يرمينا عند عتبة بوليس الآداب!

استفزتها كلماته، هل يخبرها بالانتباه لتصرفاتها وهي بوضعٍ هكذا، استدار برأسها تجاه عدي ثم صاحت بإنفعالٍ: عدي هو أنا راحة أزور خالتي وراجعه، أنا راحة أولد وبالشكل ده مش هلحق لسنة قدام!

منحها نظرة سريعة من طرف عسليته، ومن ثم شدد على المكبس من أمامه، وبسرعةٍ جنونية كادت بأن تقذفهما من نافذة السيارة، لدرجة جعلتها تحتضن بطنها بيدٍ واليد الأخرى تكاد تقتلع عنق عمر من شدة تعلقها به، ولسانها يردد دون توقف: انقذ ابني واجري بسرعة!

ود لو قذفها بعيدًا عنه بعد ما تسببت بفعله خاصة وقد قام بتحذيرها بنفسه، فصاح بها وهو يحاول منعها من السقوط عن أريكةٍ السيارة: دي عربية الآخرة وبدون حساب إن شاء الله، أنا معنديش طموح أشوف ابني أنا عندي طموح ألم أشلائي من الرصيف!
تهدجت سرعة السيارة تدريجيًا، لتظهر المشفى من أمامهما، حمدوا ربهما معًا بصوتٍ يتحد بنطق: الحمد لله!

فتح عمر باب السيارة أولًا، فكاد بالسقوط أرضًا من فرط الدوار الذي ضربه بعد هبوطه عن تلك السيارة المخيفة، انخفض ساق نور عن السيارة وأشارت بيدها لمن يحاول الحفاظ على توازنه: عمر ساعدني!
اقترب منها ومن ثم حملها واتجه بها للداخل، وعدي يتبع خطاه بصمتٍ وإتزان مخيف.

عاد منهكًا من عمله، فولج لشقته وهو يخلع عنه جاكيته الأسود، ومن ثم حرر جرفاته وهو يتوسط الاريكة المقابلة له بإرهاقٍ، اسند مازن رأسه لمقدمة الأريكة ويده تفرك جبهته بألمٍ، على غير عادتها لم تستقبله بنفسها ككل يومٍ، فناداها بقلقٍ: مروج!، حبيبتي إنتِ فين؟
خرجت الخادمة من غرفة أبنائه تحمل الصغيرة بين يدها وهي تحاول أن تهدهدها بين ذراعيها، وقالت: السيدة لم تعد للمنزل حتى الآن.

رفع ساعديه يتأمل ساعته وهو يتساءل بذهولٍ: ليه هي خارجة من أمته؟
أجابته وهي تحاول أن تهدأ الصغيرة: منذ أربع ساعات تقريبًا.
أشار لها بالإنصراف، واعتدل بجلسته وهو يخرج هاتفه، مرددًا بأستغرابٍ: اتاخرت ليه كده؟

فتح مازن هاتفه، فوجد رسالة صوتية على الواتساب منها، جز بأسنانه على شفتيه السفلية بقوةٍ، فمازال يمتلك عادة بقاء هاتفه بالوضع الصامت بعمله، فتح الرسالة والسكينة مازالت تفرد سيطرتها على معالمه، وفجأة انتفضت عروقه فزعًا مما استمع إليه، تفجر القلق داخله وسهام من نيرانٍ تستهدفه دون رجعة، هل كانت زوجته بحاجته لتلك الدرجة وهو يريح رأسه بوضع هاتفه على الصامت ليستكمل عمله بتركيزٍ؟، لا يعلم كم استغرق بالتحديد ليجذب مفاتيح سيارته ويركض كالمجنون للأسفل، فسارع السيارات وكأنه في سباقٍ عنيف، يضع محبوبته وزوجته الغالية في كفةٍ أخرى من الميزان، فلم يستغرق سوى دقائقٍ معدودة حتى وصل أخيرًا للمبنى الذي يضم به مكتب طبيبة الأسنان الذي تقصده زوجته من الحين للآخر، تلقائيًا اندفع للرواق المتخصص بالمصاعد، وأخذ يتفحص كلًا منهم، ارتخى جسده المتشنج قليلًا حينما وجدهم فوارغُ، فأسرع لأحد أفراد الآمن يسأله بإيجازٍ: كان في حد محبوس بالأسانسير؟

رد الشاب نافيًا وهو يهز رأسه: لا. محصلش حاجة زي دي!

عادت أنفاسه تنعشه من جديدٍ، حتى وإن لم يُرفع عنه القلق ستاره كليًا، فأسرع للمصعد قاصدًا عيادة الطبيبة، ومن ثم للسكرتيرة فعاد مرة أخرى لدائرته المغلقة حينما أكدت له بأنها أتت بالفعل في موعدها المحدد ولم يستغرق بقائها بالعيادة سوى ساعة الا ربع، شعر بنغزةٍ عارمة قد تصيبه في مقتلٍ، إلى أين اختفت فهي لا تعلم أحدٌ هنا، حتى أنها لم ترغب قط بالخروج للتنزه دونه لعدم علمها بالطرقات بعد!

كظابط شرطة كان سريع أَلْمَعِيّ وحاذِق، لذا كان يعلم ما يتوجب عليه في تلك اللحظة، فهبط مسرعًا للأسفل، ومن ثم قصد غرفة المراقبة الخاصة بالمبنى، فاوقفه أحد من رجال الآمن وهو يحذره بعدم الاقتراب: مينفعش تدخل هنا يا أستاذ ممنوع.
أخبره على مضضٍ وهو يحاول إبعاده عن طريق عبوره: مراتي مرجعتش البيت من وقت طويل، محتاج أشوف تسجيلات الكاميرات.

حال بذراعه القوي بينه وبين الدخول، وهو يشدد على كلماته بنزقٍ: قولتلك ممنوع، ولو حابب تمسح الكاميرات يبقى بأذن!

سيطر مازن على غضبه بصعوبةٍ، فود لو أطاح بمن يقف عائق بينه وبين الاطمئنان على زوجته، ولكن هذا لن يفيده بالوقت الحالي، فلن يفيده الا خسارة للوقت، لذا برتابةٍ وعقلانية أخرج جواز سفره ومن ثم كرنيه الخاص ليقدمه إليه، رتبته بالشرطة كانت كافيلة بجعله يزيح يده عن مدخله، وما زاده ريبة حينما ردد مازن بتحدٍ صريح: مراتي اللي مش قادر أوصلها تبقى مروج عز الجارحي. ها لسه محتاج لإذن تاني؟

من لا يعلم بسلطة عائلة تفشت نفوذها بين العالم، الجميع بات على علم بإمبراطورية الجارحي وبالأخص بمالكها المتحكم بأفرعها ياسين الجارحي، من لم يسبق التعامل معه شخصيًا يكفيه سيطه المخيف والصارم!، لم يجرأ أحدًا على منعه من عرض الفيديوهات المسجلة للمبنى، ولأول مرة يلجئ فيها مازن لنفوذ عائلة زوجته، وإن أضطر كان ليفعل أكثر من ذلك لأجلها، وخاصة بأن ما حدث بالآونة الأخيرة يجعل قلقه يزداد الضعف.

استمرت رحلة بحثه لدقائق استطاع بها رؤية تسجيل واضح لزوجته، وهي تدخل للمبني، وما أثار رهبته رؤيتها تخرج بين يد هذا الرجل الغامض، سقط قلبه بين قدميه، وأشار بيده للعامل: قرب الصورة.
حاول أن يقربها ولكن كانت معالمه غير واضحة لارتدائه كاب أسود ونظارة سوداء تلتهم أغلب وجهه، وحينما فشل بتحديد معالمه أشار له مجددًا: شغل.

أعاد تشغيل الفيديو مجددًا، فرآها يحملها ويضعها بسيارة سوداء، وفجأة استدار الرجل تجاه الكاميرا الموضوعة أمامه، وكأنه يعلم كيف تسير عصبة تفكيره، فأزاح عنه الكاب والنظارة وهو يتعمد اظهار معالمه لمن سيعرض تلك اللقطات، ارتد مازن للخلف بصدمةٍ وهو يردد بصوتٍ يكافح للخروج: مهاب أبو العزم!

أوشك المحلول على الإنتهاء، فتمسكت نور بعنق عمر وهي تهمس له بخوفٍ: أنت عارف أيه اللي هيحصل دلوقتي؟
فشل بحماية رقبته من أظافرها الحادة، ومع ذلك نجح بتصنع الهدوء وتلك البسمة التي تحمل الحب لها: أيه يا حبيبتي اللي هيحصل، احكيلي؟
أشارت له على باب الغرفة الأبيض، وقالت: هتدخل الممرضة ام كرش مدلدل دي وهتقولي بصوت مخيف جاهزة يا مدام.

هز رأسه وهو يستمع لها بنفاذ صبر، فزادت من تشبثها به وهي تردد برجاءٍ: وأنا وعهد الله ما جاهزة يبجوا كرشي النهاردة، تعالى نهرب من هنا يا عمر.
التقط نفسًا مطولًا وهو يحاول تقبل تراهات النساء وخاصة في موقف كذلك، فإن تحمل عقبات التسعة أشهر من تقلب الهرمونات وغيرها من معضلةٍ شرسة أفتكت به ألن يحتمل تلك الساعات البسيطة؟!
مسد عمر على ظهرها بحنانٍ زائف: اهدي يا حبيبتي. دي كلها نص ساعة وهنمشي تاني.

قبل أن تقرر اجابتهو، فُتح الباب بعد دقاته الخافتة وطل الطبيب من خلفه، فدنا من عمر وهو يبادله السلام الحر: يا أهلًا بالدكتور اللي مش سأل على زمايله.
حاول أن يرفع يده بيد صديقه الممدودة، فنور تحتجز جسده بأكمله حتى ذراعيها، فنهض عن الفراشٍ بجزءها العلوي المتشبث به كالطفلة التي تخشي الآبرة، بادله السلام بصعوبة وهو يحياه بمحبةٍ: ازيك يا مالك أخبارك أيه؟

هز الطبيب رأسه باستحسان: أنا بخير. وحقيقي مبسوط اني بشوفك النهاردة بعد زمن.
مازحه عمر بسخطٍ: بعد زمن أيه يا راجل، ده أنا كل شهر هنا أنا والعيلة الكريمة.

انفجر ضاحكًا، فكان له من الحظ الأوفر من المالٍ لمتابعة الفتيات حملهن معه بالفترة الأخيرة، كبت عمر صرخة مداوية كادت بالخروج لتزيح عنه شعوره بالآلم لحظة نغزها بأظافرها بعنقه مجددًا وهي تهمس له بصوتٍ وصل للطبيب قبله: مش هولد مشيني من هنا بقولك، مكفكمش فتحتوا كرشي مرتين قبل كده. هتعملوا فيا أيه تاني يا ظالمة!

رسم بسمة مصطنعة، وأبعدها عنه للفراش وهو يخبرها بتريثٍ: طب خليكِ هنا وأنا هتكلم مع مالك في الموضوع ده وراجعلك تاني.
ابتعدت عنه بعد تفكير، فجذب عمر مالك كالمجرم الذي يتوسل الشرطي بالرحمة، وخرج به للخارج وهو يخبره بنبرة تشبه الترجي: خلصني يا مالك وخدرها جوه، أنا تعبت صدقني.
حانت منه نظرة متفحصة لرقبته التس تشبه الخريطة المتفرعة، وردد بشفقةٍ: لا مهو باين.

وكبت بسمته وهو يشير الممرضات التي اتت بالسرير المتحرك إليهما: مينفعش تتخدر جوه أنت دكتور وعارف. بس خلاص المحلول هخلص ولازم تدخل العمليات حالًا.
سأله باستنكارٍ: ودي هتخرج من جوا ازاي؟
ضحك بصوته كله ومن ثم طرق على كتفيه بحماسٍ: مهمتك الأخيرة يا بطل!

مل الجميع بانتظارهم المطول أمام غرفة العمليات، ومازالت نور بداخل الجناح الخاص بقسم النساء والتوليد، لم تدخل بعد للعمليات، وفجأة تلاشى الصمت المهيب بين جلستهم حينما استمعوا لصوت احتكاك سرير جرار يقترب منهم، فوجدوا الممرضات يبذلان مجهودًا لدفعه للداخل في حين اعتراض نور لذلك، حتى انها اعتدلت بجلستها عليه وجذبت عمر من جاكيته وهي تصرخ باندفاعٍ: بقى ده وعدك ليا. بتقولي هنمشي من هنا وهفسحك دي الفسحة من وجهة نظرك يا دون!

حاول ابعادها عنه وهو يردد: هخرج معاكي ازاي بس وأنتي بالوضع ده. أولدي وأنا وعد مني هلفكك مصر حتة حتة.
رفعت حاجبيها بسخطٍ: مصر! ده تمامك يعني؟!
تدخل أحمد وياسين بينهما على الفور، فقال أحمد بوجهٍ يكافح الا ينحاز للضحك: نور بلاش فضايح احنا في مستشفى محترم.
استدارت تجاهه ومن ثم تفحصت الجالسين وجهًا لوجه، فصاحت بوجومٍ: هو مفيش غيركم! أمال فين البنات!

وقبل أن يجيبها استطردت: ومالكم ضاربين كلكم طقم بدل سودة ليه جاين تعزوا في ميت! بتفوووولوووا عليا!
ضحك ياسين حتى فشل بالسيطرة على ذاته، فخلع عنه جاكيته الأسود وأشار للشباب وهو يخبرهم: اقلع يا ابني منك له الاسود وخلوها أبيض عشان نور نفسيتها تتعدل ونخلص.
انصعوا إليه جميعًا، فقال ياسين بمرحٍ: كده تمام ولا أيه؟

تهدلت معالمها في يأسٍ، فكل حجة تلجئ لها تسد من امامها، دنا منها حازم وقال بمللٍ: ما تنجزي بقا يا نور. محدش بيطلع عنينا من البنات غيرك. صدقي بالله احنا عودنا بنشيل هم حملك عشان اللحظة دي!
ردد عمر بنزقٍ: آه والله. ده كابوس بيراودني من 9شهور.
لف جاسم يده حول كتفيه وهو يشير لها: شوفتي عملت في الواد أيه؟
اختلجت دمعاتها الكاذبة وهي تردد: هتتجمعوا عليا إكمني لوحدي ومعيش اللي يسندني!

ومالت برأسها على عمر تبكي بصوتٍ مرتفع جعل جميع من بالمشفى يتطلع إليهم بفضولٍ لمعرفة ما يحدث هنا، ضمها عمر اليه وهمس من بين اصطكاك اسنانه: كفايا يا نور فرجتي علينا بلاط المستشفى!
وهدهدها بأحضانه مرغمًا حتى تكف عن البكاء، فابتسمت وهي تتطلع له بحبٍ، وأشارت لأحمد وياسين قائلة: الزوج الحنين رزق.
أكدوا لها ذلك بإيماءة وجوههم، فأبعدها عمر عنه وهو يصيح بخشونة: خلصينا بقا.

اتسعت حدقتيها بلمعةٍ خبيثة فور رؤيتها من يتجه إليهم بعد وصوله للمشفى بصحبة يحيى، وحمزة ورعد، فصاحت عاليًا: ياسين يا جااااااارحي.
إستدار لها ياسين بأستغرابٍ بعدما كاد بالدخول لطرقة الغرفة: خير يا نور!
أشار لها عمر بأن تلتزم الصمت ولكنها أشاحت بيده بعيداً عنها قائلة بغضب: ابنك مش راضي يخليني أعاكسه وأنا على وش ولادة يرضيك يا عمهم؟

تطلع ياسين ليحيي الذي سقط أرضًا من فرط الضحك والشباب بأكملهم، فدفع عمر السرير وهو يشير لمالك الذي خرج من غرفة العمليات يستكشف سبب تأخيرهم، ليجد عمر يصرخ به بعصبيةٍ: أديها المخدر هنا وخلصني.
فور سماعها لذلك نهضت عن السرير وتراجعت للخلف وهي تشير لهم: يخدر مين ده انا أكلهم نفر نفر!

اصطدمت بحافة مقعد فكادت بالسقوط لتجد من يعتليه يمسك يدها، ابتسمت نور حينما وجدت عدي يقف قبالتها، وكأنه سيخلصها من هلاكٍ سيحط بها، فبادلها بنظرةٍ صارمة جعلتها تردد بخوفٍ: أنا بس زعلانه إني هولد كده من غير ما أنكل عز وآدهم يكونوا موجودين جنبي.
كبت رعد ضحكاته، ومع ذلك أخبرها بثبات: عز وأدهم لسه قدامهم ساعة على ما طيارتهم توصل. بس يارا وشذا على وصول متقلقيش.

وكأنها وجدت الأمان بمخرج جديد: نستناهم احنا ورانا أيه يعني؟
شدد عمر على شعره بنفاذ صبر، وأشار لمالك الذي سقط من فرط الضحكات: ما تتصرف يا زفت.
أجابه بمرح: أتصرف أعمل أيه؟ ثم إن دي مش أول مرة مدام نور تعمل كده!
تدخل عدي حينما وجد عمر على وشك الجنون فأنحني تجاهها، وقال بمكرٍ: نور هو أنتِ خايفة فبتكتسبي وقت قبل الجراحة ولا نظامك أيه؟
أجابته بغرور خادع: أخاف ايه بس يا وحش عيب عليك.

وإستدرات برأسها للخلف لتتفحص الوجوه ثم صاحت برعب: مبدهاش بقي، أنا عايزة ارجع القصر لماما آية أنا جيت هنا غلط وعهد الله لسالي شوية.
ردد رعد بصدمةٍ: المستشفي كلها أتلمت علينا؟!
ردد ياسين ساخرًا لأحمد الواقف جواره: دا دليل اني داخل على أيام سوده.
أتاه صوتًا متمرد يجابهه: بتقول حاجة يا حبيبي؟

استدار للخلف فوجد الفتيات بأكملهن أمامه، حتى عز و أدهم الذي دنا منها وقال: شوفتي حظك يا نور قدرنا نخلص ونركب معاهم على نفس الطيارة.
بينما أضاف عز ببسمته الجذابة: ربنا يقومك بالسلامة يا حبيبتي.
ابتلعت ريقها بتوترٍ، حينما اندفعت الفتيات اليها من كل صوبٍ، حتى آية انضمت إليهن، فربتت على يد نور وهي تخبرها بحنان: متخافيش يا حبيبتي كلنا جنبك.

انحنت تجاهها رحمة وعدلت من حجابها الغير منظم ثم قالت بشفقةٍ: متخافيش كلها دقايق وهتخرجي.
منحتها ابتسامة ممتنة، فتراجعت للخلف وسمحت لآسيل بالاقتراب، فانحنت تجاهها وهمست هي الاخرى: تفكيرك هيتعبك سبيها على الله.
ضمتها يارا لحضنها وهي تربت بحنان عليها: كنت هزعل لو مكنتش لحقتك قبل ما تدخلي. بس الحمد لله.
وقالت شذا: يالا يا نوري مستنينك تقومي بالسلامة عشان نرغي في حاجات كتير.

واضافت مليكة: مستنين نشوف الباشا اللي هيشرف عيلتنا بس بلاش اسماء متكررة بقا الله يكرمك ملينا من اللخبطة.
اكتفت ببسمة صغيرة ممتنة بالحب لعائلتها التي لا تنفك تقدم كامل دعمها لها، الجميع لجوارها اليوم، ابتعدت الفتيات للخلف وتبقى عمر وعدي لجوارها، فأشارت لعدي مرة اخرى، انحنى تجاهها ليسمع ماذا هناك مجددًا فقالت بحرجٍ: معتش ليا حاجة؟
أكد لها: بالظبط.
هزت رأسها وهي تسترسل: خلاص خلي أخوك يدخل معايا.

رفع عسلية عيناه لمن يتابع الحوار بينهما، فردد باستسلامٍ: أمري لله.
عادت نظراته تجاهها مجددًا بعدما حقق لها مطلبها، فقالت: توكلت على الله. شوف بقى يا وحش عشان لطفك الغريب ده معايا! انا لو جبت فعلًا واد هسميه على اسمك تيمنًا بالموقف اللي مش مفهوم منك ده.
ابتسم وهو يخبرها بمرحٍ: ادخلي انتي بس وانا راضي بأي حرف من اسمه بس اعقدي النية بس!

ضحكت بصوتها كله، واشارت لعمر بأن يدفع السرير، وفجأة اوقفته فصاح معتز بنفاذ صبر: أيه تاني؟
قالت بتذمر وهي تشير لعدي: يشلني زي ما عدي شال رحمة ودخلها العمليات. ولا هي يعني عشان كانت حامل في تؤام يعني!
انفجرت رحمة من الضحك حتى توردت وجنتها، فصاح به رائد بملل: شلها يا عم وخلصنا!

ود لو حملها وألقى بها بصندوق المهملات الضخم الذي رأه جوار المشفى في طريث عبورهما بالطائرة التي قادها أخيه، لوهلة كان يظن بأنه هو من سيقذف بها من نافذة السيارة والآن يتمناها لزوجته التي تمادت بأفعالها الطفولية، لذا حملها وولج بها لغرفة العمليات بخطواتٍ شبيهة للركض، تاركًا من خلفه تهليلات شكر وحمد لتخليصهم منها!

بدأ تأثير المخدر يتلاشى عن أطرافها، فبدت الرؤيا معتمة بعض الشيء، مررت يدها على جبينها وهي تقاوم الألم الشديد الذي يصفع جسدها، فبدأ يتضح لها معالم المكان تدريجيًا، غرفة فخمة للغاية، خزانة ضخمة من اللون الأبيض وكومود ضخم يقابله شاشة عرض، وسريرها يتوسط تلك الغرفة، بدى لها بأنها بأحد الفنادق الباهظة، فتحملت على ذاتها ونهضت وهي تردد بخفوت: أنا فين؟

حاولت جاهدة تذكر أي شيء قد يساعدها بمعرفة هذا المكان، فتذكرت صعودها للمصعد ومساعدة هذا الرجل الغامض لها، وما حدث لها فور ارتشفها لتلك المياه الغريبة، مررت أصبعها على جبينها ودموع فزعها هاجمتها بكل ما أوتيت من قوةٍ، وفجأة تحرر صوت رجولي جعلها تتراجع للخلف برهبة وهي تبحث عن مصدر الصوت: حمدلله على سلامتك.

وجدته يجلس على مقعد جانبي بنهاية الغرفة، هو نفس الرجل الذي أقدم على مساعدتها، فرددت بخفوتٍ: أنا جيت هنا ازاي. أنت عايز مني أيه؟
نفث أدخنة سجاره بنشوةٍ حقيرة، ونظراته تقبض قلبها تباعًا، فتعمد التباطؤ بحديثه: عايزك أنتي!
جحظت عينيها بصدمة لحقارته ولفظه الخادش، فضحك بصوتٍ مسموع وهو يخبرها: بس مضطر أحافظ عليكي لانك مش هدفي.
حرصت على فرد فستانها على جسدها لتخفيه عن أعين هذا الأرعن، وتساءلت بعدم فهم: هدف!

هز رأسه بإيجازٍ: جوزك وصاحبه يلزموني. ولحد ما اجيب رقبتهم تحت جزمتي عايزك تكوني هادية ومتعمليش مشاكل، وزي ما انتي شايفة أنا مش خاطفك في بير ولا في أماكن مشبوهة زي جو الافلام القديمة دي، أنا سايبك في فندق 5نجوم واتمنى تقدري ده.
ونهض عن مقعده ليغادر أمام عينيها بكل عنجهية، جعلتها تفور غيظًا، فلحقت به وهي تصرخ: انت رايح فين، أنت أكيد مجنون خرجني من هنا والا هصوت وألم عليك الناس.

أغلق الباب من خلفه بوجهها وقال ببرود: خدي راحتك.
تعجبت من جموده، هل يعقل بأنه يحتجزها بمكان مثل هذا ولا يخشى أن يعلم بوجودها احدٌ، من المؤكد لها بأنه فندقه الخاص لذا اكتسب كل تلك الثقة، ومع ذلك لم تستسلم مروج، فظلت تطرق على باب الغرفة وتصرخ بصوتها عل أحدًا يسمعها، وما أساء لها أن الشرفة مغلقة بسياج حديدي ضخم جعلها تنهار وهي تبكي من خلفه مرددة بصراخ: ساعدوني، مازن!

غادر مهاب وهو يتابع رسالته الهامة على حسابه، بعدما وصل ذراعه الأيمن للقاهرة، وقد رتب له أمر المناقصة بالغد، فاتجه للمطار حتى يلحق به، وبداخله قسم بأنه سينتقم من عدي وممن تسبب بسجنه لتلك السنوات، حتى وإن كان الآن يعيش بهوية غير هويته، ووجهًا غير وجهه، فجذب تلك الحقيبة الصغيرة الموضوعة لجواره على المقعد وهو يتأمل بطاقته التي تحوي اسمه الحقيقي.

أمجد السلاموني، شعر برعشة تضرب جسده بقوةٍ وهو يتذكر كل تلك الايام البائسة التي قضاها خلف القضبان، وكأنه حبس فيهم ظلمًا، تذكر ما وجده خلفها وما فعله بيده الحقيرة وارتكابه لابشع الجرائم التي تخالف الشرع والدين، وكأنه ملاك لا يتوجب على أحدٍ محاسبته على ما قام به من معصيات وجنايات لا يتهاون معها القانون، لذا كان الاختيار الأمثل للوحش الثائر لكبح هذا الشيطان عن جرائمه، وحينما نجح هو وفريقه كان جزائهم القتل الشنيع على يد هذا اللعين والآن يرى أن من المنصف القضاء على القائد الأعلى للفريق عدي الجارحي!

حاول مازن الاتصال هاتفيًا بعدي ولكن هاتفه المغلق جعله يلجئ لأخ زوجته معتز، الذي بدى له صوته مقلق فسأله بشكٍ: في أيه يا مازن. مروج فيها حاجة؟
صاح بعصبيةٍ بعد وابل اسئلته التي لا تنتهي: معتز مفيش معايا وقت ادي التليفون لعدي لو جنبك ضروي. أختك حياتها في خطر سااااامعني!
علي الفور ركض معتز للأعلى، قاصدًا الطابق العلوي للمشفى، حيث توجد العائلة بأكملها بغرفة نور بعد خروجها من العمليات.

وزعت نظراتها السعيدة بينهم وبين صغيرها المحمول بين أيدهم، ومن ثم قالت بحرجٍ يتراقص بين حياء نبرتها: أنا بعتذر يا جماعة اني دوختكم معايا، بس ده فتح كرش مش فتح حساب بنكي فالموضوع مش سهل!
تسرت الضحكات بينهم، فقال حمزة ساخرًا: عندك حق يا نور، والمفروض انك تحرمي تعمليها بعد كده.
بينما ردد يحيى بابتسامةٍ هادئة: نور دي حكاية والله.

قاطع جلستهم الآسرية، دخول معتز والقلق يبرز على وجهه بوضوحٍ، رؤيتهم بتلك السعادة جعلته يتراجع عما يجول بخاطره، وبالأخص رؤيته لوالديه، فلم يمر على عودتهم الا سويعات قليلة، لذا رسم ابتسامة باهتة وهو يشير لعدي: عدي من فضلك عايزك.
لحق به عدي، والتهى الجميع بمزحات الفتيات التي تتشاجران على حمل الصغير، ولم يلاحظ احدٌ العاصفة التي تضرب بين ثلاثتهم بالخارج.

تساءل عدي باستغراب: في أيه يا معتز؟
ناوله الهاتف وهو يردد بعصبيةٍ بالغة: أنا اللي محتاج أفهم وحالًا.
لم يعلق على حديثه، وجذب الهاتف عن يده ثم رفعه على آذنيه ليستمع لصوت المتصل فقال بذهول: مازن أنت كويس!

أتاه عبارة مختصرة تضم مهالك عظيمة: مهاب أبو العزم خطف مروج يا عدي. والشغالة كلمتني وقالتلي ان جالي رسالة للبيبت مكتوب فيها لو عايز مراتك ترجع سليمة المناقصة مترساش على شركات الجارحي. أوعى تدخل المناقصة دي يا عدي حياة مروج في خطر سامعني!

ضيق عينيه بنظرة قاتمة فشل من يراقبه بفهم مغزاها، أو أي اشارة قد تخبره بما حدث لشقيقته، والغريب بأنه أغلق المكالمة دون أن يتفوه كلمة واحدة، واتجه لمغادرة المشفى بثباتٍ غامض، جعل معتز يلحق به وهو يسأله بلهفة: في أيه يا عدي. مروج مالها؟
لم يجيبه، أكمل طريقه لسيارته دون أي اجابة منه، فعاد ليصرخ به: رد عليا يا عدي مروج مالها، وليه مازن قالي ان حياتها في خطر يقصد أيه بكلامه؟

استدار اليه بكامل جسده وهو يجيبه باتزانٍ صارم: هزار سخيف عشان أرد عليه لاني مشغول وقافل تليفوني.
عبس بملامحه بسخطٍ: ده مكنش صوت واحد بيهزر!
بحزمٍ لزم التحلي به قال: حكيتلك اللي حصل. اطلع وخليك معاهم.
وتركه وغادر والاخير يكاد يجن من فرط قلقه على شقيقته، فحاول العودة باتصاله لمازن ولكن لم يجيبه هو الآخر!

نبت داخلها قلق عجيب تجاه ما يحدث، فخرجت شروق خلف زوجها علها تعلم ماذا يحدث، لحقت بها رحمة وأغلقت الباب من خلفها ونادتها وهي تتساءل بدهشةٍ: رايحة فين يا شروق؟
أجابتها وهي تشير باصبعها للدرج: مش عارفة معتز ماله هشوفه.
وقبل أن تخطو وجدته يصعد من تلقاء ذاته، وحينما وجدها سألها باستفهام: رايحة فين؟

لحقت به للداخل وهي تبرر له قلقها الزائد عليه، فأخبرها بأنه على ما يرام، تابعتهم رحمة ببسمة صغيرة وكادت باتباعهما للداخل، ولكنها توقفت فجأة حينما استمعت لصوتٍ غريبٍ يناديها، اقتربت من حافة الدرج المؤدي للأعلى باستغرابٍ، وحينما كادت بالعودة لغرفة نور عاد الصوت ليتردد من جديدٍ، مما جعلها تصعد للأعلى لتستكشف الأمر، لم يكن سوى طابق يعيد تحضريه بالدهانات والمعدات الحديثه، فكان لا يحتوي على أحدٍ سوى المعدات، انقبض قلبها لعدم رؤية أحدًا، لذا استدارت لتعود ادراجها، فعاد الصوت ليعلو من جديدٍ، اتبعته رحمة والقلق يلتهم لحمها مرورًا بقلبها الضغيف، فتحت الباب المقابل لها فوجدتها لغرفة فارغة، وعادت لتفتح الباب المجاور لها، ظلت برحلة بحثها حتى انتهت تمامًا من الطابق بأكمله، وحينما لم تعثر على شيئًا استعدت لعودتها خوفًا من سماع هذا الصوت الذي لم يكف عن منادتها، فاستدارت وهمت بالركض ولكن جسدها تصلب محلها كتمثال الشمع حينما شعرت بقبضة أحدٌ يشدد على معصمها، ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة، والتفت رويدًا رويدًا لتقابل وجه من يقف قبالتها بعينين محدقتين بصدمة وفزع، وفحيح صوته يردد: وحشتيني.

تراجعت للخلف وهي تشير نافية لتلك الحقيقة الصادمة، لسانها يرفض تصديق ذلك فازعن: لأ، لأ.
ابتسامته الشيطانية أكدت لها وجوده قبالتها فقال بحنين مخيف: بعد كل السنين دي لينا نصيب نتقابل يا آآ، بنت عمي!
هزت رأسها بجنون ومازالت تتراجع للخلف وهو يقترب منها بسعادة رؤيتها ترتجف خوفًا كذلك، فعاد ليهمس لها: شكلي موحشتكيش زي ما أنتي كنتي وحشاني. متقلقيش المرادي محدش هيخلصك مني وهتفضلي معايا على طول.

ذكريات ذلك القبو المظلم عادت لتضرب كل خلايا جسدها، المقعد الخشبي الذي ظلت مقيدة به بتلك الغرفة المقيتة، وجع قلبها لفراق ابناءها وكذبته بشأن وفاتها، بعدها عن معشوق روحها طوال تلك الفترة التي استنزفت كل قطرة حبٍ داخلها، تلقائيًا دموعها انهارت لتذكر تلك الفترة القاسية بحياتها ناهيك عما يخبرها به، لذا صرخت بوجعٍ: ابعد عني.
ضحك بشر وهو يدنو منها: محدش هيخلصك مني!

دفعته عنها وهرولت بكل ما امتلكته من قوةٍ، وفجأة اصطدمت بأحدٍ منعها من السقوط أرضًا، رفعت رحمة رأسها لمن يقدم لها المساعدة لتجد ذاتها أمام هيبة تستدعيها بالاطمئنان، وجدته يضمها خلفه، ومن يتأمله بسخطٍ يشعر داخله بخوفٍ غريب وهو يتأمل نظرته القاتمة التي تشبه ظلام الليل، فردد بلسانٍ تصنع قوته: ياسين الجارحي!

تشبثت به رحمة وبكائها لم يتوقف قط، فرفع يده بثباتٍ قاتل، يربت على تلك الأصابع التي تحتضن بها أمانه، ومصطفى يتابعهما ويردد ببسمةٍ ساخرة: كان نفسي أقابلك وش لوش من زمان. بس محصليش الشرف.

أخفض جفنيه بحركة ثابتة إشارة لمن ينتظرها، فعلى الفور أسرع بتلبية اشارة سيده وانهال عليه بضربة قوية على رأس مصطفى من الخلف، جعلته يتمدد أرضًا أسفل قدميهو، انحنى ياسين تجاهه ومن ثم قبض على عنقه بقوةٍ جعلت الأخير يختنق وهو يتابع حركة شفتيه بعدما تخلى عنه صمته: وحصلك الشرف بس وأنت في مكانك الطبيعي تحت رجليا!
والقاه تجاه رجاله وهو يشدد عليهم: الكلب ده عايزه يتربى.

حملوه بين أيديهم والأخير يصيح بجنون: انت فاكر اني لوحدي. رجالتي كلها مالية المستشفى. ياكلوك حي يا باشا.
ابتسم بثباتٍ جعل الاخير يرتد رعبًا، وخاصة حينما اشار لرجل ضخم على ما يبدو بأنه القائد للحرس: أبقى خليه يلقي نظرة أخيرة على رجالته قبل ما يندفوا يا عثمان.
احنى رأسه وهو يجيبه ببسمة واسعة: عيوني يا باشا.

وأشار لرجاله فحملوه وتخفوا به على الفور، بينما أصدر ياسين أمره الاخير لعثمان: عايزه حي. هو اللي هيوصلنا للكلب اللي وراه.
هز رأسه بطاعة وانصرف على الفور.
راقبت رحمة كل ما يحدث من محلها الأكثر أمانًا، خلف ظهر ياسين الآمن، ولسانها عاجز عن التنطق، ترفض تقبل كل ما تراه، مجرد أنها بأمانٍ يصعب عليها تصديقه!
استدار ياسين للخلف ليكون قبالتها، فرفع يده على رأسها وهو يخبرها بحنان: متخافيش أنتي في أمان.

رمشت بعينيها بارتباكٍ، وكأنها تحاول استيعاب ما يحدث، فاشارت باصبعها تجاه المكان الذي كان يخص مصطفى وقالت: مش هيسبني.
وانهارت باكية حتى سقطت أرضًا تجاهد ما يحدث لجسدها الهزيل، اخفض ذراعه تجاهها وجذبها لتنهض قبالته ثم قال بصرامةٍ: مفيش حد يقدر يمس بنت من بناتي. خليكِ واثقة اني عمري ما هسمح بده.

لانت نظراتها ومازال بكائها يتسرب اليها، فضمها اليه ياسين وهو يخبرها: اوعدك انك مش هتشوفي الحيوان ده مرة تانية في حياتك، لو كان عدي اكتفى بحبسه فأنا مش هيكفيني فيه غير موته.
وأبعدها عنه بعدما هدأت، ومن ثم تعمق بالتطلع لها وقال بتشديدٍ وتحذير لها: رحمة. أوعي عدي يعرف حاجة من اللي حصلت هنا دي. فهماني.

بدون تردد هزت رأسها بتأكيدٍ، ومازال تأثير الصدمة يحيط بها، فناولها منديلًا ورقيًا وأشار لها: امسحي دموعك. وانزلي تحت مش عايز حد يحس بحاجة.
منحته ابتسامة صغيرة وازاحت عنها دمعاتها ومن ثم هبطت للاسفل، بينما جذب ياسين هاتفه وطلب اللواء، وأخذ يملي عليه بما يتوجب عليه فعله!

عاد الجميع للقصر وصعد كلا منهم لغرفته بعد هذا اليوم الشاق، خاصة بأن الجميع يستعد لمناقصة الغد، الجميع سرعان ما غفاهم النوم الا هي، بقت مستيقظة حتى عودة زوجها، فتصنعت النوم خوفًا من أن يكشف ما بها، القى عدي مفاتيحه على الكومود باهمالٍ، وانحنى ليخلع عنه حذائه ثم القى بثقل جسده على الفراش دون أن يبدل ثيابه، عقله يكاد يمزقه الفكر، ومازال هنالك خطط استثنائية للغد، اليوم سيكون صعب للغاية، تنتظره حربًا كبيرة، وعليه القتال لأخر انفاسه مثلما اعتاد، وسرعان ما غفى لنومٍ ظنه سيريحه قليلًا مما يتعرض له.

مرت ساعتين على غفلته حينما تسلل اليه صوت بكاءٍ خافت، وشهقات تسري بقلبه قبل أن تمتد لآذنيه، فتح عدي عينيه بتثاقلٍ، فوجدها تنتفض بنومتها وجسدها يرتحف بعنفٍ، مال بنومته تجاهها وهزها بخوفٍ: رحمة!
لم تنصاع ليده التي تحاول ايقاظها فعاد ليناديها: حبيبتي مالك فيكي أيه؟
فتحت عينيها وهي تبحث حولها برعبٍ، ومن ثم تعلقت عينيها به، فرددت بصوت متقطع: عدي!

رفع وجهها اليه، فوجد عينيها متورمة للغاية، فتساءل بلهفة: مالها عيونك. فيكِ أيه؟
تهربت منه فاحتضنته وهي تردد بخفوت: شوفت كابوس.
ضمها إليه بكاملها حتى اختبأت داخله ومن ثم طرح الغطاء فوقها وهو يهمس لها بصوته الرخيم: مش هتبطلي الطفولة دي. ولا هتبقي زي نور انتي كمان!

علي أثر ذكره لنور ضحكت من قلبها لتذكر ما فعلتها صباح هذا اليوم، فارتخت معالمه براحة حينما وجدها تبتسم، وأخذ يربت عليها حتى ظنها غفت مثلما تصنعت ذلك، فمال برأسه عليها ونام بعمق، ففتحت عينيها وأخذت تتأمله ببسمة صغيرة تحيطها هالة من الأمان لوجوده جوارها!

أشرقت شمس يومًا جديد حافل بأول مناقصة تخص الصفقة التي تولاها رائد الجارحي، كان الشباب ورجال آل الجارحي حاضرين للمناقصتين لاهميتهم الشديدة، فذهل الجميع من العروض المقدمة للمناقصة، لم ينكر أحدًا بأن عرض رائد كان مميزًا للغاية، ولكن عرض أخر تابع لشركة مهاب أبو العزم قلب المووازين وأصيبت شركاته أول اهدافها بالحصول على هذا العقد، مما جعل الجميع في صدمة لا توصف، وجعل أحمد في موقف لا يحسد عليه، هاج الغضب وماج داخل عدي، فلم يسمح لهذا الرجل بتحقيق ما يريد، وقد علم بما يدور برأس أحمد الجالس لجواره، فكان يوزع نظراته بين الملفين بتوترٍ، جذب عنه عدي الملف وهو يخبره: هسهل عليك الاختيار، الشغل مكان مفهوش عواطف يا أحمد عشان كده لو خايف من مواجهة رائد فأنا اللي هكون الطرف المنافس مش انت.

وحمل عنه الملف، ثم صعد ليقدم عرضه على مرمى الجميع، وقبل أن يصل للاستيدج وجد رجلًا غامضًا يقف قبالته، خلع عنه نظارته السوداء ومنحه ابتسامة خبيثة وهو يردد: المقدم عدي الجارحي. كان نفسي أشوفك من زمان.
حانت منه نظرة منفرة، شملته من رأسه لأخمص قدميه وبخشونة ردد: أنت بقا مهاب أبو العزم؟
ضحك وهو يجيبه: هو بعينه.
وانحنى تجاهه وهو يهمس اليه: اتمنى تكون فاكر صاحبك وبنت عمك!

ضيق عينيه وهو يردد بدهشةٍ: حاسس اني سمعت صوتك قبل كده. سبق لينا واتقابلنا!
استقام مهاب بوقفته وهو يجيبه بنظرةٍ خبيثة: معتقدش.
واسترسل بسخط: أنا شايف ان مكانك الطبيعي يكون في قسم الشرطة يا حضرت المقدم. هنا اللعب بيكون لحيتان السوق اللي للاسف مش هتقدر تكون منهم.
ابتسامة ساخرة تسللت اليه، وبثبات قاتل ردد: بالعكس ده أنسب مكان للعب. مبروك عليك عرضك. ودلوقتي دورك انك تباركلي.

وقدم عدي الملف أمام أعين من يتأمله بصدمةٍ اتبعت نبرته المستنكرة: متنساش بنت عمك تحت رحمتي.
رمش باهدابه الطويلة بتذكر، وبسخرية قال: أنا معنديش فقدان للذاكرة. أنت اللي اعتقد مش بتفهم. عرضك اترفض من شوية. أما بنت عمي فده ليه حساب لوحده.

وتركه مصدومًا وغادر من أمامه، وفجأة وجد رسالة صادمة تزف على حسابه، أما عدي فعاد ليحتل مقعده جوار أحمد ببسمة خبيثة، عله لم يرى ما يحدث الآن وخاصة على وجه رائد الذي غادر القاعة بغضب سيكون نقطة مفقودة وصلالها مرتبط بالوحش الثائر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة